الوصائل إلى الرسائل - ج ١١

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-11-2
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

هذا ، ولكنّ الانصاف : أنّ شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ النقض عن ظاهره ، لأنّ قوله «بل ينقض الشك باليقين» ، معناه : رفع الشك ، لأنّ الشك ممّا إذا حصل لا يرتفع إلّا برافع.

وأمّا قوله : «من كان على يقين فشكّ» ، فقد عرفت الاشكال في ظهوره في اعتبار الاستصحاب كقوله : «إذا شككت فابن

______________________________________________________

(هذا) هو غاية ما يمكن تقريبه في دلالة الروايات على حجية الاستصحاب مطلقا ، سواء كان الشك في الرافع أم في المقتضي.

(ولكنّ الانصاف : أنّ شيئا من ذلك) الذي استدل به لأعمية الاستصحاب (لا يصلح لصرف لفظ النقض عن ظاهره) بنظر المصنّف حيث إن المصنّف يرى : إن ظاهر النقض خاص بالشك في الرافع.

وإنّما يراه لا يصلح لصرفه عن ظاهره (لأنّ قوله) عليه‌السلام في الأمارة الاولى : («بل ينقض الشك باليقين» (١) ، معناه : رفع) الأمر الثالث الذي هو (الشك ، لأنّ الشك) حاله حال الطهارة والنجاسة ، والحلّية والحرمة ، والملكية والزوجية ، وما أشبه (ممّا إذا حصل لا يرتفع إلّا برافع) فالشك ممّا يحتاج في رفعه الى رافع ، وليس مما يرتفع من نفسه.

(وأمّا قوله) عليه‌السلام في الأمارة الثانية : («من كان على يقين فشكّ» (٢) ، فقد عرفت الاشكال في ظهوره في اعتبار الاستصحاب) لاحتمال إنه يريد حجية الشك الساري المسمى بقاعدة اليقين (كقوله) عليه‌السلام : («إذا شككت فابن

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥١ ح ٣ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٨٦ ب ٢٣ ح ٤١ ، الاستبصار : ج ١ ص ٣٧٣ ب ٢١٦ ح ٣ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٧ ب ١٠ ح ١٠٤٦٢.

(٢) ـ الخصال : ص ٦١٩ ح ١٠ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٧ ب ١ ح ٦٣٦.

٣٢١

على اليقين» مع إمكان أن يجعل قوله : «فإنّ اليقين لا ينقض بالشك ، أو لا يدفع به» ، قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض.

مع أنّ الظاهر من المضيّ الجري

______________________________________________________

على اليقين» (١)) حيث إنه محتمل لارادة اليقين بالبراءة لا اليقين السابق ، فلا ربط لهذه الرواية بالاستصحاب.

هذا (مع إمكان أن يجعل قوله) عليه‌السلام : («فإنّ اليقين لا ينقض بالشك أو لا يدفع به» (٢) ، قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض) فايراد النقض بنظر المصنّف كما عرفت مختص بالشك في الرافع ، فتكون الرواية أيضا مختصة بالشك في الرافع.

إذن : فلفظ المضي على اليقين في صدر هذه الرواية وهي الأمارة الثانية وإن كان بمعنى العمل باليقين السابق وعدم رفع اليد عنه سواء كان مما يقتضي البقاء أم لا؟ إلّا أن تعبير الإمام عليه‌السلام في ذيل الرواية تارة : بأن اليقين لا يدفع بالشك ، وأخرى : بأن الشك لا ينقض اليقين ، يكون قرينة على إن مراده عليه‌السلام بالمضيّ على اليقين في صدر الرواية هو أيضا المضيّ فيما كان له مقتضي البقاء ، مما يئول بالأخرة الى حجية الاستصحاب في صورة الشك في الرافع لا في صورة الشك في المقتضي.

هذا (مع أنّ الظاهر من المضيّ) في كلام الإمام عليه‌السلام هو : (الجري

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٥١ ح ١٠٢٥ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٢ ب ٨ ح ١٠٤٥٢.

(٢) ـ الخصال : ص ٦١٩ ح ١٠ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٧ ب ١ ح ٦٣٦ ، وان قيد (لا يدفع به) ينسجم مع ما ورد في الارشاد للمفيد : ج ١ ص ٣٠٢ ومستدرك الوسائل : ج ١ ص ٢٢٨ ب ١ ح ٤٣٣ وبحار الانوار : ج ٢ ص ٢٧٢ ب ٣٣ ح ٢.

٣٢٢

على مقتضى الداعي السابق ، وعدم الوقف إلّا لصارف ، نظير قوله : «إذا كثر عليك السهو ، فامض في صلاتك» ، ونحوه ، فهو أيضا مختص بما ذكرنا.

وأمّا قوله : «اليقين لا يدخله الشك» ، فتفرّع الافطار للرؤية عليه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان الى أن يحصل الرافع.

______________________________________________________

على مقتضى الداعي السابق ، وعدم الوقف إلّا لصارف) أي : لرافع فيكون لفظ : المضيّ في قوله : «فليمض على يقينه» مثل لفظ : لا ينقض في قوله : ولا ينقض اليقين بالشك وبمعناه ، وإذا كان بمعناه اختص الشك في المقتضي.

وعليه : فالمضي هنا يكون حينئذ (نظير) المضيّ في (قوله) عليه‌السلام : («إذا كثر عليك السهو ، فامض في صلاتك» (١) ، ونحوه ، فهو أيضا مختص بما ذكرنا) من الشك في الرافع.

وإنّما هو مختص بالشك في الرافع ، لأن المضيّ في الصلاة مقتضية للبقاء حتى ترتفع برافع : من حدث ، أو فعل كثير ، أو ما أشبه ذلك.

(وأمّا قوله) عليه‌السلام في الأمارة الثالثة («اليقين لا يدخله الشك» (٢) ، فتفرّع الافطار للرؤية عليه) أي : على اليقين (من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان الى أن يحصل الرافع) أي : إنّ الاستصحاب فيه ليس استصحابا للزمان حتى يكون من الشك في المقتضي وإنّما هو استصحاب الاشتغال ، بأن الاشتغال بشيء إذا ثبت دام حتى يرتفع برافع فيكون من الشك في الرافع.

__________________

(١) ـ الكافي (فروع) : ج ٣ ص ٣٥٩ ح ٨ ، تهذيب الأحكام : ج ٢ ص ٣٤٣ ب ١٣ ح ١١ وح ١٢ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٢٨ ب ١٦ ح ١٠٤٩٥.

(٢) ـ تهذيب الأحكام : ج ٤ ص ١٥٩ ب ١ ح ١٧ ، الاستبصار : ج ٢ ص ٦٤ ب ٣٣ ح ١٢ ، وسائل الشيعة : ج ١٠ ص ٢٥٦ ب ٣ ح ١٣٣٥١.

٣٢٣

وبالجملة : فالمتأمّل المنصف يجد أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشك في الارتفاع برافع.

______________________________________________________

إذن : فتفرع الافطار للرؤية على اليقين بالنسبة الى شهر رمضان هو : استصحاب الاشتغال بالصوم ، فالشك فيه من الشك في الرافع.

كما إن تفرّع الصوم للرؤية على اليقين بالنسبة الى شعبان هو : استصحاب عدم وجوب الصوم ، أو جواز الأكل والشرب وما أشبه ذلك ، فالشك فيه أيضا من الشك في الرافع فإذا قلنا : بأنه استصحاب عدم وجوب الصوم كان من الاستصحاب العدمي ، وإذا قلنا : بأنه من استصحاب جواز الأكل والشرب ، كان من الاستصحاب الوجودي على ما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

وأما الجواب عن الأمارة الرابعة وهي حديث الأربعمائة (١) ، والأمارة الخامسة وهي : إذا شككت فابن على اليقين (٢) : فبالتقريب الماضي في الجواب عن الأمارات الثلاث الماضية.

(وبالجملة : فالمتأمّل المنصف يجد أنّ هذه الأخبار) الواردة في باب الاستصحاب (لا تدلّ على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشك في الارتفاع برافع) ولا تشمل الشك في المقتضي.

هذا تمام الكلام فيما احتج به للاستصحاب على القول التاسع ، وهو الذي اختاره المحقق في المعارج وارتضاه المصنّف هنا مما خلاصته : حجية الاستصحاب في الشك في الرافع فقط دون الشك في المقتضي.

__________________

(١) ـ الخصال : ص ٦١٩ ح ١٠ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٢٤٧ ب ١ ح ٦٣٦.

(٢) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٥١ ح ١٠٢٥ ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢١٢ ب ٨ ح ١٠٤٥٢.

٣٢٤

احتج للقول الأوّل بوجوه :

منها : أنّه لو لم يكن الاستصحاب حجّة لم يستقم استفادة الأحكام من الأدلة اللفظية ، لتوقفها على أصالة عدم القرينة والمعارض والمخصص والمقيّد والناسخ وغير ذلك.

______________________________________________________

وأما الاحتجاج لبقية الأقوال فقد أشار إليه المصنّف بقوله : (احتج للقول الأوّل) وهو القول بحجية الاستصحاب مطلقا (بوجوه) هي كالتالي :

(منها : أنّه لو لم يكن الاستصحاب حجّة لم يستقم استفادة الأحكام من الأدلة اللفظية) وذلك (لتوقفها) أي : توقف الاستفادة من الأدلة اللفظية (على أصالة عدم القرينة) مثل : اغتسل حيث ان ظاهره : الوجوب ، فنشك هل كان معه قرينة تصرفه الى الندب؟ نقول : الأصل عدم القرينة.

(و) أصالة عدم (المعارض) مثل : المرأة لا ترث من الأرض ، فنشك هل هناك خبر آخر يعارضه ، أو يكون حاكما أو واردا عليه؟ نقول : الأصل عدمه.

(و) أصالة عدم (المخصّص) بالنسبة الى العام مثل : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) (١) فنشك هل هناك ما يخصّصه؟ نقول : الأصل عدمه.

(و) أصالة عدم (المقيّد) بالنسبة الى المطلق مثل : «أعتق رقبة مؤمنة» (٢) ، فنشك هل هناك خبر يقيدها بالبيضاء أو السوداء؟ نقول : الأصل عدمه.

(و) أصالة عدم (الناسخ) مثل : (الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٣) فنشك هل جاء ما ينسخه؟ نقول : الأصل عدمه.

(وغير ذلك) من الأصول اللفظية كأصل عدم الاضمار ، وأصل عدم المجاز ،

__________________

(١) ـ سورة المائدة : الآية ٤.

(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ٢ ص ١٧٨ ح ١٣.

(٣) ـ سورة التوبة : الآية ٢٨.

٣٢٥

وفيه : أنّ تلك الأصول قواعد لفظية مجمع عليها بين العلماء وجميع أهل اللسان في باب الاستفادة ، مع أنّها أصول عدمية لا يستلزم القول بها القول باعتبار الاستصحاب مطلقا ، إمّا لكونها مجمعا عليها بالخصوص ،

______________________________________________________

وما أشبههما ، فإن احتمال هذه الأمور مما يصرف اللفظ عن ظاهره ولا يدع مجالا للعمل باللفظ ، فإذا استصحبنا عدم القرينة وعدم المعارض وما أشبه ذلك ، تمكّنا أن نعمل على ظاهر اللفظ ، أمّا إذا لم نستصحب عدم هذه الأمور تصبح الألفاظ مجملة فلا يمكن العمل على ظاهرها.

هذا ، ولكن حيث نرى : إن العقلاء كافة يعملون على ظاهر الألفاظ ، نستظهر حجّية الاستصحاب عند العقلاء ، والشارع لم يغيّر طريقتهم فيظهر أنه أيضا اتبع هذه الطريقة في أحكامه.

(وفيه : أنّ تلك الأصول قواعد لفظية مجمع عليها بين العلماء وجميع أهل اللسان في باب الاستفادة) من ظاهر الألفاظ ، فإن أهل اللسان كلهم مجمعون على هذه الاصول وإن لم يكونوا من العلماء ، وإذا كان كذلك فلا تتم أركان الاستصحاب ، لأن من أركان الاستصحاب : اليقين السابق والشك اللاحق ، وحيث ثبت اجماع العلماء عليها فلا شك في اللاحق ، فلا يكون هذا من باب الاستصحاب.

(مع) إنا لو قلنا بأن هذا من الاستصحاب ، لا يكون أيضا دليلا على القول الأوّل القائل بحجية الاستصحاب مطلقا ، وذلك لما عرفت : من (أنّها أصول عدمية لا يستلزم القول بها القول باعتبار الاستصحاب مطلقا) أي : سواء في الاصول العدمية أم في الاصول الوجودية.

وعدم استلزامها ذلك (إمّا لكونها مجمعا عليها بالخصوص) فلا يتعدّى منها

٣٢٦

وإمّا لرجوعها الى الشك في الرافع.

ومنها : ما ذكره في المعارج ، وهو : «أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت ، والعارض لا يصلح رافعا ، فيجب الحكم بثبوته في الآن الثاني ، أمّا أنّ المقتضي ثابت : فلأنّا نتكلم على هذا التقدير ، وأمّا أنّ العارض لا يصلح رافعا : فلأنّ العارض احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم ، لكنّ احتمال ذلك معارض باحتمال عدمه ، فيكون كل منهما

______________________________________________________

الى غيرها من الأصول الوجودية (وإمّا لرجوعها الى الشك في الرافع) فلا يكون دليلا على حجية الاستصحاب بالنسبة الى الشك في المقتضي.

إذن : فهذا الدليل لا يكون دليلا على حجية الاستصحاب على إطلاقه.

(ومنها) أي : مما استدل به القول الأوّل : (ما ذكره) المحقق (في المعارج : وهو : «أنّ المقتضي للحكم الأوّل ثابت) سواء كان وجوديا أم عدميا (والعارض) وهو الشك (لا يصلح رافعا) وإذا تمّت هاتان المقدمتان (فيجب الحكم بثبوته) أي : ثبوت الحكم الأوّل (في الآن الثاني) وهو عبارة أخرى عن الاستصحاب.

(أمّا أنّ المقتضي ثابت : فلأنّا نتكلم على هذا التقدير) أي : تقدير ثبوت المقتضي لأنه لو لم يكن المقتضي ثابتا فلا مجال للاستصحاب.

(وأمّا أنّ العارض لا يصلح رافعا : فلأنّ العارض احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم) لأن المفروض : إنا نشك هل إن الحكم السابق باق أم لا؟ ومعنى شكنا هو : إنا نحتمل تجدد ما يوجب زوال الحكم.

(لكنّ احتمال ذلك) أي : تجدد ما يوجب زوال الحكم (معارض باحتمال عدمه) أي : عدم تجدّده فيتعارضان ويتساقطان.

وعليه : (فيكون كل منهما) أي : من احتمال التجدد واحتمال عدم التجدد

٣٢٧

مدفوعا بمقابله ، فيبقى الحكم الثابت سليما عن الرافع» ، انتهى.

وفيه : أنّ المراد بالمقتضي : إمّا العلّة التامّة للحكم أو للعلم به ، أعني : الدليل أو المقتضي بالمعنى الأخص.

وعلى التقدير الأوّل ، فلا بد من أن يراد من ثبوته ثبوته في الزمان الأوّل.

ومن المعلوم : عدم اقتضاء ذلك لثبوت المعلول أو المدلول في الزمان الثاني أصلا.

______________________________________________________

(مدفوعا بمقابله) فيتساقطان (فيبقى الحكم الثابت) أوّلا (سليما عن الرافع» (١) ، انتهى) كلام المعارج.

(وفيه : أنّ المراد بالمقتضي : إمّا العلّة التامّة للحكم) أي : العلّة التامة لثبوت الحكم وذلك في مقام الثبوت (أو) العلّة التامة (للعلم به) أي : للعلم بالحكم وذلك في مقام الاثبات ، والمراد بالعلة العامة (أعني : الدليل) الدال على الحكم.

(أو) إن المراد بالمقتضي : (المقتضي بالمعنى الأخص) أي : العلّة الناقصة للحكم ، وسمّاه بالمعنى الأخص مقابل المقتضي بالمعنى الأعم ، فإن المقتضي بالمعنى الأخص هو أخص من المقتضي بالمعنى الأعم الشامل للعلة التامة والعلّة الناقصة.

(وعلى التقدير الأوّل) أي : تقدير أن يراد بالمقتضي : العلّة التامة للحكم أو العلّة التامة للعلم بالحكم (فلا بد من أن يراد من ثبوته) حيث قال المعارج : إن المقتضي للحكم الأوّل ثابت : (ثبوته في الزمان الأوّل) لأنه إذا أراد ثبوته في الزمان الثاني فلا حاجة الى الاستصحاب (ومن المعلوم : عدم اقتضاء ذلك) أي : الثبوت في الزمان الأوّل (لثبوت المعلول أو المدلول في الزمان الثاني أصلا)

__________________

(١) ـ معارج الاصول : ص ٢٠٦.

٣٢٨

وعلى الثاني ، فلا بد من أن يراد ثبوته في الزمان الثاني مقتضيا للحكم. وفيه : مع أنّه أخصّ من المدّعى أنّ مجرد احتمال عدم الرافع لا يثبت العلم ولا الظن بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ.

______________________________________________________

الذي هو زمان الشك.

وإنّما قال المصنّف : لثبوت المعلول فيما إذا أريد بالمقتضي : العلّة التامة ، وقال : أو المدلول ، فيما إذا أريد بالمقتضي : الدليل ، حيث قال قبل سطر : العلّة التامة للحكم أو للعلم.

(وعلى الثاني) : أي : تقدير أن يراد بالمقتضي : المعنى الأخص (فلا بد من أن يراد : ثبوته في الزمان الثاني مقتضيا للحكم) أي : يلزم أن يكون في زمان الشك أيضا مقتضيا للحكم ، وذلك لأن المقتضي ـ كالنار ـ إذا كان موجودا في الزمان الثاني وانضم اليه عدم المانع ـ كعدم الرطوبة ـ أثّر أثره ، وإلّا فلا.

(وفيه) أولا : (مع أنّه أخصّ من المدّعى) لأن هذا الدليل حينئذ يثبت حجية الاستصحاب إذا كان الشك في الرافع فقط ، بينما المستدل يريد أن يثبت به حجية الاستصحاب مطلقا ، سواء كان شكا في المقتضي أم شكا في الرافع.

وفيه ثانيا : (أنّ مجرد احتمال عدم الرافع لا يثبت العلم ولا الظن بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ) فإذا علمنا ـ مثلا ـ بوجود النار واحتملنا عدم الرطوبة في الخشبة فإن ذلك لا يوجب علمنا ولا ظننّا بأن الخشبة قد احترقت.

وإنّما لا يوجب ذلك علمنا ولا ظنّنا باحتراق الخشبة ، لأن حصول العلم أو الظن باحتراق الخشبة إنّما هو فيما إذا علمنا أو ظننا بوجود النار ، وعلمنا أو ظننا بعدم وجود الرطوبة ، فالعلمان أو الظنان يوجبان العلم أو الظن بالمقتضي ـ بالفتح ـ وهو الاحتراق ، لكن إذا كان أحدهما مظنونا أو موهوما ، ظننا أو توهّمنا الاحتراق ،

٣٢٩

والمراد من معارضة احتمال الرافع باحتمال عدمه الموجبة للتساقط إن كان سقوط الاحتمالين فلا معنى له ، وإن كان سقوط المحتملين عن الاعتبار حتى لا يحكم بالرافع ولا بعدمه ، فمعنى ذلك التوقف عن الحكم بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ لا ثبوته.

وربما يحكى إبدال قوله : «فيجب الحكم بثبوته» بقوله : «فيظنّ ثبوته»

______________________________________________________

لأن النتيجة تابعة لأخس المقدّمتين.

(و) أخيرا : ما (المراد من معارضة احتمال الرافع باحتمال عدمه) أي : عدم الرافع ، (الموجبة للتساقط) وذلك على ما تقدّم من قوله : إن احتمال تحدّد ما يوجب زوال الحكم معارض باحتمال عدمه ، فيكون كل منهما مدفوعا بمقابله ، فيبقى الحكم الثابت أولا سليما عن الرافع ، فإنه (إن كان سقوط الاحتمالين) في مقام الاثبات (فلا معنى له) لوضوح : إن الاحتمالين باقيان.

(وإن كان سقوط المحتملين) أي : ما يتعلق به الاحتمالان : من وجود الرافع وعدمه (عن الاعتبار) والحجية (حتى لا يحكم بالرافع ولا بعدمه ، فمعنى ذلك) أي : سقوط المحتملين هو : (التوقف عن الحكم) بأن لا نحكم (بثبوت المقتضى ـ بالفتح ـ) كالاحتراق في المثال المتقدم (لا ثبوته) أي : لا أن نحكم بثبوت الاحتراق حسب الاستصحاب.

والحاصل : إن نتيجة هذا الدليل : أن لا نحكم بالحكم السابق ولا بخلاف الحكم السابق ، لا أن نحكم بالحكم السابق الذي هو مقتضى الاستصحاب ، فكيف يكون هذا دليلا على الاستصحاب؟.

(وربّما يحكى إبدال قوله) أي : قول المعارج : («فيجب الحكم بثبوته») إبدالا (بقوله : «فيظنّ ثبوته») فيكون الدليل هكذا : إن المقتضي للحكم الأوّل

٣٣٠

ويتخيّل أنّ هذا أبعد عن الايراد ، ومرجعه الى دليل آخر ذكره العضدي وغيره ، وهو : أنّ ما ثبت في وقت ولم يظن عدمه ، فهو مظنون البقاء ، وسيجيء ما فيه.

ثم إنّ ظاهر هذا الدليل دعوى القطع ببقاء الحالة السابقة واقعا ، ولم يعرف هذه الدعوى من أحد ، واعترف بعدمه في المعارج

______________________________________________________

ثابت ، والعارض لا يصلح رافعا فيظن ثبوته.

(و) حينئذ (يتخيّل أنّ هذا) التغيير في قوله : يجب الحكم بثبوته الى : يظن بثبوته ، أن يكون (أبعد عن الايراد) الذي أورد المصنّف بقوله : إن المراد بالمقتضي : إمّا العلّة التامة ، أو المقتضي بالمعنى الأخص الى آخر كلامه.

(ومرجعه) أي : مرجع هذا الدليل بعد التبديل (الى دليل آخر ذكره العضدي وغيره) لحجية الاستصحاب (وهو : أنّ ما ثبت في وقت ولم يظن عدمه ، فهو مظنون البقاء ، وسيجيء ما فيه) : من إن ما لم يظن عدمه ، يمكن أن يكون مشكوك الوجود والعدم ، ويمكن أن يكون مظنون الوجود ، فهو إذن : أعم منهما كما لا يخفى.

(ثم إنّ ظاهر هذا الدليل) الذي ذكره المحقق في المعارج حيث قال : إن المقتضي للحكم الأوّل ثابت والعارض لا يصلح رافعا فيجب بثبوته في الآن الثاني ، قد يستفاد منه احتمالات أربعة :

الاحتمال الأوّل : (دعوى القطع ببقاء الحالة السابقة واقعا) فإن قوله : «يجب» ، معناه : القطع بالحكم ، وقوله : «بثبوته» معناه : كون الحكم واقعيا (ولم يعرف هذه الدعوى من أحد) ممن ذكر حجية الاستصحاب (و) خاصة من المحقق نفسه فقد (اعترف بعدمه) أي : بعدم الثبوت القطعي (في المعارج

٣٣١

في أجوبة النافين ، وصرّح بدعوى رجحان البقاء.

ويمكن أن يريد به إثبات البقاء على الحالة السابقة ، ولو مع عدم رجحانه ، وهو في غاية البعد عن عمل العقلاء بالاستصحاب في أمورهم.

والظاهر : أنّ مرجع هذا الدليل الى أنّه إذا احرز المقتضي وشكّ في المانع بعد تحقق المقتضي وعدم المانع في السابق بنى على عدمه

______________________________________________________

في أجوبة النافين ، وصرّح بدعوى رجحان البقاء) لا إنه مقطوع البقاء.

الاحتمال الثاني : (ويمكن أن يريد) المحقق (به) أي : بما ذكره في المعارج : (إثبات البقاء على الحالة السابقة ، ولو مع عدم رجحانه) أي : عدم رجحان البقاء والظن به (و) ذلك بأن يرى العقلاء بقاء المستصحب وإن لم يكن مظنون البقاء ، فإن هذا الاحتمال (هو في غاية البعد عن عمل العقلاء بالاستصحاب في أمورهم).

وإنّما يكون في غاية البعد عنهم ، لأنهم إنّما يعملون بالاستصحاب لظنهم بالبقاء ورجحانه بنظرهم رجحانا نوعيا ، لا إنه نوع تعبد منهم به سواء كان راجح البقاء أم مرجوحا أم مشكوكا؟.

الاحتمال الثالث : (والظاهر : أنّ مرجع هذا الدليل) الذي ذكره المحقق إنّما هو (الى أنّه) أي : ان الشاك (إذا احرز المقتضي) أي العلّة الناقصة في الزمان الثاني (وشكّ في المانع) وذلك (بعد تحقق المقتضي وعدم المانع في السابق) فإنه في الزمان السابق كان المقتضي موجودا والمانع مفقودا ، ثم في الزمان الثاني يحرز المقتضي ويشك في المانع.

وعليه : فإذا أحرز المقتضي وشك في المانع (بنى على عدمه) أي : عدم

٣٣٢

ووجود المقتضي.

ويمكن أن يستفاد من كلامه السابق في قوله : «والذي نختاره» أنّ مراده بالمقتضي للحكم : دليله ، وأنّ المراد بالعارض احتمال طروّ المخصّص لذلك الدليل ، فمرجعه الى أنّ

______________________________________________________

المانع (ووجود المقتضي) فتتحقق العلّة التامة للحكم في الزمان الثاني وهو عبارة عن الاستصحاب.

الاحتمال الرابع (ويمكن أن يستفاد من كلامه السابق) أي : من كلام المحقق الذي مرّ قبل عدّة صفحات من الكتاب (في قوله : «والذي نختاره») حيث قال هناك : منها : إن المقتضي للحكم الأوّل موجود ثم قال : والذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح الى آخر كلامه.

وعليه : فبمعونة كلامه هذا يستفاد (أنّ مراده) أي : مراد المحقق (بالمقتضي للحكم : دليله) لا علة الحكم.

وإنّما يستفاد من ذلك إن مراد المحقق دليل الحكم لا علة الحكم لأن لفظ الدليل جاء في قوله «السابق» حيث قال : والذي نختاره أن ننظر في دليل الحكم ، وهذا ظاهر في إن مراده : الدليل لا العلة.

(و) يستفاد منه أيضا (أنّ المراد) أي : مراد المحقق (بالعارض) حيث قال قبل صفحات : إن المقتضي للحكم الأوّل ثابت والعارض لا يصلح رافعا هو : (احتمال طروّ المخصّص لذلك الدليل) فيكون الشك حينئذ في مرحلة الاثبات لا في مرحلة الثبوت.

إذن : على هذا الاحتمال (فمرجعه) أي : مرجع كلام المحقق يكون (الى أنّ

٣٣٣

الشك في تخصيص العام أو تقييد المطلق لا عبرة به.

كما يظهر من تمثيله بالنكاح والشك في حصول الطلاق ببعض الألفاظ ، فإنّه إذا دلّ الدليل على أنّ عقد النكاح يحدث علاقة الزوجيّة ، وعلم من الدليل دوامها ، ووجد في الشرع ما ثبت كونه رافعا لها ، وشك في شيء آخر أنّه رافع مستقل أو فرد من ذلك الرافع أم لا ، وجب العمل بدوام الزوجيّة ، عملا بالعموم ، الى أن يثبت المخصّص.

______________________________________________________

الشك في تخصيص العام أو تقييد المطلق لا عبرة به) بل يلزم الحكم بالعموم والاطلاق (كما يظهر من تمثيله بالنكاح والشك في حصول الطلاق ببعض الألفاظ) مثل : لفظ خليّة وبريئة.

ثم إنه إنّما يظهر ذلك من تمثيله لأنه كما قال : (فإنّه إذا دلّ الدليل على أنّ عقد النكاح يحدث) بصيغة باب الافعال (علاقة الزوجيّة ، وعلم من الدليل دوامها) أي : دوام العلاقة (ووجد في الشرع ما ثبت كونه رافعا لها) أي : لهذه العلاقة مثل قول الزوج : طالق (وشك في شيء آخر) مثل : خليّة وبريئة (أنّه رافع مستقل أو فرد من ذلك الرافع أم لا ، وجب العمل بدوام الزوجيّة).

وإنّما يشك في مثل خليّة وبريئة ، لأن فيها احتمالات ثلاثة :

الأوّل : أن يكون فردا من الطلاق.

الثاني : أن يكون رافعا للنكاح ، وليس بطلاق.

الثالث : أن لا يوجب شيئا أصلا.

وعليه : فإذا أجرى أحد لفظ خليّة وبريئة مثلا وشككنا في إنها رفعت الزوجية أم لا ، حكمنا بدوام الزوجية (عملا بالعموم) أي : عموم أدلة النكاح المقتضية للاستمرار (الى أن يثبت المخصّص) بأن يجري لفظ الطلاق ـ مثلا ـ.

٣٣٤

وهذا حقّ ، وعليه عمل العلماء كافّة.

نعم ، لو شك في صدق الرافع على موجود خارجي لشبهة : كظلمة ، أو عدم الخبرة ، ففي العمل بالعموم حينئذ وعدمه ـ كما إذا قيل : «أكرم العلماء إلّا زيدا» ، فشك في إنسان أنّه زيد أو عمرو ـ قولان في باب العام المخصّص ، أصحّهما : عدم الاعتبار بذلك العام.

______________________________________________________

(وهذا) الذي ذكره المحقّق (حقّ ، وعليه عمل العلماء كافّة) لأنهم يتمسّكون بالعموم والاطلاق ما لم يثبت المخصّص والمقيّد.

(نعم ، لو شك في صدق الرافع على موجود خارجي) بأن كان الشك من باب الشبهة الموضوعية وذلك (لشبهة : كظلمة ، أو عدم الخبرة).

مثلا : إذا شك في إنه هل قال : طالق حتى يوجب ارتفاع النكاح أو قال : خليّة حتى لا يوجب شيئا أو علم بأنه قال : خليّة ولكن لا يعلم هل إن خليّة طلاق أو ليس بطلاق؟ وهكذا بالنسبة الى الظلمة ، كما إذا شرب من الاناء حيوان فلم يعلم لأجل الظلام انه كان كلبا حتى يحكم بنجاسة الماء ، أو شاة حتى يكون الماء طاهرا؟.

(ففي العمل بالعموم حينئذ) أي : حين كان الشك في صدق الرافع على شيء من باب الشبهة الموضوعية لظلمة ونحوها (وعدمه) أي : عدم العمل بالعموم حينئذ (كما إذا قيل : «أكرم العلماء إلّا زيدا» ، فشك في إنسان أنّه زيد أو عمرو) وذلك لظلمة ، أو لعدم العلم بأن أيّهما زيد وأيّهما عمرو (قولان في باب العام المخصّص) أي : العام الذي خصّص بشيء مشكوك (أصحّهما : عدم الاعتبار بذلك العام) في هذا الفرد المشكوك.

وإنّما لا يعتبر ذلك لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، وقد تحقق

٣٣٥

لكن كلام المحقق قدس‌سره في الشبهة الحكميّة ، بل مفروض كلام القوم أيضا اعتبار الاستصحاب المعدود من أدلّة الأحكام فيها دون مطلق الشبهة ، الشاملة للشبهة الخارجية.

هذا غاية ما أمكنّا من توجيه الدليل المذكور.

لكنّ الذي يظهر بالتأمل : عدم استقامته في نفسه

______________________________________________________

في الاصول : عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فإذا قال المولى ، مثلا : ـ لا تشرب الخمر وشك العبد في شيء إنه خمر أم لا ، فلا يجوز التمسك بالعام فيه حتى يقال : يحرم شربه ، لأنه ما دام لم يثبت إنه خمر ، فكيف يقال : بأنه يحرم شربه؟.

إذن : فالأصح في الشبهة الموضوعية إذا كان الشك في صدق الرافع على شيء لظلمة وما أشبه هو : عدم العمل بالعموم. (لكن كلام المحقق قدس‌سره في الشبهة الحكميّة) بدليل ما مثّل من النكاح ، وواضح : إن الشبهة المصداقية خارجة عن الشبهة الحكمية (بل مفروض كلام القوم أيضا اعتبار الاستصحاب المعدود من أدلّة الأحكام فيها) أي : في الشبهة الحكمية (دون مطلق الشبهة ، الشاملة للشبهة الخارجية) أي : الموضوعية أيضا.

(هذا غاية ما أمكنّا من توجيه الدليل المذكور) أي : هذا هو تمام الكلام في الاحتمال الرابع الذي احتمله المصنّف في كلام المحقق المذكور في المعارج.

(لكنّ الذي يظهر بالتأمل : عدم استقامته) هذا الاحتمال الرابع (في نفسه) وذلك لعدم استقامة إجراء الاستصحاب في مثل العام المشكوك تخصيصه ، والمطلق المشكوك تقييده ، لوضوح : أن الاستصحاب من أركانه اليقين السابق ، ولا يقين بالعموم والاطلاق في زمان ، بل هما من أول الأمر مشكوكان لأنا لا نعلم

٣٣٦

وعدم انطباقه على قوله المتقدّم : «والذي نختاره» وإخراجه للمدّعى عن عنوان الاستصحاب كما نبّه عليه في المعالم وتبعه غيره ، فتأمّل.

ومنها : أنّ الثابت في الزمان الأوّل ممكن الثبوت في الآن الثاني ،

______________________________________________________

شمول العام والمطلق للزمان الثاني.

(و) يظهر أيضا (عدم انطباقه) أي : انطباق هذا الاحتمال الرابع (على قوله المتقدّم : «والذي نختاره») لأن كلامه السابق إنّما هو في إثبات اعتبار الاستصحاب وهذا الاحتمال الرابع إنّما هو في الشك في المخصص ، ومن المعلوم : إن الاستصحاب أصل عملي ، وهذا الاحتمال من باب الأصل اللفظي.

(و) كذا يظهر : (إخراجه) أي : إخراج هذا الاحتمال الرابع (للمدّعى عن عنوان الاستصحاب) أي : إنه يخرج مدعى المحقق عن الاستصحاب الى الأصل اللفظي على ما عرفت (كما نبّه عليه في المعالم وتبعه غيره) أي : نبّه على إن المعتمد في هذا الاحتمال الرابع الذي ذكرناه هو الظهور اللفظي ومن المعلوم : إن الظهور اللفظي لا ربط له بالاستصحاب.

(فتأمّل) ولعله إشارة الى إمكان أن يكون الاحتمال الرابع لتوجيه كلام المحقق في محله ، وذلك لأن القدماء كانوا يذكرون الأصول اللفظية والأصول العملية في سياق واحد ، فلا يضر توجيه الاستصحاب بالأصول اللفظية.

(ومنها) أي : مما استدل به للقول الأوّل وهو القول بحجية الاستصحاب مطلقا : قياس صورته على ما يلي : (أنّ الثابت في الزمان الأوّل ممكن الثبوت في الآن الثاني) لأنّ الممكن ممكن دائما ، وكلّما كان كذلك فيثبت بقائه في الآن الثاني.

٣٣٧

وإلّا لم يحتمل البقاء فيثبت بقاؤه ما لم يتجدّد مؤثّر العدم ، لاستحالة خروج الممكن عمّا عليه بلا مؤثّر. فإذا كان التقدير : تقدير عدم العلم بالمؤثّر ، فالراجح بقاؤه فيجب العمل عليه.

وفيه : منع استلزام عدم العلم بالمؤثّر رجحان عدمه المستلزم لرجحان البقاء ، مع أنّ مرجع هذا الوجه الى ما ذكره العضدي وغيره : من أنّ ما تحقّق وجوده ولم يظنّ عدمه أو لم يعلم عدمه فهو مظنون البقاء.

______________________________________________________

(وإلّا) بأن لم يكن ممكن الثبوت في الآن الثاني (لم يحتمل البقاء) إذ المفروض إنه مشكوك في الآن الثاني والمشكوك محتمل البقاء كما هو محتمل العدم ، وإذا كان كذلك (فيثبت بقاؤه ما لم يتجدّد مؤثّر العدم).

وإنّما يثبت بقائه حينئذ (لاستحالة خروج الممكن عمّا عليه) من الوجود أو العدم السابقين (بلا مؤثّر) فإنّ المؤثّر هو الذي يجعل الموجود معدوما والمعدوم موجودا (فإذا كان التقدير : تقدير عدم العلم بالمؤثّر) الجديد (فالراجح بقاؤه) أي : بقاء الثابت في الزمان الأوّل الى الآن الثاني (فيجب العمل عليه) أي : على ما كان ثابتا سواء كان الثابت في الزمان الأوّل وجودا أم عدما.

(وفيه) أولا : (منع استلزام عدم العلم بالمؤثّر رجحان عدمه) أي : عدم المؤثّر (المستلزم) ذلك الرجحان (لرجحان البقاء) لوضوح : إن عدم العلم بالمؤثر ليس معناه : رجحان عدم المؤثر.

وفيه ثانيا : (مع أنّ مرجع هذا الوجه الى ما ذكره العضدي وغيره : من أنّ ما تحقّق وجوده ولم يظنّ عدمه أو لم يعلم عدمه فهو مظنون البقاء).

وإنّما يكون مرجع هذا الدليل الى ما ذكره العضدي ، لأن العضدي أخذ الظن

٣٣٨

ومحصّل الجواب عن هذا وأمثاله من أدلّتهم الراجعة الى دعوى : حصول ظنّ البقاء ، منع كون مجرد وجود الشيء سابقا مقتضيا لظنّ بقائه ، كما يشهد له تتبع موارد الاستصحاب ، مع أنّه إن اريد اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ النوعي ، يعني بمجرد كونه لو خلّي وطبعه ، يفيد الظنّ بالبقاء وإن لم يفده فعلا لمانع.

ففيه : أنّه لا دليل على اعتباره أصلا.

______________________________________________________

بالبقاء في دليل الاستصحاب ، فلا بد وأن يكون هذا المستدل أراد ذلك أيضا ، فلا يكفي في الاستصحاب مجرّد عدم العلم من دون الظن بالبقاء.

(ومحصّل الجواب عن هذا) الذي ذكره العضدي (وأمثاله من أدلّتهم الراجعة الى دعوى : حصول ظنّ البقاء) في الآن الثاني بالنسبة الى ما كان ثابتا في الزمان الأوّل هو الاشكال في الصغرى بقوله : (منع كون مجرد وجود الشيء سابقا مقتضيا لظنّ بقائه) لاحقا ، لا ظنا شخصيا ولا ظنا نوعيا.

(كما يشهد له) أي : لهذا المنع (تتبع موارد الاستصحاب) فإن كثيرا من موارد الاستصحاب لا يظن المكلّف ببقاء الحالة السابقة لا ظنا نوعيا ولا ظنا شخصيا.

(مع أنّه) يرد على الكبرى أيضا : بأنه (إن اريد اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ النوعي) فإن النوع يحصل لهم الظن ، بسبب الاستصحاب وإن لم يكن هناك ظن شخصي.

(يعني) : إن الاستصحاب حجة (بمجرد كونه لو خلّي وطبعه ، يفيد الظنّ بالبقاء) حتى (وإن لم يفده فعلا لمانع) أي : لم يفد الظن الشخصي لمانع بنظر المستصحب فإن أريد هذا المعنى (ففيه : أنّه لا دليل على اعتباره) أي : اعتبار هذا الظن النوعي (أصلا) بل مقتضي قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ

٣٣٩

وإن اريد اعتباره عند حصول الظنّ فعلا منه. فهو وإن استقام على ما يظهر من بعض من قارب عصرنا من أصالة حجّية الظنّ ، إلّا أنّ القول باعتبار الاستصحاب بشرط حصول الظنّ الشخصي منه ، حتى أنّه في المورد الواحد يختلف الحكم باختلاف الاشخاص والأزمان

______________________________________________________

الْحَقِّ شَيْئاً) (١) إنه لا اعتبار به.

(وإن اريد اعتباره عند حصول الظنّ فعلا) ظنا شخصيا (منه) أي : من الاستصحاب (فهو وإن استقام) حيث إن الظن الشخصي حجة (على ما يظهر من بعض من قارب عصرنا من أصالة حجّية الظنّ) ولعلّه لمقدّمات الانسداد (إلّا أنّ القول باعتبار الاستصحاب بشرط حصول الظنّ الشخصي منه) أي : من الاستصحاب بحيث إذا حصل منه الظن الشخصي كان حجة وإذا لم يحصل منه ظن شخصي لم يكن حجة غير مستقيم.

وإنّما لم يكن مستقيما لاختلاف حكم الاستصحاب حينئذ (حتى أنّه في المورد الواحد يختلف الحكم باختلاف الاشخاص) فالشخص الذي يظن ببقاء وضوئه من الصباح الى الظهر ـ مثلا ـ يكون الاستصحاب حجة بالنسبة إليه ، والشخص الذي لا يظن شخصيا ببقاء الوضوء ، لا يكون حجة بالنسبة إليه وهكذا.

(و) يختلف الحكم أيضا باختلاف (الأزمان) مثل : زمان الضيف حيث يشرب الانسان المائعات كثيرا مما يسبّب الحدث كثيرا ، فلا يكون الاستصحاب حجة لمن شرب المائعات كثيرا وذلك لعدم الظن الشخصي حينئذ ببقاء وضوئه

__________________

(١) ـ سورة يونس : الآية ٣٦ ، سورة النجم : الآية ٢٨.

٣٤٠