تفسير البيان - ج ٦

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٢

١
٢

٣
٤

٥
٦
٧
٨

٩

١٠

الفهرس

سورة يوسف

الآيات يوسف ١ ـ ٣........................................................... ١٥

الآيات ٤ ـ ٦.................................................................. ٢١

الآيات ٧ ـ ٢١................................................................ ٢٥

الآيات ٢٢ ـ ٣٤............................................................... ٣٩

الآيات ٣٥ ـ ٤٢............................................................... ٦٢

الآيات ٤٣ ـ ٥٧............................................................... ٧٠

فهارس

فهرس الآيات الإستشهادية...................................................... ٨٥

فهرس الأحاديث والروايات..................................................... ١٥٩

فهرس السور................................................................. ٢٣٣

فهرس الأشعار................................................................ ٢٤٣

فهرس الأنبياء والمعصومين (ع)................................................. ٢٤٥

١١

فهرس الأعلام والأشخاص..................................................... ٢٥٧

فهرس الفرق.................................................................. ٢٧٩

فهرس الأمكنة................................................................ ٢٨٣

فهرس الكتب................................................................ ٢٨٧

فهرس مصادر تحقيق.......................................................... ٣٠٥

*

١٢

سورة يوسف

١٣
١٤

[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)]

قوله سبحانه : (الر تِلْكَ آياتُ)

قد ظهر ممّا تقدم من البيان في آية الولاية (١) أنّ التوحيد والولاية متحدان بحسب الحقيقة ، مختلفان بالاعتبار ، فالتوحيد : كون الحقّ ـ سبحانه ـ واحدا في الذات والصفات والافعال بحسب الواقع ونفس الأمر ، والولاية : تحقق العبد بذلك بحسب العلم ، ونعني بالتحقّق بذلك بحسب العلم ، أن لا يرى لغيره تعالى أصالة واستقلالا في ذاته وصفاته وأسمائه ، لا بحسب النظر والفكر ، بل بحسب التحقّق والبيان ، بحيث لا يناقض قوله فعله ، فقد شرحنا ذلك هناك بعض الشرح.

إذا تذكّرت ذلك فأعلم : أنّ غرض السورة بيان ولاية الله ـ سبحانه ـ لعبده ، وأنّه ـ سبحانه ـ إذا خصّ عبدا برحمته لصلاحه وإحسانه يتوّلى أمره ، فيخرجه

__________________

(١). (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)، المائدة (٥) : ٥٥.

١٥

من حضيض الخمود والخمول ، ويسلك به في صراط العبودية والاستكمال ، وكلّما مرّ بورطة من ورطات الشهوة أو الغضب وأشرف على الهلاك ، أخذ بيده وردّه إلى سواء السبيل ، ولم يزل يقوده بقائد التوفيق ويسوقه بسائق الصلاح والتقوى ، حتّى يوصله إلى ذروة القرب ويمكّنه فى أوج الزلفى ، فيتّحد عند ذلك البشارة والوصول ، وقد مثّل ذلك كلّه بما قصّ فيها من قصّة يوسف الصدّيق ، فإنّه كان طفلا خامل الذكر لا يدري ما تصنع به يد التقدير في مستقبل أمره ، ثمّ بشّره برؤيا أراه وألقى حبّه في قلب والده يعقوب ، فحسده إخوته ، وانجرّ الأمر إلى أن اغتالوه وألقوه في غيابة الجبّ ومحوا رسمه ، ثمّ شروه بثمن بخس ، وهو نهاية سيره إلى الذلة والهوان ، وصيّروه بذلك ممحوّ الذكر عافي الأثر ، وكان الله يسوقه بذلك إلى مستوى العزّ وانتشار الصيت ، حتّى صار إلى بيت العزيز ، فابتلي من مظاهر الشهوة واللذة بما لا منجى منه إلّا بالله ، وكان من قصّته مع امرأة الملك ما كان ، ثمّ أدّى ذلك إلى السجن ، وصار فيه نسيا منسيّا ، ثمّ أنجاه الله منه ، وأقرّه على الملك ، وهو طاهر مطهّر.

أمّا فيما ظلمه إخوته وكادوا به ، فلم يعوّضهم بمرّ الانتقام ، بل صفح عنهم بالفترة ، وأمّا فيما ابتلي به من كيد الملكة ، فإنّه لم يتلّوث بلوث الفحشاء ، فأصبح وقد أتاه الحكم والنبوّة والملك ، وكان من دعواه فيما حكى الله ـ سبحانه ـ عنه قوله : (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ؛ (١) وقد أفادت القصّة مع ذلك أنّ أمر الله ـ سبحانه ـ غالب على أمره ، وأنّ كلمته تامّة لا محالة ، وقد ذيّلت القصة بهاتين النتيجتين ، حيث قال ـ سبحانه ـ : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، إلى أن قال تعالى : (وَما

__________________

(١). يوسف (١٢) : ١٠١.

١٦

يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ): [إلى أن قال تعالى] (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (١) وهذا هو التوحيد.

وحيث قال ـ سبحانه ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) إلى أن قال تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ، (٢) وهذه هي الغلبة الإلهيّة ، حيث وعد رسله بالنصر ، حيث قال تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) ، (٣) ثمّ أنجزهم ما وعدهم ، وأحيا أمرهم ، وقد أفادت القصّة مع ذلك مزايا أخر :

منها : إنجازه تعالى ما وعد الصابرين من الفرج والظفر بالمطلوب ، كما قال يعقوب لبنيه فيما حكى الله ـ سبحانه ـ عنه : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (٤) وقال لهم ثانيا : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) ، (٥) وقال لهم ثالثا : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ، (٦) ثمّ قال لهم لمّا جاءه البشير بما يسرّه من يوسف فارتدّ بصيرا : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). (٧)

__________________

(١). يوسف (١٢) : ١٠٣ ـ ١٠٨.

(٢). يوسف (١٢) : ١٠٩.

(٣). الصافات (٣٧) : ١٧١ ـ ١٧٣.

(٤). يوسف (١٢) : ١٨.

(٥). يوسف (١٢) : ٨٣.

(٦). يوسف (١٢) : ٨٦.

(٧). يوسف (١٢) : ٩٦.

١٧

ومنها : عجيب أمره تعالى ، وقهره الأسباب بقدرته التامّة قيمومته العامّة ، حيث يسلك إلى الضد ، ويحيي أمرا بعين ما أماته به ، ويظهر بما أخفاه به ، فهؤلاء إخوة يوسف أرادوا إخفاء أمره ، وإعفاء أثره ، وهم بعينهم كشفوا عن أمره وحصلوا به ، وهذا قميص يوسف ابيضّت به عينا يعقوب ، وبعينه ارتدّ بصيرا لمّا جاءه البشير وألقاه على وجهه ، وهذه امرأة العزيز أرادت الفحشاء مع يوسف ، ثمّ رمته بالخيانة ، وهي بعينها صدّقته وأبرأت ساحته عمّا رمت به ، والأمر على هذا القياس في أطراف هذه القصّة.

ويستنتج من ذلك : أنّ آخر اليأس أوّل الرجاء ، وأنّ الشدّة هي المتبدّلة بالرجاء ، على ما جرت عليه سنّة الله تعالى في عالم الأسباب ، ونشأة الدنيا الماديّة ، من التحوّل والتكامل ، وهذا السورة قليلة النظير بين السور ، مشتملة على قصّة تامّة من مفتتحها كسورة نوح.

وفي الجوامع روى أنّ اليهود قالوا لكبراء المشركين : سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب عن الشام إلى مصر وقصّة يوسف؟ قال : فأخبرهم بالصحّة من غير سماع ولا قراءة كتاب. (١)

أقول : ويظهر من قوله ـ سبحانه ـ : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) ، (٢) أنّ نزول السورة كان عن اقتراح سؤال.

قوله ـ سبحانه ـ : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ)

الإتيان ، بصيغة البعيد من إسم الإشارة ، للدلالة على ارتفاع الشأن ، وبعده عن

__________________

(١). جوامع الجامع ٢ : ١٧٧.

(٢). يوسف (١٢) : ٧.

١٨

سطح الأفهام العاديّة ، وقوله : (الْكِتابِ الْمُبِينِ): إن كان المراد به القرآن ، فالمراد بالآيات أجزاؤه ؛ لدلالتها على التوحيد وأصول المعارف ، وإن كان المراد به اللوح المحفوظ ، فالمراد بالآيات أجزاؤه من حيث اشتمال القرآن على حكايتها ، وفيه إشارة إلى أنّ القرآن حق صدق لا يشوبه كذب ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، نظير ما يفيده قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). (١)

وربّما يؤيده قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، حيث قال : (أَنْزَلْناهُ) ولم يقل : جعلناه ؛ فإنّ الإنزال يستدعي انتقالا من علو إلى سفل ، وحيث كانت المرتبة الدانية هي سطح العقل والتعقل ، فالعالية أعلى من ذلك ، كما يدلّ عليه قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٢) ، وأمّا تفسيره : بأنّا جعلناه عربيّا لتعقلوه ولو جعلناه قرآنا أعجميّا لالتبس عليكم ، انتهى فهو بعيد.

قوله ـ سبحانه ـ : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ)

من قصّ الأثر إذا تتبعه ، ومنه القصّاص ، والمعنى : نقصّ عليك أحسن الاقتصاص ؛ لبيانه القصّة على اشتمالها على معاني العشق والمراودة على أجمل بيان وأعفّ لحن.

أو المعنى : نقصّ عليك أحسن القصص والحكايات ، فإن القصص والقصّة مصدران ربّما يراد بهما أصل معناهما ، وربّما يراد بهما الأثر الحاصل من

__________________

(١). الواقعة (٥٦) : ٧٧ ـ ٧٩.

(٢). الزخرف (٤٣) : ٣ ـ ٤.

١٩

الاقتصاص وهو الحديث ، وذلك لاشتمالها على بيان التوحيد والولاية من طريق الحبّ وهو أحسن الطرق ، فعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : هل الدين إلّا الحبّ؟. (١)

قوله سبحانه : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) :

«ما» مصدرية أي بوحينا إليك ، والفرق بين المصدر وتأويل المصدر ب : (ما) و (أن) المصدريّتين ، وأنّ المشبهة بالفعل ؛ أنّ المصدر يدلّ على الحدث مع نسبة إجماليّة ، والجملة المأوّلة بالمصدر تدلّ على تفصيل حركة الحدث من تحقّق الماضي ، كما في (ما) المصدرية ، أو جريان المستقبل ، كما في (أن) المصدريّة ، أو ثبوت الجملة الاسميّة ، كما في (أنّ) المشبهة بالفعل ، فقولنا : «ضربك زيدا» يدلّ على أصل الحدث المنسوب ، وقولنا : «بما ضربت زيدا» يدلّ على الحدث مع كيفيّة تحقّقه الماضويّ ، وقولنا : «أن تضرب زيدا» يدلّ على نسبة الحدث مع كيفيّة جريها الاستقبالي ، وقولنا : «إنّك ضربت زيدا» يدلّ على الحدث المنسوب ، وأنّ نسبته نسبة ثابتة إسميّة ، ولذلك يدلّ على التأكيد.

__________________

(١). الخصال ١ : ٢٥ ، الحديث : ٧٤.

٢٠