الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

[١٩٤] ـ (عَلى قَلْبِكَ) أي أثبته فيه وحفظكه (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).

[١٩٥] ـ (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) بيّن المعنى ، متعلّق ب «نزل» أو ب «المنذرين» أي لتكون ممّن انذروا بلغة العرب ، وهم «هود» و «صالح» و «إسماعيل» و «شعيب» و «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١٩٦] ـ (وَإِنَّهُ) أي ذكر القرآن (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) كتبهم السّماويّة.

[١٩٧] ـ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) على صحّة القرآن وصدق «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) ك «ابن سلام» وغيره أي علمهم بنعته من كتبهم ، وقرأ «ابن عامر» «تكن» بالتّاء ورفع «آية» اسما (١) والخبر «لهم» و «أن يعلمه» بدل والإسم ضمير القصّة و «آية» خبر «أن يعلمه» والجملة خبر «تكن» و «لهم» حال.

[١٩٨] ـ (وَلَوْ نَزَّلْناهُ) كما هو (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) الّذين لا يحسنون عربيته ليزيد اعجازه ، أو بلغة العجم.

[١٩٩] ـ (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) عنادا أو أنفة من اتباع العجم.

[٢٠٠] ـ (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي مثل ادخالنا القرآن مكذّبا به في قلوبهم بقراءة الأعجم أدخلناه في قلوبهم بقرائتك عليهم.

وأسند إليه تعالى كناية عن تمكّنه مكذّبا به في قلوبهم كأنّهم جبلوا عليه بدليل اسناد : (لا يُؤْمِنُونَ) إليهم وهو استئناف يقرّر ما قبله ، أو حال أي سلكناه غير مؤمن [٢٠١] ـ (بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ).

[٢٠٢] ـ (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) ـ فجأة ـ (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بمجيئه.

[٢٠٣] ـ (فَيَقُولُوا) ندما (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) لنؤمن.

[٢٠٤] ـ (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) توبيخ لهم بتهكّم ، أي كيف يستعجله من إذ

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٢١.

٤٤١

انزل به سأل النظرة.

[٢٠٥] ـ (أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ).

[٢٠٦] ـ (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ).

[٢٠٧] ـ (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) لم يغن عنهم تمتيعهم في دفع العذاب.

[٢٠٨] ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) رسل تنذر أهلها بالحجج.

[٢٠٩] ـ (ذِكْرى) تذكرة ، نصبت علّة أو مصدرا لأنّها بمعنى الإنذار ، أو رفعت خبر محذوف والجملة معترضة أو صفة «منذرون» بتقدير ذووا ، أو بجعلهم «ذكرى» مبالغة (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) فنهلك غير الظالمين.

[٢١٠] ـ (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) كما زعم الكفرة انّه من جنس ما تلقى الشياطين الى الكهّان.

[٢١١] ـ (وَما يَنْبَغِي) يصحّ (لَهُمْ) التنزّل به (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ذلك.

[٢١٢] ـ (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) لكلام الملائكة (لَمَعْزُولُونَ) ممنوعون بالشّهب.

[٢١٣] ـ (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) تهييج له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليزداد إخلاصا ، ولطف للمكلّفين.

[٢١٤] ـ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) مبتدءا بهم ، الأقرب فالأقرب لأهمّيّة الاهتمام بهم.

روي انّه لمّا نزلت ، جمعهم وقال : يا بني عبد المطّلب انّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، ثمّ قال : من يوازرني ويكون وصيّي وخليفتي؟ ـ يعيدها ثلاثا ـ فيسكتون ويقول عليّ : أنا ، فقال : أنت ، فقاموا وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمّره عليك (١).

__________________

(١) ينظر تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٠٦ وشواهد التنزيل ١ : ٤٢٠.

٤٤٢

[٢١٥] ـ (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) ألن جانبك ، استعير من خفض جناح الطّائر حين ينحطّ (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) «من» للبيان أو للتّبعيض ، ويراد بالمؤمنين من صدقوا بألسنتهم.

[٢١٦] ـ (فَإِنْ عَصَوْكَ) أي قومك (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) «ما» مصدريّة أو موصولة.

[٢١٧] ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) فوّض أمرك الى القاصم لأعدائه ، العاصم لأوليائه ، يكفك شرّ من يعصيك ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» بالفاء بدلا من «فقل» (١).

[٢١٨] ـ (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) في التّهجّد.

[٢١٩] ـ (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وتصرّفك في المصلّين بالقيام والرّكوع والسّجود والقعود ، حين تأمّهم أو مشيك في تصفّح أحوال المتهجّدين لتطّلع على تهجّدهم.

أو تنقلك في أصلاب النبيين ، نبيّ بعد نبيّ.

[٢٢٠] ـ (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لقولك (الْعَلِيمُ) بنيّتك.

[٢٢١] ـ (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) تتنزّل ، حذفت احدى التّائين.

[٢٢٢] ـ (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) كذّاب فاجر ، كالكهنة والمتنبئة لا على «محمّد».

[٢٢٣] ـ (يُلْقُونَ) أي الأفّاكون (السَّمْعَ) الى الشياطين فيتلقّون منهم (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) يضمّون الى ما يسمعونه كذبا كثيرا ، أو يلقي الشّياطين السّمع الى الملأ الأعلى قبل أن يرجموا فيختطفون بعض المغيبات فيوحونه الى الكهنة.

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٢٢.

٤٤٣

أو يلقون المسموع الى الكهنة وأكثرهم «كاذبون» فيما يوحونه إليهم.

[٢٢٤] ـ (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ) وخفّفه «نافع» (١) (الْغاوُونَ) باستحسان باطلهم وروايته عنهم ولا كذلك اتّباع «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقرّره :

[٢٢٥] ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ) من أودية الكلام وفنونه (يَهِيمُونَ) يذهبون غير مبالين بما نطقوا من غلوّ في مدح وذمّ وتشبّب (٢) بمحرّم (٣).

[٢٢٦] ـ (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) من وعد كاذب وافتخار باطل وحديث مفترى.

[٢٢٧] ـ (إِلَّا) الشّعراء (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) بحيث يكون الذّكر غلب عليهم من الشّعر وإن قالوا شعرا ففيما يرضى الله تعالى كالثّناء عليه والحكمة والموعظة ، ومدح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورثاهم عليهم‌السلام.

(وَانْتَصَرُوا) ممّن هجاهم من الكفّار بأن يهجوه (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بالاعتداء عليهم بذلك (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ، (٤) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) كلّ من صدر منه ظلم (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) أيّ مرجع يرجعون بعد الموت.

وفي وعيد «سيعلم» واطلاق «الّذين ظلموا» وإبهام «أيّ» أشد ترهيب وأفظع تهويل.

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٢٢.

(٢) التشبيب : التغزل بالنساء.

(٣) في «ج» : بحرم.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٩٤.

٤٤٤

سورة النمل

[٢٧]

ثلاث أو اربع وتسعون آية مكيّة.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (طس) امالها «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» (١). (تِلْكَ) اشارة الى آي السّورة (آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) للحقّ من الباطل.

والكتاب : الّلوح أو القرآن ، وعطفه عليه كعطف احد النّعتين على الآخر ونكّر تفخيما.

[٢] ـ (هُدىً) حال أي هادية ، وعاملها الإشارة ، أو بدل من «آيات» أو خبر محذوف وكذا : (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) بالجنّة.

[٣] ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) بحدودها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) بتمامها (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) من الصّلة ، والواو للحال أو للعطف.

وغيّر النّظم إيذانا بكمال ايقانهم ، أو جملة معترضة تفيد انّ هؤلاء المؤمنين المتعبّدين هم الموقنون بالآخرة ، فإنّ خوف العاقبة يحملهم على تحمّل المشاقّ

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ٢ : ٧٠.

٤٤٥

وتكرير «هم» للقصر.

[٤] ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) القبيحة بتحلية الشيطان حتّى زيّنها لهم ، أو بتمتيعهم بالنّعم ، فبطروا واتّبعوا أهوائهم فكأنّه تعالى زيّنها فهو مجاز حكميّ ، أو استعارة ، أو أعمال الخير بالتّرغيب فيها (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) يتحيّرون فيها كمن ضلّ الطّريق.

[٥] ـ (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) أشدّه كالقتل والأسر ببدر (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أشدّ النّاس خسرانا ، لاستبدالهم النّار بالجنّة.

[٦] ـ (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) تلقفه (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) أيّ حكيم وايّ عليم ، وهو تمهيد لما يسوق بعده من القصص المؤذنة ببلاغة حكمته واحاطة علمه.

[٧] ـ (إِذْ قالَ مُوسى) اذكر قصّته إذ قال (لِأَهْلِهِ) ـ لامرأته في مسيرة «مدين» الى مصر ـ : (إِنِّي) وفتح «الحرميان» و «أبو عمرو» «الياء» (١) (آنَسْتُ) أبصرت (ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن الطّريق ، وكان قد ضلّه.

وخوطبت بلفظ الجمع كما كنّى عنها بالأهل (٢) (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) بشعلة نار مقبوسة (٣) والإضافة للبيان ، ونوّنه «الكوفيون» بجعل «القبس» بدلا أو صفة ، أي مقبوس (٤) والوعدان (٥) على جهة الظّنّ فلا ينافيه ترجيهما في «طه» (٦) و «أو» للإيذان بأنّه ان لم ينلهما لم يحرم أحدهما ثقة بكرم الله ، ان لا يجمع عليه حرمانين (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) رجاء أن تستدفئوا بها.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٠.

(٢) أي لمّا كنّى عنها بالأهل خاطبها بلفظ الجمع في «سآتيكم».

(٣) أي مقبوضة.

(٤) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٥٤.

(٥) اي العدتان.

(٦) سورة طه : ٢٠ / ١٠.

٤٤٦

[٨] ـ (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ) أي (بُورِكَ) بارك الله ، يتعدّى بنفسه وبالحرف (مَنْ فِي النَّارِ) من في مكانها وهو البقعة المباركة يعني الملائكة أو الشّجرة أو النّور المتقدّم بها (وَمَنْ حَوْلَها) أي موسى أو الملائكة.

والظّاهر عمومه في كلّ من في تلك البقعة وحواليها من أرض الشّام الّتي بارك الله فيها (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ممّا نودي به ، تنزيه له تعالى عن التّشبيه أو التّعجيب لموسى من عظمة ما قضي له.

[٩] ـ (يا مُوسى إِنَّهُ) «الهاء» للشّأن ويفسّره جملة : (أَنَا اللهُ) أو لمكلّمك و «أنا» خبره «والله» بيان له (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) نعتان ملوّحان ، لما أراد إظهاره أي أنا القادر على الخوارق كقلب العصا حيّة ، الفاعل بمقتضى الحكمة.

[١٠] ـ (وَأَلْقِ عَصاكَ) عطف على «بورك» فألقاها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرّك (كَأَنَّها جَانٌ) حيّة خفيفة (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يرجع ، رعب منها للطّبع البشريّ فقال تعالى : (يا مُوسى لا تَخَفْ) منها ، أو مطلقا بدليل : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) لعصمتهم عمّا يوجب عقوبة يخافونها ، وان كانوا أخوف الناس هيبة لعظمته تعالى (١).

[١١] ـ (إِلَّا) لكن (مَنْ ظَلَمَ) نفسه من غيرهم بذنب ، أو منهم بترك الاولى وعلى هذا يجوز جعله متّصلا (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) توبة بعد ذنب أو ترك اولى ، وسمّى سوءا كما سمّى ظلما (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أقبل توبته وأثيبه فإنّه لا يخاف أيضا.

[١٢] ـ (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) طرف مدرعتك (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ذات شعاع (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) برص ، آيتان (فِي تِسْعِ آياتٍ) أي معها وهي الفلق (٢) والطّوفان

__________________

(١) في تفسير البيضاوي ٣ : ٢٦٦ : فإنهم أخوف الناس اي من الله تعالى.

(٢) اي انشقاق البحر.

٤٤٧

والجراد والقمل والضّفادع والدّم والطّمس والجدب ونقص الثّمرات (١) أو في جملتها على عدّ الأخيرتين واحدة وعدم عدّ الفلق إذ لم يدع به «فرعون» (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) أي مرسلا إليهم ، أو يتعلّق الظّرفان (٢) ب «اذهب» مستأنفا (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) علّة الإرسال.

[١٣] ـ (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) واضحة ، كأنّها تبصر وتهدى ، أو أريد ابصار متأمّليها للملابسة.

وعن «السجاد» عليه‌السلام : «مبصرة» بفتحهما (٣) (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) بيّن.

[١٤] ـ (وَجَحَدُوا) وكذّبوا (بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) الواو للحال بإضمار «قد» (ظُلْماً) لأنفسهم علّة ل «جحدوا» وكذا : (وَعُلُوًّا) ترفّعا عن الإيمان (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) من الغرق عاجلا ، والنّار آجلا.

[١٥] ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) أي علم أو نوعا من العلم (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) لم يعطفه بالفاء إشعارا بأنّ ما قالا بعض ما قابلوا به هذه النّعمة ، كأنّه قيل : فعرفا حقّه وادّياه وقالا : الحمد لله ، وأريد مجرّد الاخبار لا التّسبّب ، فلا موقع للفاء (الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) ممّن لم يؤت مثل علمهما ودلّ على شرف العلم وأهله.

[١٦] ـ (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ماله وملكه ، وقيل : نبوّته وعلمه بأن قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه ، (٤) وهم تسعة عشر ، والظّاهر الأوّل ، وهو المرويّ عن

__________________

(١) في سورة الإسراء : ١٧ / ١٠٢.

(٢) أي قوله «في تسع آيات» و «الى فرعون» ...

(٣) اي بفتح الميم والصاد ـ تفسير مجمع البيان ٤ : ٢١٢.

(٤) قاله الجبائي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٢١٢.

٤٤٨

أهل البيت عليهم‌السلام (١) (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ) تحديثا بنعمة الله ودعاء لهم الى تصديق معجزته (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أصواته وفهم معانيها كما يفهم بعضه من بعض وضمير «علّمنا» له ولأبيه ، أو له على عادة الملوك وكذا : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يريد كثرة ما اوتي ، كقولك فلان يعلم كلّ شيء (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) البيّن الظّاهر.

[١٧] ـ (وَحُشِرَ) وجمع (لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبس اوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا.

[١٨] ـ (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) واد بالشّام أو الطّائف ، كثير النّمل والتّعدية ب «على» لأنّهم أتوا من فوق ، أو لقطعهم الوادي ، من أتى على الشيء : بلغ آخره (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) عبّر عن صياحها بهم بما يفهمونه بالقول ، فجعلوا كالعقلاء في الخطاب (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) نهي بدل من «ادخلوا» أي لا تكونوا بحيث يكسرنّكم ، من باب لا اريّنك هاهنا (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بحطمكم ، إذ لو شعروا لم يفعلوا كأنّها عرفت عصمته عن الظّلم.

[١٩] ـ (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) أخذا في الضّحك تعجّبا من حذرها وتحذيرها ، أو سرورا بما أتاه الله من ادراك همسها ولذلك دعا (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) اجعلني ازع شكرها ، أي : اكفّه واحبسه لا ينقلب عنّي فلا انفك عنه ، وفتح «ورش» و «البزّي» ياء «اوزعني» (٢) (وَعَلى والِدَيَ) أدرج ذكرهما لأنّ النّعمة عليه نعمة عليهما وبالعكس. (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) في جملتهم الجنّة.

[٢٠] ـ (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) وكانت تظلّه عن الشّمس ، فوقعت نفحة منها على رأسه فنظر فإذا موضع الهدهد خال ، أو احتاج إليه ليردّ له الماء لأنّه يراه من بطن الأرض

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٢١٤.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٠.

٤٤٩

ويدلّ عليه فيستخرجه الجنّ فنظر فلم يره (فَقالَ) ـ ظانّا أنّه حاضر ولم يره لساتر ـ : (ما لِيَ) وفتح «ابن كثير» و «عاصم» و «الكسائي» و «هشام» «الياء» (١) (لا أَرَى الْهُدْهُدَ) ثم لاح له انّه غائب فقال : (أَمْ) بل أ(كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) فلم أره لغيبته ، ثم أوعده عليها فقال :

[٢١] ـ (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) بنتف ريشه وتشميسه ، أو حبسه مع ضدّه. (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) مشدّدا ، وقرأ «ابن كثير» بنونين والتّشديد (٢) (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ببرهان يبيّن عذره ، والمقسم عليه احد الأوّلين ما لم يأت بعذر ، ومقتضاه وقوع أحد ثلاثة امور ، هما والإتيان بعذر ، فلذلك عطفه عليهما وان لم يكن فعله.

[٢٢] ـ (فَمَكَثَ) (٣) بالضّمّ ، وفتح «عاصم» (٤) (غَيْرَ بَعِيدٍ) زمانا يسيرا وحضر متواضعا له بإرخاء ذنبه وجناحيه وأتى بعذره (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ).

قيل : هذا يبطل وجوب كون الإمام أعلم أهل زمانه (٥) وفيه : انّ المراد كونه أعلمهم فيما يحتاجون إليه من امر الدّين والدّنيا لا فيما يطّلعون عليه ممّا لم يتعلّق بذلك كحال أهل سبأ ، وإلّا لزم وجود من هو أعلم من مدينة العلم «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) إذ كثيرا ما يخبره رسله وعيونه بحال قوم غيّب أو بلد ناء ونحوه ممّا يطّلع عليه ، ولا يخلّ ذلك بكونه أعلم البشر (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) منوّنا اسم للحىّ أو

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٠.

(٢) حجة القراآت : ٥٢٤.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «فمكث» ـ بفتح الكاف.

(٤) حجة القراآت : ٥٢٥.

(٥) قاله قتادة كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٣٨ الا انّ فيه : (الأنبياء) بدل : (الإمام).

(٦) اقتباس من قوله (ص) : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ... وللحديث مصادر شتى. ينظر كتاب العمدة لابن البطريق الفصل الخامس والثلاثون.

٤٥٠

أبيهم «سبأ بن يشحب ابن يعرب بن قحطان» ومنع صرفه «أبو عمرو» و «البزّي» بتأويل القبيلة أو المدينة (١) (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) بخبر متيقّن.

[٢٣] ـ (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) أي ملكة ل «سبأ» أو أهلها وهي «بلقيس بنت شراحيل» ملك اليمن وابن ملوكها ولم يعقّب غيرها فورثت ملكه (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الملوك (وَلَها عَرْشٌ) سرير (عَظِيمٌ) استعظمه بالنّسبة إليها.

أو لأنّه لم يكن ل «سليمان» مثله وان عظم ملكه ، وكان ثلاثين أو ثمانين ذراعا في مثلها عرضا وسمكا من ذهب وفضّة مكلّلا بالجواهر (٢).

[٢٤] ـ (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) كانوا مجوسا يعبدونها (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) القبيحة (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الحقّ (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إليه. ألهمه الله تعالى معرفته وتفرّده بوجوب السّجود له ، فأنكر سجودهم للشّمس ونسبه الى الشيطان.

[٢٥] ـ (أَلَّا يَسْجُدُوا) فصدّهم أن لا يسجدوا ، أو زيّن لهم أن لا يسجدوا بإبداله من أعمالهم ، أو لا يهتدون لأن «يسجدوا» فزيدت «لا» وخفّف «الكسائي» «ألا» على انها للتنبيه ، وياء لنداء محذوف اي : ألا يا قوم اسجدوا (٣) استئنافا من الله أو «سليمان» أو «الهدهد» (لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) مصدر بمعنى المخبوء وهو ما خفي (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) (٤) ما يسرّونه وما يظهرونه ، وقرأهما «حفص» و «الكسائي» بالتّاء (٥).

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٢٥.

(٢) في «ج» : بالنجوم.

(٣) حجة القراآت : ٥٢٦.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تخفون وما تعلنون» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٥) حجة القراآت : ٥٢٨.

٤٥١

[٢٦] ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) بالنّسبة الى سائر أجرام العالم لإحاطته بها بخلاف عرشها فبينهما بون عظيم.

[٢٧] ـ (قالَ سَنَنْظُرُ) سنتأمّل في أمرك (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) عدل عن «أم كذبت» مبالغة وللفاصلة ثمّ كتب كتابا وقال له :

[٢٨] ـ (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ) (١) وسكّن الهاء «عاصم» و «أبو عمرو» و «حمزة» (٢) (إِلَيْهِمْ) الى الّذين دينهم ما ذكرت ، اهتمّ بأمر الدّين فلم يقل إليها (ثُمَّ تَوَلَ) تنحّ (عَنْهُمْ) متواريا قريبا منهم (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أي بعضهم الى بعض من القول.

فذهب به وأتاها وكانت مستلقية في بيت مغلق الأبواب ، فدخل من كوّة وألقاه على نحرها. وقيل : أتاها وجندها حولها وألقاه في حجرها فلمّا قرأته : (٣)

[٢٩] ـ (قالَتْ) ـ لأشراف قومها ـ : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي) وفتح «نافع» الياء (٤) (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) لكرم مرسله أو مضمونه ، أو لأنّه كان مختوما ، ثمّ كأنّه قيل لها ممّن الكتاب وما هو؟ فقالت :

[٣٠] ـ (إِنَّهُ) أي الكتاب أو عنوانه (مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) أي مضمونه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

[٣١] ـ (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) «أن» مفسّرة أو مصدريّة هي بصلتها خبر محذوف أي المقصود أن لا تعلوا (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) منقادين ، أو مؤمنين وقد اشتمل مع إيجازه على تمام المقصود من اثبات الصّانع وصفاته بالبسملة والنّهي عن التّكبّر والأمر

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص بسكون الهاء ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراآت : ٥٢٨.

(٣) معناه في تفسير مجمع البيان ٤ : ٢١٩ ـ عن وهب وابن زيد ـ.

(٤) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٠.

٤٥٢

بالانقياد ، كلّ ذلك بعد اظهار المعجز برسالة الهدهد.

[٣٢] ـ (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي) أجيبوني بما عندكم من الرّأي (فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً) قاضية (أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) تحضرون ملاطفة لهم ليقوموا معها.

[٣٣] ـ (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) بأجسادنا وعددنا (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) شجاعة ونجدة (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) مفوّض (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) من حرب أو صلح نطعك.

ولمّا لاح من ادّعائهم القوّة والشّجاعة أي ميلهم الى الحرب زيّفته وأرتهم أنّ الأصوب : الصّلح.

[٣٤] ـ (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) عنوة وقهرا (أَفْسَدُوها) خرّبوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) أهانوهم بالقتل والأسر ونهب الأموال (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) تقرير لما وصفتهم به بأنّ هذه عادتهم المستمرّة ، أو تصديق لها من الله تعالى.

[٣٥] ـ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) رسلا (بِهَدِيَّةٍ) أصانعه بها عن ملكي (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) من حاله ، فأعمل بحسبه ، فأرسلت «منذر بن عمرو» في جمع بهديّة منها غلمان في زيّ الجواري وجواري في زيّ الغلمان وحقّا (١) فيه درّة عذراء وجزعة معوّجة الثّقب وقالت :

ان كان نبيّا ميّز الغلمان عن الجواري وثقب الدرّة وسلك في الجزعة خيطا ، فلمّا دنوا بهرهم ما رأوا من عظمة شأنه ، وكان جبرئيل أعلمه الحال فوقفوا بين يديه فأخبر بما في الحق وأمر ارضة فثقبت الدرّة وأمر دودة فأخذت خيطا ونفذت في الجزعة وأمر بالماء فكانت الجارية تأخذه بيد فتفرغه في الاخرى فتضرب به وجهها ، ثم ردّ الهدية.

[٣٦] ـ (فَلَمَّا جاءَ) الرّسول بما معه (سُلَيْمانَ قالَ) إنكارا : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) وشدّد النّون «حمزة» و «يعقوب» وأثبت «ابن كثير» و «حمزة» «الياء» مطلقا و «نافع»

__________________

(١) كذا في تفسير البيضاوي وفي النسخ : «حق» ، والحقة : وعاء من خشب للطيب ونحوه.

٤٥٣

و «أبو عمرو» وصلا (١) (فَما آتانِيَ اللهُ) من النّبوّة والكمالات ، والقراءة بإثبات الياء مفتوحة وصلا وساكنة وقفا أو حذفها وقفا أو مطلقا (٢) (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) من حظّ الدّنيا ، تعليل للإنكار ، ثمّ أضرب عن ذلك الى بيان السّبب الّذي حملهم عليه فقال : (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ) بما يهدى إليكم (تَفْرَحُونَ) حبّا لزيادة المال لقصر هممكم عليه أو بما تهدونه لتفخروا به على الملوك.

[٣٧] ـ (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) بما جئت به من الهديّة (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ) لا طاقة (لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) من سبأ (أَذِلَّةً) بذهاب عزّهم (وَهُمْ صاغِرُونَ) بأسر واهانة إن لم يأتوا مسلمين.

ولمّا رجع إليها الرّسول عرفت انّه نبيّ ولا طاقة لهم به ، فشخصت إليه في جندها وغلّقت على عرشها الأبواب ووكّلت به الحرّاس ، ولعلّه اوحى إليه ذلك فأراد أن يريها بعض ما خصّه الله به من المعجزات تقريرا لنبوّته فلذلك :

[٣٨] ـ (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) إذ لا يحلّ لي أخذه إذا أسلمت.

[٣٩] ـ (قالَ عِفْرِيتٌ) مارد قوىّ (مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ) فعل أو اسم وكذا الآتي (بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) مجلسك للحكم ، ومدّته نصف نهار (وَإِنِّي عَلَيْهِ) على حمله (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) على ما فيه من جوهر وغيره.

[٤٠] ـ (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) الكتب المنزلة «آصف بن برخيا» وزيره ، كان صدّيقا ، يعلم اسم الله الأعظم ، أو الخضر ، أو جبرائيل ، أو سليمان كأنّه استبطأه فقال له : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٢٨ و ٥٢٩.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٠.

٤٥٤

الطّرف : تحريك الأجفان للنظر ، فوضع موضعه (١) ولمّا كان النّاظر يوصف بإرساله وصف بردّه والطّرف بالارتداد ، والمعنى أنّك ترسل طرفك الى شيء فقبل ان تردّه احضر عرشها عندك ، وهو مثل في السّرعة ، قال له : انظر فنظر يمينا (٢) ودعا آصف فغار العرش في مكانه فنبع عنده (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا) ساكنا (عِنْدَهُ قالَ) ـ شكرا ـ : (هذا) أي تيسير احضاره في اقصر مدة من مسيرة شهرين معجزة لي (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) عليّ (لِيَبْلُوَنِي) ليختبرني ، وفتح «نافع» «الياء» (٣) (أَأَشْكُرُ) باعترافي بنعمته وأداء حقّها (أَمْ أَكْفُرُ) بها (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لاستدامته لها به النّعمة واستزادتها وحطّه عنها عبء الواجب (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عن شكره وغيره (كَرِيمٌ) يعطيه مع كفره.

[٤١] ـ (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) بتغيير هيئته اختبارا لعقلها إذ رميت بسخفه (نَنْظُرْ) جواب «نكّروا» (أَتَهْتَدِي) لمعرفته أو للجواب الصّائب أو للإيمان إذا رأت سبقه وقد خلقته مستحفظة عليه (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) أبلغ من «أم لا تهتدى».

[٤٢] ـ (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) تشبيها عليها (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) عرفت لكن لوفور عقلها لم تقل هو هو ، لجواز كونه مثله (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) قاله «سليمان» عطفا على مقدّر كأنّه قيل عند جوابها هي عاقلة وقد عرفت قدرة الله تعالى وآمنت به وبنبيّه ، أي : وأوتينا العلم بالله وقدرته قبلها وكنّا مخلصين له.

أو من كلامها أي وأوتينا العلم بقدرة الله وصحّة نبوّة «سليمان» من قبل هذه المعجزة أو الحالة بما سبق من المعجزات.

__________________

(١) اي وضع الطرف موضع الأجفان.

(٢) في «ج» يمينا وشمالا.

(٣) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٠.

٤٥٥

[٤٣] ـ (وَصَدَّها) قبل ذلك عن الإسلام (ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي عبادة الشمس ، أو صدّها الله أو «سليمان» عن عبادتها (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) نشأت بين أظهرهم.

[٤٤] ـ (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) القصر ، أو صحن الدّار ، وقد امر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من زجاج أبيض ، وأجرى تحته ماء فيه سمك ، فجلس في صدره على سريره ، قصد به تهويل مجلسه ، أو تعرّف ما قيل له من أنّ رجلها كرجل حمار (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) ماء غامرا (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) لتخوضه فوجدها أحسن النّاس ساقا وقدما إلّا انها شعراء ، فأمر الجنّ فعملت لها النّورة (قالَ) ـ لها ـ : (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ) مملّس (مِنْ قَوارِيرَ) من زجاج (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادة الشّمس ، أو بظنّي بسليمان انّه يغرقني في الماء (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فتزوّجها وأقرّها على ملكها ، وكان يزورها في كل شهر مرّة فيقيم عندها ثلاثة أيّام ، وقيل زوّجها «ذا تبّع» ملك همدان (١).

[٤٥] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ) بأن (اعْبُدُوا اللهَ) وحده (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) فريق مؤمن وفريق كافر (يَخْتَصِمُونَ) في الدّين والواو للمجموع.

[٤٦] ـ (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) بالعذاب بقولكم : (ائْتِنا بِما تَعِدُنا) ، (٢) (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) قبل الثواب وقد مكّنتم من التّوصّل إليها بأن تؤمنوا (لَوْ لا) هلّا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بأن تتوبوا فلا تعذّبون.

[٤٧] ـ (قالُوا اطَّيَّرْنا) تطيّرنا ، أدغمت «التّاء» في «الطّاء» ووصل بهمزة أي : تشاءمنا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) وباتباعك وكانوا قد قحطوا (قالَ طائِرُكُمْ) سبب شؤمكم (عِنْدَ اللهِ) وهو قدره أو عملكم المثبت عنده (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) تختبرون

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٣ : ٣٧٠ ـ وتفسير البيضاوي ٣ : ٢٧١.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٧٠ وهو قوله تعالى : «فأتنا بما تعدنا».

٤٥٦

بالرّخاء والشّدّة أو تعذّبون.

[٤٨] ـ (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) ميّز به التّسعة لأنّه بمعنى الجمع وهو من الثّلاثة الى العشرة أي تسعة رجال (١) (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) لا يخلطون افسادهم بصلاح.

[٤٩] ـ (قالُوا) فيما بينهم (تَقاسَمُوا بِاللهِ) أمر ، أو خبر ، بدل أو حال بتقدير «قد» (لَنُبَيِّتَنَّهُ) بالنّون على التكلّم أي لنقتلنّ صالحا (وَأَهْلَهُ) ليلا ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالتّاء على خطاب بعضهم بعضا (٢) (ثُمَّ لَنَقُولَنَ) بالقرائتين (لِوَلِيِّهِ) لوليّ دمه (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ) (٣) (أَهْلِهِ) بضمّ الميم ، مصدر أو زمان أو مكان من أهلك ، وفتحه «أبو بكر» من هلك وكسر «حفص» اللّام (٤) كمطلع أي لا ندري من قتلهم (وَإِنَّا) والحال انّا (لَصادِقُونَ) إذ الشاهد غير المباشر ـ بزعمهم ـ ، أو : ونقسم انّا لصادقون.

[٥٠] ـ (وَمَكَرُوا مَكْراً) بهذا التّدبير (وَمَكَرْنا مَكْراً) بمجازاتهم بإهلاكهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بذلك.

قيل : كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلّى فيه ، فقالوا زعم انّه يفرغ منّا الى ثلاث ، فنفزغ منه ومن أهله قبلها ، فقصدوا الشّعب ليقتلوه ، فوقعت صخرة فطبقت عليهم فم الشّعب فهلكوا ثمّة وهلك قومهم بالصّيحة في ديارهم (٥) كما قال :

[٥١] ـ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا) (٦) (دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) «كيف»

__________________

(١) في «ج» : زيادة : الذين.

(٢) حجة القراآت : ٥٣٠.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «مهلك» بفتح الميم وكسر اللام.

(٤) حجة القراآت : ٥٣١.

(٥) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ٢٧١.

(٦) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «أنّا» ـ بفتح الهمزة ـ.

٤٥٧

خبر «كان» و «انّا دمّرناهم» استئناف ، وان تمّت «كان» ف «كيف» حال ، وفتح «الكوفيون» «انا» خبر محذوف أو بدلا من اسم «كان» أو خبرا لها و «كيف» حال (١).

[٥٢] ـ (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) خالية ، أو ساقطة ، حال عاملها الإشارة (بِما ظَلَمُوا) بظلمهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) لعبرة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فيعتبرون.

[٥٣] ـ (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) صالحا ومن معه (وَكانُوا يَتَّقُونَ) الشّرك والمعاصي.

[٥٤] ـ (وَلُوطاً) واذكر «لوطا» أو وأرسلنا «لوطا» بقرينة سبق أرسلنا (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) بدل على الأوّل وظرف على الثّاني (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) اللواط (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) تعلمون فحشها ، من بصر القلب ، والقبيح من العالم به أقبح ، أو يبصرها بعضكم من بعض خلاعة فهي أفحش.

[٥٥] ـ (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) بيان ل «فاحشة» (شَهْوَةً) علّة تقرّر قبحه (مِنْ دُونِ النِّساءِ) اللّاتي خلقهنّ لكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) عاقبتها أو تفعلون فعل من يجهل فحشها أو سفيه لا يميّز حسنا ، من قبيح ووصف قوم به لأنّه مخاطب معنى.

[٥٦] ـ (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) يتنزّهون عن أفعالنا.

[٥٧] ـ (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) قدّرنا كونها (مِنَ الْغابِرِينَ) الباقين في العذاب.

[٥٨] ـ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) هو الحجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) مطرهم.

[٥٩] ـ (قُلِ) يا «محمّد» (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إهلاك كفرة الأمم الماضية ونصر رسله عليهم (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) اختارهم حججا على خلقه

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٦٣.

٤٥٨

(آللهُ خَيْرٌ) لمن يعبده (أَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) به ، يا أهل مكّة من الأصنام لعبدتها.

الزام لهم وتهكّم بهم إذ لا خير فيما اشركوه أصلا حتى يوازن بمن هو مبدأ كلّ خير ، وقرأ «عاصم» و «أبو عمرو» بالياء (٢).

[٦٠] ـ (أَمَّنْ) بل أمن (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الّتي هي أظهر الحسيّات ومنشأ المنافع (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ) التفت الى التكلّم تأكيدا لاختصاص الإنبات به (حَدائِقَ) بساتين محوّطة (ذاتَ بَهْجَةٍ) حسن ونضارة (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أي لم تقدروا عليه (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يقدر على مثل ذلك أي لا اله معه (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) به غيره أو عن الحقّ.

[٦١] ـ (أَمَّنْ جَعَلَ) وما بعده بدل من «أمّن خلق» (الْأَرْضَ قَراراً) يستقرّ عليها النّاس والدّوابّ بتسويتها (وَجَعَلَ خِلالَها) وسطها (أَنْهاراً) جارية (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) جبالا ثبّتها لئلّا تميد (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) العذب والمالح (حاجِزاً) لهما أن يختلطا (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الحقّ لعدم تدبّرهم.

[٦٢] ـ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) المكروب الّذي ألجأه الضّرّ الى الله (إِذا دَعاهُ) بشرائط الدّعاء ف «لامه» جنسيّة لا استغراقيّة (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) يزيل عن عباده ما يسوئهم (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) أي فيها بتوارثكم سكناها والتّصرّف فيها ، قرنا بعد قرن (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي تتذكّرون نعمة تذكّرا قليلا و «ما» زائدة والقلّة بمعنى النّفي ، وقرأ «أبو عمرو» و «هشام» بالياء (٣).

[٦٣] ـ (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بالنّجوم وعلامات الأرض ، وظلماتهما ظلمات اللّيل فيهما أو مبهمات طرقهما (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يشركون».

(٢) حجة القراآت : ٥٣٣.

(٣) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٦٤ وحجة القراآت : ٥٣٤.

٤٥٩

قدّام المطر ، وسبق ما فيه من القراآت في «الأعراف» و «الفرقان» (١) (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ) الخالق (عَمَّا يُشْرِكُونَ) به من المخلوق.

[٦٤] ـ (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) لمّا ازيح عذرهم في انكار الإعادة بدلالة الإبداء وغيره عليها احتجّ بها عليهم (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بالمطر والنّبات (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يفعل شيئا ممّا ذكر (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجّتكم على انّ معه إلها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ذلك ، إذ ما لا برهان عليه باطل ومدّعيه كاذب.

[٦٥] ـ (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الملائكة والثّقلين و «من» موصولة أو موصوفة (الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) متّصل وأريد ب «من» فيهما من تعلّق علمه بهما ولو اجمالا لا من فيهما حقيقة ليعم الله وأولوا العلم من خلقه بالتّشكيك كالعالم والرّحيم ، فليس فيه سوء أدب بإيهام التّسوية بينه تعالى وبينهم.

أو منقطع ورفع مستثناه على لغة «تميم» والمعنى إن كان الله ممّن فيهما ، ففيهما من يعلم الغيب لكنّه ليس منهم فلا يعلمونه.

وفيه : انّ استثناء نقيض المقدّم لا ينتج فلا يلزم من امتناع كونه تعالى ممّن فيهما عدم علمهم الغيب (وَما يَشْعُرُونَ) الواو ل «من» أو للمشركين (أَيَّانَ) متى (يُبْعَثُونَ).

[٦٦] ـ (بَلِ ادَّارَكَ) تدارك ، أبدلت التّاء دالا وأدغمت في الدّال ووصل بهمزة أي تتابع واستحكم ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» «أدرك» ك «أكرم» (٢) أي انتهى وتكامل (عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) في شأنها أي حصل لهم بالحجج اسباب استحكام العلم وتكامله بأنّ القيامة كائنة وهم ينكرونه.

وقيل : وصفوا بالعلم تهكّما بهم (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) مع تمكّنهم من اليقين

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٧ ، وسورة الفرقان ٢٥ / ٤٨.

(٢) حجة القراآت : ٥٣٥.

٤٦٠