الوصائل إلى الرسائل - ج ١١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-11-2
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وعدمه ، فالكلام فيه هو الكلام في الأمور الخارجيّة.

ومحصّل الكلام : أنّه إن أريد : أنّه يحصل الظنّ بالبقاء إذا فرض له صنف أو نوع يكون الغالب في افراده البقاء ، فلا ننكره ، ولذا يحكم بظنّ عدم النسخ عند الشك فيه.

لكنّه يحتاج الى ملاحظة الصنف والتأمّل حتى لا يحصل التغاير ،

______________________________________________________

فإذا شك في وجوده (وعدمه) أي : عدم وجود الرافع (فالكلام فيه هو الكلام في الأمور الخارجيّة) الموضوعية.

(ومحصّل الكلام) فيها : (أنّه إن أريد : أنّه يحصل الظنّ بالبقاء إذا فرض له صنف أو نوع يكون الغالب في افراده البقاء) فإنه إذا أريد حصول الظن من الغلبة هذا المعنى (فلا ننكره).

وإنّما لا ننكره ، لأن الغلبة في افراد الصنف أو النوع ، يوجب الظن بأن هذا الفرد من الصنف أو من النوع أيضا يبقى بمقدار بقاء سائر افراد الصنف أو النوع.

مثلا : إذا كان نوع الحمام غالبا يبقى خمس سنوات ، يحصل لنا منه الظن بأن الحمام الخاص الذي هو في العراق أو الحمام الخاص الذي هو في مكان آخر يبقى أيضا كذلك.

(ولذا) أي : لأجل إن من هذه الغلبة يحصل لنا الظن بأن هذا الفرد أيضا كسائر الافراد من الصنف أو النوع (يحكم بظنّ عدم النسخ عند الشك فيه) أي : في النسخ في مورد خاص.

وإنّما نظن بعدم النسخ ، لأن النسخ قليل جدا في الأحكام الشرعية ، ولهذا نقيس هذا الفرد المشكوك النسخ على سائر الافراد.

(لكنّه يحتاج الى ملاحظة الصنف والتأمّل حتى لا يحصل التغاير) بينهما ،

٣٦١

فإنّ المتطهّر في الصبح إذا شك في وقت الضحى في بقاء طهارته وأراد إثبات ذلك بالغلبة ، فلا ينفعه تتبع الموجودات الخارجيّة ، مثل بياض ثوبه وطهارته وحياة زيد وقعوده وعدم ولادة الحمل الفلاني ، ونحو ذلك.

نعم ، لو لوحظ صنف هذا المتطهّر في وقت الصبح المتحد أو المتقارب فيما له مدخل في بقاء الطهارة ، ووجد الأغلب متطهرا في هذا الزمان ، حصل الظنّ ببقاء طهارته.

وبالجملة : فما ذكره من ملاحظة أغلب الصنف ،

______________________________________________________

فيلزم التأكد من إن هذا الفرد هو فرد من ذلك الصنف ، أو فرد من ذلك النوع ، حتى يوجب الغلبة في الصنف أو النوع الحاق هذا الفرد بها.

وعليه : (فإنّ المتطهّر في الصبح إذا شك في وقت الضحى في بقاء طهارته وأراد إثبات ذلك بالغلبة) أي : أراد اثبات بقاء طهارته من الصبح الى الضحى بسبب الغلبة (فلا ينفعه تتبع الموجودات الخارجيّة مثل بياض ثوبه) حيث إن بياض ثوبه يبقى هذا المقدار من الزمان (وطهارته) أي : طهارة ثوبه (وحياة زيد وقعوده ، وعدم ولادة الحمل الفلاني ، ونحو ذلك) فإن الطهارة من الحدث لا تقاس بمثل هذه الامور الخارجية.

(نعم ، لو لوحظ صنف هذا المتطهّر في وقت الصبح ، المتحد) ذلك الصنف (أو المتقارب) معه (فيما له مدخل في بقاء الطهارة ، ووجد الأغلب متطهرا في هذا الزمان ، حصل الظنّ ببقاء طهارته) أيضا.

مثلا : إذا كان ممن هم في عمره وخصوصياته تبقى طهارتهم في هذا الزمان بهذا المقدار ، حصل الظن من ذلك ببقاء طهارته.

(وبالجملة : فما ذكره) المحقق القمي : (من ملاحظة أغلب الصنف ،

٣٦٢

فحصول الظنّ به حقّ ، إلّا أنّ البناء على هذا في الاستصحاب يسقطه عن الاعتبار في أكثر موارده.

وإن بنى على ملاحظة الأنواع البعيدة أو الجنس البعيد

______________________________________________________

فحصول الظنّ به حقّ) لأن الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب ، وهذا قياس صورته : إن ملاحظة أغلب الصنف يورث الظن بالالحاق ، وكلّما أورث الظن به كان حجة.

لكن أشكل المصنّف عليه بعدها ، في صغراه : بأن ذلك لا يورث الظن بالالحاق ، وفي كبراه : بأنه أخص من المدعى.

أما الاشكال في الكبرى ، فهو ما أشار اليه بقوله :

(إلّا أنّ البناء على هذا) أي : على ملاحظة أغلب الصنف أو النوع (في الاستصحاب يسقطه عن الاعتبار في أكثر موارده) إذ يسقط جميع أقسام الشك في المقتضي ، كما يسقط جميع أقسام الشك في رافعية الموجود ، ويسقط أيضا بعض أصناف الشك في وجود الرافع.

هذا مع إن هؤلاء القائلين بحجية الاستصحاب مطلقا ، يقولون بحجيته في كل هذه الموارد ، فيكون دليل القمي أخصّ من مدّعاه.

وأما الاشكال في الصغرى ، فهو ما أشار الى بيانه بقوله : (وإن بنى) وجود الغلبة لاستفادة الاستصحاب في هذا الفرد (على ملاحظة الأنواع البعيدة) مثل : الحاق بقاء طهارة من له عمر سبعين سنة في البلاد الباردة وفي الشتاء بغالبية من لهم عمر عشرين سنة في البلاد الحارة وفي الصيف (أو) على ملاحظة (الجنس البعيد) مثل : الحاق بقاء حياة الانسان بغالبية بقاء مطلق الحيوان.

٣٦٣

أو الأبعد ، وهو الممكن القارّ ، كما هو ظاهر كلام السيد المتقدّم ففيه : ما تقدّم من القطع بعدم جامع بين مورد الشك وموارد الاستقراء يصلح لاستناد البقاء اليه. وفي مثله لا يحصل الظنّ بالالحاق لأنّه لا بدّ في الظنّ بلحوق المشكوك بالأغلب ، من الظنّ أولا بثبوت الحكم أو الوصف الجامع ، فيحصل الظنّ بثبوته في الفرد المشكوك.

______________________________________________________

(أو الأبعد ، وهو) مثل : بقاء (الممكن القارّ ، كما هو ظاهر كلام السيد المتقدّم) الشارح للوافية.

(ففيه : ما تقدّم من القطع بعدم جامع بين مورد الشك وموارد الاستقراء) جامعا بحيث (يصلح لاستناد البقاء اليه) فلا غلبة إذن بالنسبة الى هذا النوع والصنف ، كما لا علّة تجمع الأفراد المختلفة (وفي مثله لا يحصل الظنّ بالالحاق).

وإنّما لا يحصل الظن بالالحاق (لأنّه لا بدّ في الظنّ بلحوق المشكوك بالأغلب ، من الظّن أولا بثبوت الحكم) كالطهارة (أو الوصف) كالاستمرار (الجامع) ذلك الحكم أو الوصف بين هذا الفرد وسائر الأفراد ، وحينئذ (فيحصل الظنّ بثبوته في الفرد المشكوك).

والحاصل : إنه يلزم في الحاق المشكوك بالأغلب أمران :

الأوّل : الظن بوجود الحكم في الأغلب.

الثاني : الظن بوجود الحكم في هذا الفرد المشكوك ، وذلك بأن يكون هناك جامع بينهما.

ومن المعلوم : إن الجامع البعيد أو الأبعد مثل : الممكن القار ، لا يكون جامعا بحيث يسري الظن من موارد الاستقراء الى هذا الفرد المشكوك فيه.

٣٦٤

وممّا يشهد بعدم حصول الظنّ بالبقاء اعتبار الاستصحاب في موردين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، فإنّ المتطهّر بمائع شك في كونه بولا أو ماء ، يحكم باستصحاب طهارة بدنه وبقاء حدثه ، مع أنّ الظنّ بهما محال.

وكذا الحوض الواحد إذا صبّ فيه الماء تدريجا فبلغ الى موضع شكّ

______________________________________________________

(وممّا يشهد بعدم حصول الظنّ بالبقاء) وإن جرى الاستصحاب ممّا يدل على إن الاستصحاب ليس لأجل حصول الظن : (اعتبار الاستصحاب في موردين) متخالفين (يعلم بمخالفة أحدهما للواقع) فإنه من الواضح : عدم إمكان حصول الظن على طرفين متخالفين (فإنّ المتطهّر بمائع شك في كونه بولا أو ماء ، يحكم باستصحاب طهارة بدنه وبقاء حدثه ، مع أنّ الظنّ بهما محال).

إن قلت : كونهما معا هو الواقع أيضا محال ، لأنه إن كان الماء نجسا نجس بدنه وبقي حدثه ، وإن كان طاهرا كان بدنه طاهرا وحدثه مرتفعا ، فكيف يمكن الاستصحابان مع علمنا بمخالفة أحدهما للواقع؟.

قلت : ذلك من باب التشريع ، ومن المعلوم : إن الاعتبار بيد المعتبر ، فهو مثل : تغريم السارق المال دون القطع إذا اعترف بالسرقة مرّة لا مرتين ، مع إنه لو كان في الواقع سارقا لزم القطع والتغريم ، وإن لم يكن سارقا لم يلازمه شيء.

ومثل دفع ربع الوصية إذا شهدت بها امرأة واحدة ، ونصف الوصية إذا شهدت بها امرأتان ، وثلاثة أرباع الوصية إذا شهدت بها ثلاث ، وكل الوصية إذا شهدت بها أربع ، مع إن الوصية لو كانت في الواقع محققة لزم دفعها ولو بشهادة امرأة واحدة ، وإن لم تكن لم يجب شيء ولو بشهادة أربع.

(وكذا الحوض الواحد إذا صبّ فيه الماء تدريجا فبلغ الى موضع شكّ

٣٦٥

في بلوغ مائه كرّا ، فإنّه يحكم حينئذ ببقاء قلّته. فإذا امتلأ واخذ منه تدريجا الى ذلك الموضع ، فيشكّ حينئذ في نقصه عن الكرّ ، فيحكم ببقاء كرّيته ، مع أنّ الظنّ بالقلّة في الأوّل ، وبالكرّية في الثاني محال.

ثم إنّ اثبات حجيّة الظنّ المذكور على تقدير تسليمه دونها خرط القتاد.

______________________________________________________

في بلوغ مائه كرّا ، فإنّه يحكم حينئذ ببقاء قلّته. فإذا امتلأ واخذ منه تدريجا الى ذلك الموضع ، فيشكّ حينئذ في نقصه عن الكرّ ، فيحكم ببقاء كرّيته ، مع أنّ) الاستصحابين متخالفان ، نعلم بعدم صحة أحدهما ، فإن (الظنّ بالقلّة في الأوّل ، وبالكرّية في الثاني محال).

وكذا حال المسافر إذا شك في مكان بأنه حدّ الترخص أم لا ، فإنه يصلّي تماما ذاهبا ، وقصرا راجعا ، للاستصحابين المتخالفين مع إنه إن لم يكن في الواقع حدّ الترخص كانت الصلاة فيه تماما في الحالين ، وإن كان حدّ الترخص كانت الصلاة فيه قصرا في الحالين.

وكذا من كان عاقلا فجنّ تدريجا ووصل الى حال لم نعلم هل إنه عاقل أو مجنون فإنه يستصحب العقل؟ والعكس بالعكس فإنه يستصحب الجنون مع إنه في الواقع إما عاقل في الحالين ، أو مجنون في الحالين.

الى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة في هذا المجال لا يمكن فيه ظنّان مختلفان ، وإن جاز فيه الاستصحابان على ما قاله جماعة.

(ثم إنّ اثبات حجيّة الظنّ المذكور) الحاصل من الغلبة (على تقدير تسليمه) أي : تسليم حصول الظن من الغلبة (دونها خرط القتاد) وذلك لأنه لا دليل على حجية مثل هذا الظن ، وقد ورد في القرآن الحكيم : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي

٣٦٦

خصوصا في الشبهة الخارجية التي لا يعتبر فيها الغلبة اتفاقا ، فإنّ اعتبار استصحاب طهارة الماء من جهة الظنّ الحاصل من الغلبة وعدم اعتبار الظنّ بنجاسته من غلبة اخرى ، كطين الطريق ـ مثلا ـ مما لا يجتمعان ،

______________________________________________________

مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (١).

وعلى أي حال : فهذا إشكال ثان من المصنّف بعد إشكاله الأوّل في الكبرى ، فقد أشكل أولا : بأن الدليل أخص من المدعى ، وثانيا : بأنه لا حجية لمثل هذا الظن ، كما إن إشكاله السابق : بأن الظن لا يحصل من الغلبة كان إشكالا على الصغرى ، وصورة القياس على ما مرّ هو الظن يحصل من الغلبة ، وكلما حصل الظن من الغلبة كان حجة.

إذن : فلو سلمنا حصول الظن من الغلبة ، فإنه لا حجية لمثل هذا الظن (خصوصا في الشبهة الخارجية) الموضوعية (التي لا يعتبر فيها الغلبة اتفاقا) فإن العلماء متّفقون على إن الشبهات الموضوعية لا يعتبر فيها الغلبة مع إن الاستصحاب فيها موضع وفاقهم.

أما مثال عدم حجية الظن المذكور ، فهو ما أشار اليه بقوله : (فإنّ اعتبار استصحاب طهارة الماء من جهة الظنّ الحاصل من الغلبة) حيث إن الماء القليل طاهر حتى يظن بخلافه (وعدم اعتبار الظنّ بنجاسته) أي : نجاسة الماء القليل (من غلبة اخرى ، كطين الطريق ـ مثلا ـ مما لا يجتمعان) فإنه إذا وقع شيء من طين الطريق في الماء القليل ، فهنا غلبتان مختلفتان :

الاولى : غلبة نجاسة طين الطريق الموجب لنجاسة الماء القليل.

__________________

(١) ـ سورة يونس : الآية ٣٦ ، سورة النجم : الآية ٢٨.

٣٦٧

وكذا اعتبار قول المنكر من باب الاستصحاب مع الظنّ بصدق المدّعي لأجل الغلبة.

ومنها : بناء العقلاء على ذلك في جميع أمورهم ، كما إدّعاه العلامة في النهاية وأكثر من تأخّر عنه ، وزاد بعضهم أنّه لو لا ذلك لاختلّ نظام العالم وأساس عيش بني آدم.

______________________________________________________

الثاني : غلبة طهارة الماء القليل الموجب لعدم نجاسته ، ومعلوم : إنه لا يعقل أن يكون هذا الماء طاهرا ونجسا.

(وكذا اعتبار قول المنكر من باب الاستصحاب مع الظنّ بصدق المدّعي لأجل الغلبة) فإن المدعي إذا عرفنا صدقه في الغالب ، قسنا صدقه في هذه الدعوى الخاصة على صدقه في سائر الأماكن فنظن بصدقه ، فهو إذن صادق في دعواه ، والمنكر معه الاستصحاب ، فهو إذن صادق في إنكاره فيلزم اجتماع المتخالفين.

والحاصل : إن الكبرى وهي : كون الغلبة وما يستند اليها حجة ، لا يمكن الأخذ بها في هذه المواضع ، ولذا قال المصنّف : حجية الظن المذكور دونها خرط القتاد.

(ومنها) : أي : مما استدل به للقول الأوّل وهو : القول بحجية الاستصحاب مطلقا (بناء العقلاء على ذلك) أي : على الاستصحاب (في جميع أمورهم ، كما إدّعاه العلامة في النهاية وأكثر من تأخّر عنه ، وزاد بعضهم) أي : بعض العلماء القائلين لحجية الاستصحاب مطلقا (أنّه لو لا ذلك) أي : لو لا الاستصحاب ، (لاختلّ نظام العالم وأساس عيش بني آدم).

وإنّما يختل النظام لو لا الاستصحاب ، لأنا نعمل في جميع أمورنا العادية على الاستصحاب ، في ذهابنا الى المدرسة والسوق والطبيب ، وغيرها من مزاولة الأعمال اليومية ، وذلك من جهة استصحاب عدم تحوّل المدرسة عن مكانها ،

٣٦٨

وزاد آخر : أنّ العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات ، ألا ترى : أنّ الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء والكلاء ، والطيور تعود من الأماكن البعيدة الى أوكارها. ولو لا البناء على «إبقاء ما كان» ، لم يكن وجه لذلك.

والجواب : أنّ بناء العقلاء إنّما يسلّم في موضع يحصل لهم الظنّ بالبقاء ، لأجل الغلبة ، فإنّهم في أمورهم عاملون بالغلبة ، سواء وافقت الحالة السابقة أو خالفتها.

ألا ترى : أنّهم لا يكاتبون من عهدوه في حال لا يغلب فيه السلامة ، فضلا

______________________________________________________

وعدم انتقال السوق الى مكان آخر ، وعدم موت الطبيب ، وهكذا.

(وزاد آخر : أنّ العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات ، ألا ترى : أنّ الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء والكلاء ، و) كذلك (الطيور تعود من الأماكن البعيدة الى أوكارها) وهكذا الأسماك ـ كما ثبت في العلم ـ ترجع الى مراكزها بعد الأسفار الطويلة في البحار والمحيطات ، ثم قال : (ولو لا البناء على «إبقاء ما كان» ، لم يكن وجه لذلك) فيدل على إن الاستصحاب فطري لجميع الحيوانات ، فكيف بالانسان؟.

(والجواب : أنّ بناء العقلاء إنّما يسلّم في موضع يحصل لهم الظنّ بالبقاء لأجل الغلبة) لا لأجل الاستصحاب ، فمعيارهم هو : الظن ، لا الاستصحاب (فإنّهم في أمورهم عاملون بالغلبة ، سواء وافقت الحالة السابقة أو خالفتها).

هذا بالاضافة الى عدم حصول الشك لهم غالبا فيما يمارسونه من أعمالهم اليومية المتطابقة مع الاستصحاب ، وذلك بدليل إنهم لو شكوا لتوقفوا.

(ألا ترى : أنّهم لا يكاتبون من عهدوه في حال لا يغلب فيه السلامة ، فضلا

٣٦٩

عن المهالك ، إلّا على سبيل الاحتياط لاحتمال الحياة ، ولا يرسلون إليه البضائع للتجارة ، ولا يجعلونه وصيّا في الأموال ، أو قيّما على الأطفال ، ولا يقلّدونه في هذا الحال إذا كان من أهل الاستدلال.

وتراهم لو شكّوا في نسخ الحكم الشرعي ، يبنون على عدمه ، ولو شكّوا في رافعيّة المذي شرعا للطهارة ، فلا يبنون على عدمها.

______________________________________________________

عن المهالك) أي : إن من عهدوه في حال يغلب فيه الهلاك حيث لا ظن معه بالسلامة لا يراجعونه ولا يراسلونه.

مثلا : إذا حدث في منطقة زلزال أو ما أشبه من الكوارث المدمرة ومات فيها ناس كثير ، فلا يكاتب العقلاء شخصا كان في هذه المنطقة قبل الكارثة (إلّا) بعد التحقيق عن حاله والتأكد من وجوده ، مع إن الاستصحاب يقتضي بقائه حيا بعد الكارثة ، وإذا كاتبوه قبل التأكد كان (على سبيل الاحتياط لاحتمال الحياة) فهم إذن تابعون للظن لا للاستصحاب.

(و) كذا (لا يرسلون إليه البضائع للتجارة ، ولا يجعلونه وصيّا في الأموال ، أو قيّما على الأطفال ، ولا يقلّدونه في هذا الحال إذا كان) من غلب عليه العطب (من أهل الاستدلال) بأن كان فقيها ، وذلك في تقليدهم الابتدائي ، أمّا في تقليدهم الاستمراري والبقاء على الميت ، فذلك جائز عندهم.

(وتراهم لو شكّوا في نسخ الحكم الشرعي ، يبنون على عدمه) أي : عدم النسخ لظنهم بأنه لم ينسخ ، وذلك للغلبة حيث إن الغلبة هنا على عدم نسخ الأحكام ، لا للاستصحاب.

(و) تراهم (لو شكّوا في رافعيّة المذي شرعا للطهارة ، فلا يبنون على عدمها) أي : عدم الرافعية لعدم الظن بالغلبة ، مع إن مقتضى الاستصحاب

٣٧٠

وبالجملة : فالذي أظنّ أنّهم غير بانين في الشكّ في الحكم الشرعي من غير جهة النسخ على الاستصحاب.

نعم ، الانصاف : أنّهم لو شكّوا في بقاء حكم شرعي ، فليس عندهم كالشك في حدوثه في البناء على العدم.

ولعلّ هذا من جهة عدم وجدان الدليل بعد الفحص ، فإنّها أمارة على العدم ، لما علم من بناء الشارع على التبليغ ،

______________________________________________________

عدم الرافعية.

(وبالجملة : فالذي أظنّ إنّهم غير بانين في الشكّ في الحكم الشرعي) لو كان شكهم (من غير جهة النسخ) فإنهم لا يبنون فيه (على الاستصحاب) وإنّما على ظنهم بالبقاء للغلبة.

ثم إن المصنّف بعد أن ذكر إنّ العقلاء لا يبنون عند الشك في الحكم الشرعي على الاستصحاب سواء كان الشك في البقاء أم في الحدوث ، بأن كانت الحالة السابقة هو الوجود أو العدم ، تدارك ذلك وقال :

(نعم ، الانصاف : أنّهم لو شكّوا في بقاء حكم شرعي ، فليس عندهم) الشك في البقاء (كالشك في حدوثه في البناء على العدم) فإنهم في البقاء لا يحكمون على العدم ، بينما في الحدوث يحكمون على العدم.

(ولعلّ هذا) الفرق بين الوجود والعدم هو : (من جهة عدم وجدان الدليل بعد الفحص) أي : إنه من باب : عدم الدليل دليل على العدم ، لا من باب الاستصحاب (فإنّها) أي : عدم الوجدان ، وجاء بالضمير مؤنثا للخبر وهو قوله : (أمارة على العدم) فإن عدم وجدان الدليل علامة عدم الدليل.

وإنّما كان عدم الوجدان أمارة على العدم (لما علم من بناء الشارع على التبليغ)

٣٧١

فظنّ عدم الورود يستلزم الظنّ بعدم الوجود. والكلام في اعتبار هذا الظنّ بمجرّده من غير ضمّ حكم العقل بقبح التعبّد بما لا يعلم في باب أصل البراءة.

قال في العدّة ، بعد ما اختار عدم اعتبار الاستصحاب في مثل المتيمم الداخل في الصلاة :

______________________________________________________

للأحكام في كل جزئية وكلّية ، وحيث لم يحصل المكلّف على الحكم مع الفحص عنه ، يستدل منه على عدم وجود الحكم.

إذن : (فظنّ عدم الورود) أي : عدم ورود الحكم لأنه فحص عنه فلم يجده (يستلزم الظنّ بعدم الوجود) فبناء العقلاء في أمورهم إنّما هو لهذا الطريق العقلائي ، لا لأجل الاستصحاب.

(و) أما (الكلام في اعتبار هذا الظنّ بمجرّده) أي : (من غير ضمّ حكم العقل بقبح التعبّد بما لا يعلم) فقد مضى بحثه (في باب أصل البراءة) فراجع.

والحاصل : إن العقلاء يحكمون في الشك في الحدوث على العدم من باب إن الظن بعدم ورود الحكم مستلزم للظن بعدم وجود الحكم ، فهل حكمهم هذا هو :

لأجل مجرد الظن بعدم الحكم ، أو هو : مع انضمام حكم العقل بقبح التعبد بغير العلم ، فإن نسبة ما لم يعلم من الشارع الى الشارع قبيح؟.

اختار المصنّف في باب البراءة الثاني يعني : اختار إن حجية هذا الظن واعتباره من باب ضم حكم العقل إليه ، لا من باب مجرّد الظن بعدم الحكم.

هذا ، ويشهد على ذلك ما ذكره شيخ الطائفة حيث (قال في العدّة ، بعد ما اختار عدم اعتبار الاستصحاب في مثل المتيمم الداخل في الصلاة) فإن المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة ، فالاستصحاب يقول بصحة صلاته والمضي فيها ،

٣٧٢

«والذي يمكن أن ينتصر به طريقة استصحاب الحال ما أومأنا اليه من أن يقال : لو كانت الحالة الثانية مغيّرة للحكم الأوّل ، لكان عليه دليل.

وإذا تتبّعنا جميع الأدلة فلم نجد فيها ما يدلّ على أنّ الحالة الثانية مخالفة للحالة الاولى ، دلّ على أنّ حكم الحالة الأولى باق على ما كان.

فإن قيل : هذا رجوع الى الاستدلال بطريق آخر ، وذلك خارج عن استصحاب الحال.

وقيل : إنّ الذي نريد باستصحاب الحال هذا الذي ذكرنا

______________________________________________________

ووجود الماء يقول ببطلان الصلاة ووجوب الوضوء أو الغسل ، والشيخ بعد أن اختار عدم اعتبار الاستصحاب هنا قال : («والذي يمكن أن ينتصر به طريقة استصحاب الحال) أي : ينتصر به للاستصحاب هنا والقول بكفاية التيمم السابق هو : (ما أومأنا اليه من أن يقال) بما يلي :

(لو كانت الحالة الثانية مغيّرة للحكم الأوّل) وهو : الحكم قبل وجود الماء (لكان عليه دليل) أي : على التغيير المذكور (وإذا تتبّعنا جميع الأدلة فلم نجد فيها ما يدلّ على أنّ الحالة الثانية مخالفة للحالة الاولى ، دلّ) عدم وجداننا للدليل (على أنّ حكم الحالة الأولى باق على ما كان).

إذن : فهو الآن متطهر ويستمر في صلاته بدون نقضها.

ثم قال شيخ الطائفة : (فإن قيل : هذا رجوع الى الاستدلال بطريق آخر) لأنكم ذكرتم إن البقاء على الحالة السابقة ليس من جهة الاستصحاب ، بل من جهة عدم الدليل دليل العدم (وذلك خارج عن استصحاب الحال) لأنه ليس اعتمادا على الحالة السابقة ، بل هو اعتماد على عدم وجود الدليل.

(وقيل : إنّ الذي نريد باستصحاب الحال هذا الذي ذكرنا) هنا : من إن عدم

٣٧٣

وأمّا غير ذلك فلا يكاد يحصل غرض القائل به» ، انتهى.

احتجّ النافون بوجوه

منها : ما عن الذريعة والغنية من : «أنّ

______________________________________________________

الوجدان أمارة على العدم (وأمّا غير ذلك) أي : التعويل على الحالة الاولى في اثبات الحكم اللاحق وهو الاستصحاب (فلا يكاد يحصل غرض القائل به» (١)) أي : بالبقاء على الحالة الاولى ، وذلك لأنه تعويل على الاستصحاب ، والاستصحاب لا دليل عليه.

بل يحصل غرض القائل بالبقاء على الحالة الاولى عن طريق عدم الدليل دليل العدم على ما عرفت بيانه.

(انتهى) كلام شيخ الطائفة ، وهو مؤيد لما ذكره المصنّف : من إن الشك في الحدوث والحكم بالبقاء على الحالة الاولى ليس للاستصحاب ، وإنّما لأن عدم الدليل دليل العدم ، وشيخ الطائفة أيضا لم يعتمد في الحكم بصحة صلاة المتيمم الواجد للماء في الاثناء على الاستصحاب ، وانما اعتمد على إنه لا دليل على تغيّر حالته بعد حصول الماء ، فجعل عدم الدليل دليل العدم.

هذا تمام الكلام في أدلة المثبتين لحجية الاستصحاب مطلقا وهو القول الأوّل في الاستصحاب وقد عرفت وجوه الايراد فيها.

وأما أدلة النافين فقد (احتجّ النافون) لحجية الاستصحاب مطلقا ، وهو القول الثاني في الاستصحاب (بوجوه) متعددة :

(منها : ما عن الذريعة) للسيد المرتضى (والغنية) لابن زهرة : (من : «أنّ)

__________________

(١) ـ عدة الاصول : ص ٣٠٤.

٣٧٤

المتعلّق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل. توضيح ذلك أنّهم يقولون : قد ثبت بالاجماع على من شرع في الصلاة بالتيمم وجوب المضيّ فيها قبل مشاهدة الماء ، فيجب أن يكون على هذا الحال بعد المشاهدة.

وهذا منهم جمع بين الحالتين في حكم من غير دليل يقتضي الجمع بينهما ، لأنّ اختلاف الحالتين لا شبهة فيه ؛ لأنّ المصلّي غير واجد للماء في إحداهما

______________________________________________________

الشخص (المتعلّق بالاستصحاب) أي : الذي يتمسك في اثبات الحكم الشرعي بالاستصحاب (يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل) أي : إنه يحكم بما لا دليل عليه ، والحكم بلا دليل تشريع محرّم.

(توضيح ذلك أنّهم يقولون : قد ثبت بالاجماع على من شرع في الصلاة بالتيمم وجوب المضيّ فيها قبل مشاهدة الماء) فإنه قبل مشاهدة الماء يجب عليه المضي في صلاته (فيجب أن يكون على هذا الحال) أي : المضي في الصلاة (بعد المشاهدة) أيضا ، لاستصحاب الحالة السابقة ثم قالوا :

(وهذا منهم جمع بين الحالتين) أي : حالة قبل المشاهدة ، وحالة بعد المشاهدة (في حكم) واحد وهو المضي ، وذلك (من غير دليل يقتضي الجمع بينهما) أي : بين الحالتين.

وإنّما يكون ذلك جمعا من غير دليل (لأنّ اختلاف الحالتين لا شبهة فيه) فإن الحالتين مختلفتان قطعا ، والاختلاف هذا يستلزم الاختلاف في الحكم أيضا ، ولهذا يشك في الحالة الثانية كما قال :

(لأن المصلّي غير واجد للماء في إحداهما) وهي : الحالة السابقة ،

٣٧٥

وواجد له في الأخرى ، فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة ، فإذا كان الدليل لا يتناول إلّا الحالة الأولى وكانت الحالة الأخرى عارية منه ، لم يجز أن يثبت فيها مثل الحكم» ، انتهى.

أقول : إن كان محلّ الكلام فيما كان الشك لتخلّف وصف وجودي أو عدمي متحقق سابقا يشك في مدخليّته في أصل الحكم

______________________________________________________

وهو (واجد له في الأخرى) وهي الحالة الثانية (فلا يجوز التسوية بينهما) في وجوب المضي (من غير دلالة) دليل على المضي ، فإنه لو كان دليل على المضي بعد المشاهدة لم نحتج الى الاستصحاب.

وعليه : (فإذا كان الدليل لا يتناول إلّا الحالة الأولى) قبل مشاهدة الماء (وكانت الحالة الأخرى) بعد مشاهدة الماء (عارية منه) أي : من الدليل (لم يجز أن يثبت فيها) أي : في الحالة الثانية (مثل الحكم» (١)) الثابت في الحالة الاولى (انتهى) ما نقل عن الذريعة والغنية.

(أقول : إن كان محلّ الكلام فيما كان الشك) في المقتضي ، وذلك (لتخلّف وصف وجودي) كتغيّر الماء بأن يزول تغيّره (أو عدمي) كفقدان الماء بأن يوجد بعد فقدانه (متحقق سابقا) ذلك الوصف الوجودي أو العدمي بحيث إنه بعد تخلّفه لاحقا (يشك في مدخليّته) أي : مدخلية ذلك الوصف المتخلف على أحد وجهين :

إما يشك (في أصل الحكم) بأن كان الوصف مقوّما له حدوثا وبقاء كفقدان الماء لصحة التيمم.

__________________

(١) ـ الذريعة الى اصول الشريعة : ج ٢ ص ٨٣.

٣٧٦

أو بقائه ، فالاستدلال المذكور متين جدا لأنّ الفرض : عدم دلالة دليل الحكم الأوّل وفقد دليل عام يدلّ على انسحاب كل حكم ثبت في الحالة الاولى في الحالة الثانية ، لأنّ عمدة ما ذكروه من الدليل هي الاخبار المذكورة ، وقد عرفت : اختصاصها بمورد يتحقق معنى النقض ، وهو : الشك من جهة الرافع.

نعم ، قد يتخيّل كون مثال التيمّم من قبيل

______________________________________________________

(أو) يشك في مدخلية ذلك الوصف المتخلّف في (بقائه) أي : بقاء الحكم بأن كان الوصف مقوّما له حدوثا لا بقاء كزوال التغيّر من نفسه.

وعليه : فإن كان محل الكلام ذلك (فالاستدلال المذكور متين جدا).

وإنّما يكون الاستدلال متينا جدا لأمرين :

أولا : (لأنّ الفرض : عدم دلالة دليل الحكم الأوّل) بخصوصه على الحكم الثاني.

ثانيا : (وفقد دليل عام يدلّ على انسحاب كل حكم ثبت في الحالة الاولى) كحكم المصلي بالتيمم قبل مشاهدة الماء من المضي في الصلاة (في الحالة الثانية) أيضا بعد مشاهدة الماء ، وهذا الدليل العام هو إخبار الاستصحاب.

وإنّما لا يدل اخبار الاستصحاب على ذلك (لأنّ عمدة ما ذكروه من الدليل) لاثبات الاستصحاب (هي الاخبار المذكورة ، وقد عرفت : اختصاصها بمورد يتحقق معنى النقض ، وهو : الشك من جهة الرافع) لا الشك من جهة المقتضي ، فلا دليل إذن بالنسبة الى الشك في المقتضي ، لا من جهة دليل خاص ، ولا من جهة دليل عام.

(نعم ، قد يتخيّل كون مثال التيمّم) أي : هذا المصداق الخاص بأنه (من قبيل

٣٧٧

الشك من جهة الرافع لأنّ الشك في انتقاض التيمّم بوجدان الماء في الصلاة كانتقاضه بوجدانه قبلها ، سواء قلنا بأن التيمم رافع للحدث أم قلنا إنّه مبيح ، لأنّ الاباحة أيضا مستمرة الى أن تنتقض بالحدث أو يوجد الماء.

ولكنّه فاسد ، من حيث أنّ وجدان الماء ليس من الروافع والنواقض ،

______________________________________________________

الشك من جهة الرافع) لا من قبيل الشك من جهة المقتضي (لأنّ الشك في انتقاض التيمّم بوجدان الماء في) أثناء (الصلاة) الذي هو محل الكلام (كانتقاضه) أي : التيمم (بوجدانه) أي : الماء (قبلها) أي : قبل الصلاة.

وعليه : فحال وجدان الماء في أثناء الصلاة كحال وجدان الماء قبل الصلاة ، كلاهما يوجب انتقاض التيمم (سواء قلنا بأن التيمم رافع للحدث) كما قال به جماعة ، فيكون حال التيمم حال الوضوء من جميع الجهات (أم قلنا إنّه مبيح) للدخول في الصلاة فقط ، وليس برافع فلا يكون حينئذ كالوضوء في جميع الجهات.

وإنّما لا يكون فرق في انتقاض التيمم بوجدان الماء قبل الصلاة وفي الصلاة حتى على القول بأن التيمم مبيح (لأنّ الاباحة أيضا مستمرة الى أن تنتقض بالحدث أو يوجد الماء).

إذن : فالتيمم على كلا القولين يقتضي جواز الدخول في الصلاة ويستمر حتى وقوع الحدث أو حصول الماء ، فيكون الشك عند وجود الماء شكا في الرافع لا في المقتضي.

(ولكنّه) أي : هذا التخيل (فاسد) لأن الشك في مثال التيمم ليس من جهة الرافع ، وإنّما الشك فيه من جهة المقتضي ، وذلك (من حيث أنّ وجدان الماء ليس من الروافع والنواقض) للتيمم وهو واضح.

٣٧٨

بل الفقدان الذي هو وصف المكلّف لمّا كان مأخوذا في صحة التيمّم حدوثا وبقاء في الجملة ، كان الوجدان رافعا لوصف الموضوع الذي هو المكلّف ، فهو نظير التغيّر الذي يشك في زوال النجاسة بزواله.

فوجدان الماء ليس كالحدث

______________________________________________________

(بل الفقدان الذي هو وصف المكلّف) أي : كون المكلّف فاقدا للماء (لمّا كان مأخوذا في صحة التيمّم) كجزء من موضوع جواز التيمم (حدوثا وبقاء) بأن يقال : المكلّف الفاقد للماء يصح له التيمم ، وكذلك المكلّف الفاقد للماء يصح بقائه على التيمم ، فحدوث التيمم وبقائه منوط بتحقق الموضوع وهو المكلّف الفاقد للماء ، وذلك (في الجملة) أي : في غير حال الصلاة ، أو الأعم من كونه في غير حال الصلاة أو حال الصلاة.

وعليه : فإذا كان فقدان الماء الذي هو وصف الموضوع مأخوذا في صحة التيمم (كان الوجدان رافعا لوصف الموضوع) أي : رافعا للفقدان ، فإن وصف الموضوع هو : الفقدان والموضوع بكامله هو : المكلّف الفاقد للماء كما قال : (الذي هو المكلّف) وقوله : الذي صفة الموضوع.

إذن : (فهو) أي : الفقدان (نظير التغيّر الذي يشك في زوال النجاسة بزواله) أي : بزوال التغيّر ، وذلك لأن الموضوع هو الماء المتغيّر ، وفي المقام هو المكلّف الفاقد.

وعليه : (فوجدان الماء ليس كالحدث) في كونه ناقضا ، وإنّما هو مفوّت للموضوع ، وفرق بين المفوّت للموضوع وبين الناقض ، فإن فوات الموضوع معناه : زوال الموضوع ، بينما انتقاض الموضوع معناه : إن الموضوع موجود لكن عرض ما يبطله ، فإنه قد لا تكون نار ، وقد تكون النار لكن الماء يطفئها.

٣٧٩

وإن قرن به في قوله عليه‌السلام : حين سئل عن جواز الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد : «نعم ، ما لم يحدث ، أو يجد ماء» لأنّ المراد من ذلك تحديد الحكم بزوال المقتضي أو طروّ الرافع.

وكيف كان : فإن كان محلّ الكلام في الاستصحاب

______________________________________________________

وعلى هذا : فوجدان الماء ليس كالحدث ، لأن وجدان الماء مفوّت للموضوع ، والحدث ناقض (وإن قرن) وجدان الماء (به) أي : بالحدث (في) بعض الروايات ، مثل : (قوله عليه‌السلام : حين سئل عن جواز الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد) فأجاب عليه‌السلام قائلا :

(«نعم ، ما لم يحدث ، أو يجد ماء» (١)) فإن الإمام قرن بين حدوث الحدث ، وبين وجود الماء ، ممّا ظاهره الابتدائي : إن وجود الماء أيضا كالحدث ناقض ، لكنه ليس كذلك ، فإن الحدث ناقض ووجود الماء مفوّت للموضوع.

وإنّما قلنا وجدان الماء ليس كالحدث (لأنّ المراد من ذلك) أي : من اقتران حدوث الحدث ووجدان الماء في قوله عليه‌السلام : «نعم» هو : (تحديد الحكم بزوال المقتضي) وهو وجدان الماء (أو طروّ الرافع) وهو حدوث الحدث.

والحاصل : إن مثال بعضهم بالتيمم في المكلّف الواجد للماء في أثناء الصلاة لم يكن من باب الشك في الرافع ، بل من باب الشك في المقتضي ، وقد عرفت : إن المصنّف لا يجري الاستصحاب في الشك في المقتضي.

(وكيف كان : فإن كان محلّ الكلام في) جريان (الاستصحاب) وعدمه هو :

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٦٣ ح ٤ ، الاستبصار : ج ١ ص ١٦٣ ب ٩٧ ح ١ (بالمعنى) ، تهذيب الاحكام : ج ١ ص ٢٠٠ ب ٨ ح ٥٤ (بالمعنى) ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٥ ب ٧ ح ٩٨٩ وج ٣ ص ٣٧٧ ب ١٩ ح ٣٩١٠ (بالمعنى).

٣٨٠