تفسير البيان - ج ١

السيّد محمّد حسين الطباطبائي

تفسير البيان - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد حسين الطباطبائي


المحقق: أصغر إرادتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

فكونوا أنتم ملتثمين (١) لا يعرف أحد صاحبه ، فاقتلوا بعضكم بعضا ، فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممّن كان (٢) عبدوا العجل إلى بيت المقدس ، فلمّا صلّى بهم موسى وصعد المنبر ، أقبل بعضهم يقتل بعضا ؛ حتّى نزل جبرئيل فقال : قل لهم يا موسى : ارفعوا القتل ، فقد تاب الله عليكم ، فقتل منهم عشرة آلاف ، وأنزل الله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)». (٣)

أقول : والرواية ـ كما ترى ـ تشير إلى كون قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) مقولا لموسى ومقولا له سبحانه ، فتكون إمضاءا لكلمة قالها موسى وكشفا عن كونها تامّة ، على خلاف ما يلوح من الظاهر من نقصها ؛ فإنّ الظاهر يعطي أنّ موسى ـ عليه‌السلام ـ جعل قتلهم جميعا خيرا عند بارئهم ، وقد قتل منهم البعض دون الجميع ، فجعل سبحانه ما وقع من القتل هو الخير الذي ذكره موسى ، فمساقه مساق قوله سبحانه في قصّة رؤيا إبراهيم وذبح إسماعيل : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). (٤)

ثمّ إنّ «البارئ» من الأسماء الحسنى ، كما قال الله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) ، (٥) وقع في ثلاثة مواضع من كلامه ، اثنان منها في هذه الآية ، ولعلّه خصّ بالذكر من بين الأسماء ، لملاءمة معناه المقام ، فهو قريب المعنى من الخالق والموجد ، من برأ براءا ؛ لأنّه يفصل الخلق عن العدم ، أو الإنسان من الأرض :

__________________

(١). في المصدر : «متلثمين»

(٢). في المصدر : «كانوا»

(٣). تفسير القمّي ١ : ٤٦.

(٤). الحشر (٥٩) : ٢٤.

(٥). الحشر (٥٩) : ٢٤.

١٤١

فكأنّه ـ عليه‌السلام ـ يقول : هذه التوبة وقتلكم أنفسكم وإن كان شاقّا أشدّ الأوامر ، فإنّ الذي أمركم بهذا الفناء والزوال هو الذي برأكم ، فالذي أحبّ وجودكم ـ وهو خير لكم ـ يحبّ الآن حلول القتل عليكم ، فهو خير لكم ، وكيف لا يحبّ خيركم وقد برأكم؟!

فاختيار لفظ «البارئ» في قوله : (عِنْدَ بارِئِكُمْ) لهذه العلّة ، وفي قوله : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) لاتّحاد الأمر بالتوبة مع الأمر بالقتل ، والإتيان بلفظ «كم» في المواضع الثلاث : (إِلى بارِئِكُمْ) و (خَيْرٌ لَكُمْ) و (عِنْدَ بارِئِكُمْ) للإشعار بالاختصاص لإثارة المحبّة ، فافهم.

قوله سبحانه : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ...)

في تفسير القمّي : «أنّ بني إسرائيل لمّا عبر موسى بهم البحر نزلوا في مفازة ، فقالوا : يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظلّ ولا شجر ولا ماء ، وكانت تجيء بالنهار غمامة تظلّهم من الشمس ، وينزل عليهم بالليل المنّ ، فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه ، وبالعشيّ يأتيهم طائر مشويّ يقع على موائدهم ، فإذا أكلوا وشربوا طار ومرّ ، وكان مع موسى حجر يضعه وسط العسكر ، ثمّ يضربه بعصاه ، فينفجر منه اثنتا عشرة عينا ، كما حكى الله ، فيذهب إلى كلّ سبط في رحله ، وكانوا اثني عشر سبطا». (١)

قوله سبحانه : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

في الكافي عن أبي الحسن الماضي ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ الله أعزّ وأمنع من

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٤٨.

١٤٢

أن يظلم أو ينسب نفسه إلى الظلم ، ولكنّه خلطنا بنفسه ؛ فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته ، ثمّ أنزل الله بذلك قرآنا على نبيّه ، فقال : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، قلت : هذا تنزيل؟ قال : «نعم». (١)

أقول : وروى قريبا منه أيضا عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ. (٢)

قوله عليه‌السلام : «أمنع من أن يظلم» بالبناء للمجهول ، تفسير لقوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا).

وقوله : «أو ينسب نفسه إلى الظلم» بالبناء للفاعل.

وقوله : «ولكنّه خلطنا بنفسه ...» إلى آخره ، أي : خلطنا معاشر الأنبياء والأوصياء والأئمّة بنفسه.

وقوله : «قلت : هذا تنزيل؟ قال : نعم» وجهه أنّ النفي ـ في هذه الموارد وأمثالها ـ إنّما يصحّ فيما يصحّ فيه الإثبات أو يتوهّم ، فلا يقال للجدار : «إنّه لا يبصر ـ أو ـ لا يظلم» إلّا لنكتة ، وهو سبحانه أجلّ من أن يسلّم في كلامه توهّم الظلم عليه أو تجويزه ، فالنكتة في النفي هو الخلط المذكور ؛ لأنّ العظماء يتكلّمون عن خدمهم وأعوانهم.

*

__________________

(١). الكافي ١ : ٤٣٥ ، الحديث : ٩١.

(٢). الكافي ١ : ١٤٦ ، الحديث : ١١.

١٤٣

[وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)]

قوله سبحانه : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ...)

في تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «إنّه قرأ (١) هذه الآية (ذلِكَ

__________________

(١). في المصدر : «تلا»

١٤٤

بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ، فقال : والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها ، فاخذوا عليها فقتلوا ، فصار قتلا واعتداءا ومصيبة. (١)

أقول : وفي الكافي عنه عليه‌السلام مثله.

وإنّما استفاد عليه‌السلام هذا التفسير من قوله سبحانه : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) فإنّ القتل ـ وخاصّة قتل الأنبياء ـ والكفر بآيات الله لا يعلّل بالعصيان ، بل الأمر بالعكس ؛ على ما يوجبه الشدّة والأهمّية.

*

__________________

(١). تفسير العياشي ١ : ٤٥ ، الحديث : ٥١.

١٤٥

[إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)]

قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ...)

تكرار الإيمان ثانيا ـ وهو الاتّصاف بحقيقته كما يفيده السياق ـ يعطي أنّ المراد بالذين آمنوا في صدر الآية ، المتّصفون به ظاهرا المعدودون من المؤمنين وفي زمرتهم ، فيكون محصّل المعنى : أنّ الأسماء والتسمية بها ـ مثل المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين ـ لا يوجبان عند الله سبحانه كرامة ولا أجرا ولا أمنا ، وإنّما ملاك الأمر حقيقة الإيمان ، ولذلك لم يقل : «من آمن منهم» بإرجاع الضمير

١٤٦

إلى الموصول اللازم في الصلة ، لئلّا يكون تقرير الفائدة في الاسم على ما يعطيه النظم.

وفي المعاني عن ابن فضّال ، قال : قلت للرضا ـ عليه‌السلام ـ : لم سمي النصارى نصارى؟ قال : «لأنّهم كانوا من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام ، نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر». (١)

وفي تفسير القمّي قال : قال : «الصابئون ، قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون ، وهم قوم يعبدون النجوم والكواكب». (٢)

قوله سبحانه : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)

في المعاني عن ابن سنان (٣) قال عليه‌السلام : «إنّما سمّي الجبل الذي كان عليه موسى طور سيناء ؛ لأنّه جبل كان عليه شجر زيتون ، (٤) وكلّ جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار سمّي طور سيناء وطور سينين ، وما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار من الجبال سمّي طورا ولا يقال عليه : طور سيناء وطور سينين». (٥)

__________________

(١). لم توجد في معاني الأخبار ، وبل في عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ٢ : ٧٩ ، الحديث : ١٠.

(٢). تفسير القمّي ١ : ٤٧.

(٣). في علل الشرائع : «عن ابن عباس»

(٤). في علل الشرائع : «شجرة الزيتون»

(٥). لم توجد بهذه العبارات في معاني الأخبار ، ولكن رواه في علل الشرائع ١ : ٦٧ ـ ٦٨ ، الحديث : ١ ؛ وفي معاني الأخبار في حديث استند سنده إلى علل الشرائع : «... ومعنى طور سينا أنّه كان عليه شجرة الزيتون وكل جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار يسمى طور سينين وما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار من الجبال فإنّه يسمى جبل وطور ولا يقال له طور سيناء ولا طور سينين» ؛ معاني الأخبار : ٤٨ ـ ٤٩ ، الحديث : ١.

١٤٧

قوله سبحانه : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ)

في المحاسن عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن قول الله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أقوّة الأبدان أو قوّة القلب؟ قال ـ عليه‌السلام ـ : «فيهما جميعا». (١) ورواه العيّاشي أيضا. (٢)

وعنه ـ عليه‌السلام ـ قال : «السجود ووضع اليدين على الركبتين في الصلاة وأنت راكع (٣)».

أقول : وهي استفادة لطيفة ، ويستفاد منها اتّساع دائرة الاستفادة منه.

قوله سبحانه : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ)

في تفسير العيّاشي عن الحلبي قال : «قال : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) واذكروا ما في تركه من العقوبة (٤)».

أقول : وقد استفيد ذلك من المقام ، وتأتي القصّة في سورة الأعراف ـ إن شاء الله ـ

*

__________________

(١). المحاسن ١ : ٢٦١ ، الحديث : ٣١٩.

(٢). تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ ، الحديث : ٥٢ ؛ ٢ : ٣٧ ، الحديث : ١٠١.

(٣). تفسير العياشي ١ : ٤٥ ، الحديث : ٥٤.

(٤). تفسير العياشي ١ : ٤٥ ، الحديث : ٥٣.

١٤٨

[وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)]

١٤٩

قوله سبحانه : (يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ...)

في تفسير القمّي عن ابن فضّال قال : سمعت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ يقول : «إنّ الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا (١) بقرة ، وإنّما كانوا يحتاجون إلى ذنبها ، فشدّد الله عليهم». (٢)

وفي المعاني وتفسير العيّاشي عن البزنطي قال : سمعت الرضا ـ عليه‌السلام ـ يقول : «إنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له ، ثمّ أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ، ثمّ جاء يطلب بدمه ، فقالوا لموسى : إنّ سبط آل فلان قتلوا فلانا ، فأخبرنا من قتله ، قال : إيتوني ببقرة (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ* قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل ، فقال : لا أبيعها

__________________

(١). في تفسير العياشي : «تذبحوا»

(٢). لم توجد في تفسير القمّي ، ولكن روي في تفسير العيّاشي ١ : ٤٧ ، الحديث : ٨ ؛ عن الحسن بن على بن محبوب ، عن علي بن يقطين ؛ بحار الأنوار ١٣ : ٢٦٦ ، الحديث : ٦.

١٥٠

إلّا بملء مسك (١) ذهبا ، فجاءوا إلى موسى وقالوا له ذلك ، قال : اشتروها ، فاشتروها وجاءوا بها ، فأمر بذبحها ، ثمّ أمر أن يضربوا (٢) الميّت بذنبها ، فلمّا فعلوا ذلك حيي المقتول وقال : يا رسول الله! إنّ ابن عمّي قتلني ، دون من ادّعي (٣) عليه قتلي ، فعلموا بذلك قاتله ، فقال لرسول الله موسى بعض أصحابه (٤) : إنّ هذه البقرة لها نبأ؟ فقال : وما هو؟ قال : إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّا بأبيه ، وإنّه اشترى بيعا فجاء إلى أبيه والأقاليد تحت رأسه ، فكره أن يوقظه ، فترك ذلك البيع ، فاستيقظ أبوه فأخبره ، فقال : أحسنت ، هذه البقرة فهي لك عوضا ممّا فاتك ، فقال له رسول الله موسى : انظر إلى البرّ ما بلغ بأهله». (٥)

أقول : وبالرواية يظهر وجه التعرّض لقصّة البقرة بالإطناب ، فهو تقريع عليهم بالتشديد على تشديدهم.

قوله سبحانه : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً)

فصل القصّة ب «إذ» ـ المشعر بالتعدّد ـ لغرض الاهتمام بموارد الأهمّية منها ، على ما يوجبه قاعدة الالتقاط والانتخاب ، كمجرى قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً* وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) ، (٦) وهو شائع.

__________________

(١). فى المصدر : «بمسكها»

(٢). في عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «يضرب»

(٣). في عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «يدّعى»

(٤). في عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ : «فقال رسول الله موسى لبعض أصحابه» ، وهو الصحيح.

(٥). لم توجد في معاني الأخبار ، ولكن رواها في عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ٢ : ١٣ ـ ١٤ ، الحديث : ٣١ ؛ وفي تفسير العياشي ١ : ٤٦ ، الحديث : ٥٧ ، مع اختصار.

(٦). طه (٢٠) : ١١٥ ـ ١١٦.

١٥١

[أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)]

قوله سبحانه : (قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ ...)

في المجمع عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : كان قوم من اليهود ـ ليسوا من

١٥٢

المعاندين المتواطئين ـ إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فنهى (١) كبراؤهم عن ذلك ، وقالوا : أتخبرونهم (٢) بما في التوراة من صفة محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيحاجّوكم به عند ربّكم؟! فنزلت الآية». (٣)

قوله سبحانه : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ...)

في الكافي عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ في الآية قال : «إذا جحدوا (٤) ولاية أمير المؤمنين (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)». (٥)

أقول : وروى الشيخ في أماليه عن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قريبا منه (٦)» وهو من الجري.

ثمّ إنّ الآيتين قريبتا المعنى من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) (٧) وإنّما الفرق : أنّ الآية في مقام بيان أنّ الملاك في السعادة هو الإيمان بالحقيقة دون التسمّي بالأسامي ، والآيتان في أنّ الملاك هو الإيمان دون الدعاوي.

وقد قابل سبحانه بين الإيمان والعمل الصالح وبين كسب السيّئة وإحاطة

__________________

(١). في المصدر : «فنهاهم»

(٢). في المصدر : «لا تخبروهم»

(٣). مجمع البيان ١ : ٢٧٢.

(٤). فى المصدر : «جهد»

(٥). الكافي ١ : ٤٣٩ ، الحديث : ٨٢.

(٦). الأمالي للطوسي : ٣٦٤ ، الحديث : ٧٦٣.

(٧). البقرة (٢) : ٦٢.

١٥٣

الخطيئة ؛ لأنّ المقام مقام عدّ سيّئات اليهود عليهم.

ثمّ إنّه فرع العمل الصالح على الإيمان وعكس في الخطيئة والسيّئة ؛ لأنّ الخطيئة هي الحاصلة للنفس من اكتساب السيّئة وأشار بذلك إلى علّة الخلود ؛ وهي إحاطة الخطيئة بالإنسان ، فلا يجد مخلصا يخلص منه ومنفذا ينفذ فيه ، وهذا من الشواهد لما قدّمناه في أوّل السورة أنّ للإنسان حياة تالية لحياته الدنيويّة وفي باطنها.

*

١٥٤

[وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤)]

قوله سبحانه : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)

في الكافي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في الآية قال : «قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم» ؛ (١)

وعن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «قولوا للناس حسنا ، ولا تقولوا إلّا خيرا ؛ حتّى تعلموا ما هو». (٢)

وفي المعاني عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم ؛ فإنّ الله ـ عزوجل ـ يبغض السباب اللعّان ، السبّاب : الطعّان على

__________________

(١ و ٢). الكافي ٢ : ١٦٥ ، الحديث : ١٠.

١٥٥

المؤمنين ، الفاحش المفحش ، السائل ، ويحبّ الحييّ الحليم العفيف المتعفّف». (١)

أقول : وروى مثل الحديث الأوّل في الكافي بطريق آخر عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ (٢) والعيّاشي عنه ، (٣) ومثل الثاني في الكافي عنه ، (٤) ومثل الثالث العيّاشي عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ. (٥)

وقد استند عليه‌السلام في استفادة هذه المعاني إلى إطلاق الحسن عند القائل ، وإطلاقه من حيث المورد.

وفي تفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : «إنّ الله بعث محمّدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بخمسة أسياف : فسيف على أهل الذمّة ، قال الله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) نزلت في أهل الذمّة ، ثمّ نسختها أخرى ، قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ...)» (٦) الحديث. (٧)

أقول : وهو منه عليه‌السلام أخذ بإطلاق آخر للقول ، وهو شموله للكلام ولمطلق التعرّض.

*

__________________

(١). لم توجد في معاني الأخبار ، ولكن رواها في الأمالي للصدوق : ٢٥٤ ، الحديث : ٤ ؛ تحف العقول : ٣٠٠ ؛ روضة الواعظين ٢ : ٣٧٠ ؛ مشكاة الأنوار : ١٨٩.

(٢). الكافي ٢ : ١٦٤ ، الحديث : ٩.

(٣). تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ ، الحديث : ٦٣.

(٤). الكافي ٢ : ١٦٥ ، الحديث : ١٠.

(٥). تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ ، الحديث : ٦٣.

(٦). التوبة (٩) : ٢٩.

(٧). تفسير العياشي ١ : ٤٨ ، الحديث : ٦٦.

١٥٦

[ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)]

قوله سبحانه : (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ)

في تفسير القمّي : إنّها في عثمان وأبي ذرّ إذ أخرجه إلى الرّبذة. (١)

__________________

(١). تفسير القمّي ١ : ٥١.

١٥٧

أقول : وهو من الجري.

وكذا ما ورد في قوله : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) إنّها ما جاء به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في أهل بيته ، (١) فهذا وأمثاله من الأخبار كلّها من باب الجري.

__________________

(١). الكافي ١ : ٤١٨ ، الحديث : ٣١ ؛ الصراط المستقيم ١ : ٢٨٩ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٤٩ ، الحديث : ٦٨ ؛ المناقب ٣ : ٢٠٦.

١٥٨

[وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢)]

قوله سبحانه : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ ...)

في الكافي وتفسير العيّاشي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الآية : «كانت اليهود تجد في كتبها أنّ مهاجرة (١) محمّد ما بين عير وأحد ، فخرجوا يطلبون الموضع ، فمرّوا بجبل يسمّى حدادا ، فقالوا : حداد وأحد سواء ، فتفرّقوا عنده ، فنزل بعضهم

__________________

(١). في الكافى : «مهاجر»

١٥٩

بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر ، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم ، فمرّ بهم أعرابيّ من قيس ، فتكاروا منه ، وقال لهم : أمرّ بكم ما بين عير وأحد ، فقالوا له : إذا مررت بهما ممّا (١) توسّط بهم (٢) أرض المدينة ، قال لهم : وذلك عير وهذا أحد ، فنزلوا عن ظهر إبله ، فقالوا : قد أصبنا بغيتنا ، فلا حاجة لنا في إبلك ، فاذهب حيث شئت ، فكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر : أنّا : قد أصبنا الموضع فهلمّوا إلينا ، فكتبوا إليهم : إنّا قد استقرّ (٣) بنا الدار واتّخذنا الأموال وما أقربنا ، (٤) فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم ، فاتّخذوا بأرض المدينة الأموال ، فلمّا كثرت أموالهم بلغ تبّع فغزاهم ، فتحصّنوا منه فحاصرهم ، وكانوا يرقّون لضعفاء أصحاب تبّع فيلقون إليهم (٥) التمر والشعير ، فبلغ ذلك تبّع ، فرقّ لهم وآمنهم ، فنزلوا إليه ، فقال لهم : إنّي قد استطبت بلادكم ، ولا أراني إلّا مقيما فيكم ، فقالوا (٦) : إنّه ليس ذلك ، إنّ مهاجر نبيّ (٧) وذلك لأحد حتى يكون ، فقال لهم : إنّي مخلّف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك يساعده وينصره ، (٨) فخلّف فيهم حيّين : الأوس والخزرج ، فلمّا كثروا كانوا يتناولون أموالهم (٩) اليهود ، وكانت اليهود تقول : أما لو قد بعث محمّد ليخرجنّكم من ديارنا وأموالنا ، فلمّا بعث الله

__________________

(١). في الكافي : «فآذنّا بهما فلمّا»

(٢). كتب المصنف ـ طاب ثراه ـ على : مما توسط بهم (كذا).

(٣). في الكافي : «استقرّت»

(٤). في الكافي : + «منكم»

(٥). في الكافي : + «بالليل»

(٦). في الكافي : + «له»

(٧). في الكافي : + «ذاك لك إنّها مهاجر نبيّ وليس»

(٨). في الكافي : + «ساعده ونصره»

(٩). في الكافي : «أموال»

١٦٠