الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

سورة الرعد

[١٣]

خمس وأربعون آية مكية أو مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (المر) سبق ما قيل فيه (١) (تِلْكَ) الآيات هي (آياتُ الْكِتابِ) القرآن أو السورة (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي القرآن. عطف على «الكتاب» ، عطف صفة على أخرى ، أو عام على خاص ، أو مبتدأ خبره (الْحَقُ) وهو على الأوّل خبر محذوف (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بحقيقته (٢) لتركهم تدبّره.

[٢] ـ (اللهُ) مبتدأ (الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) خبره ، أو صفته ، والخبر «يدبّر الأمر» (بِغَيْرِ عَمَدٍ) سواري جمع عمود أو عماد ، و (تَرَوْنَها) استئناف ، أي : وأنتم ترون السماوات كذلك أو صفة ل «عمد» ويصدق بأن لا عمد أصلا (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) بالتدبير (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذلّلهما لمنافع خلقه (كُلٌ) منهما (يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت مضروب هو يوم القيامة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أمر ملكوته

__________________

(١) في أول الكتاب عند تفسير الآية الاولى من سورة البقرة.

(٢) في «ط» بحقّيته.

١٢١

على مقتضى حكمته (يُفَصِّلُ الْآياتِ) ينزّلها مفصّلة ، أو يبين دلائل وحدانيته (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) لكي تتأملوا فتعلموا ، أن من قدر على هذه الأمور قادر على البعث.

[٣] ـ (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) بسطها لمنافع خلقه (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) جبالا ثوابت (وَأَنْهاراً) قرنت بالجبال لأنها أسباب لتفجرها (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) من أنواعها (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ) صنفين (اثْنَيْنِ) كالحلو والحامض ونحوهما (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يلبسه بظلمته ، وترك العكس للعلم به ، وشدده «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» (١) (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ) دلالات على وحدانيته تعالى (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيها.

[٤] ـ (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) بقاع متلاصقات مختلفات ، منها طيّبة وسبخة ، وسهلة وحزنة (٢) وصالحة للزرع لا للشجر وبالعكس ، واختلافها مع اشتراكها في الأرضية وعوارضها إنما يكون بتخصيص قادر مختار عليم حكيم (وَجَنَّاتٌ) بساتين (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ) ورفعه «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «حفص» (٣) عطفا على «جنات» وكذا (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) جمع صنو ، وهي نخلات أصلها واحد (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) متفرقة الأصول (يُسْقى) وقرأ «عاصم» و «ابن عامر» بالتذكير (٤) (بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالياء (٥) (بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) في الثمر طعما ولونا وشكلا ، وهو من دلائل قدرته تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتدبرون بعقولهم.

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٦٨.

(٢) الحزونة كسهولة : غلاظة الأرض وشدّتها.

(٣) حجة القراآت : ٣٦٩.

(٤) حجة القراآت : ٣٦٩.

(٥) حجة القراآت : ٣٧٠.

١٢٢

[٥] ـ (وَإِنْ تَعْجَبْ) يا محمّد بتكذيبهم (فَعَجَبٌ) حقيق بالعجب (قَوْلُهُمْ) في إنكار البعث (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) فإنهم مع إقرارهم بابتداء الخلق أنكروا الإعادة وهي أهون.

واختلف في الاستفهامين (١) فقرىء فيهما بهمزتين ، وبهمزة وياء ، وبألف بينهما ، وأحدهما بهمزتين والآخر خبرا ، والأول بهمزة وياء والثاني خبرا (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) لجحدهم قدرته على البعث (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) يوم القيامة أو أريد بها كفرهم (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون.

[٦] ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) بالعذاب قبل الرحمة استهزاء (وَقَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) جمع «مثلة» بفتح الميم وضمّ الثاء ، أي :

عقوبات ، أشباههم في التكذيب ، فهلا يعتبرون بها (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) أنفسهم ، وهو حال. ويفيد جواز العفو قبل التوبة وتخصيصه بالصغائر لمجتنب الكبائر ممنوع (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن استحقه.

[٧] ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا) هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كالناقة والعصا إذ لم يعتدوا بمعجزاته (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) مخّوف ، وما عليك إلّا الإتيان بما يصحح رسالتك (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) هو الله تعالى ، أو : نبيّ يدعوهم الى الله بما يخصّه من معجزات يليق بهم ، أو إمام يرشدهم.

عن ابن عباس لما نزلت ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي ، يا علي بك يهتدي المهتدون ، (٢) ونحوه عن ابن بريدة الأسلمي (٣). ونوّن

__________________

(١) انظر تفصيل الأقوال الخمسة في تفسير مجمع البيان ٣ : ٢٧٧.

(٢) تفسير البرهان ٢ : ٢٨٢.

(٣) تفسير البرهان ٢ : ٢٨٢ والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

١٢٣

«ابن كثير» «هاد» و «وال» (١) و «واق» (٢) و (ما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (٣) وصلا ، (٤) ووقف بالياء حيث وقعت ، (٥) وغيره يصل بالتنوين ويقف بغير ياء (٦). ثم أكد ما تضمنته الآيات السابقة بقوله :

[٨] ـ (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) أي أحوال ما تحمله كذكورته وأنوثته (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) ما تنقصه وما تزداده من مدة الحمل وخلقته وعدده.

أو من دم الحيض (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) بقدر واحد لا يتعداه.

[٩] ـ (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ما غاب عن الحس وحضره (الْكَبِيرُ) العظيم (الْمُتَعالِ) على كل شيء بقهره ، أو عما لا يجوز عليه. وأثبت «ابن كثير» الياء (٧).

[١٠] ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ) في علمه (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) مستتر بظلمته (وَسارِبٌ) سالك في سربه ـ بفتح السين ـ ، أي : طريقه (بِالنَّهارِ) يراه الناس.

[١١] ـ (لَهُ) للمسرّ والجاهر ، والمستخفي والسارب (مُعَقِّباتٌ) ملائكة يتعاقبون في حفظه ، جمع «معقبة» بتاء المبالغة من «عقبه» بالتشديد ، جاء على عقبه ، لتعقب بعضهم بعضا ، أو لتعقبهم عمله فيكتبونه ، أو «اعتقب» فأدغم التاء في القاف (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) من جوانبه ، أو مما قدم وأخر من عمله (يَحْفَظُونَهُ) من المهالك ، أو من الجن وغيرهم ، أو يحفظون أعماله (مِنْ أَمْرِ اللهِ) من أجل أمره ، أو : بمعنى الباء أي بإذنه ، أو : هو صفة أخرى ل «معقبات» أي كائنة

__________________

(١) في الآية (١١) من هذه السورة.

(٢) في الآيتين (٣٤) و (٣٧) من هذه السورة.

(٣) في سورة النحل : ١٦ / ٩٦.

(٤) التيسير في القراآت السبع : ١٣٣.

(٥) التيسير في القراآت السبع : ١٣٣.

(٦) التيسير في القراآت السبع : ١٣٣.

(٧) حجة القراآت : ٣٧٢.

١٢٤

بأمره (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من النعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الطاعة الى المعصية (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) عذابا أو بلاء (فَلا مَرَدَّ) لا مدفع (لَهُ) من أحد (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) يلي أمرهم ويرد السوء عنهم.

[١٢] ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) من الصواعق أو لمن يضره المطر (وَطَمَعاً) في المطر ؛ أو لمن ينفعه ، حالان من «البرق» بإضمار «ذا» أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين ، أو علتان أي إخافة وإطماعا ، أو : إراءة خوف وطمع (وَيُنْشِئُ) يخلق (السَّحابَ) جمع سحابة (الثِّقالَ) بالماء.

[١٣] ـ (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ) أي سامعوه متلبسين (بِحَمْدِهِ) فيقولون : سبحان الله والحمد لله ، أو : يدعو الرعد الى تسبيحه وحمده تعالى لما فيه من الآيات ، أو هو ملك موكّل بالسحاب (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) أي الله (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) وهي نار تنزل من السحاب (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) فتحرقه (وَهُمْ يُجادِلُونَ) أي الكفار مع مشاهدتهم هذه الآيات ، يخاصمون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فِي اللهِ) في تفرده في الألوهية وقدرته على البعث (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) الكيد لأعدائه أي الأخذ أو النقمة.

[١٤] ـ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) أي كلمته ، وهي لا إله إلّا الله ، أو الدعوة المجابة ، فإنه يجيب من دعاه ، أو دعوة المدعو الحق وهو الله تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) والأصنام الذين يدعونهم أو يعبدهم المشركون (مِنْ دُونِهِ) أي غيره (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) من مطالبهم (إِلَّا كَباسِطِ) إلّا استجابة كاستجابة باسط (كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) يدعوه (لِيَبْلُغَ فاهُ) بانتقاله من مكانه إليه (وَما هُوَ بِبالِغِهِ) ولن يبلغ فاه ، لأنه جماد لا يشعر فكذلك آلهتهم (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) ضياع.

[١٥] ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً) كالملائكة والمؤمنين (وَكَرْهاً) كالكفرة المكرهين بالسيف ، وهما حالان أو علتان (وَظِلالُهُمْ) بتبعيتهم ، أو أريد خضوعهم لنفوذ مشيئته فيهم أرادوا أو كرهوا ، أو خضوع ظلالهم لتسخيره لها

١٢٥

بالمد والتقليص (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) بالبكّر والعشيات أي دائما ظرف ل «يسجد» أو حال ل «ظلالهم».

[١٦] ـ (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خالقهما ومدبّرهما (قُلِ اللهُ) مجيبا به عنهم إذ لا جواب غيره (قُلْ) ـ تبكيتا لهم ـ : (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) أي غيره (أَوْلِياءَ) جمادات تعبدونها (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) فضلا عن غيرهم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) المشرك والموحد (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) الشرك والتوحيد ، وقرأ «حمزة» و «أبو بكر» و «الكسائي» بالياء (١) (أَمْ) بل أ(جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) صفة «شركاء» (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ) خلق الله وخلقهم (عَلَيْهِمْ).

فقالوا : استحقوا العبادة بخلقهم كما استحقها. وهو انكار أي ليس الأمر كذلك بل جعلوا له شركاء عجزة عن الخلق (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لا خالق سواه فلا شريك له في العبادة (وَهُوَ الْواحِدُ) المتوحد بالربوبية (الْقَهَّارُ) لكل شيء.

[١٧] ـ (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ) أي مياهها.

والوادي : مسيل الماء ، واستعمل الماء اتساعا (بِقَدَرِها) في الصغر والكبر ، أو بمقدارها الذي علم الله انه نافع (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً) وهو الأبيض المنتفخ على وجه الماء (رابِياً) عاليا عليه (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) (٢) (عَلَيْهِ فِي النَّارِ) من الفلزات كالذهب والفضة والنحاس والحديد. وقرأ «حمزة» و «الكسائي» و «حفص» بالياء (٣) (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) طلب زينة (أَوْ مَتاعٍ) ينتفع به كالأواني وغيرها (زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي من هذه الأشياء زبد مثل زبد السيل ، هو خبثها (كَذلِكَ) المذكور (يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي مثلهما.

فالصافي المنتفع به من الماء ، والفلز مثل الحق ، والزبد المضمحل منهما مثل

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٢) في المصحف الشريف «يوقدون».

(٣) حجة القراآت : ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

١٢٦

الباطل (فَأَمَّا الزَّبَدُ) من السيل والفلز المذاب (فَيَذْهَبُ جُفاءً) حال أي مرميّا به باطلا (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من الماء والفلز (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) يبقى دهرا (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) للحق الباقي والباطل المضمحل.

[١٨] ـ (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ) لدعوته فآمنوا به ، المثوبة (الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) مبتدأ ، خبره (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) وقيل : (١) «للذين» متعلق ب «يضرب» أي يضرب الأمثال لشأن المؤمنين والكفرة ف «الحسنى» صفة مصدر «استجابوا» والشرطية استئناف (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) المناقشة فيه ، ولا يغفر لهم ذنب (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) الفراش هي.

[١٩] ـ (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) فتبعه (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) لا يعلمه ولا يتبعه. إنكار أن يتوهم تشابههما (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) يعتبر (أُولُوا الْأَلْبابِ) ذووا العقول.

[٢٠] ـ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) ما ألزمهم إياه عقلا أو سمعا ، أو ما أخذه عليهم في عالم الذرّ (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) ما وثّقوه بينهم وبين الله وبين العباد.

تأكيد ، أو تعميم بعد تخصيص.

[٢١] ـ (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الإيمان بالرسل والرحم وحقوق الخلق (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) مقامه (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) المناقشة فيه.

[٢٢] ـ (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) على البلاء والتكاليف (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) طلب رضاه لا رياء وسمعة (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) يمكن شمولها النفل وكذا (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) بعضه (سِرًّا وَعَلانِيَةً) في الطاعة (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يدفعونها أي يمحونها بها ، أو يقابلونها بها إذا أسيء إليهم (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) العاقبة الحميدة في الدار الآخرة. وأبدل من «عقبى» :

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٢ : ١٦٤.

١٢٧

[٢٣] ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ) إقامة (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) عطف على الواو ، وسوّغه الضمير الفاصل ، أو مفعول معه ، أي من آمن (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) يلحقون بهم وان لم يعملوا كعملهم ، كرامة لهم.

ويفيد عدم نفع الأنساب بدون الإيمان (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) من أبواب الجنة أو القصور بالهدايا (١) قائلين :

[٢٤] ـ (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) تهنئة بالسلامة (بِما صَبَرْتُمْ) يتعلق ب «سلام عليكم» أو بمحذوف ، أي : سلمتم ، أو هذا بصبركم (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ما أنتم فيه.

[٢٥] ـ (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ما وثقوه به (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالظلم والكفر (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) عذاب النّار أو سوء العاقبة فيها.

[٢٦] ـ (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يوسّعه ويضيّقه (وَفَرِحُوا) أي الكفرة بطرا (بِالْحَياةِ الدُّنْيا) بما أوتوه فيها (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) في جنبها (إِلَّا مَتاعٌ) شيء نزر يتمتع به ويزول.

[٢٧] ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا) هلّا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كالناقة والعصا (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) يخذله بسوء فعله وعدم اعتداده بالآيات المنزلة واقتراح غيرها (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) رجع عن العناد الى الانقياد ، أي يثبته عليه بلطفه فيقنع ببعض ما جئت به.

[٢٨] ـ (الَّذِينَ آمَنُوا) بدل من «من» (وَتَطْمَئِنُ) من الصلة وتسكن (قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أنسا وثقة به ، أو بالقرآن لتضمنه دلائل وحدانيته وآيات وعده ورحمته.

وقوله (إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (٢) أي من وعيده ونقمته (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ

__________________

(١) كذا صححناه على ما في التفاسير ، والموجود في النسخ : او الهدايا.

(٢) في سورة الأنفال : ٨ / ٢.

١٢٨

الْقُلُوبُ) لإزالته الشكوك الموجبة للاضطراب.

[٢٩] ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مبتدأ خبره (طُوبى لَهُمْ) مصدر «طاب» ، وواوه عن ياء ، مرفوع أو منصوب أي طيب عيش أو فرح أو غبطة (١).

أو شجرة في الجنة أصلها في دار النبيّ وعليّ عليهما‌السلام ، وفروعها على أهل الجنة.

روى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عنها فقال : شجرة في داري ثم سئل أخرى ، فقال في دار علي عليه‌السلام. فقيل له في ذلك ، فقال داري داره في الجنة (٢) (وَحُسْنُ) بالنصب (مَآبٍ) مرجع.

[٣٠] ـ (كَذلِكَ) كما أرسلنا الرسل قبلك (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) فهي آخر الأمم وأنت خاتم الرسل (لِتَتْلُوَا) لتقرأ (عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي القرآن (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) البليغ الرحمة ، العميم النّعمة التي منها إرسالك إليهم ، وتنزيل القرآن عليهم فكفروا بها ، أو : كفرهم قولهم : (وَمَا الرَّحْمنُ) (٣) حين أمروا بالسجود له (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في أموري (وَإِلَيْهِ مَتابِ) توبتي ، أي : رجوعي.

[٣١] ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) أزيلت عن مواضعها (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) شقّقت أنهارا وعيونا (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) بعد إحيائهم. وجواب «لو» محذوف أي لكان هذا القرآن العظيم الشأن ، أو لما آمنوا لفرط عنادهم.

قيل : قالوا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن كنت نبيا فسيّر عنا جبال مكة ، واجعل لنا فيها أنهارا وعيونا لنزرع ، وأحي لنا أمواتنا ليكلمونا فيك ، (٤) فنزلت (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ

__________________

(١) الغبطة : حسن الحال ، المسرّة.

(٢) تفسير البرهان ٢ : ٢٩٣ عن شواهد التنزيل للحسكاني.

(٣) في سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٠.

(٤) تفسير البيضاوي ٣ : ٦٩.

١٢٩

جَمِيعاً) لا لغيره ، فهو القادر على الإتيان بمقترحهم ، لكن صرفه علمه بأن إظهاره مفسدة (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) أفلم يعلموا ، سمّي العلم يأسا لأنه سبب اليأس ، إذ من علم شيئا يئس من خلافه ، ويعضده قراءة «علي» وأهل بيته عليهم‌السلام وابن عباس وجماعة : «أفلم يتبين» (١).

وقيل : معناه أفلم يقنطوا من إيمان هؤلاء الكفرة لعلمهم (أَنَ) مخففة أي أنه (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) إلى الجنة لكنه كلّفهم لينالوها باستحقاق.

أو : لو يشاء ألجأهم لألجأهم ، لكنه ينافي الغرض من التكليف ، وجملة «أن لو يشاء» متعلق ب «ييأس» إن فسر ب «يعلم» وإلّا فبمحذوف (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا) من الكفر (قارِعَةٌ) داهية تقرعهم من الجدب والقتل والأسر (أَوْ تَحُلُ) القارعة (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) فيحاذونها أو تحل أنت يا محمّد بجيشك قريبا من دارهم مكة (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) القيامة ، أو فتح مكة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ).

[٣٢] ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) مهلتهم ملاوة أي : مدة.

والملوان : الليل والنهار (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أهلكتهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) عقابي لهم ، فكذلك أخذ من استهزأ بك.

[٣٣] ـ (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ) حفيظ (عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من خير وشرّ وهو الله تعالى ، والخبر محذوف ، أي : كمن ليس كذلك من الأصنام (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) استئناف أو عطف على الخبر ، ان قدّر بما يمكن عطفه عليه مثل «لم يوحّدوه» و «جعلوا له شركاء» ، على وضع الظاهر موضع الضمير تقريرا للإلهية (قُلْ سَمُّوهُمْ) له من هم؟ ، أي ليس لهم اسم يستحقون به الإلهية ، وهذا استحقار

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢٩٢.

١٣٠

لهم (أَمْ) بل أ(تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) أي بشركاء لا يعلمهم ، استئناف انكار ، أي لا شريك له (أَمْ) بل أتسمونهم شركاء (بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) بزعم باطل لا حقيقة له (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) شركهم (وَصُدُّوا) (١) أعرضوا وصرفوا غيرهم وضمّ الكوفيون الصاد ، (٢) أي حرفوا (عَنِ السَّبِيلِ) طريق الحق (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يخذله بسوء اختياره (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يوفّقه أو يقسره على الهدى.

[٣٤] ـ (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والأسر والمصائب (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أشدّ (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من عذابه (مِنْ واقٍ) دافع.

[٣٥] ـ (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) صفتها. مبتدأ حذف خبره ، أي : فيما يقصّ عليكم ، أو : الخبر (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) كقولك صفة زيد طويل ، أو بتقدير مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار (أُكُلُها) ثمرها (دائِمٌ) باق (وَظِلُّها) كذلك لا تنسخه شمس (تِلْكَ) الجنة (عُقْبَى) مال (الَّذِينَ اتَّقَوْا) الله (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ).

[٣٦] ـ (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي من أسلم من اليهود والنصارى (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) لموافقته كتابيهم ، أو الذين أعطوا القرآن يزداد فرحهم بما فيه من العلوم ويتلقونه بالبشر (وَمِنَ الْأَحْزابِ) الذين تحزبوا عليك بالعداوة من المشركين وكفرة أهل الكتاب (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) وهو ما خالف أحكامهم (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ) فيما أنزل إليّ (أَنْ) أي بأن (أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا) لا الى غيره (وَإِلَيْهِ مَآبِ) مرجعي.

[٣٧] ـ (وَكَذلِكَ) الإنزال (أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (حُكْماً) حكمة أو يحكم بين الناس (عَرَبِيًّا) بلسان العرب ليفهموه وهو حال (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) فيما

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «وصدوا» ـ يضمّ الصاد ـ وسيشير اليه المؤلّف.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٢٩٤.

١٣١

يدعونك إليه من ملّتهم (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بنسخها (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) ناصر (وَلا واقٍ) دافع عقوبته ، خطاب له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد أمته.

[٣٨] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) نساء وأولادا مثلك. قيل : عيّروه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكثرة النساء ، فنزلت (١) (وَما كانَ) ما صحّ (لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) مقترحة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) لأن ذلك بمشيئته (لِكُلِّ أَجَلٍ) وقت (كِتابٌ) حكم مكتوب على الخلق على ما يوجب تدبيرهم.

[٣٩] ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من رزق وأجل وسعادة وشقاوة (وَيُثْبِتُ) ما يشاء منها. وشدده «نافع» و «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» (٢) أو يمحو حكما ويثبت غيره.

أو يمحو من كتاب الحفظة ما لا جزاء فيه ويثبت غيره ، أو يمحو سيّئات التائب ويثبت بدلها حسنات ، أو يمحو قرنا ويثبت آخرين (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أصله ، وهو : اللوح المحفوظ الذي لا يغير ما فيه.

[٤٠] ـ (وَإِنْ ما) «ان» الشرطية أدغمت في «ما» الزائدة (نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب في حياتك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) فحسب (وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) والجزاء.

[٤١] ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) نقصد أرض الشرك أو الأعم (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بالفتوح على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بموت العلماء (وَاللهُ يَحْكُمُ) في خلقه (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) لا رادّ له ، حال ، أي نافذا حكمه (وَهُوَ سَرِيعُ

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٢ : ١٦٩.

(٢) كتاب السبعة في القراآت : ٣٥٩.

١٣٢

الْحِسابِ) للعباد.

[٤٢] ـ (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) برسلهم (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي يملك جزاء المكر (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير وشرّ (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) العاقبة المحمودة في الدار الآخرة ، ألهم أم للرسول والمؤمنين؟ وقرأ «نافع» و «ابن كثير» و «أبو عمرو» : «الكافر» ، (١) أي جنسه.

[٤٣] ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ) ـ لهم ـ : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) بإظهاره المعجزات الشاهدة بصدقي (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) اللوح المحفوظ وهو الله ، أي كفى بالمستحق للعبادة والعالم ما في اللوح شهيدا.

أو علم القرآن أي : الإحاطة بعلمه ، ولم يكن إلّا عند باب مدينة العلم : عليّ والأئمة من ولده عليهم‌السلام ، الذين لم يفارقهم الكتاب حتّى يردوا الحوض على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أخبر به (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : إيانا عنى ، وعليّا أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وعنه عليه‌السلام : انه وضع يده على صدره ثم قال : «عندنا والله علم الكتاب كملا (٤).

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٧٥.

(٢) في حديث الثقلين وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي (أهل بيتي) وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ـ وهو متواتر عند الفريقين من الخاصة والعامة ، يراجع عمدة عيون صحاح الاخبار لابن البطريق الفصل الرابع عشر.

(٣) رواه الحويزي في تفسير نور الثقلين عن ابي جعفر عليه‌السلام ينظر تفسيره ٢ : ٥٢٢.

(٤) في تفسير نور الثقلين ٢ : ٥٢٣ ـ انه عليه‌السلام أو ما بيده الى صدره وقال : علم الكتاب والله كله عندنا ، علم الكتاب والله كلّه عندنا.

١٣٣

ولو أريد بالكتاب الجنس لم يكن علمه إلّا عند القائل : «سلوني» (١).

و «لو ثنيت لي الوسادة» (٢).

و «ما أنزلت آية إلّا وأنا أعلم تنزيلها وتأويلها» (٣).

__________________

(١) قول امير المؤمنين عليه‌السلام : سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء الا أخبرتكم ، سلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية الا وانا اعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.

نقله الكثير من الحفاظ منهم السيوطي في تاريخ الخلفاء : ١٨٥ والمحب الطبري في الرياض النضرة ٢ : ٢٦٢ وابن عبد البر في الإستيعاب ٢ : ٥٠٩ والحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٣٠.

(٢) وهو ايضا قول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام ـ ونقله العلامة الحلي في كشف المراد عند بيانه لتقدم علي عليه‌السلام على جميع الصحابة في تعلمه ، انظر كشف المراد : ٣٨٥ ـ.

(٣) وهو أيضا امير المؤمنين عليه‌السلام حين قال : والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيم أنزلت واين أنزلت ـ رواه الحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٣٣ وروى معناه في : ٣٥ ـ وابو نعيم في حلية الأولياء ١ : ٦٨ ـ والكنجي في كفاية الطالب : ٢٠٨ ـ.

١٣٤

سورة ابراهيم

[١٤]

خمس ـ أو أقلّ ـ وخمسون آية مكية إلّا (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا) الآيتين

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الر كِتابٌ) هذا القرآن أو السورة كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ) اللام للغرض (النَّاسَ) كلّهم بدعوتك العامّة (مِنَ الظُّلُماتِ) الضلالات (إِلَى النُّورِ) الهدى (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمره بذلك ، صلة ل «تخرج» أو حال من فاعله أو مفعوله (إِلى صِراطِ) بدل من «الى النور» أي الى طريق (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) القاهر سلطانه ، المحمود شأنه.

[٢] ـ (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) بالجر ، بدل للعزيز ، ورفعه «ابن عامر» مبتدأ وخبر (١) أو خبر محذوف ، و «الذي» صفته (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) أي يولولون منه ويقولون يا ويلاه.

[٣] ـ (الَّذِينَ) نعت ، أو : ذم ، منصوب أو مرفوع ، أو : مبتدأ خبره «أولئك» وخبره (يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) يؤثرونها (عَلَى الْآخِرَةِ) إذ المؤثر لشيء يطلب من

__________________

(١) كتاب السبعة في القراآت : ٣٦٢.

١٣٥

نفسه أن يكون أحب إليها من غيره (وَيَصُدُّونَ) النّاس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يطلبون لها زيفا ، فحذف اللام وأوصل الفعل (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الحق.

[٤] ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) بلغتهم (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ما أتى به فيفهموه ويفهّموه غيرهم ، فإنهم أحق بأن يدعوهم (فَيُضِلُّ اللهُ) يخذل (مَنْ يَشاءُ) ممن أعرض عنه (وَيَهْدِي) بلطفه (مَنْ يَشاءُ) ممن تدبّر بعقله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الغالب المدبّر بحكمته.

[٥] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) المعجزات التسع (أَنْ) أي بأن ، أو أي (أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر (إِلَى النُّورِ) الإيمان (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) بنعمه وبلاءه في أيامه (إِنَّ فِي ذلِكَ) التذكير (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على بلائه (شَكُورٍ) لنعمائه ، فإنه يعتبر بما جرى على من قبله من بلاء ونعماء فيصبر ويشكر.

[٦] ـ (وَإِذْ) واذكر إذ (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ) وقت إنجاءه إيّاكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) بالاستعباد وغيره (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يستبقوهنّ للخدمة (وَفِي ذلِكُمْ) الإنجاء أو العذاب (بَلاءٌ) نعمة أو ابتلاء (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).

[٧] ـ (وَإِذْ تَأَذَّنَ) ربّكم ، آذن كتوعد وأوعد ، أي : أعلم (رَبُّكُمْ) ولتضمنّه القسم ، جيء بلام موطئة له في (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) نعمي بالإيمان والطاعة (لَأَزِيدَنَّكُمْ) نعما (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) جحدتم النعم بالكفر والمعاصي ، وجوابه دلّ عليه (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) أي لأعذبنّكم. ولاعتنائه تعالى بالرحمة ، صرّح بالوعد وعرّض بالوعيد كما هو عادته.

[٨] ـ (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) لم تضروا بكفركم إلّا أنفسكم بحرمانها النعم ، وتعرضيها للنقم (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) عن شكركم (حَمِيدٌ)

١٣٦

أهل للحمد ، محمود في الملأ الأعلى.

[٩] ـ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) خطاب لقوم نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من قول موسى. استفهام تقرير (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) عطف على ما قبله (لا يَعْلَمُهُمْ) اعتراض ، أو خبر «الذين» والجملة اعتراض ؛ أي لا يعلم عددهم لكثرتهم (إِلَّا اللهُ).

وتلاها «ابن مسعود» ، وقال : كذب النسابون (١) (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالدلائل على صدقهم (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) عضّوها على الرّسل غيظا.

أو وضعوها عليها أمرا للرسل بالسكوت ، أو استهزاء بهم كمن غلبه الضحك ، وأشاروا بها الى ما نطقت أفواههم من قولهم : إنّا كفرنا ، أي هذا جوابنا لكم لا غير ، أو وضعوها على أفواه الرسل لئلا ينطقوا ؛ أو وضعوا أيدي الرسل على أفواههم لذلك.

أو أريد بالأيدي النعم وهي ما نطقت به الرسل من الحجج ، أي ردوا حججهم من حيث جاءت بأن كذّبوها (وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) بزعمكم (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) من الدين (مُرِيبٍ) موجب للريب.

[١٠] ـ (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) رفع بالظرف ، والهمزة للإنكار ، أي لا شك في وحدانيته للدلائل الجليّة عليها (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خالقهما صفة (يَدْعُوكُمْ) الى توحيده (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعضها وهو حقه ، لسقوطه بالإسلام لا المظالم (وَيُؤَخِّرَكُمْ) بلا مؤاخذة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقت الموت (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) لا تفضلوننا بما يوجب إيثاركم علينا (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجّة واضحة تصدّقكم. لم يعتدوا بما جاءوا به من المعجزات واقترحوا غيرها.

[١١] ـ (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) كما قلتم (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ

__________________

(١) رواه الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٠٥.

١٣٧

عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بالنبوّة ، فلقد منّ علينا بها واصطفانا لها (وَما كانَ) ما صحّ (لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بأمره أي ليس ذلك بوسعنا ، وانما هو متعلق بمشيئته تعالى (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في أمورهم.

[١٢] ـ (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) أي لا عذر لنا في ذلك (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) الموصلة لنا الى معرفته وخففه «أبو عمرو» (١) (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) فإنه تعالى يكفيناكم (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فإنه يكفيهم.

[١٣] ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) حلفوا أن يخرجوهم إلّا أن يصيروا كفرة مثلهم (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) الى الرسل (رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين.

[١٤] ـ (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ) أرضهم (مِنْ بَعْدِهِمْ).

في الحديث : من آذى جاره ورّثه الله داره (٢) (ذلِكَ) الإسكان بعد إهلاك الظلم (لِمَنْ خافَ مَقامِي) الذي أقيمه فيه للحساب ، أو قيامي عليه رقيبا (وَخافَ وَعِيدِ) أي عقابي وأثبت «ورش» الياء وصلا (٣).

[١٥] ـ (وَاسْتَفْتَحُوا) طلب الرسل من الله الفتح على الكفار ، أو الحكم بينهم وبينهم ، أو : سأله الكفار نصر المحق على المبطل (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي :

فأفلح الرسل وخسر كل متكبر عن قبول الحق ، معاند له.

[١٦] ـ (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي أمامه ، وهو من الأضداد ، أو : سمّي المستقبل به مجازا كأنّه أتي من خلف (وَيُسْقى) عطف على مقدر أي يصلاها ويسقى (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) عطف بيان ل «ما» وهو ما يسيل من فروج الزناة في النار من القيح والدم.

__________________

(١) اي «سبلنا» بسكون الباء ينظر تفسير روح المعاني ١٣ : ١٧٨.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٠٨ وتفسير البرهان ٢ : ٣٠٨.

(٣) التيسير في القراآت السبع : ١٣٥.

١٣٨

[١٧] ـ (يَتَجَرَّعُهُ) يشربه جرعة جرعة (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) ولا يقارب أن يزدرده (١) لنتنه وبشاعته وحرارته (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) اي أسبابه وموجباته (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من جسده أو من كلّ جهة (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) فيستريح (وَمِنْ وَرائِهِ) امامه (عَذابٌ غَلِيظٌ) هو الخلود في النار ، أو من بعد هذا العذاب عذاب أشدّ منه.

[١٨] ـ (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) مبتدأ حذف خبره ، أي فيما يقصّ عليكم صفتهم (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) استئناف ، لبيان مثلهم ، أو هو الخبر أو «أعمالهم» بدل من المثل ، والخبر : «كرماد» (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) ذرته ، وجمعه «نافع» (٢) (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) شديد الريح. شبه ما عملوا من صلة وصدقة وعتق ونحوها في بطلانها ، لعدم ارادتهم بها وجه الله أو من عبادة الأصنام ، برماد نسفته الريح العاصفة (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا) عملوا في الدنيا (عَلى شَيْءٍ) أي لا ينتفعون به يوم القيامة (ذلِكَ) أي عملهم (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن الحق أو عن النفع.

[١٩] ـ (أَلَمْ تَرَ) أيها السامع (أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بمقتضى الحكمة وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «خالق» (٣) (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يفنيكم (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) مكانكم فإن من خلق السماوات والأرض وأنشأكم ، قادر على تبديلكم بغيركم.

[٢٠] ـ (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) بصعب.

[٢١] ـ (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) عبّر بالماضي لتحققه ، أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لحكمه (جَمِيعاً) مجتمعين (فَقالَ الضُّعَفاءُ) الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان وهم قادتهم المتبوعون (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في الكفر ، جمع تابع كخدم وخادم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) دافعون (عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) «من» الأولى بيانية

__________________

(١) اي يتبلعه.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٧٥.

(٣) حجة القراآت : ٣٧٦ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٣٠٩.

١٣٩

والثانية تبعيضيه ، أي بعض شيء هو عذاب الله ، أو هما للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب الله (قالُوا) أي المتبوعون (لَوْ هَدانَا اللهُ) الى طريق الخلاص من العقاب (لَهَدَيْناكُمْ) أي لو خلصنا لخلّصناكم أيضا (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) مفرّ ومنجى.

[٢٢] ـ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) فرغ منه ودخل السعداء الجنة ، والأشقياء النار وجعلوا يلومونه (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) بالبعث والجزاء ، فوفى لكم (وَوَعَدْتُكُمْ) خلاف ذلك (فَأَخْلَفْتُكُمْ) الوعد (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) تسلّط وقهر ، فأجبركم على الضلال وفتح «حفص» الياء (١) (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) لكن دعائي إليكم إياه بالوسوسة ، وقد يجعل استثناء متصلا بجعل الدعاء من جنس التسلط مجازا (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) باختياركم (فَلا تَلُومُونِي) بدعائي لكم إذ شأن العداوة ذلك (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) بما جنيتموه حيث أجبتم دعائي وأعرضتم عن دعاء ربكم.

ويفيد أن العبد مختار في فعله وليس من الله إلّا التمكين ، ولا من الشيطان إلّا التزيين ، وإلّا لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم فإن الله جبركم. والحجة عدم انكار الله عليه لا قوله (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) بمغيثكم (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) بمغيثي ، بفتح الياء وكسرها «حمزة» لالتقاء الساكنين (٢) وضعفه النحاة (٣) (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) بإشراككم ايّاي مع الله في الدنيا يعني تبرأت منه أو بالذي أشركتمونيه ، أي جعلتموني شريكا له بإجابتكم دعوتي من قبل أن أشركتمونيه حين أبيت السجود لآدم. وأثبت «أبو عمرو» الياء وصلا (٤) (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) من قوله ،

__________________

(١) كتاب السبعة في القراآت : ٣٦٤.

(٢) حجة القراآت : ٣٧٧ وتفسير البيضاوي ٣ : ٧٦ وكتاب السبعة في القراآت : ٣٦٢.

(٣) حجة القراآت : ٣٧٧.

(٤) التيسير في القراآت السبع : ١٣٥.

١٤٠