الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

بتدبّر حججها (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) عن ادراك حججها لتركهم تدبّرها.

والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وصفوا اوّلا بنفي شعورهم بوقت البعث ، ثمّ بنفي علمهم بالقيامة فضلا عن وقتها ، أو بالعلم بها تهكّما ثمّ بأنّهم في شكّ يمكنهم إزالته ، ثم بالعمى عن الدّليل الواضح.

[٦٧] ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) من القبور ، تقرير لعماهم ، والعامل في «إذا» ما دلّ عليه «مخرجون» أي : نخرج ، لا هو (١) لمنع الهمزة ، وانّ واللّام عن عمله فيما قبلها ، وكرّرت الهمزة مبالغة في انكارهم ، وقرأ «نافع» : «إذا» خبرا (٢) و «ابن عامر» و «الكسائي» «انّنا» بنونين خبرا (٣).

[٦٨] ـ (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) قبل وعده «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أكاذيبهم الّتي سطّروها.

[٦٩] ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) تهديد لهم على الكفر بأن يصيبهم ما أصاب الكفرة قبلهم.

[٧٠] ـ (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) حرصا على ايمانهم (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) في ضيق صدر من مكرهم ، فأنا عاصمك منهم ، وكسر «ابن كثير» «الضّاد» (٤).

[٧١] ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) العذاب الموعود (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيه.

[٧٢] ـ (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) لحقكم واللام زائدة أو ضمّن «ردف»

__________________

(١) اي : لا «مخرجون» لان كلا من الهمزة وانّ واللام مانعة من عمله فيما قبلها. كذا في تفسير البيضاوي ٣ : ٢٧٣.

(٢) اي بلا همزة الاستفهام ـ كما في حجة القراآت : ٥٣٥.

(٣) حجة القراآت : ٥٣٥.

(٤) حجة القراآت : ٥٣٦.

٤٦١

معنى دنا وأزف (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) وقوعه وهو عذاب بدر.

والتّرجي على قاعدة مواعيد الملوك يريدون به القطع بوقوع الأمر واظهار الوقار.

[٧٣] ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ومنه تأخير عذاب الكفرة (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) فضله عليهم.

[٧٤] ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) تخفيه (وَما يُعْلِنُونَ) يظهرون فيجازيهم به.

[٧٥] ـ (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) خافية فيهما وهما اسمان لما يغيب ويخفى كالذّبيحة أو صفتان والتّاء للمبالغة كالرّواية (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بيّن ، أو مبيّن وهو اللّوح ، ومنه تعذيب الكفرة.

[٧٦] ـ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) كأمر «عزير» و «عيسى» وغير ذلك.

[٧٧] ـ (وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) لمن آمن منهم ومن غيرهم.

[٧٨] ـ (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بين من آمن ومن كفر (بِحُكْمِهِ) بما يحكم به وهو عدله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فلا يغالب (الْعَلِيمُ) بالقضاء بالحقّ.

[٧٩] ـ (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولا تكترث بهم (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) البيّن والمحقّ أحقّ بأن يثق بنصر الله.

[٨٠] ـ (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) تعليل ثان لتوكّل ، يقنطه من متابعتهم له وشبّهوا بالموتى لعدم تدبّرهم ما يتلى عليهم كما شبّهوا بالصّمّ في : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فهم حينئذ أبعد عن الإسماع ، وقرأ «ابن كثير» بالياء ورفع «الصّمّ» (١).

[٨١] ـ (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي ما تعبدهم عنها بالهدى.

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٣٦.

٤٦٢

وقرأ «حمزة» : «تهدي» (١) (إِنْ تُسْمِعُ) أي ما يجدي اسماعك (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) من علم الله انّه يصدّق بها (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) مخلصون بالتّوحيد.

[٨٢] ـ (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) أي قرب وقوع المقول وهو ما وعدوه من البعث والعذاب (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) روي انّها تخرج من المسجد الحرام وطولها ستّون ذراعا ولها اربع قوائم وزغب (٢) وريش وجناحان ، لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، ومعها عصا «موسى» وخاتم «سليمان» فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم (٣) أنف الكافر بالخاتم (٤).

وعن «علي» عليه‌السلام : والله ما لها ذنب ، وانّ لها للحية ويشعر بأنّها انسان.

وفي بعض خطبه : أنا صاحب العصا والميسم ، ويعضده اخبار (٥) (تُكَلِّمُهُمْ) فتقول حاكية لقول الله : (أَنَ) (٦) (النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) أي بالقرآن أو بخروجها ، لأنّه من آيات الله تعالى ، أو هو ابتداء منه تعالى.

وقيل : تكلمهم من الكلم (٧) لقراءته التخفيف ، ويعضد كونه من الكلام : فتح «الكوفيّون» «انّ» أي : تكلّمهم بأنّ ، (٨) وقرئ به و «تنبئهم أن».

[٨٣] ـ (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) «من» للتّبعيض (فَوْجاً) جماعة (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) بيان للفوج ، وهم رؤساؤهم وقادتهم (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبس اوّلهم

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٣٧.

(٢) الزغب ـ محركة ـ : صغار الشعر ولينه.

(٣) في «ألف» و «ج» : وتحطم.

(٤) تفسير مجمع البيان : ٤ : ٢٣٤.

(٥) تفسير مجمع البيان : ٤ : ٢٣٤. وكلمة «اخبار» ليست في «ألف».

(٦) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ان» ـ بفتح الهمزة ـ.

(٧) الكلم : الجرح ، قيل : ومنه أخذ «الكلام» علما لما يلفظ لأنه يؤثر في السامع.

(٨) نقله البيضاوي في تفسيره ٣ : ٢٧٤.

٤٦٣

على آخرهم ليجتمعوا.

ومنّا من جعل ذلك في الرّجعة (١) وللبحث مجال وان كنّا لا نشك فيها لقيام الأدلّة عليها.

[٨٤] ـ (حَتَّى إِذا جاؤُ) (٢) الموقف (قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) الواو حالية أي أكذّبتم بها بادئ الرّأي غير متأمّليها ليحيط علمكم بحقيقتها وانّها جديرة بالتّصديق أو التّكذيب ، أو عاطفة أي أجمعتم بين جحودها وعدم تأمّلها (أَمَّا ذا) أم أي شيء (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بها ، وهو تبكيت إذ لم يعملوا سوء التّكذيب فلا يسعهم أن يقولوا صدّقنا بها.

[٨٥] ـ (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) غشيهم العذاب الموعود وهو النّار بعد ذلك (بِما ظَلَمُوا) بظلمهم بالتكذيب (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) بعذر لعدمه وشغلهم بالنّار.

[٨٦] ـ (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ) خلقناه (لِيَسْكُنُوا فِيهِ) بالنّوم والدّعة (٣) (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي ليبصروا فيه ، فجعل حالا مجعولا هو عليها مبالغة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) دلالات لهم على التّوحيد والبعث والنّبوّة ، إذ تعاقب النّور والظلمة انّما يتمّ بقدرة قاهر ولشبه النّوم بالموت والانتباه بالبعث ، ولأنّ من جعل ذلك لبعض مصالحهم كيف يهمل ما هو مناط جميعها من بعث رسول إليهم.

[٨٧] ـ (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) القرن أو جمع صورة (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) عند النّفخة الاولى فزعا ، يميتهم كما في آية اخرى (فَصَعِقَ) (٤).

وعبّر بالماضي لتحقّق وقوعه (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ممّن ثبت قلبه وهم جبرائيل

__________________

(١) ينظر تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٣٥.

(٢) ينظر تعليقنا على كلمة «باءوا» في الآية (٦١) من سورة البقرة.

(٣) الدّعة : السكينة والرّاحة.

(٤) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٨.

٤٦٤

وميكائيل واسرافيل وعزرائيل.

وقيل : حملة العرش والحور والخزنة (١).

وقيل : الشهداء (٢) وقيل «موسى» لأنّه صعق مرة (٣) وشمول الكل ممكن (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) (٤) اسم فاعل ، حاضرون الموقف بعد النّفخة الثّانية أو منقادون لأمره ، وقرأه «حفص» و «حمزة» فعلا (٥) (داخِرِينَ) صاغرين.

[٨٨] ـ (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) واقفة مكانها (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) في السّرعة ، وكذا الأجرام العظام إذا تحرّكت لا تكاد تظهر حركتها (صُنْعَ اللهِ) مصدر مؤكّد لمضمون الجملة قبله أي صنع الله ذلك صنعا (الَّذِي أَتْقَنَ) أحكم (كُلَّ شَيْءٍ) صنعه (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) بأفعالكم ، فيجازيكم عليها ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «هشام» بالياء (٦).

[٨٩] ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) بالأضعاف وبأنّ العمل منقض والثّواب دائم.

وقيل الحسنة : كلمة الشّهادة (٧) و «خير منها» ، أي : خير حاصل من جهتها ، وهو : الجنّة (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) (٨) (آمِنُونَ) أريد به خوف العذاب يوم القيامة وبالسّابق فزع الهيبة اللّاحق لكلّ احد لهول المطّلع ، ونوّنه «الكوفيّون» ونصبوا «يوم» أي : من فزع واحد وهو خوف العذاب ، وفتحه «نافع» مع الإضافة لإضافته الى غير

__________________

(١) نقله الزمخشري في تفسير الكشّاف ٣ : ٣٨٦.

(٢) نقله الزمخشري في تفسير الكشّاف ٣ : ٣٨٦.

(٣) قاله جابر ـ كما في تفسير الكشّاف ٣ : ٣٨٦ سورة : ٧ / ١٤٣.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «أتوه» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٥) حجة القراآت : ٥٣٨.

(٦) حجة القراآت : ٥٣٩.

(٧) قاله ابن عباس ـ ما في تفسير الكشّاف ٣ : ٣٨٨ ـ.

(٨) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يومئذ» بفتح الميم.

٤٦٥

متمكّن و «آمن» يعدّى بالجارّ وبنفسه (١).

[٩٠] ـ (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قيل بالشرك (٢) (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) القوا فيها منكوسين ، أو عبّر بالوجوه عن ذواتهم ويقال لهم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ويحتمل الالتفات.

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ...) الى (تَعْمَلُونَ) : الحسنة : حبّنا أهل البيت ، والسّيّئة : بغضنا ، (٣) قل لهم :

[٩١] ـ (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي «مكّة» واضافة «ربّ» إليها تشريف لها (الَّذِي حَرَّمَها) جعلها حرما أمنا ، وفيه مع التّعظيم منّة عليهم (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) ملكا وخلقا (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المخلصين بالتّوحيد.

[٩٢] ـ (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) عليكم أدعوكم الى ما فيه أو اتبعه (فَمَنِ اهْتَدى) بإجابته لي في ذلك (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) لعود نفعه إليه (وَمَنْ ضَلَ) بترك الإجابة (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) فما عليّ إلّا الإنذار بأنّ وبال ضلاله عليه.

[٩٣] ـ (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على نعمة الرّسالة وغيرها (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) في الآخرة (فَتَعْرِفُونَها) يقينا انّها آياته ، ولا تنفعكم المعرفة حينئذ ، أو في الدّنيا كعذاب بدر وغيره (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٤) بل عالم به وانّما يمهلهم لوقتهم ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» و «حفص» بالتاء (٥).

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٦٩ ـ حجة القراآت : ٥٤٠.

(٢) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير الكشّاف ٣ : ٣٨٨ ـ.

(٣) تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٣٧.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تعملون» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٥) حجة القراآت : ٥٤١.

٤٦٦

سورة القصص

[٢٨]

ثمان وثمانون آية مكية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (طسم) [٢] ـ (تِلْكَ) الآيات (آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) السورة أو القرآن البيّن اعجازه ، او المبين له.

[٣] ـ (نَتْلُوا عَلَيْكَ) بتلاوة جبرئيل (مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) بعض خبرهما (بِالْحَقِ) محقين (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإنّهم المنتفعون به.

[٤] ـ (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) أرض مصر ، استئناف يفسّر النّبأ (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) فرقا ، يشيع [بعضهم بعضا] ـ (١) في طاعته ، أو أصنافا في خدمته أو فرقا مختلفة متعادين لينقادوا له (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) وهم بنو إسرائيل ، والجملة حال من «جعل» أو صفة «شيعا» أو مستأنفة ويبدل منها (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) يستبقيهنّ لأنّ كاهنا أخبره بأنّه يولد في بني إسرائيل مولود يذهب ملكه على يده (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) بالقتل لغير طائل ، إذ لو صدق الكاهن لم يدفعه القتل

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من تفسير البيضاوي ٤ : ٢ ـ وفي النسخ ـ يشيعونه في طاعته.

٤٦٧

وان كذب فلا وجه له.

[٥] ـ (وَنُرِيدُ) حكاية حال ماضية ، عطف على «انّ فرعون» إذ هما تفسير ل «نبأ» أو حال من «يستضعف» أي ونحن نريد : (أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) بخلاصهم من بأسه في المآل ، فالمقارن للاستضعاف الإرادة لا المراد (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) مقدّمين في الدّارين وما فيه من القراءة سبق في التّوبة (١) (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) لملك «فرعون».

[٦] ـ (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) أرض «مصر» و «الشام» بتسليطهم فيها (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزيره (وَجُنُودَهُما) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» و «بزي» بالياء ورفع ما بعده (٢) (مِنْهُمْ) من بني إسرائيل (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم.

[٧] ـ (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) إلهاما ، أو رؤيا لمّا ولدته ولم يعلم به احد سوى أخته.

وقيل : دعت قابلة من الموكّلات بالحبالى ، فلمّا ولد هالها نوره فأحبّته حبّا منعها من السّعاية به (٣) (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ما لم تخافي أن يشعر به فيقتل (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) ذلك (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) البحر أي النّيل (وَلا تَخافِي) ضيعته ولا غرقه (وَلا تَحْزَنِي) لفراقه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) سالما عن قريب (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فأرضعته ثلاثة أشهر ، ثمّ ألحّ «فرعون» في طلب الولدان فوضعته في تابوت مطليّ داخله بالقار ، ممهّد له فيه وأغلقته وألقته في النّيل ليلا.

[٨] ـ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) بتابوته فوضع بين يديه وفتح وأخرج «موسى» منه

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢.

(٢) حجة القراآت : ٥٤١.

(٣) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٦١ ـ.

٤٦٨

(لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) شبّهت عاقبة التقاطهم له بالغرض الدّاعي إليه فعلّل بها ، وضمّ «الحاء» «حمزة» و «الكسائي» وسكّنا «الزّاي» (١) (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) في كلّ أمر ، فليس خطأهم في تربية عدوّهم ببدع منهم ، أو عاصين فعوقبوا بأن ربّوا عدوّهم في حجورهم.

[٩] ـ (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) ـ حين قيل له : هو الصبيّ الّذي نحذره ، دعنا نقتله ، فهمّ بذلك هو ـ : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) لأنّهما لمّا رأياه أحبّاه.

روى انّه قال لك لا لي ، ولو قال لي ولك لهداه الله كما هداها (٢) (لا تَقْتُلُوهُ) الجمع للتّعظيم أو خاطبته وأعوانه (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فإنّ فيه مخائل النّفع ، وذلك لما رأت من نوره وارتضاعه إبهامه لبنا وبرأ برص ابنتها بريقه (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) فإنّه أهل التّبنّي (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) حال من فاعل «التقطه» اي وهم لا يشعرون انّهم على خطأ في التقاطه ورجاء نفعه وتبنّيه ، وجملة «انّ فرعون» معترضة تؤكّد خطأهم.

[١٠] ـ (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى) لمّا سمعت بالتقاطه (فارِغاً) من كلّ شيء سوى همّه ، أو من العقل لدهشها أو من الحزن لوثوقها بوعد الله (إِنْ) المخفّفة أي انّها (كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) لتظهر بأنّه ابنها جزعا وضجرا (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) سكّنّاه بالصّبر (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) المصدّقين بوعدنا ، وجواب «لو لا» دلّ عليه ما قبلها.

[١١] ـ (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ) «مريم» (قُصِّيهِ) اتّبعى اثره وتعرّفي خبره (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) عن بعد مخالسة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) انّها أخته أو بغرضها.

[١٢] ـ (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) منعناه أن يرضع منها ، جمع مرضع أو مرضع أي الرّضاع أو مكانه أي الثدي (مِنْ قَبْلُ) قبل قصصها اثره (فَقالَتْ) ـ أخته حين رأت

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٤٢.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٤١.

٤٦٩

حنّوهم عليه ـ : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) بتربيته (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) بالقيام بأمره.

قيل : لمّا قالته ، قال هامان : انّها لتعرفه وأهله ، فقالت : انّما أردت «وهم» للملك «ناصحون» فذهبت الى امّه بأمرهم ، فأتت بها فقبل ثديها.

فقال لها «فرعون» : كيف لم يرتضع إلّا منك؟ قالت : انّي طيّبة الرّيح واللبن ، لا اوتى بصبيّ إلّا قبلني ، فدفعه إليها وأجرى عليها ، فذهبت به الى بيتها كما قال تعالى :

[١٣] ـ (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائه (وَلا تَحْزَنَ) لفراقه (وَلِتَعْلَمَ) عيانا (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بردّه إليها (حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي النّاس (لا يَعْلَمُونَ) حقيقة وعده ، أو انّ الغرض الأصلي من الرّدّ علمها بذلك وغيره تبع ، وكأنّه تعريض بجزعها حين سمعت بالتقاطه فمكث عندها حتّى فطمته ، ثم تربّى عند «فرعون» كما حكى تعالى عنه : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ...) الآية (١).

[١٤] ـ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) كمال شدّته وهو ثلاث وثلاثون ، أو الحلم (وَاسْتَوى) أي تمّ استحكامه وبلغ الأربعين (آتَيْناهُ حُكْماً) نبوّة (وَعِلْماً) بالدّين ، أو سير الحكماء العلماء قبل بعثه ، فلا يفعل ما يستجهل به (وَكَذلِكَ) وكما فعلنا له (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بإحسانهم.

[١٥] ـ (وَدَخَلَ) «موسى» (الْمَدِينَةَ) «مصر» أو «منف» (٢) من أرض مصر (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) وقت القائلة ، أو ما بين العشاءين ، أو يوم عيدهم وكان أخرجه إذ رأى منه ما ينكره ، أو لإعابته دينهم لمّا شبّ وعقل (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) إسرائيليّ (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) قبطيّ يسخر ، الإسرائيليّ لحمل حطب الى مطبخ «فرعون» (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) طلب أن

__________________

(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٨.

(٢) المنف ـ بالفتح ثم السكون ـ اسم مدينة فرعون بمصر (معجم البلدان).

٤٧٠

يغيثه بالنّصر.

عن «الصادق» عليه‌السلام : ليهنئكم الإسم ، قيل وما هو قال : الشّيعة ، أما سمعت قوله تعالى وتلاها (١).

(فَوَكَزَهُ مُوسى) ضربه بجمع كفّه (فَقَضى عَلَيْهِ) فقتله (قالَ هذا) أي الأمر الّذي وقع القتل بسببه ، أو تزيين تركي الاول وهو الكفّ عنه (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ) للإنسان (مُضِلٌ) له (مُبِينٌ) بيّن الإضلال.

[١٦] ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ببخسها ثواب النّدب وهو الكفّ عنه ، أو بمخاطرتي بقتله ولو علموا لقتلوني به (فَاغْفِرْ لِي) تركي الاولى ، أو قاله انقطاعا الى الله تعالى (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) لعباده (الرَّحِيمُ) بهم.

[١٧] ـ (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من القوّة (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) أي فلن استعملها إلّا في مظاهرة أوليائك ، أو قسم أي بحقّ إنعامك عليّ بالمغفرة ، اعصمني فلن اظاهر مجرما.

[١٨] ـ (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ) الاخبار وما يقال فيه (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يستغيثه بصراخ على قبطىّ آخر (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) بيّن الغواية ، لكثرة مخاصمتك.

[١٩] ـ (فَلَمَّا أَنْ) زائدة (أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) لموسى والإسرائيليّ ظانّا انّه يبطش به لوصفه ايّاه بالغواية (قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) أو قاله القبطيّ إذا حسّ ممّا قاله انّه القاتل للقبطيّ بالأمس لهذا الإسرائيليّ (أَنْ) ما (تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) عاليا بالقتل والظّلم.

(وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) بين النّاس ، فانتشر الحديث فبلغ «فرعون» فأمر بطلبه وقتله.

[٢٠] ـ (وَجاءَ رَجُلٌ) هو مؤمن آل «فرعون» وهو ابن عمّه (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٤٤.

٤٧١

يسرع ، صفة «رجل» أو حال منه ، إن جعل الظّرف وصفا مخصّصا له لا صلة ل «جاء» (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) يتشاورون بسببك.

والائتمار : التّشاور ، لأنّ كلّا من المتشاورين يأمر صاحبه بشيء (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) «لك» بيان لا صلة «النّاصحين» إن جعلت لامه موصولة ، لأنّ معمول صلتها لا يتقدّمها وإن جعلت للتّعريف ف «لك» صلته.

[٢١] ـ (فَخَرَجَ مِنْها) من المدينة (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) الطّلب (قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) دلّ على انّ قتله القبطيّ لم يكن ذنبا وإلّا لم يكونوا ظالمين بطلب القود.

[٢٢] ـ (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) قصد نحوها ، وهي قرية شعيب ، سمّيت ب «مدين بن ابراهيم» على مسيرة ثمان من مصر ولم يكن يعرف الطّريق (قالَ عَسى رَبِّي) وفتح «الحرميّان» و «أبو عمرو» الياء (١) (أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) وسطه ، وثق بربّه فعنّ له (٢) ثلاث طرق ، فسلك وسطها.

[٢٣] ـ (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) وصل إليه وهو بئر لهم (وَجَدَ عَلَيْهِ) فوق شفيره (أُمَّةً) جماعة وأصنافا (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) في مكان أسفل من مكانهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) تمنعان غنمهما عن الماء لئلّا تزاحماهم (٣) (قالَ ما خَطْبُكُما) شأنكما تذودان (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) جمع راع ، يصرفوا مواشيهم من الماء خوف مزاحمتهم ، وقرأ «ابن عامر» و «أبو عمرو» : «يصدر» من صدر أي ينصرف (٤) (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر أن يسقى فيضطرّ

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦.

(٢) عنّ له : ظهر امامه واعترض ـ قاموس اللغة.

(٣) كذا في النسخ وفي تفسير البيضاوي ٤ : ٥ لئلا تختلط بأغنامهم.

(٤) حجة القراآت : ٥٤٣.

٤٧٢

لإخراجنا ، فرحمهما.

[٢٤] ـ (فَسَقى لَهُما) غنمهما وحذفت مفاعيل الخمسة ، لأنّ الغرض هو الفعل لا المفعول.

قيل : عمد الى بئر عليها حجر لا يقلّه (١) إلّا عشرة رجال أو اكثر فأقلّه وحده واستقى منها مع ما به من النّصب والجوع وسقوط وخفّ القدم (٢) (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) ظلّ سمرة (٣) (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما) لأيّ شيء (أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) طعام (فَقِيرٌ) ضمّن معنى سائل ، فعدّى باللّام ، فرجعتا الى أبيهما وهو «شعيب» عليه‌السلام قبل النّاس فقال ما أعجلكما؟ فأخبرتاه الخبر ، فقال لإحديهما : عليّ به.

[٢٥] ـ (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) مستحيية وهي الّتي تزوّجها وكانت الصّغرى واسمها صفيراء وقيل : الكبرى واسمها صفرا (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) فأجابها كارها قولها ليجزيك ، فتقدّمته فألصقت الرّيح ثوبها بجسدها فوصفه ، فقال : امشي خلفي ، وسدّديني بقولك ، فجائه فقدم له طعاما فامتنع عنه.

وقال : انّا أهل بيت لا نأخذ على المعروف ثمنا ، فقال : هذه عادتنا مع كلّ من ينزل بنا ، فأكل ، قال تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) مصدر بمعنى المقصوص من لدن ولادته الى فراره خوفا من «فرعون» (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي «فرعون» وقومه ، فلا سلطان له بأرضنا.

[٢٦] ـ (قالَتْ إِحْداهُما) وهي المرسلة (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) لرعي غنمنا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) حثّ بليغ على استئجاره إذ علّلته بهما على

__________________

(١) قلّه : حمله ورفعه ـ قاموس اللغة.

(٢) تفسير الكشّاف ٣ : ٤٠١.

(٣) السمرة : شجرة صغار الورق ، قصار الشوك وله برمة صفراء يأكلها الناس ـ لسان العرب.

٤٧٣

جهة المثل ولم تقل لقوّته وأمانته ، وجعلت «خيرا» اسما ودلّت بالماضي (١) على انّه امر قد عرف منه.

قيل : فقال «شعيب» : وما أعملك بقوّته وأمانته؟ فذكرت رفعه الحجر وانّه صوّب رأسه حتّى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه.

[٢٧] ـ (قالَ إِنِّي) وفتح «نافع» «الياء» و «ياء» «ستجدني» (٢) (أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) تكون اجيرا لي (ثَمانِيَ حِجَجٍ) سنين ، ظرف (فَإِنْ أَتْمَمْتَ) عملت (عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) فالإتمام تفضّل منك لا الزمكه ، وليس عقدا ولكنّه معاهدة بما عزم عليه.

وجعل المهر اجارة نفسه لا مانع منه كما هو سائغ في شرعنا ـ على الأقوى ـ (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) بإلزامك العشر أو بالمناقشة في استيفاء الأعمال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ) للتّبرّك (مِنَ الصَّالِحِينَ) في حسن الصّحبة والوفاء بالعهد.

[٢٨] ـ (قالَ ذلِكَ) الّذي شارطتنى عليه قائم (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) لا نخرج عنه (٣) (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) الثّماني أو العشر و «ما» زائدة تؤكّد الإبهام (قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) لا يعتدى عليّ بطلب الزّيادة عليه ، أو فلا أكون فلا أكون متعدّيا بترك الزّيادة عليه (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ) من التّشارط (وَكِيلٌ) شهيد حفيظ.

قيل : كانت عصا (٤) الأنبياء عند «شعيب» فقال لموسى باللّيل : ادخل البيت وخذ عصا منها ، فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنّة فقال : غيرها ، فما وقع بيده

__________________

(١) «استأجرت» اي إتيان اللفظ بصيغة الماضي ـ لا المضارع.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦.

(٣) في «ب» : لا يخرج عنه.

(٤) في «ج» : عصى.

٤٧٤

إلّا هي ـ سبع مرّات ـ فعلم انّ له شأنا فدفعها إليه (١).

[٢٩] ـ (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) وهو أوفى الأجلين ، قيل : وزاد عليه عشرا (٢) وعزم على المسير (وَسارَ بِأَهْلِهِ) امرأته بإذنه أبيها نحو الشّام أو مصر (آنَسَ) أبصر (مِنْ جانِبِ الطُّورِ) جبل (ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) وضمّ «حمزة» الهاء (٣) (إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي) (٤) (آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن الطّريق وكان قد ضلّه ، وفتح «الحرميان» و «أبو عمرو» ياء «انّي» وسكّن «الكوفيون» ياء «لعلّي» (٥) (أَوْ جَذْوَةٍ) وفتحها «عاصم» وضمّها «حمزة» (٦) والثّلاث لغات أي قطعة أو شعلة (مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بها.

[٣٠] ـ (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ) أتاه النّداء من جانب (الْوادِ الْأَيْمَنِ) لموسى (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) وصفت بذلك لأنّها محلّ الوحي إليه وتكليمه (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل اشتمال ل «من شاطئ» لنباتها عليه وهي شجرة «عوسج» أو «عنّاب» أو «علّيق» (٧) ودلّ على انّ كلامه تعالى أصوات وحروف يوجدها في جسم (أَنْ) أي : (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) وفتح «الحرميّان» و «أبو عمرو» «الياء» (٨).

[٣١] ـ (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فألقاها فصارت حيّة واهتزّت (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرّك (كَأَنَّها جَانٌ) حيّة سريعة (وَلَّى مُدْبِراً) هاربا منها (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يرجع

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٢٥٠.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٦.

(٣) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ٩٥.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «لعلي» ـ بفتح الياء ـ.

(٥) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦.

(٦) حجة القراآت : ٥٤٣.

(٧) نبت يتعلق بالشجر يشبه الورد ـ اقرب الموارد.

(٨) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦.

٤٧٥

فنودي : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من كلّ مخوف.

[٣٢] ـ (اسْلُكْ يَدَكَ) أدخلها (فِي جَيْبِكَ) طرف مدرعتك (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ذات شعاع (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) برص (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) يدك المبسوطة ، تتّقى بها الحيّة خوفا منها بإدخالها في جيبك ، فالتّكرير لغرض آخر وهو إخفاء الخوف عند العدوّ مع اظهار معجزة اخرى بخروجها بيضاء ، أو أريد بضمّه التّجلّد عند انقلاب العصا حيّة ، استعارة من فعل الطّائر يرخى جناحيه إذا خاف ويضمّهما إذا أمن (مِنَ الرَّهْبِ) من أجله أي إذا خفتها فافعل ذلك شدّا لنفسك ، وفتح «حفص» الرّاء وسكّن الهاء وفتحهما «الحرميّان» و «أبو عمرو» وللباقين ضمّ بتسكين (١) (فَذانِكَ) أي : العصا واليد ، وشدّده «ابن كثير» و «أبو عمرو» (٢) (بُرْهانانِ) حجّتان نيّرتان مرسلا بهما (مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) متمرّدين في الكفر.

[٣٣] ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) بها.

[٣٤] ـ (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ) أبين (مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي) وفتح «حفص» الياء (٣) (رِدْءاً) معينا ، وخفّفه «نافع» (٤) (يُصَدِّقُنِي) (٥) (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) ببيان الحجة ودفع الشّبهة ، وجزم جوابا ورفعه «عاصم» و «حمزة» صفة (٦).

[٣٥] ـ (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) سنقوّيك به ، إذ قوّة البدن بقوة اليد ، وقوّتها بشدّ العضد (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) تسلّطا وحجّة (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) بسوء (بِآياتِنا) متعلّق بمقدّر أي اذهبا بها ، أو ب «نجعل» أي نسلطكما بها ، أو

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٤٤.

(٢) حجة القراآت : ٥٤٤.

(٣) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦ وتفسير البيضاوي ٤ : ٦.

(٤) حجة القراآت : ٥٤٥.

(٥) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يصدقني» بإسكان القاف ـ جوابا ـ.

(٦) حجة القراآت : ٥٤٥.

٤٧٦

بمعنى لا يصلون أي تمتنعان عنهم أو صلة ل «الغالبون» في : (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) إن كانت لامه للتّعريف ، أو بيان له لا صلة إن كانت موصولة لامتناع تقدّم معمول صلتها عليها.

[٣٦] ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) مختلق ، كسائر انواع السّحر ، أو سحر تعمله ثم تفتريه على الله (وَما سَمِعْنا بِهذا) السّحر ، أو ادّعاء النّبوة (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) كائنا في زمنهم.

[٣٧] ـ (وَقالَ مُوسى) ـ وحذف «ابن كثير» الواو ـ : (١) (رَبِّي) وفتح «الحرميّان» و «أبو عمرو» «الياء» (٢) (أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) فيصدّقه بالمعجزة ، أي : يعلم انّى محقّ (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) الدّنيا أي عاقبتها المحمودة وهي الجنّة فإنّها المعتدّ بها بخلاف عاقبتها المذمومة ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «يكون» بالياء (٣) (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لا يفوزون بخير.

[٣٨] ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ) ـ جهلا أو تلبيسا على قومه حين افحم بالحجّة ـ : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) نفي علمه ب «اله» غيره دون وجوده ، إذ لم يقطع بعدمه فأراد كشف الحال بزعمه فقال : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) فأطبخ الآجر (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) قصرا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) توهّما أو إيهاما لقومه انّه لو وجد لكان في السماء ، فيصعد إليه ، وسكّن «الكوفيون» الياء (٤) (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادّعائه الها غيري وانّه رسول.

قيل : انّه هو اوّل من اتّخذ الآجر (٥) ويعضده امره بعمله بطريق التّعليم

__________________

(١) حجة القراآت : ٥٤٦.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦.

(٣) حجة القراآت : ٥٤٦.

(٤) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٦.

(٥) تفسير البيضاوي ٤ : ٧.

٤٧٧

وقد تجبر (١) بأمر هامان مناديا (٢) باسمه ب «يا» في وسط الكلام.

[٣٩] ـ (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) إذ لا يحقّ التّكبّر إلّا الله (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) وبناه للفاعل «نافع» و «حمزة» و «الكسائي» (٣).

[٤٠] ـ (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) طرحناهم في البحر (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) بتكذيب الرّسول.

[٤١] ـ (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) في الكفر بالتّسمية ، أو بمنع اللّطف ، وسبق في «التّوبة» ما فيه من القراءة (٤) (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) الى موجبها من الكفر (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم.

[٤٢] ـ (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) ابعادا عن الرّحمة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) المبعدين : أو المشوّهين الخلقة.

[٤٣] ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التّوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) قوم «نوح» و «عاد» و «ثمود» وغيرهم (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أنوارا لقلوبهم تستبصر بها (وَهُدىً) الى طريق الحق (وَرَحْمَةً) سببا لنيل الرحمة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ارادة أن يتذكّروا ، استعير الترجّي للإرادة ، أو : هو من «موسى».

[٤٤] ـ (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) بجانب المكان ، أو الجبل أو الوادي الغربيّ من «موسى» (إِذْ قَضَيْنا) حين أوحينا (إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أمر رسالته وشريعته ، أي لم تحضر مكان وحينا إليه (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) للوحي إليه ، فاخبارك به اخبار بغيب لا يعلم إلّا بالوحي.

__________________

(١) اي تعظّم.

(٢) في «ألف» و «ب» منادي.

(٣) حجة القراآت : ٥٤٦.

(٤) سورة التوبة : ٩ / ٢١.

٤٧٨

[٤٥] ـ (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) امما بعد «موسى» (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أمد انقطاع الوحي فاندرست الشرائع ، فأوحينا إليك خبر «موسى» أو غيره فالمستدرك الوحي إليه وحذف وأقيم سببه مقامه (وَما كُنْتَ ثاوِياً) مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) «شعيب» ومن آمن به (تَتْلُوا) تقرأ (عَلَيْهِمُ) تعلّما منهم (آياتِنا) المتضمّنة لقصّتهم (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) لك ومعلمينكها.

[٤٦] ـ (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ) حين (نادَيْنا) «موسى» أن (خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) (١) أو حين ناجيناه (وَلكِنْ) علّمناك (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) رسول بشريعة وان كان عليهم أنبياء وأوصياء حافظون لشرع الرّسول السّابق ظاهرون أو مستترون لامتناع خلوّ الزمان من حجّة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتّعظون.

[٤٧] ـ (وَلَوْ لا) امتناعيّة حذف جوابها (أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) عقوبة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الكفر والمعاصي (فَيَقُولُوا) ـ عطف على «تصيبهم» أي لو لا قولهم إذا عوقبوا بكفرهم ـ : (رَبَّنا لَوْ لا) هلّا (أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) الفاء جواب التحضيض (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ما أرسلناك (٢) أي انّما أرسلناك لقطع عذرهم ، فالقول هو سبب الإرسال ولكن لمّا كانت العقوبة سببا للقول ادخلت «لو لا» عليها وعطف القول بفاء السّببيّة إيذانا بأنّهم انّما الجأهم الى القول العقوبة لا غير.

[٤٨] ـ (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) أي الرّسول المصدّق بالقرآن المعجز (قالُوا) ـ تعنّتا ـ : (لَوْ لا) هلّا (أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من الكتاب جملة

__________________

(١) كذا في النسخ ، والآية من سورة مريم : ١٩ / ١٢ وهو خطاب ليحيى عليه‌السلام ، ولعله أراد أن يذكر ما ورد في الشعراء ٢٦ / ١٠ : «ان ائت القوم الظالمين» هذا وقد فسّر البيضاوي ٤ / ٨ كما يلي : «إذ نادينا» لعل المراد به وقت ما أعطاه التوراة وبالأول حين ما استنبأه لأنهما المذكوران في القصة.

(٢) جملة «ما أرسلناك» جواب «لو لا».

٤٧٩

والعصا واليد وغيرهما (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أي أبناء جنسهم في الكفر والعناد من كفرة زمن «موسى» أو آباؤهم إذ قيل كان للعرب اصل في زمنه (قالُوا سِحْرانِ) (١) أي موسى واخوه ، أو موسى ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقرأ «الكوفيون» : «سحران» مبالغة أو ذوا سحر ، أو كتاباهما (٢) (تَظاهَرا) تعاونا بالسّحر أو الكتابان بتقوية كلّ للآخر والإسناد مجازىّ (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍ) منهما أو من كتابيهما (كافِرُونَ).

[٤٩] ـ (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) من الكتابين (٣) ويعضده تفسير السّاحرين بموسى ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم.

[٥٠] ـ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) دعائك بالإتيان بكتاب اهدى (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) لا الحجّة (وَمَنْ أَضَلُ) أي لا أضل (مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً) حال أي ممنوع الإلطاف (مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لا يلطف بهم لظلمهم.

[٥١] ـ (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) أنزلنا عليهم القرآن متّصلا بعضه في اثر بعض ، ليتّصل التّذكر أو متواصلا حججا وعبرا ومواعيد (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ارادة أن يتّعظوا.

[٥٢] ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، أو في أربعين من مسلمي (٤) النّصارى ، قدموا من الحبشة ومن الشّام.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «سحران» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) الكشف عن وجوه القراآت ٢ : ١٧٤.

(٣) اي كتاب موسى ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) في «ج» معلمي ـ وفي تفسير الكشّاف ٣ : ٤٢١ ـ مسلمي وفيه «لأنّ الإسلام صفة كلّ موحد مصدق للوحى».

٤٨٠