الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

والزّور من الزّور : الميل (١).

[٣١] ـ (حُنَفاءَ لِلَّهِ) موحّدين له (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) تأكيد ل «حنفاء» وهما حالان من «الواو» (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) أي فقد أهلك نفسه هلاك من سقط منها (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) تأخذه بسرعة ، فترفعه قطعا في حواصلها.

وشدّده «نافع» (٢) (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) تسقطه (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) بعيد ، و «أو» للإباحة في التّشبيهين.

[٣٢] ـ (ذلِكَ) أي الأمر ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) دينه أو مناسك الحجّ أو الهدايا ، ويعضده ظاهر ما بعده.

وتعظيمها : استحسانها والمغالاة بأثمانها (فَإِنَّها) فإنّ تعظيمها ناش (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أي قلوبهم.

[٣٣] ـ (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) درّها وظهرها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقت نحرها (ثُمَّ مَحِلُّها) مكان حلّ نحرها (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي ما يقرب منه.

قيل : هو الحرم كلّه (٣).

وعندنا انّه في الحجّ : منى ، وفي العمرة المفردة «مكّة» بالحزورة (٤).

ومن فسّرها بالدّين قال : لكم فيها منافع الثّواب مذخورا الى يوم القيامة ، ويؤوّل البيت العتيق بالمعمور أو الجنّة.

ومن فسّرها بالمناسك ، قال : لكم فيها منافع التّجارات الى وقت عودكم ، وانّها

__________________

(١) في تفسير البيضاوي ٣ : ٢٠٧ : والزور من الزور هو الأعراف ـ كما ان الإفك من الإفك وهو الصرف ، فان الكذب منحرف مصروف عن الواقع.

(٢) حجة القراآت : ٤٧٦.

(٣) تفسير مجمع البيان ٤ : ٨٤.

(٤) تقدم الكلام في الحزورة في الآية ٩٥ من سورة مائدة فيراجع.

٣٤١

تنتهي الى البيت بالتّحلّل بالطّواف به.

[٣٤] ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم (جَعَلْنا مَنْسَكاً) قربانا أو متعبّدا ، وكسره «حمزة» و «الكسائي» أي مكان نسك (١) (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) علّة للجعل تفيد أنّ الغرض من المناسك تذكّر المعبود (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) عند ذبحها ويفيد اختصاص القربان بها (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا شريك له فلا تذكروا على ذبائحكم إلّا اسمه (فَلَهُ أَسْلِمُوا) انقادوا (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) الخاضعين الخاشعين.

[٣٥] ـ (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) لهيبته (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) من المصائب (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في سبيل الخير.

[٣٦] ـ (وَالْبُدْنَ) الإبل ، جمع بدنة ، من بدن بدانة : ضخم ، ونصب بفعل يفسّره (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أعلام دينه (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) نفع دينيّ ودنيويّ (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) عند نحرها (صَوافَ) قائمات ، قد صففن ايديهنّ وارجلهنّ (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) سقطت الى الأرض أي ماتت بالنّحر (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ) الّذي يقنع بما يعطى (وَالْمُعْتَرَّ) المعترض بسؤال أو بدونه (كَذلِكَ) التّسخير أي هكذا (سَخَّرْناها لَكُمْ) مع ضخمها وقوّتها فتقودونها وتحبسونها ثم تنحرونها (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمنا عليكم.

[٣٧] ـ (لَنْ يَنالَ اللهَ) لن يصعد إليه (لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ) يصعد إليه (التَّقْوى مِنْكُمْ) الموجبة لإخلاص العمل لله وقبوله منه.

وقيل : كان أهل الجاهليّة يلطخون الكعبة بدماء قرابينهم قربة الى الله تعالى فنزلت (٢) (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ) كرّر ليعلّل بقوله : (لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ)

__________________

(١) حجة القراآت : ٤٧٦.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٢٠٨.

٣٤٢

أرشدكم لإعلام دينه ومناسك حجّة ، ولتضمّن «تكبّروا» معنى تشكروا ، تعلّقت به على : (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) أي الموحّدين.

[٣٨] ـ (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ) بصيغة المبالغة (١) للمبالغة ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» ، «يدفع» (٢) (عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) كيد المشركين (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) لله بإشراكه به (كَفُورٍ) جحود لنعمه أي لا يرضى عنهم.

[٣٩] ـ (أُذِنَ) وبناه «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» للفاعل ، أي : الله (٣) (لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) (٤) المشركين ، وحذف المأذون فيه لدلالته عليه ، وفتح التّاء «نافع» و «ابن عامر» و «حفص» أي : للّذين يقاتلهم المشركون (٥) (بِأَنَّهُمْ) بسبب انّهم (ظُلِمُوا) وهم المؤمنون.

كان المشركون يؤذونهم بضرب وغيره فيتظلّمون الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول لهم : اصبروا فإنّي لم اؤمر بالقتال ، حتّى هاجر ، فأنزلت وهي اوّل آية في القتال (٦) (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) عدة لهم بالنّصر.

[٤٠] ـ (الَّذِينَ أُخْرِجُوا) مدح مرفوع أو منصوب (مِنْ دِيارِهِمْ) مكّة (بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) أي بغير موجب سوى التّوحيد الموجب للإقرار لا الإخراج.

قال «الباقر» عليه‌السلام : نزلت في المهاجرين وجرت في آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) حجة القراآت : ٤٧٧.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ٢٠٨.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يقاتلون» بفتح التاء ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٥) حجة القراآت : ٤٧٨.

(٦) تفسير مجمع البيان ٤ : ٨٧.

٣٤٣

وسلّم ، اخرجوا وأخيفوا (١) (وَلَوْ لا دَفْعُ) وقرأ «نافع» و «دفاع» (٢) (اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ) بدل البعض من النّاس (بِبَعْضٍ) بنصر المسلمين على الكفّار (لَهُدِّمَتْ) وخفّفه «ابن كثير» و «نافع» (٣) (صَوامِعُ) للرّهبان (وَبِيَعٌ) كنائس للنّصارى (وَصَلَواتٌ) كنائس لليهود ، سمّيت بها لأنّها يصلّى فيها.

وقيل : هي بالعبريّة «صلوتا» فعرّبت (٤) (وَمَساجِدُ) للمسلمين (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) صفة للأربع بالنّظر الى ما قبل انحراف من انحرف ، أو للمساجد ، خصّت بها تشريفا.

وقيل : الكلّ اسماء للمساجد (٥) (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) ينصر دينه ، وقد أنجز وعده (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على النّصر (عَزِيزٌ) لا يغالب.

[٤١] ـ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) وصف ل «الذين اخرجوا» أو بدل من «من ينصره».

قال «الباقر» : نحن هم (٦) (أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) جواب الشرط وهو وجوابه صلة «الّذين» (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) لا يملكها في الآخرة سواه.

[٤٢] ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ) [٤٢] ـ (وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٨٧.

(٢) حجة القراآت : ٤٧٩.

(٣) حجة القراآت : ٤٧٩.

(٤) قاله ابن عباس والضحاك وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٨٧ ـ وفي تفسير البيضاوي ٣ : ٢٠٩ صلوثا.

(٥) تفسير مجمع البيان ٤ : ٨٧.

(٦) تفسير مجمع البيان ٤ : ٨٨.

٣٤٤

[٤٤] ـ (وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تكذيب قومه له بتكذيب تلك الأمم لرسلهم (وَكُذِّبَ مُوسى) كذّبه «القبط» لا قومه : بنو إسرائيل ، ولذا غيّر فيه النّظم (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) فأمهلتهم وأخّرت عقوبتهم (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) انكاري عليهم بالانتقام منهم بتكذيبهم ، واثبت «ورش» الياء حيث وقع (١).

[٤٥] ـ (فَكَأَيِّنْ) فكم (مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) وقرأ «أبو عمرو» : «أهلكتها» (٢) (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي أهلها بالكفر ، حال (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ساقطة حيطانها على سقوفها ، أو خالية مع بقاء سقوفها ، عطف على «أهلكناها» لا على الحال (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) عطف على «قرية» ، أي بئر متروكة بموت أهلها (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مجصّص أو : مرفوع هلك أهله فخلا.

[٤٦] ـ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ليتعرّفوا حال المكذّبين قبلهم فيعتبروا (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) ما أصاب أولئك بتكذيبهم (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) اخبار إهلاكهم سماع تدبّر (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) الهاء للقصّة ، أو مبهم يفسّره الأبصار وفاعل «تعمى» ضميره (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) أي لا عمى لأبصارهم ، وانّما العمى لقلوبهم عن الإعتبار ، وقيّد بالصّدور تأكيدا أو رفعا للتّجوّز.

[٤٧] ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) الّذي أوعدوه (٣) (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) بإنزاله وقد أنجزه يوم «بدر» (وَإِنَّ يَوْماً) من ايّام عذابهم (عِنْدَ رَبِّكَ) في الآخرة (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) في الدّنيا.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٢٤ و ١٢١.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٢٤ و ١٢١.

(٣) في «ج» العذاب الذي اوعدوه.

٣٤٥

وقيل : المراد بيان طول أناته باستقصاره المدّة الطّويلة ، (١) وقرأ «ابن كثير» و «حمزة» و «الكسائي» بياء الغيبة (٢).

[٤٨] ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها) المراد أهلها ، وعطف السّابق بالفاء لأنّه بدل من «فكيف كان نكير» وهذا بالواو لسوقه لبيان وقوع العذاب بهم وان أمهلوا كالجملتين قبله (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) مرجع الكلّ.

[٤٩] ـ (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) لما أنذركم به.

[٥٠] ـ (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) نعيم الجنّة ، فإنّه أفضل رزق.

[٥١] ـ (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) القرآن بالإبطال (مُعاجِزِينَ) المعاجزة :

المسابقة أي مسابقين لنا ، ظانّين أن يفوتونا. أو : يتمّ كيدهم ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» «معجّزين» مشدّدا حيث كان (٣) أي مثبطين من يتّبع الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ناسبيهم الى العجز (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) النّار.

[٥٢] ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) قيل : الرّسول من بعث بشريعة يبلّغها ، والنّبيّ يعمّه ومن يحفظها (٤).

وقيل : الرّسول من يأتيه الملك بالوحي ، والنّبيّ يعمّه ، ومن يوحى إليه بالمنام (٥).

وعن أهل البيت عليهم‌السلام نحوه (٦) (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) بقلبه امنية (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)

__________________

(١) تفسير التبيان ٧ : ٣٢٧.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٠ ـ وورد نظيره في تفسير التبيان ٧ : ٣٢٧ وحجة القراآت : ٤٨٠.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٠ وحجة القراآت : ٤٨٠.

(٤) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٠.

(٥) تفسير التبيان ٧ : ٣٢٩ وتفسير مجمع البيان ٤ : ٩١.

(٦) اصول الكافي ١ : ١٧٦.

٣٤٦

وسوس إليه فيها بالباطل يدعوه إليه (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) فيبطله ويزيله بعصمته وهدايته الى ما هو الحق (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) يثبت دلائله الداعية الى مخالفة الشّيطان (وَاللهُ عَلِيمٌ) بكلّ شيء (حَكِيمٌ) في تدبيره.

أو المعنى : إذا تمنّى أي قرأ ما يبلّغه قومه حرّفوه وزادوا فيه ونقصوا كما فعله اليهود.

وأسند الى الشّيطان لأنّه بتسويله ، فيزيل الله تحريفهم بإقامة حجة.

وهذا تسليه له حين افترى عليه المشركون ونسبوا الى قرآنه ما لم يكن فيها من المدح لآلهتهم يوافق تعليل تمكين الشّيطان من الإلقاء بقوله :

[٥٣] ـ (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) الدّال على ظهور الملقى للنّاس بخلاف الأوّل لخفاء تمنّي القلب فكيف يكون امتحانا (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) المشركين (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) أي الحزبين ، وضع موضع ضميرهم إيذانا بظلمهم (لَفِي شِقاقٍ) خلاف (بَعِيدٍ) عن الحقّ أو عن الرّسول وتبعته.

[٥٤] ـ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بتوحيد الله وحكمته (أَنَّهُ) أي القرآن (الْحَقُ) الّذي لا يأتيه الباطل منزلا (مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) يثبتوا على إيمانهم أو يزدادوا إيمانا (فَتُخْبِتَ) تخشع وتطمئن (لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) طريق مستو أي يثبتهم على الدّين أو يهديهم الى طريق الجنّة.

[٥٥] ـ (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) شك (مِنْهُ) من القرآن (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) القيامة (بَغْتَةً) فجأة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) يوم بدر.

سمّي به لأنّه لا خير فيه للكفّار كالرّيح العقيم الّتي لا تأتي بخير ، أو لأنّه لا مثل له ، لقتال الملائكة فيه ، أو : يوم القيامة لأنّه لا ليل ـ أو : لا مثل ـ له. ويراد بالسّاعة : أشراطها. أو : الموت.

[٥٦] ـ (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (لِلَّهِ) وحده (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) بين

٣٤٧

المؤمنين والكافرين بما بيّنه بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

[٥٧] ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) لهم ، لشدّته.

[٥٨] ـ (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) في طاعته من مكّة الى المدينة أو من أوطانهم في سرّية (ثُمَّ قُتِلُوا) في الجهاد ، وشدّده «ابن عامر» (١) (أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) نعيم الجنّة ، وسوّى بين من قتل ومن مات بالوعد لاستوائهما في النّيّة (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لانتهاء كلّ رزق إليه.

[٥٩] ـ (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً) بالضّمّ ، وفتحه «نافع» وهو مصدر أو اسم مكان (٢) (يَرْضَوْنَهُ) هو الجنّة (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بأحوالهم (حَلِيمٌ) لا يعجّل العقوبة.

[٦٠] ـ (ذلِكَ) الأمر ذلك (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) جازى من ظلمه بمثل ما ظلمه به.

وسمّى الابتداء بالظّلم عقوبة وهي الجزاء ، للازدواج (٣) (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) عاوده الظّالم بالظّلم (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) على الباغي (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) للمبغي عليه ، إذا انتصر وترك الاولى المندوب إليه وهو العفو.

[٦١] ـ (ذلِكَ) النّصر (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) بسبب انّه القادر الّذي من قدرته إدخال كلّ من الملوين (٤) في الآخر بالزّيادة والنقصان (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) للأقوال (بَصِيرٌ) بالأفعال.

[٦٢] ـ (ذلِكَ) الوصف بالقدرة والعلم (بِأَنَّ اللهَ) بسبب انّه (هُوَ الْحَقُ) الثّابت الإلهيّة المستلزمة للقدرة والعلم (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ) يعبدون ، وقرأ «نافع»

__________________

(١) حجة القراآت : ٤٨١.

(٢) حجة القراآت : ٤٨١.

(٣) الازدواج ـ في البديع ـ : تناسب المتجاورين ، نحو : من سباء بنبإ يقين (سورة النمل).

(٤) الملوان : اللّيل والنهار.

٣٤٨

و «ابن عامر» و «أبو بكر» بتاء الخطاب للمشركين (١) (مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) الزّائل المعدوم الإلهيّة (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) على كلّ شيء (الْكَبِيرُ) عن أن يعدله شيء.

[٦٣] ـ (أَلَمْ تَرَ) استفهام تقرير (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) بالنّبات ، وهذا من قدرته الكاملة ونعمته الشّاملة ، عطف بصيغة المضارع على «انزل» إيذانا ببقاء أثر المطر مدّة طويلة ، ولم ينصب جوابا لإيهامه نفي الاخضرار كقولك : ألم تر اني زرتك فتكرمني؟ والمراد إثباته (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) في أفعاله (خَبِيرٌ) بتدبير خلقه.

[٦٤] ـ (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُ) عن كل شيء (الْحَمِيدُ) المستحقّ الحمد لذاته.

[٦٥] ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من البهائم وغيرها ، ذلّلها لمنافعكم (وَالْفُلْكَ) عطف على «ما» (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) حال منها (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ) من أن أو كراهة أن (تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) بأن طبعها على الاستمساك (إِلَّا بِإِذْنِهِ) بمشيئته ، فإذا شاء أبطل استمساكها فتهبط (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث فعل لهم ما فيه منافع الدّارين.

[٦٦] ـ (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) بعد ان كنتم أمواتا جمادا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) عند بعثكم (إِنَّ الْإِنْسانَ) أي المشرك (لَكَفُورٌ) لجحود للنّعم بشركه.

[٦٧] ـ (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) بالقرائتين ، (٢) شريعة أو متعبّدا (هُمْ ناسِكُوهُ) عاملون به ، أو فيه (فَلا يُنازِعُنَّكَ) أي بقايا الأمم (فِي الْأَمْرِ) زجر لهم عن منازعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الدّين إذ كانوا يقولون ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٢ وحجة القراآت : ٤٨٢.

(٢) المتقدمين في الآية (٣٤) من هذه السورة.

٣٤٩

تأكلون ما قتل الله؟.

أو نهي له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن منازعتهم لتضمّن المفاعلة للعكس (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) الى دينه الّذي أنت عليه (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) دين قيّم.

[١٨] ـ (وَإِنْ جادَلُوكَ) بعد لزوم الحجّة (فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) من المراء وغيره ، فيجازيكم به ، وعيد برفق.

[٦٩] ـ (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) ايّها المؤمنون والكافرون (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من أمر الدّين بإثابة المحقّ وتعذيب المبطل.

[٧٠] ـ (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ومنه أمر هؤلاء (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) هو اللّوح المحفوظ (إِنَّ ذلِكَ) العلم به وكتبه في اللّوح (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لاستواء نسبة ذاته الى كلّ المعلومات والمقدورات.

[٧١] ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) حجّة على صحّة عبادته (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) من ضرورة العقل ونظره (وَما لِلظَّالِمِينَ) بالشّرك (مِنْ نَصِيرٍ) يمنعهم من العذاب.

[٧٢] ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) من القرآن (بَيِّناتٍ) ظاهرات الدّلالة على الحقّ (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) الإنكار لها ، أي اثره من العبوس لشدّة بغضهم للحقّ (يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) يبطشون بهم (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) من غيظكم على التّالين ، أو بأكره إليكم من القرآن (النَّارُ) أي هو النّار. كأنّه جواب قائل : ما هو؟ أو «النّار» مبتدأ وخبره : (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) والجملة استئناف ، وعلى الأوّل «وعدها» استئناف أو حال (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي.

[٧٣] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) بيّنت قصّة كالمثل في الاستغراب (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) فتدبّروه وهو : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) تعبدونهم غيره وهم الأصنام (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) يعجزون عن خلقه مع حقارته وهو اسم جنس ، واحده

٣٥٠

ذبابة (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) «ولو» للمبالغة وجوابها مقدّر ، أي : ولو اجتمعوا لخلقه لن يخلقوا ـ أيضا ـ (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) ممّا عليهم من طيب وزعفران ، إذ كانوا يطلونهم به ، فيأتى الذّباب فيأكله (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) لعجزهم ، فإذا عجزت عن خلق هذا الضّعيف بل عن مقاومته واستخلاص ما يسلبها منه كيف تشارك الخالق المتفرد بالقدرة على كلّ شيء في الإلهيّة؟ فهذا أمر مستغرب ومنه يتعجّب (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) العابد والمعبود ، أو الذّباب والصّنم أو عكسه.

[٧٤] ـ (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عرفوه حقّ معرفته إذا شركوا به ما يعجز عن ذبّ الذّباب عن نفسه (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) قادر (عَزِيزٌ) غالب ، فكيف يشاركه العاجز المغلوب لأضعف خلقه.

[٧٥] ـ (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) الى أنبيائه بالوحي (وَمِنَ النَّاسِ) رسلا الى سائرهم يبلّغونهم ما اوحي إليهم ، وهذا ردّ لمعتقدهم في الرّسالة من انّ الرّسول لا يكون بشرا بعد ردّ عقيدتهم في الإلهيّة ، وعلى من جعل الملائكة أو الأنبياء اولادا (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) للأقوال (بَصِيرٌ) بالمصالح والأحوال.

[٧٦] ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ما مضى وما غبر (١) من أحوالهم (وَإِلَى اللهِ) الى علمه أو تدبيره (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كلّها.

[٧٧] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) أي صلّوا (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) بكلّ ما تعبّدكم به ، (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) كصلة الرّحم ومكارم الأخلاق (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : راجين للفوز بنعيم الجنّة ، غير قاطعين به ، متّكلين على أعمالكم.

[٧٨] ـ (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) لوجهه بخلاف النفس والهوى في طاعته وبقتال الكفرة لإقامة دينه (حَقَّ جِهادِهِ) أي جهادا حقّ الجهاد فيه بأن تخلصوه لوجهه أو تستفرغوا وسعكم فيه (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي ضيق لا مخرج عنه ، بل جعل التوبة والكفارات وردّ المظالم والرّخص

__________________

(١) الغبر : البقاء ويستعمل بمعنى المضيّ ايضا فيكون من الأضداد.

٣٥١

في الضّرورات مخرجا من الذنوب.

أو : ضيق بتكليفكم ما لا تطيقون أو يصعب عليكم.

وهذا ينفي خلقه تعالى للكفر بدون تأثير لقدرتهم واختيارهم فيه ، وإلّا كان نهيه عنه من أعظم الحرج ، ولا يلزم مثله في علمه تعالى بوقوع الكفر ، لأنّ العلم لا يرفع قدرة المكلّف لأنّه تابع للمعلوم فلا أثر له فيه (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) نصب على الإغراء ـ أو : الإختصاص أو : بنزع ، الخافض ـ «الكاف».

وسمّاه أباهم لأنّه أبو الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو كالأب لأمّته ، أو لأنّه أبو أكثر العرب ، فغلّبوا على غيرهم (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) قبل القرآن في الكتب السّابقة (وَفِي هذا) وفي القرآن ، والضّمير لله أو ل «ابراهيم» وكانت تسميتهم فيه بسبب تسميته من قبل في قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (١). (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) يوم القيامة بأنّه بلّغكم أو بطاعتكم وعصيانكم (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بتبليغ رسلهم إليهم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) وثقوا به (هُوَ مَوْلاكُمْ) ناصركم ومتولّي أموركم (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي : النّاصر لكم هو.

عن «الباقر» عليه‌السلام في : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الى آخره (هُوَ اجْتَباكُمْ) قال : ايّانا عنى ، ونحن المجتبون ، ولم يجعل الله تبارك وتعالى علينا في الدّين من حرج.

«ملّة أبيكم ابراهيم» ايّانا عنى خاصّة ، «هو سمّاكم المسلمين» الله ـ عزوجل ـ سمّانا المسلمين ، «من قبل» في الكتب الّتي مضت ، «وفي هذا» القرآن «ليكون الرّسول» الى آخره ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشّهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك وتعالى ، ونحن الشّهداء على النّاس ، فمن صدّق يوم القيامة [صدّقناه] ـ ومن كذّب كذّبناه (٢).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٢٨.

(٢) اصول الكافي ١ : ١٩١ الحديث (٤) وما بين المعقوفتين من المصدر.

٣٥٢

سورة المؤمنون

[٢٣]

مائة وتسع عشرة آية (١) وهي مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فازوا بما طلبوا ، و «قد» للتّحقيق واثبات المتوقع وتقريب الماضي من الحال ، ولا ريب انّ المؤمنين كانوا متوقّعين ذلك فصدّرت بها بشارتهم ، وعن «ورش» إلقاء فتحة الهمزة على الدّال وحذفها (٢).

[٢] ـ (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) متذلّلون لله ، خاضعون (٣) ساكنون لا تعدوا أبصارهم مساجدهم.

قيل : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي رافعا بصره الى السّماء فلمّا نزلت ، رمى به الى مسجده (٤).

__________________

(١) كذا ورد في الأصول مع انّ عدد آيات السورة هو مائة وثماني عشرة آية ، وفي تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٥ : ... وهي مائة وتسع عشرة آية عند البصريّين وثماني عشرة عند الكوفيّين.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٥.

(٣) ليس في «ب» : «خاضعون».

(٤) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ٢١٥.

٣٥٣

[٣] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ) السّاقط من قول وفعل (مُعْرِضُونَ) لا يلتفتون إليه ولا يقاربونه فضلا عن فعله.

[٤] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) مدحهم باستكمالهم الطّاعات البدنيّة من الخشوع في الصلاة وتجنّب ما يجب شرعا أو عرفا تجنّبه ، والماليّة من فعل الزّكاة والمراد بها الحدث لأنّ الفاعل انّما يفعله لا العين المخرجة إلّا أن يقدر مضاف أي لأداء الزّكاة فاعلون.

[٥] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ).

[٦] ـ (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) زوجاتهم أو سرّيّاتهم و «على» بمعنى «عن» أو : حال بتقدير : إلّا والين (١) على أزواجهم أي : حفظوها في عامّة الأحوال إلّا في حال تزوّجهم أو تسرّيهم.

وعبّر ب «ما» لقلّة عقولهنّ وتملّكهن كسائر السّلع ، (٢) وأفردت هذه بعد دخولها في الإعراض عن اللّغو لأنّ الملامسة ألذّ لهو للنّفس وقمعها عنه صعب (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) على اتيانهنّ.

[٧] ـ (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) المحدود (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) المتجاوزون ما حدّ لهم.

[٨] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ) لما ائتمنوا عليه وعاهدوا من جهة الله أو النّاس (راعُونَ) حافظون ، وقرأ «ابن كثير» : «لأمانتهم» مفردا لأنّ أصلها مصدر (٣).

__________________

(١) قال الزمخشري في تفسير الكشّاف ٣ : ١٧٦ ـ «على أزواجهم» في موضع الحال ، اي إلّا والين على أزواجهم ، او قوامين عليهنّ ، من قولك : كان فلان على فلانة ، فمات عنها فخلّف عليها فلان ، ونظيره : كان زياد على البصرة اي واليا عليها ...

(٢) السلعة ـ بالكسر ـ : المتاع.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٥ ـ ٢١٦.

٣٥٤

[٩] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ) (١) وأفردها «حمزة» و «الكسائي» (٢) (يُحافِظُونَ) يؤدّونها لأوقاتها بحدودها ، ولفظ المضارع لتجدّدها وتكرّرها.

والمحافظة اعمّ من الخشوع فلا تكرار ولفظها (٣) وقع الافتتاح والختم بها.

[١٠] ـ (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) دون غيرهم.

[١١] ـ (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) بيان للموروث ، واستعيرت الوراثة لاستحقاقهم الفردوس بأعمالهم مبالغة فيه.

وقيل : يرثون منازل الكفّار فيها وهي الجنّة ، أو أعلى الجنان (٤) فلذا أنّث ضميرها في : (هُمْ فِيها خالِدُونَ).

[١٢] ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ) صفوة سلّت (٥) من الكدر (مِنْ طِينٍ) متعلق ب «سلالة» أو بمحذوف لأنه صفتها ، ف «من» للابتداء كالأولى ، أو بيانيّة.

و «الإنسان» آدم خلق من صفوة استلّت من الطّين أو الجنس لأنّهم خلقوا من نطف استلّت موادّها من طين أو من آدم على تسميته طينا لخلقه منه.

[١٣] ـ (ثُمَّ جَعَلْناهُ) أي الإنسان نسل آدم يعني جوهره ، أو جعلنا السّلالة على تأويل الماء (نُطْفَةً) منيّا (فِي قَرارٍ) مستقرّ هو الرّحم (مَكِينٍ) وصف المحلّ بصفة الحال مبالغة.

[١٤] ـ (ثُمَّ خَلَقْنَا) صيّرنا (النُّطْفَةَ عَلَقَةً) دما جامدا (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) قطعة لحم (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ) جمعت لاختلافها شكلا

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «صلاتهم» ـ بالإفراد ـ.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٦ وتفسير التبيان ٧ : ٣٥٠ وحجة القراآت : ٤٨٣.

(٣) اي الصلاة.

(٤) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٦.

(٥) في «ج» سلمت.

٣٥٥

وصلابة ، ووحّدها «ابن عامر» و «أبو بكر» فيهما على ارادة الجنس (١) (لَحْماً) انبتناه عليها (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) بنفخ الرّوح فيه و «ثمّ» في الموضعين لتراخي الرّتبة (فَتَبارَكَ اللهُ) دام خيره وتعالى شأنه (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) المقدّرين.

[١٥] ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) المذكور من تمام الخلق (لَمَيِّتُونَ) عند آجالكم.

[١٦] ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) للحساب والجزاء.

[١٧] ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) سماوات ، جمع طريقة لأنّها طريق الملائكة والكواكب فيها مسيرها ، أو لأنّها طورق بعضها على بعض أي أطبق (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) أي كلّ المخلوقات (غافِلِينَ) تاركين تدبيرها ، بل ندبّر أمرها ونتقن صنعها على مقتضى الحكمة والمصلحة.

[١٨] ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) بمقدار يوافق المصلحة أو بتقدير يعمّ نفعه ويؤمن ضرّه (فَأَسْكَنَّاهُ) أثبتناه (فِي الْأَرْضِ) مددا للينابيع والآبار (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) على إذهابه (لَقادِرُونَ) ولو فعلنا لهلك كلّ حيوان ونبات.

[١٩] ـ (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) بالماء (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها) في الجنّات (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) تتفكّهون بها (وَمِنْها) من (٢) الجنّات أي ثمارها وزرعها (تَأْكُلُونَ) تطعمون أو تتعيشون ، أو الضّمير ل «نخيل» و «الأعناب» أي لكم من ثمرها انواع من الفواكه وطعام تأكلون (٣).

[٢٠] ـ (وَشَجَرَةً) عطف على «جنّات» (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) وطور سينين جبل «موسى» بين «مصر» و «ايلة» (٤).

__________________

(١) تفسير التبيان ٧ : ٣٥٢ ـ حجة القراآت : ٤٨٤.

(٢) كلمة «من» موجود في «ج».

(٣) في «ج» تأكلونه.

(٤) ايلة ـ بالفتح ـ : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. ـ مراصد الاطلاع / ٥٣.

٣٥٦

والطّور : الجبل. وسيناء : بقعة أضيف إليها ، أو : هما علم مركّب له ، ومنع صرفه ـ لأنّه فعلاء كصحراء ، وعلى قراءة الكسر ل «نافع» و «أبي عمرو» و «ابن كثير» (١) فللتّعريف والعجمة ، أو التّأنيث بتأويل البقعة ، لا بالألف لأنّه فيعال كقيراط (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) الباء للمصاحبة أي متلّبسا بالدهن أو للتّعدية ، وقرأه «ابن كثير» و «أبو عمرو» رباعيّا (٢) بتقدير : تنبت زيتونها متلبّسا (بالدّهن. أو : من أنبت بمعنى : نبت) (٣) (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) عطف على «الدّهن» أي ادام يصبغ فيه الخبز أي يغمس فيه للائتدام.

[٢١] ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) اعتبارا (نُسْقِيكُمْ) استئناف لبيان العبرة ، وفتحه «نافع» و «ابن عامر» و «أبو بكر» (٤) (مِمَّا فِي بُطُونِها) من اللّبن (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) في أصوافها وأوبارها وغير ذلك (وَمِنْها) من لحومها (تَأْكُلُونَ).

[٢٢] ـ (وَعَلَيْها) على الإبل منها لأنّها المحمول عليها عادة وسفن البرّ فتناسب الفلك (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) في البرّ والبحر.

[٢٣] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحده (ما لَكُمْ) خبر «ما» (مِنْ إِلهٍ) اسمها بزيادة «من» (غَيْرُهُ) صفته على المحلّ ، وجرّه «الكسائي» على اللفظ (٥) (أَفَلا تَتَّقُونَ) تخافون نقمته بعبادتكم غيره.

[٢٤] ـ (فَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) لتبعتهم (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ) يترأس (عَلَيْكُمْ) فيجعلكم اتباعا له (وَلَوْ شاءَ اللهُ) إرسال رسول (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) رسلا (ما سَمِعْنا بِهذا) الّذي يدعونا إليه «نوح» من

__________________

(١) تفسير التبيان ٧ : ٣٥٥ وحجة القراآت : ٤٨٤.

(٢) من باب الإفعال ـ تفسير التبيان ٧ : ٣٥٥.

(٣) ما بين القوسين ليس في «ج».

(٤) حجة القراآت : ٤٨٥.

(٥) تفسير البيضاوي ٣ : ٢١٧.

٣٥٧

التّوحيد (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) قالوه عنادا أو لطول فترة كانوا فيها.

[٢٥] ـ (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) جنون (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) فانتظروه (حَتَّى حِينٍ) الى زمن افاقته أو زمن موته.

[٢٦] ـ (قالَ) ـ بعد يأسه من اجابتهم ـ : (رَبِّ انْصُرْنِي) عليهم بإهلاكهم (بِما كَذَّبُونِ) بسبب تكذيبهم ايّاي.

[٢٧] ـ (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) برعايتنا وحفظنا (وَوَحْيِنا) وتعليمنا (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) بتعذيبهم (وَفارَ التَّنُّورُ) ارتفع منه الماء ، وموضعه في مسجد الكوفة أو في الشّام (فَاسْلُكْ فِيها) ادخل في الفلك (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) ذكر وأنثى من أنواعهما (اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى ، ونوّن «حفص» كلّ (١) أي من كلّ نوع زوجين اثنين (وَأَهْلَكَ) هم : زوجته وبنوه (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) الوعد بإهلاكه وهو ابنه : «كنعان» وامّه : «واغلة» (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا بإمهالهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) لا محالة.

[٢٨] ـ (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) ركبت واعتدلت (أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بإشراكهم.

[٢٩] ـ (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي) في السّفينة وفي الأرض (مُنْزَلاً) بضمّ الميم وفتح الزّاي ، مصدر أو اسم مكان ، وقرأ «أبو بكر» بفتح الميم وكسر الزّاي (٢) (مُبارَكاً) يكثر فيه خير الدّارين (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أمره أن يشفع الدّعاء بهذا الثّناء المطابق له لأنّه ادعى الى الإجابة.

[٣٠] ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) في امر نوح وقومه (لَآياتٍ) دلالات وعبرا للمعتبرين (وَإِنْ) هي المخفّفة (كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) مختبرين عبادنا ليتذكّروا ، أو مصيبين قوم

__________________

(١) حجة القراآت : ٤٨٦.

(٢) تفسير التبيان ٧ : ٣٦١ وحجة القراآت : ٤٨٦.

٣٥٨

«نوح» بالبلاء ، واللّام فارقة.

[٣١] ـ (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) هم عاد.

[٣٢] ـ (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) هو «هود» وعدّي «أرسل» ب «في» إيذانا بأنّه اوحى إليه وهو بين أظهرهم (أَنِ) أي : أو : أي (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) عذابه.

[٣٣] ـ (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي بالبعث فيها (وَأَتْرَفْناهُمْ) نعّمناهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بضروب الملاذّ (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) حذف عائده منصوبا ، أي : تشربونه أو :

مع «من» بقرينة قرينه.

[٣٤] ـ (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) فيه قسم وشرط ، والجواب للقسم يغني عن جزاء الشّرط وهو : (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) مغبونون باتّباعه.

[٣٥] ـ (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من قبوركم احياء ، و «مخرجون» خبر «انكم» الأوّل ، ولطول الفصل بينهما أكّد بالثاني ، أو : «انّكم مخرجون» مبتدأ ، خبره : الظّرف المقدّم ، أي إخراجكم إذا متّم أو فاعل لفعل يقدّر جزاء للشّرط أي : إذا متّم وقع إخراجكم ، والجملة الاسميّة أو الشّرطيّة خبر الأوّل.

[٣٦] ـ (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) اسم فعل ماض أي : بعد الثبوت (لِما تُوعَدُونَ) أو بعد ما توعدون ، واللّام زائدة لبيان المستبعد ما هو بعد التّصويت بهيهات.

وفي إضمار الفاعل وتبيينه تأكيد كما في التّكرير ، وقيل : هو بمعنى البعد (١) لما توعدون.

[٣٧] ـ (إِنْ هِيَ) ما الحياة ، جيء بضميرها لدلالة : (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) عليها.

والمعنى لا حياة إلّا هذه الحياة لأنّ مدخول «ان» في معنى الجنس ، فتنفيه

__________________

(١) فيكون هيهات مبتدأ ، وخبره : «لما توعدون».

٣٥٩

نفي لا للجنس (نَمُوتُ وَنَحْيا) (يموت قوم ويولد قوم) (١) (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) بعد موتنا.

[٣٨] ـ (إِنْ) ما (هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بدعواه الرّسالة ووعده بالبعث (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) بمصدّقين.

[٣٩] ـ (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) سبق مثله (٢).

[٤٠] ـ (قالَ) تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ) من الزّمان و «ما» زائدة لتوكيد معنى القلّة (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) على تكذيبهم إذا رأوا العذاب.

[٤١] ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبرئيل صيحة فماتوا ، وبه استدل على انّ القرن : ثمود (٣) (بِالْحَقِ) باستحقاقهم أخذها (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) هو ما احتمله السّيل من نبات بال ونحوه ، شبّهوا به في هلاكهم (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي بعدوا من الرّحمة بعدا. دعاء عليهم بالهلاك ، وهو من المصادر المحذوفة النّاصب ، و «اللّام» للبيان ، وأحل الظّاهر محلّ ضميرهم للتّعليل.

[٤٢] ـ (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) هم قوم «صالح» و «لوط» و «شعيب».

[٤٣] ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) بأن تهلك قبله (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) عنه ، وذكّر ضميرها للمعنى.

[٤٤] ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) فعلى ، من المتواترة أي : متواترين يتبع بعضهم بعضا ، وأصلها «وترى» فأبدلت الواو تاء ، ونوّنه «ابن كثير» و «أبو عمرو» (٤) على انّه

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ج».

(٢) في الآية (٢٦) من هذه السورة.

(٣) اي القرن المذكور في الآية (٣١) «ثمّ انشأنا من بعدهم قرنا آخرين».

(٤) حجة القراآت : ٤٨٧.

٣٦٠