تفسير البيان - ج ١

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار». (١)

أقول : وهو تفسير بمسلك المجازاة.

وفي المجمع عن عليّ بن إبراهيم عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «ما أجرأهم على النار». (٢)

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «ما أعملهم بأعمال أهل النارك». (٣)

أقول : وهو تفسير بمسلك نتائج الأعمال.

*

__________________

(١). الكافي ٢ : ٢٦٨ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير العياشي ١ : ٧٥ ، الحديث : ١٥٧.

(٢). مجمع البيان ١ : ٤٨٠.

(٣). بحار الأنوار ٧ : ١٣٩.

٣٠١

[لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)]

قوله سبحانه : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا ...)

قيل : طالت المشاجرة بين الناس في أمر القبلة فنزلت الآية ، فهي في مقام نفي الحقيقة وإثباتها ؛ أي : ليس حقيقة البرّ وتمامه استقبال جهة من الجهات ، بل حقيقته صدق الإيمان وصلاح العمل والاستقامة فيهما ؛ ولذلك ختم الكلام بالصدق والحصر ، فقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)

وعن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان». (١)

__________________

(١). بحار الأنوار ٦٦ : ٣٤٦.

٣٠٢

أقول : قيل : لأنّ الكمالات الإنسانيّة ـ على كثرتها ـ منحصرة في صحّة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس ، وقد اشير إلى الأوّل بقوله : (مَنْ آمَنَ) وإلى الثاني بقوله : (وَآتَى الْمالَ) وإلى الثالث بقوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) انتهى ملخّصا.

وفي المجمع عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ : «(ذَوِي الْقُرْبى) قرابة النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ». (١)

أقول : ومن الممكن وروده من باب عدّ المصداق بنحو نظرا إلى آية القربى.

وفي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجدّهم (٢)». (٣)

وفي المجمع عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «ابن السبيل : المنقطع به». (٤)

وفي التهذيب عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها ، قال : يؤدّى عنه من مال الصدقة ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَفِي الرِّقابِ)». (٥)

وفي تفسير القمّي في قوله : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) قال : قال : «في الجوع والعطش والخوف» وفي قوله : (وَحِينَ الْبَأْسِ) قال : قال : «عند العطش (٦)». (٧)

__________________

(١). مجمع البيان ١ : ٤٨٧.

(٢). في المصدر : «أجهدهم»

(٣). الكافي ٣ : ٥٠١ ، الحديث : ١٦.

(٤). مجمع البيان ١ : ٤٨٧.

(٥). تهذيب الاحكام ٨ : ٢٧٥ ، الحديث : ٣٥.

(٦). في المصدر : «القتل»

(٧). تفسير القمّي ١ : ٦٢.

٣٠٣

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)]

قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ)

حيث جعل سبحانه زمام الحكومة والولاية بيد المؤمنين خاصّة ، خصّهم بالخطاب ، وإن كان مجرى الحكم جميع المنتحلين بالإسلام ، وبه يرتفع ما يتراءى من الاختلاف بين الروايات :

ففي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «هي لجماعة المسلمين ، ما هي للمؤمنين خاصّة». (١)

وعن البرقي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية : «هي لجماعة المسلمين؟

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٧٥ ، الحديث : ١٥٩.

٣٠٤

قال : هي للمؤمنين خاصّة». (١)

قوله سبحانه : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ...) ـ إلى آخر الآية ـ

نسبة الآية إلى قوله : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٢) نسبة التفسير ـ فلا وجه لما ربّما يدّعى من نسخ هذه بتلك ـ فلا يقتل حرّ بعبد ، ولا رجل بانثى ، وهو الذي يدلّ عليه روايات أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ :

ففي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «لا يقتل الحرّ بعبد ، ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم دية العبد ، وإن قتل رجل إمرأة فأراد أولياء المقتول أن يقتلوا ، أدّوا نصف ديته إلى أولياء (٣) الرجل :. (٤)

وفي الكافي عن الحلبي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «سألته عن قول الله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) (٥) قال : يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما عفى.

وسألته عن قول الله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ)، قال : ينبغي للّذي عليه (٦) الحقّ أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للّذي عليه الحقّ أن لا يمطل أداه (٧) إذا

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٧٨ ، الحديث : ١٧٤.

(٢). المائدة (٥) : ٤٥.

(٣). في المصدر : «اهل»

(٤). تفسير العياشي ١ : ٧٥ ، الحديث : ١٥٨.

(٥). المائدة (٥) : ٤٥.

(٦). في المصدر : «له»

(٧). في المصدر : «أخاه»

٣٠٥

قدر على ما يعطيه ويؤدّي إليه بإحسان.

وسألته عن قول الله ـ عزوجل ـ : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) قال : هو الرجل يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ، ثمّ يعتدي فيقتل ، فله عذاب أليم ، كما قال الله ـ عزوجل ـ». (١)

أقول : والروايات في هذه المعاني كثيرة. (٢)

*

__________________

(١). الكافي ٧ : ٣٥٨ ، الحديث : ١.

(٢). تهذيب الأحكام ١٠ : ١٧٩ ، الحديث : ١٦ ؛ وسائل الشيعة ٢٩ : ١١٩ ، الحديث : ٣٥٢٩٦.

٣٠٦

[كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)]

قوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...)

في تفسير العيّاشي عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ قال : «هي منسوخة ، نسختها آية الفرائض التي هي المواريث». (١)

أقول : تذييل الآية بقوله : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) يدلّ على كون الحكم ذا مرتبتين وجوبا وجوازا ، فالنسخ للوجوب لا ينافي بقاء الجواز كما يدلّ عليه ما سيأتي من الروايات ، ولو لم يثبت النسخ ـ لمكان كون الرواية من الآحاد ـ فتذييل الآية بقوله : (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ربّما دلّ على أنّ المراد بالكتابة في صدرها غير الفرض والإيجاب ، وهو ظاهر.

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٧٧ ، الحديث : ١٦٧.

٣٠٧

وفي الكافي والتهذيب وتفسير العيّاشي ـ واللفظ للأخير ـ عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «سألته عن الوصيّة تجوز للوارث؟ قال : نعم ، (١) ثمّ تلا هذه الآية : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)». (٢)

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن أبيه عن عليّ ـ عليهم‌السلام ـ قال : «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث ، فقد ختم عمله بمعصية». (٣)

وفيه أيضا عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «حقّ جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر ، قال : قلت : لذلك حدّ محدود؟ قال : نعم ، قلت : كم؟ قال : أدناه السدس وأكثره الثلث». (٤)

أقول : وروى هذا المعنى الصدوق أيضا في الفقيه عنه (٥) ـ عليه‌السلام ـ ، وهو استفادة لطيفة منه ـ عليه‌السلام ـ عن الآية ، بضميمة قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) (٦) فهي جعلت النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والدا للمؤمنين ، وهو سبحانه جعل كلّا من الطاهرين من أهل بيته ـ عليهم‌السلام ـ نفسا له ، وأعطاهم

__________________

(١). في المصدر : «تجوز قال :»

(٢). الكافي ٧ : ١٠ ، الحديث : ٥ ؛ تهذيب الأحكام ٩ : ١٩٩ ، الحديث : ١ ؛ تفسير العياشي ١ : ٧٦ ، الحديث : ١٦٤.

(٣). تفسير العياشي ١ : ٧٦ ، الحديث : ١٦٦.

(٤). تفسير العياشي ١ : ٧٦ ، الحديث : ١٦٣.

(٥). من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٠٦ ، الحديث : ٥٦٥٥.

(٦). الأحزاب (٣٣) : ٦.

٣٠٨

الولاية لهم ، فهم مشمولون للآية ، والحكم استحبابيّ ، فافهم.

قوله سبحانه : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ...)

في الكافي عن محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل أوصى بماله في سبيل الله ، فقال : أعطه لمن أوصى به له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا ؛ إنّ الله يقول : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)». (١)

أقول : والأخبار في هذه المعاني كثيرة. (٢)

قوله سبحانه : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ...)

حكم تامّ بمنزلة الاستثناء من قوله : (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ويشير إليه قوله : (إنّ الله غفور رحيم) فلو لا ترائى ثبوت ورفع للحكم لم يكن للتذييل بالوصفين وجه بليغ ؛ ولذلك عبّر في بعض الروايات عن هذا البيان بالنسخ.

ففي الكافي عن محمّد بن سوقة ، قال : «سألت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ عن قول الله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) قال : نسختها التي بعدها ، قوله : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) قال : يعني الموصى إليه إن خاف جنفا من الموصي في ولده فيما أوصى به إليه ـ فيما (٣) لا يرضى الله به من خلاف الحقّ ، فلا إثم عليه أي

__________________

(١). الكافي ٧ : ١٤ ، الحديث : ١.

(٢). تهذيب الأحكام ٩ : ٢٠٣ ، الحديث : ٥ ؛ من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٠٠ ، الحديث : ٥٤٦٢ ؛ الاستبصار ٤ : ١٢٩ ، الحديث : ٥.

(٣). في المصدر : «ممّا»

٣٠٩

على الموصى إليه أن يبدّله إلى الحقّ ، وإلى ما يرضى الله به من سبيل الحقّ (١)». (٢)

أقول : هو من تفسير الآية بالآية ، وقد مرّ أنّ النسخ في كلامهم ـ عليهم‌السلام ـ ربّما اطلق على غير ما اصطلح عليه بين الاصوليّين.

وفي تفسير القمّي قال الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إذا الرجل أوصى بوصيّة ، فلا يحلّ للوصيّ أن يغيّر وصيّة يوصيها ، بل يمضيها على ما أوصى ، إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله ، فيعصي في الوصيّة ويظلم ، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ ؛ مثل رجل يكون له ورثة ، فيجعل المال كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضا ، فالوصيّ جائز له أن يردّه إلى الحقّ ، وهو قوله : (جَنَفاً أَوْ إِثْماً) والجنف : الميل إلى بعض ورثته دون بعض ، والإثم أن يأمر بعمارة بيوت النيران ، واتّخاذ المسكر ، فيحلّ للوصيّ أن لا يعمل بشيء من ذلك». (٣)

وفي المجمع عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «الجنف : أن يكون على جهة الخطأ من حيث لا يدري أنّه يجوز». (٤)

أقول : والمعاني قريبة ، وأصل الجنف في اللغة : الميل.

*

__________________

(١). في المصدر : «الخير»

(٢). الكافي ٧ : ٢١ ، الحديث : ٢.

(٣). تفسير القمّي ١ : ٦٥.

(٤). مجمع البيان ١ : ٤٩٦.

٣١٠

[يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)]

قوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ...)

إخبار عن إنشاء الحكم ، وليس بإنشاء له ، بل الحكم المنشأ المجعول هو الذي يخبر عنه في الآية التالية بقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ) (١) إلى آخر الآية ، فهاتان الآيتان في مقام الإخبار عن أنّ هذا الحكم مكتوب مفروض ، وقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) تفريع على هذه الكتابة والفرض ، وأنّ المريض والمسافر ـ إن كان حكم نفي العسر يمنع عن صومهما ـ لكنّ الكتابة توجب لهما القضاء.

وليس قوله سبحانه بعده : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) تكرارا للحكم المبيّن ، بل الحكم هو الذي يشتمل عليه البيان الثاني ، والبيان الأوّل ناظر

__________________

(١). البقرة (٢) : ١٨٥.

٣١١

إلى تشريح معنى الكتابة ، وكذلك قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) شرح لمعنى الكتابة وأنّها توجب لهم الفدية.

وعليه يتفرّع قوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) وهو أصل الفدية من الذين يطيقون الصيام (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ).

فقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) وقوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ) تفريعان على قوله :

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ).

وبذلك يتّضح أنّ قوله : (أَنْ تَصُومُوا) عود إلى بدء الكلام من خطاب المؤمنين بالصيام المكتوب ، وليس خطابا لمن كان منهم مريضا أو على سفر ، هذا.

وإذا نزّل المعنى هذه المنزلة ، وقع الكلام موقعه اللائق به ، وتبيّنت مزايا الجمل الواقعة في هذه الآيات الثلاث في أحوالها ، وهي ثماني عشرة جملة ، وظهر الاستغناء عن التعسّفات الواقعة في بعض التفاسير ، واتّضحت صحّة مضامين الروايات الواردة فيها عنهم ـ عليهم‌السلام ـ.

ففي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)، قال : «هي للمؤمنين خاصّة». (١)

وعن جميل قال : «سألت الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن قول الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) قال : فقال : هذه كلّها يجمع الضّلال والمنافقين وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة». (٢)

أقول : وستجيء الروايات في معنى قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً).

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٧٨ ، الحديث : ١٧٤.

(٢). المصدر السابق : الحديث : ١٧٥.

٣١٢

وربّما استفيد تخيير المريض والمسافر ـ بين الصوم والقضاء بالإفطار ـ من قوله سبحانه : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) عقيب قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً).

وقد عرفت أنّ الكلام عود إلى بدو الخطاب ، وأنّ الآيتين ليستا في مقام شرح الحكم. على أنّ لازم ذلك أفضليّة الصوم ، ويأبى عن ذلك سياق قوله تعالى بعده : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) من غير تعرّض به ، وهو ظاهر عند العارف بأساليب الكلام.

وفي الفقيه عن حفص قال : «سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : إنّ شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الامم قبلنا ، فقلت له : فقول الله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟ قال : إنّما فرض الله ـ عزوجل ـ صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الامم ، ففضّل الله به هذه الامّة وجعل صيامه فرضا على رسول الله وعلى امّته». (٢)

أقول : وما يقال : إنّ الرواية مخالفة للكتاب ؛ إذ ظاهر قوله : (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بظاهره يأبى أن يكون المراد به الأنبياء فقط.

ربّما يجاب عنه : بأنّ الآية تدلّ على اشتراك الذين من قبلنا معنا في أصل الصيام ، ولم يصرّح بشهر رمضان بالخصوص ، فمن الجائز أن يكون الصيام ـ المكتوب على من قبلنا من سائر الامم ـ صياما في غير شهر رمضان ، وإن كان المكتوب على الأنبياء صيام شهر رمضان.

وفي تفسير القمّي قال : قال ـ عليه‌السلام ـ : «أوّل ما فرض الله الصوم لم

__________________

(١). البقرة (٢) : ١٨٥.

(٢). من لا يحضره الفقيه ٢ : ٩٩ ، الحديث : ١٨٤٤.

٣١٣

يفرضه الله في شهر رمضان ، قال : وقال العالم : فرض الله شهر رمضان على الأنبياء ولم يفرضه على الامم ، فلمّا بعث الله نبيّه خصّه بفضل شهر رمضان هو وامّته ، وكان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أيّاما». (١)

*

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٦٥.

٣١٤

[شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)]

قوله سبحانه : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...)

في الكافي عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «سألته عن قول الله ـ عزوجل ـ : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وإنّما انزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره! فقال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : نزّل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثمّ نزّل في طول عشرين سنة ، ثم قال : قال النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : نزلت صحف إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في أوّل ليلة من شهر رمضان ، وانزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان ، وانزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، وانزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان ، وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان». (١)

__________________

(١). الكافي ٢ : ٦٢٨ ، الحديث : ٦.

٣١٥

أقول : الروايات في هذين المعنيين كثيرة مع اختلاف يسير فيها (١) ؛ كليلة الثلاث بدل الاولى وأربع وعشرين بدل الثلاث وعشرين في الصحف والقرآن ، وذلك ممّا رواه الفريقان. وسيأتي معنى نزول القرآن دفعة واحدة ونجوما.

وفي الكافي عمّن سأل الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن القرآن والفرقان ، هما شيئان أو شيء واحد؟ فقال : «القرآن جملة الكتاب ، والفرقان الحكم الواجب العمل به». (٢)

وفي الجوامع عنه ـ عليه‌السلام ـ : «الفرقان كلّ آية محكمة في الكتاب». (٣)

وفي تفسيري القمّي والعيّاشي عنه ـ عليه‌السلام ـ : «الفرقان هو كلّ أمر محكم ، والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدّق فيه (٤) من كان قبله من الأنبياء». (٥)

أقول : واللفظ يساعد ذلك.

وقد ورد في بعض الروايات أنّ «رمضان» اسم من أسماء الله ، فلا يقال : «جاء رمضان وذهب رمضان» بل «شهر رمضان».

وهو خبر واحد غريب في بابه ، والأخبار الواردة في عدّ أسمائه تعالى خالية عنه ، وليس من قبيل ما ورد أنّ «أنين المريض من أسماء الله تعالى». على أنّ لفظ «رمضان» ـ من غير تصدير ب «شهر» وبصيغة التثنية ـ مستعمل كثيرا في الروايات ؛ بحيث يبعد استناد التجريد إلى الراوي.

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٨٠ ، الحديث : ١٨٤.

(٢). الكافي ٢ : ٦٣٠ ، الحديث : ١١.

(٣). جوامع الجامع ١ : ٢٦٤.

(٤). في المصدر : «يصدقه»

(٥). تفسير القمي ١ : ٩٦ ؛ تفسير العياشي ١ : ١٦٢ ، الحديث : ١.

٣١٦

قوله سبحانه : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)

نصب الشهر على الظرفيّة.

وفي تفسير العيّاشي عن الصباح بن سيابة قال : «قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : إنّ ابن أبي يعفور أمرني أن أسألك عن مسائل ، فقال : وما هي؟ قال : يقول لك : إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي ألي أن اسافر؟ قال : إنّ الله يقول : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله فليس له أن يسافر ؛ إلّا لحجّ ، أو عمرة ، أو في طلب مال يخاف تلفه». (١)

أقول : وهو استفادة لطيفة لحكم استحبابي بالأخذ بالإطلاق.

قوله سبحانه : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)

في الكافي عن عليّ بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ قال : «فأمّا صوم السفر والمرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك : فقال قوم : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعا ، فإن صام في السفر أو حال المرض فعليه القضاء ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)». (٢)

أقول : ورواه العيّاشي أيضا. (٣)

وفي تفسير العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) قال ـ عليه‌السلام ـ : «ما أبينها لمن عقلها! قال : من شهد

__________________

(١). تفسير العيّاشي ١ : ٨٠ ، الحديث : ١٨٦.

(٢). الكافي ٤ : ٨٦ ، الحديث : ١.

(٣). تفسير العياشي ١ : ٨٢ ، الحديث : ١٩٢.

٣١٧

رمضان فليصمه ، ومن سافر فيه فليفطر (١)».

أقول : وأخبار أهل البيت ـ في تعيّن الإفطار على المريض والمسافر ـ أكثر من أن تحصى ، ومذهبهم ذلك.

وفي تفسيره أيضا عن أبي بصير قال : «سألته عن قول الله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (٢) قال ـ عليه‌السلام ـ : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ، والمريض». (٣)

وفيه عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش». (٤)

وفيه عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال ـ عليه‌السلام ـ : «امرأة تخاف على ولدها ، والشيخ الكبير». (٥)

أقول : والروايات فيه كثيرة عنهم ـ عليهم‌السلام ـ. (٦)

والعطاش مرض العطش ، وقوله : (يُطِيقُونَهُ) يشهد أنّ المراد بهذا الموضوع غير المسافر من المعذورين.

قوله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ـ إلى قوله ـ : (تَشْكُرُونَ)

ظاهر السياق أنّ قوله : (يُرِيدُ اللهُ) تعليل لإفطار المريض وغيره من

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٨١ ، الحديث : ١٨٧.

(٢). البقرة (٢) : ١٨٤.

(٣). تفسير العياشي ١ : ٧٨ ، الحديث : ١٧٧.

(٤). تفسير العياشي ١ : ٧٨ ، الحديث : ١٧٦.

(٥). تفسير العياشي ١ : ٧٩ ، الحديث : ١٨٠.

(٦). من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٣٣ ، الحديث : ١٩٤٩ ؛ تهذيب الأحكام ٤ : ٢٣٧ ، الحديث : ٢.

٣١٨

المعذورين ، وقوله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) تعليل لقضاء المعذورين في عدّة من أيّام اخر ، وأنّ قوله : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) تعظيم جميع الصائمين لله تعالى من معذور يقضي في غير شهر رمضان ، وغير معذور يصوم فيه.

وتكبيرهم له تعالى : بصومهم على ما هداهم في هذا الشهر بإنزال القرآن الذي هو هدى للناس ، فسياق التوصيف في قوله : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...) يعطي أنّ ل «نزول القرآن هدى للناس» دخلا في فرض الصوم.

فالصوم ـ وهو التنزّه عن ألواث الطبيعة ، والاستعلاء عن دناءة الإخلاد إلى الأرض بمشتهياتها ؛ واتّقاء منها ـ هو بصورته تكبير لله ، وبمعناه ـ لو كان ـ شكر له تعالى ؛ ولذلك خصّ الشكر بكلمة الترجّي الذي يتضمّنه المقام لا نفس المتكلم ، كما أنّه بنتيجته تقوى لله لو ترتّبت النتيجة ، كما ذكره أوّلا وخصّه ـ مثل الشكر ـ بكلمة الترجّي ، فقال : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) هذا.

وفي تفسير العيّاشي عن سعيد عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ في الفطر تكبيرا ، قال : قلت : ما التكبير إلّا في يوم النحر! قال : فيه تكبير ولكنّه مسنون : في المغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر وركعتي العيد». (١)

وفي الكافي عن سعيد النقّاش قال : «قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : لي : في ليلة الفطر تكبيرة ، (٢) ولكنّه مسنون ، (٣) قال : قلت : وأين هو؟ قال : في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة ، وفي صلاة الفجر ، وفي صلاة العيد ، ثمّ يقطع ، قال : قلت : كيف أقول؟ قال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٨٢ ، الحديث : ١٩٥.

(٢). في المصدر : «أما أنّ في الفطر تكبيرا»

(٣). في المصدر : «مستور»

٣١٩

على ما هدانا ، وهو قول الله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) يعني الصلاة (١) (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (٢) والتكبير أن تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد» قال : وفي رواية التكبير الآخر أربع مرّات. (٣)

أقول : اختلاف الروايتين في إثبات الظهرين وعدمه يمكن أن يحمل على مراتب الاستحباب.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «يعني الصلاة» لعلّه يريد أنّ المعنى : ولتكملوا عدّة أيّام الصوم بصلاة العيد ولتكبّروا الله مع الصلوات على ما هداكم ، وهو غير ضائر بما ذكرناه من ظاهر المعنى ؛ فإنّه استفادة حكم استحبابى من مورد الوجوب ، نظير ما مرّ في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) من كراهة الخروج (٤) إلى السفر في الشهر لمن شهد الليلة الاولى منه في الحضر ، هذا.

واختلاف آخر التكبيرات ـ في الموضعين من الرواية الأخيرة يؤيّد ما قيل : إنّ قوله : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) بتضمين التكبير معنى الحمد ، ولذلك عدّي ب «على».

وفي تفسير العيّاشي أيضا عن ابن أبي عمير عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «قلت له : جعلت فداك ، ما يتحدّث به عندنا أنّ النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين ، أحقّ هذا؟ قال : ما خلق الله من هذا حرفا ، فما صام (٥) النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلّا ثلاثين ؛ لأنّ الله

__________________

(١). في المصدر : «الصيام»

(٢). الكافي ٤ : ١٦٦ ، الحديث : ١.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٨٢ ، الحديث : ١٩٣.

(٤). لم يعبّر سابقا بالكراهة.

(٥). في المصدر : «ما صامه»

٣٢٠