غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٦

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٦

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨

الباب الرابع والسبعون

في قول عمر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر

وانّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام بما أراد أن يكتب وأشهد على ذلك شهودا

من طريق الخاصّة وفيه حديثان

الأوّل : كتاب سليم بن قيس الهلالي ومن كتابه نسخته قال : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مسجد رسول الله في خلافة عثمان والمهاجرين والأنصار يتحدّثون فيه ويتذاكرون الفقه والعلم فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها من الفضل مثل قوله : «الأئمّة من قريش» ، وقوله : «الناس تبع لقريش» «وقريش أئمّة العرب» ، وقوله : «ألا لا تسبّوا قريشا» ، وقوله : «للقرشي قوّة رجلين من غيرهم» ، «أبغض الله من أبغض قريشا» ، وقوله : «من أراد قريشا بهوان أهانه الله» ، وذكرت الأنصار فخرها وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم من الفضل ، وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته ، وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة ، والذي حمته الدبر (١) ولم يدعوا شيئا من فضلهم فقال كلّ حيّ : منّا فلان وفلان ، وقالت قريش : منّا رسول الله ومنّا حمزة ومنّا جعفر ومنّا عبيدة بن الحرث وزيد بن حارثة وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم وابن عوف فلم يدعوا من الحيّين أحدا من أهل السابقة إلّا عدّوه (٢) في الحلقة أكثر من مائتي رجل منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة وكان ممّن حفظت من قريش عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وسعد وابن عوف والزبير وطلحة وعمّار والمقداد وأبو ذرّ وهاشم بن عتبة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس والحسن والحسين ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر الطيّار وعبيد الله بن عبّاس.

ومن الأنصار ابيّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيّوب وأبو الهيثم بن التيهان ومحمّد بن مسلمة وقيس بن سعد وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد إلى جنبه غلام أمرد صبيح الوجه وجاء أبو الحسن البصري

__________________

(١) الدبر بالفتح : جماعة النحل والزنابير وأراد به : عاصم بن ثابت الأنصاري.

(٢) في المصدر المطبوع : سمّوه.

١٠١

ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة ، فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا أدري أيّهما أجمل غير أنّ الحسن أعظمهما وأطولهما ، وأكثر القوم وذلك من بكرة إلى أن حضرت الصلاة وعثمان في داره لا يعلم بشيء ممّا هم فيه وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ساكت لا ينطق ولا أحد من أهل بيته فقالوا له : يا أبا الحسن ما لك لا تتكلّم ، فقال عليه‌السلام ما في الحيين أحد إلّا وقد ذكر فضلا وقال حقّا.

ثمّ قال عليّ عليه‌السلام : يا معشر قريش والأنصار ممّن أعطاكم الله عزوجل هذا الفضل فبعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟ فقالوا : أعطانا الله ومنّ علينا برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أدركنا ذلك وقبلناه لأنفسنا (١) وعشائرنا وأهل بيوتاتنا ، قال : صدقتم ، ثمّ قال : يا معشر قريش أتقرّون أنّ الذي نلتم به خير الدّنيا والآخرة منّا أهل البيت خاصّة دونكم جميعا وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا وأخي عليّ بن أبي طالب لطينة (واحدة) إلى آدم عليه‌السلام؟ فقال أهل بدر وأهل احد وأهل السابقة وأهل القدمة : نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي رواية اخرى : إني وأهل بيتي كنّا نورا نسعى بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق الله آدمعليه‌السلام بأربعة عشر ألف سنة ، فلمّا خلق الله آدم عليه‌السلام وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه الى الارض ثم حمله في السفينة في صلب نوح ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليهم‌السلام ، ثمّ لم يزل ينقلنا الله في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والامّهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط؟

قالوا جميعا : سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال : يا معشر قريش والأنصار أتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين كلّ رجلين من أصحابه وآخى بيني وبينه فقال : أنت أخي وأنا أخوك في الدّنيا والآخرة؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشترى موضع المسجد ومنازله فابتناه ثمّ بنى فيه عشرة منازل تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابي ، فتكلّم في ذلك من تكلّم فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ولكنّ الله أمرني أن أسدّ أبوابكم وأفتح بابه؟ قالوا : نعم، قال : أفتقرّون أيّها الناس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري فكنت أبيت في المسجد ومنزلي ومنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (واحد) في المسجد يولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولي فيه الأولاد؟ قالوا : نعم ، قال : أفتقرّون أنّ عمر حرص على كوة قدر عينيه من منزله إلى المسجد فأبى ذلك عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : إنّ الله جلّ اسمه أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا ولا يسكنه غيره

__________________

(١) هنا تفاوت مع المصدر.

١٠٢

وغير هارون وابنيه وإنّ الله أمرني ببناء مسجد طاهر ولا يسكنه غيري وغير أخي عليّ بن أبي طالب وفتياه؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعاني فنصّبني يوم غدير خمّ فنادى لي بالولاية ثمّ قال : ليبلغ الشاهد منكم الغائب؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي في غزاة تبوك : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى وأنت وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي؟

قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا أهل نجران للمباهلة لم يأت إلّا بي وبصاحبتي وابني؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّه دفع لي اللواء يوم خيبر ثمّ قال : لأدفعنّ الراية غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ليس بجبان ولا فرّار يفتحها الله على يديه؟

فقالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثني ببراءة ورد غيري بعد أن كان بعثه بوحي من الله وقال إن العلي الأعلى يقول : إنه لا يبلغ عنّي إلّا رجل منّي؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تنزل به شديدة إلّا قدّمني إليها ثقة بي وإنّه لم يدع باسمي قط إلّا أن يقول يا أخي وادعوا لي أخي؟

قالوا : اللهم نعم.

قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بيني وبين في ابنة جعفر وزيد وحمزة فقال لي : يا علي انّك منّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون انّه كانت لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يوم دخلة وخلوة إن سألته أعطاني وإن سكتّ ابتدأني؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضّلني على حمزة وجعفر فقال لفاطمة : إنّي زوّجتك خير أهلي وخير أمّتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا سيّد ولد آدم وعليّ أخي سيّد العرب وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن أغسله وأخبرني أن جبرائيل يعينني على غسله؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : أفتقرّون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في آخر خطبة خطبها : أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي؟ قالوا : اللهم نعم ، (١) قال : ولم يدع شيئا أنزل الله فيه خاصّة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ناشدهم فيه فمنهم من يقول نعم ومنهم من يسكت ويقول بعضهم : اللهمّ نعم ، ويقول الذين سكتوا للذين أقروا : أنتم عندنا ثقاة وقد حدّثنا غيركم ممّن نثق به من هؤلاء وغيرهم انّهم سمعوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فقال عليّ عليه‌السلام حين فرغ : اللهم اشهد عليهم ، قالوا :

__________________

(١) في المصدر زيادة بذكر بقية المناشدة للقوم وهي كثيرة.

١٠٣

اللهمّ نعم اشهد أنّا لم نقل إلّا حقّا وما سمعنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال لي عليّ عليه‌السلام حين فرغ اللهم إنّه من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّا فقد كذب ليس ممن يحبّني ، ووضع يده على رأسي فقال له قائل : وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال : لأنّه منّي وأنا منه فمن أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، فقال له عشرون من أفاضل القوم : اللهمّ نعم وسكت بقيّتهم ، فقال عليّ عليه‌السلام للسكوت : ما لكم سكوت؟ قالوا : هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاة وفضلهم وسابقتهم فقال : اللهمّ اشهد عليهم.

فقال طلحة بن عبد الله : ـ وكان يقال له داهية قريش ـ فكيف نصنع بما ادّعاه أبو بكر وعمر وأصحابهما الذين شهدوا وصدّقوه على مسألته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك الحبل فما احتججت به من شيء إلّا صدّقوا حجّتك فادّعى أبو بكر أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله أبا أن يجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة فصدّقوه وشهدوا به منهم عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ بن جبل ثمّ أقبل طلحة فقال: كلّ الذي ادّعيت وذكرته واحتججت به من السابقة والفضل نحن نعترف بذلك ، وأمّا الخلافة فقد شهدوا أولئك (الخمسة) لما سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عند ذلك عليّ عليه‌السلام وقد غضب من مقالة طلحة وأخرج شيئا كان يكتمه وفسّر شيئا كان قد قاله وهو أنّه كان قاله يوم مات عمر ولم يدروا ما عنى به عليه‌السلام ثمّ أقبل على طلحة والناس يسمعون ثمّ قال : يا طلحة أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحبّ إليّ من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجّة الوداع إن قتل (الله) محمّدا أو مات أن يتوازروا عليّ ويتظاهروا عليّ فلا تصل الخلافة إليّ ، والدليل يا طلحة على باطل ما شهدوا عليه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ : من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه ، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم الامراء والحكّام ، وعلى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير النبوّة ، (ألستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة) فلو كان مع النبوّة غيرها لاستثناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقوله : إنّي تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما كتاب الله وعترتي لا تتقدّموهم ولا تتخلّفوا عنهم ولا تعلّموهم فانّهم أعلم منكم ، فينبغي أن لا تكون الخلافة على الامّة إلّا لأعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال الله عزوجل : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وقال : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وقال : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولّت قط أمّة أمرها رجلا وفيهم أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا ، فما الولاية غير الإمارة ، والدليل على كذبهم وباطلهم

١٠٤

وفجورهم أنّهم سلّموا عليّ بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي الحجّة عليهم وعليك خاصّة وعلى هذا الذي معك ـ يعني الزبير ـ وعلى الامّة وعلى هذين ـ وأشار إلى سعد وابن عوف ـ وعلى خليفتكم هذا الظالم ـ يعني عثمان ـ.

وإنّا معشر الشورى ستّة أحياء كلّنا فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدّق هو أصحابه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ليس لنا في الخلافة شيء ، أليس أمرنا شورى في الخلافة أم في غيرها؟

وإن زعمتم إنّما جعلها في غير إمارة فليس لعثمان إمارة علينا لأنّه أمرنا أن نتشاور في غيرها (١) ، وإن كانت المشورة فيها فلم أدخلني فيكم؟ فهلّا أخرجني وقد كان شهد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخرج أهل بيته من الخلافة وأخبر أنّه لا نصيب لهم فيها ، ولم قال عمر حين دعانا رجلا رجلا فقال لابنه وكان شاهدا : يا عبد الله بن عمر أنشدك الله ما قال لك حين خرجنا ، قال ابن عمر : أما إذ ناشدتني فإنه قال : إن بايعوا أصلع بني هاشم يحملهم على المحجّة البيضاء هو أقواهم على كتاب الله عزوجل وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فقال عليّ عليه‌السلام له : ما قلت له حين قال لك ذلك؟

قال : قلت : ما يمنعك أن تستخلفه؟ قال (علي) : فما ردّ عليك؟

قال (ابن عمر) : ردّ عليّ شيئا أكتمه.

قال عليّ : فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني به (٢) قبل موته بثلاثة أيّام ، وليلة مات فيها أبوك رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي ـ ومن رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه فقد رآه في اليقظة ـ فقال له ابن عمر :

فما أخبرك؟

فقال له عليّ : أنشدك الله يا ابن عمر أنّي إن أخبرتك به لتصدقني.

قال ابن عمر : أو أسكت.

قال : فإنّه حين قال لك قلت له أنت : فما يمنعك أن تستخلفه؟ قال (عمر) : الصحيفة التي كتبناها والعهد في الكعبة في حجّة الوداع ، قال : فسكت ابن عمر وقال : أسألك بحقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أمسكت عنّي.

قال أبان عن سليم : فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس قد خنقته العبرة وعيناه تسيلان دموعا.

ثمّ أقبل علي على طلحة والزبير وابن عوف وسعد فقال : والله إن كان أولئك الخمسة كذبوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما يحلّ لكم ولايتهم ، وإن كانوا صدقوا فما حلّ لكم أن تدخلوني معكم في الشورى ، لأنّ ادخالكم إيّاي فيها خلاف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبة عنه ، ثمّ أقبل على الناس فقال :

__________________

(١) أي بناء على تفسير الشورى بغير الامارة.

(٢) في المصدر : قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له.

١٠٥

أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به أصدوق عندكم أم كذّاب؟

فقالوا : صادق صدوق مصدق ما علمنا والله أنك كذبت في جاهلية ولا إسلام.

قال (علي عليه‌السلام) : فو الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منّا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين من بعده ولا يبلّغ عنه غيرنا ولا تصلح الخلافة والإمامة إلّا فينا ولم يجعل لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا ، أما رسول الله فخاتم النبيّين ليس بعده نبيّ ولا رسول ، ختم به الأنبياء إلى يوم القيامة وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة وجعلنا الله خلفاء محمد في أرضه وشهدائه على خلقه ، وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه وبنبيه في الطاعة في غير آية من القرآن ، والله جعل محمدا نبيّا حبيبا وجعلنا [خلفاء من بعده] في كتابه المنزل ، ثمّ الله حين أشهد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلّغ ذلك عنه فبلّغهم كما أمره ، فأينا أحق بمجلس رسول الله وبمكانه ، أو ما سمعتم حين بعثني ببراءة فقال : لا يصلح أن يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي فلم يصلح لصاحبكم أن يبلّغ عنه صحيفه قدر أربعة أصابع ولن يصلح أن يكون المبلّغ لها غيري ، فأيّهما أحقّ بمجلسه وبمكانه ، الذي سمّاه خاصّته أنّه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من خصّه من بين الأمّة أنّه ليس من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال طلحة : قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففسّر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلّغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سمعناه قال لنا ولسائر الناس ليبلّغ الشاهد منكم الغائب عنّي ، وقال بعرفة حين حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع فقال : رحم الله من سمع مقالتي فوعاها ، ثمّ بلّغها غيره فربّ حامل فقه ولا فقه له وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاثة لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والسمع والطاعة ، والمناصحة لولاة الأمر ولزوم جماعتهم ، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم. وقال في غير موطن : فليبلّغ الشاهد الغائب ؛ فقال عليّ عليه‌السلام : إنّ الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم وفي حجّة الوداع ، ويوم قبض في آخر خطبة خطبها حين قال : تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما : كتاب الله وأهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين الاصبعين [وأشار باصبعيه السبحتين ، ولا أقول كهاتين ـ وأشار بالمسبّحة والوسطى لأنّ إحداهما قدّام الاخرى] فتمسّكوا بهما لا تضلّوا ولا تزلّوا ولا تتقدّموهم ولا تتخلّفوا عنهم ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم».

إنّما أمر من يقول من العامّة باجابة طاعة الأئمّة من آل محمد وإيجاب حقهم ، ولم يقل في ذلك شيئا من الأشياء غير ذلك. فلمّا أمر العامّة أن يبلّغوا العامّة من لا يبلّغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بعثه الله به غيرهم. ألا ترى يا طلحة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون : إنّه لا يقضي ديني ويبرئ ذمّتي

١٠٦

ويؤدّي ديني وأمانتي ، ويقاتل عن سنّتي غيري. فلمّا ولي أبو بكر ما قضى عن رسول الله دينه ولا عداته فاتبعتهما جميعا فقضيتهما عنه. وأخبرني أنّه لا يقضي دينه ولا عداته غيري ، فلم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه وعداته وإنّما كان قضائي دينه وعداته هو الذي أبرأ ذمّته وقضى أمانته ؛ وإنّما يبلّغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ما جاء به من بعده ، الأئمّة الذين افترض الله في الكتاب طاعتهم وأمر بولايتهم ، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله. فقال طلحة : فرّجت عنّي ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى فسّرتها إليّ فجزاك الله يا أبا الحسن عن جميع الامّة.

يا أبا الحسن شيء أريد أن أسألك عنه : رأيتك خرجت بثوب مختوم فقلت : أيّها الناس إنّي لم أزل مشغولا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بتكفينه ودفنه ـ ثمّ شغلت بكتاب الله عزوجل حتّى جمعته ، وهذا كتاب الله عندي مختوم لم يسقط عليّ منه حرف واحد ، فلم أر ذلك الكتاب الذي كنت كتبت وألّفت فيه ، وقد رأيت عمر بعث إليك حين استخلف أن تبعث به إليه ، فأبيت أن تفعل ، فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية [أنّها] قرآن كتبها ، وإن لم يشهد عليها إلّا واحد رماها ولم يكتبها. وقد قال عمر وأنا أسمع : إنّه قد قتل يوم اليمامة قوما كانوا يقرءون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب. وقد جاءت غنيمة إلى صحيفة وكتّاب عمر يكتبون فأكلتها فذهب ما فيها ، والكتاب يومئذ كتاب عثمان. وسمعت عمر وأصحابه الذين كتبوا ما ألّفوا على عهد عمر وعهد وعثمان يقولون : إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة ، والنور ستّون ومائة آية ، والحجرات ستون آية. فما هذا ، وما يمنعك رحمك الله أن تخرج ما ألّفت للناس وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع إليه الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة ، ومزّق مصحف أبي بن كعب ومصحف ابن مسعود وحرقهما بالنيران ، فما هذا؟

قال عليّ : يا طلحة إن كلّ آية أنزلها الله عزوجل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عندي ، املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّي بيدي ، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل حلال وكل حرام وحدّ وحكم ، وكل شيء تحتاج إليه الأمّة حتّى أرش الخدش. قال طلحة : كل شيء من صغير وكبير أو خاص أو عام أو كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟

فقال عليّ عليه‌السلام : نعم وسوى ذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ إليّ في مرضه الذي مات فيه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كلّ باب ألف باب ، ولو أن الأمّة منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتّبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، يا طلحة أليس قد شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ، لئلّا تضل الامّة ولا تختلف فقال صاحبك ما قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر ، فغضب

١٠٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتركها؟

قال : بلى قد شهدت.

قال : فإنّكم لمّا خرجتم أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليها العامّة ، فأخبره جبرائيل عليه‌السلام بأنّ الله عزوجل قد علم أن الامّة ستختلف وتفترق ، ثمّ دعا بصحيفة وأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط سلمان وأبا ذر والمقداد ، وسمّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر الله المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة ، فسمّاني أوّلهم وابني هذين الحسن والحسين ، كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟

فقالا : نشهد بذلك.

فقال طلحة : والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لأبي ذر : ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق وابرّ عندي من أبي ذر. وأنا أشهد أنّهما لم يشهدا إلّا بالحق وأنت أصدق وأبرّ عندي منهما. ثمّ أقبل على طلحة فقال : اتق الله وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا ابن عوف اتقوا الله وابتغوا رضوانه واختاروا ، عنده ، ولا تخافوا في الله لومة لائم.

فقال طلحة : ما بالى لا أزال يا أبا الحسن تجيبني عمّا سألتك عنه من القرآن (١) ولا تظهره للناس.

فقال : يا طلحة عمدا كففت عنك وعن جوابك.

قال : فأخبرني عمّا كتب عثمان وعمر أقرآن كلّه أم فيه ما ليس بقرآن؟

فقال : بل قرآن كلّه إن أخذتم بمعانيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة ، فإنّ حجّتنا فيه وحقّنا وفرض طاعتنا.

فقال طلحة : ما إن كان قرآنا فأخبرني عمّا بيديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه؟ ومن صاحبه بعدك؟

فقال : إلى الذي أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أدفعه إليه.

قال : ومن هو؟

قال : وصيّي وأولى الناس بالناس ، ابني هذا الحسن ، ثمّ يرفعه ابني عند موته إلى ابني الحسينعليهم‌السلام ، ثمّ يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين عليه‌السلام حتّى يردوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه ، هم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم (٢).

__________________

(١) في المصدر : قال طلحة : ما أراك يا أبا الحسين أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن

(٢) كتاب سليم بن قيس : ٢٠٤ / ٢١٢ ، والاحتجاج للطبرسي : ٢٢٠ ـ ٢٢٥. مع تفاوت بالنقص والزيادة.

١٠٨

الثاني : صاحب كتاب «صراط المستقيم» قال : قد حدّث عليّ بن طلحة بأنّه لمّا خرج عمر حدّثه ـ يعني عليّا عليه‌السلام ـ النبيّ بما أراد أن يكتب ومنه أنّه سيلي الأمر اثنا عشر إمام ضلالة عليهم مثل أوزار الامّة إلى يوم القيامة ، وأوصى إليه بالإمامة وأن يدفعها إلى أولاده إلى تكملة اثني عشر إمام هدى(١).

__________________

(١) الصراط المستقيم : ٣ / ٥.

١٠٩

الباب الخامس والسبعون

في جيش أسامة وفيه أبو بكر وعمر وعثمان

وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وغيرهم

ولعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من تاخّر عن جيش اسامة

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الأخير منهما وروى ذلك في أبي بكر

من طريق العامّة وفيه اثنا عشر حديثا

الأوّل : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامّة من المعتزلة قال ابن أبي الحديد قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وقد أثنى ابن أبي الحديد على هذا الرجل عند أهل الحديث بقبول الحديث ، وثقته وهو صاحب كتاب «السقيفة».

قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق ابن صالح عن أحمد بن سيّار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر في مرض موته أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير ، وأمره أن يغير على «مؤتة» حيث قتل أبوه زيد ، وأن يغمروا وادي فلسطين ، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله ، وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه يثقل ويخف ، ويؤكّد القول على تنفيذ ذلك البعث حتّى قال له أسامة بابي أنت وأمّي أتأذن لي أن أمكث أيّاما حتّى يشفيك الله فقال : أخرج وسر على بركة الله.

فقال : يا رسول الله إن خرجت وأنت على هذا الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سر على النصر والعافية.

فقال : يا رسول الله إني أكره أن أسأل عنك الركبان.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : انفد لما أمرتك به ، ثمّ أغمي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقام أسامة فتجهز للخروج ، فلمّا أفاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل عن أسامة والبعث فأخبر أنّهم يتجهزون ، فجعل يقول : أنفدوا بعث أسامة لعن الله من تخلّف ، عنه ويكرر ذلك ، فخرج أسامة واللّواء على رأسه والصحابة بين يديه ، حتّى إذا

١١٠

كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ومن الأنصار أسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهما من الوجوه ، فجاءه رسول أمّ أيمن يقول له ادخل فإن رسول الله يموت فقام من فوره فدخل المدينة واللواء على رأسه فجاء به حتّى ركزه في باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد مات صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الساعة.

قال : فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلّا بالأمير (١).

الثاني : ابن أبي الحديد في الشرح قال : لمّا مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرض الموت دعا أسامة بن زيد بن حارثة فقال سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد ولّيتك على هذا الجيش فإن أظفّرك الله بالعدوّ فأقلل اللبث وبث العيون وقدّم الطلائع فلم يبق أحق من وجوه المهاجرين والأنصار إلّا كان في ذلك الجيش منهم أبو بكر وعمر ، فتكلّم قوم فقالوا يستعمل هذا الغلام على جلّة المهاجرين والأنصار فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا سمع ذلك وخرج عاصبا رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال : أيّها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، لأن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وايم الله إنّه كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها وإنّهما لمن أحبّ الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنّه من خياركم ، ثمّ نزل فدخل بيته وجاء المسلمون يودّعون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف ؛ وثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واشتدّ ما يجده فارسل بعض نسائه إلى أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك ، فدخل أسامة من عسكره والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مغمور وهو اليوم الذي كدّوه فيه فطأطأ أسامة عليه وقبّله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اسكت فهو لا يتكلّم ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثمّ يضعها على أسامة كالداعي له ، ثمّ أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجّه إلى ما بعثه فيه ، ورجع أسامة إلى عسكره ثمّ ارسل نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أسامة يأمرنّه بالدخول ويقلن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اصبح بارئا ؛ فدخل أسامة من عسكره يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل فوجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مفيقا فامره بالخروج وتعجيل التعود وقال : اغد على بركة الله ، وجعل يقول : أنفذوا بعث أسامة ، ويكرر ذلك ، فودّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج ومعه أبو بكر وعمر فلمّا ركب جاءه رسول أم أيمن فقال : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يموت ، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى زالت الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات واللواء مع بريدة بن الحصيب ، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مغلق وعليّ عليه‌السلام وبعض

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٥٢.

١١١

بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه وغسله فقال العباس لعليّ عليه‌السلام وهما في الدار : امدد يدك أبايعك فيقول الناس عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بايع ابن عمّ رسول الله فلا يختلف عليك اثنان.

فقال له : أو يطمع فيها يا عمّ طامع غيري؟!

قال : ستعلم ، فلم يلبث أن جاءتهما الأخبار بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبايعه وأن عمر جاء بأبي بكر فبايعه وسبق الأنصار بالبيعة ، فندم عليّ عليه‌السلام على تفريطه في أمر البيعة وتقاعده عنها وأنشده العباس قول دريد :

أمرتهم أمري بمنعرج اللوا

فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدر(١).

الثالث : ابن أبي الحديد قال : تزعم الشيعة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم موته وأنّه سيّر أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلوا دار الهجرة منهما فيصفو الأمر لعليّ عليه‌السلام ويبايعه من تخلّف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبيعة الناس لعليّ عليه‌السلام بعده كانا من المنازعة والخلاف أبعد ؛ لأن العرب كانت تلتزم باتمام تلك البيعة ويحتاج في نقضها إلى حروب شديدة فلم يتم له ما قدّر وتثاقل أسامة بالجيش أياما مع شدّة حب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على نفوذه وخروجه بالجيش حتّى مات صلى‌الله‌عليه‌وآله وهما بالمدينة ، فسبقا عليّ إلى البيعة وجرى ما جرى (٢).

الرابع : عبد الجبار قاضي القضاة في كتاب «المغني» وهو من المتعصبين من العامّة روى في السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة ، أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال عند ولاية أسامة ، يولّى علينا شاب حدث ونحن مشيخة قريش. فقال عمر : يا رسول الله مرني حتّى أضرب عنقه فقد طعن في تأميرك إياه ، ثمّ قال عمر : أنا اخرج في جيش أسامة (٣).

الخامس : روى البلادري في تاريخه وهو معروف بالثقة والضبط وبرئ من ممالأة الشيعة ومقاربتها ، أن أبا بكر وعمر كانا معا في جيش أسامة (٤).

السادس : ابن أبي الحديد بعد أن ذكر أحاديث في الشرح تدلّ على النص على أمير المؤمنين بالخلافة والإمامة قال : إني سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له : ما أراها إلّا تكاد تكون دالة على النص ولكني استبعد أن يجتمع الصحابة على

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٥٩.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٦١.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١٧ / ١٧٧.

(٤) شرح نهج البلاغة : ١٧ / ١٧٧.

١١٢

دفع نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على شخص بعينه كما استبعدنا من الصحابة على ردّ نصّه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين. فقال رضى الله عنه : أبيت إلّا ميلا إلى المعتزلة ، ثمّ قال : إن القوم لم يكونوا يذهبون في الخلافة إلى أنها من معالم الدين ، وأنها جارية مجرى العبادات الشرعية ، كالصلاة والصوم ، ولكنهم كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية ، ويذهبون هذا مثل تأمير الأمراء وتدبير الحروب وسياسة الرعيّة وما كانوا يبالون في أمثال هذا من مخالفة نصوصه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأوا المصلحة في غيرها ، ألا تراه كيف نصّ على إخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة لم يخرجا لمّا رأيا في مقامهما مصلحة للدولة والملة وحفظا للبيضة ودفعا للفتنة ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخالف وهو حيّ في أمثال ذلك فلا ينكره ولا يرى به باسا (١).

قال مؤلف هذا الكتاب : إن قوله : إن أبا بكر وعمر خالفا نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا شك ولا ريب فيه ، وأما اعتذاره عنهما ولم يخرجا لمّا رأيا إلى آخره ، فاعتذار باطل ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنصح للملّة وأحفظ للبيضة فكيف يريان المصلحة للاسلام دونه صلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظا للبيضة بقعودهما ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرهما بالخروج والحث عليه ، لأن الله تعالى ورسوله أعلم بمصالح الإسلام والعباد لا أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من الطّغام والجهال ممن يقدم بين يدي الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

السابع : صاحب كتاب «سير الصحابة» قال : أوّل خلف وجد فيما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أخبرني به أبو عمر محمد بن أبي عمر قال : حدّثني سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي إلى «مؤتة» وهي الأرض التي قتل فيها جعفر الطيار ابن أبي طالب (رض) وتقدم إلى اسامة بالقتل والتحريق ، والخبر طويل فيما وصّاه به وأمّره على أهل السوابق من المهاجرين وغيرهم من الوجوه ، وعقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الراية بكفّه وأمر أبا بكر وعمر وعثمان أن يسيروا معه ولا لهما أمر ، فلمّا علما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ثقل في مرضه فارقا أسامة وتخلّفا عنه ورجعا إلى المدينة ، وسار اسامة ولم يتبعاه فصعب ذلك على المسلمين وقالوا : هذا وهو حيّ ناطق قد خالفاه في أمره دون الصحابة فكيف يكون الحال إذا مات(٢).

الثامن : صاحب سير الصحابة قال : أخبرنا الشيخ أبو الحسن عليّ قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا أبو يوسف يعقوب بن الجرمي قال : حدّثني أبو جيش الهروي قال : حدّثنا عبد الرزاق عن أبيه عن

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٨٢.

(٢) بمضمونه في مكاتيب الرسول : ٣ / ٦٨١.

١١٣

جدّه عن أبي سعيد الخدري قال : لما دخل عمر على أبي بكر قال له : اكتب الآن إلى المواضع وابدأ بأرض «مؤتة» إلى اسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره في أمر فيه على أهل السوابق من وجوه الصحابة وخرج معه أبو بكر وعمر وكانا من جملة أتباعه وهو المؤمّر عليهما وأمره أن يسير إلى «مؤتة» وهي الأرض التي قتل فيها جعفر ابن أبي طالب عليه‌السلام وتقدّم إليه بالقتل والتحريق في خبر طويل ورواه عمر بن شيبة ؛ وقد سمعنا هذا الحديث والرسالة أيضا من طرق شتى أنهم قالوا : لما علم أبو بكر وعمر بن الخطاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صورة الموت تشاوروا في التخلّف عن أسامة فاستأذن اسامة أن يقضيا في المدينة اشغالا يوما وقيل ثلاثة أيام ويلحقا به فأذن لهما ثمّ رحل ممثلا لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا أوّل خلف منهما ، فلمّا خرج عليّ من عند أبي بكر إلى اسامة ، كتب أبو بكر بسم الله الرّحمن الرحيم من خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبى بكر : يا أسامة فإن المسلمين اجتمعوا عليّ وفوّضوا أمرهم إليّ فاختاروني للإمامة عليهم والنظر في امورهم وحراسة أبنائهم لما عرفوه عندي من الرأفة بهم وإيثار الحسني فيهم وإن المسلمين لن يعدموا ذلك مني بالإحسان إليهم والتسوية في الحقّ من ضعيفهم وقويهم ، وقد عرف ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أمرك به المسير إلى «مؤتة» وما يجاورها من البلاد وما أوعز إليك من النهب والتحريق والقتل ، ولو لا أنّه أمرك به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وندبه إليك لأحببت أن أردّك عن هذا الوجه الذي سلّطك عليه لتكون أنت ومن تبعك من المسلمين في جملة من عندي من المهاجرين والأنصار ، فإن العرب قد ارتدّ أكثرها ورجعت عما عاهدت الله عليه ورسوله ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون واكتب إليّ به وامض إلى ما أمرك به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولبئس الشيء التشنّع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند فراقه مما يخالف أمره ونهيه ، وبئس الرأي ما بعد يستأثر به دونه ، إن رأيه صلى‌الله‌عليه‌وآله يعان بالتوفيق ، ورأينا شوب بالظن معقود على الوهم ، ومع ذلك اريدك أن تأذن لعمر (١) في مقامه عندي واستظهر به على أمري وما أحتاج إلى قيامه فيه ، فلا يعترضك معترض فيخرجك عما فيه المسلمون أو يزيّن لك الشيطان بعض الغرور فنقول كما قال أهل الغفلة :

لقد حنّ قدح ليس منها

والظن داب للبعيد عنها (٢)

واجر الامور على ظاهرها ولا تجاهرنا بما في نفسك فإن اللجاجة تجلب الغلبة ورأيي لك خير

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق : ٥ / ٤٨٢ ح ٩٧٧٧ ، وسيرة ابن حبان : ٤٢٧.

(٢) في شرح النهج وغيره : وطفق يحكم فيها من عليه الحكم.

١١٤

من ظنك والله ولي كل خير ، ثمّ امض على بركة الله تعالى واكتب إليّ بما تستمده من جهتي في رأي ومئونة فاني متشوّق إلى ما يصلني من خبرك حفظك الله ونصرك وأحسن العون لمن معك.

فأجابه : بسم الله الرحم الرحيم من أسامة بن زيد مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي بكر ابن أبي قحافة أما بعد ، فإن كتابك جاءني بما ينقض فيه الاخير الأوّل ويخالف القول فيه الفعال ، فتصفّحته تصفّح معجب مسلما إلى مشيئة الله تعالى في ساير الامور ، فسبحان الله من عجيب الغيب ولا عجب من أمر الله تعالى ، يا عجبا لك أتكتب في صدر كتابك من خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتشهد أن المسلمين استخلفوك وما كان لك أن تستخلف بأمر المسلمين فإن الخلافة ليست بمردودة إلى المسلمين ليستخلفوا عليهم من يريدون ، إنّما ذلك بالنص وبرضى الشورى ، فإذ اجتمعوا على واحد منهم كان لله فيه رضى وإذا وقع النصّ سقطت الشورى ، فإن كنت قد نسيت نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على غيرك فقد كان يجب عليك أن تجتمع مع إخوانك المشاركين لك في هذا الأمر وتشاورهم حتّى يستقر لك على ما تريد منهم ومنك ، فإن لم تكن فعلت ذلك فقد غششت نفسك وخنت أمانتك ودينك فكيف يستخلفك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قد نفذك معي في البعث إلى «مؤتة» ويؤمّرني عليك ويأمرك بالسمع لي والطاعة ، ترى ألم يعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه يموت وقد قال : اكتب لكم ما لا تختلفون بعدي ، وقد نصّها في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو الآمر عليك لا يحلّ لك أن تتطاول لها ، فكيف وأنت تحت أمري وكتابك يشهد عليك، وقد سألتني في أن آذن لعمر في القعود عندك ويا سبحان الله تعالى ما أعجب قولك إنك لا تحب أن تفتح نظرك فيما يخالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت في كل الامور على خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألم يأمرك بالخروج معي؟!

ألم يبعثك إلى المسير في حملتي؟!

ألم تدخل أنت وعمر لعيادته فلمّا راكما أنكر تخلفكما عن الخروج إلى معسكري حتّى اعتذرتما بالاستعداد وسألتماني النظرة يومين أو ثلاثة ، ثمّ أنفذت إليكما من يزعجكما بمثل ذلك ودخلتما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : نفّذوا جيش اسامة ، يكرر ذلك في الساعة الواحدة دفعات ، حتّى خرج أحدكما في بعض ذلك وهو يقول : إن محمدا ليهجر؟!

فكيف تدّعي أنّك لا تخالف أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت تخالف أوامره صلى‌الله‌عليه‌وآله لك؟ أو ما تستحيي من تقدّمك على أهل بيته وهو يقدّمهم ويؤخّرك بفضلهم وتقصيرك ، ويؤمّرهم عليك ولا أهل بيته يؤمّرك عليهم؟!

١١٥

ألم يسدّ بابك إلى المسجد ولم يسد بابهم؟ ألم [يقل وهو] يخطب : لا احلّ المسجد لجنب ولا حائض إلّا لمحمد وأزواجه وعليّ وفاطمة والحسن والحسين؟

ألم يخرج إليكم وأنتم نيام في المسجد فيضربكم بقضيب كان في يده وقال : لا تناموا في مسجدي ، فهل جعل عليّا معكم؟

أليس قال له : يا عليّ إنك لست منهم إنك يحلّ لك في المسجد ما يحل لي؟

ألم يواخ بينكم وبين الأنصار واحدا بعد واحد وقال لعليّ : أنت أخي في الدنيا والآخرة ولم يؤاخ أحدا منكم غير عليّ؟

أولم يقل وهو يخطب ويقل وهو غير خاطب : من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وفي أسباب اخرى أفرده بفضائل لم يكن له فيها مشارك؟

وكيف استجرأت أن تخالف الله ورسوله في هذا التخلف عن المسير معي؟

والله ما رجعتما عن المسير معي إلّا لهذا ولا شيء أعجب من إكراهك أهل السوابق والفضل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما لا يؤثرون ، وهجومك على بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهتك ستر بيته مستخرجا من لجأ إليها ممن لا قوة لك بأمره وانتهاكك حرمة ذلك البيت المبارك وحرمة ابنته وحرمة سبطيه، كأنك لا تعلم أن ذلك مهبط الوحي والروح الامين ومنزل الكتاب وموسى النبيّ وقواعد الرسالة وكأنك تطلب ثارا لك أو تعاند وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو ما تذكر ما كنت مجتهدا فيه من طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبتك إياه فثنتك نفسك وصدّك الشيطان عما رغبته فيه من طلب الرئاسة التي أرهقتك؟ أما تعلم أنك في ذلك بمنزلة من كان يرصد بفعله فرصة ينتهزها حتّى أخبر عن أنّه قال لابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إن بلغني أنك إن آويت أحدا من هؤلاء لأحرقنّ عليك البيت وعليهم ، فقالت : أنت محرق عليّ بيتي يا عمر؟

فقال لها : نعم ، أليس كان ذلك كلّه يا أبا بكر خديعة منك على الدنيا وشرّ من ذلك تقدمك على من هو خير منك؟ وهل في ذلك إلّا مقام تقوم فيه وأنت كثير الأعداء كثير التعب في مطعمك ومشربك ومرقدك غير مشكر من جميع المسلمين في ساير أعمالك ، كثير التعب بعد الراحة شديد الخوف قليل النوم وأعظم من ذلك خاتمة أمرك التي تقصر بك عن معاينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم لا يقبل عذرك ولا ترحم عبرتك ، وقد كنت عن ذلك غنيا ومنه بريا فاذهب بها شنيعة المنتظر قبيحة

١١٦

المخبر عند من تعلم غدا فأنت والله الناكث لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة بغصبك ما كان لعليّ بن أبي طالب وهو مولى عليك ، ومرّة عصيانك أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لتأميري عليك ، واقسم بالله لا متّ إلّا وأنت نادم على ذلك متأسف على ما صنعته حزين لما فرطت فيه ، وما أقول بهذا اريد عطفك ولا أبغي صرفك ولكنه حقّ للمسلمين في تقويمك إذا ذللت وإرشادك إذا ضللت ، وأما ما ضربت مثل اللقاح والناقة الضجور فكن في ذلك بردا وسلاما غلست بالنبي تضرب للمسلمين بعضهم من بعض ، ولكني إذا رجعت اجتمعت مع إخواني المسلمين فاحدث ما أحدثوا وأترك ما تركوا ولا يضحك إليك سبق ولا تخلص إليك طويتي ، وعلى يقين أقول لك : لقد اسقطت بعملك هذا ما سبق من علمك ولو لا خبابه ما كنت عصيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ونكثت عهده بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله وأما ما التمسته منّي من الإذن لعمر فقد أذن هو لنفسه وغدا احاججك يا أبا بكر عند ملك حكيم تأمر عمر بالجلوس عن المسير معي بغير إذني ولا عقل لك منعك عن السؤال لي في حقّه ، فكيف يرضى المسلمون هذا؟

لم لم تحكم على عمر وهو مثلك عبدا مأمورا فكيف يحكم على مولاه ، وأنا اليوم مولاك الأصغر باستئذانك لي ؛ لأنه لا يستأذن العبد إلّا مولاه وقد استأذنتني لعمر وما أذنت لك ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام مولاي ومولاكما الأكبر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون مع الاجتماع سترون عما يكون ، فلعن الله عبدا عق مولاه وصلّى الله على سيّدنا محمد النبيّ عليّ بن أبي طالب وآلهما أجمعين. وختم الكتاب وأنفذه إلى أبي بكر وعمر وقالا : لندبرنّ في غيره حتّى يراه ومكانه.

قال صاحب الحديث : فلمّا تم لأبي بكر وعمر وسمعا من اسامة ما سمعا شرع أبو بكر في أخذ فدك والعوالي ، وهما حديقتان أخذتهما فاطمة عليها‌السلام بحقها من الغنائم قبل وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعامين وأربعة أشهر فأبرز أبو بكر سيّدة نساء العالمين عن خدرها ، وساق الحديث بذكر فدك والعوالي والحديث طويل(١).

فصل في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما ، وروى ذلك في أبي بكر.

التاسع : من الجزء الرابع من صحيح مسلم في ثاني كراسة قال : حدّثني [وهب بن] بقية قال : حدّثني خالد بن عبد الله عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا

__________________

(١) لم نجده في المصادر.

١١٧

بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما (١).

العاشر : قال صاحب كتاب «سير الصحابة» الخلف الخامس في التقدم والإمامة : فاظهر الله الضغائن الخفيّة في بواطنهم عند الموت وتركوا وصيّة نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الغدير وغيره منها في تبوك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا عليّ خير البشر من شك فيه فقد كفر ، ومنها في يوم الأحزاب وفي يوم خيبر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله: لأعطينّ الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وفي يوم الأبطح وسلام الشمس عليه ، ومخاطبته بامرة المؤمنين ، وتأميره على العساكر التي نفذت إلى اليمين ، ويوم المباهلة ، ويوم بئر ذات العلم ، وفي يوم الوادي إلى الجنّ وقد بعث أبا بكر فعاد ناكصا وعمر وعثمان وخمسة عشر نفرا من الصحابة وكلّهم رجعوا ناكصين إلّا عليّا عليه‌السلام ، وفي يوم البساط وهو قطيف الارجوان وأبو بكر وعمر والجماعة معه ، ويوم بيت أبي بكر يوم البرمة والقول لأبي بكر وعائشة خاصة لأن الكلم كان في بيتهم ، وفي يوم سلام الجنّ ، وفي ليلة خالد بن الوليد وخطاب عليّ عليه‌السلام النخلة اليابسة فأينعت الجنيّ من الرطب ، وفي كلام الله تعالى مما حذفوه وما بقي ، وفي يوم التزويج والآيات التي ظهرت يوم فاطمةعليها‌السلام في مواضع أعجز عن إحصائها مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ظالمو أهل بيتي في النار ، وبالصدقة في مناجاة الرسول ولم يوفق لها أحد إلّا عليّ عليه‌السلام ، وصدقة الخاتم وتوليته الحكومة.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سبّ عليّا فقد سبني ومن سبني فقد سبّ الله ومن سبّ الله أكبّه الله على منخريه في النار ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ سيّد الأوصياء وأنا سيّد الأنبياء فأهملوا الله ورسوله وركبوا الهوى وتنازعوا في التقديم حتّى قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فلمّا قال الجماعة لسعد بن عبادة ذلك ، بعث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال له : والله رمتها ولا يكون أحد أحق منك بها ، فبعث إليه الإمامعليه‌السلام وقال : إني لفي شغل عنها فشأنك والقوم سيقضي الله أمرا كان مفعولا ، وأراد الإمام أن يعلمهم بما تريد فتساهمت المهاجرون والأنصار مع الأوس والخزرج فوقعت ثلاث مرات على الأوس والخزرج فخرج أبو بكر إلى سعد ، وتساهموا ثلاث مرات فتقع على سعد ، فأول من بايع لسعد أبو بكر وعمر وعثمان والمهاجرون والأنصار وصلّى بالناس سعد ثلاث صلوات الفجر والظهر والعصر وتفرّق عنه أصحابه ، فكان قد كتب سبعين كتابا إلى المواضع التي كان قد ولّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لكل واحد منهم : إنك على ما ولّاك عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه مات ووليت الأمر ،

__________________

(١) صحيح مسلم : ٦ / ٢٣.

١١٨

وأحضر سعد ما كان في بيت المسلمين فعزل الخمس منه وأنفذه إلى عليّ عليه‌السلام وقال : بذلك أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قسم الباقي على المسلمين كما كان يقسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ أحضر من ماله مائتي ألف دينار ثيابا وغنما ونفذ الخمس منه إلى عليّ عليه‌السلام ثمّ قسم الباقي على سائر الصحابة كما كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشق ذلك على أقوام ودخلوا عليه المسجد وقد تفرّقت عنه أصحابه وبنو عمه وسبّوه وثاروا عليه وداسوه بأرجلهم حتّى اختنق ، وفي حديث آخر أنه بقى أياما ولكزوا عليه رجلين فكمنّا له في ظاهر المدينة ثمّ رمياه بسهمين فقتلاه ، وذكروا بزعمهم (١) أن الجنّ قتلوه وانشدوا هذا الشعر :

قد قتلنا ملك الخزرج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمين فلم يخط فؤاده

والحديث الأوّل أصح عندي وعند أهل التواريخ ، وماج الناس من أصحاب السقيفة وتحالفوا نوبة ثانية على أن كل من خالف أبا بكر قتلوه ، ثمّ خرج أبو بكر طالبا المسجد خاطبا لنفسه في اليوم الذي بايع فيه لسعد بن عبادة ، واجتمع الناس لها من كل مكان وأكثروا القال والقيل ، وأنكر عليه اثنا عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار.

الحادي عشر : صاحب «سير الصحابة» قال : حدّثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن موسى الهمداني عن محمد بن عليّ الطالقاني عن جعفر الكناني عن أبان بن تغلب قال : قلت لسيدي جعفر الصادق عليه‌السلام جعلت فداك هل في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنكر عليه؟ قال : نعم يا أبان الذي أنكر على الأوّل اثنا عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار فمنهم خالد بن سعيد بن العاص الأموي وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمّار بن ياسر والمقداد بن الاسود الكندي وبريدة الاسلمي ومن الأنصار قيس بن سعد بن عبادة وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وسهل بن حنيف وأبو الهيثم التيهان وابيّ بن كعب وأبو أيوب الأنصاري هؤلاء اجتمعوا وتشاوروا وعزموا أنّهم إن صعد أبو بكر منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحطونه ، والحديث طويل ليس هنا موضع ذكره ؛ لأن كل من هؤلاء الاثني عشر احتجّ على أبي بكر مما لا ينكره من النصوص عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ عليه‌السلام بالامامة والخلافة واحتجوا على أبي بكر بها (٢).

__________________

(١) ذكر في العقد الفريد : ٤ / ٢٤٧ ط. دار الاحياء أن الذي قتل سعد هو عمر بارسال شخص وقيل أنّه خالد ، وذكره البلاذري في انساب الاشراف : ١ / ٥٨٩ ح ١١٩٣ ط. مصر.

(٢) أقول : وها أنا أذكر لك تصريحهم وتصريح غيرهم بذلك :

١١٩

__________________

تصريح الصحابة بأحقيّة عليّ عليه‌السلام

تصريح الإمام الحسن بن عليّ عليه‌السلام :

أخرجه أبو الفرج الأصفهاني في «مقاتل الطالبيين» : قال عليه‌السلام في رسالته لمعاوية : «فلمّا توفيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش : نحن قبيلته واسرته وأولياؤه ... ثمّ حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها ... واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا ، فالموعد الله وهو الولي النصير. وقد تعجبنا لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به ، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده ، فاليوم فليعجب المتعجّب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله» (مقاتل الطالبيين : ٦٥ ذكر الخبر في بيعة الحسن بعد وفاة أمير المؤمنين ، وأهل البيت لتوفيق أبي علم : ٣١٣ رسالة الإمام إلى معاوية).

* أقول : وللإمام الحسن مقولة مشهورة لأبي بكر : «انزل عن منبر أبي» (السقيفة : ٦٦ ، وشرح النهج : ٦ / ٤٢ الخطبة ٦٦ ، وأنساب الأشراف : ٣ / ٢٧ ، ومقتل الخوارزمي : ١ / ٩٣ ، وكنز العمال : ٥ / ٦١٦ ح ١٤٠٨٥ و ١٣ / ٦٥٤ ح ٣٧٦٦٢ ، وكفاية الطالب : ٤٢٤).

تصريح الحسين بن عليّ عليهما‌السلام

وذلك في قوله لعمر : «انزل عن منبر أبي» (تاريخ دمشق : ١٤ / ١٧٥ ترجمة الحسين عليه‌السلام ، وكنز العمال : ٥ / ٦١٦ ح ١٤٠٨٥ و ١٣ / ٦٥٤ ح ٣٧٦٦٢).

تصريح فاطمة بنت محمد عليها‌السلام

كانت فاطمة بنت محمد المدافع الأوّل عن نبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ عن خلافته التي قضى عمره الشريف في تبليغ الاسلام وبالخلافة يحفظ الاسلام ، فكانت صلوات الله عليها تخرج مع عليّ عليه‌السلام تدعو لنصرته (الإمامة والسياسة : ١ / ٢٩).

وقد أبرزت ذلك بقولها في مواقف عدة ، من ذلك ما قالته صلوات الله عليها في خطبتها في مجلس أبي بكر بعد وفاة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء فيها :

«... حتّى إذا اختار الله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دار أنبيائه ظهرت حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ،

١٢٠