تفسير البيان - ج ٣

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

مردود كما مرّ. وقد قال سبحانه : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١) ، وقال تعالى مطلقا من غير تقييد : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٢) ، والرحم تجمع المتفرّقات وتوحّد الكثرات كما مرّ ، فمن الممكن رجوع ما يريده الإنسان من خير أو شرّ إليه في ابنه أو ابن ابنه ، وهكذا لما وحّدت الرحم بينهما ولا يوجب ذلك جورا بأخذ البريء بجرم المقترف كأخذ الجار بجرم الجار ؛ إذ الوبال الأخروي أو الحسنة الاخرويّة واصلة إلى صاحب العمل غير منقطع الأثر ، وكذلك العناية الربّانيّة متعرّضة لحال المبتلى بابتلائه بخصوصيّات دقيقة لا يحصيها إلّا العليم الخبير ، قال تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (٣) ، أي بما قدّمه على موته وما أخّره عن موته ، وقال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٤).

وعلى ذلك شواهد من جريان الوقائع في كلّ عصر وبرهة ، وسير التاريخ وعوده يثبت ذلك.

__________________

(١). الشورى (٤٢) : ٣٠.

(٢). الزلزلة (٩٩) : ٧ ـ ٨.

(٣). القيامة (٧٥) : ١٣.

(٤). يس (٣٦) : ١٢.

٤١

[يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ

٤٢

ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)]

قوله سبحانه : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)

في العدول عن لفظ الأبناء إلى الأولاد دلالة على أنّ حكم السهم والسهمين مخصوص بالأبناء من غير واسطة ، وأمّا أولاد الأولاد فنازلا فالحكم فيهم حكم من يتّصلون به ، فبنت الابن تذهب بسهمين وابن البنت بسهم ، فالولد ما يولده الإنسان من غير واسطة ، والابن أعمّ منه وممّن له واسطة في اتّصاله.

وأمّا قوله : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً)

فإنّما العناية فيه أنّ الناس لا يتأتّى لهم تشخيص الأقرب نفعا من الأبعد ، فالأنسب استعمال الأب والابن دون الوالد والولد. على أنّ فيه إشعارا بأنّ الوراثة غير مختصّة بالولد والوالد دون ولد الولد ووالد الوالد ، كما سيجيء.

وقوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً)

الضمير إلى الأولاد المفهوم بقرينة المقام ، وتأنيثه باعتبار تأنيث الخبر. ومثله القول في قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً).

وإنّما لم يتعرّض لحكم البنتين لفهمه من صدر الآية ، كما قال الكليني في الكافي : إنّ الله جعل حظّ الانثيين الثلثين بقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وذلك أنّه إذا ترك الرجل بنتا وابنا فللذكر مثل حظّ الانثيين وهو الثلثان ، فحظّ الانثيين الثلثان ، واكتفى بهذا البيان أن يكون ذكر الانثيين بالثلثين (١) ، انتهى.

__________________

(١). الكافي ٧ : ٧٣.

٤٣

ولعلّ النكتة في التعبير بقوله : (مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) دون أن يقال : مثل حظّي الانثى هي الإشعار بذلك وأمر الآية في إيجازها لعجيب ، وقد اشتملت على وجازتها على حكم الطبقة الاولى من الورثة بجميع تقاديرها.

فمنها : الابن الواحد ، وله الجميع ؛ لقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقد قال : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ، وكذا الابنان وما فوقهما مع عدم الأبوين ، ومع وجودهما : (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) سواء اجتمعا أو تفرّقا.

ومنها : البنت ، فلواحدتها النصف ، وللبنتين فصاعدا الثلثان مع عدم الأبوين ، ومع وجودهما أو أحدهما (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ).

ويمكن أن يتوهّم من اللفظ أنّ الجدّ والجدّة يرثان عند عدم الوالدين مع الابن والبنت ، والأخبار على خلافه ، وسيجيء بيان ذلك.

ومنها : أولاد الأولاد يرثون مع الأبوين وبدونهما قبل غيرهم من ذوي الأرحام ؛ وذلك لقوله : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ، والخطاب للورّاث دون الذين يتوفّون بقرينة قوله : (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ؛ إذ الكلام في الإرث فهو النفع ، فقوله : (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ) ، أي حتّى تتقدّموا في وراثته ، ولو لم يكن الآباء أقرب للإنسان نفعا لم يبدأ الله به ، فأولاد الأولاد يتقدّمون على الجدّ والجدّة ، فافهم ذلك. ويرثون مع الأب والأمّ ؛ لقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ؛ إذ الكلام في الأبوين مع وجود الوالد ومع عدمه ، فلا وجه لتقييد قوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ) ، بقوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ، إلّا أن يكون هناك صورة مع عدم الولد لا يرثه الأبوان فيها وهو صورة اجتماعهما مع ولد الولد ، فقوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) كقوله : (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (١) ،

__________________

(١). النساء (٤) : ١٧٦.

٤٤

معناه تفرّدا في وراثته ولم يبق من هذه الطبقة غيرهم ، ووراثة أولاد الأولاد بنسبة من يتقرّبون به إلى الميّت فابن البنت يرث سهم البنت سهما واحدا ، وبنت الابن ترث سهم الابن وهو سهمان ؛ لقوله تعالى : (فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، حيث اقتصر بسهام المرتبة الاولى ، فافهم.

ومنها : الأبوان يرثان مع الأولاد ـ كما مرّ ـ ومع عدمهم ، فإن لم يكن هناك إخوة بالقيد الآتي فللامّ الثلث وللأب الباقي ؛ لقوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ، ومعناه الاستيعاب.

وقوله : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ)

فللامّ الثلث كالأب بالفرض ، ويشترط في الإخوة أن تكون اثنتين فصاعدا وتقوم الاختان مقام أخ واحد ، وأن تكون الإخوة لأب وأمّ أو لأب فقط ، فلا يحجب الأمّ الإخوة لامّ. أمّا ثبوت الحجب بالأخوين فلصدق الإخوة على الاثنين فصاعدا. وأمّا عدم حجب الإخوة لامّ فقط فلأنّ فرضهم لا يزاحم فرض الامّ ، أعني الثلث ؛ إذ فرضهم الثلث ؛ لقوله تعالى : (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) ، بخلاف فرض الإخوة لأب أو للأبوين على ما تبيّنه الآية في آخر السورة : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (١) ، فهذه هي القرينة على أنّ المراد بالإخوة غير الكلالة الامّي ، وهذه بعينها هي القرينة على قيام أربع أخوات أو أخ واختين من كلالة الأبوين أو الأب فقط مقام الإخوة ، وقد ورد بذلك النصّ عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ كما في الكافي عن

__________________

(١). النساء (٤) : ١٧٦.

٤٥

الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : لا تحجب الامّ عن الثلث إلّا أخوان أو أربع أخوات لأب وأمّ أو لأب (١).

أقول : والروايات فيه كثيرة ، وكذلك فيما مرّ وما سيجيء من أحكام المواريث.

ومنها : الأجداد والجدّات مع فقد الأولاد وأولاد الأولاد والأبوين يرثون مع الإخوة والأخوات ، والآية غير متكفّلة لبيان سهامهم إلّا مجرّد وراثتهم كما عرفت ، والأب والامّ وإن صدقا على غير الوالدين من الجدّ والجدّة ، قال تعالى حكاية عن يوسف ـ عليه‌السلام ـ : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (٢) ، غير أنّ التثنية بنحو التغليب مختصّة بالوالدين ، فلا يقال للأب والجدّة ولا للامّ والجدّ : أبوان بحسب الإطلاق.

على أنّ التعرّض لحال الأولاد وهم المرتبة الاولى المتّصلة من غير تعرّض لحال سائر المراتب من الأبناء كالقرينة على مثله في الأبوين.

ومنها : ما إذا زادت السهام على التركة ، كما إذا اجتمع زوج وبنت وأبوان ، أو زوج وأخت لأب وأبوان ، فهناك ربع ونصف وسدسان ، ويرد النقص حينئذ على غير الزوجين والأبوين من غير عول وهو رجوع النقص إلى أرباب السهام بنسبة سهامهم ، وذلك أنّه سبحانه ذكر للزوجين والأبوين عند عدم المزاحم فرائض ، وإذا نزّلهم عن فرائضهم أقرّهم على فرائض اخرى ، بخلاف الأولاد والإخوة ، فقد ذكر لهم فرضا واحدا ، ثمّ سكت ، ويستفاد من ذلك أنّه لا يرضى بخروج ذي الفرضين عن الفرض حيث لم يهمله في حال ، بخلاف ذي الفرض

__________________

(١). الكافي ٧ : ٩٢ ، الحديث : ٥.

(٢). يوسف (١٢) : ٣٨.

٤٦

حيث سكت عن حاله عند التزاحم ، فالنقص يرد على ذي فرض واحد دون ذي الفرضين ، وهو المنصوص عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ.

ففي الكافي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في حديث ، قال ـ عليه‌السلام ـ : «كان أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ يقول : إنّ الذي أحصى رمل عالج ليعلم أنّ السهام لا تعول على ستّة ، لو تبصرون وجهها لم تجز ستّة» (١).

وفيه أيضا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «قال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : الحمد لله الذي لا مقدّم لما أخّر ولا مؤخّر لما قدّم ، ثمّ ضرب بإحدى يديه على الاخرى ثمّ قال : يا أيّتها الامّة المتحيّرة بعد نبيّها لو كنتم قدّمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخّر الله وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله ما عال وليّ الله ولا عال سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، ولا تنازعت الامّة في شيء من أمر الله إلّا وعند عليّ (٢) علمه من كتاب الله ، فذوقوا وبال أمركم وما فرّطتم فيما قدّمت أيديكم ، وما الله بظلّام للعبيد (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٣) (٤).

أقول : في الصحاح : عالج : موضع بالبادية بها رمل (٥). وقوله : «ما عال وليّ الله» ، من العيلة ، وقوله : «ولا عال سهم» ، من العول.

وفي الروايتين بيانان منه ـ عليه‌السلام ـ لنفي العول ، وعن بيانه أخذ ابن عبّاس فيما روي عنه.

__________________

(١). الكافي ٧ : ٧٩ ، الحديث : ٢.

(٢). في المصدر : «عندنا»

(٣). الشعراء (٢٦) : ٢٢٧.

(٤). الكافي ٧ : ٧٨ ، الحديث : ٢.

(٥). الصحاح ، للجوهري ١ : ٣٣٠.

٤٧

ففي الكافي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : جالست ابن عبّاس فعرض ذكر الفرائض من (١) المواريث فقال ابن عبّاس : سبحان الله العظيم ، أترون (٢) الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري : يا أبا العبّاس ، فمن أوّل من أعال هذه (٣) الفرائض؟ فقال : عمر بن الخطّاب لمّا التفّت عنده الفرائض ودفع بعضها بعضا قال : والله ما أدري أيّكم قدّم الله وأيّكم أخّر ، وما أجد شيئا [هو] أوسع من أن أقسّم عليكم هذا المال بالحصص ، وأدخل على كلّ ذي حقّ حقّه (٤) ، فأدخل (٥) عليه من عول الفرائض. وأيم الله [أن] لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت الفريضة. فقال له زفر ابن أوس : وأيّها قدّم وأيّها أخّر؟ فقال : كلّ فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلّا إلى فريضة ، فهذا ما قدّم الله ، وأمّا ما أخّر الله فكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها ولم يكن لها إلّا ما بقي فتلك التي أخّر ، فأمّا التي قدّم فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الرابع لا يزيله عنه شيء ، والزوجة لها الربع فإذا زالت [عنه] إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء ، والامّ لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شيء. فهذه الفرائض التي قدّم الله عزوجل. وأمّا التي أخّر [الله] ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان ، فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلّا ما بقي ، فتلك التي أخّر الله ، فإذا

__________________

(١). في المصدر : «في»

(٢). في المصدر : + «أنّ»

(٣). في المصدر : ـ «هذه»

(٤). في المصدر : ـ «حقّه»

(٥). في المصدر : «ما دخل»

٤٨

اجتمع ما قدّم الله وما أخّر بدأ بما قدّم الله فأعطى حقّه كاملا ، فإن بقي شيء كان لمن أخّر [الله] وإن لم يبق شيء فلا شيء له. فقال له زفر [بن اوس] : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال : هيبته (١) ، الحديث.

ومنها : ما إذا قصرت السهام عن استيعاب التركة بالنقص ، كالأب مع البنت ، فهناك سدس ونصف ، فتردّ الزيادة على من كان يرد عليه النقص بحسب سهامهم من غير تعقيب ، وهو أن يعطى الزائد أولي عصبة الذكر وتحرّم الانثى منها ولو كانت أقرب نسبا منه. والبيان فيه نظير البيان في صورة النقص. على أنّ آيات المواريث تدفع ما سنّته أهل الجاهليّة من هذا التعصيب ، فكيف تشرّع ما تدفعه.

قوله سبحانه : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ)

في المجمع عن أمير المؤمنين : «إنّكم تقرأون في هذه الآية الوصيّة قبل الدين ، وأنّ رسول الله قضى بالدين قبل الوصيّة» (٢).

أقول : وهو المنصوص في الروايات ، وأمّا تقديم الوصيّة على الدين في الآية ، فلأنّ الوصيّة أمر ندب الله إليه دون الدّين ، قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) (٣) ، ولعلّه النكتة في تقييد الوصيّة في الآيتين بالفعل كقوله : (وَصِيَّةٍ يُوصى بِها) ، وقوله : (وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها) ، وقوله : (وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها).

__________________

(١). الكافي ٧ : ٧٩ ـ ٨٠ ، الحديث : ٣.

(٢). مجمع البيان ٣ : ٣١.

(٣). البقرة (٢) : ١٨٠.

٤٩

وقوله سبحانه : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «من ليس بوالد ولا ولد» (١).

أقول : فهو القريب من جهة العرض دون الطول ، كالإخوة والأخوات وأولادهم.

وفي قوله : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) ، إمّا (كانَ) ناقصة واسمها (رَجُلٌ) و (يُورَثُ) وصفه ، و (كَلالَةً) حال. أو هي تامّة ، و (يُورَثُ) وصف الفاعل ، و (كَلالَةً) حال. والمعنى على الجميع واحد.

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية : «إنّما عنى بذلك الإخوة والأخوات من الامّ خاصّة» (٢).

أقول : والروايات فيه كثيرة ، وقرينة ذلك اختصاص ما في آخر السورة من حكم الكلالة بالإخوة والأخوات من الأبوين أو الأب مع زيادة السهام هناك ونقصها ها هنا ، فهذه من جهة الامّ ؛ لأنّ تفاوت سهامهم بتفاوت من يتقرّبون به إلى الميّت.

قوله سبحانه : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ)

جيء بالنصف بالإضافة كقوله في الآية الاولى : (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) (٣) ولم يتمّم ب «من» كما في قوله : (فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) ، (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) ، (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) ، وكالسدس والثلث في الآية الاولى ؛ لأنّ

__________________

(١). الكافي ٧ : ٩٩ ، الحديث : ٢ و ٣ ، مع اختلاف.

(٢). الكافي ٧ : ١٠١ ـ ١٠٢ ، الحديث : ٣.

(٣). النساء (٤) : ١١.

٥٠

«من» هذه ابتدائيّة نشويّة ، وانتشاء شيء من شيء يستلزم كون الناشي مستهلكا في المنشأ ، ولازمه كون الباقي يربو على الناشي كالثلثين على الثلث والثلاثة الأرباع على الربع ، بخلاف النصف من النصف ، والثلث من الثلثين ، ولذا قيل : نصف ما ترك ، وثلثا ما ترك (١).

هذا ، وسكوت الآية عن العدد في الزوجات إذا ورثن يعطي عدم الفرق في أخذ الربع والثمن بين أن تكون واحدة أو أكثر ، فما أخذن من الميراث مشترك بينهنّ ، وأمّا قصر ربعهنّ أو ثمنهنّ على الأعيان فقط فغير مستفاد من هذه الآية.

وفي هذه المعاني روايات كثيرة (٢).

قوله سبحانه : (خالِدِينَ فِيها)

قيل : إفراد الضمير في قوله : (يُدْخِلْهُ) وجمعه في قوله : (خالِدِينَ) ، باعتبار لفظ «من» ومعناه.

__________________

(١). غنية النزوع : ٣١٩ ؛ السرائر ٣ : ٢٨٧ ؛ تذكرة الفقهاء ٢ : ٦٠٨.

(٢). راجع : الكافي ٧ : ٧٤ ، ١٠٧ ، ١٠٣ ؛ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٧٤ ؛ تهذيب الأحكام ٩ : ١٦٥ وغيرها.

٥١

[وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)[

قوله سبحانه : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «هي منسوخة ، والسبيل هو الحدود» (١).

وفيه : عنه ـ عليه‌السلام ـ : سئل عن هذه الآية فقال : «هي منسوخة» قيل : كيف كانت؟ قال ـ عليه‌السلام ـ : «كانت المرأة إذا فجرت فقام عليها أربعة شهود ادخلت بيتا ولم تحدّث ولم تكلّم ولم تجالس واوتيت [فيه] بطعامها وشرابها حتّى تموت. [قلت : فقوله :] (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً)؟ قال : «جعل السبيل الجلد والرجم» (٢).

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٧ ، الحديث : ٦٠.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٧ ، الحديث : ٦١.

٥٢

أقول : وروي هذا المعنى في الكافي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ (١) ، وسياق قوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ) ، يعطي أنّ الحكم ذو أمد ، فلحنه لحن الانتظار.

قوله سبحانه : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ)

هذه الآية كسابقتها منسوخة بآية الجلد.

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ وهو ذيل الحديث الثاني السابق ، قال : قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) ، قال : «يعني : البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيّب (فَآذُوهُما) قال : تحبس (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)» (٢).

*

__________________

(١). الكافي ٢ : ٣٣ ، الحديث : ١.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، الحديث : ٦١.

٥٣

[إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)]

قوله سبحانه : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ ...)

قد عرفت معنى التوبة في سورة البقرة ، وأنّها توبة واحدة من العبد محفوفة بتوبتين من الله سبحانه ، وعرفت أنّ التوبة الثانية من الله تعالى إنّما تتحقّق بالتوبة الاولى منه تعالى. وظاهر الآية أنّها الثانية.

وقوله : (بِجَهالَةٍ)

وهو سفه الرأي يحترز به عن الجهل كمن يقترف المعصية وهو لا يعلم أنّها معصية ، فلا يكون العمل معه سيّئا ، وقد مرّ استفادته من قوله.

وقوله : (مِنْ قَرِيبٍ)

مقابلته مع قوله في الآية الثانية : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) ، يفيد أنّ

٥٤

معنى القرب أن لا ينقضي موعده وهو حلول الإنسان محلّا لا يؤثّر فيه التوبة والرجوع إلى الله سبحانه كما عند معاينة النشأة الآخرة بالاحتضار والموت ، كما يفيده قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (١).

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «يعني كلّ ذنب عمله العبد وإن كان به عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصيته ربّه [تبارك وتعالى] ، وقد قال في ذلك يحكي قول يوسف لإخوته : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) (٢) ، فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله» (٣).

وفي الفقيه عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في آخر خطبة خطبها قال : «من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه» ثمّ قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «إنّ السنة لكثيرة ، ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه» ثمّ قال : «وإنّ الشهر لكثير ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه» ثمّ قال : «وإنّ اليوم لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه» ثمّ قال : «وإنّ الساعة لكثيرة ومن تاب وقد بلغت روحه هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ تاب الله عليه (٤)» ، الخطبة.

وقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ ...)

في الفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «ذلك إذا عاين أحوال (٥) الآخرة (٦)».

أقول : والأخبار في هذه المعاني كثيرة.

__________________

(١). طه (٢٠) : ٨٢.

(٢). يوسف (١٢) : ٨٩.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٨ ، الحديث : ٦١.

(٤). من لا يحضره الفقيه ١ : ١٣٣ ، الحديث : ٣٥١.

(٥). في المصدر : «أمر»

(٦). من لا يحضره الفقيه ١ : ١٣٣ ، الحديث : ٣٥٢.

٥٥

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)]

قوله سبحانه : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «أنّها نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها وينتظر موتها حتّى يرثها» (١).

وفي تفسير القمّي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «كان في الجاهليّة في أوّل

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ٤٧.

٥٦

ما أسلموا في (١) قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها [فكان] يرث نكاحها كما يرث ماله ، فلمّا مات أبو قيس بن الأشلت (٢) ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه وهي كبيشة ابنة معمّر بن معبد فورث نكاحها ثمّ تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها ، فأتت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقالت : يا رسول الله! مات أبو قيس بن الأشلت (٣) فورث ابنه محصن نكاحي فلا يدخل عليّ ولا ينفق عليّ ولا يخلّي سبيلي فألحق بأهلي ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : ارجعي إلى بيتك ، فإن يحدث الله في شأنك شيئا أعلمتك به. فنزل (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) ، فلحقت بأهلها وكان نسوة (٤) في المدينة قد ورث نكاحهنّ كما ورث نكاح كبيشة غير أنّه ورثهنّ غير (٥) الأبناء فانزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً)» (٦).

أقول : معنى الروايتين واضح ، وهناك غيرهما من الروايات.

قوله سبحانه : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ)

العضل : الحبس.

__________________

(١). في المصدر : «من»

(٢). في المصدر : «الأسلب»

(٣). في المصدر : «الأسلب»

(٤). في المصدر : «كانت نساء»

(٥). في المصدر : «عن»

(٦). تفسير القمّي ١ : ١٣٤.

٥٧

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «الرجل تكون له المرأة فيضربها حتّى تفتدي منه ، فنهى الله عن ذلك» (١).

أقول : وظاهر أنّ الضرار والذهاب عنوان العضل.

قوله سبحانه : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إذا قالت له : لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أبرّ لك قسما ، ولاوطئنّ فراشك من تكره ، [فإذا قالت له هذا] حلّ له أن يخلعها وحلّ له ما أخذ منها» (٢).

أقول : وهو من المصاديق ، والآية مطلقة.

وفي المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ معصية» (٣).

قوله سبحانه : (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)

في مقام التوبيخ ، ويشعر بأنّه كان متداولا عندهم أنّهم كانوا إذا أرادوا الاستبدال رموها بسوء فأخذوا من صداقها وأخرجوها ، فنهى عن ذلك ، وكذا قيل.

قوله سبحانه : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)

الإفضاء الجرّ ، كنّى به عن المباشرة ، وعدّى ب «إلى» بتضمينه معنى الميل ،

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، الحديث : ٦٥.

(٢). لم نعثر بعينها في الكافي ، ولكن روي في من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٢٢ ، الحديث : ٤٨٢ وفي الكافي بتفاوة ١ : ٣٩ ، الحديث : ١ ـ ٤.

(٣). مجمع البيان ٣ : ٤٧.

٥٨

والميثاق الغليظ : العهد الوثيق وهي عقد النكاح وما له من الأحكام.

وفي المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (١).

*

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ٥٠.

٥٩

[حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ

٦٠