الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

مُسَخَّراتٍ) مذللات للطيران بأجنحتها (فِي جَوِّ السَّماءِ) الهواء البعيد من الأرض (ما يُمْسِكُهُنَ) عن السقوط (إِلَّا اللهُ) بقدرته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وهي خلقها بحيث يمكنها الطيران ، وخلق الجوّ بحيث يمكن الطيران فيه ، وإلهامها بسط الجناح وقبضه.

[٨٠] ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) موضعا تسكنون فيه مما يتخذ من الحجر والمدر (١) (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) القباب من الأدم أو ما يعم ، المتخذة من الشعر والصوف والوبر ، فإنها ممن جلودها لبنائها عليها (تَسْتَخِفُّونَها) للحمل والنقل (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) وقت رحلتكم. وسكن العين «الكوفيون» و «ابن عامر» ، وفتحها غيرهم (٢) (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) في مكان تنزلون فيه لا يثقل عليكم ضربها (وَمِنْ أَصْوافِها) أي الضّأن (وَأَوْبارِها) أي الإبل (وَأَشْعارِها) أي المعز (أَثاثاً) فرشا وأكسية (وَمَتاعاً) تتمتعون به (إِلى حِينٍ) تبلى فيه ، أو الى موتكم.

[٨١] ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) من الشجر والابنية وغيرها (ظِلالاً) تقيكم حرّ الشمس جمع «ظل» (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) تسكنون فيه من الكهوف والغيران ، (٣) جمع «كن» (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ) قمصانا من النبات وغيره (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أي والبرد ، دلّ أحد الضدين على الآخر فحذف أحدهما وخص بالذكر أهمهما عندهم (وَسَرابِيلَ) دروعا وجواشن (تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) حربكم ، أي بالطعن والضرب (كَذلِكَ) كما أنعم عليكم بهذه النعمة (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) في الدنيا ؛ بتدبير أموركم (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) تتفكرون في نعمته فتوحدونه وتنقادون لأمره.

[٨٢] ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن الإيمان فلا لوم عليك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد بلّغت.

__________________

(١) المدر : الطين العلك الذي لا يخالطه رمل.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٧٦.

(٣) الغيران : جمع غار.

١٨١

[٨٣] ـ (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ) يعترفون بأنها من عنده (ثُمَّ يُنْكِرُونَها) بإشراكهم وقولهم انها بشفاعة آلهتنا.

وقيل : «نعمة الله» : نبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفوها ثم أنكروها عنادا ، (١) و «ثم» استبعاد لإنكارهم بعد معرفتهم (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) المنكرون عنادا.

وذكر الأكثر لأنه يستعمل في الكل ولأن بعضهم لم تقم عليه الحجة كالمجانين وغير البلّغ.

[٨٤] ـ (وَيَوْمَ) واذكر ، أو : خوّفهم يوم (نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) هو نبيّها ، أو : إمام زمانها يشهد لها أو عليها يوم القيامة (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار.

ومعنى «ثم» انّ المنع من الكلام أصعب من الشهادة عليهم (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) لا يطلب منهم العتبى ، أي : الرجوع الى رضى الله.

[٨٥] ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (الْعَذابَ) النار (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يمهلون.

[٨٦] ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) الأصنام والشياطين (قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا) نعبدهم (مِنْ دُونِكَ) فحمّلهم بعض عذابنا (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) أي أنطقهم الله ، فقالوا لهم : (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) في قولكم اننا شركاء الله ، وانكم عبدتمونا ، وانما عبدتم أهواءكم كقوله : (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) (٢).

[٨٧] ـ (وَأَلْقَوْا) أي : المشركون (إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) أي استسلموا لحكمه (وَضَلَ) بطل (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أنّ آلهتهم تشفع لهم.

[٨٨] ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) النّاس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (زِدْناهُمْ عَذاباً) لصدّهم (فَوْقَ الْعَذابِ) لكفرهم (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) بإفسادهم بالصدّ.

__________________

(١) قاله السدي ـ كما في تفسير ابي الفتوح ٦ : ٢٣٣.

(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٦٣.

١٨٢

[٨٩] ـ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) هو نبيّهم ، أو امام زمانهم (وَجِئْنا بِكَ) يا محمّد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) أي أمتك.

قال الصادق عليه‌السلام : نزلت في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة ، في كل قرن منهم امام منّا شاهد عليهم ؛ ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهد علينا (١) (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن (تِبْياناً) بيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) من أمور الدين تفصيلا أو إجمالا بالإحالة الى بيان النبيّ وخلفاءه من آله المعصومين عليهم‌السلام (وَهُدىً وَرَحْمَةً) للناس ان اتبعوه (وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) لا غير.

[٩٠] ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) التوحيد والإنصاف بين الخلق (وَالْإِحْسانِ) أداء الفرائض ، أو التفضّل على النّاس أو ما يعمّ كل خير (وَإِيتاءِ) إعطاء (ذِي الْقُرْبى) الأقارب ، أو : قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو تخصيص بعد تعميم للاهتمام بهم (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) ما قبح من القول والفعل ، أو : الزنا (وَالْمُنْكَرِ) ما أنكره الشرع (وَالْبَغْيِ) الظلم والكبر (يَعِظُكُمْ) بالأمر بالخير والنهي عن الشر (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتذكرون أي تتعظون.

والآية جامعة لأصول التكاليف كلها ، فهي تصديق لكون القرآن بيانا لكل شيء.

وعن «ابن مسعود» : إن هذه أجمع آية للخير والشرّ في القرآن (٢).

[٩١] ـ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) وهو كلّ ما يجب الوفاء به ، وقيل : بالبيعة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) (إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) توثيقها باسم الله ، يقال «وكّد» و «أكّد» بقلب الواو همزة (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) شهيدا بالوفاء ، إذ الكفيل بالشيء : رقيب عليه (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من نقض ووفاء.

__________________

(١) روى معناه في تفسير البرهان ٢ : ٣٧٨ وراجع تفسير الآية ١٤٣ في سورة البقرة والآية (٤١) من سورة النساء.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ١٠٧.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ١٠٧.

١٨٣

[٩٢] ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) ما غزلته (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) إحكام له وفتل (أَنْكاثاً) حال أو مفعول ثان ل «نقضت» جمع : نكث ، وهو ما ينكث فتله.

ومعناه تشبيه الناقض بمن فعلت ذلك ، أو ب «ريطة» بنت عمرو القرشية وكانت خرقاء (١) هذا شأنها (تَتَّخِذُونَ) حال من فاعل «تكونوا» أي لا تكونوا مثلها متخذين (أَيْمانَكُمْ دَخَلاً) غدرا ومكرا ، وهو ما يدخل في الشيء للفساد (بَيْنَكُمْ أَنْ) أي ؛ لأن (تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) جماعة هي اكثر من جماعة ، كانوا إذا رأوا في أعادي حلفائهم شوكة نقضوا عهدهم وحالفوا أعاديهم فنهوا عنه (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يختبركم بالأمر بالوفاء ، أو بكونهم أدنى لينظر أتفون لله مع قلة المؤمنين أم تفترون بكثرة قريش (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) بإثابة المحق وتعذيب المبطل.

[٩٣] ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ) مشيئة إلجاء (لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي مهتدين (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) يخذله بسوء اختياره (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه لأنه من أهله (وَلَتُسْئَلُنَ) تبكيتا (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فتجازون به.

[٩٤] ـ (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) كرر تأكيدا (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) أي أقدامكم عن طريق الحق (بَعْدَ ثُبُوتِها) عليه وهو مثل لمن وقع في بلاء بعد عافية (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) العذاب في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي بصدّكم عن الوفاء.

أو : بصدّكم غيركم عنه لأنه يقتدى بسنتكم (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.

قال الصادق عليه‌السلام : هذه الآيات في ولاية علي عليه‌السلام وما كان من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «سلّموا عليه بإمرة المؤمنين» (٢).

[٩٥] ـ (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) تستبدلوا به عرضا يسيرا من الدنيا تنقضوه

__________________

(١) الخرقاء : الحمقاء.

(٢) يراجع تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٨٣.

١٨٤

لأجله (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من الثواب على الوفاء بالعهد (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من عرض الدنيا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلك فأوفوا.

[٩٦] ـ (ما عِنْدَكُمْ) من الدنيا (يَنْفَدُ) يفنى (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (باقٍ) لا ينقطع (وَلَنَجْزِيَنَ) (١) وقرأ «ابن كثير» و «عاصم» بالنون (٢) (الَّذِينَ صَبَرُوا) على مشاق التكاليف (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) بالواجبات والمندوبات أو بجزاء أحسن.

[٩٧] ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إذ لا ثواب لعمل غيره. (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) هي الرزق الحلال والقناعة في الدنيا أو حياة الجنة (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الطاعة.

[٩٨] ـ (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) أي أردت قراءته (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) فاسأل الله أن يعيذك من أن يوسوسك ويغلّطك في القراءة بأن تقول : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

وعن «ابن مسعود» : قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» فقال قل : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» هكذا أقرأنيه جبرئيل عن القلم عن اللوح المحفوظ (٣).

وظاهرها وجوب الاستعاذة لكل قراءة ، ولم نجد به قائلا سوى أبي علي ابن الشيخ الطوسي ، فإنه أوجبها في أول ركعة للآية ، ولا دلالة لها عليه بخصوصه فتبقى على عمومها.

وتحمل على الندب للأصل ، وعدم القائل بتعميم الوجوب ، وبعد وجوبها

__________________

(١) في المصحف الشريف «لنجزينّ».

(٢) حجة القراآت : ٣٩٣.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ١٠٨.

١٨٥

لمندوب القراءة.

[٩٩] ـ (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) تسلّط (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فإنهم لا يطيعونه.

[١٠٠] ـ (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) يطيعونه (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ) بسببه أو بالله (مُشْرِكُونَ).

[١٠١] ـ (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) بالنسخ فأثبتنا الناسخة مكان المنسوخة لفظا أو حكما لمصلحة العباد. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) أي بمصالحه بحسب الأوقات ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» «ينزل» ، (١) من الإنزال (قالُوا) أي : الكفار ـ وهو جواب «إذا» ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) كذّاب على الله ، تأمر بشيء ثم تنهى عنه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فوائد النسخ.

[١٠٢] ـ (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) جبرئيل ، والإضافة للمبالغة كحاتم الجود وخفف «ابن كثير» «القدس» (٢) (مِنْ رَبِّكَ) متلبسا (بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) به على إيمانهم (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) معطوفان على محل «ليثبّت» أي تثبيتا وإرشادا وبشارة.

[١٠٣] ـ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ) القرآن (بَشَرٌ) هو «عائش» غلام «خويطب بن عبد العزى» قد أسلم وكان صاحب كتب.

وقيل : «بلعام» كان قينا بمكة روميا (٣) نصرانيا ، وقيل : سلمان الفارسي (٤) (لِسانُ) لغة (الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) يميلون قولهم عن الاستقامة إليه. وفتح «حمزة»

__________________

(١) بسكون النون وتخفيف الزاي ـ كما في اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٨٩ ـ.

(٢) كتاب السبعة في القراآت : ٣٧٥.

(٣) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٨٦ ـ وقين الحديد أي سوّاه.

(٤) قاله الضحاك ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٨٦ ـ.

١٨٦

و «الكسائي» الياء والحاء (١) (أَعْجَمِيٌ) غير بيّن (وَهذا) القرآن (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) ذو فصاحة وبيان ، فكيف يعلمه أعجمي.

[١٠٤] ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي أنها من عنده (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) الى الجنة أو لا يثبتهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بكفرهم بالقرآن.

[١٠٥] ـ (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) لأنهم لا يخشون عقابا (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) في قولهم : «انما أنت مفتر» أو الكاملون في الكذب ، لا أنت.

[١٠٦] ـ (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) بدل من «الذين لا يؤمنون» أو من «أولئك» أو من «الكاذبون» أو ذم مرفوع أو منصوب أو مبتدأ أو شرط ، والخبر أو الجزاء يدل عليه «فعليهم غضب» (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على كلمة الكفر فقالها (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ثابت عليه (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) فتحه أي طابت نفسه به (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) قيل : أكره قريش جماعة على الارتداد منهم «عمار» وأبواه ، فقتلوا أبويه ، واعطاهم بلسانه ما أرادوا مكرها.

فقال قوم : كفر عمار ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلا أنه ملئ إيمانا من قرنه الى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتاه عمار يبكي فمسح عينيه ، وقال : ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ، فنزلت (٢).

[١٠٧] ـ (ذلِكَ) الوعيد لهم (بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا) آثروها (عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَ) وبسبب أنّ (اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) يخذلهم بكفرهم.

[١٠٨] ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) أسند إليه تعالى الطبع مجازا عن منعهم اللطف حين أبوا قبول الحق وأعرضوا عنه (وَأُولئِكَ هُمُ

__________________

(١) كتاب السبعة في القراآت : ٣٧٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ وتفسير البيضاوي ٣ : ١٠٩.

١٨٧

الْغافِلُونَ) عما يراد بهم.

[١٠٩] ـ (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) إذ حرموا أنفسهم الجنة وجلبوا لها النار.

[١١١٠] ـ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) عذبوا ك «عمار» بالنصر ، (١) و «ثمّ» لتباعد حال هؤلاء من أولئك ، وفتحه «ابن عامر» (٢) أي فتنوا غيرهم ثم أسلموا وهاجروا (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على المشاق (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) بعد الفتنة (لَغَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) بهم.

[١١١] ـ (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) نصب ب «رحيم» أو ب «اذكر» (تُجادِلُ) تحاجّ (عَنْ نَفْسِها) ذاتها ، لا يهمها غيرها (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أي جزاءه (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في ذلك.

[١١٢] ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) وأبدل منه (قَرْيَةً) أي أهلها. قيل : هي مكة ، (٣) وقيل غيرها ، لأن المثل لها فهي غيرها (كانَتْ آمِنَةً) من المخاوف (مُطْمَئِنَّةً) قارّة بأهلها (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً) واسعا (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ناحية (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) بنعمه ، جمع نعمة. (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) استعير الذوق لإدراك أثر الشدّة واللباس لما غشيهم منها ؛ وأوقع الإذاقة عليه نظرا الى المستعار له ، وهو الإدراك ، فالمعنى عرّفها الله اثر لباس الجوع والخوف (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) بصنعهم.

[١١٣] ـ (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي أهل مكة ، ذكروا بعد ذكر مثلهم (رَسُولٌ مِنْهُمْ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) الجوع بالقحط والخوف من

__________________

(١) في «ألف» و «ب» : بالنصرة.

(٢) حجة القراآت : ٣٩٥.

(٣) جوامع الجامع ٢ : ٣١١.

١٨٨

الغارات أو ما نالهم ب «بدر» (وَهُمْ ظالِمُونَ) حال تلبسهم بالظلم.

[١١٤] ـ (فَكُلُوا) أي آمنوا فكلوا (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من الغنائم وغيرها (حَلالاً) حال مبيّنة لا مقيّدة ، إذ الرزق لا يكون إلّا حلالا ، وكذا (طَيِّباً) أي لا خبيثا ، ينفر عنه الطبع ، ويحتمل التقييد ، أي : لذيذا (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فإنه كما تجب عبادته يجب شكر نعمته.

[١١٥] ـ (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فسّر في البقرة (١). وحصر المحرمات في المعدودة بالإضافة الى ما حرموه على أنفسهم.

[١١٦] ـ (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) منتصب ب «تقولوا» (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بدل منه أي لا تقولوا الكذب هذا حلال وهذا حرام لما تصفه ألسنتكم ، أو مفعول «تقولوا» والكذب منتصب ب «تصف» و «ما» مصدرية ، أي : لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب ، أي : لا تحلوا وتحرّموا بقول ألسنتكم بغير دليل (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بنسبة ذلك إليه واللام للعاقبة (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) لا ينالون خيرا.

[١١٧] ـ (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي لهم ، أو : متاعهم متاع قليل زائل (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

[١١٨] ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي اليهود (حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) في الأنعام في آية (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ، (٢) (وَما ظَلَمْناهُمْ) بالتحريم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بمعاصيهم الموجبة لذلك.

[١١٩] ـ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ) المعاصي (بِجَهالَةٍ) أي جاهلين بالله

__________________

(١) في سورة البقرة : ٢ / ١٧٣.

(٢) في سورة الانعام : ٦ / ١٤٦.

١٨٩

وبعقابه (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) عملهم (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي التوبة (لَغَفُورٌ) لهم (رَحِيمٌ) بهم.

[١٢٠] ـ (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) لأنه جامع لخصال الكمال ، قائم بعلم أمة.

أو لأنه كان مؤمنا وحده والناس كفار ، أو لأنه مؤتمّ به في الخير ، لقوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١) (قانِتاً لِلَّهِ) مطيعا له (حَنِيفاً) مائلا الى الدين القيّم (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قط.

[١٢١] ـ (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) أي لقليلها فضلا عن كثيرها (اجْتَباهُ) اصطفاه (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) التوحيد.

[١٢٢] ـ (وَآتَيْناهُ) التفات من الغيبة (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) الرسالة والخلّة والثناء الحسن في أهل كل الأديان والأولاد الأبرار (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أهل الجنّة.

[١٢٣] ـ (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «ثم» للإيذان بأن أجلّ ما أوتي ابراهيم اتباع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملته أو لتراخي زمانه (٢) (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) في الدعاء الى التوحيد (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كرر ردّا على قريش وأهل الكتاب في زعمهم أنهم على دينه.

[١٢٤] ـ (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) فرض تعظيمه (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) على نبيهم وهم اليهود ، أمروا بتعظيم الجمعة فأبوا إلّا السبت فالزموه وشدد عليهم فيه.

أو إنما جعل وبال السبت أي المسخ على الذين اختلفوا فيه ، فحرموا الصيد فيه ، ثم أحلوه بما احتالوا له (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإثابة المطيع وتعذيب العاصي.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٢٤.

(٢) اي : ان «ثم» لتراخي زمانه.

١٩٠

[١٢٥] ـ (ادْعُ) الثقلين (إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) دينه (بِالْحِكْمَةِ) بالحجج الكاشفة عنه (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) الأقوال المقبولة المقنعة في الترغيب والترهيب (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وناظرهم بالطريقة التي هي أحسن طرق المناظرة ، كالرفق واللين في النصح (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فهو يجازيهم.

[١٢٦] ـ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) أردتم عقوبة جان ، قصاصا (فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) لا تزيدوا عليه.

قيل لما مثّل المشركون بحمزة وقتلى أحد ، قال المسلمون : «لئن أمكننا الله منهم لنمثلنّ بالأحياء فضلا عن الأموات» فنزلت (١).

وقيل : هي عامة في كل ظلم كغصب ونحوه (٢) وهو الظاهر لأن خصوص السبب لا يخصص ، وفي «ان عاقبتم» تعريض بحسن العفو ، وعقبه ببعض التصريح بقوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) عن المؤاخذة (لَهُوَ) أي الصبر (خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) منها.

ثم صرح بأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به لأنه الأحق به ، فقال :

[١٢٧] ـ (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) بتوفيقه (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) على المشركين حرصا على إيمانهم أو على قتلى احد (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) في ضيق صدر من مكرهم. وكسر «ابن كثير» الضاد ، (٣) وقيل : المفتوح مخفف ضيق (٤).

[١٢٨] ـ (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) معاصيه (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) بطاعاته بالنصرة والحفظ.

__________________

(١) قاله الشعبي وقتادة وعطاء بن يسار ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٣ ـ.

(٢) قاله مجاهد وابن سيرين وابراهيم ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٣ ـ.

(٣) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٩١.

(٤) انظر تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٢.

١٩١
١٩٢

سورة الإسراء

[١٧]

مائة وعشر آيات مكية ، وقيل : إلّا (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) (١) الآيات الثمان

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (سُبْحانَ) مصدر ، كغفران ، أو اسم للتسبيح أي التّنزيه ، نصب بإضمار فعله ، اتي به تنزيها له تعالى عمّا لا يليق به (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لَيْلاً) ظرف للإسراء وهو سير اللّيل كالسّرى.

وفائدة ذكره ، التنبيه بتنكيره على تقليل مدّة الإسراء (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بعينه ، أو من مكّة ، إذ روي انّ الحرم كلّه مسجد ، (٢) وعليه الأكثر.

قالوا : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيت «امّ هاني» (٣) فأسري به ورجع من ليلته وقصّ القصّة عليها وقال : مثّل لي النبيّون ، فصلّيت بهم ، ثمّ خرج الى المسجد

__________________

(١) قاله قتادة والمعدل عن ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٣ ـ.

(٢) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير الكشّاف ٢ : ٦٤٧ ، وفي تفسير التبيان ٦ : ٤٤٦ : انّ القائلة هي : أم هاني.

(٣) تفسير التبيان ٦ / ٤٤٦.

١٩٣

فأخبر به قريشا ، فتعجّبوا منه وكذّبوه وارتدّ بعض من آمن به ، فاستوصفه جماعة سافروا الى بيت المقدس فجلّي له ، فجعل يلحظه ويصفه لهم ، فقالوا : امّا الوصف فقد أصاب فيه ، فسألوه عن عيرهم ، فأخبرهم بأحوالها وقال : تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس ، فخرجوا الى الثنيّة (١) فصادفوها كما أخبر ، ولم يؤمنوا ، وكان ذلك قبل الهجرة بسنة.

والأكثر على انّه اسري بجسده الى بيت المقدس ثم عرج به الى السّماء حتّى وصل الى سدرة المنتهى.

وقيل : اسري بروحه في المنام لا بجسده ، (٢) استحالة له.

ويدفعه : انّه داخل تحت قدرة الله تعالى فلا يمتنع ، وانّ خرق العادة من لوازم المعجزات (٣). (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) بيت المقدس لبعد ما بينهما (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) في الدّين والدّنيا بجعله مقرّ الأنبياء ومهبط الملائكة ، وحفّه بالأشجار والأنهار ، وفيه التفات من الغيبة (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) العجيبة كبلوغه بيت المقدس وما رأي فيه وعروجه الى السماء وما شاهد هناك ، ورجوعه في بعض ليلة (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوال رسوله (الْبَصِيرُ) بأفعاله ، فأكرمه بهذه الكرامة.

[٢] ـ (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا) «أن» مفسرة أو زائدة (٤) والقول مضمر ، وقرأ «أبو عمرو» بالياء ، أي : لئلا «يتخذوا» (٥) (مِنْ دُونِي وَكِيلاً) تكلون إليه أمركم.

__________________

(١) الثنيّة مؤنّث الثنى والعقبة او طريقها والجبل او الطريقة فيها او اليه.

(٢) قاله معاوية وعائشة ـ كما في تفسير الكشّاف ٢ : ٦٤٧ ـ.

(٣) قرر علماء الطائفة في المعراج انه كان في اليقظة وبجسمه الشريف وصرح بذلك الشيخ الطوسي في تفسير التبيان ٦ : ٤٤٦ ، والطبرسي في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٥ ، وغيرهما.

(٤) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٤ وحجة القراآت : ٣٩٦.

(٥) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٤ وحجة القراآت : ٣٩٦.

١٩٤

[٣] ـ (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) من بنيه الثّلاثة ، إذ النّاس كلّهم ذرّيّتهم وهو منادى على قراءة التّاء ومنتصب على الإختصاص على قراءة الياء ، أو على انّه أحد مفعولي «لا تتخذوا» على القراءتين (إِنَّهُ) أي نوحا (كانَ عَبْداً شَكُوراً) كثير الشّكر لنا ، حامدا في كلّ حال.

[٤] ـ (وَقَضَيْنا) أوحينا (إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) التوراة (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ) جواب قسم محذوف (مَرَّتَيْنِ) أولاهما قتل «شعيا» وثانيتهما قتل «زكريّا» و «يحيى» (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) لتعتن عتوّا عظيما.

[٥] ـ (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) وعد عقاب اولى المرتين (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) «بخت نصر» أو «جالوت» أي خلّيناهم وايّاكم (أُولِي بَأْسٍ) بطش في الحرب (شَدِيدٍ فَجاسُوا) تردّدوا يطلبونكم (خِلالَ الدِّيارِ) وسطها ، فقتلوا كباركم وسبّوا صغاركم وأحرقوا التوراة وخرّبوا المسجد (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) كائنا لا خلف فيه.

[٦] ـ (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ) الدّولة (عَلَيْهِمْ) على المبعوثين بتسخير بعض ملوك الفرس لكم فردّكم الى «الشّام» واستولى على اتباع «بخت نصر» أو بتسليط «داود» على «جالوت» فقتله (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) عددا أي من ينفر معهم.

[٧] ـ (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) لأنّ ثوابه لها (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) العقوبة (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) وعد عقاب المرّة الآخرة (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) أي بعثناهم ليجعلوا وجوهكم ظاهرة فيها آثار المساءة ، وقرأ «أبو بكر» و «ابن عامر» و «حمزة» «ليسوء» موحّدا ، وفاعله الوعد أو البعث أو الله. ويؤيّده قراءة ، «الكسائي» بالنون (١) (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) «بيت المقدس» فيخربوه (كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا) ليهلكوا (ما عَلَوْا) ما غلبوا عليه أو مدّة علوّهم (تَتْبِيراً) وذلك بعد أن قتلوا «يحيى»

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٩٧ وحجة القراآت : ٣٩٧ / ٣٩٨.

١٩٥

وبقي دمه يغلى ، فسلّط الله عليهم الفرس ، فقتلوا منهم الوفا وسبّوا ذراريهم وخرّبوا «بيت المقدس» (١).

[٨] ـ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) بعد المرّة الثانية إن تبتم (وَإِنْ عُدْتُمْ) الى الفساد (عُدْنا) الى عقوبتكم ، وقد عادوا بتكذيب «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسلّط عليهم (٢) بقتل «قريظة» واجلاء «النّضير» وضرب الجزية عليهم (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) سجنا ومجلسا.

[٩] ـ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي) للطّريقة التي (هِيَ أَقْوَمُ) أعدل الطّرق.

(وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) وخفّف «حمزة» و «الكسائي» «يبشّر» (٣).

[١٠] ـ (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) عطف على «أنّ لهم» أي يبشّرهم بثوابهم وعقاب أعدائهم أو على «يبشّر» بتقدير يخبر (أَعْتَدْنا) هيّأنا (لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

[١١] ـ (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ) على نفسه وأهله ضجرا (دُعاءَهُ) كدعائه له (بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ) أي جنسه (عَجُولاً) بالدّعاء بالشّرّ ، لم ينظر عاقبته.

وقيل : أريد به «آدم» عليه‌السلام فإنّه لمّا انتهى الرّوح الى سرّته أخذ لينهض فوقع (٤).

[١٢] ـ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) دالّتين على قدرتنا وعلمنا (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) الآية التي هي اللّيل أي طمسنا نورها بالظّلام (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ) الآية التي هي النّهار (مُبْصِرَةً) مضيئة ، أو مبصرا فيها.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٠٠ مع اختلاف يسير.

(٢) في «ج» : فسلّط الله عليهم.

(٣) تفسير التبيان ٦ : ٤٥٤ وتفسير البيضاوي ٣ : ١١٤.

(٤) تفسير التبيان ٦ : ٤٥٤ وتفسير البيضاوي ٣ : ١١٤.

١٩٦

وقيل : بتقدير مضاف أي وجعلنا نيّري اللّيل والنّهار آيتين ، (١) فمحونا آية اللّيل وهي القمر بجعلها غير ذات شعاع ترى الأشياء فيه أو بالكلف الّذي فيه.

وجعلنا آية النّهار وهي الشمس ذات شعاع تبصر الأشياء بضوئها (لِتَبْتَغُوا) في النّهار (فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) بالتصرف في وجوه معاشكم (وَلِتَعْلَمُوا) بهما (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) للأوقات (وَكُلَّ شَيْءٍ) تحتاجون إليه من أمر الدّين والدّنيا (فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) بيّنّاه تبيينا.

[١٣] ـ (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) عمله من خير وشر (فِي عُنُقِهِ) لزوم الطّوق في عنقه (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) مكتوبا ، هو صحيفة عمله (يَلْقاهُ مَنْشُوراً) صفتان للكتاب ، أو «يلقاه» صفته ، و «منشورا» حال من الهاء ، (٢).

وبناه «ابن عامر» للمفعول مشدّدا (٣).

[١٤] ـ (اقْرَأْ كِتابَكَ) بتقدير القول (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) محاسبا ، ولقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك.

[١٥] ـ (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) لا يعود نفع اهتدائه وضرر ضلاله إلّا إليه (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) لا تحمل نفس حاملة (وِزْرَ) حمل نفس (أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) احتجّ به على انّه لا وجوب قبل الشرع.

وردّ بأنّه لا يثبت الوجوب الشرعي ما لم يثبت الوجوب العقلي.

فالآية مخصوصة بالسّمعيّات وأريد نفي التعذيب عفوا ، وأريد بالرّسول : العقل.

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ١١٤ ـ ١١٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٠٢.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٠٢ ـ حجة القراآت : ٣٩٨ وفيه : قرأ ابن عامر : «كتابا يلقّاه منشورا» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.

١٩٧

[١٦] ـ (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) أي أهلها بعد قيام الحجّة عليهم أو إذا دنا وقت إهلاكهم كقولهم : إذا أراد العليل أن يموت خلط في مأكله ، فإرادة إهلاكهم مجاز عن دنوّه (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) منعميها أي رؤسائها بالطّاعة أمرا بعد أمر ، على لسان رسول بعثناه إليهم توكيدا للحجّة عليهم.

وخصّ المترفون لأنّ غيرهم تبع لهم (فَفَسَقُوا فِيها) فتمادوا في العصيان والخروج عن الطّاعة (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) الوعيد بانهماكهم في المعاصي (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) أهلكنا أهلها وخربناها.

[١٧] ـ (وَكَمْ) وكثيرا (أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ) الأمم ، بيان ل «كم» (مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) كعاد وغيرهم (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) عالما ببواطنها وظواهرها.

[١٨] ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) الدّنيا بعمله (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) التّعجيل له ، وهو بدل من «له» بإعادة الجارّ.

وقيّد بالمشيّة والإرادة لأن العبد لا يعطى كلّ ما يتمنّاه (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها) يدخلها (مَذْمُوماً) ملوما (مَدْحُوراً) مطرودا عن رحمة الله.

[١٩] ـ (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) حق السّعي لأجلها بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إذ لا نفع للعمل بدون الإيمان (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) مقبولا عند الله ، مثابا عليه.

[٢٠] ـ (كُلًّا) من كلّ واحد من الفريقين (نُمِدُّ) نعطي (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) بدل من «كلّا» (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) رزقه ، متعلق ب «نمدّ» (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ممنوعا في الدنيا من مؤمن ولا كافر.

[٢١] ـ (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في الرّزق والجاه (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ) أعظم (دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) من الدنيا ، فينبغي الرّغبة فيما هو أفضل وأبقى.

١٩٨

[٢٢] ـ (لا تَجْعَلْ) ايّها السّامع ، أو : الخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد امّته (١) (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ) فتصير (مَذْمُوماً) على لسان العقلاء (مَخْذُولاً) لا ناصر لك.

[٢٣] ـ (وَقَضى رَبُّكَ) أمر أمرا جزما (أَلَّا) أي بأن : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وجاز كون «أن» مفسّرة و «لا» للنّهي (وَبِالْوالِدَيْنِ) وأن تحسنوا بهما (إِحْساناً) عظيما (إِمَّا) «ان» الشّرطية ، أدغمت في «ما» الزائدة للتأكيد وأكّد بالنّون (يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما) والفاعل على قراءة «حمزة» و «الكسائي» : «يبلغانّ» هو بدل من الالف (٢) (أَوْ كِلاهُما) عطف عليه على الوجهين (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) فلا تضجر منهما ، وهو صوت يدلّ على تضجّر بمعنى مصدر ، أي : ؛ نتنا وقبحا ، مبنيّ على الكسر ، ونوّنه «نافع» و «حفص» تنكيرا ، وفتحه «ابن كثير» و «ابن عامر» (٣).

والمعنى : لا تؤذهما قليلا ولا كثيرا. وقيل : لا تتقذّرهما وأمط عنهما الأذى ، كما كانا يميطانه عنك حين كنت تخري وتبول (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : أدنى العقوق «افّ» ولو علم الله عزوجل شيئا أهون منه لنهى عنه (٥). (وَلا تَنْهَرْهُما) تزجرهما بإغلاظ (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) جميلا رفيقا.

[٢٤] ـ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) اضافة الجناح للذّل بيانيّة ، والمعنى اخفض لهما جناحك الذّليل ، أريد به المبالغة في التذلّل والتواضع لهما ، وضمّهما إليه كما يضمّ الطائر فرخه بخفض جناحه له (مِنَ الرَّحْمَةِ) من الرّقة عليهما

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٠٧ وتفسير البيضاوي ٣ : ١١٦.

(٢) حجة القراآت : ٣٩٩ ، وفي المصحف اوفّ.

(٣) حجة القراآت : ٣٩٩ ، وفي المصحف اوفّ.

(٤) قاله مجاهد كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٠٩.

(٥) تفسير نور الثقلين ٣ : ١٤٩ و ١٥١ وفيه : أيسر منه وورد الحديث في ارشاد القلوب للديلمي : ١٧٩ ، وانظر تفسير مجمع البيان ٣ : ٤٠٩.

١٩٩

(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) برحمتك الباقية ، فإنّها أنفع من رحمتي لهما (كَما رَبَّيانِي) كرحمتهما لي بتربيتهما ايّاي (صَغِيراً) فإنّي عاجز عن مكافاتهما ولا يقدر عليها سواك.

[٢٥] ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) بما تضمرون من برّ وعقوق (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) طائعين له (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) التّوابين عن تقصير (١) صدر منهم في حقّ الوالدين (غَفُوراً) أي لتقصيرهم أو لذنب كلّ تائب.

[٢٦] ـ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) من صلة الرحم بالمال والنّفس.

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : المراد به قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وانّ الآية لمّا نزلت ، أعطى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فدكا

ورواه «أبو سعيد» وغيره (٢) (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) بإنفاق المال في غير طاعة الله.

[٢٧] ـ (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) اتباعهم وعلى سنّتهم في الإسراف (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) شديد الكفر به ، فكذلك متّبعه المبذّر.

[٢٨] ـ (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) وان تعرض عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل إذ لا تجد ما تعطيهم (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) لطلب رزق منه تنظره أن يأتيك فتعطيهم منه (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ليّنا ، أي : عدهم وعدا جميلا ، أو ادع لهم باليسر ، مثل : يرزقنا الله وايّاكم.

[٢٩] ـ (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) لا تقبضها عن الإنفاق كلّ القبض (وَلا تَبْسُطْها) فيه (كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ) فتصير (مَلُوماً) بالإسراف عند الله وغيره (مَحْسُوراً) نادما أو منقطعا بك أو عريانا.

__________________

(١) في «ج» من تقصير.

(٢) تفسير القمي ٢ : ١٨ ، تفسير نور الثقلين ٣ : ١٥٥ وتفسير مجمع البيان ٣ : ٤١١.

٢٠٠