الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[٨٣] ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) داخلين في الصبح.

[٨٤] ـ (فَما أَغْنى) دفع (عَنْهُمْ) العذاب (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من نحت (١) القصور وجمع المال.

[٨٥] ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) إلّا متلبسة بالحكم والأغراض الصحيحة كتعبّد أهلها ، حتى لو خالفوا أوجبت الحكمة إهلاكهم (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) فنجازي كلا بعمله (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) فاعرض عن قومك إعراضا بحلم ، قيل : نسخ بآية السيف (٢) وقيل : هو في حقوقه فلا نسخ (٣).

[٨٦] ـ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) الكثير الخلق (الْعَلِيمُ) بخلقه وتدبيرهم.

[٨٧] ـ (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً) هي الفاتحة ، وقيل : السور السبع الطوال ، (٤) ويضعّف بأن أكثرها مدنية وهذه مكيّة (مِنَ الْمَثانِي) بيان للسبع ، وهو من الثناء لأنها تثني على الله تعالى بصفاته العظمى ، أو من التثنية لأنها تثنّى تلاوتها ، أو ألفاظها.

وقيل : المثاني : القرآن (٥) و «من» تبعيضية (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) من عطف الكل على الجزء.

[٨٨] ـ (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي لا تنظرنّ نظر راغب (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أصنافا من الكفار فإنه حقير بالنسبة الى ما أوتيته من القرآن وغيره فإنه المؤدي الى النعيم الباقي (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) إن لم يؤمنوا (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) ألن جانبك (لِلْمُؤْمِنِينَ) :

[٨٩] ـ (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ) للخلق من عذاب الله ، وفتح «الحرميان» و «أبو

__________________

(١) النحت : الحفر في الجبل.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٤٤ ـ عن ابن عباس ـ.

(٣) في تفسير الكشّاف ٢ : ١٩٢ : ويجوز ان يراد به المخالفة فلا يكون منسوخا ، ومعناه في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٤٤.

(٤) قاله ابن عباس وابن مسعود وابن عمر ينظر تفسير القرطبي ١٤ : ٥٢.

(٥) قاله ابو مالك والضحاك ـ كما في تفسير القرطبي ١٤ : ٥٧.

١٦١

عمرو» الياء (١) (الْمُبِينُ) للإنذار بالحجج.

[٩٠] ـ (كَما أَنْزَلْنا) متعلق ب «آتيناك» أي أنزلنا عليك القرآن كما أنزلنا (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) وهم أهل الكتاب.

[٩١] ـ (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أجزاء ، حين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، جمع عضة من عضى الشاة : فرّقها أعضاء.

أو : أريد بالقرآن ما يقرءونه من كتبهم ، أو يتعلّق «كما» ب «النذير» أي أنذرهم عذابا كما أنزلنا على المقتسمين لطرق مكة يصدّون الناس عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرقوا القرآن الى سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين ، وكانوا ستة عشر ، وقد أهلكهم الله.

[٩٢] ـ (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) أي المقتسمين أو جميع المكلفين.

[٩٣] ـ (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) من الاقتسام ، أو من كل عمل فنجازيهم عليه.

[٩٤] ـ (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) به : أجهر به أو أفرق بين الحق والباطل (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم.

[٩٥] ـ (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) بأن أهلكنا كلا منهم بآية وكانوا خمسة أو ستة من أشراف قريش.

[٩٦] ـ (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) صفة أو مبتدأ ، خبره (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء عاقبتهم.

[٩٧] ـ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) من تكذيبك والطعن في القرآن.

[٩٨] ـ (فَسَبِّحْ) متلبسا (بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي قل : سبحان الله وبحمده (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) المصلين ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أحزنه أمر فزع الى الصلاة.

[٩٩] ـ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي الموت ، سمّي يقينا لأنه متيقن ، أي اعبده ما دمت حيّا.

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ٢ : ٣٠٢.

١٦٢

سورة النحل

[١٦]

مائة وثمان وعشرون آية ، مكية إلّا (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) الى آخرها.

وقيل : أربعون من أولها مكية ، والباقي مدنية (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (أَتى أَمْرُ اللهِ) الموعود به وهو القيامة ، وعبّر بالماضي لتحقق وقوعه أي دنا ، أو عذاب الصيف كما وقع يوم بدر حين استبطأ المشركون ما وعدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القيامة والعذاب (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) تطلبوه قبل وقته (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) تنزّه وتعظّم عن اشراكهم به الأصنام وزعمهم انها تدفع ما أراد بهم ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالتاء (٢).

[٢] ـ (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) بالوحي أو القرآن ، فإنه حياة للقلوب وإرشاد الى الدين ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» «ينزل» من «أنزل». و «أبو بكر» : «تنزل» مضارعا

__________________

(١) تفسير روح المعاني ١٣ : ٨٢.

(٢) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٨٠ وحجة القراآت : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.

١٦٣

مبينا للمجهول (١) من التنزيل (مِنْ أَمْرِهِ) بإرادته (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أن يخصّه بالرسالة ، وفيه رد لإنكارهم لاختصاصه بالعلم بدنوّ موعدهم (أَنْ) أي بأن أو أي (أَنْذِرُوا) خوّفوا الكفرة بالعقاب واعلموهم (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) خافوا مخالفتي.

[٣] ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بمقتضي الحكمة (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) به من خلقه.

[٤] ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ماء أي منّي لا حسّ به ولا حراك (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) منطيق (٢) يجادل عن نفسه (مُبِينٌ) لحجته أو خصيم محاجّ لربّه قائلا :

(مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٣).

[٥] ـ (وَالْأَنْعامَ) الإبل والبقر والغنم ، ونصب بفعل يفسره (خَلَقَها لَكُمْ) لانتفاعكم وبيّنها بقوله : (فِيها دِفْءٌ) ما يستدفأ به من البرد من لباس ونحوه (وَمَنافِعُ) من نسل ودرّ (٤) وركوب (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ما يؤكل منها كاللحوم والألبان ، وقدم الظرف للفاصلة.

[٦] ـ (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) زينة (حِينَ تُرِيحُونَ) تردّونها إلى مراحها بالعشي (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) ترسلونها إلى مرعاها بالغداة.

[٧] ـ (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) أحمالكم (إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) بأنفسكم من دون الأثقال (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) بمشقتها (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) بكم ، حيث أنعم عليكم بخلقها لكم.

[٨] ـ (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ) عطف على «الأنعام» (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ولتتزينوا بها زينة ، ولا دلالة لها على حرمة لحومها ، إذ تعليل خلقها بما يقصد منهما

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ٩٢.

(٢) المنطيق : البليغ.

(٣) في سورة يس : ٣٦ / ٧٨.

(٤) الدرّ اللبن.

١٦٤

غالبا لا يستلزم أن لا يقصد منها غيره (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) من أنواع الحيوانات وغيرها أو مما أعدّ في الجنة والنار.

[٩] ـ (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) بيان الطريق المستقيم ، المفضي الى الحق (وَمِنْها جائِرٌ) ومن السبيل ما هو مائل عن القصد (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) إلى قصد السبيل بالإلجاء ، أو لهداكم الى الجنة تفضّلا.

[١٠] ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) ما تشربونه و «لكم» صلة «انزل» أو خبر «شراب» ، و «من» للتبعيض تتعلق به (وَمِنْهُ شَجَرٌ) ينبت بسببه (فِيهِ تُسِيمُونَ) ترعون أنعامكم من سامت الإبل : رعت ، وأسامها صاحبها : رعاها.

[١١] ـ (يُنْبِتُ) وقرأ «أبو بكر» بالنون (١) (لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآيَةً) دلالة على وحدانيته تعالى وقدرته (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في صنعه المحكم العجب.

[١٢] ـ (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) حال من جميعها ؛ أي أعدها لمنافعكم حال كونها مسخّرة بحكمه لما خلقها له ، ورفع «ابن عامر» «الشمس» وما بعدها ، (٢) مبتدأ و «مسخرات» خبرا وكذا «حفص» في «والنجوم مسخرات» (٣) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دلالات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتدبرون.

[١٣] ـ (وَما ذَرَأَ) وسخّر (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) من حيوان ونبات ومعدن (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) مع اتحاده جنسا أو نوعا أو صنفا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) إن ذلك إنما يصدر عن قادر حكيم.

[١٤] ـ (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) هيأه لانتفاعكم به ركوبا ، وأكلا ولبسا (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) هو السمك (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً) هي اللؤلؤ والمرجان

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٨٦ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥١.

(٢) حجة القراآت : ٣٨٦ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥١.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥١.

١٦٥

(تَلْبَسُونَها) أنتم ونساؤكم يتزيّن بها لأجلكم (وَتَرَى الْفُلْكَ) السفن (مَواخِرَ فِيهِ) جوار ، تمخر الماء أي : تشقه بصدرها (وَلِتَبْتَغُوا) تطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) تعالى بركوبه للتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله على هذه النعم التي لم يقدر عليها غيره.

[١٥] ـ (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا ثوابت (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) كراهة أن تضطرب. قيل : لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة : ما هي بمقرّ أحد على ظهرها ، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال ولم تدر الملائكة ممّ خلقت (١).

ولا ينافي ذلك حركتها بالزلازل ، لأن ثبوت الحركة للجزء لا ينافي نفيها عن الكل (وَأَنْهاراً) وجعل فيها أنهارا ، إذ الإلقاء جعل (وَسُبُلاً) طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لمقاصدكم ، أو الى توحيده تعالى.

[١٦] ـ (وَعَلاماتٍ) تستدلون بها على الطرق من جبل ونحوه نهارا (وَبِالنَّجْمِ) أي الجنس ، وقيل : هو الثريا والفرقدان والجدى وبنات نعش (٢) (هُمْ) أي السائرون الدال عليهم ذكر السبل (يَهْتَدُونَ) الى الطرق والقبلة في البر والبحر ليلا.

قال الصادق عليه‌السلام : نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

[١٧] ـ (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) هذه الأشياء وهو الله (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) شيئا منها وهو الأصنام المخلوقة العجزة حتى جعلتموه مشبّها بها حين أشركتموه معها في العبادة والإلهية. وعبّر عنها ب «من» اجراء لها مجرى أولي العلم لتسميتهم لها إلها.

أو مبالغة ، بمعنى : إنّ من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بالجماد (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتعلموا بطلان ذلك.

[١٨] ـ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) لا تحصروا عددها. بيّن أن ما وراء

__________________

(١) ينظر تفسير الكشّاف ٢ : ٢٠٠.

(٢) يراجع تفسير البيضاوي ٣ : ٩٥.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥٤.

١٦٦

ما ذكر من النعم نعما لا قدرة على حصرها فضلا عن القدرة على شكرها (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) لتقصيركم في شكرها (رَحِيمٌ) حيث لم يقطعها بتقصيركم.

[١٩] ـ (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) من نيّة وعمل. وعيد وتوبيخ على إشراكهم بعالم السرّ والعلن ، جمادات لا تشعر.

[٢٠] ـ (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) (١) تعبدونهم وقرأ «عاصم» بالياء (٢) (مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي بخلق الله أو بالنحت وهم لا يقدرون على نحو ذلك فهم أعجز من عبدتهم.

[٢١] ـ (أَمْواتٌ) هم أموات (غَيْرُ أَحْياءٍ) تأكيد (وَما يَشْعُرُونَ) أي الأصنام (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وقت بعثهم أو بعث عبدتهم فكيف يعبدون؟ ، وانما يعبد الخالق الحيّ العالم بالغيب.

[٢٢] ـ (إِلهُكُمْ) المستحق للعبادة (إِلهٌ واحِدٌ) لا إله معه (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) للوحدانية (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن قبول الحق.

وذك لأنّ المؤمن بالعبث يتأمل الدلائل فيقبل الحق ، والجاحد لا يتأملها ولا يقبل إلّا ما ألفه ووافق رأيه.

[٢٣] ـ (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فيجازيهم به (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عن التوحيد ، أو كل متكبر فيدخل هؤلاء [تحت عمومه] ـ (٣) أي : يعاقبهم.

[٢٤] ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) لمقتسمي طرق مكة لصدّ النّاس ، والقائل : الوافدون عليهم أو المسلمون (ما ذا) أي شيء (أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) أو ما الذي أنزله؟ (قالُوا

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص عن عاصم : «يدعون» وسيشير اليه المؤلّف.

(٢) حجة القراآت : ٣٨٧.

(٣) ما بين المعقوفتين اقتضاها السياق وأخذناه من تفسير الكشّاف ٢ : ٢٠١.

١٦٧

أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي المنزل في زعمكم هو أكاذيب الأولين.

[٢٥] ـ (لِيَحْمِلُوا) أي : كانت عاقبة أمرهم حين قالوا ذلك إضلالا للناس ، أن حملوا (أَوْزارَهُمْ) ذنوبهم (كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) لا يخفف من عقابهم شيء (وَمِنْ) ومن بعض (أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) شاركوهم في إثم ضلالهم لأنهم دعوهم إليه فاتّبعوهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي جاهلين كونهم ضلالا.

ولا عذر لهم بجهلهم إذ كان عليهم الفحص ليميزوا المهتدي من الضال (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) بئس شيء يحملونه حملهم هذا.

[٢٦] ـ (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) سوّوا حيلا ليمكروا رسلهم (فَأَتَى اللهُ) أي أمره (بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) الأساس (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) أي وكانوا تحته (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) لا يحتسبون ، وهو مثل لإهلاكهم بحيلهم.

وقيل : (١) أريد به «نمرود» بني صرحا طويلا ليقاتل عليه أهل السماء فأرسل الله عليه ريحا فخرّ عليهم.

[٢٧] ـ (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) يفضحهم أو يدخلهم النار (وَيَقُولُ) ـ توبيخا لهم ـ : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) بزعمكم. وعن «البزّي» ترك الهمزة (٢) (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ) تعادون المؤمنين ، وكسر «نافع» النون (٣) أي تشاقونني (فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) الأنبياء والعلماء أو الملائكة (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ) الذلّ والعذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) يقولونه شماتة بهم.

[٢٨] ـ (الَّذِينَ) بدل أو ذم (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ «حمزة» بالياء في

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥٩ عن ابن عباس.

(٢) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٨٢.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥٦ وحجة القراآت : ٣٨٨.

١٦٨

الموضعين (١) (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بكفرهم ، حال (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) استسلموا عند الموت قائلين : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) كفر ، فتكذبهم الملائكة (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيجازيكم به.

[٢٩] ـ (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) على حسب منازلكم في دركاتها (خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) هي.

[٣٠] ـ (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) هم المؤمنون (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) أنزل خيرا (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) كرامة معجّلة (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) أي ثوابهم في الآخرة (خَيْرٌ) منها وهو وعد الله للذين اتقوا ، أو : من قولهم تفسير ل «خير» (٢) (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) هي.

[٣١] ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ) اقامة ؛ خبر محذوف ، أو المخصوص بالمدح ، أو مبتدأ خبره (يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) تقديم «فيها» يفيد أن الإنسان لا يجد كلما يريده إلّا في الجنة (كَذلِكَ) الجزاء (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ).

[٣٢] ـ (الَّذِينَ) صفة (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) طاهرين من الشرك ، أو طيبة وفاتهم لا صعوبة فيها (يَقُولُونَ) لهم عند الموت : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) يبشرونهم بالسلامة وبالجنة (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) حين تحشرون ، وقيل : هذا التوفي (٣) والقول في الحشر.

[٣٣] ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظر الكفار (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لتوفيهم ، وقرأ

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥٦ وحجة القراآت : ٣٣٨ سيأتي الموضع الآخر في الآية ٣٢.

(٢) العبارة في تفسير البيضاوي ٣ : ٩٧ هكذا : ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلا وتفسيرا ل «خيرا» على انه منتصب ب «قالوا».

(٣) أظنّ انّ الأصل «حين التوفي» بدلا من «هذا التوفي» ويؤيده ما ورد في تفسير روح المعاني ١٤ / ١٢١.

١٦٩

«حمزة» و «الكسائي» بالياء (١) (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) القيامة أو العذاب المعجّل (كَذلِكَ) كما فعل هؤلاء (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كذّبوا رسلهم فدمروا (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بتدميرهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بسوء عملهم.

[٣٤] ـ (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) جزاؤها (وَحاقَ) وحلّ (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب أو جزاء استهزائهم.

[٣٥] ـ (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي لو شاء خلاف ذلك ما فعلناه ولكنه شاء لا باختيارنا ففعلناه. تشبثوا بالقول بالجبر (كَذلِكَ) كما فعل هؤلاء من تكذيب الحجج المنزّهة له تعالى عن مشيئة القبائح بالذات (فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فنسبوا إليه مشيئة ما فعلوه من القبائح كالشرك وغيره مشيئة ترفع اختيارهم. ومرّ مثله في آخر الأنعام (٢) (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ) ما عليهم إلّا التبليغ (الْمُبِينُ) للحق وتنزيه الله تعالى عن الظلم.

[٣٦] ـ (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) كما بعثناك في هؤلاء (أَنِ) أي بأن ؛ أو :

أي (اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) أي عبادته (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) لطف به لأنه من أهل اللطف فآمن ، أو حكم باهتدائه ؛ أو هداه الى الجنة بإيمانه (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي ثبت عليه الخذلان لعلمه بتصميمه على الضلال.

أو : حكم بضلاله لظهوره ، أو أضله عن الجنة ، أو وجب عليه العذاب (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) للرسل والحجج حتى تعلموا أني لا أشاء القبيح بالذات.

[٣٧] ـ (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) إي إيمانهم (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) لا يلطف بمن يخذل ، لأنه عبث تعالى عنه ، أو : لا يهتدي من يخذله ، وقرأ غير

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٨٨.

(٢) ينظر الآية ١٤٨ من سورة الانعام.

١٧٠

«الكوفيين» «يهدى» مبنيا للمفعول (١) (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يمنعونهم من العذاب.

[٣٨] ـ (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) مجتهدين فيها (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) بالغوا في انكار البعث حتى اقسموا عليه ، فردّ الله عليهم بقوله : (بَلى) يبعثهم (وَعْداً) وعد ذلك وعدا (عَلَيْهِ) إنجازه بمقتضى الحكمة (حَقًّا) حقه حقا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) صحة البعث لجهلهم وجه الحكمة فيه أو لتوهمهم امتناعه.

[٣٩] ـ (لِيُبَيِّنَ) أي يبعثهم ليبين (لَهُمُ) الحق (الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) فيميز المحق من المبطل بالثواب والعقاب ، (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) في نفيهم البعث.

[٤٠] ـ (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) أي أردنا تكوينه ، و «قولنا» مبتدأ خبره (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فهو يكون ، ونصبه «ابن عامر» و «الكسائي» (٢) عطفا على «نقول» أو جوابا ل «كن».

والآية لبيان قدرته تعالى وانه لا يتوقّف إلّا على إراداته المعبّر عنها ب «كن».

[٤١] ـ (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) في سبيله لإقامة دينه وهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمهاجرون الى المدينة والحبشة ، أو المعذبون بمكة بعد هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كصهيب وعمار وبلال وغيرهم (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بالأذى من قريش (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) لننزلنّهم (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) مباءة حسنة هي المدينة (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) ثوابها (أَكْبَرُ) مما نعطيهم في الدنيا (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي الكفار ما للمهاجرين من خير الدارين لوافقوهم أو : المهاجرون ما أعدّ لهم لزاد اجتهادهم.

[٤٢] ـ (الَّذِينَ صَبَرُوا) على الأذى والهجرة ، مدح مرفوع أو منصوب (وَعَلى رَبِّهِمْ) لا على غيره (يَتَوَكَّلُونَ) فيكفيهم أمورهم.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٥٩.

(٢) حجة القراآت ٣٨٩ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٣٦٠.

١٧١

[٤٣] ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي) (١) وقرأ «حفص» بالنون (٢) (إِلَيْهِمْ) لا ملائكة. رد لإنكارهم كون الرسول بشرا ، بأن هذا هو السنّة المستمرة ، لأنه مقتضى الحكمة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أهل العلم من كانوا ، أو أهل الكتاب.

أو أهل القرآن.

عن أهل البيت عليهم‌السلام : «نحن أهل الذكر» (٣) والذكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك ، فإنهم يعلمون.

[٤٤] ـ (بِالْبَيِّناتِ) متعلق بمقدر أي : أرسلناهم بالمعجزات (وَالزُّبُرِ) الكتب (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) القرآن (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فيه من الشريعة والأحكام (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيه ، فيعلمون ما هو الحق.

[٤٥] ـ (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) أي المكرات السيّئات بالرسول (ص) من إرادة حبسه أو قتله أو إخراجه (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) كقارون (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) من جهة لا يتوقعون منها كقوم لوط وقد وقع يوم بدر.

[٤٦] ـ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) في أسفارهم أو باللّيل والنهار (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) بفائتين الله.

[٤٧] ـ (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) وهم متخوفون بأن أهلك غيرهم فتوقعوا البلاء ، أو على تنقص شيئا فشيئا حتّى يفنوا (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث لم يعجّل النقمة.

[٤٨] ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالتاء (٤) (إِلى ما خَلَقَ اللهُ)

__________________

(١) في المصحف الشريف «نوحي».

(٢) حجّة القراآت : ٣٩٠ ـ وعليه المصحف الشريف ـ.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٦٢.

(٤) حجة القراآت : ٣٩٠.

١٧٢

«ما» موصولة مبهمة بيانها : (مِنْ شَيْءٍ) له ظل كشجر وجبل (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) يتميّل.

والفيء : الظل بعد الزوال ، وأصله : الرجوع ، وقرأ «أبو عمرو» بتاء التأنيث (١) لأن ظلال جمع (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) جمع شمال أي عن جانبي ذوات الظلال.

وإفراد اليمين (٢) وجمع الشمائل كأنّه باعتبار لفظ «ما» ومعناها ، كإفراد الضمير في ظلاله وجمعه في (سُجَّداً لِلَّهِ) حال من الظلال أي منقادة لأمره في تقلّبها ، وكذا (وَهُمْ داخِرُونَ) صاغرون لما فيهم من التسخير ودلائل التدبير. وجمع بالواو لأنّ الدخور للعقلاء.

[٤٩] ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ينقاد لإرادته وأمره (مِنْ دابَّةٍ) بيان لما فيهما على أنّ في السّماء خلقا يدبون (وَالْمَلائِكَةُ) من عطف الخاص على العام للتفخيم ، أو بيان لما في الأرض ، والملائكة تعيين لما في السماوات تفخيما. و «ما» للتغليب لما لا يعقل لكثرته (وَهُمْ) أي الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته.

[٥٠] ـ (يَخافُونَ رَبَّهُمْ) حال من الواو (مِنْ فَوْقِهِمْ) حال منهم ، أو من ربّهم أي : عاليا عليهم بالقهر (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) به.

[٥١] ـ (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) تأكيد يؤذن بمنافاة الاثنينية للإلهية (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أكّد تنبيها على لزوم الوحدة الإلهية (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) فخافوني لا غير. التفات من الغيبة الى التكلم للمبالغة في الترهيب.

[٥٢] ـ (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا ، ويعم أفعال العباد من حيث انه خلقها تبعا لاختيارهم لا بالذات بدون اختيارهم ، فلا استقلال لهم فيها

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٩١ وفيه : وحجته ان كل جمع خالف الآدميين فهو مؤنث تقول : هذه المساجد وهذه الظلال.

(٢) في «ط» وافراد الضمير واليمين ـ لعله يريد الضمير في ضلاله كما في تفسير البيضاوي ٣ : ٩٩ ـ.

١٧٣

كما يراه المعتزلة ، ولا سلب لاختيارهم وقدرتهم عليها كما يراه الأشاعرة.

وهذا مفاد أخبار أهل البيت عليهم‌السلام (١) (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) حال عاملها «له» ، أي له الطاعة دائمة أو الجزاء دائما أي الثواب والعقاب (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) تخشون ولا يقدر على النفع والضرّ غيره. استفهام توبيخ.

[٥٣] ـ (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) أي شيء حل بكم من نعمة كصحّة وسعة فهي منه تعالى ، حتى الإيمان فإنه بلطفه وتوفيقه. و «ما» موصولة أو شرطية (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) كمرض وفقر (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) تضجّون بالإستغاثة والدعاء لا إلى غيره.

[٥٤] ـ (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) أي يتغيرون عما كانوا عليه حال الضرّ فيشركون بالله.

[٥٥] ـ (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعمة ، كأنهم قصدوا بالشرك كفرانها (فَتَمَتَّعُوا) بما أنتم فيه. أمر تهديد ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) سوء عاقبتكم.

[٥٦] ـ (وَيَجْعَلُونَ لِما) للأصنام التي (لا يَعْلَمُونَ) أنها لا تضر ولا تنفع (نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الحرث والأنعام (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) توبيخا ، وهو التفات من الغيبة (عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) بدعوى إلهيتها والتقرب إليها.

[٥٧] ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) بقولهم : الملائكة بنات الله (سُبْحانَهُ) تنزيها له عن قولهم (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) أي البنون. و «ما» مبتدأ ، أو عطف على «البنات».

[٥٨] ـ (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) بولادتها (ظَلَّ وَجْهُهُ) صار (مُسْوَدًّا) متغيرا من الغمّ (وَهُوَ كَظِيمٌ) ممتل غيظا ، فكيف يجعلون البنات له تعالى.

__________________

(١) روى الكليني في الكافي ١ : ١٦٠ عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين أمرين».

وهناك أحاديث اخرى ترتبط بالمقام يراجع بشأنها باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين في الكافي ١ / ١٥٥.

١٧٤

[٥٩] ـ (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) يختفي من قومه مخافة العار (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) عنده (١) مفكرا ماذا يصنع به؟ (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) أي أيتركه على هوان وذل (أَمْ يَدُسُّهُ) يخفيه بدفنه (فِي التُّرابِ) حيا وهو الوأد. وذكّر الضمير للفظ «ما» (أَلا ساءَ) بئس (ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا ، حيث جعلوا ما هذا محله عندهم للمنزّه عن الولد.

[٦٠] ـ (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) الصفة السّوء ، أو : هي الحاجة الى الأولاد أو هي وأد البنات خوف الفقر (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) الصفة العليا وهي التفرّد بالإلهية والغنى والجود (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) البالغ القدرة والحكمة.

[٦١] ـ (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) بعصيانهم (ما تَرَكَ عَلَيْها) على الأرض. أضمرت بدون ذكر لدلالة الناس والدابة عليها (مِنْ دَابَّةٍ) تدب عليها فيهلك الظلمة عقوبة لهم ، وغيرهم بشؤمهم.

أو : لو أهلك الآباء بظلمهم لبطل نسلهم ولهلكت الدواب المخلوقة لهم ، أو من دابة ظالمة (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو منتهى أعمارهم أو القيامة ليتوالدوا (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ) عنه (ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) عليه فيؤاخذون حينئذ.

[٦٢] ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة وإهانة الرسل وردي المال (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) تقوله مع ذلك وهو (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) عند الله أي الجنة إن صحّ البعث (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) لا الحسنى (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) مقدّمون الى النار ، من أفرطته في طلب الماء ، أي :

__________________

(١) كذا في النسخ ولعل الصحيح : عرفا ـ كما في تفسير البيضاوي ٣ : ١٠١ ، وتفسير روح المعاني ١٤ : ١٥٣.

١٧٥

قدّمته. وكسر «نافع» الراء (١) من الإفراط في المعاصي.

[٦٣] ـ (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا) رسلا (إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) القبيحة فأصروا عليها (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) متولي أمرهم في الدنيا.

أو ناصرهم في القيامة ، على حكاية الحال الآتية أي لا ناصر لهم غيره ، مبالغة في نفي الناصر لهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في القيامة.

[٦٤] ـ (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ) للناس (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) من التوحيد والعدل والأحكام والبعث (وَهُدىً وَرَحْمَةً) معطوفان على «لتبيّن» وترك اللام لأنهما فعلا المنزل بخلاف التبيين (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

[٦٥] ـ (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) دالة على التوحيد والبعث (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع اعتبار.

[٦٦] ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) اعتبار : (نُسْقِيكُمْ) وفتحه «نافع» و «ابن عامر» و «أبو بكر» (٢) استئناف لبيان العبرة (مِمَّا) «من» تبعيضية (فِي بُطُونِهِ) أي الأنعام فإن لفظه مفرد ومعناه جمع ، كالرهط ، والنعم ، فذكّر هنا للفظ ؛ وأنث في سورة «المؤمنين» (٣) للمعنى وان جعل جمع «نعم» فالضمير لواحدة ، أو للبعض ، إذ ليس لكلها لبن (مِنْ) ابتدائية تتعلق ب «نسقيكم» (بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً) فإن الكرش تهضم العلف أولا فتجذب الكبد صافيه ويبقى النفل وهو الفرث ، ثم تهضمه الكبد ثانيا فتحدث منه الأخلاط الأربعة ، ومائيّة ، ثم ترسل الدم في الأوردة لتغذية الأعضاء ويصحبه البلغم وقسط من المرتين والمائية لتعديله

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٦٨ ـ وحجة القراآت : ٣٩١ ـ.

(٢) حجة القراآت : ٣٩١.

(٣) الآية (٢١) من سورة المؤمنين (٢٣) قوله تعالى : «نسقيكم مما في بطونها».

١٧٦

وبذرقته ، (١) ثم ترجع المائية فتندفع الى الكليتين ، ثم الى المثانة وبقية المرتين الى المرارة والطحال ، والأنثى لبرد مزاجها ، ورطوبته يزيد أخلاطها على غذائها فيندفع الزائد الى الرحم للجنين ، وبعد انفصاله ينصب الى الضرع ، فيحيله لبنا بواسطة لحمه الغددي الأبيض ، وذلك تقدير العزيز العليم (٢) (خالِصاً) لا يشوبه لون ولا رائحة ولا طعم من الفرث والدم (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) سهل الجواز في حلوقهم.

[٦٧] ـ (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) خبر محذوف أي ثمرة صفته (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ) أو متعلق ب «تتخذون» و «منه» تأكيد ، وتذكير الضمير لأن الثمرات بمعنى الثمر.

أو : على حذف مضاف أي من عصيرها ، أو : بمقدر أي ونسقيكم من عصير ثمراتها ويكون «تتخذون» بيانا للإسقاء (سَكَراً) مصدر سمي به الخمر.

قيل : هذا قبل تحريمها (٣). والظاهر انها ما حلت في الإسلام بل ولا في سائر الملل كما ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام (٤) وعليه أصحابنا.

والآية تدل على تحريمها لوصف قسيمها بالحسن (وَرِزْقاً حَسَناً) كالتمر والزبيب والدبس والخلّ فلا تكون هي حسنة فليس بحلال ، فالآية جامعة بين العتاب والمنّة.

وقيل : السكر : الأشربة الحلال ، والرزق الحسن : المأكول اللذيذ (٥) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) دالة على قدرته تعالى (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتأمّلونها.

__________________

(١) كذا في النسخ المستحضرة ، وهو على ما كان عليه الطبّ قديما ، وهو موجود في تفسير البيضاوي ٣ : ١٠٢ ـ أيضا ـ.

(٢) اقتباس من الآية ٩٦ من سورة الانعام (٦).

(٣) في تفسير ابي الفتوح الرازي ٦ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ القائل بأن معنى السكر : الخمر ، هو قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وسعيد بن جبير.

(٤) في تفسير الميزان ٧ : ١٣٦ : عن الكافي والتهذيب باسنادهما عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : ما بعث الله نبيا قط الّا وفي علم الله انه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر ...

(٥) يراجع تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٧١.

١٧٧

[٦٨] ـ (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ألهمها (أَنِ) أي بأن ، أو : أي (اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) تأوين إليها للتعسيل (وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) يرفعون من سقف وكرم ، والبعضية لأنها لا تبني بكل جبل وشجر وما يعرش ، بل فيما يوافقها من ذلك ، وكثيرا ما يهيء لها الناس أماكن فتنبي فيها وضم «أبو بكر» و «ابن عامر» الراء (١).

[٦٩] ـ (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) التي تشتهينها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) طرقه التي ألهمك في عمل العسل ، واسلكي ما أكلت في مسالك ربك التي تحيله فيها بقدرته عسلا (ذُلُلاً) جمع ذلول أي مذللة ، حال من السبل أو من فاعل «اسلكي» أي منقادة لما أمرت به (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ) هو العسل لأنه ممّا يشرب.

وهذا يعتضد القول بأنها تأكل الازهار والأوراق فتستحيل في بطونها عسلا ، فتقيئه وتدّخره للشتاء ، وعلى القول بأنها تلتقط طلا (٢) حلوا يقع عليها وتدخره في بيوتها فإذا كثر كان عسلا ، وتفسّر «البطون» بالأفواه (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أصفر وأحمر وأبيض وأسود (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) من الأمراض البلغمية ، منفردا ومطلقا مع غيره.

قيل : التنكير للتبعيض ، وقيل للتعظيم (٣) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في صنعه تعالى.

[٧٠] ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) أوجدكم (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) كلا بأجله (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أرداه أي : الهرم والخرف (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ليصير كالطفل في النسيان (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بتدبير خلقه (قَدِيرٌ) على ما يشاء من تصريفهم.

[٧١] ـ (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فأغنى بعضا وأفقر بعضا وملك بعضا لبعض بمقتضى حكمته (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) من الموالي (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٩٢.

(٢) الطلّ : المطر الضعيف : الندى.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ١٠٣.

١٧٨

عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) بجاعلي ما رزقناهم رزقا لمماليكهم ، أي : لم يرزقوهم وإنّما ينفقون عليهم رزقهم الذي جعله الله عندهم (فَهُمْ فِيهِ) فالموالي والمماليك في الرزق (سَواءٌ) في أنه من الله تعالى.

أو معناه : فما هم بجاعلي ما رزقناهم شركة بينهم وبين مماليكهم حتى يتساووا فيه ، ولم يرضوا بذلك ، وهم يشركون عبيدي معي في الإلهية (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) يكفرون حيث يشركون به غيره وقرأ «أبو بكر» بالتاء (١).

[٧٢] ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) من جنسكم لتسكنوا إليها (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) أولادا وأعوانا ، أو أختانا على البنات ، أو ربائب.

والحفد : الإسراع في العمل (٢) (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) المستلذات أي بعضها ، إذ كلها انما يكون في الجنة (أَفَبِالْباطِلِ) الأصنام وتحريم الحلال (يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ) التي عدّدها (هُمْ يَكْفُرُونَ) حيث أشركوا به غيره.

[٧٣] ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) من مطر ونبات ، بدل من «رزقا» أو مفعول إن جعل مصدرا (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) لا يقدرون على شيء وهم الأصنام.

[٧٤] ـ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فلا تجعلوا له أشباها في الألوهية (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) أن لا مثل له (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك ولو تدبرتم لعلمتم ، أو : انه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ، ثم علّمهم كيف تضرب فقال :

[٧٥] ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) لنفسه وما يشرك به ، وأبدل منه (عَبْداً مَمْلُوكاً) نعت ، يخرج الحرّ فإنه عبد الله (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) عاجز عن التصرف ، وهذا مثل الأصنام

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٩٢.

(٢) في تفسير الكشّاف ٢ : ٢١٠ : والحفدة جمع حافد وهو الذي يحفد : اي يسرع في الطاعة والخدمة.

١٧٩

(وَمَنْ) نكرة موصوفة ، أي ؛ وحرّا (رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) مالا وافرا (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) أي يتصرف فيه كيف شاء وهو مثله تعالى (هَلْ يَسْتَوُونَ) أي العبيد العجزة والأحرار ذوي التصرف؟! استفهام انكاري ، أي : لا يستوون مع تشاركهم في الجنسية ، فكيف يسوى بين جمادات عجزة وبين الله القادر على كل شيء؟!

ويحتج بالآية على أن المملوك لا يملك ، وللبحث فيه مجال (الْحَمْدُ لِلَّهِ) لا يستحقه سواه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) اختصاص الحمد به.

[٧٦] ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) وأبدل منه (رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) ولا أخرس (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) من نطق وتدبير لأنه لا يَفهَم ولا يُفهِم (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) ثقل على وليّ أمره (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) يرسله في حاجة (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) بنجح (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) من هو فصيح فهم ، نافع للناس يحثهم على العدل (وَهُوَ عَلى صِراطٍ) طريق (مُسْتَقِيمٍ) وهو مثل له تعالى وللأصنام ، أو للمؤمن والكافر.

[٧٧] ـ (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يختص به علم ما غاب عن الخلق فيهما (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) أمر إقامتها في قدرته (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) كردّ الطرف (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) منه في السرعة والسهولة ، و «أو» للتخيير ، أو بمعنى «بل» (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومنه اقامة الساعة واحياء الخلق.

[٧٨] ـ (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) وكسر «الكسائي» الهمزة وكسرها والميم «حمزة» (١) (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) جملة حالية (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) أي الأسماع (وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) القلوب اللاتي تتعلمون بها منافعكم ومضاركم وما يوصلكم الى السعادة الباقية (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لكي تشكروه على ذلك.

[٧٩] ـ (أَلَمْ يَرَوْا) وقرأ «ابن عامر» و «حمزة» بتاء الخطاب (٢) (إِلَى الطَّيْرِ

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ١٠٥.

(٢) حجة القراآت : ٣٩٣.

١٨٠