تفسير البيان - ج ١

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

(فَتَلَقَّى آدَمُ) ، (١) بعد قوله : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها) (٢) في هذه السورة ، لا يساعد عليه.

وأنت إذا تدبّرت الآيات في هذه القصّة ـ وخاصّة ما في سورة طه ـ وجدت أنّ المستفاد منها : أنّ الأكل من الشجرة أوجب القضاء منه سبحانه بالهبوط والاستقرار في الأرض والحياة فيها ، تلك الحياة الشقيّة التي حذّرهما الله ـ سبحانه ـ إيّاها حين نهاهما أن يقربا الشجرة هذا.

وأنّ الاجتباء والتوبة ثانيا ، تعقّب قضاء ثانيا بإكرامه عليه‌السلام بالهداية إلى العبوديّة ، فالمقضيّ أوّلا كان نفس الحياة الأرضيّة ، ثمّ بالتوبة طيّب الله تلك الحياة ؛ بأن ركّب عليها الهداية إليه تعالى ، فتألّفت الحياة من حياة أرضيّة وحياة سماويّة.

وهذا هو المستفاد من تكرار الأمر بالهبوط في هذه السورة ؛ حيث يقول سبحانه : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) (٣) إلى أن قال : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً)، وتوسيط التوبة بين الأمرين بالهبوط يشعر بأنّ التوبة وقعت ولمّا ينفصلا من الجنّة ، وإن لم يكونا فيها كاستقرارهما قبل.

ويشعر بذلك أيضا قوله سبحانه : (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) (٤) بعد ما قال لهما : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) ، (٥) فأتى بلفظة «تلكما» بعد ما أتى بلفظة «هذه» ، أي بالإشارة إلى البعيد بعد الإشارة إلى القريب.

__________________

(١). البقرة (٢) : ٣٧.

(٢). البقرة (٢) : ٣٦.

(٣). البقرة (٢) : ٣٦.

(٤). الأعراف (٧) : ٢٢.

(٥). البقرة (٢) : ٣٥.

١٢١

وهذا هو المستفاد من بعض الروايات الآتية ، هذا.

وممّا تقدّم يتبيّن معنى الروايات في الباب ؛ ففي تفسير القمّي عن أبيه رفعه ، قال : سئل الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن جنّة آدم ، أمن جنان الدنيا كانت ، أم من جنان الآخرة؟ فقال عليه‌السلام : «كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا». (١)

قال : «فلمّا أسكنه الله الجنّة (٢) وأباحها له إلّا الشجرة ، لأنّه خلق خلقة لا تبقى إلّا بالأمر والنهي والغذاء واللباس والاكتنان والنكاح ، ولا يدرك ما ينفعه ممّا يضرّه إلّا بالتوفيق.

فجاءه إبليس فقال له : إنّكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها ، صرتما ملكين وبقيتما في الجنّة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة ، وحلف لهما أنّه لهما ناصح ، كما قال الله ـ عزوجل ـ حكاية عنه : (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ). (٣)

فقبل آدم قوله ، فأكلا من الشجرة ، فكان كما حكى الله : (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ، (٤) وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنّة ، وأقبلا يستتران من ورق الجنّة (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، (٥) فقالا كما حكى الله عنهما : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ

__________________

(١). في المصدر : + «ولم يدخلها إبليس»

(٢). في المصدر : «أتى جهالة إلى الشجرة فأخرجه ؛ لأنّه خلق خلقه»

(٣). الأعراف (٧) : ٢٠ ـ ٢١.

(٤). طه (٢٠) : ١٢١.

(٥). الأعراف (٧) : ٢٢.

١٢٢

لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١) فقال الله لهما : (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ، (٢) قال : أي يوم القيامة.

قوله : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٣) قال : فهبط آدم على الصفا ، وإنّما سمّيت الصفا لأنّ صفيّ (٤) الله انزل (٥) عليها ، ونزلت حوّاء على المروة ، وإنّما سمّيت المروة لأنّ المرأة انزلت عليها.

فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنّة ، فنزل عليه جبرئيل فقال : أليس خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته؟ قال : بلى ؛ وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فعصيته ، قال آدم ـ عليه‌السلام ـ : إنّ إبليس حلف لي بالله (٦) كاذبا». (٧)

أقول : وفي كون جنّة آدم من جنان الدنيا روايات أخر ، وإن اتّحد بعضها مع هذه الرواية في إبراهيم بن هاشم.

والمراد من كونها من جنان الدنيا : كونها برزخيّة في مقابل جنان الخلد ، كما يشير إليه بعض فقرات الرواية ، كقوله فيها : «إنّ نبيّ الله انزل على الصفا وإنّ حوّاء انزلت على المروة» ، (٨) وكقوله : «إنّ المراد بحين يوم القيامة» ، فيكون

__________________

(١). الأعراف (٧) : ٢٣.

(٢). الأعراف (٧) : ٢٤.

(٣). البقرة (٢) : ٣٦.

(٤). في بعض النسخ : «نبي» [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٥). في المصدر : «نزل»

(٦). في المصدر : + «إنه لي ناصح وما ظننت أن يخلقه الله أن يحلف بالله»

(٧). تفسير القمّي ١ : ٤٣ ـ ٤٤.

(٨). راجع : تفسير العياشي ١ : ٣٥ ، الحديث : ٢١ ؛ ١ : ٣٩ ، الحديث : ٢٢ ؛ الكافي ٤ : ١٨٦ ، ـ

١٢٣

المكث في البرزخ وجنّة مكثا في الأرض.

ويدلّ عليه ـ أيضا ـ ما ورد من الروايات : «إنّ آدم إنّما هبط من السماء» ، وجلّ آيات البعث في القرآن تعدّ الحياة البرزخيّة لبثا في الأرض.

وأمّا كيفيّة مجيء إبليس إليهما ، فالصحاح والمعتبرة من الأخبار خالية عنها ، وفي بعض الأخبار ذكر الحيّة والطاووس عونين لإبليس في إغوائه لهما ، (١) لكنّها غير معتبرة أضربنا عن ذكرها.

وفي العيون : عن عبد السلام الهروي ، قال : قلت للرضا ـ عليه‌السلام ـ : يابن رسول الله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحوّاء ، ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها ، فمنهم من يروي أنّها الحنطة ، (٢) ومنهم من يروي أنّها شجرة الحسد.

فقال عليه‌السلام : «كلّ ذلك حقّ».

قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟

فقال عليه‌السلام : «يابن الصلت! إنّ شجرة الجنّة تحمل أنواعا ، وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب ، وليست كشجرة الدنيا.

وإنّ آدم لمّا أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته له وبإدخاله الجنّة ، قال في نفسه : هل خلق الله بشرا أفضل منّي؟! فعلم الله ـ عزوجل ـ ما وقع في نفسه ، فناداه : ارفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق العرش ، (٣) فنظر إلى ساق العرش

__________________

ـ الحديث : ١ ؛ ٤ : ١٩٠ ، الحديث : ١ ؛ ٤ : ١٩١ ، الحديث : ٢ ؛ ٤ : ١٩٥ ، الحديث : ٤ ؛ ٦ : ٥١٣ ، الحديث : ١ ؛ من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٩٤ ؛ تفسير القمّي ١ : ٤٣ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٢١ ، الحديث : ٣ ؛ ٢ : ٤٣١ ، الحديث : ١ ؛ ٢ : ٤٣٢ ، الحديث : ١ ؛ ٢ : ٤٩١ ، الحديث : ١.

(١). تحف العقول : ١٠.

(٢). في المصدر : «ومنهم من يروي أنّها العنب»

(٣). في المصدر : «فرفع آدم رأسه»

١٢٤

فوجد عليه مكتوبا : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال آدم : يا ربّ من هؤلاء؟

فقال ـ عزوجل ـ : يا آدم هؤلاء (١) ذرّيّتك ، وهم خير منك ومن جميع خلقي. ولو لا هم ما خلقتك ولا (٢) الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فإيّاك أن تنظر إليهم بعين الحسد ، فأخرجك عن جواري ، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنّى منزلتهم ، فتسلّط عليه الشيطان حتّى أكل من الشجرة التي نهي عنها ، وتسلّط على حوّاء فنظرت إلى فاطمة بعين الحسد حتّى أكلت من الشجرة كما أكل آدم ، فأخرجهما الله تعالى من جنّته وأهبطهما من جواره إلى الأرض». (٣)

أقول : وقد ورد في هذا المعنى عدّة روايات اخر ، بعضها أبسط منها وأطنب ، وبعضها أوجز وأخصر.

وهذه الرواية ـ كما ترى ـ سلّم عليه‌السلام فيها أنّ الشجرة كانت شجرة حنطة وشجرة حسد ، وأنهما أكلا من شجرة الحنطة ثمرها ، وحسدا وتمنّيا منزلة محمّد وآله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ومقتضى المعنى الأوّل : أنّ الشجرة كانت أخفض شأنا من أن يميل إليها أهل الجنّة ، ومقتضى الثاني : أنّها كانت أرفع شأنا من أن ينالها آدم وزوجته ، كما في رواية أخرى : أنّها كانت شجرة علم محمّد وآله.

__________________

(١). في المصدر : + «من»

(٢). في المصدر : + «خلقت»

(٣). عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، الحديث : ٣٧.

١٢٥

وبالجملة : فهما معنيان مختلفان ، لكنّك بالرجوع إلى ما تقدّم من أمر الميثاق تعرف أنّ المعنى واحد ، وأنّه عليه‌السلام نسي الميثاق أوّلا ، فتمنّى منزلتهم صلوات الله عليهم أجمعين بالجمع بين المقامين ، فأكل من الشجرة ، فلم يتهيّأ له إلّا أحد الأمرين وهبط إلى الأرض.

وبذلك يرتفع ما يتراءى من المنافاة بين ما رواه العيّاشي عن موسى بن محمد بن عليّ عن أخيه أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ـ وفي إكمال الدين : عن الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ عهد إلى آدم أن لا يقرب الشجرة ، فلمّا بلغ الوقت الذي في علم الله أن يأكل منها ، نسي ، فأكل منها ، وذلك قول الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، (١) (٢) قال : الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها ، شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّل الله عليه وعلى خلائقه بعين الحسد ، ولم يجد له عزما». (٣)

وبين ما رواه عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ وقد سئل كيف أخذ الله آدم بالنسيان؟ فقال : «إنّه لم ينس ، وكيف ينسى وهو يذكره ويقول له إبليس : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٤)». (٥)

وفي العيون عن عليّ بن محمّد بن جهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى ـ عليه‌السلام ـ فقال له المأمون : يابن رسول الله!

__________________

(١). طه (٢٠) : ١١٥.

(٢). كمال الدين ١ : ٢١٣ ، الحديث : ٢.

(٣). الاختصاص : ٩٣ ؛ تحف العقول : ٤٧٨ ؛ تفسير العياشي ٢ : ٩ ، الحديث : ٨ ؛ المناقب ٤ : ٤٠٤.

(٤). الأعراف (٧) : ٢٠.

(٥). تفسير العياشي ٢ : ٩ ، الحديث : ٩.

١٢٦

أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون؟ فقال : «بلى» ، قال : فما معنى قول الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١)؟ قال : «إنّ الله تعالى قال لآدم : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (٢) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ، (٣) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة [لا] ممّا كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ، (٤) وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) (٥) وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٦) ولم يكن آدم وحوّاء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) (٧) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله ...» (٨) الخبر.

أقول : وهو عليه‌السلام أخذ في الرواية الشجرة النوعيّة والنهي متعلّقا بفرد من النوع على نحو الإشارة إلى الحقيقة ، والغرور بالتأوّل من النوع بالفرد ، فكأنّ شجرة الحنطة كانت كثيرة متعدّدة في الحقيقة ، وإنّما نهى الله تعالى عن القرب من أحدها بعنوان الإشارة إلى النوع ، والشيطان غرّهما بأنّ النهي عن فرد معيّن دون سائر الأفراد ، فأكلا من شجرة أخرى زعما أنّها غير التي نهى عنها ، وهذا البيان

__________________

(١). طه (٢٠) : ١٢١.

(٢). البقرة (٢) : ٣٥.

(٣). البقرة (٢) : ٣٥.

(٤). في المصدر : + «ولم يأكلا منها»

(٥). الأعراف (٧) : ٢٠.

(٦). الأعراف (٧) : ٢٠ ـ ٢١.

(٧). الأعراف (٧) : ٢٢.

(٨). عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ١ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، الحديث : ١.

١٢٧

لو لم يكن بيانا إقناعيّا للمأمون ، كان المراد به ما بينّاه من معنى الميثاق ونسيانه ، فتدبّر.

وروى الصدوق عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ عن آبائه عن عليّ ـ عليهم‌السلام ـ عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : «إنّما كان لبث آدم وحوّاء في الجنّة حتّى اخرجا منها سبع ساعات من أيّام الدنيا ، حتّى أهبطهما الله من يومهما». (١)

أقول : وفي هذا المعنى روايات اخر ، وفي بعضها : «ستّ ساعات» بدل «سبع». (٢)

ففي تفسير العيّاشي عن عبد الله بن سنان قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ وأنا حاضر : كم لبث آدم وزوجته في الجنّة حتّى أخرجتهما منها خطيئتهما؟ فقال : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ نفخ في آدم ـ عليه‌السلام ـ روحه بعد (٣) زوال الشمس من يوم الجمعة ، ثمّ برأ زوجته من أسفل أضلاعه ، ثمّ أسجد له ملائكته وأسكنه جنّته من يومه ذلك ، فو الله ما استقرّ فيها إلّا ستّ ساعات في يومه ذلك ، حتّى عصى الله تعالى ، فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس ، (٤) وصيّرا بفناء الجنّة حتّى أصبحا ، فبدت لهما سوآتهما ، وناداهما ربّهما : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ فاستحيي آدم منها ، فخضع وقال : ربّنا ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا ، قال الله لهما : اهبطا من سماواتي إلى الأرض ، فإنّه لا يجاورني في جنّتي عاص ولا في سماواتي». (٥)

أقول : وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «وصيّرا بفناء الجنّة» إشارة إلى ما مرّ من الكلام

__________________

(١). الخصال ٢ : ٣٩٦ ، الحديث : ١٠٣.

(٢). الاختصاص ٢ : ٣٩٥ ، تفسير العياشي ٢ : ١٠ ، الحديث : ١١ ؛ تفسير القمّي ١ : ٤٥.

(٣). في بعض النسخ : «عند» ، [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٤). في المصدر : + «وما باتا فيها»

(٥). تفسير العياشي ١ : ١٠ ـ ١١.

١٢٨

في تكرّر الأمر بالهبوط فراجع ، وأمّا الساعات ـ وأنّها ستّة أو سبعة ـ فالأمر فيها هيّن ، فإنّما هو تقريب.

وفي الكافي عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ في قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (١) قال : «لا إله إلّا أنت ، سبحانك اللهمّ وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي وأنت خير الغافرين ، لا إله إلّا أنت سبحانك (٢) وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي (٣) وأنت خير الراحمين ، (٤) سبحانك اللهمّ وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي وتب عليّ ، إنّك أنت التوّاب الرحيم». (٥)

أقول : وروى هذا المعنى الصدوق والعيّاشي والقمّي وغيرهم ، (٦) وعن طرق العامّة أيضا (٧) ما يقرب من ذلك ، وقد مرّ أنّ ذلك ربّما استفيد من ظاهر الجمع بين آيات القصّة.

وقال الكليني : وفي رواية اخرى في قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) قال : «سأله (٨) بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم‌السلام ـ». (٩)

__________________

(١). البقرة (٢) : ٣٧.

(٢). في المصدر : + «اللهمّ»

(٣). في المصدر : + «وارحمني»

(٤). في المصدر : + «لا إله إلّا الله»

(٥). الكافي ٨ : ٣٠٤ ، الحديث : ٤٧٢.

(٦). تفسير القمّي ١ : ٤٤ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ ، الحديث : ٢٥ ؛ منهج الدعوات : ٣٠٣ ؛ القصص الراوندي : ٥٣ ، الحديث : ٢٩ ؛ التبيان ١ : ١٦٩ ؛ مجمع البيان ١ : ١٧٥.

(٧). المصنف ، لابن أبى شيبة الكوفي ٧ : ٣٦ ؛ كتاب التوابين ، لعبد الله بن قدامة : ١١ ؛ جامع البيان ١ : ٣٤٩ ؛ زاد المسير ١ : ٥٧ ؛ تفسير القرطبي ١ : ٣٢٤ ؛ تفسير ابن كثير ١ : ٨٥ ؛ الدرّ المنثور ١ : ٥٩ ؛ فتح القدير ١ : ٧٢ وغيرهم.

(٨). في بعض النسخ : «سألته» [منه ـ رحمه‌الله ـ].

(٩). الكافي ٨ : ٣٠٤ ، الحديث : ٤٧٢.

١٢٩

أقول : وروى هذا المعنى أيضا الصدوق والعيّاشي والقمّي وغيرهم ، (١) وقد روي ما يقرب منها من طرق العامّة أيضا ، كما رواه في الدرّ المنثور عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : «لمّا أذنب آدم الذنب الذي أذنبه ، رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحقّ محمّد إلّا غفرت لي ، فأوحى الله إليه ؛ ومن محمّد؟ فقال : تبارك اسمك! لمّا خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك ، فإذا فيه مكتوب : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممّن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : يا آدم إنّه آخر النبيّين من ذرّيّتك ، ولولاه ما خلقتك». (٢)

وهذا المعنى وإن كان بعيدا عن ظاهر الآيات ، لكنّك إذا أمعنت وتذكّرت ما مرّ ـ من أنّ التوبة من العبد توبة واحدة ، ومن الله سبحانه توبتان حفّت بهما توبة العبد ـ وجدت أنّه سبحانه في قوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٣) إنّما تعرّض لذكر توبته الثانية على آدم ، أعني توبته بعد توبته إليه سبحانه.

فيكون قوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ) إجمالا للتوبتين ، أعني توبته سبحانه السابقة على توبة آدم وتوبة آدم ، فاجتباؤه سبحانه لآدم مجموع توبته عليه وتوبته إليه.

وكذلك قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) (٤) إنّما تعرّض لذكر توبته الثانية عليه ، فتلقّيه من ربّه كلمات إجمال توبته عليه وتوبته إليه.

__________________

(١). معاني الأخبار : ١٢٥ ، الحديث : ٢ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٤١ ، الحديث : ٢٧ ؛ الأمالي : ٧٥ ، الحديث : ٢ ؛ الكافي ١ : ٤١٦ ، الحديث : ٢٣ ؛ المناقب ٣ : ٣٢٠ ؛ كمال الدين ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، الحديث : ٥٧ ؛ كشف اليقين : ١٤ ؛ كشف الغمة ١ : ٤٦٥ ؛ إرشاد القلوب ٢ : ٢١٠ ؛ ٢ :٤٢١ وغيرهم.

(٢). الدرّ المنثور ١ : ٥٨.

(٣). طه (٢٠) : ١٢٢.

(٤). البقرة (٢) : ٣٧.

١٣٠

وقد أبهم سبحانه هذه الكلمات حيث نكّرها ، وأمّا الكلمات التي حكاها سبحانه عنهما في سورة الأعراف بقوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١) فليس فيها سؤال التوبة والمغفرة ، وإنّما هو تذلّل بالاعتراف بالظلم وميل وانعطاف إلى المغفرة والرحمة ، وإنّما لم يتعرّضا لسؤال التوبة إشعارا بغاية تذلّلهما وخضوعهما ، على ما هو الدأب في أدب المستغفرين من الذنوب بين الناس فتراهم يذكرون ذنب العاصي ثمّ مغفرة المعصيّ له ، ثمّ يسكتون ؛ تلويحا بأنّ الأمر إليه كيف شاء.

وفي لفظ التلقّي ـ وهو الأخذ ـ معنى الاستقبال ، ففي معناه علم سابق ، كما يعطيه الإستقبال ، وقد كان عليه‌السلام «علّم الأسماء كلّها عقيب قول الملائكة لربّهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ، (٢) فهذا العلم كان من شأنه إزاحة كلّ ظلم ومعصية بالضرورة ؛ وإلّا لم يتمّ جواب الملائكة ، وقد عرفت ما هي حقيقة هذه الأسماء ، وأنّها وسائط الفيض لما دونها ، ولا يتمّ كمال مستكمل إلّا ببركاتها.

وقد ورد في الخبر أنّه عليه‌السلام رأى أشباح أهل البيت وأنوارهم حين علّم الأسماء ، (٣) وورد أنّه عليه‌السلام رآها حين أخرج الله ذرّيّته من ظهره ، (٤)

__________________

(١). الأعراف (٧) : ٢٣.

(٢). البقرة (٢) : ٣٠.

(٣). اليقين : ١٧٤ ؛ المسائل السرورية : ٣٧ ؛ القصص للراوندي : ٤٢ و ٤٤ ؛ علل الشرائع ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، الحديث : ١١ ؛ تفسير الفرات : ٥٥٢ ، الحديث : ٧٠٧ ؛ تفسير الإمام العسكري ـ عليه‌السلام ـ : ٢١٩ ، الحديث : ١٠٢.

(٤). الكافي ٢ : ٨ ، الحديث : ٢ ؛ المناقب ٢ : ٢٤٨ ؛ علل الشرائع ١ : ١٨ ، الحديث : ٢ ؛ علل الشرائع ١ : ١٠ ، ٤ ؛ سعد السعود : ٣٥.

١٣١

وورد أنّه عليه‌السلام رآها وهو في الجنّة» ، (١) فراجع والله الهادي.

وفي تفسير القمّي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ موسى سأل ربّه أن يجمع بينه وبين آدم ، فجمع ، فقال له موسى : يا أبت ألم يخلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك الملائكة ، وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ، فلم عصيته؟ قال : يا موسى! بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟ قال : بثلاثين ألف سنة ، (٢) قال : فقال : هو ذلك. قال الصادق ـ عليه‌السلام ـ : فحجج آدم ـ عليه‌السلام ـ موسى ـ عليه‌السلام ـ». (٣)

أقول : وروي ما يقرب من هذا المعنى العلّامة السيوطي بعدّة طرق عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ. (٤)

وفي العلل عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ : «والله لقد خلق الله آدم للدنيا ، وأسكنه الجنّة ليعصيه ، فيردّه إلى ما خلقه له». (٥)

أقول : وقد مرّ رواية العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في خليل كان لآدم من الملائكة ... الحديث (٦) في هذا المعنى.

ومن الأخبار ما تظافرت بنزولهما من السماء إلى الصفا والمروة من أرض

__________________

(١). المناقب ١ : ١٧٨ ؛ روضة الواعظين ١ : ٥٨ ؛ التوحيد : ٣٣٠ ، الحديث : ٩ ؛ تفسير الفرات : ١٤٨ ، الحديث : ١٨٦ ؛ تفسير العياشي ٢ : ٢٣٨ ، الحديث : ٥٧ ؛ ٢ : ٤٠ ، الحديث : ١١١ ؛ بصائر الدرجات : ٧٢ ، الحديث : ٩ ؛ ٧١ ، الحديث : ٦ ؛ الإختصاص : ٣٣٢ ؛ الإحتجاج ١ : ٥٢ ؛ الكافي ٢ : ٨ ، الحديث : ٢ ؛ الكافي ٢ : ١٢ ـ ١٣ ، الحديث : ٤.

(٢). في المصدر : «قبل أن خلق آدم»

(٣). تفسير القمّي ١ : ٤٤.

(٤). الدرّ المنثور ١ : ٥٦.

(٥). علل الشرائع ٢ : ٥٧٨ ، الحديث : ٣.

(٦). تفسير العياشي ١ : ٣٢ ، الحديث : ١٠.

١٣٢

مكّة ، (١) وفي مقابلها ما في الاحتجاج في احتجاج عليّ ـ عليه‌السلام ـ مع الشامي حين سأله عن أكرم واد على وجه الأرض؟ فقال عليه‌السلام : «واد يقال له : سرانديب ، سقط فيه آدم من السماء». (٢)

أقول : ويمكن التوفيق بنزوله بسرانديب أوّلا ثمّ بأرض مكّة ، وليس بنزولين أرضيّين حتّى يمتنع أحدهما.

وأمّا كيفيّة نزوله من السماء إلى الأرض ـ وهو موجود أرضيّ ـ ، فنظير ما ورد أنّ الجنّة في السماء (٣) مع ما ورد أنّ القبر موطن أرواح المؤمنين ، (٤) فتأمّل.

*

__________________

(١). مرّ قبل صفحات.

(٢). علل الشرائع (٢) : ٥٩٤ ، الحديث : ٤٤.

(٣). تفسير القمّي ١ : ٢٣٠ ؛ إرشاد القلوب ٢ : ٣١٦ ؛ متشابه القرآن ٢ : ١٢٠ ؛ بحار الأنوار ٨ : ٨٣ و ٣٣٤ ؛ ٣٠ : ٩٠.

(٤). تفسير القمّي ١ : ٣٣٧ ؛ إرشاد القلوب ١ : ٥٥.

١٣٣

[يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)]

قوله سبحانه : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ ...)

لمّا بيّن سبحانه حال الناس في افتراقهم إلى ثلاث ، ثمّ دعاهم جميعا إلى عبادته ، وكيفيّة خلقهم ومبدأه وغايته ، أخذ في معاتبة أهل الكتاب وملامتهم بعد ما أفاض عليهم من نعمته وما حباهم من كرامته ، وتفصيل ما يجب عليهم من حفظ عهوده وحقوقه ممّا اشتمل عليه البيان السابق بالإجمال ، وذلك في طيّ نيّف ومائة آية هذه أوّلها.

١٣٤

قوله سبحانه : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي ...)

في الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «بولاية أمير المؤمنين (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أوف لكم بالجنّة». (١)

أقول : وهو من الجري.

قوله سبحانه : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ...)

الاستعانة ـ وهي طلب العون ـ إنّما تتمّ فيما لا يقوى الإنسان عليه وحده من المهمّات ، وإذ لا معين في الحقيقة إلّا الله ـ سبحانه ـ فالعون على المهمّات إنّما هو استقامة الإنسان واتّصاله به تعالى بالإقبال عليه ، وهذا هو الصبر والصلاة.

وقد ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام عدّة روايات في تفسير الصبر بالصوم ، (٢) وهو من باب المصداق :

ففي الكافي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «كان عليّ ـ عليه‌السلام ـ إذا هاله أمر (٣) فزع قام إلى الصلاة ، ثمّ تلا هذه الآية : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)». (٤)

وفيه أيضا عنه عليه‌السلام في الآية ، قال : «الصبر : الصيام ، وقال : إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فليصم ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَاسْتَعِينُوا

__________________

(١). الكافي ١ : ٤٣١ ، الحديث : ٨٩.

(٢). الكافي ٤ : ٩٢ ، الحديث : ٦ ؛ تفسير العياشي ١ : ٤٣ ، الحديث : ٤٠ و ٤١ ؛ ١ : ٦٨ ، الحديث : ١٢٤ ؛ تفسير القمّي ١ : ٤٦.

(٣). في المصدر : «شيء»

(٤). الكافي ٣ : ٤٨٠ ، الحديث : ١.

١٣٥

بِالصَّبْرِ) يعني الصيام». (١)

وروى مضمون الحديثين العيّاشي في تفسيره. (٢)

وفي تفسير العيّاشي ـ أيضا ـ عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، قال : «الصبر : الصوم ، إذا نزلت بالرجل الشدّة أو النازلة فليصم ؛ إنّ الله يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [الصبر : الصيام] (٣) (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) والخاشع : الذليل في صلاته ، المقبل عليها ؛ يعني رسول الله وأمير المؤمنين». (٤)

أقول : والفرق بين الخضوع والخشوع ـ على أنّهما كليهما بمعنى الذلّة ـ : أنّ الأوّل مختصّ بالجوارح ، والثاني بالقلب ؛ وقد استفاد عليه‌السلام من الآية استحباب الصوم والصلاة عند نزول الملمّات والشدائد ، وكذا التوسّل بالنبيّ والوليّ عندها ، وهو تأويل الصوم والصلاة برسول الله وأمير المؤمنين ـ عليهما‌السلام ـ

قوله سبحانه : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ...)

هذا المورد ـ أعني الاعتقاد بالآخرة ـ على أنّه مورد اليقين ، لا يفيد فيه الظنّ الذي لا يمنع عن النقيض ، ولعلّه إنّما أخذ فيه الظنّ أخذا بتحقّق الخشوع ، فإنّ العلوم التدريجيّة الحصول من أسباب تدريجيّة تتدرّج فيها النفس من تنبّه وشك ثمّ ترجح أحد طرفي النقيض ، ثمّ انعدام الإحتمالاث المخالفة شيئا فشيئا حتى

__________________

(١). الكافي (٤) : ٦٣ ، الحديث : ٧.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٤٣ ، الحديث : ٣٩ ، الحديث : ٤١.

(٣). جاء في تفسير العياشي ١ : ٤٣ ، الحديث : ٤١ هنا زيادة : وفي تفسير الفرات : عن أبي صالح عن إبن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).

(٤). تفسير الفرات : ٥٩ ، الحديث : ٢١ ؛ المناقب ٢ : ٢٠ ، عن إبن عباس وأبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ

١٣٦

يتمّ العلم الجازم ، وهذا النوع من العلم إذا تعلّق بأمر هائل يوجب الإضطراب والقلق والخشوع ، إنّما تبتدئ الخشوع من حين شروع الإذعان في الترجّح قبل تمام العلم ، ففي وصفهم بالظنّ إيماء إلى ذلك.

وفي تفسير العيّاشي عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ في الآية ، يقول : «يوقنون أنّهم مبعوثون ، والظنّ منهم يقين». (١)

أقول : ورواه الصدوق ـ أيضا ـ عنه عليه‌السلام ، (٢) ومعناه ما مرّ ، فالآية قريبة المضمون من قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) ، (٣) هذا لو كان المراد من لقائه سبحانه البعث ، ولو كان المراد ما سيأتي تصويره في سورة الأعراف ـ من معنى آخر لهذه اللفظة هو المراد بالحقيقة من غير لزوم تجسّم وحدوث ـ فلا محذور أصلا.

وروى ابن شهر آشوب عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ عن ابن عبّاس : «إنّ الآية نازلة في عليّ ـ عليه‌السلام ـ وعثمان بن مظعون وعمّار بن ياسر وأصحاب لهم». (٤)

*

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٤٤ ، الحديث : ٤٢.

(٢). التوحيد : ٢٦٧ ، الحديث : ٥.

(٣). الكهف (١٨) : ١١٠.

(٤). المناقب ٢ : ٩.

١٣٧

[يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣)]

قوله سبحانه : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ)

روى العيّاشي في حديث عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قال : «وأنا عبد الله اسمي إسرائيل ، فما أمره فقد أمرني ، وما عناه فقد عناني ...» (١) الحديث.

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٤٤ ، الحديث : ٤٥.

١٣٨

أقول : وهو المصحّح لما روي «أنّ بني إسرائيل آل محمّد» ، (١) ولو صحّ الحديث فهو من الجري.

قوله سبحانه : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ...)

المراد به يوم الموت دون القيامة ، وقد ورد به بعض الروايات أيضا. (٢)

وروى الصدوق عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث : قيل : يا رسول الله ، ما العدل؟ قال : «الفداء» ، قيل : يا رسول الله ، ما الصّرف؟ قال : «التوبة». (٣)

قوله سبحانه : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)

قصّ تعالى القصّة في سورة الأعراف بقوله : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ، (٤) فعدّ المواعدة هاهنا أربعين : إمّا للتغليب ، أو لأنّه كانت العشرة الآخرة بمواعدة اخرى ، فالأربعون مجموع المواعدتين.

وقد روى العيّاشي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ، ثمّ بدا لله فزاد عشرا ، فتمّ ميقات ربّه ـ الأوّل والآخر ـ أربعين ليلة». (٥)

__________________

(١). راجع : تفسير العياشي ١ : ٤٤ ، الحديث : ٤٣ و ٤٤ ؛ بحار الأنوار ٢٤ : ٣٩٧ ؛ تفسير الإمام ـ عليه‌السلام ـ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، الحديث : ١١٨.

(٢). راجع : تفسير الإمام ـ عليه‌السلام ـ : ٢٤١ ، الحديث : ١١٩ ؛ تأويل الآيات : ٦٠ ؛ بحار الأنوار ٨ : ٤٤ ، الحديث : ٤٥.

(٣). معاني الأخبار : ٢٦٥ ، الحديث : ٢.

(٤). الأعراف (٧) : ١٤٢.

(٥). تفسير العياشي ١ : ٤٤ ، الحديث : ٤٦.

١٣٩

[وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)]

قوله سبحانه : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...)

في تفسير القمّي : قال عليه‌السلام : «إنّ موسى لمّا خرج إلى الميقات ، ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل ، قال لهم موسى ـ عليه‌السلام ـ : (يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) فقالوا : كيف نقتل أنفسنا؟ فقال لهم موسى : اغدوا كلّ واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكّين أو حديدة أو سيف ، فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل ،

١٤٠