مفتاح الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
ISBN: 964-7572-08-5
الصفحات: ٣٩٧

وأمّا الإباحة ، فلأنّها تختصّ بما إذا كان طرف الحرمة ، الإباحة والحلّ ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال» والمفروض ، أنّ في مورد دوران الأمر بين المحذورين كان طرف الحرمة هو احتمال الوجوب ، لا احتمال الحلّ والإباحة ، على أنّ الحكم الظّاهريّ إنّما يكون في رتبة متأخّرة عن الحكم الواقعيّ ، لكونه في مورد الجهل بالحكم الواقعيّ. ومن المعلوم ، حصول العلم الوجدانيّ بالإلزام في مورد الدّوران ، فلا شكّ في الحلّيّة والإباحة واقعا حتّى تجعل الإباحة ظاهرا.

وأمّا البراءة الشّرعيّة ، فلأنّ مدركها قوله عليه‌السلام : «رفع ما لا يعلمون» وأنت تعلم ، أنّ الرّفع فرع إمكان الوضع ، وحيث إنّه لا يمكن وضع مجموع الوجوب والحرمة في الدّوران ، فلا يرفعان بالحديث.

وأمّا البراءة العقليّة ، فلأنّه لا حاجة في الحكم بالبراءة عند الدّوران ، إلى التّمسّك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، بل تثبت البراءة عقلا بحصول القطع بالمؤمّن قهرا ، لعدم تأثير العلم الإجماليّ هنا ؛ بداهة ، أنّه إنّما يقتضي التّأثير فيما إذا كان المعلوم بالإجمال صالحا للتّشريع بنحو الإجمال ، والمفروض ، أنّ المعلوم بالإجمال في المقام ليس إلّا أصل الإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة ، ومثل هذا غير صالح للتّشريع ؛ إذ المكلّف مخيّر بينهما تكوينا.

وأمّا استصحاب عدم الوجوب والحرمة ، فلأنّه لمّا كان من الاصول التّنزيليّة لا يمكن الجمع بين مؤدّاه وبين العلم الإجماليّ ، فإنّ البناء على عدم وجوب الفعل وعدم حرمته واقعا لا يجتمع مع العلم بوجوب الفعل أو حرمته إجمالا. وبعبارة

٣٨١

اخرى ، أنّ البناء على مؤدّى الاستصحابين ، ينافي الموافقة الالتزاميّة ، فإنّ التّديّن والتّصديق بأنّ لله تعالى في هذه الواقعة حكما إلزاميّا ، من الوجوب أو الحرمة ، لا يجتمع مع البناء على عدم الوجوب والحرمة واقعا (١). هذا محصّل ما أفاده المحقّق النّائيني قدس‌سره لإثبات مختاره من التّخيير التّكويني في المقام.

ولكن لا يمكننا المساعدة على ما ذكره بالنّسبة إلى البراءة العقليّة والنّقليّة ، وكذا الاستصحاب ؛ أمّا البراءة العقليّة ، فلأنّ عدم تأثير العلم الإجماليّ لا يساوق التّأمين ، بل يوجب اندراج دوران الأمر بين المحذورين تحت الشّبهة البدويّة الّتي يجب فيها تحصيل المؤمّن لا محالة ولا مؤمّن إلّا قاعدة قبح العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا حجّة وبرهان.

وأمّا البراءة الشّرعيّة ؛ فلأنّ المرفوع ليس هو مجموع الحكمين ـ كى يقال بعدم إمكان وضعه ـ بل هو كلّ واحد منهما ، ووضع ذلك ممكن ، كما لا يخفى.

وأمّا الاستصحاب ، فلأنّ البناء فيه هو البناء العمليّ لا القلبيّ الاعتقاديّ كي ينافي الموافقة الالتزاميّة ، وإذا فلا مانع من جريانه في باب الدّوران ولا منافاة بينه وبين العلم الإجماليّ بجنس التّكليف ، فتأمّل جيّدا.

فتحصّل : أنّ القول المختار في المقام هو القول الأوّل (جريان البراءة العقليّة والنّقليّة) ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع ، كما عرفت وجه ذلك ، وأنّه لا يبعد ـ أيضا ـ اختيار جريان استصحاب عدم الوجوب والحرمة.

ثمّ إنّه لا فرق بناء على القول البراءة بين أن يكون أحد الحكمين محتمل الأهميّة

__________________

(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٤٤٨ إلى ٤٥٠.

٣٨٢

وبين أن لا يكون كذلك ؛ إذ احتمال كون أحدهما على تقدير ثبوته في الواقع ، أهمّ من الآخر ، لا يوجب ترجيح محتمل الأهميّة على غيره ، بحيث يمنع عن إجراء أصالة البراءة المقرّرة ظاهرا عند الجهل بالحكم ، كما هو واضح.

نعم ، بناء على القول بالتّخيير العقليّ يمكن الفرق بين الموردين وترجيح محتمل الأهميّة ، كما هو مختار المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) ؛ ويتّضح وجه ذلك ، ببيان ضعف ما اختاره بعض الأعاظم قدس‌سره من أنّه لا ترجيح لمحتمل الأهميّة من غير فرق بين القولين ، فقال ما حاصله : إنّ المقام لا يقاس بباب التّزاحم ؛ إذ الأهميّة المحتملة هنا تقديريّة ، حيث إنّه لم يعلم ثبوت أحد الحكمين بخصوصه وإنّما المعلوم ثبوت الإلزام في الجملة. غاية الأمر : لو كان الإلزام في ضمن أحدهما المعيّن ، احتملت اهميّته ، فاحتمال الأهميّة إنّما هو على تقدير كون الالزام في ضمن أحد الحكمين معيّنا ، ومثل هذا لا يصلح للتّرجيح ، وهذا بخلاف باب التّزاحم ؛ إذ يعلم فيه ثبوت كلّ من الحكمين ، إلّا أنّه لا يجب امتثالهما معا لعجز المكلّف وعدم قدرته على الجمع بينهما. (٢)

وفيه : أنّ الفرق بين باب الدّوران وباب التّزاحم بما ذكر ، واضح ممّا لا يكاد يخفى ، لكنّه لا يوجب الفرق بينهما بلزوم تقديم محتمل الأهميّة في باب التّزاحم دون باب الدّوران ولا يكون دليلا على الفرق بينهما من هذه النّاحية ، بل الصّواب أن يقال : إنّ العقل كما يستقلّ في الحكم بلزوم تقديم محتمل الأهميّة في باب التّزاحم ، كذلك يستقلّ في الحكم بلزومه في باب الدّوران ـ أيضا ـ ولا ينبغي أن يتفوّه بالتّساوي عقلا ، بين المحذورين مع كون أحدهما أهمّ ولو احتمالا.

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٠٧.

(٢) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٣٤.

٣٨٣

وبالجملة : أنّ الأهميّة في كلا البابين محتملة حسب الفرض. غاية الأمر ، ثبوت كلا الحكمين في باب التّزاحم معلوم ، بخلاف باب الدّوران ، فإنّه يعلم فيه ثبوت أحدهما ، وأنت ترى ، أنّ هذا المقدار من الفرق غير فارق في ما ذكر من استقلال العقل في الحكم بلزوم تقديم محتمل الأهميّة ، فالحقّ ما عليه المحقّق الخراساني قدس‌سره من ترجيح محتمل الأهميّة في المقام ـ أيضا ـ هذا كلّه في الصّورة الاولى (دوران الأمر بين المحذورين في التّوصّليّات مع وحدة الواقعة).

(دوران الأمر بين المحذورين في التّعبّديّات مع وحدة الواقعة)

أمّا الصّورة الثّانية (دورانه بينهما في التّعبّديّات مع وحدة الواقعة وكون العبادات مستقلّة) ، فهي نظير ما إذا دار الأمر بين وجوب الصّلاة على المرأة وحرمتها عليها ، لاحتمال الطّهر والحيض بناء على حرمتها عليها ذاتا ، بمعنى : حرمة نفسها ولو لم تقصد القربة ولم تنسب إلى المولى ، وفي هذه الصّورة وإن لم تكن الموافقة القطعيّة ممكنة ، إلّا أنّ المخالفة القطعيّة ممكنة بإتيان ذات العمل بلا قصد القربة ، فعلى تقدير الحيض ، فعلت حراما ، وعلى تقدير الطّهر ، تركت واجبا ، ولأجل هذا ، يكون العلم الإجماليّ منجّزا بالنّسبة إلى المخالفة القطعيّة ، فيحرم عليها إتيان الصّلاة بلا قصد القربة ، بخلاف الموافقة القطعيّة ، فإنّها حيث لا تكون ممكنة ، فالعلم الإجماليّ ليس منجّزا بالنّسبة إليها ، بل العقل يحكم حينئذ بكون المرأة مخيّرة بين إتيان الصّلاة رجاء واحتياطا ، وبين تركها رأسا وبالمرّة.

٣٨٤

تفصيل المقام : أنّ العلم الإجماليّ ـ كما قرّر في محلّه ـ على أربعة أقسام.

الأوّل : ما تمكن فيه الموافقة والمخالفة القطعيّتان ، كما إذا علم إجمالا بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر ، فحينئذ يمكن الإتيان بالواجب وترك الحرام ، كما يمكن العكس وهو إتيان الحرام وترك الواجب ـ أيضا ـ ولا إشكال في كون العلم الإجماليّ هنا مؤثّرة ومنجّزة بالنّسبة إلى الموافقة القطعيّة فتكون واجبة ، وبالنّسبة إلى المخالفة القطعيّة فتكون محرّمة.

القسم الثّاني : ما لا تمكن فيه الموافقة والمخالفة القطعيّتان ، كموارد دوران الأمر بين المحذورين ، والحكم فيه ما مرّ مفصّلا من جريان الاصول النّافية في أطرافه من البراءة مطلقا والاستصحاب.

القسم الثّالث : ما يمكن فيه المخالفة القطعيّة دون المخالفة كذلك ، نظير ما إذا علمت المرأة المردّدة بين الطّهر والحيض ، بالعلم الإجماليّ بوجوب الصّلاة وحرمتها عليها كما عرفت ، ونظير ما إذا علم إجمالا بوجوب أحد الضّدّين اللّذين لهما ثالث في زمان واحد ، حيث تمكن المخالفة بتركهما معا ولا تمكن الموافقة بفعلهما كذلك. وفي هذا القسم ، أيضا ـ كالقسم الأوّل ـ يكون العلم الإجماليّ مؤثّرا ومنجّزا بالنّسبة إلى المخالفة القطعيّة فتكون محرّمة.

القسم الرّابع : عكس الثّالث ، كما إذا علم بحرمة أحد الضّدّين اللّذين لهما ثالث في زمان واحد ، وكذا الأمر في جميع الشّبهات التّحريميّة غير المحصورة ، حيث يمكن فيهما ترك الجميع ولا يمكن فعل الجميع ، والحكم في هذا القسم ـ أيضا ـ عكس القسم الثّالث ، بأن يكون العلم الإجماليّ مؤثّرا ومنجّزا بالنّسبة إلى الموافقة القطعيّة ،

٣٨٥

فتكون واجبة. هذا تمام الكلام في الصّورة الثّانية.

أمّا الصّورة الثّالثة (دوران الأمر بين المحذورين في التّعبّديّات مع وحدة الواقعة وكون العبادات ضمنيّة) ، فهي نظير دوران الأمر بين جزئيّة شيء أو شرطيّته لواجب تعبّدي ، وبين مانعيّته عنه ، وفي هذه الصّورة يحكم بوجوب الاحتياط ولو بتكرار العمل والإتيان به مرّتين ، مرّة مع ذلك الشّيء المشكوك شرطيّته ومانعيّته ، ومرّة اخرى بدونه.

نعم ، خالف في ذلك الشّيخ الأنصاري قدس‌سره فحكم بتخيير المكلّف بين الإتيان بما يحتمل كونه شرطا ومانعا وبين تركه ، تنظيرا لهذه الصّورة مع الصّورة السّابقة وهي التّكليف الاستقلاليّ.

وردّه بعض الأعاظم قدس‌سره واجاد في ذلك ، حيث قال ، ما حاصله : إنّ المقام لا يقاس بالصّورة السّابقة ؛ إذ المفروض عدم تنجّز الإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة هناك لاستحالة الموافقة القطعيّة ، فلا مناص إذا من الحكم بالتّخيير ، وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الإلزام المعلوم المردّد بينهما هنا منجّز ، لإمكان الموافقة القطعيّة كالمخالفة القطعيّة ، فيجب الحكم بالاحتياط وتكرار العمل ، كما مرّ آنفا ، وإن شئت ، فقل : إنّ الحكم بالتّخيير إنّما هو فيما إذا لم يكن المكلّف متمكّنا من الامتثال العلميّ ، وأمّا إذا كان متمكّنا منه ، فلو دلّ الدّليل على الاقتصار بالامتثال الاحتماليّ فهو ، وإلّا ـ كما هو المفروض في المقام ـ فالعقل يستقلّ في الحكم بالامتثال العلميّ باعتبار أنّ شغل الذّمّة يقينا يقتضي الفراغ اليقينيّ (١). هذا في الصّورة الثّالثة.

__________________

(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٣٣٨.

٣٨٦

(دوران الأمر بين المحذورين في تعدّد الواقعة)

أمّا الصّورة الرّابعة (دوران الأمر بين المحذورين في فرض تعدّد الواقعة بلا فرق بين التّعبّديّات والتّوصّليّات) ، فهي على نحوين :

الأوّل : أن تكون تعدّد الواقعة عرضيّا ، كما إذا علم المكلّف إجمالا بحلفه تارة على فعل أمر ، واخرى على ترك أمر آخر ، ولكن اشتبه عليه هذان الأمران ، فهل يحكم هنا بالتّخيير أم يحكم بالاحتياط بفعل أحدهما وترك الآخر؟ وجهان : والأقوى هو الثّاني ؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال : في وجه الأوّل هو اندراج المقام في دوران الأمر بين المحذورين مع عدم إمكان الاحتياط رأسا ، وقضيّة ذلك جواز الإتيان بالأمرين ، كجواز تركهما معا وهذا هو التّخيير.

وفيه : أنّ العلم الإجماليّ بالإلزام المردّد بين الوجوب والحرمة في كلّ من الأمرين ، وإن لم يكن مؤثّرا في التّنجيز لعدم إمكان الاحتياط ـ حسب الفرض ـ إلّا أنّ هنا علمين إجماليين آخرين ، أحدهما : العلم الإجماليّ بوجوب أحد الأمرين المشتبهين ؛ ثانيهما : العلم الإجماليّ بحرمة أحدهما. ولا ريب ، أنّ مقتضى العلم الإجماليّ الأوّل هو الإتيان بهما ، ومقتضى العلم الإجماليّ الثّاني هو تركهما معا ، وحيث إنّ المكلّف لا يكون متمكّنا من الجمع بين الفعلين والتّركين معا ، فيسقط هذان العلمان الإجماليّان عن التّأثير بالنّسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة ، وهذا بخلاف فعل الأمرين أو تركهما ، فإنّه متمكّن منه ومقتضاه تأثير العلمين الإجماليّين وتنجيزهما

٣٨٧

بالنّسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة ، فيلزم عليه الاحتياط بفعل أحدهما وترك الآخر حتّى تحصل الموافقة الاحتماليّة وتجتنب عن المخالفة القطعيّة.

النّحو الثّاني : أن تكون تعدّد الواقعة طوليّا ، نظير ما إذا علم المكلّف إجمالا بالحلف على فعل شيء في زمان وتركه في زمان آخر ، لكن اشتبه عليه الزّمانان بحيث يدور الأمر في كلّ زمان بين وجوب ذلك الشّيء وبين حرمته ، ففي هذا النّحو ، هل يحكم بالتّخيير بين الفعل والتّرك في كلّ واحد من الزّمانين مطلقا أم يفصّل في المسألة؟ بين ما إذا لم يكن العلم الإجماليّ منجّزا في الامور التّدريجيّة ، وبين ما إذا كان منجّزا فيها ، وجهان : والأقوى هو التّفصيل : والسّر في ذلك ، هو أنّ القول بالتّخيير مطلقا مبتن على كون الشّيء في كلّ زمان ، واقعة مستقلّة يدور أمره بين الوجوب والحرمة ، وحيث إنّه لا يمكن الاحتياط رأسا ولا وجه لضمّ واقعة إلى واقعة ، فمقتضاه هو التّخيير بمعنى : أنّ للمكلّف اختيار الفعل في كلّ من الزّمانين أو اختيار التّرك كذلك أو اختيار الفعل في أحدهما والتّرك في الآخر.

وفيه : أنّ هذه المسألة مبتنية على مسألة تنجيز العلم الإجماليّ في الامور التّدريجيّة وعدمه ، فعلى القول بالتّنجيز لا مجال للتّخيير ، بل لا بدّ من اختيار الفعل في أحد الزّمانين والتّرك في الزّمان الآخر كي لا تلزم المخالفة القطعيّة ؛ وأمّا على القول بعدم التّنجيز في التّدريجيّات ، فللتّخيير بين الفعل والتّرك في كلّ زمان مجال واسع.

وبالجملة : الحقّ في المقام هو التّفصيل بين ما إذا لم يكن العلم الإجماليّ منجّزا في الامور التّدريجيّة ، فيحكم بالتّخيير ، وبين ما إذا كان منجّزا فيها ، فيحكم حينئذ بالاحتياط واختيار الفعل في أحد الزّمانين والتّرك في الزّمان الآخر ، كما هو واضح. وسيأتي تحقيق هذه المسألة في باب الاشتغال ، إن شاء الله تعالى.

٣٨٨

(تنبيه)

لا يخفى عليك : أنّه لا مجال للبحث عن بدئيّة التّخيير واستمراريّته في باب دوران الأمر بين المحذورين إذا كانت الواقعة واحدة ولم تكن لها أفراد في طول الزّمان ، وكذا لا مجال لهذا البحث مع تعدّد الواقعة ، سواء كانت الواقعتان عرضيّتين ، أم كانتا طوليّتين.

نعم ، لو كانت الواقعة المردّدة بين الوجوب والحرمة ، ذات أفراد واقعة في طول الزّمان ، كما إذا علم المكلّف إجمالا بصدور الحلف منه على إتيان فعل أو على تركه في كلّ يوم كذا أو ليلة كذا إلى شهر أو إلى سنة ، لكان للبحث المذكور مجال.

واختار المحقّق النّائيني قدس‌سره هنا استمراريّة التّخيير ، فقال ، ما حاصله : إنّ متعلّق الحلف وهو الفعل الفلاني أو التّرك ، يلاحظ في كلّ يوم كذا أو ليلة كذا ، واقعة مستقلّة لها حكم مستقل ، وحيث إنّ المفروض ، دوران الأمر بين المحذورين وعدم تمكّن الموافقة القطعيّة ولا المخالفة كذلك ، فلا مناص من كون المكلّف مخيّرا بين الفعل والتّرك دائما ، له أن يفعل ولا يفعل. غاية الأمر ، تلزم المخالفة القطعيّة إذا اختار الفعل في ليلة ـ مثلا ـ والتّرك في ليلة اخرى ، وهذا لا بدع فيه ، لعدم تنجيز العلم الإجماليّ للتّكليف المردّد بين الوجوب والحرمة ، كي توجب حرمة المخالفة القطعيّة ، ولا يوجب تكرّر الواقعة ، تبدّل المعلوم بالإجمال ولا خروج المورد عن دوران الأمر بين المحذورين في كلّ يوم كذا أو ليلة كذا ، ولا يلاحظ ـ أيضا ـ انضمام الايّام أو اللّيالي بعضها إلى بعض ، بحيث يجعل المجموع واقعة واحدة ، بل لا بدّ من ملاحظة كلّ يوم أو

٣٨٩

ليلة وحده ، ومن ملاحظة الفعل في كلّ ، واقعة مستقلّة ، فيدور الأمر بين المحذورين فيتخيّر المكلّف بين الأمرين ـ من الفعل والتّرك ـ مستمرّا. (١)

وفيه : أنّ العلم كما يكون منجّزا في الامور الدّفعية ، كذلك يكون منجّزا في الامور التّدريجيّة ، وحيث إنّ المخالفة القطعيّة هنا تكون ممكنة بإتيان الفعل في كلّ يوم كذا أو ليلة كذا ، أو بتركه كذلك ، فالعلم الإجماليّ يكون منجّزا بالنّسبة إليها ، ولذا تحرم المخالفة القطعيّة ، بمعنى : يحرم التّفكيك بين الأزمنة من حيث الفعل والتّرك ، بل يجب إمّا أن يختار الفعل دائما ، أو التّرك كذلك ، وقضيّة ذلك ـ كما ترى ـ هو التّخيير البدويّ.

إلى هنا تمّ الكلام في الجزء الثّالث ـ من الكتاب ـ المتكفّل لمباحث القطع والظّنّ والشّكّ (أصالة البراءة وأصالة التّخيير) ويتلوه الجزء الرّابع المتكفّل لمباحث الشّكّ (أصالة الاحتياط والاستصحاب) والتّعادل والتّرجيح ، إن شاء الله تعالى.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.

__________________

(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٤٥٣ و ٤٥٤.

٣٩٠

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصّفحة

المسألة السّابعة : الأمارات

مباحث القطع الطّريقيّ.......................................................... ١٣

تقسيم المكلّف................................................................. ١٣

تحقيق وتنقيح.................................................................. ٢٢

القطع من المسائل الاصوليّة...................................................... ٢٩

تعقيب وتكميل................................................................ ٣٣

وجوب متابعة القطع............................................................ ٣٧

التّجرّي....................................................................... ٤٦

أقسام التّجرّي.................................................................. ٦٩

تنبيهات....................................................................... ٧٠

القطع الموضوعيّ وأقسامه........................................................ ٧٨

قيام الأمارات مقام القطع........................................................ ٩٤

٣٩١

قيام الاصول مقام القطع......................................................... ٩٩

تنبيهان...................................................................... ١٠٤

الموافقة الالتزاميّة للقطع........................................................ ١٠٩

قطع القطّاع.................................................................. ١١٤

خاتمة........................................................................ ١١٥

تنجيز العلم الاجماليّ........................................................... ١٢٤

مباحث الظّنّ

مباحث الظّنّ................................................................. ١٤٣

إمكان التّعبّد بالظّنّ وعدمه..................................................... ١٤٥

تنبيه........................................................................ ١٥٤

مقتضى الأصل عند الشّكّ..................................................... ١٧٤

الأمارات الخارجة عن أصالة حرمة التّعبّد بالظّنّ

ظواهر الكتاب والسّنّة......................................................... ١٩١

تتميم....................................................................... ٢١٢

تنبيهان...................................................................... ٢١٤

٣٩٢

قول اللّغوي.................................................................. ٢١٥

الإجماع المنقول................................................................ ٢٢١

الشّهرة الفتوائيّة............................................................... ٢٣٠

الخبر الواحد.................................................................. ٢٣٦

تنبيهان...................................................................... ٢٦٧

المسألة الثّامنة : الاصول العمليّة مباحث الشّكّ

أقسام المباحث الاصوليّة....................................................... ٢٧١

المقام الأوّل : أصالة البراءة..................................................... ٢٧٨

الاستدلال بالكتاب........................................................... ٢٨١

الاستدلال بالسّنّة............................................................. ٢٨٣

الاستدلال بالإجماع........................................................... ٣٠٩

الاستدلال بالعقل............................................................. ٣١٠

استدلال الأخباريّ بالكتاب.................................................... ٣٢١

استدلال الأخباريّ بالسّنّة...................................................... ٣٢٦

استدلال الأخباريّ بالعقل...................................................... ٣٣٥

تقديم الأصل الموضوعيّ على البراءة.............................................. ٣٤١

أصالة عدم التّذكية............................................................ ٣٤٢

٣٩٣

وجوب الفحص.............................................................. ٣٥٠

الشّرطان الآخران للبراءة........................................................ ٣٦٢

جريان البراءة في الشّبهات الموضوعيّة والحكميّة.................................... ٣٦٤

حسن الاحتياط.............................................................. ٣٦٦

تنبيه........................................................................ ٣٦٨

أخبار من بلغ................................................................ ٣٦٩

المقام الثّاني : أصالة التّخيير.................................................... ٣٧٧

دوران الأمر بين المحذورين في التّوصّليّات مع وحدة الواقعة........................... ٣٧٨

دوران الأمر بين المحذورين في التّعبّديّات مع وحدة الواقعة............................ ٣٨٤

دوران الأمر بين المحذورين في تعدّد الواقعة......................................... ٣٨٧

٣٩٤

مصادر الكتاب

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ إفاضة العوائد ، السّيّد الگلبايگاني ، مطبعة مهر ، قم.

٣ ـ الإشارات والتّنبيهات ، الشّيخ الرّئيس ابن سينا ، دفتر نشر الكتاب ، (١٤٠٣ ه‍. ق.).

٤ ـ الاصول من الكافي ، الشّيخ الكليني ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران.

٥ ـ البيان ، السّيّد الخوئي ، مطبعة الآداب ، النّجف الأشرف.

٦ ـ الذّريعة إلى اصول الشّريعة ، السّيّد المرتضى ، مطبعة جامعة الطّهران.

٧ ـ الفصول الغرويّة ، الشّيخ محمّد حسين الأصفهاني ، الطّبعة القديمة ، (١٢٧٧ ه‍. ق.)

٨ ـ المعتبر ، المحقّق الحلّي ، مجمع الذّخائر الإسلاميّة.

٩ ـ أجود التّقريرات ، السّيّد الخوئي ، تقريرا لبحث المحقّق النّائيني ، مكتبة الفقيه ، قم.

١٠ ـ أنوار الهداية ، الإمام الخميني ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ، قم.

١١ ـ تذكرة الفقهاء ، العلّامة الحلّي ، المكتبة المرتضويّة.

١٢ ـ تعريفات الجرجاني ، السّيّد علي بن محمّد الجرجاني ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت.

١٣ ـ تفسير آلاء الرّحمن ، العلّامة البلاغي ، مكتبة الوجداني ، قم.

٣٩٥

١٤ ـ تنقيح الاصول ، الشّيخ التّقوي الإشتهاردي ، تقريرا لبحث الإمام الخميني ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ، قم.

١٥ ـ تهذيب الاصول ، الشّيخ جعفر السّبحاني ، تقريرا لبحث الإمام الخميني ، مطبعة مهر ، قم.

١٦ ـ جواهر الكلام ، الشّيخ محمّد حسن النّجفي ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران.

١٧ ـ حاشية الرّسائل ، الآخوند الخراساني ، مكتبة بصيرتي ، قم.

١٨ ـ حاشية الكفاية ، العلّامة الطّباطبائي ، مؤسّسة نشر آثار العلّامة الطّباطبائي ، قم.

١٩ ـ درر الفوائد ، الشّيخ الحائري ، مؤسسة النّشر الإسلامي ، قم.

٢٠ ـ رجال النّجاشي ، الشّيخ النّجاشي ، مكتبة الدّاوري ، قم.

٢١ ـ سلسلة الينابيع الفقهيّة ، الشّيخ المرواريد ، مؤسّسة فقه الشّيعة ، الدّار الإسلاميّة ، بيروت.

٢٢ ـ شرح اصول الكافي ، المولى محمّد صالح المازندراني ، المكتبة الإسلاميّة.

٢٣ ـ شوارق الإلهام ، الشّيخ عبد الرّزاق اللّاهيجي ، نشر مهدوي ، أصفهان.

٢٤ ـ عدّة الاصول ، الشّيخ الطّوسي ، مطبعة ستاره ، قم.

٢٥ ـ علل الشّرائع ، الشّيخ الصّدوق ، دار إحياء التّراث العربيّ ، بيروت.

٢٦ ـ فرائد الاصول ، الشّيخ الأنصاري ، مجمع الفكر الإسلاميّ ، قم.

٢٧ ـ فوائد الاصول ، الشّيخ الكاظمي ، تقريرا لبحث المحقّق النّائيني ، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ ، قم.

٣٩٦

٢٨ ـ قوانين الاصول ، الميرزا القمي ، مكتبة العلميّة الإسلاميّة ، طهران.

٢٩ ـ كشف الغطاء ، الشّيخ كاشف الغطاء ، الطّبعة القديمة.

٣٠ ـ كشف القناع ، الشّيخ أسد الله التّستري ، مؤسّسة آل البيت عليه‌السلام ، قم.

٣١ ـ كفاية الاصول ، الآخوند الخراساني ، مكتبة العلميّة الإسلاميّة ، طهران.

٣٢ ـ مجمع البيان ، الشّيخ الطّبرسي ، المعارف الإسلاميّة.

٣٣ ـ مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ، المولى أحمد الأردبيلي ، منشورات جامعة المدرّسين ، قم.

٣٤ ـ مستدرك الوسائل ، المحدّث النّوري ، مؤسّسة آل البيت عليه‌السلام ، قم.

٣٥ ـ مصباح الاصول ، السّيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي ، تقريرا لبحث السّيّد الخوئي ، مطبعة النّجف.

٣٦ ـ معالم الاصول ، الشّيخ حسن بن زين الدّين العاملي ، بخط عبد الرّحيم ، (المطبوع ١٢٩٧ ه‍. ق.) ، طهران.

٣٧ ـ نهاية الاصول ، الشّيخ المنتظري ، تقريرا لبحث السّيّد البروجردي ، مطبعة الحكمة ، قم.

٣٨ ـ نهاية الأفكار ، الشّيخ محمّد تقي البروجردي ، تقريرا لبحث المحقّق العراقي ، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ ، قم.

٣٩ ـ نهاية الدّراية ، السّيّد حسن الصّدر ، مطبعة الاعتماد.

٤٠ ـ نهاية الدّراية ، الشّيخ محمّد حسين الأصفهاني (الكمباني) ، مطبعة الطّباطبائي ، قم.

٤١ ـ وسائل الشّيعة ، الشّيخ الحرّ العاملي ، المكتبة الإسلاميّة ، طهران.

٣٩٧