الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٨

أو ابتداء وعيد من الله تعالى.

[٢٣] ـ (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمره (تَحِيَّتُهُمْ فِيها) من الملائكة أو فيما بينهم (سَلامٌ).

[٢٤] ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) كيف بيّنه ، جعل (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) وهو تفسير «ضرب الله مثلا» ، أو «كلمة» بدل من «مثلا» و «كشجرة» صفتها.

والكلمة الطيبة : كلمة التوحيد ، أو ما دعا الى الحق.

والشجرة الطيبة : النخلة أو شجرة في الجنة ، أو شجرة بهذا الوصف وان لم توجد.

وعن الباقر عليه‌السلام : أنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفرعها عليّ ، وعنصرها فاطمة ، وثمرها أولادها ، وورقها شيعتنا (١) (أَصْلُها ثابِتٌ) في الأرض (وَفَرْعُها) رأسها (فِي السَّماءِ).

[٢٥] ـ (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) تعطي ثمرها كلّ ستة أشهر ، أو كلّ سنة ، أو كلّ وقت (بِإِذْنِ رَبِّها) بأمره (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) يبيّنها (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون بتدبرها.

[٢٦] ـ (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) هي كلمة الكفر ، أو ما دعا الى الباطل (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) هي الحنظل أو الكشوث (٢) أو ما لا ينتفع بها.

وعن الباقر عليه‌السلام أنها «بنو أمية» (٣) (اجْتُثَّتْ) اقتلعت جثتها (مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) استقرار.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣١٢ وتفسير البرهان ٢ : ٣١٠.

(٢) في «ط» هي الباطل او الكفر ـ والكشوث : نبات يلتفّ على الشوك والشجر لا اصل في الأرض ولا ورق ـ.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣١٣ تفسير البرهان ٢ : ٣١١.

١٤١

[٢٧] ـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) أي بكلمة التوحيد المتمكنة في قلوبهم بالحجة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) حتّى لو فتنوا في دينهم لم يزلّوا (وَفِي الْآخِرَةِ) أي في القبر فلا يتلعثمون (١) إذا سألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيّهم وإمامهم ، وفي الموقف فلا يبهتون لهوله (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) لا يثبتهم في الدارين بسبب ظلمهم وكفرهم (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) من تثبيت المؤمن وتخلية الكافر وكفره.

[٢٨] ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) أي شكرها كفرا وضعوها موضعه ، أو بدلوا نفسها (كُفْراً) أي سلبوها فاعتاضوا عنها بالكفر ، ككفرة قريش ،. سكنهم الله حرمه ووسّع عليهم رزقه ، وأكرمهم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكفروا ذلك ، فقحطوا وقتلوا وأسروا يوم بدر ؛ فتركوا النعمة ولزموا الكفر بدلها.

قال الصادق عليه‌السلام : «نحن والله نعمة الله وبنا يفوز من فاز» (٢) (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) اتباعهم (دارَ الْبَوارِ) الهلاك.

[٢٩] ـ (جَهَنَّمَ) عطف بيان (يَصْلَوْنَها) يدخلونها ، حال منها ، أو من القوم (وَبِئْسَ الْقَرارُ) المقرّ هي.

[٣٠] ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أمثالا (لِيُضِلُّوا) بفتح الياء ل «ابن كثير» و «ابي عمرو» ، وبضمها لغيرهما ، (٣) واللام للعاقبة (عَنْ سَبِيلِهِ) دينه (قُلْ تَمَتَّعُوا) بما تهوون في الدنيا الزائلة. أمر تهديد. (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ) مآلكم (إِلَى النَّارِ) والخلود فيها.

[٣١] ـ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) مقول «قل» محذوف ، دل عليه جوابه أي : قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا (يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أو : مقوله

__________________

(١) التلعثم في الكلام : الاضطراب فيه.

(٢) تفسير البرهان ٢ : ٣١٦.

(٣) حجة القراآت : ٣٧٨.

١٤٢

الفعلان ، بتقدير لام الأمر لدلالة «قل» عليه. وسكن ياء «عبادي» «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» (١) (سِرًّا وَعَلانِيَةً) حالان أو مصدران (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ) لا افتداء (فِيهِ) بمال (وَلا خِلالٌ) مخالة ، أي : صداقة نافعة ، وفتحهما «ابن كثير» و «أبو عمرو» (٢).

[٣٢] ـ (اللهُ) مبتدأ ، خبره (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) بيان لقوله (رِزْقاً) طعاما ولباسا. وهو مفعول أخرج (لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) السفن (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) بإرادته إلى مقاصدكم (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) العذبة لانتفاعكم.

[٣٣] ـ (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) جاريين ، لا تفتران لمصالحكم (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ) لسباتكم (وَالنَّهارَ) لمعاشكم.

[٣٤] ـ (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) بعض جميع ما سألتموه ، أي من كلّ شيء سألتموه شيئا ، أو شيئا من حقه أن يسئل للحاجة إليه ، سئل أم لا. و «ما» موصوفة أو موصولة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ) أي أنعامه (لا تُحْصُوها) لا تطيقوا عدّها لعدم تناهيها (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) كثير الظلم للنعمة بترك شكرها ، أو لنفسه بالمعاصي (كَفَّارٌ) شديد الكفران ، أو ظلوم في الشدّة يجزع ، كفار في النعمة يمنع.

[٣٥] ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) مكة (آمِناً) ذا أمن لمن فيه (وَاجْنُبْنِي) بعّدني (وَبَنِيَ) أي الطف لي ولهم لطفا نصير به في جانب عن (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) سأل ذلك مع حصوله له للتثبيت وإظهار الانقطاع إليه تعالى.

وأراد بنيّه لصلبه أو ما يعم أولادهم الموجودين حينئذ ، أو المؤمنين منهم.

[٣٦] ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) بعبادتهم لهنّ ، أسند الإضلال إليها

__________________

(١) كتاب السبعة في القراآت : ٣٦٤.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٧٨.

١٤٣

لأنها سببه مثل : فتنتهم الدنيا (فَمَنْ تَبِعَنِي) على ديني (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي بعضي ، لشدة اختصاصه بي (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذا فيما دون الشرك ، أو قبل علمه بأن الله لا يغفره ، أو مقيد بالتوبة.

[٣٧] ـ (رَبَّنا إِنِّي) وفتح «الحرميان» و «أبو عمرو» الياء (١) (أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) بعضها وهو إسماعيل ومن ولد منه.

قال الباقر عليه‌السلام : نحن بقية تلك العترة ، وكانت دعوة ابراهيم عليه‌السلام لنا (٢) (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) وادي مكة (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) الذي حرمت التعرض له ، فلم يزل ممنّعا عن كل جبار ، أو منعت منه الطوفان (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي إنما أسكنتهم بهذا الوادي لإقامة الصلاة عند بيتك (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) «من» للتبعيض ، أي أفئدة من افئدة الناس.

قيل : لو قال افئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم ، ولحجت اليهود والنصارى ، (٣) وعن «هشام» بياء بعد همزة (٤) (تَهْوِي) تميل وتحنّ (إِلَيْهِمْ) من هوى يهوى : سقط.

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : «تهوى» بفتح الواو ، أي تحب ، (٥) وعدّي ب «الى» لتضمنه معنى الميل (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) لك ، فأجاب الله دعاءه.

[٣٨] ـ (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي) نسرّ (وَما نُعْلِنُ) نظهر (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ

__________________

(١) كتاب السبعة في القراآت : ٣٦٤.

(٢) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣١٨.

(٣) تفسير البيضاوي ٣ : ٧٩ ومعناه في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣١٩.

(٤) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٠.

(٥) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣١٧.

١٤٤

مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) من قول ابراهيم ، أو تصديق من الله لإبراهيم.

[٣٩] ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) مع كبر السنّ واليأس من الولد (إِسْماعِيلَ) ولد له ، وله تسع وتسعون سنة ، (وَإِسْحاقَ) ولد [له] ـ ، (١) وله مائة واثنتا عشرة سنة (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) مجيبه.

[٤٠] ـ (رَبِّ اجْعَلْنِي) بلطفك (مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) واجعل منهم من يقيمها ، ولم يدع للكل لإعلام الله له أن فيهم كفارا (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) أثبت الياء وصلا «ورش» و «أبو عمرو» و «حمزة» ، (٢) ومطلقا «البزي» ، (٣) أي : أجبه ، أو تقبل عبادتي.

[٤١] ـ (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي) لم يسبق منه ذنب ، وانما استغفر انقطاعا إليه تعالى (وَلِوالِدَيَ) دلّ على انهما لم يكونا كافرين ، وان أباه الكافر هو عمّه أو جده لأمّه (وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) يثبت كالقائم على رجله ، أو يقوم أهله له.

[٤٢] ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) خطاب له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتثبيته على ما كان عليه من انه تعالى عالم بهم ، ووعد بأنه مجازيهم عليه.

وفيه تسليه للمظلوم وتهديد للظالم (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) يؤخّر (٤) عقابهم (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) أي أبصارهم فلا تستقر ، أو لا تنطبق للرعب من هول المطلع.

[٤٣] ـ (مُهْطِعِينَ) مسرعين أو ينظرون في ذل وخشوع (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) رافعيها الى السّماء (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) لا يغمّضون عيونهم ، بل هي شاخصة

__________________

(١) الزيادة اقتضاها السياق.

(٢) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧١.

(٣) تفسير مجمع البيان ٣ : ٣١٧.

(٤) في النسخ : نؤخّر.

١٤٥

دائما (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) قلوبهم خالية من العقل للدهشة والفزع ، أو خالية من الخير.

[٤٤] ـ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) هو يوم القيامة ، أو يوم الموت ، مفعول ثان ل «أنذر» (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ـ كفروا ـ : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي : ردّنا الى الدنيا ، وأمهلنا الى أمد من الزمان قريب (نُجِبْ دَعْوَتَكَ) بالتوحيد (وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) ، فيجابون تقريعا : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ) في الدنيا (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) عنها الى الآخرة.

[٤٥] ـ (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والتكذيب من الأمم الماضية (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بتواتر أخبارهم ومعاينة آثارهم (كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) من صنوف العقوبات (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) بيّنا لكم صفات ما فعلوا ، وفعل بهم فلم تعتبروا ، أو ما في القرآن من دلائل القدرة على البعث والعذاب المعجّل والمؤجّل.

[٤٦] ـ (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) جهدوا في إبطال أمر الرسل ، أو أمر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد : قريش (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي علمه أو جزاؤهم (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) «إن» نافية ، واللام لتأكيد النفي ، أي : مكرهم أضعف من أن يزيل ما هو كالجبال الثابتة ، دين الرسل ، أو دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو مخففة ، أي : وان الشأن كان مكرهم العظيم معدّا لذلك. وفتح «الكسائي» «اللام» ، ورفع «تزول» على انها المخففة واللام فارقة (١) والمعنى كما مرّ.

[٤٧] ـ (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) قدم ثاني المفعولين ليعلم انه لا يخلف وعده مطلقا فكيف يخلف رسله (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يغلب

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧١ وحجة القراآت : ٣٧٩.

١٤٦

(ذُو انتِقامٍ) من الكفرة.

[٤٨] ـ (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) ظرف ل «انتقام» أو منصوب ب «اذكر» مقدرا (وَالسَّماواتُ) وتبديل السماوات غيرها.

قيل : هي تلك الأرض وانما تبدل صفتها ، (١) فيذهب بجبالها وآجامها وتبقى بيضاء لم يعمل عليها خطيئة ، وكذا السماء يذهب بشمسها وقمرها ونجمها.

وقيل تبدل ذاتهما (٢) وينشأ غيرهما.

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : تبدل الأرض خبزة نقية ، تأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب (٣) (وَبَرَزُوا) من قبورهم (لِلَّهِ) لمحاسبته (الْواحِدِ) الذي لا نظير له (الْقَهَّارِ) لكل ما سواه فلا ملجأ لأحد إلّا إليه.

[٤٩] ـ (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) في القيود أي مشدودين مع الشياطين ، أو يقرن بعضهم ببعض ، أو تقرن أيديهم وأرجلهم الى رقابهم.

[٥٠] ـ (سَرابِيلُهُمْ) قمصهم (مِنْ قَطِرانٍ) هو ما يسيل من الأبهل (٤) يطلى به الإبل الجرباء ، أسود ، منتن يسرع فيه اشتعال النار يطلى به أهل النار فيصير لهم كالقميص ليكون أبلغ في عذابهم ، ويتفاوت القطرانان كتفاوت النارين (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تعلوها ، خصت بالذكر لأنها أعز الأعضاء وأشرفها ، فعبّر

__________________

(١) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير البيضاوي ٣ : ٨١ ـ.

(٢) نقل معناه البيضاوي في تفسيره ٣ : ٨١ ، وانظر تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٢٤.

(٣) تفسير نور الثقلين ٢ : ٥٥٥ ـ عن الكافي وروضة الكافي ـ وتفسير البرهان ٢ : ٣٢٢.

(٤) الأبهل : هو شجر كبير ورقه كالطرفاء وثمره كالنبق وليس بالعرعر ويسيل منه مادة دهنية تسمى ب «القطران».

١٤٧

بها عن الكل.

[٥١] ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ) متعلق ب «برزوا» (ما كَسَبَتْ) ان خيرا فخيرا ، وان شرّا فشرّا (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) إذ لا يشغله شيء عن شيء.

[٥٢] ـ (هذا) أي القرآن أو السورة (بَلاغٌ) كفاية (لِلنَّاسِ) لينصحوا (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) هذا البلاغ (وَلِيَعْلَمُوا) بتأمّل دلائله (أَنَّما هُوَ) أي الله (إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ) يتذكر أي يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) ذووا العقول.

١٤٨

سورة الحجر

[١٥]

تسع وتسعون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الر تِلْكَ) الآيات (آياتُ الْكِتابِ) أي القرآن. والإضافة بمعنى «من» أو السورة (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) أي آيات الله الجامع لكونه كتابا وقرآنا ، مبيّنا للحق من الباطل. ونكرّ تفخيما.

[٢] ـ (رُبَما) (١) وخففها «نافع» و «عاصم» (٢) و «ما» كافة لها عن العمل ومسوّغة لدخولها على الماضي ، ودخلت على «يودّ» لأنه في إخباره تعالى كالماضي في تحققه ، وقيل «ما» نكرة موصوفة (يَوَدُّ) يتمنى (الَّذِينَ كَفَرُوا) يوم القيامة إذا صاروا الى النار وصار المسلمون الى الجنة (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) ومعنى التقليل هنا أنهم لو كانوا يودون الإسلام مرّة ، لكان جديرا أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودّونه كلّ ساعة ؛ أو أن الأهوال تدهشهم فإن أفاقوا في بعض الأحيان تمنّوا ذلك.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ربما» بالتخفيف ـ كما سيشير اليه المؤلّف.

(٢) حجة القراآت : ٣٨٠.

١٤٩

[٣] ـ (ذَرْهُمْ) دعهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بدنياهم (وَيُلْهِهِمُ) يشغلهم (الْأَمَلُ) الطويل ، الكاذب عن الإيمان (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وبال ما صنعوا إذا حلّ بهم ، وفيه تهديد وتحذير عن إيثار الشهوات ، والاغترار بالأمل.

[٤] ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أجل مضروب لهلاكها كتب في اللوح ، والجملة المستثناة صفة «قرية» والواو لتأكيد لصوقها بالموصوف.

وقيل : حال عنها مع نكارتها ، (١) لعدم اللبس بالصفة للفصل بالواو ، وب «إلّا».

[٥] ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) يتأخّرون عنه.

والتذكير باعتبار المعنى.

[٦] ـ (وَقالُوا) للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهكّما : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) القرآن في زعمه (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) إذ تدّعي أنه نزّل عليك.

[٧] ـ (لَوْ ما) هلّا (تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) ليشهدوا بصدقك أو ليعاقبونا على تكذيبك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك.

[٨] ـ (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) بالنون ونصب الملائكة ل «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» ، (٢) وقرأ «أبو بكر» بالتاء والبناء للمفعول ورفع الملائكة ، (٣) والباقون كذلك لكنهم يفتحون التاء (٤) وجعلها «البيضاوي» شاذة ، وإن قراءتهم بالياء ونصب الملائكة على أن الضمير لله تعالى (٥) وهو خلاف المنقول (إِلَّا بِالْحَقِ) بمقتضى الحكمة ، ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا لعلمه بإصراركم على الكفر ؛ فيصير إنزالهم عبثا ، أو موجبا لاستئصالكم ان لم تؤمنوا ، ومنكم ومن أولادكم من علم انه سيؤمن

__________________

(١) في تفسير البيضاوي ٣ : ٨٣ : لما شابهت صورتها صورة الحال ادخلت (اي الواو) عليها تأكيدا للصوقها بالموصوف.

(٢) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٤ وحجة القراآت : ٣٨١.

(٣) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٤ وحجة القراآت : ٣٨١.

(٤) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٤ وحجة القراآت : ٣٨١.

(٥) تفسير البيضاوي ٣ : ٨٣.

١٥٠

(وَما كانُوا إِذاً) أي حين نزولهم (مُنْظَرِينَ) ممهلين.

[٩] ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) القرآن ، وأكّد لأنه ردّ لإنكارهم (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) عن الزيادة والنقص والتحريف والتبديل بايداعه صدور أهله المعصومين من أئمة الهدى من آل محمّد عليهم‌السلام ، وادخاره عندهم واحدا بعد واحد الى قائمهم ، مكتوبا بخط سيدهم أمير المؤمنين عليه‌السلام كما أنزله جبرئيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، (١) فلا ينافيه ما ورد عنهم عليهم‌السلام مما يؤذن بنقص ما هو في أيدي الناس (٢) وقيل الهاء للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

[١٠] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) رسلا (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) فرقهم.

[١١] ـ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كما استهزأ هؤلاء بك وهو تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١٢] ـ (كَذلِكَ) أي كما أنزلنا الذكر ، أو كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب الشيع (نَسْلُكُهُ) ندخل الذكر أي القرآن (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) مشركي قومك.

__________________

(١) حديث الثقلين ـ روى حديث الثقلين الكثير من الحفاظ وائمّة الحديث بألفاظ متقاربة ومنهم : مسلم في ٧ / باب فضائل علي ١٢٢ ، والترمذي ٥ / ٦٦٣ ، والدارمي ٢ / ٤٣١ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٤٣ و ٣ / ١١٠ و ١٤٨ والطبراني في الكبير ٣ / ٣٧ و ٣٨ و ٦٢ و ٦٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ و ١٦٨ و ١٩٥ ، وابو نعيم في الحلية ٤ / ٣٠٦ ، واحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٩١ و ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ و ٤ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ و ٣٧١ ، و ٥ / ١٨١ ـ ١٨٢ و ١٨٩ ، وفي كتاب الفضائل بالإرقام. ١٧٠ و ٣٨٣ و ٩٦٨ و ٩٩٠ و ١٠٣٢ و ١٤٠٢ وغيرهم.

(٢) بل تنافيه لأنها تدل على عدم حفظ القرآن من قبل الله تعالى ، لذلك نحن لا نأخذ بمثل هذه الأخبار.

(٣) (اي الهاء في «له») قاله الفراء ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٣١ ـ.

١٥١

[٣] ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالذكر ، حال من الهاء في «نسلكه» أي غير مؤمن به (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي مضت سنة الله فيهم من إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم وهؤلاء مثلهم.

[١٤] ـ (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ) في الباب (يَعْرُجُونَ) يصعدون إليها ، أو تصعد الملائكة وهم يرونهم.

[١٥] ـ (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) سدّت عن الأبصار ، من سكر الشّق ، أو حيّرت من «سكر الشراب» وخففه «ابن كثير» (١) (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) سحرنا محمّد ، فخيّل لنا (٢) ما لا حقيقة له.

[١٦] ـ (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) اثنى عشر ، دالة باختلاف طبائعها وخواصها مع تساويها في الجسمية على صانع حكيم (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب (لِلنَّاظِرِينَ) نظر اعتبار بل لكل ناظر إليها.

[١٧] ـ (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) فلا يدخلونها ولا يطّلعون عليها.

[١٨] ـ (إِلَّا) لكن (مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) حفظه منها (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) شعلة نار ظاهرة لمن يراها ، ويقال : للكوكب.

قيل : كانوا لا يحجبون عن السماوات ، فلمّا ولد عيسى منعوا من ثلاث سماوات ، فلما ولد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منعوا من كلها بالشهب (٣).

[١٩] ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) جبالا ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها) في الأرض (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) بميزان الحكمة ، أو متناسب كقولهم كلام موزون ، أو ما يوزن من معدنيّ ونباتيّ.

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٨٢.

(٢) في النسخ : إلينا.

(٣) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٣٢ ـ ، وتفسير ابو الفتوح الرازي ٦ : ١٦٢.

١٥٢

[٢٠] ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) بالياء ، ما تعيشون به من المطاعم والملابس (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) عطف على «معايش» ويراد به العبيد والأنعام والدواب ، فإنما رازقهم الله. و «من» لتغليب العقلاء ، أو على محل «لكم» ويراد به العيال والخدم وغيرهم ، أي أعشناكم وايّاهم.

[٢١] ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي القدرة على إيجاده متضاعفا الى ما لا نهاية له ، والخزائن تمثيل لاقتداره تعالى (وَما نُنَزِّلُهُ) نوجده (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) تقتضيه الحكمة.

[٢٢] ـ (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ) وأفرده «حمزة» (١) (لَواقِحَ) ملقحات للحساب ، أو الشجر ، أو لاقحات أي حوامل للسحاب والماء (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) جعلناه لكم سقيا (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) أي ليس عندكم خزائنه ، أو لا تقدرون على حفظه في العيون والآبار.

[٢٣] ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) الباقون بعد فناء الخلق.

[٢٤] ـ (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) متقدمي الخلق زمانا ومتأخريهم ، أو من تقدّم في الخير ومن أبطأ عنه ، أو الأموات والأحياء ، والظاهر العموم.

[٢٥] ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) للجزاء لا يقدر على ذلك سواه (إِنَّهُ حَكِيمٌ) في أفعاله (عَلِيمٌ) بكل شيء.

[٢٦] ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) آدم (مِنْ صَلْصالٍ) طين يابس ، إذا نقر : صلصل ، أي صوّت (مِنْ حَمَإٍ) طين متغير أسود. والظرف صفة «صلصال» (مَسْنُونٍ) مصبوب أي افرغ صورة كما تفرغ الجواهر المذابة من سنّة : صبّه ، كأنه أفرغه حتى صار صلصالا ، ثم غيره أطوارا حتى نفخ فيه الروح ، أو مصور

__________________

(١) حجة القراآت : ٣٨٢.

١٥٣

من سنة الوجه (١).

[٢٧] ـ (وَالْجَانَ) أبا الجن ، قيل : هو إبليس ، (٢) ونصب بفعل يفسره (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) قبل آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) نار الريح الحارة النافذة في المسام ، أو نار لا دخان لها ، فمن قدر على ابتداء خلق الثقلين من العنصرين ، وإفاضته الحياة عليهم ، قدر على إعادتهم واحيائهم مرة أخرى.

[٢٨] ـ (وَإِذْ) واذكر إذ (قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).

[٢٩] ـ (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) عدلت صورته وأتممته (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أجريته أو أجريت آثاره فيه فحيي ، والنفخ : إجراء الروح في تجويف جسم.

والروح قيل جسم لطيف كالهواء سار في البدن ، (٣) وقيل (٤) جوهر مجرد غير متحيز ولا حال فيه ، يتعلق أوّلا بالبخار المنبعث من القلب في الشرايين ، فيسرى الى اعماق البدن ، وإضافته إليه للتشريف (فَقَعُوا لَهُ) لتكريمه (ساجِدِينَ) لله تعالى.

[٣٠] ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) تأكيد ثان للمبالغة في الشمول لا ليفيد اجتماعهم في السجود وإلّا لانتصب حالا.

[٣١] ـ (إِلَّا إِبْلِيسَ) ان كان منقطعا اتصل به (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وان كان متصلا كان استئنافا ، جواب قائل : هلا سجد :

[٣٢] ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) أيّ غرض لك في (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ).

__________________

(١) سنة الوجه ، اي صورته ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٣٥ ـ.

(٢) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٣٥ ـ.

(٣) قاله اكثر المتكلمين ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٣٧ ـ.

(٤) قاله الحسن والجبائي وابو مسلم ـ كما في تفسير مجمع البيان ٣ : ٣٣٧ ـ.

١٥٤

[٣٣] ـ (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) لا ينبغي لي أن أسجد (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) لأنه جسماني ، وأنا روحاني ، وأصلي أشرف من أصله ، فعارض النص بقياس باطل.

[٣٤] ـ (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) من الجنة أو السماء (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود أو مرجوم بالشهب.

[٣٥] ـ (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) الإبعاد من رحمة الله (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) الجزاء ، حدّ اللعن به جريا على عادة العرب في التأبيد أو لأنه يعذب بما ينسى معه اللعن.

[٣٦] ـ (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أخّرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) استنظره الى وقت لا موت فيه لئلا يموت ، فلم يجبه إليه بل :

[٣٧] ـ (قالَ) ـ له ـ : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).

[٣٨] ـ (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وقت النفخة الأولى حين يموت الخلائق ، أو وقت أجلك المسمّى عند الله.

وقيل : يوم القيامة ولا يستلزم انه لا يموت لجواز موته أوّله ، ويبعث الخلق في أثناءه.

[٣٩] ـ (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) نسبتني الى الغيّ ، أو سبّبته لي بأمرك إياي بالسجود ، أو خيبتني من رحمتك ، أو أضللتني عن طريق الجنة ، والباء للقسم و «ما» مصدرية وجوابه : (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) المعاصي (فِي الْأَرْضِ) في الدنيا (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) بالدعاء الى الضلال حتى يضلّوا.

[٤٠] ـ (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصتهم لطاعتك بلطفك ، وكسره «ابن كثير» و «ابن عامر» و «أبو عمرو» ، (١) أي الذين أخلصوا دينهم لله.

[٤١] ـ (قالَ) ـ تعالى ـ : (هذا) أي الإخلاص (صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ)

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٣ : ٨٧.

١٥٥

أي علي أن أراعيه ، أو على رضواني مروره أو المشار إليه.

[٤٢] ـ (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) تسلّط (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) فإنّه باختياره جعل لك على نفسه سلطانا. والاستثناء منقطع ان أريد بالعباد المخلصون ، ومتصل ان عمّم.

[٤٣] ـ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) أي إبليس ومن تبعه (أَجْمَعِينَ) تأكيد للضمير.

[٤٤] ـ (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) أطباق ، أسفلها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم سقر ثم جحيم ، ثم الهاوية ، ثم السعير.

وقيل قسم قرار جهنم سبعة أقسام لكل قسم باب (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) من الأتباع حال من قوله (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) مفرز على حسب مراتبهم في المتابعة وثقّل «ابن كثير» «جزو» (١).

[٤٥] ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) للشرك والمعاصي (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) هي الأنهار من ماء وخمر وعسل ولبن ، أو منابع غيرها. وضم العين «نافع» و «أبو عمرو» و «حفص» و «هشام» حيث وقع ، وكسرها غيرهم (٢).

[٤٦] ـ (ادْخُلُوها) بتقدير القول (بِسَلامٍ) بسلامة من الآفات (آمِنِينَ) من كلّ مخوف.

[٤٧] ـ (وَنَزَعْنا) في الجنة (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) حقد ، كان في الدنيا (إِخْواناً) حال منهم وكذا (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) في جميع أحوالهم لا يرى بعضهم قفا بعض ، لدوران الاسرة بهم. هذا إن تعلق «على» ب «متقابلين» وإلّا كانا حالين بترادف وتداخل.

__________________

(١) في تفسير البيضاوي ٣ : ٨٧ ـ وفيه : وقرأ ابو بكر : «جزؤ» بالثقيل ـ.

(٢) تفسير البيضاوي ٣ : ٨٨.

١٥٦

[٤٨] ـ (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) تعب ، حال أخرى ، أو استئناف (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) أبدا ، وذلك تمام النعمة.

[٤٩] ـ (نَبِّئْ) خبّر (عِبادِي أَنِّي) وفتح «أبو عمرو» و «الحرميان» الياءين (١) (أَنَا الْغَفُورُ) للمؤمنين (الرَّحِيمُ) بهم.

[٥٠] ـ (وَأَنَّ عَذابِي) لمستحقيه (هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) والآيتان تقرير لما سبق من الوعيد والوعد ، ثم حققه بما يعتبرون به من القصص بقوله :

[٥١] ـ (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) الملائكة.

[٥٢] ـ (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) سلّمنا سلاما (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) خائفون. خافهم لامتناعهم من الأكل ، أو لدخولهم بلا إذن.

[٥٣] ـ (قالُوا لا تَوْجَلْ) لا تخف (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) وسكن «حمزة» الباء وضم الشين (٢). (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) إذا بلغ ، وهو إسحاق.

[٥٤] ـ (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) حال أي مع مسّه إياي. قاله تعجبا من خرق العادة لا شكّا في قدرته تعالى ، وكذا قوله : (فَبِمَ) فبأيّ شيء (تُبَشِّرُونَ) إذ البشارة بما يستعبد عادة بشارة بغير شيء ، أو بأي وجه تبشرونني بالولد مع انتفاء الوجه المعتاد ، وكسر «ابن كثير» «النون» مشدّدة ، (٣) و «نافع» مخففة ، (٤) وفتحها الباقون (٥).

[٥٥] ـ (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) بما يقع البتة ، أو بوجه هو حق ، وهو أمر الله القادر

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٦.

(٢) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٧.

(٣) النشر في القراآت العشر ٢ : ٣٠٢ وتفسير القرطبي ١٠ : ٣٥.

(٤) النشر في القراآت العشر ٢ : ٣٠٢.

(٥) تفسير القرطبي ١٠ : ٣٥.

١٥٧

أن يخلق بشرا من غير أبوين ، فكيف من هرمين (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) الآيسين.

[٥٦] ـ (قالَ وَمَنْ) أي لا (يَقْنَطُ) كسره «أبو عمرو» و «الكسائي» وفتحه الباقون (١) (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الجاهلون قدرته وسعة رحمته.

[٥٧] ـ (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي ما شأنكم الذي بعثتم له. علم من قرائن الحال أن المقصود ليس البشرى فقط.

[٥٨] ـ (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي قوم لوط.

[٥٩] ـ (إِلَّا آلَ لُوطٍ) استثناء منقطع من «قوم» ، لتقييدهم بالأجرام أو متصل من الضمير في مجرمين ، أي إلى قوم أجرم كلهم إلّا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) متصل ب «آل لوط» كالخبر ل «لكن» إن انقطع الاستثناء ، واستئناف إن اتصل. وخفف «حمزة» و «الكسائي» «منجوهم» (٢).

[٦٠] ـ (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من «آل لوط» ، أو من ضمير «هم» (قَدَّرْنا) وخففه «أبو بكر» حيث كان ، (٣) أي قضينا (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) الباقين مع المهلكين.

وأسندوا فعل الله إلى أنفسهم لاختصاصهم به تعالى ، وعلّق لتضمنه معنى العلم.

[٦١] ـ (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ).

[٦٢] ـ (قالَ) ـ لهم لوط ـ : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي إني أنكركم.

خاف أن يطرقوه بشرّ.

[٦٣] ـ (قالُوا بَلْ جِئْناكَ) أي ما جئناك بما توهمت ، بل جئناك (بِما) يسرّك وهو العذاب الذي (كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) يشكّون حين توعّدتهم به.

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٧.

(٢) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٨.

(٣) في سورة سبأ : ٣٤ / ١٨ ـ والواقعة : ٥٦ / ٦٠ سورة النمل : ٢٧ / ٥٧.

١٥٨

[٦٤] ـ (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) بعذابهم المتيقن (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في قولنا.

[٦٥] ـ (فَأَسْرِ) بالقطع والوصل ـ كما مر ـ (١) (بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ) بطائفة (مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) سر خلفهم لتسوقهم وتعلم حالهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) لا ينظر وراءه لئلا يرى عذابهم فيفزع ، أو لا يتخلف لغرض فيعمّه العذاب (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) بالمضي إليه وهو الشام أو مصر.

[٦٦] ـ (وَقَضَيْنا) أي : أوحينا (إِلَيْهِ) مقضيا (ذلِكَ الْأَمْرَ) يفسّره (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) أي : يستأصلوهم عن آخرهم (مُصْبِحِينَ) داخلين في الصبح.

[٦٧] ـ (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) سدوم (يَسْتَبْشِرُونَ) بالملائكة ، طمعا فيهم إذ كانوا في هيئة مرد حسان.

[١٨] ـ (قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) بفضيحتهم.

[٦٩] ـ (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما حرّم (وَلا تُخْزُونِ) تهينوني بسببهم أو تخجلوني فيهم.

[٧٠] ـ (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) عن أن تضيف منهم أحدا وان تجير أحدا.

[٧١] ـ (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) من الصلب أو أراد نساءهم كما مرّ في «هود» (٢). وفتح «نافع» الياء (٣) (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) قضاء الوطر (٤) فزوّجوهنّ.

[٧٢] ـ (لَعَمْرُكَ) مبتدأ حذف خبره ، أي : قسمي وهو لغة في العمر ، اختص بالقسم ، أقسم تعالى بحياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : هو قول الملائكة

__________________

(١) في الآية (٨١) من سورة هود.

(٢) في الآية (٧٨) من سورة هود.

(٣) اتحاف فضلاء البشر ٢ : ١٧٩.

(٤) الوطر : الحاجة والبغية.

١٥٩

ل «لوط» : (١) (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) ضلالتهم (يَعْمَهُونَ) يتحيرون.

[٧٣] ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) الهائلة (مُشْرِقِينَ) في حال شروق الشمس.

[٧٤] ـ (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) بأن رفعها جبريل وقلبها (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) طين متحجّر.

[٧٥] ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) دلالات للمتفرّسين المعتبرين.

[٧٦] ـ (وَإِنَّها) أي قراهم (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ثابت تسلكه المارة ويرون آثارها.

[٧٧] ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) عبرة (لِلْمُؤْمِنِينَ).

[٧٨] ـ (وَإِنْ) مخففة ، أي : وانه (كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) الشجر الملتف وهي غيطة (٢) بقرب مدين ؛ وهم قوم شعيب كانوا يسكنونها (لَظالِمِينَ) بكفرهم.

[٧٩] ـ (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بإهلاكهم بالحرّ والظّلة وهي سحابة استظلوا بها من الحرّ فأحرقتهم بصاعقة (وَإِنَّهُما) أي سدوم والأيكة ، أو الأيكة ومدين ، لدلالة الأيكة عليها ، لأنه بعث إليهما (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) بطريق واضح.

وسمّي إماما لأنه يؤم ، وكذا اللوح (٣).

[٨٠] ـ (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ) واد بين المدينة والشام وهم «ثمود» كانوا يسكنونه ، (الْمُرْسَلِينَ) لأن تكذيبهم صالحا تكذيب لسائر الرسل لمجيء الكل بالتوحيد.

[٨١] ـ (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) الناقة وما فيها من المعجزات (فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) لا يعتبرون بها.

[٨٢] ـ (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) من خرابها وسقوطها عليهم ، أو من العذاب.

__________________

(١) الغيط : البستان.

(٢) تفسير الكشّاف ٢ : ١٩٤.

(٣) في تفسير الكشّاف ٢ : ١٩٢ : والإمام : اسم لما يؤتم به ، واللوح : الذي يكتب فيه لأنها مما يؤتم به.

١٦٠