مفتاح الأصول - ج ١

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
ISBN: 964-7572-01-8
الصفحات: ٤٦٣

١
٢

٣
٤

عن أبي عبد الله (الإمام الصّادق) عليه‌السلام :

«إنّما علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا». (١)

عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام :

«علينا إلقاء الاصول وعليكم التّفريع». (٢)

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١ ، ص ٤٠ و ٤١.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢ ، ص ٤١.

٥
٦

الإهداء والشّكر

كلمة النّاشر :

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد وآله سادات الورى الغرّ الميامين الطّيبين الطّاهرين.

الكتاب الّذي بين أيديكم هو الجزء الأوّل من كتاب «مفتاح الاصول» للفقيه الرّاحل آية الله العظمى الشّيخ إسماعيل الصّالحي المازندراني ـ طاب ثراه ـ وقد أتعب سماحته نفسه الزّكيّة لكتابة هذا الأثر الشّريف وإكماله ، ولكن قبل طبعه ونشره ، ارتحل والتحق قدس‌سره بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله.

وقد تفضّل الله تعالى علينا أن وفّقنا لطبعه ونجعله بين أيدي الفضلاء والعلماء ، وقد امتاز هذا الكتاب بقلم سليس ، وجزالة في التّعبير ، والدّقة في بيان المطالب.

ومن الجدير أن نهدي هذا الأثر إلى ساحة وليّنا ولي الله الأعظم صاحب الامر الحجّة بن الحسن العسكري ـ عجل الله تعالى فرجه الشّريف ـ راجين من العليّ القدير أن يتقبّل منّا هذا القليل ، ويجعله ذخرا للمؤلّف الفقيه الرّاحل قدس‌سره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

واودّ أن اقدّم شكري وامتناني إلى السّادة الأفاضل :

١ ـ الشّيخ علي أصغر الأميري.

٢ ـ الشّيخ أحمد المحيطي الأردكاني.

٣ ـ السّيّد جعفر الحسيني النّوري.

الّذين ساعدونا في إنجاز هذه المهمّة وطبع الكتاب ، أسأل الله السّميع العليم أن يبارك لهم جهودهم العلميّة والعمليّة.

«والله خير معين»

النّاشر

رمضان المبارك ١٤٢٣ ه‍. ق.

٧
٨

صورة خط المؤلّف

نسخة جيّدة الخط بقلم المؤلّف قدس‌سره وكان دأبه أن يكتب حديثا في آخر كلّ كرّاسة ، ولكن في الكرّاسة الأخيرة قبل ارتحاله قدس‌سره بعشرة أيّام ، كتب مقاطع من دعاء الكميل وقد نعى نفسه الزّكيّة بهذه المقاطع الشّريفة.

٩
١٠

لمعة عن حياة المؤلّف الفقيد الغالي ـ قدّس الله روحه ـ

نسبه ومولده :

هو آية الله العظمى الحاج الشّيخ إسماعيل بن المرحوم المولى رحمة الله ، بن المولى صدوق ، بن المولى صالح ، بن المولى محمّد ، بن العالم المولى صالح. وكان أجداده الأفاضل ، كلّهم من العلماء والأتقياء المعروفين بالزّهد والإخلاص والتّقى.

ولد الفقيه الرّاحل قدس‌سره عام ١٣٥٥ ه‍. ق. في إحدى قرى «قائم شهر» من محافظة مازندران (شمالي ايران).

وقد نشأ وترعرع في أحضان اسرة متديّنة ، خاصّة والده العالم والمحبّ للعلم والعلماء ، والّذي كان محبوبا بين أهالي منطقته ، حيث كان يمتهن الزّراعة لإمرار معاشه إلى جانب اشتغاله بتحصيل العلم.

نشأته العلمية :

أقبل الفقيه الرّاحل قدس‌سره منذ نعومة أظفاره على كتاب الله العزيز ، قراءة وحفظا وتعلّما ، وما كاد يقرأ صفحة أو صفحتين من القرآن على يد أبيه الفاضل ، وهو لمّا يزل بهداية ربّانيّة وإرشاد والده ، وفي البداية تعلّم مقدارا من قراءة القرآن عند والده الفاضل في الخامسة من العمر ، حتى استقلّ بنفسه في القراءة الصّحيحة ، ممّا جعله محطّا للآمال والأنظار.

وما زال أهالي منطقته يتذكّرونه بإعجاب وهو طفل صغير يتلوا عليهم آيات الذّكر الحكيم تلاوة ترتاح لها أسماعهم ، وتنشرح لها صدورهم فكانوا يشجعونه ويستحسنوه.

وبعد معرفته القرآن الكريم ، أقبل على دراسة العلوم الدينية وتحصيل المعارف الإسلاميّة ، فدرس المقدّمات بشغف وتعلّم العربية والمنطق وشيئا من علم الفقه ،

١١

على يد والده الفاضل وأساتذة آخرين حضر عندهم في مدينة «بابل» (١) في مدرسة صدر ، المسمّاة فعلا بمدرسة خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

يقول الفقيه الرّاحل عن نفسه قدس‌سره : «درست إحدى الكتب الدّراسية الحوزويّة عند استاذي وأردت منه أن يأخذ من المادّة الدّراسة أكثر من الحدّ المقرّر ، ووافق الاستاذ وأخذ يدرسني أكثر من الحصّة المقرّرة ، فقال لي : أفهمت؟

قلت له : أتريد أن اكرّر عليك ما طرحته من المسائل ، فألقيت عليه جميع ما ذكره عن حفظ» فبهر الاستاذ من ذكائه ونبوغه.

ومن «مازندران» شدّ الرّحال إلى مدينة «طهران» واشتغل بالتّحصيل ما يقارب السّنتين ، ثمّ هاجر إلى مدينة «قم المقدّسة» وبقي ما يقارب سبعة أشهر في مدرسة الفيضية المباركة.

وفي سبيل الهدف النّبيل الّذي رسمه لنفسه ، كان يمرّ على الفقر والأزمّات المعيشيّة في تلك الأيام مرور الكرام ، مركّزا همّه في ما نذر نفسه من أجله ، حتى استحوذ ليستوعب التّحصيل والتّدريس على أغلب ساعات يومه ، مكتفيا من النّوم بأربع ساعات ، بل أقلّ.

ولقد آتى جهده الحثيث هذا أكله ، فجعله ـ منذ صغره ـ مورد أمل وإجلال وإكبار من أساتذته الفضلاء حتى قال أحد العلماء :

«إني طيلة حياتي ومنذ أن عاشرت طلّاب العلوم ، لم أر مثله في دقة النّظر» نظرا لما وجده فيه من فطنة وذكاء ... ونبوغ مبكّر.

هجرته إلى مشهد المقدسة :

في أوائل سنة ١٣٧٥ ه‍. ق. هاجر إلى مشهد المقدّسة حاضنة الإمام الثّامن من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام فاشتغل بإكمال السّطح العالي ، ومقدار من دروس الخارج في الفقه والاصول ، عند أساتيذ وأفاضل الحوزة

__________________

(١) ـ مدينة من مدن محافظة مازندران ، شمالي ايران.

١٢

العلميّة هناك ، مع أنّه قدس‌سره كان من أساتذة الكبار الشّهير في علمى الأدب والمنطق وعلى امتداد السّنوات السّتّ الّتي قضاها بجوار الإمام الرّضا عليه‌السلام كان مورد عناية خاصّة ، واهتمام بالغ من مشايخه وأساتذته ولا سيّما استاذه الكبير آية الله العظمى الشّيخ هاشم القزويني قدس‌سره ، الشّهير ببراعته الواضحة في علمي الفقه والاصول ، وتمرّسه وحذقه في الأخلاق وتزكية النّفس علما وعملا.

هجرته إلى قم المقدّسة :

بعد ستّ سنوات الّتي كان في مشهد ، بجوار الإمام علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام في سنة ١٣٨٠ ه‍. ق. هاجر إلى قم المقدّسة ـ عشّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لتحصيل الدّرجات العلى والاستفادة من محضر علمائها الأعلام ، مضافا إلى التّدريس ونشر علوم أهل البيت عليهم‌السلام إلى أن منحه الله سبحانه من الرّتب أرقاها ، والدّرجات أعلاها ، في العلم والأخلاق والسّلوك.

يقول الفقيه الرّاحل عن نفسه قدس‌سره : «منذ أن دخلت في سلك طلب العلم كان دأبي تدريس كلّ كتاب أفرغ من درسه ، وأتذكّر أيّامي الّتي كنت في مدرسة صدر في بابل بعد أن فرغت من درس كتاب السّيوطي ، بدأت بتدريسه ، وحتّى أن أكملت درس كفاية الاصول بدأت بتدريسه ، وهكذا سائر الكتب الاصوليّة والفقهيّة والتّفسيريّة والعقائدية والفلسفيّة.»

أساتذته :

تتلمذ الفقيه الرّاحل قدس‌سره على يد آيات عظام ومراجع كبار واستلهم من نورهم ، نذكر بعضا ، منهم :

١ ـ سماحة آية الله العظمى السّيّد البروجردي قدس‌سره.

٢ ـ المجاهد الأعظم سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني قدس‌سره (القائد الرّاحل للثّورة الإسلاميّة الإيرانية).

٣ ـ سماحة آية الله العظمى الميرزا هاشم الآملي قدس‌سره.

١٣

٤ ـ سماحة آية الله العظمى السّيّد محمّد رضا الگلبايگاني قدس‌سره.

٥ ـ سماحة آية الله العظمى الشّيخ هاشم القزويني قدس‌سره.

٦ ـ سماحة آية الله العلّامة السّيّد محمد حسين الطّباطبائي قدس‌سره.

٧ ـ سماحة آية الله العظمى المحقّق الدّاماد قدس‌سره.

عطائه العلمي :

عند ما أحسّ الفقيه الرّاحل قدس‌سره باستغنائه العلميّ عن مواصلة التتلمذ عند الأساتذة ، ترك مرحلة الأخذ والاستفادة ، وبدأ مرحلة العطاء والإفادة ، فركّز جهده على امتداد ٤٠ سنة هي مدّة إقامته في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة على أمرين :

الف ـ التّدريس :

ألقى الدّروس العليا في الفقه والاصول والعلوم الإسلاميّة ، وقد تميّزت دروسه بالتّحقيق والصّلابة ، واتّسمت أبحاثه بالقوّة في الاستدلال والإحاطة العلميّة بالمطالب ، مضافا إلى الجذّابيّة في بيانها ، ممّا أكسب مجلس درسه رونقا خاصّا وإقبالا متصاعدا.

وهنا عدّة نماذج من الدّروس الّتي ألقاها :

١ ـ قام بتدريس كتاب «كفاية الأصول» ، للآخوند الخراساني لمدّة (١٩) سنة وذلك من سنة ١٣٩٣ ه‍. ق. إلى ١٤١٢ ه‍. ق.

ومن سنة ١٤٠٠ ه‍. ق. شرع بتدريس بحثه «الخارج» للفقه والاصول ، إلى أن التحق قدس‌سره بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله.

هذا إلى جانب ما كان يقدّمه من محاضرات في «تفسير القرآن ونهج البلاغة» و «الأخلاق» في بعض الفترات.

٢ ـ دورة الخارج من كتب القضاء والخمس والوكالة والكفالة من «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني قدس‌سره.

١٤

٣ ـ دورة الخارج من كتاب البيع ، وبحث «ولاية الفقيه» من كتاب المكاسب للشّيخ الأنصاري قدس‌سره.

٤ ـ تدريس كتاب شرح تجريد الاعتقاد (كشف المراد) للعلّامة الحلّي قدس‌سره.

٥ ـ تدريس دورتين لكتاب الحكمة من شرح المنظومة للمولى هادي السّبزواري قدس‌سره.

٦ ـ تدريس كتاب نهاية الحكمة ، لأستاذه العلّامة الطّباطبائي قدس‌سره.

٧ ـ تدريس عدّة أجزاء من كتاب الحكمة المتعالية (الأسفار) للمولى صدرا الشّيرازي قدس‌سره.

ب ـ التّأليف :

أمّا عن التّصنيف فقد ألف الفقيه الرّاحل قدس‌سره العديد من الكتب في مجالات مختلفة ومواضيع متنوّعة ، على الرّغم من كلّ ما يحوطه من المسئوليات وكثرة الاشتغال بالتّدريس والتّحقيق.

ولقد امتازت مؤلفاته بالعمق والتّحقيق ، مع سلاسة في البيان وجزالة في التّعبير ، على أن أكثر آثاره المكتوبة لم تطبع إلى الآن ، ونأمل من العليّ القدير أن يمنّ علينا بطبع تلك المصنّفات ونشرها حتّى نستلهم من نوره.

بعض آثاره المطبوعة إلى الآن :

١ ـ مفتاح البصيرة في فقه الشّريعة (شرح العروة الوثقى) ج ١ و ٢ و ٣.

٢ ـ مفتاح الاصول ج ١.

٣ ـ رسالة توضيح المسائل.

٤ ـ مناسك الحجّ.

٥ ـ الاستفتاءات ج ١ و ٢.

٦ ـ أحكام الشّباب والشّبان.

١٥

بعض آثاره الّتي لم تطبع إلى الآن :

١ ـ دورة الخارج من كتاب الطّهارة.

٢ ـ دورة كاملة لخارج اصول الفقه.

٣ ـ شرح كفاية الاصول.

٤ ـ دورة الخارج في «ولاية الفقيه».

٥ ـ حواشي وتعليقات على كتاب الأسفار وشرح المنظومة.

٦ ـ رسالة استدلالية في «الأنفال والأموال العامّة».

٧ ـ رسالة في «ولاية الجدّ والأب على البنت البالغة».

٨ ـ دورة الخارج من بحوثه من كتب القضاء والخمس والوكالة والكفالة من كتاب (تحرير الوسيلة).

٩ ـ دورة الخارج من بحوثه في البيع والخيارات من كتاب المكاسب.

نشاطه السّياسي :

بما أن الدّيانة عين السّياسة والسّياسة عين الدّيانة ، شارك الفقيه الرّاحل قدس‌سره في جنب التّحصيل والتّدريس والتّأليف ، في نشاطات سياسية ، أداء للتّكليف الشّرعي ، ومنذ نعومة أظفاره ، أي من سنة ١٣٧٢ ه‍. ق. كان يشترك في المجالس الّتي كانت تنعقد في بيت المرحوم آية الله الكاشاني قدس‌سره في طهران ، وتعرّف على المسائل السّياسية.

وكان في طليعة الواعين من الشّعب في مواجهة النّظام الدّيكتاتوري البهلوي السّاقط ، إلى أن بدأت النّهضة السّياسية والثّورة الإسلاميّة بقيادة الإمام الخميني قدس‌سره في عام ١٣٨٢ ه‍. ق. وكمثل رفاق دربه في الجهاد والانتصار للمظلومين ، كان الاعتقال من نصيبه ، حيث ألقي القبض عليه في عام ١٣٩٤ ه‍. ق. ومنها صار ينتقل من سجن إلى سجن ، منها : سجن السّافاك والشّرطة في قم ، وسجن «قزل قلعة» في الزّنزانة وسجن «ايفين» (اوين) ، وسجن «القصر» في طهران ، حتّى اطلق صراحه بعدئذ.

١٦

ولقد كان الفقيه الرّاحل قدس‌سره مشاركة فعّالة في توجيه الجماهير الغاضبة إبان الثّورة ، وتنظيم صفوفها ، في أيّة بقعة من «إيران الإسلاميّة» تيسّر له ذلك ، ولا سيّما في محافظتي «يزد» و «كرمان» في عام ١٣٩٩ ه‍. ق. حيث والغضب الشّعبي في أوجه ضد النّظام البهلوي السّاقط ، واستمرّ الحال به على ذلك ، إلى ما بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة المباركة في ايران.

سجاياه الأخلاقيّة وحالاته المعنويّة :

كان الفقيه الرّاحل قدس‌سره إلى جانب نبوغه الباهر في الامور العلميّة يتحلّى بسجايا أخلاقية وصفات نفسانيّة كريمة ، نذكر نماذج منها :

كان الفقيه الرّاحل قدس‌سره تقيا ، ورعا ، زاهدا ، متواضعا ، يعيش حياة بسيطة في أزمنة الّتي كانت عدّة مسئوليّات على عاتقه ، وحتّى بعد أن وصل مرحلة المرجعيّة والإفتاء.

وكان قدس‌سره مخالفا لهواه ، يتجنب التّرويج لنفسه ، وكثيرا كانوا يطلبون منه أن يكتب رسالة عملية ، فكان يقول في جوابهم : «في حياة أساتذي الكرام أنا أستحي أن أطبع رسالة» وبعد أن توفى أساتذته وطلب منه بإلحاح ، طبع عدّة نسخ من الرّسالة العمليّة.

كان قدس‌سره مؤدّبا في سلوكه ، يحترم أهل الفضل والعلم وينزلهم منازلهم ولا ينتقص أحدا ، خصوصا السّادة من بني الزّهراء عليها‌السلام.

كان قدس‌سره قليل الأكل والنّوم ، يكتفى بعدّة لقيمات من الأكل ، وأربع ساعات من النّوم في أغلب الأحيان.

كان قدس‌سره كريم النّفس والعطاء ، فإن كلّ من كان يراجعه لأخذ شيء ، ما كان يرده خصوصا الطّلبة العلوم الدّينيّة ، يذكر أحد الفضلاء : «احتجت إلى عباءة فتوسّلت بالإمام المهدي (عج) بأن يرزقنى الله عباءة ، فحضرت عند الفقيه الرّاحل قدس‌سره في يوم غد ، فأشار إلى وقال لي : اذهب إلى تلك المحلّ الّذي يبيع العباءة وانتخب

١٧

لنفسك عباءة وخذها ، نحن عندنا حساب معه ونحاسبه ، يقول : ذهبت إلى المحلّ واخترت لي عباءة وذهب إلى حرم السّيّدة معصومه عليها‌السلام وبرّكت العباءة بضريح السّيّدة معصومة عليها‌السلام وصلّيت ركعتين وأهديت ثوابها إلى روح السّيّدة نرجس عليها‌السلام والدة الإمام المهدي (عج)». (١)

فإنّه قدس‌سره عرف ما في ضمير هذا الشّخص ، وكان يكتم ـ مع ذلك ـ عن الآخرين ؛ حالاته العرفانيّة وما ناله من المراتب المعنويّة العليا إلّا أنّ وجهه كان يتجلّى منه صفاء نفسه ولطافة روحه وسموّ معناه.

وتقول في حقّه قدس‌سره عائلته الكريمة : كان الفقيه الرّاحل قدس‌سره ملتزما بالصّلاة في أوّل وقتها ـ وكنّا نقتدي بالصّلاة خلفه حتّى آخر يوم من حياته ، فصلّينا صلاة الصّبح خلفه قدس‌سره ـ وقراءة القرآن بصوت حسن وكرامة النّفس وسعة الصّدر والصّلابة في الدّين والتّواضع وحسن الخلق ، وكان على الوضوء دائما حتّى وقت الدّرس والمطالعة والنّوم ، وكان يقول قدس‌سره : «تعلّمت هذه الخصلة من والدي قدس‌سره».

وأيضا : «منذ أن عاشرته خلال أربعين سنة ، لم أسمع منه أيّة شكوى من الآلام والمحن الّتي جرت عليه في السّجن وخارج السّجن ، وكان قدس‌سره صابرا لوجه الله ، ويوصينا بالصّبر والتّوكّل على الله تعالى في جميع الحالات ، وإذا نزلت به مصيبة أو محنة كان يواسي الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ويرثى عليهم وتجري دموعه عليهم ويتأسّى بهم صلوات الله عليهم».

وتقول أيضا : «أنّه قدس‌سره كان يفزّ من نومه في منتصف اللّيل ويحزن كثيرا ويتفكّر ، ولمّا سألته عن سبب ذلك ، كان يقول : تذكّرت القبر والقيامة ، فسلب النّوم من عيناي ، فذهلت كثيرا».

وهذه الحالة كانت مستمرّة معه إلى آخر عمره الشّريف ، فهو كما قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في حقّ المتّقين : «فهم والجنّة كمن قد رآها ، فهم فيها منعّمون ، وهم والنّار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون».

__________________

(١) اسم الشّخص والواقعة محفوظة عندنا.

١٨

وفاته :

قبل وفاة الفقيه الرّاحل قدس‌سره بعدّة أيّام ، كانت تظهر كلمات تكشف عن أنّه كان منتظرا للالتحاق بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله ، نظير ما قاله لبعض أصحابه : «انتهى عمري» أو «لم يبق من عمري إلّا قليل» إلى أن وافته المنيّة صباح يوم الجمعة الحادي عشر من شهر جمادي الثّانية عام ١٤٢٢ ه‍. ق. وكانت وفاته قدس‌سره صدمة كبرى للعلماء والفضلاء وأهل بيته ، والامّة الإسلاميّة ، وقد بكاه الصّديق والعدو والقريب والبعيد ، لأنّهم فقدوا بوفاته أبا رءوفا ، ومعلّما عطوفا ، ونجما لا معا ، أضاء سبيل الامّة ، والعلم والعلماء ، وكان آملا يشجّع المؤمنين والمجاهدين على المضيّ في العلم والعمل.

وقد شيّع جثمانه الطّاهر تشييعا عظيما في عدّة مدن من محافظة مازندران ، ثمّ انتقل جثمانه الشّريف إلى قم المقدّسة وشيّع تشييعا رهيبا وقد شارك فيه المراجع والعلماء وسائر المؤمنين.

وكان يوم تشيعه إلى مثواه الأخير يوما مشهودا ، ودفن في حرم مضيفته كريمة أهل البيت السّيّدة معصومه عليها‌السلام بقم المقدّسة.

«وسلام عليه يوم ولد ويوم ارتحل ويوم يبعث حيّا»

١٩
٢٠