تفسير البيان - ج ٣

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)]

قوله سبحانه : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ)

أجمعت الامّة على أنّ البنات في الآية تشمل بنات الرجل وبنات ابنه وبنته فنازلا.

وقوله : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)

عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «الرضاع لحمة كلحمة النسب» (١) ، وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب (٢)» ، الحديث. وفي اللفظ إيماء إليه ، حيث عبّر بالامّهات والبنات والأخوات فأثبت اللحمة ، وباللحمة يعمّ الحكم.

وقوله : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)

التوصيف للإيماء إلى الاتّصال والحرمة.

__________________

(١). الوسيلة : ٣٠١.

(٢). الفصول المختارة : ١٠٧ ؛ مستند الشيعة ١٦ : ٢٨٠ ؛ المبسوط ٥ : ١٣٢.

٦١

وقوله : (دَخَلْتُمْ بِهِنَ)

كأنّ أصله دخلتم عليهنّ وخلوتم بهنّ ، فهو مع هذا الحذف والإيصال تضمينا من ألطف الكناية عن المباشرة.

وقوله : (مِنْ أَصْلابِكُمْ)

قيد احترازيّ.

وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ)

بفتح الصاد ، وقرئ بكسرها. والإحصان الحفظ ، والمراد بها ذوات الأزواج ؛ لأنّهنّ محفوظات بأزواجهنّ من الغير أو حافظات لأنفسهنّ من الغير.

وقوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)

استثناء عن تحريم المحصنات.

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، وفي المجمع عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ : «واللاتي اشترين ولهنّ أزواج فإنّ بيعهنّ طلاقهنّ» (١).

وفي الكافي وتفسير العيّاشي : «واللاتي تحت العبيد فيأمرهم مواليهم بالاعتزال ويستبرئونهنّ ثمّ يمسّوهنّ بغير نكاح» (٢).

أقول : والأخبار في جميع هذه المعاني كثيرة.

__________________

(١). الكافي ٥ : ٤٨٣ ؛ مجمع البيان ٣ : ٣١.

(٢). راجع الكافي ٦ : ١٧٢ ، و ٥ : ٤٨١ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٢ ، الحديث : ٨٠.

٦٢

وقوله : (غَيْرَ مُسافِحِينَ)

من السفاح وهو الزنا.

قوله سبحانه : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)

هي آية المتعة.

في تفسير العيّاشي عن أبي بصير عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : كان يقرأ (فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ اجورهنّ) (١).

أقول : وروي قريبا منه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ (٢) ، وروت الخاصّة والعامّة هذه القراءة عن ابن عبّاس وغيره (٣) ، وتكاثرت الروايات عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ أنّ الآية في المتعة (٤) ، وأنّها محكمة غير منسوخة ولم تنسخه الآيات في سورة المعارج : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (٥) الآيات ، وكذا الآيتان في سورة المؤمنين (٦) ؛ إذ السورتان

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٤ ، الحديث : ٨٧.

(٢). الكافي ٥ : ٤٤٩ ، الحديث : ٣.

(٣). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٥٩ ، ذيل الحديث : ٤٥٨٦ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٤ ، الحديث : ٨٨ ؛ الصراط المستقيم ٣ : ٢٧٢ ؛ تفسير الطبري ٥ : ٩ ؛ سنن البيهقي ٧ : ٢٠٥ ؛ شرح النووي على صحيح مسلم ٩ : ١٧٩ ؛ الكشّاف ١ : ٥١٩ ؛ تفسير القرطبي ٥ : ١٣٠ ؛ تفسير ابن كثير ١ : ٤٧٤.

(٤). الكافي ٥ : ٤٤٨ ، الحديث : ١ ؛ تهذيب الأحكام ٧ : ٢٥٠ ، الحديث : ٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٣ ، الحديث : ٨٦.

(٥). المعارج (٧٠) : ٢٩ ـ ٣١.

(٦). المؤمنون (٢٣) : ٥ و ٦.

٦٣

مكّيّتان ، وسورة النساء مدنيّة. وكذا ما روته العامّة من تحريم النبيّ لها بعد تحليلها ؛ مدفوع بمخالفة الكتاب ، فقد استفاضت الروايات عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالأمر بطرح ما يخالف الكتاب.

على أنّ أوّل من نهى عنها الخليفة الثاني ، وقوله فيما رووه عنه صريح في أنّها لم تكن منسوخة قبل ذلك ، فقد رووا أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا محرّمهما ومعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحجّ (١).

ورووا أيضا أنّه قال : ثلاث كنّ على عهد رسول الله أنا محرّمهنّ ومعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل في الأذان (٢). والكلام فيه أزيد من هذا المقدار موكول إلى محلّه.

وفي تفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) ، قال : «لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما ، تقول : استحللتك بأجل آخر برضى منها ولا تحلّ لغيرها (٣) حتّى تنقضي عدّتها ، وعدّتها حيضتان (٤).

قوله سبحانه : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً)

الطول هو القدرة والاستطاعة فينطبق على القدرة على المهر والنفقة ، فهو الغنى ، ولذا فسّر بذلك.

__________________

(١). الإعلام ، للشيخ المفيد : ٣٦ ؛ تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٠ ؛ تفسير الفخر الرازي ٢ : ١٦٧ ؛ ٣ : ٢٠١ و ٢٠٢ ؛ كنز العمّال ٨ : ٢٩٣.

(٢). راجع الغدير ٦ : ٢١٣ ؛ شرح التجريد للقوشجي ، المقصد الخامس ، الإمامة : ٣٨٦ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ١ : ١٨٢.

(٣). في المصدر : «لغيرك»

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٣ ، الحديث : ٨٦.

٦٤

ففي المجمع : أي من لم يجد منكم غنى. قال : وهو المرويّ عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ (١).

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في حديث : «والطول المهر» (٢) ، الحديث.

وقوله : (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ)

أي الحرائر ؛ بقرينة المقابلة.

وقوله : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ)

في الفقيه عن البقباق قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : يتزوّج الرجل بالأمة بغير إذن (٣) أهلها؟ قال : «هو زنى ، إنّ الله عزوجل يقول : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ)» (٤).

أقول : وفي معناه روايات اخر.

وقوله : (أَخْدانٍ)

جمع خدن ـ بكسر الخاء ـ وهو خليل السرّ ، ولكون الإماء ربما ابتلين بذلك ، عبّر عن الحرائر بالمحصنات كما مرّ.

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ٦٢.

(٢). الكافي ٥ : ٣٦٠ ، الحديث : ٧.

(٣). في المصدر : «علم»

(٤). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٥١ ، الحديث : ٤٥٦٠.

٦٥

قوله سبحانه : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ)

في الكافي عن محمّد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ قال : سألته عن قول الله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ)؟ قال : «إحصانهنّ أن يدخل بهنّ» قلت : فإن لم يدخل بهنّ ، ما عليهنّ حدّ؟ قال : «بلى» (١).

أقول : ورواه الشيخ في التهذيب (٢) ، والعيّاشي في تفسيره (٣) في عدّة روايات. وفي الآية إشعار بذلك ؛ حيث عقّب قوله : (فَانْكِحُوهُنَ) بقوله : (فَإِذا أُحْصِنَ) ، والتفريع يفيد المغايرة.

وفي الكافي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «قضى أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في العبيد والإماء إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة إن كان مسلما أو كافرا أو نصرانيّا ، ولا يرجم ولا ينفى» (٤).

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في عبد مملوك قذف حرّا ، قال : «يجلد ثمانين ، هذا من حقوق الناس ، فأمّا ما كان من حقوق الله عزوجل فإنّه يضرب نصف الحدّ» قلت : الذي من حقوق الله عزوجل ما هو؟ قال : «إذا زنى أو شرب الخمر ، هذا من الحقوق التي يضرب عليها نصف الحدّ» (٥).

*

__________________

(١). الكافي ٧ : ٢٣٥ ، الحديث : ٦.

(٢). تهذيب الأحكام ٧ : ٣٤٨ ، الحديث : ٥٥.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٤ ، الحديث : ٩١.

(٤). الكافي ٧ : ٢٣٨ ، الحديث : ٢٣.

(٥). الكافي ٧ : ٢٣٧ ، الحديث : ١٩ ؛ تهذيب الأحكام ١٠ : ٧٢ ، الحديث : ٤٠ ؛ ١٠ : ٧٣ ، الحديث : ٤٢ ؛ ١٠ : ٩٢ ، الحديث : ١٤ ؛ الاستبصار ٤ : ٢٢٨ ، الحديث : ٦.

٦٦

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠)]

قوله سبحانه : (لا تَأْكُلُوا ...)

الاستثناء يحتمل كونه متّصلا ومنقطعا. وعلى كلّ من التقديرين يختلف محلّ قوله : (بِالْباطِلِ) ومحلّه الفقه. وفي موردها عدّة روايات.

قوله سبحانه : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)

في الفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «من قتل نفسه متعمّدا فهو في نار جهنّم خالدا ، قال الله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)» (١).

__________________

(١). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧١ ، الحديث : ٤٩٥٣.

٦٧

وفي المجمع روي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «لا تخاطروا بنفوسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه» (١).

وفي تفسير العيّاشي عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ قال : «سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن الجبائر تكون على الكسير ، كيف يتوضّأ صاحبها وكيف يغتسل [إذا أجنب]؟ قال : يجزيه المسح [بالماء] عليها [في الجنابة] والوضوء. قلت : فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟ فقرأ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)» (٢).

أقول : وفي هذه المعاني روايات اخر ، والجميع ظاهرة الانطباق على الآية.

*

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ٦٩.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٦ ، الحديث : ١٠٢.

٦٨

[إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)]

قوله سبحانه : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ...)

المراد بالسيّئات : الصغار من الذنوب ، بقرينة المقابلة.

وقوله : (مُدْخَلاً)

قرئ بضمّ الميم وفتحها ، مصدر ميمي ، أو اسم مكان. ولم يتقيّد بشيء من الدنيا والآخرة. ويتحصّل من الآية أنّ الذنوب تختلف بالكبر والصغر ، فينطبق الكلام على ما يستفاد من الآيات النازلة في المناهي من الإصرار في بعضها وعدمه في بعض آخر ، والتشديد بالإيعاد بالنار في بعض ، وإرسال النهي في بعض. وعلى هذا ورد تفسيرها في الأخبار.

ففي الكافي : عن [الصادق عليه‌السلام] : «الكبائر التي أوجب الله عليها النار» (١).

__________________

(١). الكافي ٢ : ٢٧٦ ، الحديث : ١.

٦٩

وفي الفقيه وتفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في الكبائر ، قال : «كلّ ما أوعد الله عليه النار» (١).

أقول : وهو مرويّ عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ (٢) كذلك.

وفي ثواب الأعمال عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «من اجتنب ما أوعد الله عليه النار إذا كان مؤمنا كفّر الله عنه سيّئاته ويدخله مدخلا كريما ، والكبائر السبع الموجبات : قتل النفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرّب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف» (٣).

أقول : وروي كونها سبعا في عدّة روايات اخر (٤) ، وروتها العامّة (٥) ، غير أنّ فيها اختلافا مّا في المعدود. والقدر المشترك الواقع في الجميع : قتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف. وقد عدّت في رواية اخرى سبعين ذنبا ، وسيجيء نقلها. والذي يستفاد منها ومن الآيات نفسها أنّ نفس الكبائر التي أوعد الله عليها النار مختلفة بالشدّة والضعف. وقد قيل في تفسيرها وتعيينها أمور لا حاجة إلى إيرادها ها هنا.

*

__________________

(١). من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٦٩ ، الحديث : ٤٩٤٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٣٩ ، الحديث : ١١٤.

(٢). راجع : من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٦٣ ، الحديث : ٤٩٣٢ و ٤٩٣٣.

(٣). ثواب الأعمال : ١٢٩.

(٤). راجع : من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨ ، الحديث : ٣٢٨٠ ؛ تهذيب الأحكام ٦ : ٢٤١ ، الحديث : ١ ؛ الاستبصار ٣ : ١٢ ، الحديث : ١.

(٥). سنن أبي داوود ١ : ٦٥٧ ، الحديث : ٢٨٧٤ ؛ سنن النسائي ٦ : ٢٥٧ ؛ السنن الكبرى ٩ : ٧٦.

٧٠

[وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)]

قوله سبحانه : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ)

التمنّي سؤال ما لا يكون لعدم مقدّماته ؛ وإذ عقّبها بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) ، المفيد أنّ الفوز والفلاح في حيازة كلّ شيء بالكسب والعمل ، ثمّ قوله

٧١

(وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) ، أفاد أنّ المراد هو النهي عن الحسد ، وهو تمنّي المرء أن يكون ما للغير له.

وفي المجمع عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «أي لا يقول أحدكم : ليت ما أعطي فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء كان لي ، فإنّ ذلك يكون حسدا ، ولكن يجوز أن يقال : اللهمّ أعطني مثله» (١).

أقول : والأخبار في الحسد والغبطة كثيرة ، غير أنّها تقيّد حرمة الحسد بترتيب الأثر على ما في القلب خارجا ، وهو المستفاد من نحو قوله تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (٢).

قوله سبحانه : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ)

في الفقيه عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «إنّ الله عزوجل أحبّ شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه ، أبغض عزوجل لخلقه المسألة ، وأحبّ لنفسه أن يسأل ، وليس شيء أحبّ إليه من أن يسأل ، فلا يستحيي أحد أن يسأل الله من فضله ولو شسع نعل» (٣).

أقول : وتسميته فضلا له لكونه يفضّل به بعضا على بعض. والروايات في السؤال والدعاء كثيرة ، وقد مضت جملة منها مع بيانها في سورة البقرة عند قوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (٤). وفي الرزق خاصّة روايات اخر سيجيء التعرّض لها.

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ٧٤.

(٢). النجم (٥٣) : ٣٢.

(٣). من لا يحضره الفقيه ٢ : ٧٠ ، الحديث : ١٧٥٥.

(٤). البقرة (٢) : ١٨٦.

٧٢

قوله سبحانه : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إنّما عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث ، ولم يعن أولياء النعمة ، فأولاهم بالميّت أقربهم منه من الرحم التي تجرّه إليها» (١).

أقول : معناه ظاهر ، وتعدّي الموالي ب «من» للتضمين.

قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته» (٢) ، يعني دية جناية خطأه.

أقول : وربما قيل : إنّ الآية منسوخة بآية أولي الأرحام (٣) ، ولم يثبت.

وفي تفسير العيّاشي عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «عنى بذلك الأئمّة ، بهم عقد الله أيمانكم» (٤).

أقول : وعليه بعض روايات اخر (٥).

قوله سبحانه : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ)

مبالغة من القيام ، أي لهم القيام عليهنّ قيام الوالي على من يليه ، وهو قيام تكويني ، كالسبق في كمال العقل وحسن التدبير والتحمّل على الشدائد ، وهو

__________________

(١). الكافي ٧ : ٧٦ ، الحديث : ٢.

(٢). الكافي ٧ : ١٧١ ، الحديث : ٣.

(٣). مجمع البيان ٣ : ٦٦.

(٤). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٠ ، الحديث : ١٢٠.

(٥). راجع : الكافي ١ : ٢١٦ ، الحديث : ١ ؛ تأويل الآيات : ١٣٤ ؛ كمال الدين ٢ : ٣٦٥.

٧٣

قوله : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) ، والإنفاق عليهنّ وهو قوله : (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).

وفي العلل عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : سئل : ما فضل الرجال على النساء؟ فقال : «[كفضل السماء على الأرض و] كفضل الماء على الأرض ، فبالماء تحيى (١) الأرض ، وبالرجال تحيى النساء ، ولو لا الرجال ما خلقت النساء» ثمّ تلا هذه الآية (٢).

أقول : والتجارب الطويل في هذه الأعصار يثبت حقيقة هذه الآية الشريفة.

قوله سبحانه : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ)

هو حكم النشوز ، وهو المعصية والترفّع عن الطاعة ، والمعنى واضح ، وكذلك الروايات الواردة فيها ، فلا حاجة إلى إيرادها والتعرّض بها.

__________________

(١). في المصدر : «يحيى»

(٢). علل الشرائع ٢ : ٥١٣ ، الحديث : ١.

٧٤

[وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢)]

قوله سبحانه : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)

«إحسانا» مفعول مطلق.

٧٥

وقوله : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى)

أي ذي القرب في جواره.

وقوله : (وَالْجارِ الْجُنُبِ)

أي البعيد.

وفي تفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أحد الأبوين ، وعليّ ـ عليه‌السلام ـ الآخر» (١).

أقول : وفي هذا المعنى عدّة روايات ، وفي بعضها : «أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة». رواها ابن شهر آشوب عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (٢).

وروي عن محمّد بن جرير بن خالد في كتاب المناقب في حديث عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «أنا وعليّ أبوا المؤمنين» (٣) الحديث. وهو من قبيل الجري في باطن التنزيل.

قوله سبحانه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)

في تفسير العيّاشي عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في حديث يصف فيه هول يوم القيامة ، قال : «يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلّم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقام الرسل فيسأل ، فذلك قوله لمحمّد

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤١ ، الحديث : ١٢٨.

(٢). المناقب ٣ : ١٠٥.

(٣). لم نعثر عليه في المناقب ولكن روي في تفسير فرات : ٣٩٢ و ٥٤٤ : «أنا وأنت أبوا المؤمنين».

٧٦

ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) فهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرسل» (١).

أقول : والأخبار في هذا المعنى كثيرة ، وقد مضت جملة منها مع بيانها في سورة البقرة عند قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٢).

قوله : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن جدّه قال : «قال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في خطبته يصف هول يوم القيامة : ختم على الأفواه فلا تكلّم ، وتكلّمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)» (٣).

أقول : وهذا الأسلوب من الكلام ـ وهو تمنّي المرء أن يسوّى به الأرض ـ إنّما يلقى في مورد يبلغ الذلّة نهاية مبلغها أو الخجل غايته ؛ وإذ كان القول في كلّ مختال فخور فهذا يكشف عن ذلّتهم غاية الذلّة حيث يشاهدون شهادة الرسول وقد اقيموا مقاما لا يسعهم الكتمان ؛ إذ لا حائل يحول بين الله وأعمالهم ، ولا قوّة يقدرون بها على أن يستروا أعمالهم وراء ذلك الحائل ، قال الله سبحانه : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) (٤) ، وقال : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (٥). وحينئذ ينطبق على الرواية ، وسيأتي استيفاء البيان في سورة الأنعام إن شاء الله العزيز.

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٢ ، الحديث : ١٣٢.

(٢). البقرة (٢) : ١٤٣.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٢ ، الحديث : ١٣٣.

(٤). إبراهيم (١٤) : ٢١.

(٥). البقرة (٢) : ١٦٥.

٧٧

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)]

قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ)

قد مرّ الكلام في تحريم الخمر في سورة البقرة ، ومرّت فيه روايات.

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية : «هذا قبل أن تحرّم الخمر» (١).

وفي المجمع عن الكاظم ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ المراد بها سكر الشراب ، ثمّ نسختها آية تحريم الخمر» (٢).

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٢ ، الحديث : ١٣٥.

(٢). مجمع البيان ٣ : ٩٢.

٧٨

أقول : وذلك لما في لحنها من عدم التعرّض لأصل السكر ، والنهي يتوجّه إلى القيد الزائد في الكلام.

وفي تفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا [متناعسا ولا] متثاقلا ، فإنّها من خلال النفاق ، وقد نهى الله عزوجل [المؤمنين] أن تقوموا إلى الصلاة وأنتم سكارى ، قال : سكر النوم» (١).

أقول : يشير بقوله : «من خلال النفاق» إلى قوله تعالى في وصف المنافقين : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) (٢) ، وتفسير السكر بالنوم من قبيل الجري. وفي هذا المعنى بعض روايات اخر (٣).

قوله سبحانه : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ)

قيل : إنّ تعلّق الحالين (٤) ـ أعني قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى) ، وقوله : (وَلا جُنُباً) ـ بالصلاة من قبيل الاستخدام بإرادة نفس الصلاة في الأوّل بقرينة قوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، وإرادة موضع الصلاة ـ أعني المسجد ـ لوقوع الجماعة فيه في الثاني بقرينة قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ).

وفي العلل وتفسيري العيّاشي والقمّي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ، فإنّ الله يقول : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٢ ، الحديث : ١٣٤.

(٢). النساء (٤) : ١٤٢.

(٣). راجع : تحف العقول : ١٢٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٢ ، الحديث : ١٣٦ ؛ الخصال ٢ : ٦٣٦ ، الحديث : ١٠.

(٤). التفسير الصافي ١ : ٤٥٤.

٧٩

سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)» (١).

أقول : وهي تؤيّد الاستخدام المذكور.

قوله سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) ـ ٧ لى قوله ـ : (مِنَ الْغائِطِ) وهو المكان المنخفض ، والجملة كناية عن

الحدث ؛ لأنّهم كانوا يقصدونه للحدث للتواري.

وقوله : (أَوْ لامَسْتُمُ)

كناية عن المباشرة للتأدّب.

وفي الكافي وتفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «هو الجماع ، ولكنّ الله ستّار (٢) يحبّ الستر لم يسمّ كما يسمّون» (٣).

أقول : وروي في معناه عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ كما في المجمع (٤) ، وعن الباقر ـ عليه‌السلام ـ كما في تفسير العيّاشي (٥).

وقوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً)

المراد به عدم التمكّن إمّا بفقدان الماء كما ربّما يتّفق في السفر ، أو بعدم القدرة

__________________

(١). علل الشرائع ١ : ٢٨٨ ، الحديث : ١ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٣ ، الحديث : ١٣٨ ؛ تفسير القمّي ١ : ١٣٩ ، نقل بالاقتباس.

(٢). في الكافي : «ستير»

(٣). الكافي ٥ : ٥٥٥ ، الحديث : ٥ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٣ ، الحديث : ١٤١.

(٤). مجمع البيان ٣ : ٩٣.

(٥). تفسير العيّاشي ١ : ٢٤٤ ، الحديث : ١٤٤.

٨٠