الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

(قَبْلَ هذا) القول ، والآن يئسنا من خيرك (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام ولم نشك في أمرها (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) من التوحيد (مُرِيبٍ) موجب للريبة.

[٦٣] ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة (مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) نبوّة (فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) يمنعني من عذابه (إِنْ عَصَيْتُهُ) بترك التبليغ (فَما تَزِيدُونَنِي) بما تقولون لي (غَيْرَ تَخْسِيرٍ) أن أنسبكم الى الخسران.

[٦٤] ـ (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) حال عاملها الإشارة ، و «لكم» حال منها (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) عشبها أي وتشرب ماءها (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) عقر أو غيره (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) عاجل بعد ثلاثة أيام.

[٦٥] ـ (فَعَقَرُوها) عقرها «قذار» (١) برضاهم (فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ) عيشوا في بلدكم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ثم تهلكون (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) فيه ، أو غير كذب ، على انه مصدر كالمعقول.

[٦٦] ـ (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) ونجيناهم من عذاب يومئذ ، أي إهلاكهم بالصيحة أو من فضيحتهم يوم القيامة. وفتح ميمه «نافع» و «الكسائي» (٢) بناء لإضافته الى مبنيّ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُ) القادر على ما يشاء (الْعَزِيزُ) الغالب.

[٦٧] ـ (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) فسّر في الأعراف (٣).

[٦٨] ـ (كَأَنْ) مخفّفة (لَمْ يَغْنَوْا) لم يقيموا (فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ)

__________________

(١) في ج : قدار.

(٢) حجة القراآت : ٣٤٤.

(٣) انظر سورة الأعراف الآية ٧٨ و ٩١.

٨١

نوّنه من عدا «حفص» و «حمزة» (١) بقصد الحي أو أبيهم ، والمنع على قصد القبيلة (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) نوّنه «الكسائي» (٢).

[٦٩] ـ (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) جبرئيل وميكائيل وإسرافيل.

وعن الصادق عليه‌السلام : رابعهم «كروبيل» (٣) (إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) بالولد ، أو بهلاك قوم لوط (قالُوا سَلاماً) سلمنا عليك سلاما (قالَ سَلامٌ) عليكم أو أمركم سلام. حيّاهم بالأحسن ، لاسمية الجملة ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «سلم» بكسر السين وسكون اللام (٤) (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ) فما توقف في مجيئه به (حَنِيذٍ) مشويّ. ظنّهم أضيافا.

[٧٠] ـ (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ) لا يمدونها (إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ) أي أنكرهم (وَأَوْجَسَ) أضمر (مِنْهُمْ خِيفَةً) أن يريدوه بسوء ، فلما علموا خوفه (قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا) ملائكة (أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) لنهلكهم ولسنا ممن يأكل.

[٧١] ـ (وَامْرَأَتُهُ) سارة (قائِمَةٌ) خلف الستر أو تخدمهم (فَضَحِكَتْ) فرحا بالأمن ، أو بهلاك قوم لوط ، أو بإصابة حدسها انهم سيهلكون.

وقيل : ضحكت : حاضت (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ) من بعده (يَعْقُوبَ) ابنه «تدركه» نصبه «ابن عامر» و «حمزة» و «حفص» بفعل دلّ عليه (٥) «بشرنا» أي ووهبنا له يعقوب. ورفعه الباقون مبتدأ وخبره الظرف.

[٧٢] ـ (قالَتْ يا وَيْلَتى) يقال عند أمر عظيم تعجبا ، وألفه بدل ياء الإضافة ، أو

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

(٢) حجة القراآت : ٣٤٥.

(٣) تفسير البرهان ٢ : ٢٢٦.

(٤) حجة القراآت : ٣٤٦.

(٥) حجة القراآت : ٣٤٧ ـ وتفسير مجمع البيان ٣ : ١٧٥.

٨٢

للندبة (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) ابنة تسع وتسعين (وَهذا بَعْلِي) زوجي (شَيْخاً) ابن مائة.

وهو حال ، عاملها الإشارة (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) أن يولد ولد لهرمين. تعجبت من خرق العادة.

[٧٣] ـ (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) من قدرته (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) نداء تخصيص. وجعلها من أهل بيته لأنها ابنة عمّه ، فلا يدل على كون زوجة الرجل من أهل بيته (إِنَّهُ حَمِيدٌ) محمود (مَجِيدٌ) كريم.

[٧٤] ـ (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) الخوف (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) بالولد (يُجادِلُنا) أقبل يجادل رسلنا (فِي قَوْمِ لُوطٍ) في شأنهم بقوله : (إِنَّ فِيها لُوطاً) (١).

[٧٥] ـ (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) ذو أناة (أَوَّاهٌ) دعّاء مترحّم (مُنِيبٌ) رجّاع الى الله ، فجداله لرأفته وترحمه ، قالت الملائكة :

[٧٦] ـ (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) الجدال (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بإهلاكهم (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) مدفوع عنهم.

[٧٧] ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) اغتم بسببهم ، إذ جاءوا في صورة غلمان أضياف فخاف عليهم قومه (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) صدرا. كناية عن فقد الحيلة في دفع المكروه (وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) شديد.

[٧٨] ـ (وَجاءَهُ قَوْمُهُ) حين أعلمتهم امرأته بهم بتدخينها (يُهْرَعُونَ) يسرعون (إِلَيْهِ) كأنهم يساقون سوقا (وَمِنْ قَبْلُ) قبل ذلك اليوم (كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) إتيان الذكور في أدبارهم (قالَ) لما همّوا بأضيافه ولم يستحيوه (يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي) فتزوجوهنّ ، وكانوا يخطبونهن فلا يجيبهم لعدم الكفاءة لا للكفر ، إذ ليس مانعا في شرعه ولا في ابتداء الإسلام. وقد نسخ.

وقيل أراد نساءهم لأنّ كل نبي أبو أمته (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أنظف وأحلّ. ولعل

__________________

(١) في سورة العنكبوت : ٢٩ / ٣٢.

٨٣

التفضيل غير مراد (فَاتَّقُوا اللهَ) بإيثار الحلال على الحرام (وَلا تُخْزُونِ) تفضحوني (فِي ضَيْفِي) أضيافي (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

[٧٩] ـ (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) حاجة (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) وهو إتيان الذكور.

[٨٠] ـ (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) منعة (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) أو أنضم الي عشيرة تنصرني لدفعتكم ، فلما رأت الملائكة ما لقيه لوط

[٨١] ـ (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بما يسؤك ، فدعهم يدخلوا فدخلوا فضرب جبرائيل بجناحه وجوههم فأعماهم (فَأَسْرِ) ـ بقطع همزته ـ من الأسرار ، ووصلها «نافع» و «ابن كثير» (١) حيث أتى من السري ، لغتان (بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ) بطائفة (مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) لا ينظر الى ورائه ، أو : لا يتخلف (إِلَّا امْرَأَتَكَ) رفعه «ابن كثير» و «أبو عمرو» (٢) بدلا من «أحد» ونصبه الباقون على الاستثناء من «لا يلتفت» ، وفيه : انه : على غير الأفصح ، وجعله استثناء من «فأسر بأهلك» ينافي قراءة الرفع ، إن فسر الالتفاف بالنظر الى الوراء في السري ، ولا يصحّ حمل القراءتين على المتنافيين وان كانا مرويين ، إذ قيل : تخلفت ، وقيل : خرجت والتفتت وقالت : وا قوماه ، فأتاها حجر فقتلها (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) وسألهم لوط تعجيل عذابهم فقالوا : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

[٨٢] ـ (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) بالعذاب (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي مدنهم بأن أمرنا جبرئيل ، فأدخل جناحه تحتها فرفعها حتّى سمع أهل السماء صياح الديكة ، ونباح الكلاب فقلّبها بهم (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) أي المدن (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) معرّب «سنگ گل» أي طين متحجر ، وقيل : هو الآجر ، وقيل : انه فعيل من أسجله أي أرسله (مَنْضُودٍ) متتابع بعضه على أثر بعض.

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٤٧.

(٢) حجة القراآت : ٣٤٧.

٨٤

[٨٣] ـ (مُسَوَّمَةً) معلّمة للعذاب أو باسم من يرمى بها (عِنْدَ رَبِّكَ) في قدرته (وَما هِيَ) أي الحجارة (مِنَ الظَّالِمِينَ) من أمتك يا محمد (بِبَعِيدٍ) تهديد لقريش. والتذكير لأنها حجر.

[٨٤] ـ (وَإِلى مَدْيَنَ) أولاد مدين بن ابراهيم عليه‌السلام أو أهل «مدين» بلد بناه فسمّي باسمه (أَخاهُمْ) نسبا (شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) كانوا مع شركهم يطففون ، فأمرهم بالتوحيد ونهاهم عن التطفيف (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) بسعة تغنيكم عن البخس أو بنعمة فلا تزيلوها به (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) ان لم تتوبوا (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) لا يفلت منه أحد منكم. ووصف اليوم به وهو صفة العذاب لوقوعه فيه.

[٨٥] ـ (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا) أتموا (الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) لا تنقصوهم حقوقهم المقدّرة وغيرها (وَلا تَعْثَوْا) لا تفسدوا (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) بالشرك والبخس وغيرهما وهو حال مؤكّدة.

[٨٦] ـ (بَقِيَّتُ اللهِ) ما أبقاه لكم من الحلا بعد إيفاء الحق ، أو طاعته (خَيْرٌ لَكُمْ) مما تأخذون بالبخس (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط لخيريتها (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) احفظ أعمالكم فاجزيكم بها أو أحفظكم منها ، وانما أنا نذير.

[٨٧] ـ (قالُوا) ـ تهكّما ـ : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ) بالجمع ـ فإنه كان كثير الصلوات ، وأفردها «حمزة» و «الكسائي» و «حفص» (١) (تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ) بتكليف أن نترك (ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام. جواب أمرهم بالتوحيد (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ) أي أو نترك فعلنا (فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) من البخس. جواب نهيهم عنه وأمرهم بالإيفاء (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) قالوا ذلك استهزاء ، وأرادوا به ضده.

[٨٨] ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) بيان وبصيرة (مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٤٨.

٨٥

مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) مالا حلالا. تقدير جواب الشرط : أفأكفر نعمه وأخون بتبليغ رسالته (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ) وأقصد (إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) فارتكبه (إِنْ أُرِيدُ) بما آمركم به وأنهاكم عنه (إِلَّا الْإِصْلاحَ) لكم دينا ودنيا (مَا اسْتَطَعْتُ) مدة استطاعتي ، أو القدر الذي استطعته (وَما تَوْفِيقِي) تسهيل سبل الخير لي. وفتح الياء «نافع» و «ابن عامر» و «أبو عمرو» (١) (إِلَّا بِاللهِ) بلطفه (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) به وثقت لا بغيره (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أرجع في المعاد أو النوائب.

[٨٩] ـ (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) يكسبنّكم (شِقاقِي) خلافي (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق وهو ثاني مفعولي «يجرم» (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الريح (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الرجفة (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) زمنهم أو دارهم ، فاعتبروا بهم.

[٩٠] ـ (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) بالتائبين (وَدُودٌ) محبّ لهم ، أي مريد لمنافعهم.

[٩١] ـ (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ) نفهم (كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) وذلك لعدم إلقاء أذهانهم إليه ، أو قالوه استهانة بقوله : (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) بدنا أو ذليلا.

وقيل : أعمى ، ويرده «فينا» (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) عشيرتك وحرمتهم (لَرَجَمْناكَ) لقتلناك بالحجارة أو لشتمناك (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) فندع رجمك لعزّتك ، وانما ندعه لعزّة قومك.

[٩٢] ـ (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) فتتركون رجمي لأجلهم ، ولا تتركونه لله. وفتح «الياء» «الحرميان» و «أبو عمرو» و «ابن ذكوان» (٢) وكذا ياء «اني» (٣)

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٢.

(٢) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٢.

(٣) وردت كلمة إني : في هذه السورة في عدّة مواضع وهي الآيات : ٢٦ و ٣١ و ٤٦ و ٤٧ و ٥٤ و ٨٤ و ٩٣ ـ وانظر النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٢.

٨٦

(وَاتَّخَذْتُمُوهُ) أي الله (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) جعلتموه كالمنبوذ خلف الظهر فنسيتموه (إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) محص له ، لا يفوته شيء منه.

[٩٣] ـ (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) فسّر مثله في «الأنعام» (١) (وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) عطف على «من يأتيه» أي : سوف تعلمون من المعذّب والكاذب مني ومنكم (وَارْتَقِبُوا) انتظروا ما أعدكم به (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) منتظر.

[٩٤] ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبرئيل فماتوا (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) صرعى على وجوههم موتى.

[٩٥] ـ (كَأَنْ) مخففة (لَمْ يَغْنَوْا) لم يقيموا (فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ) عن رحمة الله أو هلاكا لهم (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) شبّهوا بهم لأنهم هلكوا بصيحته أيضا ، لكن تلك من تحتهم (٢).

[٩٦] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) بمعجزاتنا (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) حجة بينة باهرة هي العصا أو غيرها من الآيات ، أو المراد بهما واحد ، إذ المعجزة من جهة الإعتبار آية ، ومن جهة القوة سلطان.

[٩٧] ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) طريقه وهو الظلال ، وتركوا طريق موسى وهو الهدى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) سديد ، لأنه داع الى الشرّ ، وصادّ عن الخير.

__________________

(١) عند تفسير الآية (١٣٥) من سورة الانعام.

(٢) يبدو أن مراد المؤلف «ره» العذاب الحاسم الذي أتى على القوم فدمرهم تدميرا ، وحينئذ يكون عذاب قوم مدين من فوقهم كما اشارت اليه الآية (١٨٩) من سورة الشعراء (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ..) وتفسير الآية (٧٩) سورة الحجر من هذا التفسير ، وعذاب ثمود مت تحتهم كما اشارت اليه الآية (٥) من سورة الحاقة (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ).

والطاغية كما جاءت من مفردات الراغب اشارة الى الطوفان.

٨٧

[٩٨] ـ (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) يتقدمهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) الى النار ، كما تقدمهم في الدنيا الى الضلال (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) عبّر بالماضي لتحققه ، وسمي دخولها وردا تنزيلا لها منزلة الماء (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) المورد الذي وردوه عطاشى لإحياء نفوسهم النار.

والآية بيان لقوله : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ).

[٩٩] ـ (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ) أي الدنيا (لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) لعنة (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) العون المعان رفدهم ، وهو : اللعنتان.

[١٠٠] ـ (ذلِكَ) النبأ (مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) المهلكة (نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها) أي :

القرى (قائِمٌ) على بنائه (وَحَصِيدٌ) دارس كالزرع المحصود.

[١٠١] ـ (وَما ظَلَمْناهُمْ) بإهلاكهم (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بكفرهم الموجب له (فَما أَغْنَتْ) دفعت (عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) عذابه (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) تخسير أو تدمير.

[١٠٢] ـ (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الأخذ (أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) أهلها (وَهِيَ ظالِمَةٌ) حال (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) وجيع لا يرد.

[١٠٣] ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) المقصوص عليك (لَآيَةً) لعبرة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) وخصّ بالذكر لأنه المنتفع بالتفكير فيه (ذلِكَ) أي يوم القيامة (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) أي : لما فيه من الحساب والجزاء (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) يشهده أهل السماء والأرض.

[١٠٤] ـ (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي اليوم ، وقرأ «يعقوب» بالياء (١) (إِلَّا لِأَجَلٍ) لانقضاء أجل (مَعْدُودٍ) متناه.

[١٠٥] ـ (يَوْمَ يَأْتِ) حين يأتي اليوم أو الجزاء وحذف «ابن عامر» و «حمزة» و «عاصم» الياء (٢) (لا تَكَلَّمُ) تتكلم (نَفْسٌ) بما ينفع كشفاعة وغيرها (إِلَّا بِإِذْنِهِ)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٩٢.

(٢) حجة القراآت : ٣٤٨.

٨٨

تعالى ، هذا في موقف و (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) في آخر ، (١) أو الإذن في الحق والمنع في الباطل (فَمِنْهُمْ) أي الخلق (شَقِيٌ) بسوء عمله (وَسَعِيدٌ) بحسن عمله.

[١٠٦] ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) بأعمالهم القبيحة (فَفِي النَّارِ) استحقوها جزاء لأعمالهم (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) صوت شديد (وَشَهِيقٌ) صوت ضعيف.

ويقالان لأول النهيق وآخره.

[١٠٧] ـ (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي مدة دوامهما في الدنيا.

أريد به التأبيد على عادة العرب لا ارتباط دوامهم بالنار بدوامهما للنص على تأبيدهم وزوالهما (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) «إلّا» بمعنى سوى ، مثل : لك ألف إلّا ألفان سبقا أي : سواء أي ما شاء ربّك من الزيادة التي لا منتهى لها على مدتهما.

والمعني : خالدين فيها أبدا. والاستثناء من خلودهم في النار لأنّ منهم فسّاق الموحدين ، وهم يخرجون منها.

ويصح الاستثناء بذلك لزوال حكم الكل بزواله عن البعض ، وهم المستثنى في الآية إذ يفارقون الجنة وقت عذابهم فقد شقوا بعصيانهم ، وسعدوا بإيمانهم فجمعوا الوصفين باعتبارين (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا مانع له.

[١٠٨] ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) بناه «حمزة» و «الكسائي» و «حفص» للمفعول (٢) من سعده أي أسعده (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً) نصب مصدرا (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) مقطوع ، تصريح بعدم انقطاع الثواب ويؤيد التأويل الأول.

[١٠٩] ـ (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) شكّ (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) من الأوثان في أن عبادتها ضلال ، أو : من عبادتهم في أنها تجر الى النار (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ

__________________

(١) سورة المرسلات : ٧٧ / ٣٦.

(٢) حجة القراآت : ٣٤٩.

٨٩

قَبْلُ) كالذي عبدوه من الأوثان أو كعبادتهم ، وسيحلّ بهم ما حلّ بآبائهم (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ) كآبائهم (نَصِيبَهُمْ) حظّهم من العذاب (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حال ، أي : تاما.

[١١١٠] ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) من مصدّق به ومكذّب كاختلاف قومك في القرآن فلا تحزن (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بالإمهال الى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في الحال ، بإهلاك المبطل وإنجاء المحقّ (وَإِنَّهُمْ) أي الكفرة (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من القرآن (مُرِيبٍ) موقع للريبة.

[١١١] ـ (وَإِنَّ كُلًّا) كل المختلفين مصدقيهم ومكذبيهم ، وخففها عاملة «ابن كثير» و «نافع» و «أبو بكر» (١) (لَمَّا) (٢) (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) احدى اللامين موطئة للقسم والأخرى مؤكدة. و «ما» زيدت للفصل بينهما ، وشددها «ابن عامر» و «عاصم» و «حمزة» (٣) على أن أصله «لمن ما» قلبت النون ميما «لتدغم» وحذفت أولى الميمات ، أي : لمن الذين يوفّينهم (رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) أي : جزاءها (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) عالم بخفيّه كجليّه.

[١١٢] ـ (فَاسْتَقِمْ) على الدّين والعمل به والدعاء إليه (كَما أُمِرْتَ) في القرآن (وَمَنْ) عطف على مستكن «استقم» ولم يؤكد للفصل (تابَ) من الشرك وآمن (مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) تتعدوا حدود الله (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم به.

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٥٠.

(٢) في هامش «ألف» و «ب» ما يلي : وقد حصل من التشديد والتخفيف في ان ولمّا اربع قراءات من السبعة تخفيفها لنافع وابن كثير ، وتشديدهما لابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم ، وتشديد ان وتخفيف لما لأبي عمرو والكسائي ، وبالعكس لأبي بكر ـ عن عاصم (منه رحمه‌الله) ـ وما بين الشارحتين اختصت بها «ألف».

(٣) حجة القراآت : ٣٥٠ ـ وتفسير مجمع البيان ٣ : ١٩٦ ـ ١٩٧.

٩٠

قيل ما نزل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ من هذه الآية (١) ولذلك قال : «شيبتني هود» (٢).

[١١٣] ـ (وَلا تَرْكَنُوا) تميلوا (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بمودّة أو طاعة أو نصح (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) بركونكم إليهم (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي سواه (مِنْ أَوْلِياءَ) أنصار يدفعون عذابه عنكم (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) أصلا ، إذ أوعدكم بالعذاب ولا دافع له ف «ثّم» بمنزلة الفاء.

[١١٤] ـ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) طرف غدوة أي صلاة الصبح ، وعشية أي المغرب ، أو العصر أو الظهرين ، إذ ما بعد الزوال عشي (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) ساعات منه قريبة من النهار أي صلاه العشاء أو العشاءين (إِنَّ الْحَسَناتِ) الصلوات الخمس أو الطاعات (يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يكفّرنها أو يدعون الى تركها (ذلِكَ) المذكور من «فاستقم» الى هنا (ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) عظة للمتذكرين.

[١١٥] ـ (وَاصْبِرْ) على الصلوات أو الطاعات أو على أذى قومك (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الصابرين على الطاعة وترك المعصية.

[١١٦] ـ (فَلَوْ لا) فهلا ، توبيخ معناه النفي ، أي : ما (كانَ مِنَ الْقُرُونِ) الأمم الماضية (مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) أصحاب دين أو خير أو فضل (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا) لكن (قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) نهوا عنه فأنجيناهم و «من» بيانية (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالفساد وترك النهي عنه (ما أُتْرِفُوا) أنعموا (فِيهِ) من اللذات (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) كافرين.

[١١٧] ـ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) منه لها (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) مؤمنون ، أو ما يهلكهم بشركهم وهم على النصفة فيما بينهم.

[١١٨] ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) مشيئة حتم وجبر (لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) في

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٩٩ وهو قول ابن عباس (ره).

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٩٩.

٩١

الإيمان ، لكن جبرهم يبطل الغرض من التكليف وهو استحقاق الثواب ، فلذلك لم يشاءه ، بل شاء أن يؤمنوا باختيار ، مشيئة طلب لا إكراه (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) في الدين بين محقّ ومبطل.

[١١٩] ـ (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) لطف بهم لعلمه بأن اللطف ينفعهم ، فاتفقوا على الحقّ بلطفه (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي للرحم أو لاتفاقهم في الإيمان أمة واحدة (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١).

وقيل : الإشارة الى الإختلاف ، واللام للعاقبة (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وجب قوله أو مضى حكمه (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) بكفرهم.

[١٢٠] ـ (وَكُلًّا) وكل نبأ. وناصبه (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما) «ما» بدل من «كلّا» (نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) نقوّي به قلبك ونزيدك ثباتا على التبليغ واحتمال أذى قومك (وَجاءَكَ فِي هذِهِ) السورة أو الأنباء (الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) خصّوا بالذكر لأنهم المنتفعون بتدبّرها.

[١٢١] ـ (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) حالتكم (إِنَّا عامِلُونَ) على حالتنا.

[١٢٢] ـ (وَانْتَظِرُوا) عقوبة كفركم (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ثواب إيماننا.

[١٢٣] ـ (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) له وحده علم ما غاب فيهما (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ) يعود. وبناه «نافع» و «حفص» للمفعول (٢) أي يردّ (الْأَمْرُ كُلُّهُ) لا يشركه فيه أحد (فَاعْبُدْهُ) وحده (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ثق به ، فإنه كافيك (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل هو محصيه ومجازيهم به وقرأ «نافع» و «ابن عامر» بالخطاب (٣).

__________________

(١) ورد هذا في سورة الذاريات : ٥١ / ٥٦.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢٠٢ وحجة القراآت : ٣٥٣.

(٣) حجة القراآت : ٣٥٣.

٩٢

سورة يوسف

[١٢] ـ مائة وإحدى عشر آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الر تِلْكَ) أي الآيات (آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) السورة أو القرآن ، البيّن الإعجاز أو المبيّن له.

[٢] ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي الكتاب (قُرْآناً) يقال للبعض والكل ، وهو حال ، أو توطئة للحال وهي (عَرَبِيًّا) بلغة العرب (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لتفهموه أو لتعلموا أنّه من عند الله بعجزكم عن معارضته.

[٣] ـ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أحسن المقصوص لتضمنه حكما وعبرا ، مفعول «نقصّ». أو أحسن الاقتصاص في الأسلوب ، مصدر (بِما أَوْحَيْنا) بإيحائنا (إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) أي السورة أو الكل (وَإِنْ) مخفف (كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) عما فيه من قصة يوسف ، والأعم من ذلك أي لا تعلم شيئا منه.

[٤] ـ (إِذْ) اذكر إذ (قالَ يُوسُفُ) عبريّ (١) (لِأَبِيهِ) يعقوب (يا أَبَتِ) التاء

__________________

(١) كذا في تفسير البيضاوي ٣ : ٤٣ ـ وفيه : ولو كان عربيا لصرّف وقرئ بفتح السين وكسرها على التلعب به لا على انه مضارع بني للمفعول والفاعل من آسف لان المشهورة شهدت بعجمته.

٩٣

عوض عن ياء الإضافة المحذوفة ، وكسرها المناسبة الياء ، وفتحها «ابن عامر» (١) لمناسبة الألف المحذوفة المقلوبة عن الياء ، ووقف «ابن كثير» و «أبو عمرو» بالهاء (٢) (إِنِّي رَأَيْتُ) في منامي (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ) كرر تأكيدا (لِي ساجِدِينَ) جمعت كالعقلاء لوصفها بصفتهم وهو السجود.

[٥] ـ (قالَ يا بُنَيَ) فتح الياء «حفص» (٣) وكسرها غيره ، مصغر «ابن» تصغير شفقة (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) فيحتالوا لإهلاك حيلة لعلمهم بتأويلها من علوّك عليهم.

وأنهم الكواكب ، والشمس والقمر أبواك. خاف أن يحسدوه فيغتالوه (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) بين العداوة ، فيحملهم على الحسد والكيد.

[٦] ـ (وَكَذلِكَ) الاجتباء بهذه الرؤيا الدالة على تفوّقك (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) يختارك للنبوّة ، أو لحسن الخلق والخلق (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) تعبير الرؤيا أو معاني كتب الله (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوّة (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) بنيه ، بجعل النبوة فيهم (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ) بالنبوّة (مِنْ قَبْلُ) من قبلك (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) بيان ل «أبويك» (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ) بمن يصلح للنبوة (حَكِيمٌ) في صنعه.

[٧] ـ (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) في خبرهم وهم أحد عشر (آياتٌ) عبر عجيبة ودلائل لنبوتك. ووحدها «ابن كثير» (٤) (لِلسَّائِلِينَ) عن خبرهم كاليهود ، إذ قالوا للمشركين : سلوا محمدا عن قصة يوسف.

[٨] ـ (إِذْ قالُوا) اذكر إذ قال بعض إخوته لبعض : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) لأبويه

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٥٣.

(٢) كذا في النسخ ، وفي حجة القراآت ٣٥٤ : وقف ابن كثير وابن عامر «يا ابة» على الهاء.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ٤٤.

(٤) حجة القراآت : ٣٥٥.

٩٤

«بنيامين» (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا).

قيل كان «يعقوب» شديد الحبّ ليوسف ، ويؤثره على أولاده فحسدوه ، ثم رأى الرؤيا فاشتد حسدهم له (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) والحال اننا جماعة ، ويقال للعشرة فما زاد (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) عن التدبير في أمر الدنيا بإيثارهما علينا ونحن أنفع له.

[٩] ـ (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) في أرض بعيدة ونصبت ظرفا لإبهامها.

قاله «شمعون» أو «دان» (يَخْلُ) يخلص (لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) عن شغله بيوسف ويقبل عليكم بكلّه (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) بعد قتله أو طرحه (قَوْماً صالِحِينَ) بالتوبة عمّا فعلتم أو في أمر دنياكم أو مع أبيكم.

[١٠] ـ (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) «يهوذا» أو «روئيل» : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) قعر البئر المغيّب ما فيه عن الحس ، وجمعها «نافع» في الموضعين (١) (يَلْتَقِطْهُ) يأخذه (بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ما يفرق بينه وبين أبيه فليكن هذا.

[١١] ـ (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) بالإدغام ، والإشمام ، و «قالون» لا يشم (٢) (عَلى يُوسُفَ) لم تتهمنا في أمر (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) عاطفون عليه ، قائمون بمصالحه.

[١٢] ـ (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) الى الصحراء (يَرْتَعْ) ننعم ونأكل (وَيَلْعَبْ) بالرمي والاستباق. بالنون فيهما ، وجزم العين ل «أبي عمرو» و «ابن عامر» ، (٣) وكذا «ابن كثير» لكن بكسرها ، (٤) من «ارتعى» ك «نافع» (٥) بالياء فيهما ، وبالياء والجزم «للكوفيين» (٦)

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٥٥. والموضع الآخر آية / ١٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢١٣.

(٣) حجة القراآت : ٣٥٥.

(٤) حجة القراآت : ٣٥٦.

(٥) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢١٣.

(٦) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢١٣.

٩٥

(وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) حتّى نردّه إليك.

[١٣] ـ (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) وتغيّبوه عنّى. وفتح «الحرميان» (١) ياءه الأخيرة (٢) وفتحاهما و «أبو عمرو» ياء (رَبِّي أَحْسَنَ) (٣) [وياء] ـ (أَبِي أَوْ يَحْكُمَ) (٤) (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) وكانت أرضهم مذأبة (٥) ، ولم يهمزه «السوسي» و «ورش» و «الكسائي» (٦) (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) مشتغلون بأشغالكم

[١٤] ـ (قالُوا لَئِنْ) لام موطئة للقسم (أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) ولم نمنعه منه (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) عجزة ضعفاء ، فأرسله معهم.

[١٥] ـ (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) عزموا (أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) وجواب «لما» مقدر ، أي فعلوا ذلك.

قيل لما خرجوا به جعلوا يضربونه وهو يستغيث ، وهمّوا بقتله ، فمنعهم «يهوذا» فمضوا به الى الجبّ فدلوه فيه ، فتعلق بشفيره ، فنزعوا قميصه فسألهم ردّه ، فقالوا : الكواكب والشمس والقمر تواريك ، فلما بلغ نصفه ألقوه ، فسقط في الماء ، فآوى الى صخرة ـ وكان ابراهيم حين قذف في النار عريانا أتاه جبرئيل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ، وورثه إسحاق ، ثم يعقوب ، فجعله في تعويذ ، (٧) وعلقه على يوسف ـ فجاءه جبرئيل فأخرجه وألبسه إياه (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) في الجب ، إيناسا له ، نبّئ وله سبع عشرة سنة أو أقل (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) لتخبرنهم فيما بعد بصنيعهم

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٩٦.

(٢) اي الياء الأخيرة من كلمة : «ليحزنني».

(٣) في الآية (٢٣) من هذه السورة.

(٤) في الآية (٨٠) من هذه السورة.

(٥) اي كثيرة الذئاب.

(٦) حجة القراآت : ٣٥٧ ، وليس فيه اسم «السوسي».

(٧) اي في عوذة.

٩٦

بك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنك يوسف.

أريد به ما قال لهم حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون (١).

[١٦] ـ (وَجاؤُ) (٢) (أَباهُمْ عِشاءً) مساء (يَبْكُونَ) متباكين ، قيل : لما سمع بكاءهم فزع وقال : ما لكم؟.

[١٧] ـ (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) نرمي أو نعدو (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) رتلنا (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ) بمصدّق (لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) لاتهامك لنا.

[١٨] ـ (وَجاؤُ) (٣) (عَلى قَمِيصِهِ) في محل نصب على الظرفية أي فوقه (بِدَمٍ كَذِبٍ) وصف به مبالغة ، أو ذي كذب ، أي : مكذوب فيه ، فإنه دم سخلة ذبحوها ولطخوه بها ، وذهلوا أن يمزّقوه ، وقالوا هذا دمه ، فقال يعقوب : كيف أكله ولم يمزّق قميصه؟! (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) زيّنت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) فصنعتموه (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) لا جزع فيه ، المبتدأ محذوف أي : أمري ، أو الخبر أي أجمل (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) على دفعه ، أو على الصبر عليه.

والأصح أنهم ما كانوا أنبياء كما روي عن الباقر (ع) ـ لمنافاة المعصية للنبوّة ـ.

[١٩] ـ (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ) مسافرون من مدين الى مصر بعد إلقائه في الجبّ بثلاث ، فنزلوا قريبا منه (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) من يرد الماء ليستقي لهم (فَأَدْلى) أرسل في الجبّ (دَلْوَهُ) فتعلق بها يوسف فلمّا رآه (قالَ يا بُشْرى) بفتح الياء ، وحذفها «الكوفيون ، (٤) وأمال فتحة الراء «حمزة» و «الكسائي» (٥). والنداء مجاز أي : احضري فهذا وقتك (هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ) أي : واجدوه ، أخفوا أمره عن رفقتهم ، وقالوا دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم.

__________________

(١) كما ورد في الآية (٥٨) من هذه السورة.

(٢) يراجع تعليقنا على الآية (٦١) من سورة البقرة.

(٣) يراجع تعليقنا على الآية (٦١) من سورة البقرة.

(٤) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢١٨.

(٥) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢١٨.

٩٧

أو اسره اخوته حين علموا به ، فقالوا : هو عبدنا أبق. وسكت خوفا أن يقتلوه (بِضاعَةً) حال (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) بسرّهم أو بكيد إخوته.

[٢٠] ـ (وَشَرَوْهُ) باعوه اخوته ، أو اشتراه الرفقة منهم (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) ناقص ، أو زيوف (دَراهِمَ) بدل من ثمن (مَعْدُودَةٍ) قليلة ، عشرين أو ثمانية وعشرين (وَكانُوا) أي اخوته لجهلهم شأنه ، أو الرفقة لالتقطاهم إيّاه (فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) الراغبين عنه. ولامه إن جعلت للتعريف تعلق «فيه» به ، وإن جعلت موصولا تعلق بما دل عليه «الزاهدين» لان متعلق الصلة لا يتقدم الموصول.

[٢١] ـ (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ) العزيز وهو «قطفير» خليفة الملك وخازنه ، أو هو الملك «ريان بن الوليد» من العمالقة ، آمن بيوسف ومات في عصره.

وفرعون موسى من ولده ، وقيل أنه هو عمّر أربعمائة سنة.

قيل : اشتراه العزيز منهم بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين أو وزنه ورقا (١) (لِامْرَأَتِهِ) «راعيل» ولقبها زليخا (أَكْرِمِي مَثْواهُ) مقامه عندنا (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) في أمورنا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) كان عقيما ، وتفرس فيه الرشد (وَكَذلِكَ) أي كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أرض مصر ليقيم العدل فيها (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) فسر (٢) (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) لا يغلبه شيء على مراده ، أو على أمر يوسف بتدبيره حتّى يبلغه ما قدر له (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.

[٢٢] ـ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) كمال شدته وقوته وهو ثمان عشرة سنة أو ثلاث وثلاثون ، أو الحلم (آتَيْناهُ حُكْماً) بين الناس ، أو علما وعملا به ، أو نبوة (وَعِلْماً) بتعبير الرؤيا ، أو فقها في الدين (وَكَذلِكَ) الجزاء له (نَجْزِي

__________________

(١) الورق : الدراهم المضروبة.

(٢) عند تفسير الآية (٦) من هذه السورة.

٩٨

الْمُحْسِنِينَ) في أعمالهم.

[٢٣] ـ (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) طلبت منه أن يواقعها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) سبعة ، والتشديد للتكثير (١) أو للمبالغة في الإيثاق (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) اسم فعل ، أي : هلمّ واقبل (٢). واللام للتبيين. وضم «ابن كثير» التاء ، (٣) وكسر «نافع» و «ابن عامر» الهاء ، (٤) وكذا «هشام» لكنه يهمز ، (٥) وعنه ضم التاء (٦) (قالَ مَعاذَ اللهِ) أعوذ بالله معاذا (إِنَّهُ رَبِّي) أي زوجك سيدي (أَحْسَنَ مَثْوايَ) مقامي بإكرامي فلا أخونه وأهله ، أو «الهاء» لله أي : خالقي رفع محلي ، وآواني فلا أعصيه. (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) بالخيانة أو الزنا.

[٢٤] ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) الهمّ بالشيء : قصده والعزم عليه ، أي قصدت مخالطته (وَهَمَّ بِها) مال طبعه إليها.

فهمّه منازعة الشهوة الطبيعية لا القصد الاختياري ، فلا قبح فيه إذ لا اختيار فيه ؛ وإنما معه يمدح ويثاب من كف نفسه عن الفعل (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) جواب «لو لا» محذوف دل عليه «وهمّ بها» أي لو لا النبوة المانعة من القبيح لعزم ؛ أو لفعل. وليس المتقدم جوابا ، لأن جوابها لا يتقدمها (كَذلِكَ) أريناه البرهان (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) الخيانة والزنا وقصدهما. نزّهه تعالى عن كل قبيح ، وتأبى المجبرة ذلك ، مع تأكيده بقوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) دينهم لله ، وفتحه «نافع» و «الكوفيون» (٧) أي المختارين للنبوة.

__________________

(١) في «ط» للتكبير.

(٢) في «أ» اسم فعل بمعنى اقبل.

(٣) حجة القراآت : ٣٥٨ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٢٢٢.

(٤) كتاب السبعة في القراآت : ٣٤٧.

(٥) حجة القراآت : ٣٥٨ وكتاب السبعة : ٣٤٧.

(٦) حجة القراآت : ٣٥٨ وكتاب السبعة : ٣٤٧.

(٧) التيسير في القراآت السبع : ١٢٨ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٢٢٣.

٩٩

[٢٥] ـ (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) بادراه ، هو للهرب ، وهي لتمسكه ، فلحقته وجذبته (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) شقته طولا من خلفه (وَأَلْفَيا سَيِّدَها) وجدا زوجها (لَدَى الْبابِ قالَتْ) له تبرءة لنفسها ، وإغراء له به (ما) نافية أو استفهامية ، أي : أي شيء (جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) خيانة (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) إلّا سجن أي حبس (أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ضرب مؤلم.

[٢٦] ـ (قالَ) ـ متبرئ مما افترته عليه ـ : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) طالبتني بالسوء (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) صبي في المهد ابن أختها ، أو ابن عمها ، وقيل رجل كان مع زوجها فقال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) من قدامه (فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) لدلالته على انه قصدها فدفعته.

[٢٧] ـ (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) من خلفه (فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لدلالته على أنه فرّ وتشبثت به.

[٢٨] ـ (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ) ان هذا الصنيع (١) (مِنْ كَيْدِكُنَ) حيلتكن معاشر النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) شديد التأثير للطفه.

[٢٩] ـ (يُوسُفُ) أي يا يوسف (أَعْرِضْ عَنْ هذا) الحديث ولا تذكره لئلا يفشو (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) يا زليخا (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) المذنبين تعمدا ، وذكّر تغليبا.

[٣٠] ـ (وَقالَ نِسْوَةٌ) جرد فعله لأنه اسم جمع لامرأة ، فتأنيثه مجازي (فِي الْمَدِينَةِ) مصر (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) هو بالعربية الملك (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) تدعو عبدها الى الفجور بها (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) تمييز أي : دخل حبه شغاف (٢) قلبها أي : غشاءه (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) في خطأ ظاهر بفعلها.

__________________

(١) في «ج» : الصنع. وفي «ط» : لصنيع.

(٢) في «ط» : الى شغاف.

١٠٠