الوصائل إلى الرسائل - ج ١١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-11-2
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

الوصائل

الى

الرسائل

رسالة الشارح

في قاعدة لا ضرر

٤١
٤٢

قاعدة لا ضرر

______________________________________________________

ثم إنّا قد كتبنا في باب «لا ضرر» سابقا رسالة مختصرة رأينا إلحاقها هنا لعلها تفيد بعض المشتغلين ان شاء الله تعالى ، فنقول ومن الله التوفيق :

إنّ في باب «لا ضرر» أحاديث كثيرة ، وفروعا كثيرة ، وتحقيقات للعلماء حولهما كثيرة ، ونحن نكتفي هنا بالأول والثاني وندع التحقيق لمجال آخر.

أما الأحاديث : ففي الكافي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«أنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، فكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبى سمرة ، فلما تأبّى جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكى إليه وخبّره الخبر ، فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخبّره بقول الأنصاري وما شكا ، وقال : إن أردت الدخول فاستأذن ، فأبى ، فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى ان يبيع فقال : لك بها عذق يمد لك في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصاري : اذهب فاقلعها وإرم بها إليه ، فانّه لا ضرر ولا ضرار» (١).

وفي رواية اخرى عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«أنّ سمرة بن جندب كان له عذق وكان طريقه إليها في جوف منزل رجل من الأنصار ، فكان يجيء ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاري ، فقال الأنصاري : يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفاجئنا عليها ، فاذا دخلت فاستأذن ، فقال : لا أستأذن في طريق وهو طريقي إلى عذقي ، قال : فشكاه الأنصاري

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٢ ح ٢ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ١٤٦ ب ٢٢ ح ٣٦.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأرسل إليه رسول الله فأتاه فقال له :

إنّ فلانا قد شكاك وزعم إنّك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل. فقال : يا رسول الله ، أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلّ عنه ولك في مكانه عذق في مكان كذا وكذا ، فقال : لا.

قال : فلك اثنان. قال : لا اريد. فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق ، فقال : خلّ عنه ولك عشرة في مكان كذا وكذا ، فأبى ، فقال : خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة ، قال : لا اريد ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن.

قال : ثم أمر بها رسول الله فقلعت ، ثم رمى بها إليه وقال له رسول الله : انطلق فاغرسها حيث شئت» (١).

وعن أبي عبيدة الحذاء قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام :

«كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان ، وكان إذا جاء إلى نخلته نظر إلى شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل ، قال : فذهب الرجل إلى رسول الله فشكاه إليه فقال : يا رسول الله ، إنّ سمرة يدخل عليّ بغير إذني ، فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي خدرها منه؟ فأرسل اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاه فقال :

يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول : يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك ، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال : لا. قال : لك ثلاثة ، قال : لا. قال : ما أراك

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٤ ح ٨.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يا سمرة إلّا مضار اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه» (١).

وهنا لا بأس أن نقول تعليقا على الحديث المتقدم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان همّه نشر الاسلام ، وكسر الأصنام ، وصبّ الناس في بوتقة الدين ، ولهذا كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اللين الخلقي ، والرفق العملي على جانب كبير لم يصل إليه أحد قبله ولا بعده ، وكان من لينه العملي أن لم يجعل سجنا إطلاقا ، فان أول من جعل السجن عمر بن الخطاب على ما ذكره المؤرّخون (٢) ، ولم يجر الحدّ إلّا قليلا جدا ، ولم نعهد منه تعزيرا ، وذلك لأنّ هذه الامور مما تنفّر الناس ، فلا داعي لها إلّا في أشد حالات الضرورة.

وعليه : فانّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الخلق الرفيع واللين الغريب حيث وصفه سبحانه بقوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (٣) تمكّن أن ينشر الاسلام ويحطّم الأصنام في رقعة واسعة من العالم ، من الكويت الحالية إلى آخر اليمن ، وإلى الاردن حيث قلعة أكيدر ، مرورا بالبحرين ، والمسقط ، والأمارات ، وقطر ، وكل أجزاء الحجاز.

إذن : فلا عجب من أن نراه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستعمل هذا القدر الهائل من اللين مع سمرة كما أن تهديده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتنفيذ حكم الله تعالى في حقه لم يكن إلّا بعد اليأس من ارتداعه عن الظلم ، وكثيرا ما كان تهديده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد اللفظ ليردع الطرف عن غيّه ، ويرجعه إلى الصواب كما عليه دأب القرآن حيث يقول سبحانه

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ١٠٣ ب ٢ ح ٣٤٢٣ ، وسائل الشيعة : ج ٢٥ ص ٤٢٨ ب ١٢ ح ٣٢٢٧٩.

(٢) ـ للتفصيل راجع كتاب أحكام السجون للدكتور أحمد الوائلي.

(٣) ـ سورة آل عمران : الآية ١٥٩.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في تهديد المنافقين : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) (١) أي : لنأمرنك يا رسول الله بقتالهم واجلائهم عن وطنهم ، وكقوله سبحانه : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) (٢) مع انّه لم يصلنا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه جاهد المنافقين جهاد حرب ، أو إجلاء أو مصادرة ، أو سجن ، وإنّما كان جهاده بالكلام فقط ، وهذا بحث طويل مربوط بسيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أردنا الالماع إليه فقط (٣).

ثم إنّ من أحاديث الباب طائفة كبيرة ورد فيها كلمة : «لا ضرر ولا ضرار» ، ففي رواية عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا ضرر ولا ضرار».

وعن الصدوق ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الاسلام يزيد ولا ينقص» (٤).

قال الصدوق : وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ضرر ولا اضرار في الاسلام ، فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا» (٥).

وعن الشيخ في الخلاف : أنّه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا ضرر ولا ضرار».

وعن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين

__________________

(١) ـ سورة الأحزاب : الآية ٦٠.

(٢) ـ سورة التحريم : الآية ٩ ، سورة التوبة : الآية ٧٣.

(٣) ـ وقد فصل الحديث الشارح عن سلوكيات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض كتبه منها : لأوّل مرّة في تاريخ العالم ، اسلوب حكومة الرسول والإمام علي عليهما‌السلام ، السبيل الى انهاض المسلمين ، الصياغة الجديدة ، ممارسة التغيير ، الفقه الحكم في الاسلام ، الفقه الدولة الاسلامية ، الفقه الادارة.

(٤) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٣٣٤ ب ٢ ح ٥٧١٧ وح ٥٧٢٠ ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٦ ، نهج الحق : ص ٥١٥ ، الحجّة على ايمان أبي طالب : ص ١٦٤.

(٥) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ص ٣٣٤ ب ٢ ح ٥٧١٨.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أهل المدينة في مشارب النخل أنّه لا يمنع نفع البئر ، وقضى بين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء وقال : لا ضرر ولا ضرار» (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال : لا ضرر ولا ضرار» (٢).

وعن تذكرة العلامة ، أنّه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا ضرر ولا ضرار». وفي مجمع البحرين في حديث الشفعة : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام» (٣).

وعن هارون بن حمزة الغنوي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم ، فجاء وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضى أنّ البعير برء فبلغ ثمنه دنانير ، قال : فقال عليه‌السلام : لصاحب الدرهمين خذ خمس ما بلغ ، فأبى وقال : اريد الرأس والجلد ، فقال : فليس له ذلك ، هذا الضرار وقد اعطي حقه إذا اعطي الخمس» (٤).

وعن عقاب الأعمال ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث قال : «ومن أضرّ بامرأته حتى تفتدي منه نفسها ، لم يرض الله له بعقوبة دون النّار ومن ضارّ مسلما فليس منّا ولسنا منه في الدنيا والآخرة» (٥).

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٣ ح ٦.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٨٠ ح ٤ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ١٦٤ ب ٢٢ ح ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٧٦ ب ٢ ح ٣٣٦٨.

(٣) ـ مجمع البحرين : ج ٣ ص ٣٧٣ (ضرر).

(٤) ـ الكافي (فروع) ج ٥ ص ٢٩٣ ح ٤.

(٥) ـ ثواب الاعمال : ص ٢٨٥ ، اعلام الدين : ص ٤١٦.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّه سئل عن جدار الرجل وهو سترة بينه وبين جاره سقط فامتنع من بنيانه؟ قال : ليس يجبر على ذلك إلّا أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاخرى بحق أو بشرط في أصل الملك ، ولكن يقال لصاحب المنزل : استر على نفسك في حقّك ان شئت ، قيل له : فان كان الجدار لم يسقط ولكنه هدمه أو أراد هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه إلى هدمه؟ قال : لا يترك ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار» (١).

أقول : لا يخفى : إنّ هذا الحديث ضعيف لأنّه مروي في الدعائم ، ولعل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يترك من باب التنزيه ، لا أنّه حكم إلزامي ، أو كان لمورد السؤال بعض الملابسات والقرائن الحالية والمقامية التي أوجبت ذلك.

وعن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أتى جبلا فشق فيه قناة فذهبت قناة الآخر بماء قناة الأوّل ، قال : فقال : يتقاسمان بحقائب البئر ليلة ليلة ، فينظر أيتها أضرت بصاحبتها ، فان رئيت الأخيرة أضرت بالاولى فلتعوّر» (٢).

قال في الوسائل : «ورواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد نحوه وزاد : وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وقال : إن كانت الاولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأوّل سبيل (٣) ، وحقائب البئر بمعنى : احتباس الماء».

وعن محمد بن الحسين قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : «رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة اخرى إلى قرية له ، كم يكون بينهما في البعد

__________________

(١) ـ دعائم الاسلام : ج ٢ ص ٤٩٩ ح ٧١٨١ ، ج ٢ ص ٥٠٤ ح ١٨٠٥.

(٢) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٤ ح ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ١٠٢ ب ٢ ح ٣٤٢٠.

(٣) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ١٠٢ ب ٢ ح ٣٤٢٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٧ ص ١٤٥ ب ٢٢ ح ٢٩ على الاولى وفيه (شيء).

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حتى لا يضر بالاخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقّع عليه‌السلام : على حسب أن لا يضر إحداهما بالاخرى إن شاء الله» (١).

وروى عن محمد بن علي بن محبوب قال : كتب رجل الى الفقيه عليه‌السلام في : «رجل كان له رحى على نهر قرية والقرية لرجل أو لرجلين ، فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى ويعطل هذه الرحى ، أله ذلك أم لا؟ فوقع عليه‌السلام : يتّقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ، ولا يضر أخاه المؤمن» (٢).

وعن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام قال : «قرأت في كتاب لعلي عليه‌السلام ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب : إنّ كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط بين المسلمين ، فانّه لا يجوز حرب إلّا باذن أهلها ، وإنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه وأبيه ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلّا على عدل وسواء» (٣).

وهناك جملة من الروايات مشتملة على أمثال هذه الألفاظ أيضا رواها العامة في كتبهم.

مثل : ما رواه عبادة بن الصامت في ضمن نقل قضايا كثيرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : وقضى أن لا ضرر ولا ضرار.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٢٩٣ ح ٥.

(٢) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٢٣٨ ب ٢ ح ٣٨٧٠.

(٣) ـ الكافي (فروع) : ج ٥ ص ٣١ ح ٥.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي نهاية ابن الأثير قال : في الحديث : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام (١).

أمّا الفروع ، وهو البحث الثاني في باب لا ضرر فامور :

الأوّل : إذا أضره أحد شخصين لا يعلم الضارّ منهما بعينه فالظاهر : تقسيم الضرر عليهما لقاعدة العدل ، وإذا أضر بأحد شخصين لا يعلم انّه أيهما قسّم المال بينهما.

لا يقال : لما ذا يتضرر بنصف المال أحدهما؟.

لأنّه يقال : لقاعدة العدل ، فقد ورد مثله في درهمي الودعي ، وفي تقسيم الحيوان بين نفرين كل يدعيه ، كما في قضاء أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، إلى غير ذلك من الروايات المتواترة في الموارد الخاصة ، والتي يفهم منها قاعدة كلية قد استند إليها جملة من الفقهاء.

كما إنّه إذا لم يعلم هل أنّه أضره باتلاف شاة حيث قيمتها عشرة ، أو جمل حيث قيمته عشرون؟ أعطاه نصفهما ، وكذلك إذا أضره باتلاف متاع اختلف المقوّمون في قيمته ، فقال بعض إنّه خمسون ، وقال بعض إنّه مائة ، فانّه يعطيه نصفهما.

هذا ، ولا مجال للبراءة في أمثال هذه المقامات ، لأنّ قاعدة العدل العقلائية مقدمة عليها.

الثاني : الضرر النوعي لأجل الشخص ، أو الشخصي لأجل النوع ، أو الشخصي لأجل الشخص ، أو النوعي لأجل النوع ، لا يسمى ضررا عند العقلاء ، ولذا نرى كما في الغرب يرحّبون بذلك في الضرائب المعقولة التي تدار بها البلاد ،

__________________

(١) ـ النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٨١.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وتصلح بها العباد.

وعلى هذا : فالخمس والزكاة ونحوهما ليس من الضرر ، وكذلك الحج ، وهكذا الغرامات من الديات والكفارات ونحوهما فانّها لا تعدّ ضررا.

الثالث : إذا أقدم بنفسه طوعا على الضرر ، لا يصدق عليه الضرر ، كما إذا نذر أنّ يتصدّق بدينار ، وهكذا إذا كان السبب نفسه ، كما في الضمانات ، فانها وإن كانت ضررا لكن المنصرف من «لا ضرر» في النص : أنّ الضرر المرفوع هو الذي جاء من قبل الشارع لا الذي جاء من قبل نفسه باقدامه عليه أو بتسبيبه له.

الرابع : مثل أرش المعيب ، والدية في قتل العمد الذي يتخير الولي بينها وبين القصاص ، والتصدق باللقطة فيما إذا كان مخيرا فيها بين التملك والتصدق عن صاحبها ، وما أشبه ، هل يؤثر بشيء من ذلك في عدم استطاعته للحج ، وفي تحجير المفلّس ، وفي وجوب الخمس عليه؟.

الظاهر : إنّ ذمة بائع المعيب ، والقاتل عمدا ، ليست الآن مشغولة بهما ، ولذا لا تأثير لها في عدم استطاعته ، أو عدم وجوب الخمس عليه ، أو ما أشبه ذلك.

الخامس : لما كان «لا ضرر» عرفيا والعرف يرى ضرر المغبون كان له صور ، فما ذكروه : من كون الخيار فوريا ، فاذا لم يتخير فورا سقط خياره ، لأنه أقدم على ضرر نفسه ، غير ظاهر ، بل الظاهر : بقاء خيار المغبون إلى مدة لم يتضرر الغابن تضررا من جهة كونه معلق المال ، فقولهم بالفورية لا دليل قوي عليه.

السادس : «لا ضرر» كما يشمل الضرر الحالي يشمل الضرر المستقبلي أيضا ، فاذا لم يكن في الحال ضرر لكن يحدث منه الضرر في المستقبل جاز الدفع في الحال حتى لا يتضرر منه في المستقبل كما إذا كان حائط الغير مشرفا على السقوط

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

بحيث انه إذا لم يهدمه سقط فأضر الناس مالا أو نفسا فانه يجوز هدمه حتى لا يتضرر به المسلمون في المستقبل.

وكذا إذا كان في ملك الغير ماء راكد بحيث لو لم يجففه الآن ، لأضر الناس بنتنه وحشراته في الصيف ، فانه يجوز طمه وتجفيفه حتى لا يتأذى به الناس مستقبلا.

السابع : إذا كان الضرر في موارد العلم الاجمالي جاز دفع الجميع ، لكن المتولي لذلك وهو الحاكم الشرعي يضمن من بيت المال لغير المورد الضار ويقسّمه بين المتضررين.

مثلا : إذا أصاب الوباء بعض الألبان ، فالحاكم يأمر بصب الجميع ويدفع من بيت المال قدر الضرر مقسما ذلك على الجميع ، فاذا كان ـ مثلا ـ بين عشرة أوان اناء وبائي مجهول ، أمر الحاكم بصب الجميع وقسّم قيمة التسعة بين المالكين العشرة لقاعدة العدل ، وذلك جمعا بين الأدلة.

الثامن : حيث ان لا ضرر منّة ، وقول الشارع ببطلان العبادة الضررية التي يجهل الانسان ضررها ، اغتسالا كان أو وضوء ، صوما كان أو حجا أو غير ذلك ، خلاف المنّة ، لأنه إذا أبطل الشارع عمله فقد حمّله صعوبة اخرى باعادة الصلاة والصيام والحج ثانيا ، فيلزم القول بصحة أعماله تلك وان كانت تبطل أتى بها وهو عالم بضررها.

وعليه : فانّ عدم الضرر في العبادات من الشرائط العلمية نظير الطهارة من الخبث بالنسبة إلى الصلاة ، لا الواقعية نظير الطهارة من الحدث بالنسبة إلى الصلاة.

مثلا : إذا توضأ مع اعتقاد عدم التضرر باستعمال الماء ثم انكشف خلافه ،

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يحكم بالبطلان ، وعليه جرت سيرة الفقهاء في العبادات حيث يعتبرون العلم بالضرر أو الظن به أو الاحتمال العقلائي له وعدمها دخيلا في صحة العبادة وبطلانها.

نعم ، قد جرى الفقهاء في المعاملات على مقتضى ظاهر لفظ الرواية ، ولذا حكموا بخيار الغبن والعيب لقاعدة نفي الضرر ولو مع اعتقاد المشتري عدمهما حين البيع في المنكشف خلافه. فحكموا بثبوت الخيار من حين البيع لا من حين ظهور الغبن والعيب ، والمسألة مفصلة في بابها.

التاسع : إذا عمل إيجابا ما أورث سلبه الضرر ، كما لو حبس الرجل عن متاعه فسرقه سارق ، أو منعه عن الحيلولة دون سد الماء فأتلف الماء زرعه أو ضرعه ، أو منعه عن غلق قفصه فطار طائره ، وحبس دابته فمات ولدها ، أو ما أشبه ذلك ، فالظاهر : شمول دليل لا ضرر له ، إضافة إلى دليل من أتلف ونحوه ، فان إطلاق لا ضرر يشمل كل حكم وجودي.

وعليه : فاذا سبب الوجود الضرر كان مرفوعا ، وإذا سبب العدم الضرر كان مرفوعا أيضا ، ومعنى رفع العدم : ان الحكم الوجودي الذي هو مقابل العدم قائم مقامه ، وقد اختار ذلك الرياض وغيره.

ولا يخفى : انا ذكرنا في الاصول : ان العدم لا يكون مؤثرا ولا متأثرا ، وإنّما المراد به ما يقابله من الوجود ، فاذا قال : لم يراجع الطبيب فمات ، كان معناه : تمكن المرض أو العرض فيه فمات إلى غير ذلك.

العاشر : إذا توجه ضرر إلى الغير وأمكن دفعه بتوجيه الضرر إلى النفس ، أو إلى ثالث ، فهو على ثلاثة أقسام :

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : ان يكون الدفع واجبا ، وذلك كما إذا توجه القتل إلى الغير وأمكن إقناع الضار باعطائه دينارا من نفسه حتى لا يقتله ، فانه يجب إعطاء الدينار ودفع الضرر عن الغير كما يجب دفع الضرر عن النفس ، وذلك لوجوب حفظ النفس المحترمة.

ثم هل للدافع ان يأخذ الدينار من الذي دفع الدينار لأجله ، أو ليس له ذلك ، وإذا لم يكن له ذلك فهل له ان يأخذه من بيت المال؟ احتمالات ثلاثة :

امّا احتمال انه لا يتمكن من استرداد ماله ، فلأنه واجب عليه كسائر الواجبات المتوقفة على المال ، فاذا دفع دينارا ـ مثلا ـ إلى من يوصله إلى المحل الذي يجب عليه ان ينهى فيه عن المنكر ، فلا شك انه لا يحق له ان يأخذ هذا الدينار من فاعل المنكر الذي سبب هذا التحرك من أجله.

وامّا احتمال انه يجوز له أخذ الدينار ممن توجه الضرر اليه ، فلأنه جمع بين الحقين ، كما قالوا في أكل المخمصة.

وامّا احتمال أخذه من بيت المال ، فلأنه المعد لمصالح المسلمين ، ولا إشكال في ان دفع القتل عن الغير من مصالح المسلمين.

الثاني : ان يكون الدفع حراما ، وذلك كما إذا كان الضرر المتوجه إلى الغير هو قطع اليد ، والضرر المتوجه إلى النفس أو الثالث هو القتل ـ مثلا ـ.

الثالث : ان يكون الدفع جائزا وذلك كما إذا تساوى الضرران ولم يكن تحمله لدافعه عن الغير إلى النفس محرّما.

الحادي عشر : إذا توجه الضرر إلى النفس وأمكن دفعه إلى الغير ، فانه يأتي فيه الأقسام الثلاثة التي كانت في الفرع السابق وذلك كما إذا رماه العدو بسهم وكان إذا تنحّى أصاب من خلفه ، فان كان السهم يقتله لكن يجرح من خلفه وجب

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التنحي ، وان كان العكس حرم ، وان تساويا جاز.

الثاني عشر : إذا أمره الجائر باضرار الغير ففي جوازه وعدمه ما تقدّم في الفرعين السابقين : العاشر والحادي عشر ، علما بأن الكلام فيهما وفي هذا الفرع أيضا طويل جدا نكتفي منه بهذا القدر.

الثالث عشر : الضرر المتوجه إلى الانسان من الشرع ، مرفوع بلا إشكال ، ويشمله الدليل المتقدم ، وذلك كما إذا كان الضرر في الوضوء ، أو الغسل أو الصوم ، أو الحج ، أو ما أشبه ذلك ، امّا الضرر المتوجه إلى الانسان من نفسه فهو على ثلاثة أقسام :

الأوّل : ما إذا كان جائزا له ، وذلك كما إذا قصر في الفحص عن قيمة بضاعته وباعها بأقل من القيمة فصار مغبونا فيها ، فان له خيار الغبن ، لأن الشارع لم يوجب الفحص عليه ، فاذا ألزمه بالبقاء على البيع لزم غبنه وتضرره ، ولذا فهو مرفوع لاطلاق دليل لا ضرر.

الثاني : ما إذا كان حراما عليه ، وذلك كما إذا أجنب نفسه بالحرام وكان الغسل ضررا عليه ، فانه مرفوع أيضا ويتبدل حكمه إلى التيمم.

الثالث : ما إذا أدخل الضرر على نفسه باختياره عالما عامدا ، وذلك كما إذا باع ما قيمته عشرة دنانير بدينار واحد عالما عامدا ، فان دليل لا ضرر هنا لا ينفيه ، فلا حق له في الفسخ ، بل نفي الضرر هنا يناقض قاعدة : «الناس مسلطون على أموالهم» (١) إذ لو ان الشارع أبطل البيع ، أو جعل له الخيار ، كان خلاف سلطنته.

__________________

(١) ـ نهج الحق : ص ٤٩٤ وص ٤٩٥ وص ٥٠٤ ، غوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ وج ٢ ص ١٣٨ وج ٣ ص ١٨٥ ح ٥٤ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٢ ح ٧.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولهذا أشكل جمع على صاحب الجواهر في قوله : يجب رد المغصوب إلى مالكه ولو استلزم تضرر الغاصب باضعاف قيمة المغصوب ، لأنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه بسبب الغصب فأشكلوا عليه : بأن الغاصب إنّما أراد الانتفاع بالمغصوب ـ مثلا ـ لا اضرار نفسه ، فاذا أمره الشارع بما لم يقدم عليه كان خلاف دليل لا ضرر.

الرابع عشر : إذا اشتكى شخص عند الحاكم شكاية باطلة تضرر المشتكى عليه بالمصارف : من اجرة الرواح والمجيء والسفر وما أشبه ، أو تضرر في كسبه وتجارته بسبب انشغاله بالمحكمة ، أو تضرر لأن المحكمة أخذت منه رسوم المحاكمة ، أو لأنه دفع اجرة المحاماة أو ما أشبه ذلك ، فانه لا يستبعد ان يكون للمشتكى عليه الحق على المشتكي في تدارك الأضرار المذكورة.

وإنّما كان له الحق في ذلك ، لشمول لا ضرر لها ، وذلك من غير فرق بين علم المشتكي بأنه حق أو باطل وبين عدم علمه بذلك ، لأن الضمانات وضعيات لا يشترط فيها العلم ونحوه.

امّا إذا كانت الشكاية بحق ولم يكن للمشتكى إلّا هذا الطريق ، لم يتحمل المشتكي أضرار المشتكى عليه إذ صاحب الحق يحق له إنقاذ حقه ، فلا يشمل لا ضرر مثل ذلك.

الخامس عشر : لا فرق في حق مطالبة المتضرر تدارك أضراره بين ان يكون المتضرر شخصا أو جهة ، وكذا لا فرق بين ان يكون الضار شخصا أو جهة ، وذلك كما لو كان الضار وقفا أو ثلثا أو ما أشبه أو كان المتضرر شيئا من ذلك ، لإطلاق الأدلة.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

السادس عشر : لو أرضعت ام الزوجة حفيدتها مما حرّم الرضاع على الزوج زوجته وذلك لقاعدة : لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ، لم نستبعد في الفقه ضمانها للمهر لكنه غير مشهور ، وكذلك كل رضاع محرّم.

السابع عشر : لو تعدى على امرأة فلا شك في استحقاقها المهر من المتعدي ، سواء كان عالما بالحرمة ، أم كان جاهلا بها ، أو شاكا فيها ، وامّا إذا تعدى على غلام فهل يستحق بدلا من المتعدي؟ لم أجده في كلام أحد ، نعم ، إذا تضرر بالتعدي لا شك في استحقاقه بدل ضرر ، لإطلاق الأدلة.

الثامن عشر : ليس من الضرر المتدارك ما إذا فتح محلا تجاريا ـ مثلا ـ قبال محل تجاري لشخص آخر ، فسبّب تضرره بانقسام المراجعين اليهما وكذا بالنسبة إلى الطبيبين ونحوهما ، كما انه ليس من الضرر المتدارك إذا سبب قتل إنسان أو حجره انقطاع منافعه التي كان يوصلها إلى الناس ، فان القاتل لا يطالب بتلك المنافع التي كانت تصل الآخرين من المقتول أو من المحجور لانصراف الأدلة عن مثلها.

التاسع عشر : لو اضطر إلى الاضرار بالغير بما يجوز له ، كما إذا قال له جائر : إذا لم تلق متاع هذا في البحر قتلته ، وكان قيمة متاعه دينارا مثلا ، فانه يجب عليه القاء المتاع لانقاذ صاحبه ولا كلام فيه ، وإنّما الكلام في ان ضمان الدينار هل هو عليه ، أو على من أجبره؟.

احتمالان : من انه محسن وما على المحسنين من سبيل ، ومن انه وجه الجمع بين الجواز والضمان كما في أكل المخمصة ، ولو قلنا بكون الضمان عليه ، فلا إشكال في ان قراره على المكره ـ بالكسر ـ.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

امّا إذا ألجأه على الضرر ، كما لو القاه من شاهق على شخص فمات ، أو على زجاج فانكسر ، فلا إشكال في عدم الضمان عليه ، وإنّما يكون الضمان على الملقي.

العشرون : لو اضطر إلى الاضرار بالغير بما لا يجوز له فاضرّه ، كان الضمان على الضار لا على من أجبره كما لو قال له جائر : اقطع اصبع هذا ، وإلّا أخذت دينارا منك جبرا ، فلا يجوز له الاضرار بالغير في مقابل خسارته دينارا ، لأن الشارع لم يأذن له بذلك.

الواحد والعشرون : لو اضطر لنجاة الغريق إلى ان يطأ زرع الناس مما يوجب فساده ، فهل يضمن ضرر صاحب الزرع أم لا ، احتمالان : من انه محسن وما على المحسنين من سبيل ، ومن انه وجه الجمع بين الجواز والضمان فيضمن على ما عرفت.

الثاني والعشرون : لو جيء بالمريض إلى الطبيب الموظف لمعالجته من قبل جهة محترمة : كدولة مشروعة ، أو جماعة خيرية ـ مثلا ـ فلم يعالجه الطبيب عمدا حتى مات أو اصيب بما فيه الضمان بأن تلفت عينه ـ مثلا ـ فهل يضمن الطبيب لأنه السبب عرفا ، أو لا يضمن لأنه لم يباشر قتله أو لم يباشر إتلاف عينه؟ لا يبعد الضمان وان كان بعض المعاصرين أشكل فيه.

الثالث والعشرون : إذا كان موظفا لحراسة أموال الناس ليلا فرأى اللص يسرق ولم يقل له شيئا فانه ضامن ، وكذا لا يبعد الضمان عليه أيضا إذا نام أو ذهب إلى بعض شغله فاستغل السارق نومه وغيابه فسرق ، نعم ، لا شك في ان قرار الضمان على اللص.

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابع والعشرون : إذا لم يكن الشخص موظفا للحراسة ورأى السارق يسرق أموال الناس فلم يمنعه من ذلك مع تمكنه من منعه ، كان فاعلا للحرام إلّا انه لم يكن ضامنا.

الخامس والعشرون : لا يجوز للجندي ، أو الطيار ، أو غيرهما من افراد الجيش في الدول الجائرة تنفيذ أوامر قتل الأبرياء أو قصفهم وان أدّى عدم التنفيذ إلى قتله ، لكن لو فعل ذلك وألقى ـ مثلا ـ قنبلة على مدينة فقتل آلاف الأبرياء ، فهل الدية كلها على الملقي لأنه المباشر ، أو على المشتركين في هذه الجريمة موزعة عليهم بنسبة القوة والضعف عرفا ، أو بالتساوي؟.

احتمالات وان كان بعض المعاصرين يرجّح الأوّل لما ذكروه في الفقه : من مسألة المباشر والسبب ، لكن لا يبعد انصراف الأدلة عن مثل هذه الامور ، والعرف يرى اشتراك الجميع ، بل يرى المباشر أضعف الأسباب مما يجعل جلّ الدية على غيره.

السادس والعشرون : إذا كان مع الطيار في الطائرة طفل ـ مثلا ـ فضغط الطفل على الزر مما سبب انطلاق القنبلة وقتل الآلاف ، فهل الدية على عاقلة الطفل أم لا؟.

احتمالان : من انصراف النص عن مثله كما ذكر السيد الحكيم قدس‌سره شبه ذلك في باب نجاسة الماء المضاف حيث قال : بأن مثل معدن النفط لا يتنجس لانصراف الأدلة عن مثله ، ومن إطلاق أدلة كون الدية على العاقلة ، والظاهر : ترجيح عدم كونه على العاقلة إلّا بالمقدار اليسير الذي لا ينصرف عنه دليل : «عمد الصبي

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

خطأ» (١) والمسألتان محل تأمل وإشكال.

السابع والعشرون : لو منعه ظالم عن الاصطياد ـ مثلا ـ وكان لو تركه اصطاد ما قيمته عشرة دنانير ، لم يستبعد ضمان ذلك الظالم لأنه عرفا اضرار ، وان كان المشهور لا يقولون به حسب ما يظهر من فتاواهم في شبه هذه المسألة معلّلين ذلك : بأنه عدم ربح لا انه ضرر.

ولو منعه الظالم عن عمله وكان يعمل تارة ما قيمته خمسة دنانير ، واخرى ما قيمته عشرة دنانير ، كان على الضار نصف القيمتين ، فاذا كان ـ مثلا ـ يشتغل يوما حمالا ويوما نجارا ، واجرة الحمال خمسة دنانير واجرة النجار عشرة دنانير ولم يكن يعرف ان في هذا اليوم يعمل حمالا أو نجارا ، امّا إذا عرف انه كان يعمل حمالا أو نجارا فله بقدر أجرة ما تركه من العمل.

الثامن والعشرون : لو دار الأمر بين تضرر أحد شخصين ، قدّم الأهم سواء من حيث المال أم من حيث آخر.

مثلا : إذا أدخل ثور زيد رأسه في خابية عمرو ، مما اضطر إلى قتل الثور أو كسر الخابية ، فقد يكون قيمة أحدهما دينارا والآخر عشرة ، ثم قد يكون الدينار لصاحبه أهم من العشرة لصاحبها حسب نظر العرف فيقدّم الأهم ، وان لم يكن بينهما أهم ، فالقرعة أو اختيار الحاكم ، وقد ذكروا هذه المسألة ونحوها في الدينار والمحبرة.

التاسع والعشرون : قد ذكرنا في الفقه مسألة تضرر الجار بسبب عمل الجار ،

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ١٠ ص ٢٣٣ ب ٤ ح ٥٣ وفيه (عمد الصبي وخطاؤه واحد) وسائل الشيعة : ج ٢٩ ص ٨٩ ب ٣٤.

٦٠