الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

سورة الكهف

[١٨]

مائة وعشر آيات مكية إلّا (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) الآية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) القرآن ، رتّب الحمد على إنزاله لأنّه النّعمة الكبرى على العالمين لانتفاعهم به في امر الدّنيا والدّين (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ) أي فيه (عِوَجاً) اختلافا وتنافيا ، أو انحرافا عن الحقّ.

[٢] ـ (قَيِّماً) مستقيما مستويا لا تناقض فيه ، أو : قيّما بمصالح العباد ، أو على الكتب مصدّقا لها ، وانتصابه بمقدّر أي جعله قيما ، أو على الحال من «الكتاب» ان كان واو «ولم يجعل» للحال (لِيُنْذِرَ بَأْساً) ليخوّف بالكتاب الكفّار عذابا (شَدِيداً) فحذف المفعول الأوّل للقرينة (مِنْ لَدُنْهُ) صادرا من عنده ، وسكّن «أبو بكر» الدّال بإشمام وكسر النون والهاء (١) (وَيُبَشِّرَ) وخفّفه «حمزة» (٢) (الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ

__________________

(١) حجة القراآت : ٤١٢ وكتاب السبعة في القراآت : ٣٨٨.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٤٨.

٢٢١

الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) هو الجنّة بدليل :

[٣] ـ (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) لا الى نهاية.

[٤] ـ (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) كرّر الإنذار مخصّصا بهم لعظم كفرهم وحذف المنذر به لسبق ذكره.

[٥] ـ (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي بهذا القول ، وانّما صدر عن جهل وتقليد ، أو : بالله إذ لو علموه لم ينسبوا إليه الاتخاذ (١) (وَلا لِآبائِهِمْ) القائلين به من قبلهم (كَبُرَتْ) عظمت مقالتهم هذه ، والضمير مبهم يفسّره (كَلِمَةً) وهي تمييز (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) صفة لها تؤذن بقحتهم (٢) إذ نطقوا بها وأظهروها (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).

[٦] ـ (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) قاتل (نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) بعد تولّيهم منك. (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) القرآن (أَسَفاً) حزنا وغصّة لحرصك على إيمانهم ، مفعول له أو مصدر.

[٧] ـ (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) من المواليد الثّلاثة (٣) وغيرها (زِينَةً لَها) ولأهلها (لِنَبْلُوَهُمْ) نختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فيه ، وهو الأزهد فيه ومن لا يغترّ به

[٨] ـ (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً) أرضا مستوية (جُرُزاً) يابسا لا نبات فيه.

[٩] ـ (أَمْ) بل أ(حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) الغار الواسع في الجبل (وَالرَّقِيمِ) اسم الوادي ، أو الجبل الذي فيه كهفهم أو قريتهم أو لوح رقمت فيه قصّتهم ، وجعل بالباب (٤).

__________________

(١) اي اتّخاذ الصاحبة والولد.

(٢) القح : الجافي من الناس قاموس اللغة.

(٣) المواليد هي الحيوان والنبات والمعادن.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣١ وتفسير العياشي ٢ : ٣٢١ ـ مع اختلاف يسير ، وتفسير مجمع البيان ٣ : ٤٥٢ عن ابن عباس والضحاك.

٢٢٢

وقيل : اصحاب الرّقيم ثلاثة نفر ، دخلوا غارا فانحطّت صخرة سدّت بابه ، فقالوا : ليدع الله كل واحد منّا بحسنة عملها ، لعلّه يفرّج عنّا ، ففعلوا فنجوا (١) (كانُوا) في قصّتهم وقد تعجب الكفرة منها فسألوه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عنها امتحانا (مِنْ آياتِنا) حال (عَجَباً) خبر كان أي ما كانوا عجبا دون سائر آياتنا فإنّ خلق السماوات والأرض وما فيهن أعجب.

[١٠] ـ (إِذْ) اذكر إذ (أَوَى) التجأ (الْفِتْيَةُ) جمع فتّى ، كصبيّ وهو : الشّابّ الكامل (إِلَى الْكَهْفِ) هربا بدينهم من دقيانوس ، وقد ادّعى الرّبوبيّة وكانوا من خواصّه ويسرّون الإيمان (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) مغفرة ورزقا وأمنا (وَهَيِّئْ) أصلح (لَنا مِنْ أَمْرِنا) الّذي نحن عليه (رَشَداً) نكون به راشدين.

[١١] ـ (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أي أنمناهم ، وأصله ضربنا عليها حجابا يمنع السّماع ، فحذف المفعول (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ) ظرف (٢) ل «ضربنا» (عَدَداً) ذات عدد.

[١٢] ـ (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم (لِنَعْلَمَ) ليظهر معلومنا (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) المختلفين في مدّة لبثهم منهم أو من غيرهم والاستفهام (٣) علّق نعلم فهو مبتدأ ، خبره (أَحْصى) فعل ماض أي اضبط (لِما لَبِثُوا) للبثهم ، حال من المفعول وهو (أَمَداً) غاية.

[١٣] ـ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) بالصّدق (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) شباب (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) بالتّثبيت (٤).

__________________

(١) قاله النعمان بن بشير ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٥٢.

(٢) في «ج» ظرفان.

(٣) في «ج» ولتضمنه الاستفهام.

(٤) في «ج» بالتثبت.

٢٢٣

[١٤] ـ (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) قوّيناها بالألطاف ، فأظهروا الحقّ وصبروا على المشاقّ (إِذْ قامُوا) بين يدي دقيانوس الجبّار أو خلف المدينة (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) قولا ذا شطط أي بعد مفرط عن الحق ان دعونا الها غيره.

[١٥] ـ (هؤُلاءِ) مبتدأ (قَوْمُنَا) عطف بيان (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) خبره (لَوْ لا) هلّا (يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ) على عبادتهم (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) بحجة ظاهرة.

يفيد بطلان كلّ دين لا دليل عليه ومنع التقليد (فَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشّريك إليه.

[١٦] ـ (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) قول بعضهم لبعض (وَما يَعْبُدُونَ) ومعبوديهم (إِلَّا اللهَ) فإنّهم كانوا يعبدونه والأصنام (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) يبسطها لكم في الدّارين (وَيُهَيِّئْ) يسهّل (لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) ما ترتفقون به أي تنتفعون.

قالوا ذلك ثقة بفضله تعالى وفتح «نافع» و «ابن عامر» الميم وكسر الفاء (١) وعكس غيرهما.

[١٧] ـ (وَتَرَى الشَّمْسَ) لو رأيتها (إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) تميل عنه واصلة تتزاور ، أدغمت التاء في الزّاي ، وحذفها الكوفيّون ، وقرأ «ابن عامر» : «تزوّر» كتحمّر (٢) (ذاتَ الْيَمِينِ) ظرف ، أي الجهة المسمّاة باليمين (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ) تقطعهم وتجوزهم (ذاتَ الشِّمالِ) فلا تصيبهم فتؤذيهم (٣) لأنّ باب الكهف كان مستقبلا للقطب الشّمالي ، فتميل عنهم طالعة وغاربة ، أو لأنّ الله أمالها

__________________

(١) حجة القراآت : ٤١٢ والسبعة القراآت : ٣٨٨.

(٢) حجة القراآت ٤١٣.

(٣) جملة فتؤذيهم غير موجودة في «ب».

٢٢٤

عنهم (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) متّسع من الكهف ، ينالهم روح النّسيم (ذلِكَ) أي ايواؤهم الى الكهف وحفظهم ، أو : ميل الشمس عنهم (مِنْ آياتِ اللهِ) دلائل قدرته (مَنْ يَهْدِ اللهُ) بلطفه (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) كأهل الكهف. واثبت «نافع» و «أبو عمرو» «الياء» وصلا (١) (وَمَنْ يُضْلِلْ) يخذله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) من يليه ويرشده.

[١٨] ـ (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) لانفتاح عيونهم أو لتقلّبهم (وَهُمْ رُقُودٌ) نيام (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) لئلّا تأكلهم الأرض (وَكَلْبُهُمْ) واسمه «قطمير» كلب راع ، مرّوا به فتبعهم وتبعه كلبه ، أو كلب مرّوا به فتبعهم فطردوه ، فقال : أنا احبّ اولياء الله ، فناموا حتى أحرسكم (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) حكاية حال ماضية ولذا عمل (بِالْوَصِيدِ) بفناء الكهف أو العتبة أو الباب ، لم ينم ولم يقم.

وقيل هو مثلهم في النّوم والتّقلّب (٢) (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) ورأيتهم (لَوَلَّيْتَ) هربت (مِنْهُمْ فِراراً) مصدر لأنّه بمعنى التولية ، أو علّة (٣) (وَلَمُلِئْتَ) ملئ قلبك ، وشدّده (٤) «نافع» و «ابن كثير» (٥) (مِنْهُمْ رُعْباً) وضمّه (٦) «ابن عامر» و «الكسائي» (٧) أي خوفا لهيبة ألبسهم الله ايّاها أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم.

قال «ابن عباس» : غزا معاوية الرّوم فمرّ بالكهف فقال : لو كشف لنا عنهم فرأيناهم ، فقلت له : قد منع ذلك من هو خير منك ، قال تعالى : (لَوِ اطَّلَعْتَ)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ٥٣ و ٨٢.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٥٦.

(٣) لم نعثر على مصدره وقائله.

(٤) اي اللام.

(٥) حجة القراآت : ٤١٣ والسبعة القراآت : ٣٨٩.

(٦) اي ضمّ العين.

(٧) تفسير البيضاوي ٣ : ١٣٦.

٢٢٥

الآية ، فلم يقبل فبعث ناسا فدخلوا ، فأتت ريح فأحرقتهم (١).

[١٩] ـ (وَكَذلِكَ) كما أنمناهم (٢) بقدرتنا (بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) عن مدّة لبثهم فيعرفوا صنع الله بهم فيزدادوا يقينا (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ظنّا منهم ، إذ لا ضبط للنّائم ، ثم ردّوا العلم الى الله بأن (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) وقيل : دخلوا الكهف غدوة وبعثوا عصرا (٣) فظنوه يومهم أو الذي بعده فترددوا فيهما ، فلمّا رأوا تغيّر أحوالهم قالوا هذا ، ثمّ أخذوا في مهمّ آخر وقالوا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) الورق : الفضّه مضروبة كانت أم لا ، وسكن الرّاء «أبو عمرو» و «أبو بكر» و «حمزة» وكسرها غيرهم ، (٤) وتزوّدهم يفيد انّه لا ينافي التّوكّل (إِلَى الْمَدِينَةِ) أفسوس أو طرسوس (٥) (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) أي أهلها (أَزْكى طَعاماً) حلّ وأطيب (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) (٦) في التّخفي لئلّا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) بفعل ما يوجب الشّعور.

[٢٠] ـ (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا) يطّلعوا (عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ) يقتلوكم بالرّجم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) من العود بمعنى الرجوع أو الصّيرورة (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) ان عدتم في ملّتهم.

[٢١] ـ (وَكَذلِكَ) أي كما أنمناهم وبعثناهم (أَعْثَرْنا) اطّلعنا (عَلَيْهِمْ) أهل المدينة.

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ١٣٦.

(٢) في «ج» أفناهم.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ١٣٦.

(٤) حجة القراآت : ٤١٣ والسبعة القراآت : ٣٨٩.

(٥) أفسوس بلد بثغر طرسوس يقال : هو بلد اصحاب الكهف (مراصد الاطلاع) وفيه ايضا : طرسوس مدينة بثغور الشام بين انطاكية وحلب وبلاد الروم.

(٦) في هامش الأصل هنا ما يلي : نصف القرآن باعتبار الحروف.

٢٢٦

قيل لمّا دخل المبعوث السّوق وأخرج درهما دقيانوسيّا ، اتّهموه بوجدان كنز ، فأتوا به الملك وكان نصرانيّا عادلا ، فقصّ عليه قصّتهم. فقال بعض : أخبرنا آباؤنا انّ فتية فرّوا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء ، فانطلق الملك بالناس فلما دنوا من الكهف استوقفهم الفتى ليدخل اوّلا ، لئلا يفزعوا ، فدخل فدعوا الله أن يميتهم ، فماتوا وطمس على الباب فلم يره الناس (١) (لِيَعْلَمُوا) أي المطّلعون عليهم (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث (حَقٌ) فإنّ من قدر على انامتهم وايقاظهم ، قدر على الموت والبعث (وَأَنَّ السَّاعَةَ) القيامة (لا رَيْبَ فِيها) لا شكّ في إمكانها لأنّها كإيقاظهم من رقدتهم الطويلة بالنسبة الى قدرة الله تعالى (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أمر دينهم من بعث الأرواح فقط ، أو مع الأجساد أو : امر الفتية حين ماتوا بعد الاطّلاع عليهم.

فقال بعض : ماتوا ، وقال بعض : ناموا كأوّل مرّة ، أو في البناء حولهم (٢) (فَقالُوا) أي الكفّار : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ) حولهم (بُنْياناً) يسترهم من النّاس (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) اعتراض من الله تعالى ردا على المتنازعين على عهدهم أو عهد الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أو من المتنازعين إذ لم يتحققوا حالهم فردّوه الى الله (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) أمر الفتية وهم المؤمنون (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) نصلّي فيه ، فبنوه في جهة باب الكهف.

[٢٢] ـ (سَيَقُولُونَ) أي المتنازعون في عددهم في زمن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هم (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) قاله اليعقوبيّة (٣) من نصارى نجران (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٢ : ٧١٢ ـ مع اختلاف يسير ـ.

(٢) ورد نظيره في تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٦٠.

(٣) اليعقوبية : فرقة من النصارى اتباع يعقوب البراذعي الذي ظهر في الجيل السادس للمسيح وذهب الى ان في المسيح طبيعة واحدة.

٢٢٧

قاله النّسطوريّة (١) منهم (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ظنّا فيما غاب عنهم ، مفعول له أو مصدر ويرجع الى القولين (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) هو قول أمير المؤمنين ، علموه من قول النبيّ (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإيحاء الله تعالى إليه لردّ القولين الأوّلين باتباعهما رجما بالغيب ، فتعيّن الثالث لأصالة عدم رابع ، ولزيادة الواو في الجملة الوصفيّة تأكيدا للصوق الصّفة بالموصوف ودلالة على ثبوتها ، ولإتباعه : (قُلْ رَبِّي) وفتح «الحرميّان» و «أبو عمرو» الياء (٣) (أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) ولا ريب انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك القليل.

وعن «علي» عليه‌السلام : انّهم سبعة ، أحدهم الرّاعي وثامنهم كلبهم.

وكذا عن «ابن عباس» وقال : أنا من القليل (٤) وانّما علما ذلك من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) لا تجادل في شأن الفتية (إِلَّا مِراءً ظاهِراً) غير متعمّق فيه وهو أن تتلو عليهم ما اوحى إليك بلا تعنيف (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) ولا تسأل أحدا من أهل الكتاب عن شأن الفتية (٥) فإنّك اعلم بهم منهم (٦) بما أوحينا إليك أو النّهي لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه كان واثقا بخبره تعالى.

[٢٣] ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) لأجل شيء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) أي فيما يستقبل.

__________________

(١) نسطور : اسم رجل من مدينة مرعش كان سنة ٤٣٠ للمسيح وتربى في انطاكية ، وأقيم بطريكا على القسطنطنيّة ، وذهب الى ان في المسيح اقنومين ، وأنكر بكارة العذراء وكونها والدة الله وانبثاق الروح القدس من الابن ـ والنسطورية مذهب نسطور ـ هذا ـ.

(٢) في «ج» من النبي.

(٣) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ٢٨.

(٤) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٦٠ وتفسير التبيان ٧ : ٢٧.

(٥) في «ج» : حال الفنية.

(٦) كلمة «منهم» ليست موجودة في «ب».

٢٢٨

[٢٤] ـ (إِلَّا أَنْ) أي بأن (يَشاءَ اللهُ) أي إلّا متلبسا بمشيّته (١) قائلا : ان شاء الله ، نهى تأديب له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سئل عن قصة اصحاب الكهف وذي القرنين ، فقال : أخبركم غدا ولم يستثن ، فاحتبس الوحي عنه أيّاما حتّى شقّ عليه (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) أي مشيئة مستثنيا بها (إِذا نَسِيتَ) الاستثناء ثم تذكرته.

وعن «ابن عباس» : ولو بعد سنة ، (٢) وروي ذلك عن أئمتنا عليهم‌السلام (٣).

ويوجّه بأنّه ليس استثناء من القول السّابق حتّى يؤثّر فيه بل من مقدّر دلّ عليه السابق فهو لمجرّد الامتثال ، وظاهر الآية لا يأبى ذلك.

أو المعنى : اذكره بالتّسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء أو اذكره إذا اعتراك نسيان ليذكرك المنسىّ ، ولعلّ الخطاب له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد غيره لعصمته (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ) واثبت «ابن كثير» «الياء» مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (٤) (رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا) من نباء أهل الكهف (رَشَداً) أي لما هو اظهر منه دلالة على نبوّتي وقد فعل.

[٢٥] ـ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) نياما (ثَلاثَ مِائَةٍ) بالتنوين (سِنِينَ) بدل من «ثلاثمائة» وأضافها «حمزة» و «الكسائي» على وضع الجمع موضع الواحد (٥) (وَازْدَادُوا تِسْعاً) تسع سنين ، وهذا بيان ما أجمل قبل من مدّة نومهم.

[٢٦] ـ (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) فخذوا بما اخبر به ودعوا قول أهل الكتاب.

قيل : سأل يهودي «عليا» عليه‌السلام عن ذلك ، فأخبره بما في القرآن فقال :

__________________

(١) في «ب» : اي الاستثناء بمشيته.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٦١ وتفسير البيضاوي ٣ : ١٣٨.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٦١.

(٤) الكشف عن وجوه القراآت ٨٢.

(٥) تفسير البيضاوي ٣ : ١٣٩ وحجة القراآت : ٤١٤.

٢٢٩

في كتبنا ثلاثمائة ، فقال عليه‌السلام : ذاك بسني الشّمس وهذا بسني القمر (١) (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) له علم ما غاب فيهما ، اختصّ به دون غيره (أَبْصِرْ بِهِ) أي بالله (وَأَسْمِعْ) به ، صيغتا تعجّب بمعنى : ما أبصره وما اسمعه ، أريد بهما المبالغة في إدراكه المبصرات والمسموعات ، والهاء فاعل والباء زائدة.

وأصله أبصر أي : صار ذا بصر ، فنقل الى صيغة الأمر ، فبرز الضّمير لزيادة الباء.

أو : مفعول والفاعل ضمير المأمور وهو السّامع والباء زائدة ان كانت الهمزة للتّعدية ، ومعدية ان كانت للصّيرورة (ما لَهُمْ) لأهل السماوات والأرض (مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولّى أمورهم (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) في قضائه (أَحَداً) منهم ، وقرأ «ابن عامر» بالتّاء والجزم نهيا لكلّ أحد (٢).

[٢٧] ـ (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) من القرآن ، فإنّ فيه الحقّ من خبر أهل الكهف وغيره (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا أحد يقدر على تبديلها (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملجأ.

[٢٨] ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبسها (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) في عامّة أوقاتهم ، وقرأ «ابن عامر» بالغدوة (٣).

وغدوة علم ، فاللام فيه على تأويل تنكيره (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) رضاه لا غير ، وهم فقراء المؤمنين (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) ولا يجاوزهم نظرك الى غيرهم من الأغنياء الكفرة ، الّذين دعوك الى طردهم حتّى يؤمنوا ، وعدّى ب «عن» لتضمّنه معنى تنصرف (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) حال من الكاف أي مريدا مجالسة الأشراف طمعا في إيمانهم (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) نسبناه الى الغفلة أو وجدناه غافلا (عَنْ ذِكْرِنا) بدلالة (وَاتَّبَعَ هَواهُ) بالواو دون الفاء (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) متقدّما على

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٦٣.

(٢) حجة القراآت : ٤١٥ والسبعة في القراآت : ٣٩٠.

(٣) حجة القراآت : ٤١٥ والسبعة في القراآت : ٣٩٠.

٢٣٠

الحق ومنه الفرط.

[٢٩] ـ (وَقُلِ الْحَقُ) الدّين الحقّ حصل (مِنْ رَبِّكُمْ) أو هذا القرآن هو الحق منزلا من ربّكم (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) تهديد لهم ، يفيد انّ الله تعالى لا ينتفع بإيمان من آمن ، ولا يستضرّ بكفر من كفر (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) للكافرين (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) فسطاطها.

شبّه به النّار المحيطة بهم أو دخانها ولهبا أو حائط من نار (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) من العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كالنّحاس المذاب.

وقيل : (١) كدرديّ الزّيت (٢) وهذا تهكّم ، (٣) (يَشْوِي الْوُجُوهَ) بحرّه إذا قرب ليشرب ، صفة اخرى ل «ماء» أو حال من «المهل» (بِئْسَ الشَّرابُ) هو (وَساءَتْ) النّار (مُرْتَفَقاً) متكأ من المرفق ، يقال : ارتفق أي اتّكأ على مرفقه ، وهو لمقابلة «وحسنت مرتفقا» وإلّا فأيّ ارتفاق في النّار.

[٣٠] ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وخبر «انّ» جملة (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) بتقدير عائد ، أي : منهم أو : بوضع الظّاهر (٤) موضعه أي : أجرهم ، لأنهم أحق بوصف من احسن عملا ، أو الخبر : (٥)

[٣١] ـ (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) وما بينهما اعتراض ، وعلى الأوّل خبر ثان أو استئناف لبيان الأجر (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ) جمع اسورة وهي جمع (٦) سورا و «من» للابتداء (مِنْ ذَهَبٍ) بيان ل «اساور» (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً)

__________________

(١) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٦٦.

(٢) دردي الزيت : ما يبقى راسبا في أسفله من الكدر.

(٣) التهكّم : الاستهزاء.

(٤) اي قوله : من أحسن عملا.

(٥) اي خبر قوله : انّ الذين آمنوا ... ، قوله : أولئك لهم جنات.

(٦) وقال بعض أهل اللغة : ان اساور واسورة كليهما جمع للسوار.

٢٣١

وهي أبهى الألوان (مِنْ سُنْدُسٍ) ما رقّ من الدّيباج (وَإِسْتَبْرَقٍ) ما غلظ منه (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) كهيئة الملوك ، جمع اريكة وهي : السّرير في الحجلة وهي بيت زيّن للعروس (نِعْمَ الثَّوابُ) الجنّة (وَحَسُنَتْ) الأرائك (مُرْتَفَقاً) متكأ.

[٣٢] ـ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) للكافر والمؤمن (رَجُلَيْنِ) بدل ، وهما اخوان من بنى إسرائيل كافر ومؤمن ، ورثا من أبيهما مالا ، فاشترى الكافر به ضياعا وعقارا ، وتصدّق المؤمن به (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) بستانين ، والجملة صفة «رجلين» (مِنْ أَعْنابٍ) كروم (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) جعلنا النّخل مطيفا بهما والباء لتعديته الى مفعول ثان (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) فهما جامعتان للفواكه والأقوات والمنافع المتواصلة.

[٣٣] ـ (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ثمرها ، وأفرد الضّمير لإفراد «كلتا» لفظا (وَلَمْ تَظْلِمْ) تنقص (مِنْهُ) من أكلها (شَيْئاً) بل ادّته تماما (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما) وسطهما (نَهَراً) يسقيهما بسهولة ويزيدهما نضارة.

[٣٤] ـ (وَكانَ لَهُ) مع جنتيه (ثَمَرٌ) اموال مثمرة نامية ، وفتح «عاصم» الثّاء والميم وضمّ «أبو بكر» الثّاء وسكّن الميم وضمّهما الباقون (١) وكذا الآتي (٢) جمع ثمرة ، كشجر وبدن وخشب لشجرة وبدنة وخشبة (فَقالَ لِصاحِبِهِ) المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يراجعه الكلام من حار ، أي : رجع (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) رهطا وولدا (٣).

[٣٥] ـ (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) بصاحبه يريه ما فيها ويفاخره بها ، (٤).

وأفرد الجنّة لأنّهما في حكم الواحدة لتواصلهما (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بكفره (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) تفني (هذِهِ) الجنّة (أَبَداً) اغترارا بما هو فيه.

__________________

(١) حجة القراآت : ٤١٦ ولم نعثر على مذهب ابي بكر ـ وثمر جمع ثمار وثمار جمع الثمر ـ.

(٢) وهو قوله تعالى «واحيط بثمره» في الآية ٤٢ من هذه السورة.

(٣) في «ج» : رهطا او خدما وولدا.

(٤) كلمة «بها» غير موجودة في «ب».

٢٣٢

[٣٦] ـ (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) كائنة (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) فرضا كما تزعم (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) أي الجنّة ، وقرأ «الحرميّان» و «ابن عامر» : «منهما» (١) أي الجنتين (مُنْقَلَباً) مرجعا ، اقسم على ذلك اعتقادا انّه انّما إعطاء الله ذلك لاستحقاقه له فهو يجده حيث كان.

[٣٧] ـ (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) لأنّه مادّة ، أصله آدم ، أو النطفة (٢) (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) هي مادّتك القريبة (ثُمَّ سَوَّاكَ) عدّلك وكمّلك (رَجُلاً) رتّب انكار كفره بالله على خلقه من تراب المؤذن بأنّ من قدر على البدء قدر على الإعادة ، لأنّ كفره به تعالى انّما كان بإنكار قدرته على الإعادة.

[٣٨] ـ (لكِنَّا) أصله «لكن انّا» ، حذفت الهمزة وأدغمت النون في النون. واثبت «ابن عامر» الالف (٣) مطلقا وغيره وقفا فقط (هُوَ) ضمير الشأن ، يفسره الجملة بعده الّتي هي خبره والتقدير «أنا أقول هو» (اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) وفتح «الحرميان» و «أبو عمرو» الياء الأخيرة ، وياء «فعسى ربّي» و «لم أشرك بربّي» (٤).

[٣٩] ـ (وَلَوْ لا) وهلّا (إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ) وأعجبت بها (قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) الأمر ما شاء الله ، وما شاء كائن ، ف «ما» موصولة أو أيّ شيء شاء كان ، فهي شرطية ، حذف جزاؤها (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) اعترافا بأنّك انّما عمرتها بأقداره لا بقوّتك (إِنْ تَرَنِ) واثبت «ابن كثير» الياء مطلقا ، وقالون و «أبو عمرو» (٥) وصلا (٦) (أَنَا) فصل أو تأكيد للياء (أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) يعضد تفسير النّفر بالولد.

__________________

(١) حجة القراآت : ٤١٦ ـ السبعة في القراآت : ٣٩٠.

(٢) آدم بدل او بيان للأصل وكذلك النطفة.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ١٤٢.

(٤) السبعة في القراآت : ٣٩١.

(٥) في «ج» : «ابو حمزة» بدل «ابو عمرو».

(٦) السبعة في القراآت : ٣٩١ ـ وليس فيه «قالون».

٢٣٣

[٤٠] ـ (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ) واثبت «ابن كثير» الياء مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (١) (خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) عاجلا وآجلا وهو جواب الشرط (وَيُرْسِلَ عَلَيْها) على جنّتك (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) جمع «حسبانة» وهي سهم صغير يعني : الصّواعق. أو : مصدر بمعنى الحساب ، أي : الحكم بتخريبها أو عذاب حساب ما كسبت (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أرضا ملساء ، يزلق عنها القدم.

[٤١] ـ (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) غائرا (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) حيلة تردّه بها.

[٤٢] ـ (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أهلكت أمواله وجنّته ، من أحاط به العدوّ : إذا غلبه وأهلكه (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) تحسّرا وندما (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) في عمارتها (وَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة (عَلى عُرُوشِها) دعائم كرومها ، سقطت عليها الكروم (وَيَقُولُ) ـ للتّنبيه ـ : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) ندم على شركه وتاب.

وقيل : لم يندم عليه بل تمنّى انه لم يشرك لتدوم له جنّته (٢).

[٤٣] ـ (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) جماعة ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالياء (٣) (يَنْصُرُونَهُ) يمنعونه من انتقام الله (مِنْ دُونِ اللهِ) فإنّه وحده القادر على ذلك (وَما كانَ مُنْتَصِراً) ممتنعا بقوّته.

[٤٤] ـ (هُنالِكَ) في ذلك المقام ، أو يوم القيامة (الْوَلايَةُ) بفتح الواو «النّصرة» وكسرها «حمزة» و «الكسائي» (٤) أي الملك (لِلَّهِ الْحَقِ) وحده ، لا نصرة أو لا ملك لغيره ، ورفع «أبو عمرو» و «الكسائي» «الحقّ» صفته ل «الولاية» (٥) (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ٨٢.

(٢) حجة القراآت : ٤١٨ والسبعة في القراآت : ٣٩٢.

(٣) حجة القراآت : ٤١٨.

(٤) تفسير البيضاوي ٣ : ١٤٢ وحجة القراآت : ٤١٨.

(٥) حجة القراآت : ٤١٩ والسبعة في القراآت : ٣٩٢.

٢٣٤

من ثواب غيره لو كان يثيب (وَخَيْرٌ عُقْباً) عاقبة للمؤمنين ، وسكّنه «عاصم» و «حمزة» ونصبه على التّمييز (١).

[٤٥] ـ (وَاضْرِبْ لَهُمْ) اذكر لقومك (مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) صفتها (كَماءٍ) هي كماء ، أو : صير مثلها كماء (أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) فالتفّ بسببه (نَباتُ الْأَرْضِ) أو امتزج الماء بالنّبات ، فروى ورقّ إذ الاختلاط يكون من الجانبين (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) كسيرا متفتّتا (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تطيّره وتذهبه ، شبّهت بنبات اخضرّ بالماء فيبس فتفتّت فأذهبته الرّياح ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «الرّيح» (٢) (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) قادرا.

[٤٦] ـ (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) يتزيّن بهما فيها بلا بقاء (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) الطّاعات لله ، الباقي ثوابها ، وتعمّ ما فسّرت به من الصّلوات الخمس ، ومودّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر (٣) (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) من المال والبنين (وَخَيْرٌ أَمَلاً) لنيل فاعلها ما يأمله بها.

[٤٧] ـ (وَيَوْمَ) واذكر يوم (نُسَيِّرُ الْجِبالَ) في الجوّ كالسّحاب ، أو نذهب بها فنعدمها ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «ابن عامر» بالتّاء (٤) مبنيّا للمفعول (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) لا يسترها جبل ولا غيره ، أو بارزا ما في بطنها (وَحَشَرْناهُمْ) جمعناهم الى الموقف ، وجاء ماضيا لتحقّقه (فَلَمْ نُغادِرْ) نترك (مِنْهُمْ أَحَداً) من الأوّلين والآخرين.

[٤٨] ـ (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) مصطفّين لا يحجب بعضهم بعضا (لَقَدْ جِئْتُمُونا)

__________________

(١) حجة القراآت : ٤١٩.

(٢) حجة القراآت : ١١٨.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٣٢٧ مع اختلاف وتفسير مجمع البيان ٣ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.

(٤) حجة القراآت : ٤١٩ والسبعة في القراآت : ٣٩٣ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٤٧٣.

٢٣٥

بتقدير القول (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي فرادى ، عراة لا مال معكم ولا ولد (بَلْ) للخروج من حديث الى آخر (زَعَمْتُمْ) أن مخفّفة (أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) للبعث.

[٤٩] ـ (وَوُضِعَ الْكِتابُ) جنسه ، أي صحائف الأعمال في الأيمان والشّمائل.

أو هو كناية عن الحسنات (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا فِيهِ) من السّيئات (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) هلكتنا ، دعاء على أنفسهم بالويل (ما لِهذَا الْكِتابِ) أيّ شيء له ، تعجّب منه (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) من سيّئاتنا (إِلَّا أَحْصاها) عدّدها وحواها (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مثبتا في الصّحف (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) لا يزيد عقاب مسيء ولا ينقص ثواب محسن.

[٥٠] ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ذكر القصّة تقريرا للتّشنيع على أهل الكبر ، بأنّه من سنن إبليس (كانَ مِنَ الْجِنِ) استئناف جواب قائل : ما له لم يسجد؟ أو : حال بتقدير «قد».

وسبق القول في إبليس في البقرة (١) (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) خرج عن طاعته بترك السّجود (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) أعقيب ما بدا منه ، «تتخذونه» استفهام انكار وتعجيب (وَذُرِّيَّتَهُ) بنيه أو اتباعه ، سمّوا ذرّيّة (٢) مجازا (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) تطيعونهم بدل طاعتي (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) اعداء (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) من الله ، إبليس وذرّيّته.

[٥١] ـ (ما أَشْهَدْتُهُمْ) ما أحضرت إبليس وذرّيّته (خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أي لم استعن بهم على ذلك (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) وضع موضع الضّمير أي متّخذهم (عَضُداً) أعوانا في الخلق ، فكيف تطيعونهم.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٣٤.

(٢) في «ج» ذرّيته.

٢٣٦

[٥٢] ـ (وَيَوْمَ يَقُولُ) أي الله للمشركين ، وقرأ «حمزة» بالنون (١) (نادُوا شُرَكائِيَ) أضيف على زعمهم توبيخا (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) انّهم شركائي ليشفعوا لكم (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) لم يجيبوهم (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) بين الكفّار وآلهتهم (مَوْبِقاً) مهلكا ، يعمّ جميعهم من «وبق» : هلك ، أو جعلنا تواصلهم الدّنيوى هلاكا في الآخرة.

[٥٣] ـ (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا) أيقنوا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) واقعون فيها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) معدلا.

[٥٤] ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) بيّنا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي مثلا من جنس كلّ مثل يحتاجون إليه (وَكانَ الْإِنْسانُ) الكافر (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) خصومة بالباطل ، وهو تمييز.

[٥٥] ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) من الإيمان (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) الدّلالة البيّنة (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) ومن استغفاره لذنوبهم (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) إلّا طلب أن تأتيهم سنّتنا فيهم من الإهلاك (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ) بالسيف أو في الآخرة (قُبُلاً) عيانا ، وقرأ «الكوفيون» بضمّتين (٢) وهو بمعناه أو جمع قبيل أي أنواعا ، حال من «العذاب».

[٥٦] ـ (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) للمطيعين (وَمُنْذِرِينَ) للعصاة (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) بإنكار إرسال البشر ونحوه (لِيُدْحِضُوا بِهِ) ليطلبوا ويزيلوا بجدالهم (الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي) أي القرآن (وَما أُنْذِرُوا) من النّار (هُزُواً) استهزاء.

[٥٧] ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) بالقرآن (فَأَعْرَضَ عَنْها) فلم يتّعظ بها

__________________

(١) حجة القراآت : ٤٢٠ والسبعة القراآت : ٣٩٣.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٧٦.

٢٣٧

(وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ما عمل من الكفر والمعاصي (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفهموا القرآن (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) صمما ، فلا يسمعونه ، مثل لنبوّ قلوبهم ومسامعهم عن قبوله.

وأسند إليه تعالى إيذانا بتمكنه منهم كالجبلّة (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) وقد وقع ما اخبر به ، فماتوا كفّارا.

[٥٨] ـ (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) البليغ المغفرة ، مالك الرّحمة ، ولذلك أمهل اعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قال : (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) في الدّنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم القيامة (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) منجى وملجأ ، يقال : وأل : نجا ، ووأل إليه : لجأ إليه.

[٥٩] ـ (وَتِلْكَ الْقُرى) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهم ، وهو منصوب بما يفسّره (أَهْلَكْناهُمْ) أو هما مبتدأ وخبر (لَمَّا ظَلَمُوا) كفروا (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) بضمّ الميم (١) أي لإهلاكهم ، وفتح «أبو بكر» أي لهلاكهم وكسر «حفص» اللّام (٢) (مَوْعِداً) وقتا معلوما.

[٦٠] ـ (وَإِذْ) واذكر إذ (قالَ مُوسى) هو ابن عمران (لِفَتاهُ) يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف عليهم‌السلام ، (٣) سمّى فتاه لأنّه كان يتبعه ويخدمه (لا أَبْرَحُ) لا أزال أسير ، حذف الخبر لدلالة حال السّفر عليه.

أو لا أزول عمّا أنا عليه من السّير (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) ملتقى بحري فارس والرّوم (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أسير دهرا طويلا.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «لمهلكهم» بفتح الميم وكسر اللام ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراآت : ٤٢١ والسبعة القراآت : ٣٩٣.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٨٠ وفي تفسير البيضاوي : «افرائيم».

٢٣٨

قيل خطب «موسى» النّاس فسئل : هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال : لا ، فأوحى الله إليه : بل عبدنا الخضر أعلم منك ، وهو بمجمع البحرين ، فقال «موسى» عليه‌السلام : كيف لي به؟ قال : تأخذ حوتا في مكتل (١) فحيث فقدته فهو هناك ، فقال لفتاه : إذا فقدت الحوت فأخبرني ، فمضيا.

[٦١] ـ (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) بين البحرين أي موضع اجتماعهما (نَسِيا حُوتَهُما) تركاه ، أو ضلّ عنهما ، فسمّى ضلاله نسيانا له منهما.

وقيل : نسى «موسى» تعرّف حاله ويوشع أن يحمله ، أو يذكر لموسى ما رأى من حياته ، فإنّهما لمّا أتيا الصّخرة ناما واضطرب الحوت المشوىّ وخرج من المكتل وسقط في البحر (٢) (فَاتَّخَذَ) الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) مسلكا ، مفعول ثان ، و «في البحر» حال منه.

وأصله الشّقّ في الأرض لا نفاذ له ، قيل : امسك الله جرى الماء عن الحوت فصار كالكوّة لا يلتئم.

[٦٢] ـ (فَلَمَّا جاوَزا) ذلك المكان بالسير الى وقت الغداء من ثاني يوم (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) هو طعام الغداة (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) تعبا : قيل لم ينصب حتّى جاوز الموعد (٣).

[٦٣] ـ (قالَ أَرَأَيْتَ) ما وقع (إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) بذلك المكان (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) تركته أو نسيت ذكر خبره (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) ـ بدل اشتمال من الهاء وضمّها «حفص» ـ (٤) الحوت (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً)

__________________

(١) المكتل : الزنبيل.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ١٤٧.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٨١.

(٤) حجة القراآت : ٤٢٢.

٢٣٩

مفعول ثان أي سبيلا يتعجّب منه «موسى» وفتاه وقيل مصدر ، أضمر فعله فتمّ به كلامه واجابه به «موسى» تعجّبا من ذلك ، وقيل : اتّخذ «موسى» سبيل الحوت عجبا (١).

[٦٤] ـ (قالَ) موسى (ذلِكَ) أي فقد الحوت (ما كُنَّا نَبْغِ) نطلبه لأنّه علامة لمن نطلبه ، وأثبت «ابن كثير» الياء مطلقا ، و «نافع» و «أبو عمرو» و «الكسائي» وصلا (٢) (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) فرجعا في الطّريق الذي جاء فيه يقصّان (قَصَصاً) أي يتبعان آثارهما اتباعا فأتيا الصّخرة.

[٦٥] ـ (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) هو الخضر واسمه «بليان بن ملكان» وسمّى خضرا لأنّه إذا صلّى في مكان ، اخضرّ (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) نبوّة أو ولاية (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا) من قبلنا (عِلْماً) من علم الغيب.

[٦٦] ـ (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) واثبت «ابن كثير» الياء مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) بضمّ الرّاء وسكون الشين (٣) علما ذا رشد ، يرشدني الى الخير. وقرأ «أبو عمرو» بفتحتين (٤) وهما لغتان وهو علّة ل «أتبعك» أو ثاني مفعولي «تعلّمني» من علم المتعدّي الى واحد ، فتعدّى بالتّضعيف الى اثنين وثاني مفعولي «علّمت» العائد المقدّر.

ولا ينافي رسالته تعلّمه من غيره ما لم يتعلق بأداء ما بعث به من الدّين وتواضعه باستيذانه أن يتبعه واستجهال نفسه وسؤاله أن يرشده دال على فضل العلم وأهله.

[٦٧] ـ (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) وفتح «حفص» الياء في الثّلاث (٥) أي يشقّ عليك الصّبر معي ، لأني على علم من الله لا تعلمه ، وأنت على علم

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٨١ وتفسير البيضاوي ٣ : ١٤٨.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ٨٣.

(٣) حجة القراآت : ٤٢٢ والسبعة في القراآت : ٣٩٤.

(٤) حجة القراآت : ٤٢٢ والسبعة في القراآت : ٣٩٤.

(٥) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ٨٢.

٢٤٠