مفتاح الأصول - ج ٢

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

١
٢

٣
٤

عن أبي عبد الله (الإمام الصّادق) عليه‌السلام :

«إنّما علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا». (١)

عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام :

«علينا إلقاء الاصول وعليكم التّفريع». (٢)

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١ ، ص ٤٠ و ٤١.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢ ، ص ٤١.

٥
٦

الإهداء والشّكر

كلمة النّاشر :

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد وآله سادات الورى الغرّ الميامين الطّيبين الطّاهرين.

الكتاب الّذي بين أيديكم هو الجزء الثّاني من كتاب «مفتاح الاصول» للفقيه الرّاحل آية الله العظمى الشّيخ إسماعيل الصّالحي المازندراني ـ طاب ثراه ـ وقد أتعب سماحته نفسه الزّكيّة لكتابة هذا الأثر الشّريف وإكماله ، ولكن قبل طبعه ونشره ، ارتحل والتحق قدس‌سره بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله.

وقد تفضّل الله تعالى علينا أن وفّقنا لطبعه ونجعله بين أيدي الفضلاء والعلماء ، وقد امتاز هذا الكتاب بقلم سليس ، وجزالة في التّعبير ، والدّقة في بيان المطالب.

ومن الجدير أن نهدي هذا الأثر إلى ساحة وليّنا ولي الله الأعظم صاحب الامر الحجّة بن الحسن العسكري ـ عجل الله تعالى فرجه الشّريف ـ راجين من العليّ القدير أن يتقبّل منّا هذا القليل ، ويجعله ذخرا للمؤلّف الفقيه الرّاحل قدس‌سره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

واودّ أن اقدّم شكري وامتناني إلى السّادة الأفاضل :

١ ـ الشّيخ علي أصغر الأميري.

٢ ـ الشّيخ محمّد حسين الحيدري.

٣ ـ السّيّد جعفر الحسيني النّوري.

الّذين ساعدونا في إنجاز هذه المهمّة وطبع الكتاب ، أسأل الله السّميع العليم أن يبارك لهم جهودهم العلميّة والعمليّة.

«والله خير معين»

النّاشر

جمادى الاولى ١٤٢٤ ه‍. ق.

٧
٨

صورة خط المؤلّف

نسخة جيّدة الخط بقلم المؤلّف قدس‌سره وكان دأبه أن يكتب حديثا في آخر كلّ كرّاسة ، ولكن في الكرّاسة الأخيرة قبل ارتحاله قدس‌سره بعشرة أيّام ، كتب مقاطع من دعاء الكميل وقد نعى نفسه الزّكيّة بهذه المقاطع الشّريفة.

٩
١٠

الجهة الخامسة :

(من المسألة الاولى «الأوامر»)

(الأمر بالشّيء هل يقتضي النّهي عن ضدّه)

* الضدّ الخاصّ

* الضدّ العامّ

* ثمرة النّزاع في المسألة

* تتميم

* التّرتّب

* القول في إمكان التّرتّب

* القول في امتناع التّرتّب

* تتميم وتكميل

١١
١٢

الجهة الخامسة : *

(الأمر بالشّيء هل يقتضي النّهي عن ضدّه)

قبل الورود في البحث عن المسألة ، لا بدّ من تقديم امور :

الأوّل : أنّ المسألة هل هي من المسائل اللّفظيّة ، أو من المسائل العقليّة؟ ربما يوهم عنوان المسألة ـ من جهة أنّها مشتملة على لفظ الأمر ـ كونها لفظيّة ، حيث إنّ مقتضى هذا العنوان ، اختصاص النّزاع بالوجوب المستفاد من لفظ الأمر.

ولكن الحقّ ، أن يقال : إنّ النّزاع في المسألة إنّما هو في ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه مطلقا ، سواء كان الدّال على الوجوب لفظا ، كالأمر ، أو لبّا ، كالإجماع والعقل ، وحيث إنّ الحاكم بالملازمة وجودا وعدما هو العقل ، فالمسألة عقليّة ، كمسألة مقدّمة الواجب.

__________________

(*) هذه جهة خامسة من الجهات المتعلّقة بالمسألة الاولى (الأوامر) الّتي قد مرّ البحث عن أربع جهات منها في المجلّد الأوّل.

١٣

الثّاني : هل المسألة تندرج في المسائل الفقهيّة ، أو الاصوليّة ، أو تندرج في المبادي الأحكاميّة؟ وجوه :

الظّاهر هو الثّاني ؛ وذلك ، لوقوع نتيجة هذه المسألة في كبرى الاستنباط وفي طريق الوصول إلى الأحكام ، فينطبق تعريف علم الاصول عليها ، كما لا يخفى.

وتوهم كونها من المسائل الفقهيّة ، نظرا إلى أنّ النّزاع في المسألة إنّما هو في ثبوت الحرمة للضّد وعدم ثبوتها ، وهذا بحث فقهيّ.

مندفع ؛ بأنّ النّزاع في المقام ليس في ثبوت الحرمة وعدمه من الابتداء ، بل إنّما هو في ثبوت الملازمة وعدمه ، كما عرفت آنفا ، وهذا أجنبيّ عن البحث الفقهيّ الباحث عن فعل المكلّف ، وكذلك يندفع توهم كونها من المبادي الأحكاميّة.

وجه الاندفاع ؛ هو أنّ المبادي ، إمّا تصوّريّة ، أو تصديقيّة ، وواضح ، أنّ المقام ليس مندرجا في المبادي التّصوريّة ؛ ضرورة ، أنّها متضمّنة لتصوّر نفس الموضوع ، أو المحمول وأجزائه وجزئيّاته ، والمقام ليس من هذا لقبيل.

وأمّا المبادي التّصديقيّة ، فحيث إنّ المقصود بها هي المقدّمات الّتي يتوقّف عليها تشكيل القياس ، يندرج المقام فيها ، نظرا إلى أنّ المسائل الاصوليّة تقع في كبرى القياسات الّتي تستنتج منها المسائل الفقهيّة.

وبعبارة اخرى : أنّ المسائل الاصوليّة تكون من المبادي التّصديقيّة بالنسبة إلى المسائل الفقهيّة ؛ لوقوعها في كبرى قياساتها ، كما لا يخفى.

وعليه : فليس للمبادي الأحكاميّة في قبال المبادي التّصوريّة والتّصديقيّة معنى محصّل كي يتوهّم اندراج المقام في ذلك.

١٤

اللهمّ إلّا أن يقال : بأنّ المبادي الأحكاميّة متكفّلة للبحث عن لوازم وجوب الشّيء ، كما عن المحقّق العراقي قدس‌سره (١) فحينئذ يدخل المقام فيها ؛ إذ يبحث فيه ، أنّه هل من لوازم الوجوب هو حرمة ضدّه ، أم لا؟

فتحصّل : أنّ المسألة في مورد البحث تكون من المسائل الاصوليّة العقليّة.

أمّا الاصوليّة ، فلأجل وقوعها في طريق استنباط الأحكام.

أمّا العقليّة ، فلما عرفت : من أنّ البحث في المقام إنّما هو في ثبوت الملازمة بين الوجوب وحرمة ضدّه ، وواضح ، أنّ الحاكم بالملازمة وجودا وعدما هو العقل.

الثّالث : هل المراد من الاقتضاء المستفاد من عنوان المسألة هو الثّبوتيّ الواقعيّ ؛ أو الإثباتيّ الدّلاليّ؟ وجهان : ربما يظهر الثّاني من المحقّق النّائيني قدس‌سره (٢) حيث إنّه قال : بتعميم الاقتضاء ؛ لكونه على نحو العينيّة ، أو التّضمّن ، أو الالتزام بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ ؛ معلّلا بأنّ لكلّ هذه الدّلالات الثّلاث وجها ، بل قائلا.

ولكنّ الحقّ هو الأوّل ؛ لما أشرنا آنفا : من أنّ المسألة تكون عقليّة ، بحيث يدور حرمة الضّدّ وعدمه على الملازمة بين الأمر بالشّيء والنّهي عن ضدّه وجودا وعدما ، لا على إحدى الدّلالات الوضعيّة اللّفظيّة.

ولقد أجاد الإمام الرّاحل قدس‌سره فيما أفاده في المقام ، حيث استشكل على المحقّق النّائيني قدس‌سره بقوله : «وكذا في الجمع بين كون المسألة عقليّة ، وبين ذلك التّعميم تهافت ؛ لأنّ التّعميم لأجل إدخال مذهب القائل بإحدى الدّلالات اللّفظيّة». (٣)

__________________

(١) نهاية الأفكار : ج ١ ، ص ٣٥٩.

(٢) أجود التّقريرات : ج ١ ، ص ٢٥١ ؛ وفوائد الاصول : ج ١ ، ص ٣٠١.

(٣) مناهج الوصول : ج ٢ ، ص ٨.

١٥

الرّابع : أنّ المراد من لفظ : «الشّيء» المأخوذ في العنوان هو الأعمّ من الوجوديّ والعدميّ ، فكما أنّه يبحث عن اقتضاء الأمر بالصّلاة ـ مثلا ـ للنّهي عن ضدّها ، كذلك يبحث عن اقتضاء الأمر بالصّوم ـ مثلا ـ للنّهي عن ضدّه ـ أيضا ـ مع أنّ الصّوم أمر عدميّ ، لا حقيقة له ، إلّا الإمساك عن عدّة امور.

الخامس : أنّ المراد من كلمة : «الضّدّ» في عنوان المسألة هو مطلق المعاند والمنافي ، سواء كان أمرا وجوديّا ، كأحد الأضداد الخاصّة وهو الأكل والشّرب ونحوهما ، أو الجامع بينها الّذي قد يسمّى بالضّدّ العامّ ـ أيضا ـ أم كان أمرا عدميّا ، كالضّدّ العامّ وهو النّقيض والتّرك.

إذا عرفت تلك الامور ، فاعرف : أنّ الكلام في المسألة يقع تارة في الضّدّ الخاصّ ، واخرى في الضّدّ العامّ.

الضدّ الخاصّ

أمّا الضّدّ الخاصّ ، فقد يتمسّك لإثبات اقتضاء الأمر بالشّيء للنّهي عنه بأحد الطّريقين :

الأوّل : هو طريق المقدّميّة.

الثّاني : هو طريق الملازمة.

أمّا الطّريق الأوّل ، فتقريبه : أنّ ترك ما هو ضدّ للمأمور به مقدّمة لفعله ، نظرا إلى أنّ ترك أحد الضّدّين مقدّمة للآخر ، ومقدّمة الواجب واجبة ، فالتّرك واجب ، ومع وجوب التّرك يحرم الفعل لا محالة ، وهذا هو معنى النّهي عنه.

١٦

وفيه : أنّ هذا الطّريق مؤلّف من مقدّمتين أساسيّتين :

إحداهما : الكبرى وهي وجوب مقدّمة الواجب.

ثانيتهما : الصّغرى وهي مقدّميّة ترك أحد الضّدّين للآخر ، وكلتاهما محلّ منع.

أمّا الكبرى ، فلما عرفت في مبحث مقدّمة الواجب من عدم حجّيّتها.

وأمّا الصّغرى ، فلوجوه ، وقبل الورود في ذكر تلك الوجوه ، ينبغي تقديم أمر في توضيح تلك الصّغرى.

فنقول : إنّه من المقرّر في محلّه ، أنّ العلّة قد تكون بسيطة ، وقد تكون مركّبة ، وأنّ العلّة المركّبة التّامة تكون ذات أجزاء ثلاثة :

أحدها : المقتضي وهو المؤثّر.

ثانيها : الشّرط وهو المصحّح المتمّم ، إمّا لفاعليّة الفاعل ، أو لقابليّة القابل.

ثالثها : عدم المانع.

ولا يخفى عليك : أنّ وجود التّضادّ والتّمانع بين الضّدّين يوجب أن يكون كلّ واحد من الضّدّين مانعا عن الآخر ، وهذا يقتضي أن يعدّ عدم كلّ ، من أجزاء علّة تحقّق الآخر ومقدّماته ، فإذا كان عدم أحدهما مقدّمة للآخر ، فلا مناص من كونه واجبا بوجوب الآخر ، ومع وجوب تركه يكون فعله حراما ؛ مثال ذلك ، أنّ ترك الصّلاة ـ مثلا ـ مقدّمة للإزالة الواجبة ، فيكون واجبا ، ومعنى وجوب تركها هو حرمة فعلها الّذي يكون ضدّا للإزالة ، ومرجع هذا إلى ما هو المعروف : «من أنّ الأمر بالشّيء يقتضي النّهي عن ضدّه».

والحاصل : أنّ منع كلّ من الضّدّين عن الآخر بمقتضى المضادّة أمر ضروريّ ،

١٧

فيكون ترك أحدهما مقدّمة لوجود الآخر ، وهذه المقدّميّة من البديهيّات الّتي لا مجال لإنكارها.

وإن شئت ، فقل : إنّ توقّف وجود الشّيء على عدم مانعة في غاية الوضوح لا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان.

إذا عرفت هذا ، فاعلم ، أنّهم قد ذكروا لمنع تلك الصّغرى وجوها :

منها : ما عن المحقّق الخراساني قدس‌سره فقال ما حاصله : إنّ كون شيء مقدّمة لشيء آخر ، إنّما يصحّ فيما إذا كان الشّيئان أمرين طوليّين يترتّب أحدهما على الآخر ، نظير الوضوء والصّلاة ، أو نصب السّلم والكون على السّطح ، وأنت تعلم : أنّ المقام ليس كذلك ؛ ضرورة ، أنّ الضّدّين كالنّقيضين لمّا كانا عرضيين وفي رتبة واحدة ، فلا مناص من كون ترك أحد الضّدّين ـ أيضا ـ في عرض الضّدّ الآخر المقابل له ، وأنّه في رتبته بمقتضى قياس المساواة ، وبذلك تنتفي المقدّميّة الّتي تكون المناط فيها هي الطّوليّة والتّرتّب. (١)

وبعبارة اخرى : أنّ ترك الضّدّ إنّما هو في رتبة الضّدّ ؛ لأجل أن يكون أحد النّقيضين في عرض النّقيض الآخر ، وأنّ نفس الضّدّ ـ أيضا ـ في رتبة مقابله الضّدّ الآخر ؛ وذلك ، لكون أحد الضّدّين في عرض الضّدّ الآخر ، ونتيجة ذلك : أنّ ترك الضّدّ ـ أيضا ـ في رتبة ذلك الضّدّ الآخر ؛ لقياس المساواة بلا منافاة بينهما ، بل بينهما كمال الملاءمة ، فتنتفي المقدّميّة بينهما لانتفاء ما هو المناط فيها من الطّوليّة والتّرتّب.

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٠٦ و ٢٠٧.

١٨

منها : ما أشار إليه المحقّق العراقي قدس‌سره (١) : من أنّ دخل عدم المانع في وجود الشّيء وكونه من أجزاء علّته واضح البطلان ؛ إذ العدم لا دخل ولا تأثير له في العدم فضلا عن الوجود ، ومعه لا معنى لصيرورته مقدّمة.

نعم ، وجود المانع يمنع عن تأثير المقتضي ، وهذا أمر آخر ، فلا حظّ لعدم المانع بعنوان المقدّمة في وجود ذيها أصلا ، بل وجوده إنّما يكون بمعونة المقتضي والشّرط.

أضف إلى ذلك ، أنّ الواجب لا يصير واجبا جزافا ، بل لا بدّ أن يكون مصبّا للمصلحة التّامّة الملزمة حتّى يحكم عليه بالوجوب ، ومن الواضح جدّا ، أنّ العدم والتّرك لا يكون كذلك ، فترك الصّلاة ـ مثلا ـ ليس واجبا بالنّسبة إلى فعل الإزالة.

وبالجملة : لا أساس لما اشتهر بين القدماء ، من أنّ وجوب التّرك ، هو نظير ترك الحرام ، أو ترك أحد الضّدّين ، وأنّ حرمة التّرك ، كترك الواجب.

منها : ما أشار إليه المحقّق الخراساني قدس‌سره ـ أيضا ـ من لزوم الدّور ، وإليك نصّ كلامه : «كيف ، ولو اقتضى التّضادّ توقّف وجود الشّيء على عدم ضدّه توقّف الشّيء على عدم مانعة ، لاقتضى توقّف عدم الضّدّ على وجود الشّيء توقّف عدم الشّيء على مانعة ؛ بداهة ، ثبوت المانعيّة في الطّرفين ، وكون المطاردة من الجانبين ، وهو دور واضح». (٢)

وقد نسب إلى المحقّق الخوانساري قدس‌سره التّفصّي عن هذا الدّور ، بفعليّة التّوقّف من أحد الطّرفين وشأنيّته وصلوحيّته من الطّرف الآخر.

__________________

(١) راجع ، نهاية الأفكار : ج ١ ، ص ٣٦١.

(٢) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٠٧.

١٩

توضيحه : أنّ وجود الإزالة ـ مثلا ـ متوقّف فعلا على عدم الصّلاة ؛ وذلك ، لأنّ وجود الضّدّ في الخارج إنّما هو بوجود علّته التّامّة من المقتضي والشّرط وعدم المانع ، وواضح ، أنّ توقّف وجود المعلول على جميع أجزاء علّته ـ ومنها عدم المانع ـ فعليّ ، وهذا بخلاف عدم الصّلاة ، فإنّه لا يتوقّف على وجود الإزالة فعلا ، بل هو متوقّف على عدم المقتضي لها ، بمعني : عدم الإرادة للإزالة فعلا ، والوجه فيه ، هو أنّ عدم الضّدّ مستند إلى عدم المقتضي له ، لا إلى وجود المانع ليكون توقّفه عليه فعليّا ؛ وذلك ، لما ثبت في محلّه ، من أسبقيّة المقتضي بالنّسبة إلى سائر أجزاء العلّة.

وقد أجاب عنه المحقّق الخراساني قدس‌سره بما حاصله : أنّ الدّور وإن ارتفع بالبيان المذكور ، حيث إنّه إنّما يلزم إذا كان التّوقّف فعليّا من الطّرفين ، والمقام ليس كذلك ، إلّا أنّ ملاك استحالته وهو لزوم ما هو المتقدّم رتبة ، متأخّر كذلك ، موجود في المقام ؛ بتقريب : أنّ وجود الإزالة حسب الفرض صالح لأن يكون علّة لعدم الصّلاة ، ونفس هذه الصّلوحيّة كاف لكونه متقدّما رتبة على عدم الصّلاة ، فحينئذ لو قلنا : بتوقّفه على عدمها يلزم أن يكون معلولا لعدمها ومتأخّرا رتبة عنه ، وهو مستحيل. (١)

هذا ، ولكن الّذي يسهّل الخطب هو ما أشرنا إليه آنفا ، من عدم تماميّة ما اشتهر بين الأعلام ، من كون عدم المانع من أجزاء العلّة حتّى يكون مقدّمة ؛ ضرورة ، أنّ العدم لا تأثير له في العدم فضلا عن الوجود ، وما أشرنا إليه ـ أيضا ـ من أنّ العدم لا يكون فيه مصلحة وملاك كى يصير واجبا ولو غيريّا.

ثمّ إنّه لو أغمضنا عن ذلك ، لكان محذور الدّور المتقدّم ممّا لا دافع له.

__________________

(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٠٨.

٢٠