الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

١

٢

٣
٤

سورة الأحزاب

[٣٣]

ثلاث وسبعون آية وهي مدنية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) ناداه بالنبيّ تعظيما له (اتَّقِ اللهَ) اثبت على تقواه (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) فيما يخالف دينك.

قيل : قدم عليه «أبو سفيان» وأشياعه أيام الصّلح وقام معهم «ابن أبيّ» وأضرابه فقالوا له : ارفض ذكر آلهتنا وندعك وربّك ، فنزلت (١) (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالصّواب (حَكِيماً) في التدبير.

[٢] ـ (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي القرآن (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فموح إليك ما يصلحه ، وقرأ «أبو عمرو» بالياء (٢) والضمير ل «الكافرين والمنافقين».

[٣] ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في أمرك (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) حافظا.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٣٥.

(٢) حجة القراءات : ٥٧٠ وتفسير مجمع البيان ٤ : ٣٣٥.

٥

[٤] ـ (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) لأنهما إن اتفقا في الفعل فأحدهما فضلة لا حاجة إليها ، وإن اختلفا فيه اتّصف الشخص بالضدّين في وقت واحد.

قيل : هو ردّ لقول بعض الكفّار أنّ : له قلبين يعقل بكل منهما أفضل من عقل «محمد» (١) (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي) بهمزة وياء ، و «قالون» و «قنبل» بهمزة بلا «ياء» و «البزي» و «أبو عمرو» بياء بلا همزة (٢) «تظهرون» (٣) تتظّهرون ، أدغمت التاء الثانية في الظاء ، و «عاصم» : «تظاهرون» من ظاهر ، و «ابن عامر» : «تظاهرون» بالإدغام من تظاهر (٤) وكذا «حمزة» و «الكسائي» لكن بحذف إحدى التائين (٥) (مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) أي ما جمع الزوجيّة والأمومة في امرأة.

والظّهار : قول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر امّي ، ولتضمّنه معنى التجنب ، عدّى ب «من» إذ هو في الجاهلية طلاق ، وفي الإسلام يحرمها حتى يكفّر.

وكنّى بالظهر عن البطن ـ الذي هو عموده ـ لمقاربته الفرج (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ) جمع دعيّ وهو من يدعى ابنا لغير أبيه (أَبْناءَكُمْ) أي وما جمع الدعوة والبنوّة في رجل.

والمراد نفي البنوة عن المتبنّى ، إذ كانوا يسمّون «زيد بن حارثة» عتيق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن «محمّد» ونفي القلبين وامومة المظاهرة تمهيد لذلك.

والمعنى كما لم يجعل قلبين في جوف ولا زوجة امّا لم يجعل الدّعيّ ابنا لمن تبنّاه.

__________________

(١) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٣٥.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ١٩٣.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تظاهرون».

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ١٩٤ وتفسير مجمع البيان ٤ : ٣٣٥.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ١٩٤ وتفسير البيضاوي ٤ : ٣٧.

٦

والغرض منه دفع قالة الناس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين تزوّج «زينب» بنت «جحش» بعد أن طلّقها «زيد» : أنه تزوج امرأة ابنه (ذلِكُمْ) النسب (قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) لا حقيقة له (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) ما له حقيقة (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) سبيل الحق ، ثم بيّن ما هو الحق والهدى فقال :

[٥] ـ (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) انسبوهم إليهم (هُوَ) أي دعاؤهم لهم (أَقْسَطُ) أعدل (عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) فهم إخوانكم (فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) أولياؤكم فيه ، فقولوا أخي ومولاي ، (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) إثم (فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) من ذلك قبل النهي ، أو لسبق اللسان (وَلكِنْ ما) أي فيما (تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الجناح (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) للمخطئ (رَحِيماً) بالعفو عن العامد إن شاء.

[٦] ـ (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) في امور الدّين والدّنيا ، إذ لا يريد لهم إلّا ما فيه صلاحهم بخلاف النّفس فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم منها وحكمه أنفذ عليهم من حكمها.

قيل : لمّا أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخروج إلى غزاة «تبوك» قال قوم : نستأذن آبائنا وامّهاتنا ، فنزلت (١) (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) كأمهاتهم في التحريم ، أمّا في غيره فكالأجنبيّات (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) ذووا القرابات (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) في الإرث ، نسخ التّوارث بالهجرة والموالاة في الدّين (فِي كِتابِ اللهِ) في حكمه أو اللوح أو القرآن (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) بيان ل «اولي الأرحام» أو صلة «اولى» أي الأقارب بالقرابة أولى بالإرث من المؤمنين بالإيمان والمهاجرين بالهجرة (إِلَّا) لكن (أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) بوصية جائزة (٢) (كانَ ذلِكَ) المذكور (فِي الْكِتابِ)

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٣٧.

(٢) في «ألف» و «ب» : جائز.

٧

اللوح أو القرآن (مَسْطُوراً) مثبتا.

[٧] ـ (وَإِذْ) واذكر إذ (أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) عهودهم بتبليغ الرسالة (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) خصّوا بالذّكر لفضلهم ، وقدّم نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأفضليته (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) شديدا ، أو مؤكد باليمين ، وكرر لبيان وصفه وفعلنا ذلك.

[٨] ـ (لِيَسْئَلَ) الله (الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) الأنبياء عن تبليغ الرسالة ، تبكيتا لمكذّبيهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم ، إذ مصدّق الصادق ، صادق (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) عطف على «أخذنا» أو مدلول «ليسئل» «كأنّه قيل أثاب المؤمنين وأعدّ للكافرين.

[٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) من الكفّار وحين علم إقبالهم ضرب الخندق على المدينة ، ثم خرج في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم ، وبقوا قريب شهر لا حرب بينهم إلّا رميا بنبل وحجارة إلّا أن «عمرو بن عبد ود» وفوارس من «قريش» اقتحموا الخندق وطلب «عمرو» مبارزا.

فبرز إليه «علي» عليه‌السلام فقتله وانهزم أصحابه ، فقمع الله شوكتهم بقتله ، وبعث عليهم صبا باردة في ليلة شاتية ، سفت التّراب في وجوههم وقلعت خيامهم ، والملائكة تكبّر في جوانب عسكرهم ، وماج بعضهم ببعض ، وقذف في قلوبهم الرّعب ، فانهزموا كما قال تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) ملائكة (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) وقرأ «أبو عمرو» بالياء (١) والضمير للكفرة.

[١٠] ـ (إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من إذ «جاءتكم» (مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) من أعلى الوادي قبل المشرق «غطفان» ، ومن أسفله قبل المغرب «قريش» (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) مالت عن مقرّها دهشا وشخوصا (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) فزعا ،

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٣٨ وفيه : قرأ البصريان ...

٨

إذ عند شدته تنتفخ الرئة فترفع القلب الى الحنجرة وهي منتهى الحلقوم (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) المختلفة ، فظنّ المخلصون النّصر ، أو أن الله مبتليهم فخافوا ضعف الاحتمال والمنافقون وضعفة القلوب ما حكى عنهم ، وحذف الألف «حمزة» و «أبو عمرو» مطلقا و «ابن كثير» و «حفص» و «الكسائي» وصلا وأثبتها الباقون مطلقا (١).

[١١] ـ (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) اختبروا ، فتبيّن المخلص الثابت من غيره (وَزُلْزِلُوا) ازعجوا (زِلْزالاً شَدِيداً) من الفزع.

[١٢] ـ (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف يقين (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) بالنصر والفتح (إِلَّا غُرُوراً) وعدا باطلا.

[١٣] ـ (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) «ابن أبيّ» وأضرابه (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) هي «المدينة» أو أرضها (لا مُقامَ) موضع قيام (لَكُمْ) هاهنا ، وضمّه «حفص» أي إقامة أو مكانها (٢) (فَارْجِعُوا) الى منازلكم في «المدينة» وكانوا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجها (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ) للرّجوع (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) غير حصينة وأصلها الخلل (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) بل حصينة (إِنَ) ما (يُرِيدُونَ) بذلك (إِلَّا فِراراً) من القتال.

[١٤] ـ (وَلَوْ دُخِلَتْ) المدينة أو بيوتهم (عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها) نواحيها أي لو دخلها هؤلاء العساكر أو غيرهم بنهب وسبي (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ) الشرك وقتال المسلمين (لَآتَوْها) لأعطوها ، وقصرها «الحرميّان» أي لفعلوها (٣) (وَما تَلَبَّثُوا بِها) بالفتنة أو المدينة (إِلَّا) زمانا (يَسِيراً).

[١٥] ـ (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) عند فرارهم ب «احد»

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٧٣ والنشر في القراءات ٢ : ٣٤٨.

(٢) حجة القراءات : ٥٧٤.

(٣) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٤٨.

٩

أن لا يفرّوا (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) عن الوفاء به.

[١٦] ـ (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ) حتف الأنف (أَوِ الْقَتْلِ) إذ لا بد لكم من أحدهما (وَإِذاً) وإن نفعكم الفرار فرضا (لا تُمَتَّعُونَ) بالدنيا (إِلَّا) تمتيعا أو زمانا (قَلِيلاً).

[١٧] ـ (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ) يمنعكم (مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً) ضرّا (أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) نفعا (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) ينفعهم (وَلا نَصِيراً) يدفع الضرّ عنهم.

[١٨] ـ (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) المثبّطين عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَ) اقبلوا (إِلَيْنا) وبيّن في الأنعام (١) (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) القتال (إِلَّا) إتيانا أو زمانا (قَلِيلاً) رثاء وتثبيطا.

[١٩] ـ (أَشِحَّةً) بخلاء ، جمع شحيح ، حال من «يأتون» (عَلَيْكُمْ) بالمعاونة أو النفقة في سبيل الله (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي) كدوران عين الّذي (يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) من سكراته (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وحيزت الغنائم (سَلَقُوكُمْ) خاصموكم (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ذربة (٢) طلبا للغنيمة (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) الغنيمة ، حال أو ذمّ (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) باطنا (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) الباطلة أي أظهر بطلانها (وَكانَ ذلِكَ) الإحباط (عَلَى اللهِ يَسِيراً) هيّنا.

[٢٠] ـ (يَحْسَبُونَ) أي هؤلاء لجبنهم (الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) منهزمين وقد ذهبوا فانصرفوا الى «المدينة» خوفا (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) كرة اخرى (يَوَدُّوا) يتمنّوا (لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) خارجون الى البدو ، كائنون في الأعراب (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) أخباركم (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ) هذه الكرّة ، ولم ينصرفوا إلى «المدينة» وكان

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٠.

(٢) يقال رجل ذرب ولسان ذرب اي سليط ، والذرب ـ مصدر ـ : فساد اللسان وبذاؤه.

١٠

قتال (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) رئاءا.

[٢١] ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي هو قدوة ، يحسن التأسي به في الثبات في الحرب وغيره كقولك : في البيضة عشرون منّا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد ، أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها وهي المواساة بنفسه ، وضمّ «عاصم» الهمزة (١) (لِمَنْ) صلة «حسنة» أو بدل من «لكم» (كانَ يَرْجُوا اللهَ) يأمل ثوابه ويخافه (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) أي المقتدي بالرّسول هو الراجي المواظب على الذّكر.

[٢٢] ـ (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) بآية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) (٢) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم (٣) (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) في الوعد (وَما زادَهُمْ) ما رأوا (إِلَّا إِيماناً) بوعد الله (وَتَسْلِيماً) لأمره.

[٢٣] ـ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) من الثبات مع الرسول (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) نذره ، قاتل حتى قتل ك «حمزة» و «مصعب بن عمير».

والنّحب : النذر ، استعير للموت للزومه لكل حيوان كالنذر (٤) (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الشهادة ك «علي» عليه‌السلام (وَما بَدَّلُوا) العهد (تَبْدِيلاً) كما بدّله المنافقون.

عن «علي» عليه‌السلام : فينا نزلت هذه ، فأنا ـ والله ـ المنتظر ، ما بدّلت تبديلا.

[٢٤] ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) إذا لم

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٧٥.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٤.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٤٠.

(٤) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٥٠ وكذا في النسخ ـ وفي تفسير البيضاوي ٤ : ٤٠ : لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان.

١١

يتوبوا ، جعل المنافقون كأنهم قصدوا بتبديلهم العقوبة كما قصدوا الصادقون بوفائهم المثوبة (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إن تابوا (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) لمن تاب.

[٢٥] ـ (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي الأحزاب (بِغَيْظِهِمْ) مغيظين (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) ظفرا ، حال اخرى مداخلة أو مرادفة (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) ب «عليّ» عليه‌السلام والريح والملائكة (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) على ما يريد (عَزِيزاً) غالبا على أمره.

[٢٦] ـ (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) عاونوا الأحزاب (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) «قريظة» (مِنْ صَياصِيهِمْ) حصونهم جمع صيصة وهي ما يتحصن به ، ومنه قرن الثّور والظّبي وشوكة الدّيك (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الخوف ، وضمّه «ابن عامر» و «الكسائي» (١) (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً).

قيل : أتى «جبرائيل» النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صبيحة ليلة انهزام الأحزاب فقال : إنّ الملائكة لم تضع السّلاح ، إنّ الله يأمرك بالسّير الى «قريظة» ، فحاصرهم خمسا وعشرين حتى جهدوا (٢) فقال لهم : انزلوا على حكمي فأبوا ، فقال : على حكم «سعد بن معاذ» ، فرضوا ، فحكم «سعد» بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم ونسائهم ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حكمت بحكم الله ، ففعل كما حكم (٣).

[٢٧] ـ (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) مزارعهم (وَدِيارَهُمْ) قلاعهم (وَأَمْوالَهُمْ) من صامت وناطق (٤) (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) «خيبرا» و «فارس» و «الروم» أو كل أرض تفتح الى يوم القيامة (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) فيفعل ما شاء.

[٢٨] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) وكنّ تسعا ، وسألنه ثياب زينة وزيادة نفقة

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢١٦.

(٢) جهدوا : أي تعبوا وشقّ عليهم ذلك.

(٣) الحديث بطوله في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ـ وتفسير البيضاوي ٤ : ٤٠.

(٤) الصامت من المال : الذهب والفضة والمال الناطق : الحيوان ، اقرب الموارد «صمت».

١٢

فنزلت (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) التنعّم فيها (وَزِينَتَها) زخارفها (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ) بيّنت المتعة في «البقرة» (١) (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) طلاقا بلا ضرار.

[٢٩] ـ (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) أي الجنة (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) نعيم الجنة ، و «من» للتبعيض إذ لم يثبت بعضهن على الإحسان.

واختلف أصحابنا في وقوع الفرقة بالتخيير من غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو اختارت نفسها بائنا أو رجعيا وعدمه ، لاختلاف أخبار أئمتنا عليهم‌السلام ، واتفق الجمهور على وقوعه واختلفوا في كونه بائنا أو رجعيا (٢).

[٣٠] ـ (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وفتح «الياء» «ابن كثير» و «أبو بكر» أي سيئة ظاهرا قبحها أو مظهرا (٣) (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) أي مثلي عذاب غيرهن لأن الذنب منهن أقبح ، لزيادة النعمة عليهن ونزول الوحي في بيوتهن ، وليس العالم كغيره ، وقرأ «أبو عمرو» «يضعّف» و «ابن عامر» و «ابن كثير» «نضعّف» بالنون وبناء الفاعل ونصب العذاب (٤) (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) فلا يجديهن كونهن نسائه كيف وهو سبب ذلك.

[٣١] ـ (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَ) يدم على الطاعة (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) أي مثلي أجر غيرهنّ ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «يعمل» و «يؤتها» بالياء (٥) (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) في الجنة زيادة.

[٣٢] ـ (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) كجماعة واحدة من جماعات

__________________

(١) في تفسير الآية (٢٢١) من سورة البقرة.

(٢) ينظر كتاب الخلاف ٣ : ٣٣ كتاب الطلاق ـ المسألة (٣١).

(٣) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٤٨ و ٣٤٨.

(٤) حجة القراءات : ٥٧٥ و ٥٧٦.

(٥) حجة القراءات : ٥٧٥ و ٥٧٦.

١٣

النساء في الفضل.

وأصل «أحد» وحد وهو الواحد ، وفي النفي العامّ يستوي فيه المذكّر والمؤنث والواحد وغيره (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) معصية الله ورسوله (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) تجئن به خاضعا لينا كقول المربّيات (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ريبة (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) حسنا غير لين.

[٣٣] ـ (وَقَرْنَ) (١) (فِي بُيُوتِكُنَ) بالكسر ، من قرّ يقرّ ، وفتحه «نافع» و «عاصم» وهو لغة فيه (٢) نقلت كسرة «الراء» من اقررن ، أو فتحتها الى القاف ، وحذفت مع همزة الوصل (وَلا تَبَرَّجْنَ) لا تظهرن زينتكن للرجال (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) تبرجا مثل تبرج نساء الجاهلية القديمة ، وهي زمن ولادة «إبراهيم» عليه‌السلام أو ما بين «آدم» و «نوح» والاخرى ما بين «عيسى» و «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقيل : «الاولى» : جاهلية الكفر ، والاخرى : جاهلية الفسق في الإسلام (٣) (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) في أوامره ومناهيه (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الذّنب (أَهْلَ الْبَيْتِ) بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نداء أو مدح (وَيُطَهِّرَكُمْ) من جميع المآثم (تَطْهِيراً) والمراد بهم أهل العباء عليهم‌السلام لإجماع المفسرين منّا وشيوعه بين الجمهور.

فقد رووا مستفيضا عن «الخدري» قال قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نزلت هذه في خمسة : فيّ وفي «علي» و «حسن» و «حسين» و «فاطمة» (٤).

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «قرن» ـ بفتح القاف ـ وسيشير اليه المؤلّف.

(٢) حجة القراءات : ٥٧٧.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤١ ـ ٤٢.

(٤) تفسير الثعلبي مخطوط ، الورقة : ١٣٩.

١٤

وروى «البخاري» و «مسلم» عن «عائشة» نحوه (١).

وروى «أحمد بن حنبل» بثمان طرق أنها في الخمسة (٢). ورواه غير هؤلاء من ثقاتهم بطرق شتى.

ومقتضى ذلك عدم إرادة الأزواج ، ويوضحه ما رواه «أحمد بن حنبل» عن «أم سلمة» أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في بيتها فأتته «فاطمة» عليها‌السلام بحريرة (٣) فقال : ادعي لي زوجك وابنيك ، فجاء «علي» و «حسن» و «حسين» فجلسوا يأكلون ، فنزلت الآية فأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل الكساء فكساهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.

قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : أنا معكم يا رسول الله؟ فقال : إنك الى خير ، إنك إلى خير ،

(٤) فإشارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم بهؤلاء وإخراجه أم سلمة عنهم ، نصّ صريح في تخصيصهم عليهم‌السلام بها.

وأيضا إذهاب الرجس وتطهيرهم من فعله تعالى ، وقد أراده إرادة مؤكدة بالحصر واللام فلا بدّ من وقوعه.

ولام «الرجس» ليست عهدية إذ لا معهود ، فهي إما استغراقية فينتفي جميع افراده أو جنسيّة فكذلك ، إذ نفي الماهية نفي لكل أفرادها ، وهو معنى العصمة ولا واحدة

__________________

(١) صحيح مسلم الجزء السابع : ١٣٠.

(٢) روى احمد بن حنبل اختصاص الآية بأهل البيت بطرق عديدة في كتابه المسند ج ١ ص ٣٣٠ ـ ٣٣١ وج ٢ : ٢٩٢ بثلاثة طرق وج ٤ : ١٠١ وج ٦ : ٢٩٦ و ٢٩٨ و ٣٠٤ و ٣٢٣ و ٤٠٥.

وفي كتاب فضائل الصحابة بالأرقام ٩٧٨ ، ٩٨٦ ، ٩٩٤ ، ٩٩٥ ، ٩٩٦ ، ١٠٧٧ ، ١١٠٨ ، ١١٤٩ ، ١١٦٨ ، ١١٧٠.

(٣) الحريرة : الحساس الدسم ولا دقيق ، وقيل : هو الدقيق الذي يطبخ بلبن (لسان العرب).

(٤) ينظر مسند احمد بن حنبل : ٢ : ٢٩٢ ورواه احمد في الفضائل برقم ٩٩٥.

١٥

من الأزواج بمعصومة إجماعا ، وذلك يثبت حجية قول كل واحد منهم عليهم‌السلام فضلا عن إجماعهم.

وينفي حمل تذكير الضميرين على التغليب في غير «فاطمة» عليها‌السلام ، ويدفع إبهام السوق (١) دخولهن ، إذ كثيرا ما يورد الفصحاء كلاما في أثناء كلام آخر سيّما القرآن العزيز فإن وقوع مثل ذلك فيه غير عزيز ، ومنه قصة «زيد» ابتدأ بها أوّل السّورة ثم اعترض غيرها من قصه الأحزاب وغيرها ثم عاد إليها (٢).

[٣٤] ـ (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) من القرآن الجامع بين الأمرين فاشكرن الله إذ جعلكن في هذه البيوت وأطعنه فيما أمركنّ ونهاكن (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً) في تدبير خلقه (خَبِيراً) بمصالحهم.

[٣٥] ـ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) المنقادين لأمر الله (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) المصدّقين بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) الدائمين على الطاعة (وَالصَّادِقِينَ) (٣) (وَالصَّادِقاتِ) في قولهم وفعلهم (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ)

__________________

(١) المراد سياق الآيات التي يعتمد عليها المعرّضون في تأويل الآية في غير اهل البيت عليهم‌السلام.

(٢) ومن ذلك ايضا ما ورد في الآية الثالثة من سورة المائدة ، إذ تخلل السياق فيها ما هو أجنبي عنه.

فالآية في صدرها وذيلها تطرقت لبيان بعض الأحكام الخاصة بالأطعمة فيما تحدث وسط الآية عن أمر لا علاقة له بذلك.

وحول هذه الآية والآيات المشابهة لها يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره (الميزان ٥ : ١٦٨ و ١٦ : ٣١٢) أنها «وضعت إما بأمر من النبي (ص) أو عند التأليف بعد الرحيل».

ويقول في موضع آخر ـ نقلا عن تفسير الدر المنثور ـ : وكان إذا أعجبته آيات جعلهن صدر السورة ، قال : وكان جبرئيل يعلمه كيف ينسك.

(٣) ورد في الأصل (المسلمات والمؤمنين) (والمؤمنات والقانتين) (والقانتات والصادقين) ولكن وجدنا من المناسب أن تقرن الألفاظ المتشابهة ببعضها لتنسجم ذلك مع التفسير الوارد في المتن.

١٦

على البلاء والطاعات (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) المتواضعين لله (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) بما فرض عليهم أو الأعم (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) المفروض أو الأعم (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) عن الحرام (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) بقلوبهم وألسنتهم (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) على طاعتهم.

قيل : قالت امّ سلمة : يا رسول الله ذكر الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به؟ فنزلت (١).

وعطف الإناث على الذكور لاختلاف الجنسين ، فلا بد منه بخلاف عطف الزوجين على الزوجين (٢) إلّا أنه يفيد أن إعداد ذلك لهم لجمعهم بين هذه الخصال.

[٣٦] ـ (وَما كانَ) ما صحّ (لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) ذكر الله تفخيما لشأن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن قضاءه قضاء الله تعالى.

نزلت في «زينب بنت جحش» بنت عمته «اميمة بنت عبد المطلب» خطبها ل «زيد بن حارثة» فأبت هي وأخوها «عبد الله» أو في «أم كلثوم بنت عقبة» وهبت نفسها له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فزوجها من «زيد» (أَنْ يَكُونَ) (٣) وقرأ «الكوفيون» بالياء (٤) (لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أن يختاروا (مِنْ أَمْرِهِمْ) شيئا خلاف مختار الله ورسوله.

وهذا في جزئي ـ كما عرفت من سبب النزول ـ فكيف بالكلّي كالإمامة مع

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٤٢.

(٢) لتغاير الوصفين ، والمراد بالزوجين الأوصاف المذكورة زوجا.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يكون» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٥٧٨ وفيه : قرأ عاصم وحمزة والكسائي ...

١٧

اعتراف من تغلب فيها «بأنّ الرّسول أراد أمرا فخالفناه للمصلحة» (١) (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) بيّنا ، فرضيت ، فزوجها ل «زيد».

[٣٧] ـ (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالتوفيق للإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق وهو «زيد بن حارثة» كان من سبي الجاهلية ، اشتراه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل مبعثه وأعتقه وتبّناه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) «زينب».

روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رآها بعد ما زوجها منه فسبّح ، فسمعته فأخبرت «زيدا» فظنّ أنّها وقعت في نفسه ، فكره صحبتها فأتاه وقال : أريد فراقها لتكبّرها عليّ ، فقال «أمسك عليك زوجك» (٢)

(وَاتَّقِ اللهَ) في مفارقتها ومضارّتها (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) وهو نكاحها إن طلقها ، أو ما أعلمك إيّاه من انه سيطلقها وتتزوجها (وَتَخْشَى النَّاسَ) أن يعيروك به (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) لو كان موضع خشية.

والعتاب على الإخفاء مخافة النّاس وإظهار ما يخالف ضميره في الظاهر إذ كان الأولى أن يصمت ، أو يقول أنت وشأنك (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) حاجة ، وطابت منها نفسه ، وطلقها وانقضت عدتها (زَوَّجْناكَها) إذنا لك بتزويجها ، أو جعلناها زوجتك بلا واسطة عقد ، فدخل عليها من غير إذن وأولم عليها لحما وخبزا كثيرا وكانت تفتخر بأنّ الله تولّى نكاحها دون غيرها.

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : «زوّجتكها» (٣)

__________________

(١) المعترف هو عمر بن الخطاب وذلك في محاورته مع عبد الله بن عباس والتي أشار فيها بشكل صريح إلى عزم الرسول (ص) على استخلاف امير المؤمنين قبل وفاته (ص) وإلى أن عمر نفسه منع الرسول (ص) من أن يفعل ذلك. ينظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، الجزء ١٢ : ٢٠.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤٢.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٤٣ وفيه : قرى : زوّجتكها.

١٨

(لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) علّة للتزويج ، ويفيد اتحاد حكمه وحكم امّته إلّا ما خصّه دليل (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) الذي يريده (مَفْعُولاً) مكوّنا كتزويج «زينب».

[٣٨] ـ (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) قسم وأوجب له من قولهم فرض له في الدّيوان (سُنَّةَ اللهِ) سنّ نفي الحرج سنّة (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) من الأنبياء ، ووسع لهم في النكاح (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) قضاء مقضيا.

[٣٩] ـ (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) صفة «الذين خلوا» أو مدح لهم (وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) قيل : تعريض بعد تصريح (١) (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) كافيا للمخاوف ، أو محاسبا فهو أحق بأن يخشى.

[٤٠] ـ (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) فليس أبا «زيد» فلا يحرم عليه نكاح مطلقته ، ولا نقض بكونه أبا «القاسم» و «ابراهيم» و «الطاهر» و «الطيب» لعدم بلوغهم مبلغ الرّجال ، ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم ، وكذا «الحسنان» عليهما‌السلام مع ان المراد ولده خاصّة لا ولد ولده (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) والرسول أبو امّته في وجوب تعظيمهم له ونصحه لهم ، وليس بينه وبينهم ولادة و «زيد» منهم (وَخاتَمَ) (٢) (النَّبِيِّينَ) الذي ختمهم ، وفتحه «عاصم» (٣) أي الذي ختموا به ، فلا يكون له ابن بلا واسطة وإلّا لكان نبيّا بعده ، ولا ينافيه نزول «عيسى» بعده لأنّه نبيّ قبله وينزل تابعا لدينه (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ومنه أنّه لا نبيّ بعده.

[٤١] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) على كل حال وبكل ما هو أهله من تقديس وتحميد وتهليل وتكبير.

[٤٢] ـ (وَسَبِّحُوهُ) أفرد من الذّكر لأفضليته كإفراد : (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أول النهار

__________________

(١) ينظر تفسير البيضاوي ٤ : ٤٣.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «خاتم» ـ بفتح التاء ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٥٧٨.

١٩

وآخره من جملة أوقاته لفضلهما على سائرها ويجوز توجّه الفعلين إليهما :

وقيل : أريد بالتسبيح : الصلاة (١).

[٤٣] ـ (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) يرحمكم (وَمَلائِكَتُهُ) يطلبون لكم الرحمة والمغفرة ، جعلوا لاستجابة دعوتهم كأنهم فاعلو الرحمة ، أو أريد بالصلاة المشترك وهو العناية بحالهم (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) من الجهل بالله (إِلَى النُّورِ) إلى معرفته ، أو من الكفر الى الإيمان (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) يشعر بإرادة الرحمة من الصلاة.

[٤٤] ـ (تَحِيَّتُهُمْ) مصدر مضاف الى مفعوله (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) عند الموت أو البعث ، أو في الجنة (سَلامٌ) بشارة بالسلامة من كلّ شرّ (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) هو الجنّة.

[٤٥] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على أمتك بطاعتهم ومعصيتهم ، حال مقدّرة (وَمُبَشِّراً) للمطيع بالجنة (وَنَذِيراً) للعاصي بالنّار.

[٤٦] ـ (وَداعِياً إِلَى اللهِ) الى توحيده وطاعته (بِإِذْنِهِ) بأمره أو بتيسيره ، فإنّ الدعوة لصعوبتها لا تتأتّى إلّا بتسهيله تعالى (وَسِراجاً مُنِيراً) تجلى به ظلمات الضلال ويستمدّ من نوره نور البصائر.

[٤٧] ـ (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) زيادة على ما يستحقونه من الثواب.

[٤٨] ـ (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) تهييج له (وَدَعْ أَذاهُمْ) إيذائهم إيّاك ، واعرض عنه ، أو ايذائك إياهم بقتل أو ضرر حتى تؤمر به (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فهو كافيك (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) مفوضا إليه الأمور.

[٤٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ)

__________________

(١) قاله قتادة كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٦٢.

٢٠