الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٧٦] ـ (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) المبيّن بالمعجزات (قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) واضح.

[٧٧] ـ (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) إنّه لسحر ، وحذف المقول لقرينة ما قبله (أَسِحْرٌ هذا) استئناف ، إنكار ما قالوا (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) لا يظفرون بحجة ، فلو كان سحرا لبطل ولم يبطل سحر السحرة.

[٧٨] ـ (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) تصرفنا (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من الدين (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) الملك (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) بمصدقين.

[٧٩] ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «سحّار» (١) (عَلِيمٍ) حاذق في السحر.

[٨٠] ـ (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى) بعد أن خيّروه بين أن يلقى أو أن يلقوا : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ).

[٨١] ـ (فَلَمَّا أَلْقَوْا) حبالهم وعصيهم (قالَ مُوسى ما) الذي (جِئْتُمْ بِهِ) هو (السِّحْرُ) وقرأ «أبو عمرو» : «السّحر» بالمد (٢) على ان «ما» استفهامية مبتدأ ، وخبره «جئتم» و «السّحر» بدل منها ، أو خبر محذوف (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) سيمحقه (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) لا يقوّيه.

[٨٢] ـ (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يثبته بمواعيده (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ذلك.

[٨٣] ـ (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) إلّا طائفة من أولاد قوم فرعون ، ومنهم مؤمن آل فرعون وزوجته وما شطتها وخازنه وزوجته.

أو من أولاد قوم موسى بني إسرائيل (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) الضمير ل «فرعون» على أن يراد به آلهة ، أو للقوم (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) يعذبهم فرعون فيصرفهم عن

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٢٥ وحجة القراآت : ٣٣٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٢٥ وحجة القراآت : ٣٣٥.

٦١

دينهم ، وإفراد الضمير لأن الخوف من الملأ بسببه (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ) متكبّر (فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) المتجاوزين للحدّ في العتوّ بادعاء الربوبية.

[٨٤] ـ (وَقالَ مُوسى) ـ لمن آمن به ـ : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) به ثقوا (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) منقادين لحكمه.

[٨٥] ـ (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) اعتمدنا (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لا تسلطهم علينا فيفتنوا بنا.

[٨٦] ـ (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) من كيدهم.

[٨٧] ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا) اتخذا (لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) للسكنى أو العبادة (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) مصلى ، إذ منعكم فرعون الصلاة في مساجدكم ، أو مساجد نحو القبلة أي الكعبة (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أديموها (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر والجنة ، خطاب لموسى عليه‌السلام أو لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٨٨] ـ (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) ما يتزينون به (وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا) اللام للعاقبة أي آتيتهم وعاقبتهم أن يضلوا (عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) امسخها (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : أهلكهم ، أو أخذلهم (فَلا يُؤْمِنُوا) لهم (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) جواب الدعاء أو عطف على «ليضلّوا» وما بينهما اعتراض.

[٨٩] ـ (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) الضمير لموسى وهارون لأنه كان يؤمنّ ، فمسخت أموالهم حجارة وأغرقوا (فَاسْتَقِيما) فاثبتا على الدعوة. قيل مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة (وَلا تَتَّبِعانِ) وخفف «ابن ذكوان» «النون» (١) (سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الجهلة في استعجال القضاء.

[٩٠] ـ (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي جوّزناهم (الْبَحْرَ) حتّى جازوه (فَأَتْبَعَهُمْ)

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ١٦ وتفسير القرطبي ٨ : ٣٧٦.

٦٢

لحقهم (فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) مفعول له أو حال (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) أي بأنه وكسرها «حمزة» و «الكسائي» استئنافا ، (١) أو بتقدير وقلت إنه (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لم يؤمن إلّا حين لم يقبل الإيمان ، فقيل له :

[٩١] ـ (آلْآنَ) آمنت (وَقَدْ عَصَيْتَ) من (قَبْلُ) بالكفر (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) بالضلال والإضلال عن الإيمان.

[٩٢] ـ (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ) وخففه «يعقوب» (٢) نلقيك على نجوة من الأرض ، (٣) أو نخرجك طافيا على الماء (بِبَدَنِكَ) بجسدك خاليا من الروح ، أو بدرعك وكانت من ذهب يعرف بها (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) لمن وراءك علامة ، أي بني إسرائيل إذ شك بعضهم في موته فأخرج لهم ليروه.

أو لمن بعدك عبرة فيعرفوا أنك عبد مقهور ، ولا يطغوا طغيانك (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) لا يعتبرون بها.

[٩٣] ـ (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أنزلناهم منزلا محمودا وهو مصر والشام (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) اللذيذة (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي كانوا على الكفر ، فلما جاءهم العلم من جهة موسى وكتابه ، آمن فريق وكفر فريق ، أو كانوا مقرين بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى جاءهم العلم أي القرآن ، أو معلومهم اختلفوا في أمره (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإنجاء المحق وتعذيب المبطل.

[٩٤] ـ (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) من القصص فرضا (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) فإنه ثابت في كتبهم مطابق لما قصصنا عليك.

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٣٦.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٣٠.

(٣) النجوة : ما ارتفع من الأرض.

٦٣

روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا أشك ولا أسأل ، (١) وقيل : الخطاب له والمراد غيره ، (٢) أي إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا إليك على لسان رسولنا من الهدى فاسألهم يخبروك بصدقه (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) الشاكين ، إذ لا مجال للشك فيه.

[٩٥] ـ (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) خطاب له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد غيره.

[٩٦] ـ (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ) وجبت (عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) لعنته أو وعيده (لا يُؤْمِنُونَ) مع قدرتهم على الإيمان.

[٩٧] ـ (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) لرسوخهم في الكفر (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ولا ينفعهم حينئذ.

[٩٨] ـ (فَلَوْ لا) فهلا (كانَتْ قَرْيَةٌ) من القرى المهلكة (آمَنَتْ) قبل حلول العذاب بها (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا) لكن (قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا) حين رأوا أمارة العذاب ، ولم يؤخروا إلى حلوله (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وقيل : الجملة بمعنى النفي ، والاستثناء متصل ، أي ما أهل قرية آمنوا عند نزول العذاب فنفعهم إيمانهم إلّا قوم يونس (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) إلى آجالهم.

قيل : بعث يونس الى نينوى ـ قرية من الموصل ـ فكذبوه ، فوعدهم العذاب إلى ثلاثة أيام ، فلمّا دنا الموعد غشي مدينتهم غيم أسود ، ودخان هائل فأيقنوا صدقه ، فطلبوه فلم يجدوه ، فبرزوا الى الصعيد بأهاليهم ودوابهم ، وفرقوا بين كل ولد وأمه ، وعلا الضجيج ، وأخلصوا التوبة وآمنوا وتضرعوا الى الله ، فرحمهم وكشف عنهم (٣).

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ١٧ وتفسير الجلالين ١ : ١٨٠.

(٢) تفسير القرطبي ٨ : ٣٨٢.

(٣) ذكر قصة يونس كل من الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٣ : ١٣٥ والبيضاوي في تفسيره ٣ : ١٨.

٦٤

[٩٩] ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) مجتمعين على الإيمان أي يقدر على جبرهم على الإيمان لكن لمّا لم ينفع إيمان الملجأ لمنافاته التكليف لم يجبرهم (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي تريد إكراههم على الإيمان مع عدم قدرتك عليه. تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تحسّره وحرصه على إيمانهم.

[١٠٠] ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بلطفه وتوفيقه (وَيَجْعَلُ) وقرأ «أبو بكر» بالنون (١) (الرِّجْسَ) العذاب (عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) لا يتفكرون في الآيات.

[١٠١] ـ (قُلِ انْظُرُوا) تفكروا (ما ذا) أيّ الذي أو أي شيء (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الدلائل على وحدانيته وقدرته (وَما) نفي أو استفهام (تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ) الحجج والرسل (عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) لا يقبلونها ولا يريدون الإيمان.

[١٠٢] ـ (فَهَلْ) فما (يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثل وقائعهم (قُلْ فَانْتَظِرُوا) ذلك (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) له.

[١٠٣] ـ (ثُمَّ نُنَجِّي) عطف على ما دل عليه الاستثناء ، كأنه قيل : نهلك الأمم ثمّ ننجي (رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ) الإنجاء (حَقًّا عَلَيْنا) مصدر قدّر فعله (نُنَجِّي) وخففه «الكسائي» و «حفص» (٢) (الْمُؤْمِنِينَ) محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن آمن به إذا أهلكنا المشركين.

[١٠٤] ـ (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي أهل مكة (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) وحقّيّته (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) يقبض أرواحكم. وفيه تهديد (وَأُمِرْتُ أَنْ) أي : بأن (أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) به.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٣٦ وتفسير القرطبي ٨ : ٣٨٦.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٣٧ وحجة القراآت : ٣٣٧ وتفسير القرطبي ٨ : ٣٨٧.

٦٥

[١٠٥] ـ (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) عطف على «أن أكون» أي : وأمرت بالاستقامة في الدين بالإقبال عليه ، أو في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة (حَنِيفاً) مائلا إليه (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

[١٠٦] ـ (وَلا تَدْعُ) تعبد (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) إن دعوته (وَلا يَضُرُّكَ) ان تركته (فَإِنْ فَعَلْتَ) دعوته ـ فرضا ـ (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) أو أريد بخطابه غيره.

[١٠٧] ـ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ) يصبك (بِضُرٍّ) شدّة وبلاء (فَلا كاشِفَ) دافع (لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) نعمة ورخاء (فَلا رَادَّ) مانع (لِفَضْلِهِ) الذي أرادك به (يُصِيبُ بِهِ) بالخير (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ) لذنوبهم (الرَّحِيمُ) بهم.

[١٠٨] ـ (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) رسوله وكتابه (فَمَنِ اهْتَدى) باتباعه (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) لعود نفع اهتدائه إليها (وَمَنْ ضَلَ) عن اتباعه (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) لعود وبال ضلاله عليها (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) وإنّما عليّ البلاغ.

[١٠٩] ـ (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) بالامتثال (وَاصْبِرْ) على الدعوة وأذاهم (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بنصرك وقهرهم (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لأنه لا يحكم إلّا بالعدل ، فصبر ، فحكم الله بقتل المشركين والجزية على أهل الكتاب.

٦٦

سورة هود

[١١]

مائة وثلاث وعشرون آية مكية وقيل إلّا آية (وَأَقِمِ الصَّلاةَ ...) (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الر) مبتدأ (كِتابٌ) خبره ، أو خبر محذوف (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) أتقنت ، فلا خلل فيها من اللفظ والمعنى (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بيّنت بالأحكام والمواعظ والقصص (مِنْ لَدُنْ) من عند (حَكِيمٍ) في أفعاله (خَبِيرٍ) بمصالح خلقه أي : لأن ، أو : بأن.

[٢] ـ (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ) بالعقاب لمن كفر (وَبَشِيرٌ) بالثواب لمن آمن.

[٣] ـ (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) توصّلوا الى المغفرة بالتوبة أو استغفروه عن الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة (يُمَتِّعْكُمْ) في الدنيا (مَتاعاً حَسَناً) بأمن وسعة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي الموت (وَيُؤْتِ) في الآخرة (كُلَّ ذِي فَضْلٍ) عمل صالح (فَضْلَهُ) جزاء فضله ، أو «الهاء» لله أي : ثوابه (وَإِنْ تَوَلَّوْا) تتولوا أي تعرضوا

__________________

(١) قاله قتادة ينظر تفسير مجمع البيان ٣ / ١٦٠.

٦٧

(فَإِنِّي) ـ وفتح «الحرميان» و «أبو عمرو» : (١) «الياء» وكذا «ياء» (إِنِّي أَعِظُكَ) ؛ (٢) (إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) ، (٣) (إِنِّي أَخافُ) ، (٤) (شِقاقِي) ـ (٥) (أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) يوم القيامة.

[٤] ـ (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) رجوعكم في ذلك اليوم (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومنه الإثابة والتعذيب.

[٥] ـ (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) يطئونها على عداوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) من الله أو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

نزلت في المشركين كانوا إذا مرّوا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طأطأ أحدهم رأسه وغطاه بثوبه كي لا يراه (٦).

وقيل : قالوا إذا طوينا صدورنا على عداوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا كيف يعلم؟ (٧) (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) يتغطون بها (يَعْلَمُ) أي : الله (ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بما في القلوب.

[٦] ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) تدب عليها (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) معاشها ، تكفّل به فضلا منه (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) موضعها في حياتها أو الصلب (وَمُسْتَوْدَعَها) في مماتها أو الرحم (كُلٌ) مما ذكر (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بيّن ، وهو : اللوح المحفوظ.

[٧] ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) في مقدارها من الأحد

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٢.

(٢) الآية (٤٦) من هذه السورة.

(٣) الآية (٤٧) من هذه السورة.

(٤) الآيتان (٣) و (٢٦) من هذه السورة.

(٥) الآية (٨٩) من هذه السورة.

(٦) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٤٥ وتفسير البرهان ٢ : ٢٠٦.

(٧) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ٢٠.

٦٨

الى الجمعة بحسب تقديره تعالى (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) قبل خلقهما ، والماء قام بقدرة الله تعالى لا على شيء ، وقيل على متن الريح (لِيَبْلُوَكُمْ) متعلق ب «خلق» أي : خلقهما وما فيهما من مصالح وفوائد لكم معاشا ومعادا ليعاملكم معاملة المختبر ، ولتضمنه معنى العلم علّق عن (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أصوبه وأخلصه ، أي عقب بجملة استفهامية حلّت محل ثاني مفعوليه لا التعليق المشهور لعدم حلولها محل المفعولين (وَلَئِنْ قُلْتَ) لهم (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) ما القول بالبعث ، أو القرآن المتضمن له (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) تمويه بيّن لا حقيقة له. وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «ساحر» (١) والمشار إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٨] ـ (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) أوقات قليلة.

وعن الصادق عليه‌السلام : هي أصحاب المهدي عليه‌السلام عدة أهل بدر (٢) (لَيَقُولُنَ) استهزاء (ما يَحْبِسُهُ) ما يمنعه من الحلول (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) العذاب (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) و «يوم» ظرف لخبر «ليس» وتقديمه عليها يسوّغ تقديم خبرها (وَحاقَ) نزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب.

[٩] ـ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) منحناه نعمة كصحة وسعة (ثُمَّ نَزَعْناها) سلبناها (مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) شديد اليأس من رحمة الله (كَفُورٌ) شديد الكفر به أو بالنعمة.

[١٠] ـ (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ) بلاء وشدة (مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ) الشدائد (عَنِّي) فلا تعود اليّ ، ولم يشكر الله تعالى ـ وفتح «نافع»

__________________

(١) تفسير القرطبي ٩ : ٩ وتفسير روح المعاني ١٢ : ١٢.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٤٤ وتفسير البرهان ٢ : ٢٠٨ و ٢٠٩.

٦٩

و «أبو عمر» ياءه ، (١) وياء (نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ) (٢) وياء (إِنِّي إِذاً) (٣) وياء (ضَيْفِي) ـ (٤) (إِنَّهُ لَفَرِحٌ) بطر (فَخُورٌ) على الناس بما أعطى.

[١١] ـ (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) على الضراء رضىّ بقضاء الله. استثناء من الإنسان العام باللام ، وإن حمل على الكافر فمنقطع (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) شكرا للنعماء (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) هو الجنة.

[١٢] ـ (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) فلا تبلغهم إياه لاستهزائهم به (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) بتلاوته (٥) عليهم كراهة (أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا) هلّا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) ينفقه (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يصدّقه (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) وما عليك إلّا البلاغ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) حفيظ ، فيجازيهم بقولهم وفعلهم.

[١٣] ـ (أَمْ) بل أ(يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي القرآن (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) في البلاغة وحسن النظم (مُفْتَرَياتٍ) مختلقات فإنكم عرب فصحاء مثلي. تحداهم بها ثم بسورة حين عجزوا (٦) (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ليعينوكم المعارضة (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّي افتريته.

[١٤] ـ (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) خطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التعظيم ، أو للمؤمنين معه ، أو للمشركين ، والواو للمدعوين (فَاعْلَمُوا) أيها المؤمنون أو المشركون (أَنَّما أُنْزِلَ) متلبسا (بِعِلْمِ اللهِ) بمواقع تأليفه في علوّ طبقاته أو بأنه حق

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ـ ٢ : ٢٩٢.

(٢) الآية (٣٤) من هذه السورة.

(٣) الآية (٣١) من هذه السورة.

(٤) الآية (٧٨) من هذه السورة ، وايضا في سورة الحجر : ١٥ / ٦٨.

(٥) في «ط» : لتلاوته.

(٦) التحدي بسورة ، ذكرها سبحانه وتعالى في صورة يونس : ١٠ / ٣٨ ـ وورد أيضا في سورة البقرة : ٢ / ٢٣.

٧٠

من عنده (وَأَنْ) مخففة أي واعلموا أنه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لعجز غيره عن مثل هذا المعجز (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ثابتون على الإسلام ، أو داخلون فيه بعد نهوض الحجة عليكم. أي : أسلموا.

[١٥] ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) بعمل البرّ ، هي في الكفرة أو المرائين (نُوَفِ) نوصل تماما (إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) جزاءها بالسعة والصحة والأولاد (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) لا ينقصون شيئا من جزائهم.

[١٦] ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ) بطل (ما صَنَعُوا فِيها) في الآخرة ، فلا ثواب لهم لأنهم لم يريدوا به وجه الله (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) لأنه لغير الله.

[١٧] ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة (مِنْ رَبِّهِ) وهي القرآن ، أو دليل العقل ، وهو : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو المؤمنون (وَيَتْلُوهُ) يقرؤه أو يتبعه (شاهِدٌ) يصدقه (مِنْهُ) من الله وهو جبرئيل ، أو القرآن.

وعن عليّ والباقر والرضا عليهم‌السلام : انه عليّ عليه‌السلام يشهد للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منه (١) (وَمِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) التوراة يتلوه أيضا في التصديق (إِماماً) يؤتم به ، حال (وَرَحْمَةً) لمن آمن به. وخبر «أفمن» محذوف ، أي : كمن لا بينة له ، وهو مريد الحياة الدنيا (أُولئِكَ) أي من كان على بينة (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالقرآن أو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ) فرق الكفار (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) مصيره (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) شك (مِنْهُ) من القرآن (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) لتركهم النظر.

[١٨] ـ (وَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه شريكا أو ولدا (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) يوم القيامة فيحبسون (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) ـ جمع

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٥٠ وتفسير البرهان ٢ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

٧١

شاهد أو شهيد ، وهم الملائكة أو الأنبياء أو أئمة الحق في كل عصر ـ : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بكذبهم على الله.

[١٩] ـ (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) ويطلبون لها الانحراف ويصفونها به (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) حال ، وكرر «هم» تأكيدا.

[٢٠] ـ (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ) فائتين الله أن يعذبهم (فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) أنصار يمنعونهم من عذابه (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) بكفرهم ومعاصيهم (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) للحق لبغضهم له ، فكأنهم لم يستطيعوا سماعه (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) ما يدل عليه ، لتركهم تدبره ويجوز كونه علّة المضاعفة.

[٢١] ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتعريضها للعذاب الدائم (وَضَلَ) ذهب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الشركاء لله.

[٢٢] ـ (لا جَرَمَ) لا محالة أو حقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) الأكثر خسرانا من غيرهم.

[٢٣] ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أنابوا ، أو اطمئنوا إليه (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

[٢٤] ـ (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) صفة الكفرة والمؤمنين (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) مثل الكافر في عدم انتفاعه بحواسه (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) مثل المؤمن في انتفاعه بها (هَلْ يَسْتَوِيانِ) أي الفريقان أو مثلاهما (مَثَلاً) صفة (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتذكرون أي : تعتبرون.

[٢٥] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي) (١) أي بأني ، وكسرها «نافع» و «عاصم»

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «إني» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

٧٢

و «ابن عامر» و «حمزة» (١) بتقدير القول (لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) للإنذار.

[٢٦] ـ (أَنْ) أي بأن أو أي (لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) مؤلم.

[٢٧] ـ (فَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) لا تفضلنا بشيء يوجب طاعتك علينا (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) اخسّاؤنا الذين لا مال لهم ولا جاه (بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهره بلا تعمق ، من البدو ، أو ابتداء من البدء بقلب الهمزة ياء ، وهمّزه «أبو عمرو» (٢) ونصب ظرفا بحذف مضاف أي وقت حدوث ظاهر آرائهم أو أوله (وَما نَرى لَكُمْ) لك ولمن اتبعك (عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) تستحقون به أن نتّبعكم (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) في دعواك الرسالة وزعمهم صدقك. غلّب المخاطب على الغيب.

[٢٨] ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) اخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة تصدق دعواي (مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً) نبوّة (مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ) (٣) خفيت (عَلَيْكُمْ) لقلة تدبركم فيها والضمير لكل من البينة والرحمة.

وضمّ العين «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» وشددوا الميم (٤) (أَنُلْزِمُكُمُوها) أنلجئكم إلى قبولها (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) لا تقبلونها.

[٢٩] ـ (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التبليغ (مالاً) أجرا (إِنْ أَجرِيَ)

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ٢٤ ، وفي تفسير القرطبي ٩ : ٢٢ : وقرأ «ابن كثير» و «ابو عمر» و «الكسائي» : «أني» بفتح الهمزة ـ اي : أرسلناه بأني لكم نذير مبين.

(٢) حجة القراآت : ٣٣٨.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة «حفص» : «فعمّيت» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٤) تفسير البيضاوي ٣ : ٢٤ وفي هامش تفسير القرطبي ٩ : ٢٥ ـ ان قراءة : «فعميت» ـ بالتخفيف ـ هي ل «نافع».

٧٣

ما ثوابي ، وسبق في «يونس» القراءة في الياء (١) (إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) كما سألتموني (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) فيكرمهم ويجازي طاردهم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) الحق وأهله ، أو في سؤال طردهم. وفتح «نافع» و «البزي» و «أبو عمرو» : الياء (٢) وكذا في «أريكم» الآتية (٣).

[٣٠] ـ (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) يمنعني من عذابه (إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتذكرون أي تتعظون.

[٣١] ـ (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) مقدوراته أو خزائن رزقه (وَلا) أقول إني (أَعْلَمُ الْغَيْبَ) حتّى تستعظموا ذلك فتكذبوني (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) بل أنا بشر مثلكم (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي) تحتقر (أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) فإنه يؤتيهم في الآخرة ثوابه (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) قلوبهم من إخلاص وغيره (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) ان قلت ذلك.

[٣٢] ـ (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) خاصمتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في الوعيد.

[٣٣] ـ (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) فإن تعجيله وتأخيره إليه لا الىّ (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) فائتين الله.

[٣٤] ـ (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) جواب الشرط ، يعلم مما قبله ، ومن الشرطية يعلم جواب (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) والتقدير إن كان الله يريد أن يخيّبكم من ثوابه ويعاقبكم لكفركم ، أو يهلكهم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ، إذ الشرط بعد الشرط مقدم معنى وان تأخر لفظا (هُوَ رَبُّكُمْ)

__________________

(١) في الآية (٧٢) من سورة يونس.

(٢) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٢.

(٣) في الآية (٨٤) من هذه السورة.

٧٤

مالككم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم بأعمالكم.

[٣٥] ـ (أَمْ) بل أ(يَقُولُونَ) أي كفّار مكة (افْتَراهُ) اختلق محمد نبأ نوح (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي) وباله (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) من إجرامكم في نسبة الافتراء إليّ.

[٣٦] ـ (أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ) تغتمّ (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من تكذيبك وايذائك. أقنطه الله من إيمانهم فدعا (رَبِّ لا تَذَرْ) إلى آخره ، (١) فأجاب دعاءه وقال :

[٣٧] ـ (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) السفينة (بِأَعْيُنِنا) برعايتنا وحفظنا (وَوَحْيِنا) وتعليمنا (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا بإمهالهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) لا محالة.

[٣٨] ـ (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حال ماضية (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ) جماعة (مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) هزأوا به لعمله لها في برّ لا ماء عنده ، فيتضاحكون ويقولون :

صرت نجّارا بعد النبوة (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) إذا غرقتم (كَما تَسْخَرُونَ) اليوم.

[٣٩] ـ (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ) أي الذي (يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) يفضحه وهو الغرق (وَيَحِلُ) ينزل (عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم في الآخرة.

[٤٠] ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) بتعذيبهم ، غاية «ليصنع» ، وما بينهما حال من فاعله (وَفارَ التَّنُّورُ) ارتفع منه الماء وهو تنّور الخبز. كان في الكوفة [في] ـ موضع مسجدها ، أو في الشام ، أو الهند وكان ذلك علامة لنوح خارقة للعادة (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) في السفينة (مِنْ كُلٍ) من كل نوع من الحيوان (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى ، وهذا على التنوين لحفص (٢) وعلى الاضافة لغيره ، معناه : من كل زوجين ذكر وأنثى

__________________

(١) وهي الآية (٢٥) من سورة نوح : (٧١).

(٢) حجة القراآت : ٣٣٩.

٧٥

من جميع أنواعهما أحمل اثنين ذكرا وأنثى (وَأَهْلَكَ) واحمل أهلك وهم زوجته وبنوه (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) الوعد بإهلاكه وهو ابنه «كنعان» وأمّه داغلة (وَمَنْ آمَنَ) من غيرهم (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) قيل كانوا ثمانين ، منهم بنو سام وحام ويافث ونساؤهم وزوجته المسلمة وقيل أقل.

وصنعها من الساج ، طولها ألف ذراع وعرضها خمسون ذراعا ، (١) وسمكها ثلاثون.

وعن أهل البيت : أن أبعادها الثلاثة أزيد من ذلك (٢).

[٤١] ـ (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) صلة «اركبوا» حال من الواو ، أي قائلين : بسم الله إجراؤها وارساؤها ، أي حبسها أو وقتها أو مكانهما.

أو جملة منفكة عما قبلها من مبتدأ وخبر ، أي إجراؤها بسم الله. وفتح «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» : ميم «مجراها» (٣) (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) إذ نجّانا من الغرق.

[٤٢] ـ (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) في عظمها وارتفاعها (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) كنعان (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) عن نوح أو دينه (يا بُنَيَ) بكسر الياء ليدل على ياء الإضافة المحذوفة ، وفتحها «عاصم» (٤) اكتفاء بالفتح عن الألف المبدلة من ياء الإضافة (ارْكَبْ مَعَنا) وادغم الباء «أبو عمرو» و «حفص» و «الكسائي» (٥) (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) في الدين والتخلف.

[٤٣] ـ (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) يمنعني من الغرق(قالَ

__________________

(١) كلمة : «ذراعا» ليست في «ألف» و «ب».

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٦٠ وتفسير البرهان ٢ : ٢١٩.

(٣) حجة القراآت : ٣٤٠.

(٤) حجة القراآت : ٣٤٠ وتفسير مجمع البيان ٣ / ١٦٠.

(٥) تفسير البيضاوي ٣ : ٢٧.

٧٦

لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) إلّا الراحم وهو الله ، أو لكن من رحمه‌الله بإيمانه فهو المعصوم (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ) فصار (مِنَ الْمُغْرَقِينَ).

قيل : علا الماء قلال الجبال ثلاثين ذراعا.

[٤٤] ـ (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) اشربيه فشربته (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أمسكي عن المطر ، فأمسكت. نوديا وأمرا كالعقلاء تمثيلا لانقيادهما لأمره تعالى بامتثال المطيع السريع إلى الإجابة (وَغِيضَ الْماءُ) نقص ، ببلع الأرض ما نبع منها وصار ماء السماء بحارا وأنهارا (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وقع هلاك من هلك ونجاة من نجا (وَاسْتَوَتْ) واستقرت السفينة (عَلَى الْجُودِيِ) جبل بالموصل أو ب «آمد» (١). قيل سارت بهم ستة أشهر (٢) (وَقِيلَ بُعْداً) هلاكا (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

والآية حوت البلاغة بحسن نظمها وجزالة لفظها وبيان الحال بايجاز بلا إخلال.

وبنيت الأفعال للمفعول لتعظيم الفاعل وتعينه إذ لا يقدر على هذه الأمور سوى الله تعالى.

[٤٥] ـ (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وقد وعدتني أن تنجّيهم (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) الذي لا خلف فيه ، فنجّه أو فما حاله (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) أعدلهم.

[٤٦] ـ (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذين وعدتك نجاتهم ، أو أهل دينك (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي ذو عمل ، أو جعل نفس العمل مبالغة. وقرأ الكسائي «عمل» (٣) أي عمل عملا غير صالح (فَلا تَسْئَلْنِ) وشدد النون مكسورة «نافع»

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ٢٧ : قيل بالشام وقيل بآمل. وفي معجم البلدان «آمد» ... وهي أعظم مدن ديار بكر واجلّها قدرا واشهرها ذكرا.

(٢) تفسير منهج الصادقين ٤ : ٤٢٦.

(٣) حجة القراآت : ٣٤١ وتفسير مجمع البيان ٣ : ١٦٥.

٧٧

و «ابن عامر» ، (١) ومفتوحة «ابن كثير» ، (٢) وخففها الباقون مكسورة ، وأثبت الياء «ورش» و «أبو عمرو» في الوصل (٣) (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أمصلحة هو أم لا. (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) بأن تفعل خلاف الأولى.

[٤٧] ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) من (أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي) فعلي ضدّ الأولى (وَتَرْحَمْنِي) بالتوفيق (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) قاله تخشعا لا لذنب.

[٤٨] ـ (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) انزل من السفينة (بِسَلامٍ) بسلامة أو بتحية (مِنَّا وَبَرَكاتٍ) وخيرات (عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) الذين هم من معك ، أو ناشئين منهم ، وهم : المؤمنون (وَأُمَمٌ) أي وممن معك أمم (سَنُمَتِّعُهُمْ) في الدنيا فيكفرون (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة بكفرهم.

[٤٩] ـ (تِلْكَ) أي قصة نوح هي (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) بعض أخبار ما غاب عنك (نُوحِيها إِلَيْكَ) خبر ثان ، أو حال من «أنباء» أو خبر صلته «من أنباء» (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) القرآن ، خبر آخر ، أو حال من الهاء ، أو الكاف في «نوحيها إليك» (فَاصْبِرْ) على أذى قومك كما صبر نوح (إِنَّ الْعاقِبَةَ) المحمودة عاجلا وآجلا (لِلْمُتَّقِينَ) الله.

[٥٠] ـ (وَإِلى عادٍ) وأرسلنا الى عاد (أَخاهُمْ) نسبا لا دينا (هُوداً) عطف بيان (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحده (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) رفع حملا على المحل ، وجرّه «الكسائي» على اللفظ (٤) (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) على الله بجعلكم الأوثان شركاء.

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٤٣.

(٢) حجة القراآت : ٣٤٣.

(٣) حجة القراآت : ٣٤٣ وتفسير مجمع البيان ٣ : ١٦٦.

(٤) تفسير روح المعاني ١١ : ٧٣ ،

٧٨

[٥١] ـ (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على دعائكم الى التوحيد (أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) خلقني (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قولي فتعلمون أنه الحق.

[٥٢] ـ (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) سبق مثله (١) (يُرْسِلِ السَّماءَ) المطر وكانوا قد أجدبوا (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) كثير الدرّ (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) بالمال والنسل ، وكانوا قد أعقمت نساؤهم (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) لا تدبروا عما أدعوكم إليه مشركين.

[٥٣] ـ (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) بحجة تصدّق دعواك لم يعتبروا بمعجزاته (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) أي عبادتهم (عَنْ قَوْلِكَ) أو بقولك (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) بمصدقين.

[٥٤] ـ (إِنْ) ما (نَقُولُ) فيك (إِلَّا) قولنا (اعْتَراكَ) أصابك (بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) بخبل لسبّك إيّاها ، فصرت تهذي (قالَ إِنِّي) وفتح الياء «نافع» (٢) (أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا) أنتم أيضا (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) به.

[٥٥] ـ (مِنْ دُونِهِ) من آلهتكم التي تزعمونها خبّلتني (فَكِيدُونِي) فاحتالوا في ضرّي (جَمِيعاً) أنتم وآلهتكم (ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) لا تمهلوني.

وهذه معجزة له ، إذ جبّههم بذلك مع وحدته بينهم وشدّة حنقهم وعتوّهم ثقة بعصمة الله ، فعصمه الله منهم.

[٥٦] ـ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) وثقت به (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) إلّا وهو مالكها وقاهرها.

والأخذ بالناصية مثل لذلك (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) على الحق والعدل.

[٥٧] ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) تتولوا أي تعرضوا (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) أدّيت

__________________

(١) في هذه السورة الآية (٣).

(٢) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٢.

٧٩

ما عليّ وألزمتكم الحجة (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) بعد إهلاككم. وهو استئناف (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) بإهلاككم ، أو بإشراككم (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) رقيب ، فيحصى أعمالكم ويجازيكم بها.

[٥٨] ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) هم أربعة آلاف (بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) وهو الريح التي أهلك بها «عادا» والمعنى ونجيناهم أيضا من عذاب الآخرة.

[٥٩] ـ (وَتِلْكَ عادٌ) إشارة الى القبيلة ، أو آثارهم (جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ) إذ من عصى رسولا فقد عصى الكل ، لأمرهم بطاعة كلّ رسول (وَاتَّبَعُوا) أي : سفهتهم (أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) معرض عن الحق من رؤسائهم.

[٦٠] ـ (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي أبعدوا عن رحمة الله في الدارين (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أي به أو جحدوه (أَلا بُعْداً) من رحمة الله ، أو هلاكا (لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) عطف بيان يفصلهم عن عاد الثانية (١).

[٦١] ـ (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) مرّ مثله (٢) (هُوَ أَنْشَأَكُمْ) خلقكم (مِنَ الْأَرْضِ) أو خلق أصلكم «آدم» منها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) جعلكم عمّارها وسكانها ، أو عمركم فيها من العمر أو اعمركموها من العمري (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) برحمته (مُجِيبٌ) للدعاء.

[٦٢] ـ (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) أن تكون لنا سيدا أو موافقا في ديننا

__________________

(١) وهم شداد ولقمان المذكوران في قوله تعالى «ارم ذات العماد» (الفجر : ٨٩ / ٦) ـ كما في تفسير القرطبي ٩ : ٥٠ وتفسير البيضاوي ٣ : ٣٠ ـ وقد جاء ذكر عاد قوم هود في سورة النجم : ٥٣ / ٥٠ عند قوله تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى).

(٢) في هذه السورة الآية (٥٠) وسبق ايضا في سورة الأعراف الآيات : ٥٩ ، ٦٥ ، ٧٣ ، و ٨٥ وسيأتي أيضا في هذه السورة الآية (٨٤).

٨٠