تفسير البيان - ج ٣

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

ولذلك ورد في الروايات ، كما في الجوامع عنهم ـ عليهم‌السلام ـ : «فضل الله ورحمته : النبيّ وعليّ» (١).

وفي تفسير العيّاشي عن الكاظم ـ عليه‌السلام ـ : «الرحمة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، والفضل عليّ بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ» (٢).

أقول : وهو من الانطباق بحسب شأن النزول ، فهو شبيه الجري ، وفي معناهما بعض روايات اخر (٣).

قوله سبحانه : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ الله كلّف رسول الله ما لم يكلّف أحدا من خلقه أن يخرج على الناس كلّهم وحده بنفسه وإن لم يجد فئة تقاتل معه ، ولم يكلّف هذا أحدا من خلقه لا قبله ولا بعده» ثمّ تلا هذه الآية (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (٤).

أقول : والتحريض الترغيب. والتنكيل من النكال ، وهو العذاب. والكفل والنصيب والحظّ بمعنى [الواحد]. والمقيت من أسماء الله تعالى من الإقاتة ، وهو الاقتدار والحفظ.

*

__________________

(١). جوامع الجامع ١ : ٤٢٣.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٢٦١ ، الحديث : ٢٠٩.

(٣). راجع : الاحتجاج ٢ : ٢٩٨ ؛ تحف العقول : ١٣٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٠ و ٢٦١ ، الحديث : ٢٠٧ و ٢١٠.

(٤). الكافي ٨ : ٢٧٤ ، الحديث : ٤١٤.

١٢١

[وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧) فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)]

١٢٢

قوله سبحانه : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)

مطلق يشمل بإطلاقه كلّ تحيّة من قول وفعل.

فعن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنّ رجلا قال له : السلام عليك ، فقال : «وعليك السلام ورحمة الله» وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله ، فقال : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته» وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال : «وعليك» فقال الرجل : نقصتني ؛ فأين ما قال الله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) ، فقال : «إنّك لم تترك لي فضلا ، ورددت عليك مثله» (١).

وفي الكافي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «مرّ أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ بقوم فسلّم عليهم فقالوا : عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ، فقال لهم أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : لا تجاوزوا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم ، إنّما قالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت» (٢).

أقول : والأخبار في السلام وأحكامه كثيرة (٣).

وفي الكافي أيضا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إنّ من تمام التحيّة المصافحة ، وتمام التسليم على المسافر المعانقة» (٤).

وفي الخصال عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : «إذا عطس أحدكم

__________________

(١). روي مثله في مجمع البيان ٣ : ١٤٨.

(٢). الكافي ٢ : ٦٤٦ ، الحديث : ١٣.

(٣). راجع : الكافي ٢ : ٦٤٤ ، باب التسليم ؛ الاستبصار ١ : ٣٤٥ ، باب أنّ التسليم ليس بفرض ... ؛ و ٣٤٦ ، باب كيفيّة التسليم ؛ ثواب الأعمال : ١٧١ ، ثواب التسليم على الأخ المؤمن في الله عزوجل.

(٤). الكافي ٢ : ٦٤٦ ، الحديث : ١٤.

١٢٣

[فسمّتوه] قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها)» (١).

وفي المناقب : جاءت (٢) جارية للحسن ـ عليه‌السلام ـ بطاق (٣) ريحان ، فقال لها : «أنت حرّة (٤) لوجه الله» فقيل (٥) له في ذلك ، فقال ـ عليه‌السلام ـ : «أدّبنا الله تعالى فقال : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) ، وكان أحسن منها إعتاقها» (٦).

قوله سبحانه : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)

(فِئَتَيْنِ) حال من الضمير في (لَكُمْ) ، وعامله «تفرّقتم» المدلول عليه بالكلام.

وقوله : (أَرْكَسَهُمْ)

أي ردّهم إلى الكفر.

وفي المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : نزلت في قوم قدموا من مكّة وأظهروا الإسلام ثمّ رجعوا إلى مكّة فأظهروا الشرك ، ثمّ سافروا إلى اليمامة فاختلف المسلمون في غزوهم ؛ لاختلافهم في إسلامهم وشركهم (٧).

__________________

(١). الخصال ٢ : ٦٣٢ ، الحديث : ١٠.

(٢). في المصدر : «حيّث»

(٣). في المصدر : «بطاقة»

(٤). في الأصل «حرّ» والصحيح ما اثبتناه في المتن.

(٥). في المصدر : «فقلت»

(٦). المناقب ٤ : ١٨.

(٧). مجمع البيان ٣ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، نقل بالمضمون.

١٢٤

قوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : هو هلال بن عويمر الأسلمي ، واثق عن قومه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقال في موادعته : على أن لا تحيف يا محمّد من أتانا ، ولا نحيف من أتاك. فنهى الله سبحانه أن يعرّض لمن عهد إليهم (١).

قوله سبحانه : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «نزلت في بني مدلج ، جاءوا إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فقالوا : إنّا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنّك لرسول الله ، فلسنا معك ولا مع قومنا عليك ... فواعدهم إلى أن يفرغ من العرب ثمّ يدعوهم فإن أجابوا وإلّا قاتلهم» (٢).

قوله سبحانه : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ)

في تفسير القمّي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : كانت السيرة عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده ، وقد كان نزل في ذلك من الله : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) فكان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة» (٣) الحديث. وهو طويل سيأتي نقله بتمامه في سورة براءة.

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ١٥٢.

(٢). الكافي ٨ : ٣٢٧ ، الحديث : ٥٠٤.

(٣). تفسير القمّي ١ : ٢٨١.

١٢٥

أقول : والسلم : الاستسلام والانقياد.

قوله سبحانه : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ)

في المجمع عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : نزلت في عيينة بن حصين الفزاري [وذلك أنّه] أجدبت بلادهم ، فجاء إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ووادعه على أن يقيم ببطن نخل ولا يتعرّض له ، وكان منافقا ملعونا ، وهو الذي سمّاه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الأحمق المطاع (١).

أقول : وروى القمّي في تفسيره مثله (٢). والموادعة : العهد على الحفظ.

*

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ١٥٤.

(٢). تفسير القمّي ١ : ١٤٦.

١٢٦

[وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)]

قوله سبحانه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي أخي أبي جهل ، لأمّه كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما وهو لم يعلم

١٢٧

بإسلامه ، وكان المقتول الحارث بن يزيد أبو نبيشة العامري قتله بالحرّة بعد الهجرة [وكان أحدّ من ردّه عن الهجرة] وكان يعذّب عيّاشا مع أبي جهل (١).

أقول : وربما يقال : إنّ قوله : (إِلَّا خَطَأً) ، معناه : ولا خطأ. انتهى ، وهو خطأ.

قوله سبحانه : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)

أي : فعليه كذا.

وفي الكافي وتفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «كلّ العتق يجوز فيه المولود إلّا في كفّارة القتل ، فإنّ الله عزوجل يقول : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث» (٢).

وفي تفسير العيّاشي عن الكاظم ـ عليه‌السلام ـ سئل : كيف تعرف المؤمنة؟

قال : «على الفطرة» (٣).

قوله سبحانه : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ)

في الفقيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في رجل مسلم [كان] في أرض الشرك فقتله المسلمون ثمّ علم به الإمام بعد؟ فقال ـ عليه‌السلام ـ : «يعتق مكانه رقبة مؤمنة ، وذلك قول الله عزوجل : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ)» (٤).

أقول : وروى مثله العيّاشي (٥). وقوله : «يعتق مكانه» ، فيه إشعار بعنوان

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ١٥٦.

(٢). الكافي ٧ : ٤٦٢ ـ ٤٦٣ ، الحديث : ١٥ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٣ ، الحديث : ٢١٩.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٣ ، الحديث : ٢٢٠.

(٤). من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٤٧ ، الحديث : ٥٣٢٥.

(٥). تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٦ ، الحديث : ٢٣٠.

١٢٨

العتق وملاكه ، وهو إضافة واحد إلى عدد أحرار المسلمين حيث نقص واحدا منهم بالقتل.

ويستفاد من هنا عنوان مطلق العتق في الكفّارات ، وهو إضافة حرّ غير عاص إلى عددهم حيث نقص واحدا منهم بالمعصية.

قوله سبحانه : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)

يلزم قاتله كفّارة لقتله. كما في المجمع عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ (١).

قوله سبحانه : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأوّل ، فإنّ عليه أن يعيد الصيام ، وإن صام الشهر الأوّل وصام من الشهر الثاني شيئا ثمّ عرض له ما له فيه عذر فعليه أن يقضي» (٢).

أقول : أي يقضي ما بقي عليه كما قيل ، وقد استفيد من التتابع.

قوله سبحانه : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها)

في الكافي وتفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ أنّه سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا أله توبة؟ فقال : «إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أشياء الدنيا فإنّ توبته أن يقاد منه ، وإن لم يكن

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ١٥٧.

(٢). الكافي ٤ : ١٣٩ ، الحديث : ٧.

١٢٩

علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستّين مسكينا توبة إلى الله عزوجل» (١).

أقول : والمستفاد منها أنّه جعل قتل المؤمن لإيمانه من محقّقات الارتداد ومصاديقه.

وفي الكافي والمعاني وتفسير العيّاشي عنه ـ عليه‌السلام ـ : من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمّد الذي قال الله عزوجل في كتابه : (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)» قيل : والرجل يقع بينه وبين الرجل شيء فيضربه بالسيف فيقتله؟

قال : «ليس ذلك المتعمّد الذي قال الله عزوجل» (٢).

أقول : وكأنّ الاستفادة من قوله : (يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) ، ومصبّ الرواية هو الجزاء ، فلا ينافي اشتراك القسمين في القود والحكم.

وفي المعاني في قوله تعالى : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) ، قال ـ عليه‌السلام ـ : «[جزاؤه جهنّم] إن جازاه» (٣).

أقول : إشارة إلى ما يفيده قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤).

قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا)

عبّر عن الخروج للجهاد بالضرب في سبيل الله إشعارا بعلّة التبيّن ، كما أنّ

__________________

(١). الكافي ٧ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٧ ، الحديث : ٢٣٩.

(٢). الكافي ٧ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، الحديث : ١ ؛ معاني الأخبار : ٣٨٠ ، الحديث : ٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٧ ، الحديث : ٢٣٧.

(٣). معاني الأخبار : ٣٨٠ ، الحديث : ٥.

(٤). النساء (٤) : ٤٨.

١٣٠

التبيّن كالعلّة لما عطف عليه للتوضيح والبيان ، أي إذا (١) كان خروجكم في سبيل الله فينبغي أن لا تساهلوا في جنب الله وتبيّنوا ، فلا تقولوا لمن يظهر الإسلام : لست مؤمنا ، وليس ذلك إلّا لطلب الدنيا وحطامها. فالمراد بالتبيّن ليس هو تحقيق الحال ؛ إذا المظهر للشهادتين كما في مورد الآية لا يحتاج إلى تحقيق الحال ، بل التبيّن بما بيّنه الله تعالى حيث حقن دم المسلم بإظهار الشهادتين ، وقد أكّد الأمر ثانيا بقوله : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا) ، أي أنّكم كنتم مثلهم فما كنتم تحتمونه في أنفسكم من التبيّن فاعملوا في غيركم. وقد قرئ «فتثبّتوا» صيغة أمر من التثبّت ، وهي أوجه وأوفق بالسياق من التبيّن.

وفي تفسير القمّي : نزلت لمّا رجع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من غزوة خيبر وبعث اسامة بن زيد في خيل إلى بعض (٢) اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام ، وكان رجل من اليهود اسمه مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى ، فلمّا أحسّ بخيل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل ، فأقبل يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فمرّ به أسامة بن زيد فطعنه فقتله ، فلمّا رجع إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أخبره بذلك ، فقال له رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (٣) : أفلا شققت الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان

__________________

(١). في الاصل : «إذ»

(٢). في المصدر : + «قرى»

(٣). في المصدر : + «قتلت رجلا شهد أن لا اله الّا الله وأنّى رسول الله فقال : يا رسول الله إنّما قال تعوذوا من القتل فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ»

١٣١

في قلبه (١) علمت ، فحلف اسامة بعد ذلك أن لا يقتل أحدا ، قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، فتخلّف عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في حروبه ، وأنزل الله في ذلك : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) (٢).

أقول : وروت العامّة (٣) ما يقرب من ذلك ، وفي الآية ما يستنبط به حال اسامة.

*

__________________

(١). في المصدر : «في نفسه»

(٢). تفسير القمّي ١ : ١٤٨.

(٣). تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٧ ؛ الدرّ المنثور ٢ : ٢٠٠ ؛ لباب النقول : ٦٦ ؛ تاريخ المدينة ٢ : ٤٥١.

١٣٢

[لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠)]

قوله سبحانه : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)

في المجمع : نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ، ومرارة بن ربيع من بني عمرو

١٣٣

بن عوف ، وهلال بن اميّة من بني واقف ، تخلّفوا عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يوم تبوك ، وعذّر الله أولي الضرر وهو ابن أمّ مكتوم ، قال : رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره (١).

قوله سبحانه : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)

تشريك للتسلّي وتطييب النفس.

وفي الجوامع عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم وهم الذين صحّت نيّاتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد ، وقد منعهم عن السير ضرر أو غيره» (٢).

أقول : وهذا التشريك لا يوجب التساوي من جميع الجهات ؛ لجواز اشتراك موضوعين في وصف واحد مع التشكيك ، كالسواد والبياض ، وهو الذي يتعرّض له ثانيا لدفع الدخل بقوله : (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً).

قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)

في الاحتجاج عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أنّه سئل عن قول الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٣) ، وقوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) (٤) ، وقوله عزوجل : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٥) ، وقوله : (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ، فمرّة

__________________

(١). مجمع البيان ٣ : ١٦٦.

(٢). جوامع الجامع ١ : ٤٣٢.

(٣). الزمر (٣٩) : ٤٢.

(٤). السجدة (٣٢) : ١١.

(٥). الأنعام (٦) : ٦١.

١٣٤

يجعل الفعل لنفسه ، ومرّة لملك الموت ، ومرّة للرسل ، ومرّة للملائكة؟ فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ؛ لأنّهم بأمره يعملون ، فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه ، وهم الذين قال الله فيهم : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (١) ، فمن كان من أهل الطاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وكلّ ما يأتونه منسوب إليه ، فإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك الموت فعل الله ؛ لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء ، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء ، وإنّ فعل امنائه فعله ، كما قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)» (٢) (٣).

أقول : سيأتي الكلام في حقيقة التوفّي ومعنى توفّي الله وملك الموت وأعوانه للإنسان في سورة الزمر عند قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) (٤).

قوله سبحانه : (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : هم قيس بن الفاكهة بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود (٥) وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العبّاس (٦) بن منبّه بن

__________________

(١). الحجّ (٢٢) : ٧٥.

(٢). الإنسان (٧٦) : ٣٠.

(٣). الاحتجاج ١ : ٢٤٧.

(٤). الزمر (٣٩) : ٤٢.

(٥). في المصدر : ـ «ابن الأسود»

(٦). في المصدر : «العاص»

١٣٥

الحجّاج وعليّ بن اميّة بن خلف (١).

أقول : ويلحق بهم الذين ماتوا بمكّة بين الهجرة والفتح من المشركين وكان عدّ ما عدّ منهم من قبيل عدّ المصاديق.

قوله سبحانه : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ)

الاستثناء منقطع كما قيل وإن احتمل المتّصل ودخولهم في (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بقرينة قوله فيما بعد : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ).

وكيف كان ، فاستثناء المستضعفين مع سبق الوصف في المستثنى منه ولو دعوى يفيد إرادة المتّصف بحقيقته ، أي إلّا المستضعفين حقيقة ، ويفيد أنّ الحكم عقليّ غير تعبّدي ، ولذلك عرّف المستضعفين بقوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) ، وقرينتا الاستطاعة والاهتداء تفيدان أنّ المراد بالسبيل السبيل إلى الحقّ ، أي لا يستطيعون حيلة تدفع عنهم الظلم ولا يهتدون إلى الحقّ ، والكلام مطلق يشمل ما إذا كان الاستضعاف لعدم استطاعة الهجرة أو لعدم بلوغ الفهم أو مع بلوغه وعدم التنبّه لاتّفاق ، كمن يستفرغ وسعه في طلب الحقّ ثمّ لا يناله مع غزارة العلم ونبوغ الفكر لجمود تمكّن في نفسه بالتقليد ونحوه.

فإن قلت : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢) ، ينفي دخول القسم الأخير في أصحاب العذر ؛ لدلالته على أنّ الطالب للحقّ المستفرغ وسعه فيه يناله لا محالة إن كان محسنا من غير عناد ولجاج ، فمن لم ينل ولم يصل فلعدم استفراغ الوسع أو لعناد ، على أنّ أمر الحقّ ظاهر.

__________________

(١). مجمع البيان ٤ : ٨٤٦.

(٢). العنكبوت (٢٩) : ٦٩.

١٣٦

قلت : بل قوله في هذه الآية : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) ، يجعل الاستضعاف سبيلا من سبله ، فافهم. وعلى ما ذكرناه من الإطلاق ظهور الروايات.

ففي الكافي عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن المستضعف؟ فقال : «هو الذي لا يهتدي حيلة إلى الكفر [فيكفر] ، ولا يهتدي سبيلا إلى الإيمان ، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر ، فهم الصبيان ، ومن كان من الرجال والنساء مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم» (١).

أقول : والحديث مستفيض عن زرارة ، رواه الكليني والصدوق والعيّاشي بعدّة طرق عنه (٢).

وفي الكافي أيضا عن إسماعيل الجعفي ، قال : سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن الدين لا يسع العباد جهله؟ قال : «الدين واسع ، ولكنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم من جهلهم» قلت : جعلت فداك ، فاحدّثك بديني الذي أنا عليه؟ فقال : «بلى» فقلت : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله ، وأتولّاكم وأبرأ من أعدائكم ومن ركب رقابكم وتأمّر عليكم وظلمكم حقّكم. فقال : «والله ما جهلت شيئا ، هو والله الذي نحن عليه» فقلت : وهل يسلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال : «إلّا المستضعفين» قلت : من هم؟ قال : «نساؤكم وأولادكم» ثمّ قال : «أرأيت أمّ أيمن ، فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنّة وما كانت تعرف ما أنتم عليه» (٣).

__________________

(١). الكافي ٢ : ٤٠٤ ، الحديث : ١.

(٢). الكافي ٢ : ٤٠٤ ، الحديث : ٣ ؛ معاني الأخبار : ٢٠١ ، الحديث : ٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٣٦٨ ، الحديث : ٢٤٣.

(٣). الكافي ٢ : ٤٠٥ ، الحديث : ٦.

١٣٧

وفي تفسير العيّاشي عن سليمان بن خالد ، عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن المستضعفين؟ فقال : «البلهاء في خدرها ، والخادم تقول لها : صلّي ، فتصلّي ، لا تدري إلّا ما قلت لها ، والجليب الذي لا يدري إلّا ما قلت له ، والكبير الفاني والصبيّ والصغير هؤلاء المستضعفون ، فأمّا رجل شديد العنق جدل خصم يتولّى الشراء والبيع لا تستطيع أن تعينه في شيء تقول : هذا المستضعف ، لا ولا كرامة» (١).

أقول : ورواه في المعاني (٢) ، وهذا الذي لم يعدّه ـ عليه‌السلام ـ في المستضعفين هو الذي يصفه في الرواية الآتية عن سليمان.

ففي المعاني عن سليمان عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «يا سليمان ، في هؤلاء المستضعفين من هو أثخن رقبة منك ، المستضعفون قوم يصومون ويصلّون ، تعفّ بطونهم وفروجهم ولا يرون أنّ الحقّ في غيرنا آخذين بأغصان الشجرة (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) إذا كانوا آخذين بالأغصان ، وأن يعرفوا أولئك فإن عفا الله عنهم فبرحمته ، وإن عذّبهم فبضلالتهم» (٣).

أقول : قوله : «لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا» ، يريد صورة النصب أو التقصير المؤدّي إليه ، كما يدلّ عليه روايات اخرى.

ففي المعاني عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ أنّه ذكر أنّ المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضا ، ومن لم يكن من أهل القبلة ناصبا فهو مستضعف (٤).

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٢٧٠ ، الحديث : ٢٥١.

(٢). معاني الأخبار : ٢٠٣ ، الحديث : ١٠.

(٣). معاني الأخبار : ٢٠٢ ، الحديث : ٩.

(٤). معاني الأخبار : ٢٠٠ ، الحديث : ١.

١٣٨

وفي المعاني وتفسير العيّاشي عن الصادق [عليه‌السلام] في الآية ، قال : «لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون ولا يهتدون سبيلا إلى (١) الحقّ فيدخلون فيه [و] هؤلاء يدخلون الجنّة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم التي نهى الله عنها ولا ينالون منازل الأبرار» (٢).

وفي تفسير القمّي عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، ما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمّد من (٣) المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال : «أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة ، فإنّه يخدّ له خدّا إلى الجنّة التي خلقها الله بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيّئاته ، فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله» قال : «وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم ، وأمّا النصّاب من أهل القبلة فإنّه يخدّ لهم خدّا إلى النار التي خلقها الله بالمشرق فيدخل عليه اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثمّ مصيرهم إلى الجحيم» (٤).

وفي الخصال عن الصادق عن أبيه عن جدّه عن عليّ ـ عليهم‌السلام ـ قال : «إنّ للجنّة ثمانية أبواب ، باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ـ إلى أن قال ـ :

__________________

(١). في المصدر : «سبيل أهل»

(٢). معاني الأخبار : ٢٠١ ، الحديث : ٥ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٨ ، الحديث : ٢٤٥.

(٣). في المصدر : + «المسلمين»

(٤). تفسير القمّي ٢ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.

١٣٩

وباب يدخل منه سائر المسلمين ، ممّن يشهد أن لا إله إلّا الله ولم يكن في قلبه مثقال ذرّة من بغضنا أهل البيت» (١).

أقول : وسيأتي الحديث بتمامه في سورة الزمر إن شاء الله مع بيانه.

وفي المعاني وتفسير العيّاشي عن حمران قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن قول الله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ)؟ قال : «هم أهل الولاية» قلت : أيّ ولاية؟ قال : «أما إنّها ليست بولاية في الدين ولكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار وهم المرجون لأمر الله عزوجل» (٢).

أقول : إشارة إلى قوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) (٣) ، وسيأتي ما يتعلّق من الكلام به.

وفي النهج قال ـ عليه‌السلام ـ : «ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها اذنه ودعاها قلبه» (٤).

وفي الكافي عن الكاظم ـ عليه‌السلام ـ أنّه سئل عن الضعفاء فكتب ـ عليه‌السلام ـ : «الضعيف من لم ترفع له حجّة ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف» (٥) (٦).

وفي الكافي أيضا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ أنّه سئل : ما تقول في

__________________

(١). الخصال ٢ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، الحديث : ٦.

(٢). معاني الأخبار : ٢٠٢ ، الحديث : ٨ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٩ ، الحديث : ٢٤٩.

(٣). التوبة (٩) : ١٠٦.

(٤). نهج البلاغة : ٢٧٩.

(٥). في المصدر : «بمستضعف»

(٦). الكافي ٢ : ٤٠٦ ، الحديث : ١١.

١٤٠