الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

عنه لشدّة ما هم فيه (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) بثباتهم (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قدّم الأبلغ إذ الرأفة شدة الرحمة للفاصلة (١).

[١١٨] ـ (وَعَلَى الثَّلاثَةِ) وتاب على الثلاثة : «مرار بن الربيع و «هلال بن أمية» و «كعب بن مالك» (الَّذِينَ خُلِّفُوا) عن الغزو ، أو عن التوبة عليهم وهم المرجئون.

وقرأ أهل البيت عليهم‌السلام : «خالفوا» (٢) (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي برحبها لهجر الناس لهم ، مثل لحيرتهم (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) قلوبهم غما ووحشة (وَظَنُّوا) أيقنوا (أَنْ) المخففة (لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ) من عقابه (إِلَّا إِلَيْهِ) إلّا التوبة (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) وفقهم للتوبة (لِيَتُوبُوا) أو قبل توبتهم ليثبتوا على التوبة (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) كثير القبول للتوبة (الرَّحِيمُ) بعباده.

[١١٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في معاصيه (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) في الإيمان والقول والعمل.

وعن ابن عباس : «مع عليّ عليه‌السلام وأصحابه» (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : مع آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

[١٢٠] ـ (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) إذا غزا. نفي معناه النهي (وَلا يَرْغَبُوا) منصوب أو مجزوم (بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) بأن يطلبوا لها الدّعة وهو يكابد (٥) المشاق (ذلِكَ) أي النهي عن التخلف (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) عطش (وَلا نَصَبٌ) تعب (وَلا مَخْمَصَةٌ) جوع (فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) لا يدوسون موضعا (يَغِيظُ) يغضب وطؤه (الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) قتلا أو قهرا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) يستحقون عليه

__________________

(١) أي للفصل بالجار والمجرور بين انّ واسمها من جهة وخبرها من جهة اخرى.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٧٨.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٨١.

(٤) تفسير مجمع البيان ٣ : ٨١.

(٥) الدعة : الراحة ... والمكابدة : تحمّل المشاق.

٤١

الثواب (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي أجرهم. وفيه حثّ على الجهاد وأعمال الخير.

[١٢١] ـ (وَلا يُنْفِقُونَ) في سبيل الله (نَفَقَةً صَغِيرَةً) قليلة (وَلا كَبِيرَةً) كثيرة (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) بسيرهم (إِلَّا كُتِبَ) أثبت ذلك (لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) به (أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) جزاء ، أحسنه.

[١٢٢] ـ (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) ما جاز لهم أن ينفروا جميعا للغزو.

كانوا ينفرون جميعا مع السرايا ويتركون التّفقّه ، وذلك لما سمعوا ما نزل في المتخلفين ، فنزلت (فَلَوْ لا) فهلا (نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) قبيلة (مِنْهُمْ طائِفَةٌ) جماعة وبقيت جماعة (لِيَتَفَقَّهُوا) أي الباقون (فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا) بما تعلّموه (قَوْمَهُمْ) النافرين (إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) من الغزو (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ما ينذرونه.

وقيل واو «يتفقهوا» و «ينذروا» للنافرين ، والمعنى ليس عليهم أن ينفروا جميعا الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتعلم الدين ، بل ينفر من كل جماعة طائفة فتتعلم وترجع فتعلم قومها ما تعلمته (١). ويفيد حجية خبر الواحد.

[١٢٣] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أي الأقرب منهم فالأقرب دارا أو نسبا. وقيل هم «قريظة» و «النضير» و «خيبر» ، وقيل الروم في الشام لقربها من المدينة (٢) (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) شدة أي اغلظوا عليهم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بعونه ونصره.

[١٢٤] ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ) فمن المنافقين (مَنْ يَقُولُ) ـ لباقيهم استهزاء ـ : (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السورة (إِيماناً) تصديقا (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ

__________________

(١) قاله الجبّائي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٨٤ ـ.

(٢) قاله ابن عمر ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٨٤ ـ.

٤٢

إِيماناً) بانضمام تصديقهم بها الى إيمانهم (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فرحا بها.

[١٢٥] ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) كفرا بها ضمّوه الى كفرهم (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) ورسخوا في الكفر حتّى ماتوا عليه.

[١٢٦] ـ (أَوَلا يَرَوْنَ) أي المنافقون ، وقرأ «حمزة» بالتاء (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) يبتلون (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) بالشدائد أو الغزو مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعاينوا آيات نصره (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) من نفاقهم (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) يتعظون.

[١٢٧] ـ (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) فيها ذكرهم (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) تغامزا يريدون الهرب ، يقولون ـ إشارة ـ : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) ان قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا (ثُمَّ انْصَرَفُوا) عن المجلس خوف الفضيحة (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن رحمته.

خبر أو دعاء (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) بسبب عدم تدبرهم.

[١٢٨] ـ (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) منكم عربي من ولد إسماعيل (عَزِيزٌ) شديد (عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) عنتكم أي مشقتكم (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أن تؤمنوا (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

[١٢٩] ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان بك (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) كافيّ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) به وثقت لا بغيره (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ) الملك (الْعَظِيمِ) أو الجسم الأعظم المحيط.

قيل : هاتان الآيتان آخر ما نزل (١).

__________________

(١) قاله قتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٨٦ ـ.

٤٣
٤٤

سورة يونس

[١٠]

مائة وتسع آيات مكية إلّا (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) الثلاث ، أو (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ) الآية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الر) فتحها «ابن كثير» و «قالون» و «حفص» ، (١) وأمالها الباقون (تِلْكَ) أي هذه الآيات المنزلة (آياتُ الْكِتابِ) القرآن (الْحَكِيمِ) المحكم أو الجامع للحكم.

[٢] ـ (أَكانَ) إنكار (لِلنَّاسِ) أهل مكة حال (٢) من (عَجَباً) خبر «كان» ،

__________________

(١) في تفسير البيضاوي ٣ : ٢ فخّمها «ابن كثير» و «نافع» برواية «قالون» و «حفص» ، وقرأ «ورش» بين اللفظين ، وامالها الباقون اجراء لألف الراء مجرى المنقلبة من الياء. وفي روح المعاني ١١ : ٥٣ بتفخيم الراء المفتوحة وهو الأصل ، وامال ابو عمرو وبعض القراء اجراء لألف الراء مجرى الألف المنقلبة عن الياء ، فإنهم يميلونها تنبيها على أصلها. وفي الإمالة هنا دفع توهم ان «ر» حرف ل «ما» و «لا» فقد صرحوا ان الحروف يمتنع فيها الإمالة وقرأ «ورش» بين بين.

(٢) الظاهر ان الصحيح : واللام حال من «عجبا» ـ كما يظهر من عبارة الآلوسي في تفسيره روح المعاني ١١ : ٥٤ وفيه واللام متعلقة بمحذوف وقع حالا من «عجبا» ... وفي تفسير مجمع البيان ٣ : ٨٨ ، واللام في قوله : «للناس» يتعلّق بمحذوف كان صفة لعجب ، فلما تقدّم صار حالا. وفي تفسير الجلالين ١ : ١٧١ : اي اهل مكة ، استفهام انكار.

٤٥

واسمها (أَنْ أَوْحَيْنا) أي ايحاؤنا (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قيل : قالوا : إنّ الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلّا يتيم أبي طالب.

وقيل تعجبوا من إرساله بشرا (أَنْ) مفسرة أو مخففة (أَنْذِرِ النَّاسَ) خوّفهم بالعذاب (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَ) بأن (لَهُمْ قَدَمَ) سابقة (صِدْقٍ) أي منزلة رفيعة بما قدموا ، أو شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا) القرآن المتضمن ذلك (لَساحِرٌ مُبِينٌ) بيّن ، وقرأ «الكوفيون» و «ابن كثير» «لساحر» (١). والإشارة الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٣] ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) في قدرها ولم يخلقهن دفعة مع قدرته على ذلك لحكم ، منها إثبات الإختيار ، وتعليم خلقه التثبت. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) فسّر في «الأعراف» (٢). (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقدره وينفذه على مقتضى حكمته (ما مِنْ شَفِيعٍ) يشفع لأحد عنده (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) ردّ لزعمهم أنّ أصنامهم تشفع لهم (ذلِكُمُ) الموصوف بهذه الصفات (اللهُ رَبُّكُمْ) لا إله ولا ربّ لكم غيره (فَاعْبُدُوهُ) وحده (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تتفكرون وتتعظون.

[٤] ـ (إِلَيْهِ) لا الى غيره (مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) بعد الموت (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) مصدران قدر فعلهما (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) يبتدئ به (٣) (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد إفنائه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) بعدله ، أو : عدلهم أي ايمانهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) ماء في غاية الحرارة (وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) بسبب كفرهم أو بمقابلته.

وعدل عن أسلوب مقابله اشعارا بأن الغرض بالذات من الإبداء والإعادة الإثابة ،

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٢٧.

(٢) في تفسير الآية (٥٤) من سورة الأعراف.

(٣) في «ب» : يبتدئه.

٤٦

والتعذيب واقع بالعرض ، ولشدة اعتنائه بالرحمة نسب الجزاء بها لنفسه بخلاف ضدها.

[٥] ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) ذات ضياء ، مصدر أو جمع ضوء ، وقرأ «قنبل» بهمزتين (١) (وَالْقَمَرَ نُوراً) ذا نور ، وهو أعم من الضوء.

وقيل : الذاتي ضوء ، والعرضي نور ، فما في الشمس فمن ذاتها وما في القمر فمكتسب منها (وَقَدَّرَهُ) أي كل واحد منهما من حيث السير (مَنازِلَ) ثمانية وعشرين ، أو الضمير للقمر ، وخص بالذكر لظهور نزوله بها (لِتَعْلَمُوا) بذلك (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) للأيام والشهور لمنافع دينية ودنيوية (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا) متلبسا (بِالْحَقِ) لا باطلا ـ تعالى عنه ـ (يُفَصِّلُ) نبيّن ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «حفص» بالياء (٢) (الْآياتِ) الدلالات (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فيتدبرونها.

[٦] ـ (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بالتعاقب والطول والقصر (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ) من نيّرات وملائكة وغيرها (وَالْأَرْضِ) من أجناس الكائنات (لَآياتٍ) لوجوده ووحدانيته وعلمه وقدرته (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) فيصدّقون بها.

[٧] ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) لا يتوقعون (لِقاءَنا) بالبعث (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) من الآخرة ، لإنكارهم لها (وَاطْمَأَنُّوا بِها) سكنوا إليها (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) لا يتدبرونها.

[٨] ـ (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعاصي.

[٩] ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) للجنة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) خبر ثان أو حال من مفعول «يهدي» (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) حال من «الأنهار» أو متعلق ب «تجري» :

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ٣.

(٢) حجة القراآت : ٣٢٨.

٤٧

[١٠] ـ (دَعْواهُمْ) دعاؤهم (فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) نسبّحك تسبيحا يا الله (وَتَحِيَّتُهُمْ) من الملائكة أو فيما بينهم (فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ) مفسرة أو مخففة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد.

[١١] ـ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) إذا دعوا على أنفسهم وأولادهم ضجرا (اسْتِعْجالَهُمْ) أي كتعجيله لهم (بِالْخَيْرِ) إذا استعجلوه (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ) وبناه «ابن عامر» للفاعل (١) ونصب (أَجَلُهُمْ) أي لأهلكوا ، ولكن يمهلهم (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) لا يتوقعون البعث (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يتحيرون.

[١٢] ـ (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) الجهد والبلاء (دَعانا) لكشفه (لِجَنْبِهِ) أي مضطجعا (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) أي في جميع حالاته (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) استمر على طريقته وكفره (كَأَنْ) مخففة واسمها ضمير شأن مقدر ، أي كأنّه (لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ) التزيين (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) للمشركين عملهم.

[١٣] ـ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ) أهل الأعصر (مِنْ قَبْلِكُمْ) يا أهل مكة (لَمَّا ظَلَمُوا) أشركوا (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالدلائل على صدقهم. حال من الواو بتقدير «قد» (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) لو أبقوا أي : في علمه تعالى (كَذلِكَ) الجزاء أي :

إهلاكهم (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) المشركين.

[١٤] ـ (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ) خلفاء (فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) بعد القرون التي أهلكناها (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) خيرا أو شرا ، فنجازيكم (٢) به.

[١٥] ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) واضحات ، حال ، (قالَ الَّذِينَ

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٢٨.

(٢) في «ب» : ليجاوزكم.

٤٨

لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) لا يتضمن غيب آلهتنا (أَوْ بَدِّلْهُ) فاجعل مكان آية تتضمن ذلك غيرها (قُلْ ما يَكُونُ لِي) ما يجوز لي. وفتح «الحرميان» و «أبو عمرو» الياء (١) وكذا «ياء» إني أخاف» (٢) (أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ) من قبل (نَفْسِي) وخص التبديل بالجواب لشموله الإتيان بقرآن آخر ، وفتح «نافع» و «أبو عمرو» الياء (٣) (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) فليس لي التصرف فيه بوجه (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بتبديله (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) هو يوم القيامة.

[١٦] ـ (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ) أعلمكم الله (بِهِ) على لساني وقرأ «قنبل» ولأدراكم باللام (٤) أي ولا علمكم به على لسان غيري (فَقَدْ لَبِثْتُ) مكثت (فِيكُمْ عُمُراً) أربعين سنة (مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن لا آتيكم بشيء (أَفَلا تَعْقِلُونَ) تتفكرون بعقولكم لتعلموا انه ليس من قبلي.

[١٧] ـ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم ان له شريكا أو ولدا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) القرآن (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) المشركون.

[١٨] ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) إن لم يعبدوه (وَلا يَنْفَعُهُمْ) إن عبدوه ، لأنّه جماد وهم الأصنام (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) الأصنام (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) في الدنيا أو في الآخرة إن بعثنا (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أتخبرونه (بِما لا يَعْلَمُ) من ان له شريكا ، أو هؤلاء شفعاء عنده ، أي لو صح ذلك لعلمه (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) حال من العائد المقدر (سُبْحانَهُ) تنزيها له (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يشركونه معه. وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالتاء (٥).

[١٩] ـ (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) على الحق من عهد آدم الى نوح ، أو

__________________

(١) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٢) الآتي في آخر هذه الآية وانظر المصدر السابق.

(٣) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٢.

(٤) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٢.

(٥) حجة القراآت : ٣٢٩.

٤٩

على الكفر في فترة (فَاخْتَلَفُوا) تفرقوا الى مؤمن وكافر (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخير الجزاء الى يوم الفصل : يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في الدنيا (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإهلاك الكفرة.

[٢٠] ـ (وَيَقُولُونَ لَوْ لا) هلّا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي مما اقترحوه (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) لا يعلمه إلّا هو ، فلا ينزل إلّا ما يعلم أن فيه صلاحا (فَانْتَظِرُوا) نزولها أو العذاب (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لهلاككم.

[٢١] ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) الكفار (رَحْمَةً) نعمة وخصبا (١) (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) شدة وجدب (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) بتكذيبها والقدح فيها (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) مجازاة على المكر (إِنَّ رُسُلَنا) الحفظة (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) وقرأ «يعقوب» بالياء (٢).

[٢٢] ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) يمكنكم من السير. وقرأ «ابن عامر» : «ينشركم» من النشر (٣) (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) السفن (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) التفات الى الغيبة ، كأنه خوطب غيرهم ليتعجب منهم (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) لينة (وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها) جواب «إذا» (رِيحٌ عاصِفٌ) شديدة الهبوب (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) جهة (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) فلا مخلص لهم من الهلاك (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) بلا اشراك ، بدل اشتمال من «ظنّوا» (لَئِنْ) لام قسم (أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) الشدّة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) المؤمنين.

[٢٣] ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ) يظلمون (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) بالشرك والفساد (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ) ظلمكم كائن (عَلى أَنْفُسِكُمْ) لأن وباله عليها

__________________

(١) الخصب : الخير.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٦ وتفسير القرطبي ٨ : ٣٢٤.

(٣) حجة القراآت : ٣٢٩ والنشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٢.

٥٠

أو على بعضكم (مَتاعَ) خبر محذوف ، أي هو منفعة (الْحَياةِ الدُّنْيا) الزائلة أو خبر «بغيكم» إن تعلق به الظرف ، ونصبه «حفص» مصدرا ، (١) أي تمتعون متاع (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) في الآخرة (فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالجزاء به.

[٢٤] ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) صفتها في سرعة زوالها بعد إقبالها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ) بسببه (نَباتُ الْأَرْضِ) بعضه ببعض (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) من الحبوب والبقول والكلأ (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) بهجتها من أصناف النبات (وَازَّيَّنَتْ) بالأزهار. وأصله تزينت وأبدلت التاء «زاء» وأدغمت ، وجيء بهمزة (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) بتحصيل غلتها (أَتاها أَمْرُنا) حكمنا وعذابنا (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها) أي زرعها (حَصِيداً) كالمحصود بآلة (كَأَنْ) مخففة (لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) لم تكن من قبل (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ليعتبروا بها.

[٢٥] ـ (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) السلامة أو دار الله أي الجنة (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) موصل إليها وهو الإيمان.

[٢٦] ـ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) المثوبة (الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) أضعاف مضاعفة أو ترك حسابهم بنعيم الدنيا (وَلا يَرْهَقُ) يغشى (وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) سواد (وَلا ذِلَّةٌ) هوان (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

[٢٧] ـ (وَالَّذِينَ) عطف على «للذين أحسنوا» أي وللذين (كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) أو مبتدأ بتقدير و «جزاء الذين» وخبره «جزاء سيئة بمثلها» أو «كأنما أغشيت» وما بينهما اعتراض. «فجزاء سيئة» مبتدأ ، وخبره «بمثلها» على زيادة «الباء» أو تقدير «واقع» (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من عذابه أو من جهته (مِنْ عاصِمٍ) مانع (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ) ألبست (وُجُوهُهُمْ قِطَعاً) جمع «قطعة» وسكّنه «ابن كثير»

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٣٠ والنشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٣.

٥١

و «الكسائي» (١) أي جزء (مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) حال من «الليل» أو «قطعا» بالتسكين ، أو صفته (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

[٢٨] ـ (وَيَوْمَ) واذكر يوم (نَحْشُرُهُمْ) أي الخلق (جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) الزموا مكانكم (أَنْتُمْ) تأكيد للضمير فيه ليعطف عليه (وَشُرَكاؤُكُمْ) أي الأصنام (فَزَيَّلْنا) فرّقنا (بَيْنَهُمْ) بقطع وصلهم (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) نطّقهم الله : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) بل عبدتم أهواءكم ، أو ما شعرنا بعبادتكم لنا.

وقيل : الشركاء : الشياطين ، وقيل الملائكة.

[٢٩] ـ (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ) مخففة أي «إنا» (كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) اللام فارقة.

[٣٠] ـ (هُنالِكَ) في ذلك المكان (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) تختبر وتعلم ما عملت. وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «تتلو» من التلاوة ، (٢) أي تقرأ كتاب عملها ، أو من التلو أي تتبع عملها (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ) إلى حكمه (مَوْلاهُمُ) مالكهم (الْحَقِ) على الحقيقة أو الثابت (وَضَلَ) بطل (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) يدعون أن له شركاء.

[٣١] ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بالمطر والنبات (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) أي خلق الأسماع (وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) من النطفة والبيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ) النطفة والبيضة (مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أمر العالم (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) لوضوح ذلك بحيث لا يمكنهم إنكاره (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) عقابه فتوحّدونه.

[٣٢] ـ (فَذلِكُمُ) الفاعل لهذه الأشياء (اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) الثابت (فَما ذا) إنكار أي ليس (بَعْدَ الْحَقِ) وهو عبادته (إِلَّا الضَّلالُ) فمن اخطأه ضلّ (فَأَنَّى)

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٣٠ والنشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٣.

(٢) حجة القراآت : ٣٣١.

٥٢

فكيف (تُصْرَفُونَ) عن عبادته.

[٣٣] ـ (كَذلِكَ) أي كما حقت ألوهيته وربوبيته (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) بالوعيد بالنار ، وجمعها «نافع» و «ابن عامر» (١) (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) كفروا (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) تعليل لحقية كلمته ، أو بدل منها ويراد بها سبق علمه تعالى بعدم إيمانهم.

[٣٤] ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) فإن أجابوا أو سكتوا ، فأنت (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) تصرفون عن الإيمان.

[٣٥] ـ (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) بنصب الحجج أو التوفيق الى النظر (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) «هدى» يعدّى ب «إلى» و «اللام» (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) وهو الله (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) غيره أو لا يهتدي ، وسكن الهاء «حمزة» و «الكسائي» وخففا الدال (٢) وشددها الباقون ففتح «الهاء» «ابن كثير» و «ورش» و «ابن عامر» (٣) ، وكسرها «حفص» (٤) وكذا «أبو بكر» مع كسر الياء ، (٥) وأخفى حركة الهاء «أبو عمرو» و «قالون» (٦) (إِلَّا أَنْ يُهْدى) وهذا وصف أشرف شركائهم كالمسيح والملائكة (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بما لا يقبله عقل سليم.

[٣٦] ـ (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) أي كلهم في تدينهم (إِلَّا ظَنًّا) من تقليد آبائهم (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) العلم الثابت (شَيْئاً) مفعول به أو مصدر ، ويفيد منع التقليد في الأصول (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) من الإشراك به ، فيجازيهم عليه.

[٣٧] ـ (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) أي افتراء (مِنْ دُونِ اللهِ) من غيره (وَلكِنْ) كان أو أنزل (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ)

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٣٢.

(٢) حجة القراآت : ٣٣٢.

(٣) حجة القراآت : ٣٣١.

(٤) حجة القراآت : ٣٣٢.

(٥) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٣.

(٦) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٣.

٥٣

وتبيين ما كتب وأثبت من أمور الدين (لا رَيْبَ فِيهِ) خبر ثالث ، أو حال من «الكتاب» ، أو استئناف (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر آخر ، أو متعلق ب «تصديق» أو «أنزل» المقدر.

[٣٨] ـ (أَمْ يَقُولُونَ) بل أيقولون : (افْتَراهُ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) في البلاغة على وجه الافتراء فإنكم مثلي عرب فصحاء (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) لمعاضدتكم عليه (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنه افتراء.

[٣٩] ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) أي بالقرآن قبل أن يتدبروه ويعلموا ما فيه (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي لم يقفوا على معانيه ، أو لم يأتهم عاقبة ما فيه من الوعيد (كَذلِكَ) التكذيب (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) رسلهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) آخر أمرهم من الهلاك ، فكذا عاقبة هؤلاء.

[٤٠] ـ (وَمِنْهُمْ) من قومك (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) في المستقبل أو في نفسه ويعاند (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) حتّى يموت كافرا ، أو في نفسه لعدم تدبره (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) من لم يؤمنوا.

[٤١] ـ (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) لكل جزاء عمله (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) قيل : نسخ بآية السيف. وفيه : أنه لا تنافي بينهما.

[٤٢] ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) إذا قرأت القرآن ، ولا يقبلون (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) أي من هم كالصمّ في عدم الانتفاع بما تقرأه (وَلَوْ كانُوا) مع صممهم (لا يَعْقِلُونَ) لا يتدبرون بعقولهم.

[٤٣] ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ويرى شواهد صدقك ولا يصدقك (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) من هم ، كالعمي في عدم الاهتداء (وَلَوْ كانُوا) مع العمي

٥٤

(لا يُبْصِرُونَ) لا يعتبرون بالبصائر.

[٤٤] ـ (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) بمنعهم الانتفاع بالحجج (وَلكِنَ) وخففه «حمزة» و «الكسائي» ، (١) ورفعا (النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بترك تدبرها ، وهذا يبطل القول بالجبر.

[٤٥] ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) وقرأ «حفص» بالياء (٢) (كَأَنْ) أي كأنهم لهول ما يرون (لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا أو القبور (إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) وجملة التشبيه حال من «هم» أو صفة «يوم» أي كأن لم يلبثوا قبله (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) يعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف للأهوال. وهو حال مقدرة ، أو متعلق الظرف (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) بالبعث (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) لطريق الصواب.

[٤٦] ـ (وَإِمَّا) إن الشرطية أدغمت في «ما» الزائدة (نُرِيَنَّكَ) في حياتك (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب وجواب الشرط محذوف ، أي فذاك (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل تعذيبهم (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) في الآخرة (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) مطّلع (عَلى ما يَفْعَلُونَ) فيجازيهم به ، و «ثم» لترتيب مقتضى الشهادة وهو عقابهم على رجوعهم.

[٤٧] ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم (رَسُولٌ) يدعوهم الى الله (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) إليهم فكذبوه (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) بالعدل ، فيهلكون وينجو الرسول ومصدقوه.

أو معناه : فإذا جاء رسولهم في القيامة يشهد عليهم ، قضي بينهم بإنجاء المؤمن وتعذيب الكافر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بعقوبة بغير ذنب.

[٤٨] ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بالعذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيه.

[٤٩] ـ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا) بدفع (وَلا نَفْعاً) بجلب (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ان أملكه فكيف أملك لكم تعجيل العذاب؟ (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) مضروب لهلاكهم

__________________

(١) تفسير القرطبي ٨ : ٣٤٧.

(٢) حجة القراآت : ٣٣٢ وتفسير مجمع البيان ٣ : ١١٢.

٥٥

(إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) لا يتأخرون ولا يتقدمون.

[٥٠] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) اخبروني (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ) عذاب الله (بَياتاً) ليلا (أَوْ نَهاراً ما ذا) أيّ شيء (يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ) من العذاب (الْمُجْرِمُونَ) وضع موضع الضمير ، وجواب «ان» محذوف أي تندموا على استعجالكم ، أو «ماذا» نحو : «إن جئتك ماذا تعطيني».

[٥١] ـ (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) أي أبعد وقوع العذاب (آمَنْتُمْ بِهِ) بالله أو العذاب حين لا ينفعكم الإيمان؟ والهمزة لإنكار التأخير (آلْآنَ) أي ويقال لكم الآن تؤمنون. و «نافع» يحذف الهمزة ويحرك اللام بحركتها (١) (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) استهزاء.

[٥٢] ـ (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) الدوام (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) إلّا بجزائه.

[٥٣] ـ (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) يستخبرونك (أَحَقٌّ هُوَ) أي ما تعدنا به من البعث والجزاء ، أو ما جئت به من القرآن والشريعة. و «حق» خبر مقدم ، أو مبتدأ والضمير فاعل سدّ مسدّ الخبر (قُلْ إِي) نعم (وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) لا شك فيه. وفتح «نافع» و «أبو عمرو» الياء (٢) (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) بفائتين العذاب.

[٥٤] ـ (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) أشركت (ما فِي الْأَرْضِ) من الأموال (لَافْتَدَتْ بِهِ) من العذاب (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أخفوها كراهة لشماتة الأعداء ، أو أخفاها رؤساؤهم عن الأتباع خوف ملامتهم (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين الخلائق (بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بالجزاء.

[٥٥] ـ (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يفعل به ما يشاء (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والجزاء (حَقٌ) كائن لا محالة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لتركهم

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٣٣.

(٢) النشر في القراآت العشر ٢ : ٢٨٨.

٥٦

النظر المؤدي الى العلم.

[٥٦] ـ (هُوَ يُحيِي) الخلق بعد كونهم أمواتا (وَيُمِيتُ) الأحياء (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالبعث ، فيجازى كلا بعمله.

[٥٧] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قرآن يرغب في محاسن الأعمال ، ويزجر عن مساويها (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) من أمراض الشكوك وسوء الإعتقاد (وَهُدىً) الى الحقّ (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) لنجاتهم به من النار الى الجنة.

[٥٨] ـ (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) بإنزال القرآن. وتعلقت «الباء» بما يفسره (١) (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) أو بما دلّ عليه «جاءتكم» والفاء زائدة ، أو بمعنى الشرط أي إن فرحوا بشيء فبهما ليفرحوا.

وقيل فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن.

وعن الباقر عليه‌السلام : «فضله» رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و «رحمته» عليّ عليه‌السلام (٢) (هُوَ) أي ذلك (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من عرض الدنيا. وقرأ «ابن عامر» بالتاء (٣).

[٥٩] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (ما أَنْزَلَ اللهُ) خلق (لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) من الزرع والضرع بالمطر وجعله حلالا (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً) كالبحيرة (٤) وغيرها (وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) في التحليل والتحريم ، والهمزة للإنكار ، أي لم يأذن لكم فيه (أَمْ) بل أ(عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) بنسبة ذلك إليه ، والهمزة للتقرير.

[٦٠] ـ (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي شيء ظنّهم به (يَوْمَ

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي تفسير البيضاوي ٣ : ١٢ : والباء متعلقة بفعل يفسره قوله «فبذلك فليفرحوا».

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١١٧.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ١١٦.

(٤) ينظر سورة المائدة : ٥ / ١٠٣.

٥٧

الْقِيامَةِ) أيحسبون أنه لا يؤاخذهم (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بإنعامه عليهم وإمهالهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) نعمه.

[٦١] ـ (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أمر (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) من الشأن أو الله (مِنْ قُرْآنٍ) مفعول «تتلوا» و «من» لتبعيض ، أو زائدة (وَلا تَعْمَلُونَ) أي أنت وأمتك (مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) رقباء (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) تخوضون في العمل (وَما يَعْزُبُ) وما يغيب وما يبعد ، وكسر «الكسائي» : الزاء (١) (عَنْ رَبِّكَ) عن علمه (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) وزن نملة صغيرة (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) فتحا اسمين ل «لا» ورفعهما «حمزة» على الابتداء (٢) (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بيّن ، هو اللوح المحفوظ.

[٦٢] ـ (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) أهل طاعته (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يوم القيامة.

[٦٣] ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) المعاصي صفة «أولياء» أو خبر محذوف ، أو مبتدأ وخبره :

[٦٤] ـ (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) هي ما بشّر الله به المتقين في القرآن ، أو الرؤيا الصالحة ؛ أو بشرى الملائكة عند الموت (وَفِي الْآخِرَةِ) بالجنة (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) لا خلف لعداته (ذلِكَ) المذكور من البشرى (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

[٦٥] ـ (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) تكذيبهم لك وغيره ، وقرأ «نافع» : «يحزنك» من أحزن (٣) (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) استئناف معلل كأنه قيل : «لا تحزن لقولهم» لأن الغلبة لله فينصرك عليهم (هُوَ السَّمِيعُ) لقولهم (الْعَلِيمُ) بعملهم ، فيجازيهم به.

[٦٦] ـ (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من العقلاء عبيدا

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١١٨ وحجة القراآت : ٣٣٤.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ١١٨ وحجة القراآت : ٣٣٤.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ١٣.

٥٨

وملكا (١) فغيرهم أولى بأن لا يكون شريكا له (وَما) نافية (يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعبدون غير (شُرَكاءَ) له في الحقيقة وان سموهم بذلك ، ويجوز نصب «شركاء» ب «يدعون» وكون «ما» استفهامية مفعول «يتّبع» أو موصولة معطوفة على «من» (إِنْ يَتَّبِعُونَ) في اتخاذهم له شركاء (إِلَّا الظَّنَ) ظنهم أنها آلهة تقربهم الى الله (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) يكذبون في ذلك.

[٦٧] ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي يبصر فيه فأسند إليه الأبصار مجازا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) حججا على وحدانيته تعالى (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع تعقل.

[٦٨] ـ (قالُوا) أي أهل الكتاب ، أو مشركو العرب (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) قال تعالى : (سُبْحانَهُ) تنزيها له عما قالوا (هُوَ الْغَنِيُ) عن كل شيء ، فلا يحتاج إلى الولد (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (إِنْ) ما (عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) حجة (بِهذا) الذي قلتم (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) توبيخ على قولهم ذلك.

[٦٩] ـ (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بنسبة الولد والشريك إليه (لا يُفْلِحُونَ) لا يفوزون بثواب.

[٧٠] ـ (مَتاعٌ) أي لهم متاع (فِي الدُّنْيا) يتمتعون به أياما قلائل (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) بالموت (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ) بالنار (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) بكفرهم.

[٧١] ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) خبره (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ) عظم (عَلَيْكُمْ مَقامِي) إقامتي فيكم (وَتَذْكِيرِي) وعظي إياكم (بِآياتِ اللهِ) بحججه (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) به وثقت (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) اعزموا على أمر تكيدونني به

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصحيح : وملوكا.

٥٩

(وَشُرَكاءَكُمْ) أي مع شركائكم. أو هو عطف على «شركائكم» بتقدير وأمر شركائكم. أو منصوب بتقدير «وادعوا» ورفعه «يعقوب» عطفا على «الواو» (١) (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) مغطى أي أظهروه (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) امضوا لما في أنفسكم (وَلا تُنْظِرُونِ) لا تمهلوني فإن الله يعصمني منكم.

[٧٢] ـ (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن نصحي (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) ثواب عليه فيثقل عليكم ، فتتولوا (إِنْ أَجْرِيَ) ـ وفتح الياء «نافع» و «ابن عامر» و «أبو عمرو» و «حفص» حيث وقع ـ (٢) ما ثوابي على أداء الرسالة (إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المستسلمين لأمره.

[٧٣] ـ (فَكَذَّبُوهُ) ثبتوا على تكذيبه (فَنَجَّيْناهُ) من الغرق (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) السفينة وكانوا ثمانين (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) من المغرقين (وَأَغْرَقْنَا) بالطوفان (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) فليحذر الذين كذبوك أن يهلكوا مثلهم.

[٧٤] ـ (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ) بعد نوح (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) كل الى قومه (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات البيّنة (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ) أي أوائلهم وهم قوم نوح (مِنْ قَبْلُ) قبل بعث الرسل (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) بالكفر. واسناد الطبع إليه تعالى مجاز عن ترك قسرهم الى الإيمان (٣).

[٧٥] ـ (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) بعد أولئك الرسل (مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) رؤساء قومه (بِآياتِنا) التسع (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) عاصين.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ / ٢٢١ ـ والنشر في القراآت العشر ٢ / ٢٨٦.

(٢) تفسير القرطبي ٨ : ٣٦٥ ـ وانظر سورة هود : ١١ / ٢٩.

(٣) تقدم مثل ذلك في سورة الأعراف : ٧ / ١٠٠.

٦٠