الباب الثالث والعشرون والمائة
في المنادي يوم بدر : «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ»
من طريق العامّة ، وفيه ثلاثة أحاديث
الأوّل : الفقيه ابن المغازلي الشافعي قال : حدّثنا أبو موسى عيس بن خلف بن الربيع الأندلسي قدم علينا واسطا سنة أربع وثلاثين وأربعمائة قال : حدّثنا أبو الحسين عليّ بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل قال : قرأ على أبي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي قال : حدّثني الحسن بن عرفة قال : حدّثني عمّار بن محمد بن الأشعث بن محمد عن سعد بن طريف عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال : «نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان : لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ»(١).
الثاني : ابن المغازلي هذا قال : أخبرنا أبو القاسم الفضل بن محمد بن عبد الله الأصفهاني ، قدم علينا واسطا في شهر رمضان من سنة أربع وثلاثين وأربعمائة إملاء في جامع واسط قال : أخبرنا محمد بن عليّ قال : أخبرنا محمد بن عبد الله قال : حدّثنا الهيثم بن خلف قال : حدّثنا عليّ بن المنذر قال : حدّثنا ابن فضل قال : حدّثنا عمر بن ثابت عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع قال : نادى يوم احد : «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ» (٢).
الثالث : السمعاني في كتاب (فضائل الصحابة) بالإسناد ، قال عن طريف الحنظلي ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ ، قال : «نادى ملك من السماء يقال له : رضوان ، لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ».
__________________
(١) مناقب ابن المغازلي / ١٤٠ / ح ٢٣٥.
(٢) مناقب ابن المغازلي / ١٤٠ / ح ٢٣٤.
الباب الرابع والعشرون والمائة
في المنادي يوم بدر : «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ»
من طريق الخاصّة وفيه حديثان
الأوّل : ابن بابويه في أماليه قال : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمهالله قال : حدّثني أبي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد ومحمد بن أبي الصهبان عن محمد بن أبي عمير عن آبان بن عثمان ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام عن أبيه ، عن جدّه قال : «إن أعرابيا أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرج إليه برداء ممشق فقال : يا محمد لقد خرجت إليّ كأنك فتى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : نعم يا أعرابي أنا الفتى بن الفتى وأخو الفتى ، فقال الأعرابي : أمّا الفتى فنعم ، فكيف ابن الفتى وأخو الفتى؟
فقال صلىاللهعليهوآله : أما سمعت الله عزوجل يقول : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (١) فأنا ابن إبراهيم ، وأمّا أخو الفتى فإنّ مناديا ينادي يوم احد : لا فتى إلّا عليّ ولا سيف إلّا ذو الفقار ، فعليّ أخي وأنا أخوه» (٢).
الثاني : ابن الفارسي في روضة الواعظين قال : قال جعفر بن محمد عليهالسلام : «نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له : الرضوان ، لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ» (٣).
__________________
(١) الأنبياء : ٦٠.
(٢) أمالي الصدوق : ٢٦٧ / مجلس ٣٦ / ح ١٣.
(٣) روضة الواعظين : ١٢٨.
الباب الخامس والعشرون والمائة
في معرفة الملائكة لأمير المؤمنين عليهالسلام في السماوات
من طريق العامّة وفيه خمسة أحاديث
الأوّل : ابن شهرآشوب من طريق العامّة عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (١) قال : «كان جبرائيل عليهالسلام جالسا عند النبيّ صلىاللهعليهوآله على يمينه إذ أقبل عليّ بن أبي طالب ، فضحك جبرائيل فقال : يا محمد هذا عليّ بن أبي طالب قد أقبل فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا جبرائيل ، وأهل السماوات يعرفونه؟
قال : يا محمد والذي بعثك بالحقّ نبيّا إنّ أهل السماوات لأشدّ معرفة له من أهل الأرض ، ما كبّر تكبيرة في غزوة إلّا كبّرنا معه ، ولا حمل حملة إلّا حملنا معه ، ولا ضرب بسيف إلّا ضربنا معه ، إن اشتقت إلى وجه عيسى وعبادته وزهد يحيى وطاعته وملك سليمان وسخاوته فانظر إلى وجه عليّ ابن أبي طالب ، وأنزل الله : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) يعني شبها لعليّ بن أبي طالب ، وعليّ بن أبي طالب شبها لعيسى ابن مريم (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (٢) يعني يضجون ويعجبون» (٣).
الثاني : من مسند أحمد بن حنبل روى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن عبد الله بن الحسن الحرّاني، حدّثنا سويد بن سعيد عن حسن عن ابن عباس قال : ذكر عنده عليّ بن أبي طالب فقال : إنّكم لتذكرون رجلا كان يسمع وطء جبرائيل فوق بيته (٤).
الثالث : يحيى بن عبد الحميد بإسناده عن ابن عباس أنه سئل عن عليّ بن أبي طالب فقال : ما تسألون عن رجل طالما يسمع وقع جبرائيل فوق بيته؟
وروى نحوا منه أحمد في الفضائل وقد خدمه جبرائيل عليهالسلام في عدّة مواضع.
الرابع : كتاب الفتح المبين في كشف اليقين في شرح دوحة المعارف تصنيف أبي عبد الله محمد ابن عليّ بن الحكيم الترمذي من رجال العامّة نقله عن صاحب بحر المعارف قال صلىاللهعليهوآله : «أوّل
__________________
(١) الزخرف : ٥٧.
(٢) الزخرف : ٥٧.
(٣) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٧٤.
(٤) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / / ٦٥٣ / ح ١١١٢.
من اتخذ عليّ بن أبي طالب أخا من أهل السماء إسرافيل ثمّ ميكائيل ثمّ جبرائيل ، وأوّل من أحبه منهم حملة العرش ، ثمّ رضوان خازن الجنّة ثمّ ملك الموت ، يترحّم على محبّي عليّ بن أبي طالب ، كما يترحم على الأنبياء» (١).
الخامس : الترمذي في كتابه هذا قال : في التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري رضى الله عنه وعن آبائه الكرام وأجداده العظام : «بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله جيشا ذات يوم لغزاة ، وأمر عليّا رضى الله عنه عليهم ، وما بعث جيشا فيهم عليّ إلّا جعله أميرهم ، فلمّا غنموا رغب عليّ عليهالسلام أن يشتري من جملة الغنيمة جارية ، فجعل ثمنها في جملة الغنائم ، وكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي وزايداه ، فلمّا نظر إليهما يكايدانه نظر إليهما إلى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك ، فلمّا رجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقف بريدة قدّام رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : يا رسول الله ألم تر أن ابن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين ، فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوآله فجاء عن يمينه فقالها ، فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوآله فجاء عن يساره فقالها فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله غضبا شديدا لم ير قبله ولا بعده غضب مثله ، وتغيّر لونه وانتفخت أوداجه وارتعدت أعضاؤه وقال : «ما لك يا بريدة آذيت رسول الله أما سمعت الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٢)» الآية قال بريدة : يا رسول الله ما علمت إنّي قصدتك بأذى ، قال رسول الله : «أو تظن يا بريدة أنّه لا يؤذيني إلّا من قصد ذات نفسي؟ أما علمت أن عليّا منّي وأنا منه ، وإنّ من آذى عليّا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنّم ، أنت أعلم أم الله عزوجل؟
أنت أعلم أم قرّاء اللوح المحفوظ؟
أنت أعلم أم ملك الأرحام»؟
قال بريدة : بل الله أعلم ، [قال : أنت أعلم أم] قرّاء اللوح المحفوظ أعلم؟ [أنت أعلم أم] ملك الأرحام أعلم؟!.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «فأنت أعلم يا بريدة أم حفظة عليّ بن أبي طالب»؟
قال : بل حفظة علي بن أبي طالب.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «فكيف تخطّئه وتلومه وتوبّخه وتشنّع عليه في فعله وهذا جبرائيل أخبرني عن حفظة عليّ أنّهم ما كتبوا عليه خطيئة منذ ولد ، وهذا ملك الأرحام حدّثني أنّهم كتبوا قبل أن
__________________
(١) انظر : المناقب للموافق الخوارزمي : ٧٢ ح ٤٩.
(٢) الأحزاب : ٥٧.
يولد حين استحكم في بطن أمّه أنّه لا يكون له خطيئة أبدا ، وهؤلاء قرّاء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة اسري بي أنّهم وجدوا في اللوح المحفوظ : عليّ المعصوم من كلّ خطأ وزلّة ، فكيف تخطّئه أنت يا بريدة وقد صوّبه ربّ العالمين والملائكة من المقرّبين ، يا بريدة لا تعرض لعليّ بخلاف الحسن الجميل فإنّه أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين» إلى أن قال : «هيهات إنّ قدر عليّ عليهالسلام عند الله أعظم من قدره عندكم» (١).
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ١٣٦ / ح ٧٠.
الباب السادس والعشرون والمائة
في معرفة الملائكة أمير المؤمنين عليهالسلام في السماوات
من طريق الخاصّة وفيه حديث واحد
محمد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن اذينة عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال : «قال : ما تروي هذه الناصبة»؟
فقلت : جعلت فداك في ما ذا؟
فقال : «أذانهم وركوعهم وسجودهم».
فقلت : إنّهم يقولون إنّ ابي بن كعب رآه في النوم.
فقال : «كذبوا ، إن دين الله ـ عزوجل ـ أعزّ من أن يرى في النوم».
فقال له سدير الصّيرفي : جعلت فداك فأحدث لنا منه ذكرا.
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «إنّ الله عزوجل لمّا عرج بنبيّه صلىاللهعليهوآله إلى سماواته السبع ، أمّا أوّلهنّ فبارك عليه ، وأمّا الثانية علّمه فرضه ، والثالث فأنزل الله محملا من نور فيه أربعون نوعا من أنواع النور كانت محدقة بعرش الله تغشى أبصار الناظرين.
أمّا واحد منها فأصفر فمن أجل ذلك اصفرّت الصفرة ، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرّت الحمرة ، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيضّ البياض والباقي على سائر عدد خلق الله من النور والألوان ، في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضّة فجلس فيه.
ثمّ عرج به إلى السماء الدنيا فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت : سبّوح قدّوس ، ربّنا ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا.
فقال جبرائيل : الله أكبر ، الله أكبر ، فسكتت الملائكة ، وفتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة فسلّمت على النبيّ صلىاللهعليهوآله أفواجا.
وقالت : يا محمّد كيف أخوك (١)؟ إذا نزلت فأقرئه السلام.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أفتعرفونه (٢)؟
__________________
(١) في نسخة : «قال : بخير ، قالت : فإذا أدركته».
(٢) في نسخة «أفتعرفوه».
فقالوا : وكيف لا (١) نعرفه وقد أخذ الله عزوجل ميثاقك وميثاقه منّا وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا ، ـ يعنون في وقت كلّ صلاة ـ.
وإنّا لنصلّي عليك وعليه.
ثمّ زادني ربي أربعين نوعا من أنواع النور (٢) لا يشبه النور الأوّل وزادني حلقا وسلاسل ، ثمّ عرج بي إلى السماء الثانية فلمّا قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا! فقال جبرئيل عليهالسلام : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فاجتمعت الملائكة وفتحت أبواب السماء وقالت : يا جبرئيل من هذا معك؟
فقال : هذا محمّد صلىاللهعليهوآله.
قالوا : وقد بعث؟
قال : نعم.
قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : فخرجوا إليّ شبه المعانيق فسلّموا عليّ.
وقالوا : اقرأ أخاك السلام.
قلت : أتعرفونه؟
قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه (٣) وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا ـ يعنون في وقت الصلاة ـ.
قال : ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا تشبه الأنوار الاولى.
ثمّ عرج بيّ إلى السماء الثالثة ، فتفرّقت الملائكة وخرّت سجّدا ، وقالت : سبّوح ، قدّوس ، ربّ الملائكة ، والروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا؟
فقال جبرئيل عليهالسلام : أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، فاجتمعت الملائكة ، وقالت : مرحبا بالأوّل ، ومرحبا بالآخر ، ومرحبا بالحاشر ، ومرحبا بالناشر ، محمد خير النبيين، وعليّ خير الوصيين.
ثمّ سلّموا عليّ وسألوني عن أخي ، قلت : هو في الأرض خليفتي (٤) أفتعرفونه؟
قالوا : وكيف لا نعرفه وقد نحج البيت المعمور في كلّ سنة وعليه رقّ أبيض فيه اسم
__________________
(١) وفي نسخة «لم».
(٢) في نسخة : «من ذلك النور».
(٣) يمكن أن داره سؤالهم لزيادة الاطمئنان.
(٤) خليفتي ليست في المصدر.
محمد صلىاللهعليهوآله ، واسم عليّ ، والحسن ، والحسين ، والأئمّة : وشيعتهم إلى يوم القيامة.
وإنّا لنبارك عليهم كلّ يوم وليلة خمسا يعنون في وقت كلّ صلاة يمسحون رءوسهم بأيديهم.
قال : ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأول.
ثمّ عرج بي حتّى انتهيت إلى السماء الرابعة فلم تقل الملائكة شيئا ، وسمعت دويّا كأنّه في الصدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إليّ شبه المعانيق فقال جبرائيل : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فقالت الملائكة : صوتان مقرونان معروفان ، فقال جبرائيل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته إلى يوم القيامة.
ثمّ اجتمعت الملائكة وقالوا : كيف تركت أخاك؟
قلت لهم : أو تعرفونه؟
قالوا : نعرفه وشيعته ، وهم نور حول عرش الله ، وإنّ في البيت المعمور رقّا من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد ، وعليّ ، والحسن ، والحسين ، والأئمّة ، وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل ، وإنّه لميثاقنا ، وإنه ليقرأ علينا في كلّ يوم جمعة.
ثمّ قيل لي : ارفع رأسك يا محمد ، فرفعت رأسي فإذا أطباق قد خرقت وحجب قد رفعت.
ثمّ قال لي : طأطئ رأسك ، انظر ما ترى ، فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت لو ألقيت شيئا من يدي لم يقع إلّا عليه ، فقيل لي : يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصلّ لربّك ، فدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله من صاد ـ وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ـ فتلقّى رسول الله صلىاللهعليهوآله يده اليمنى فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمنى.
ثمّ أوحى الله عزوجل إليه أن اغسل وجهك فإنّك تنظر إلى عظمتي ، ثمّ اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنّك تلقى بيدك كلامي ، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي بيديك من الماء ، ورجليك إلى كعبيك ، فإنّي أبارك عليك وأوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك فهذا علّة الأذان والوضوء.
ثمّ أوحى الله عزوجل إليه : يا محمد استقبل الحجر الأسود وكبّرني على عدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا لأن الحجب سبع فافتتح انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنة والحجب متطابقة ، بينهن بحار النور ، وذلك النور الذي أنزله الله على محمد ، فمن ذلك صار الافتتاح ثلاث مرّات ، لافتتاح الحجب ثلاث مرّات فصار التكبير سبعا ، والافتتاح ثلاثا ،
فلمّا فرغ من التكبير ، والافتتاح ، أوحى الله إليه : سمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة.
ثمّ أوحى الله إليه أن احمدني ، فلمّا قال : الحمد لله ربّ العالمين ، قال النبيّ في نفسه : شكرا فأوحى الله عزوجل ، قطعت حمدي ، فسمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرّتين ، فلمّا بلغ ولا الضالين قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : الحمد لله رب العالمين شكرا ، فأوحى الله إليه أن قطعت ذكري ، فسمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة.
ثمّ أوحى الله عزوجل : اقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (١) ثمّ أمسك عنه الوحي فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كذلك الله ، كذلك ربّنا فلمّا قال ذلك أوحى الله إليه : اركع لربك يا محمد فركع ، فأوحى الله تعالى وهو راكع قل : سبحان الله ربّي العظيم ، ففعل ذلك ثلاثا ، ثمّ أوحى الله أن ارفع رأسك يا محمد ، ففعل رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقام منتصبا فأوحى الله عزوجل إليه أن اسجد لربّك يا محمد ، فخرّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ساجدا فأوحى الله عزوجل إليه قل : سبحان ربّي الأعلى ، ففعل صلىاللهعليهوآله ذلك ثلاثا.
ثمّ أوحى الله أن استو جالسا يا محمد ففعل ، فلمّا رفع رأسه من سجوده واستوى نظر إلى عظمته تجلّت له ، فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر امر به ، فسبّح أيضا ثلاثا فأوحى الله انتصب قائما ، ففعل فلم ير ما كان يرى من العظمة ، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين.
ثمّ أوحى الله عزوجل إليه : اقرأ يا محمد : الحمد لله فقرأها مثل ما قرأ أولا ثمّ أوحى الله إليه اقرأ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرّة الاولى ، ثمّ سجد سجدة واحدة ، فلمّا رفع رأسه تجلّت له العظمة فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر امر به فسبّح أيضا ، ثمّ أوحى الله إليه ، ارفع رأسك يا محمد ثبّتك ربّك ، ثمّ ذهب ليقوم قيل : يا محمد اجلس فجلس فأوحى الله : يا محمد [إذا ما أنعمت عليك فسمّ باسمي ، فألهم أن قال : بسم الله وبالله ولا إله إلّا الله والأسماء الحسنى كلّها لله. ثمّ أوحى الله إليه يا محمد] صلّ على نفسك وعلى أهل بيتك ، فقالصلىاللهعليهوآله : صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي وقد فعل.
ثمّ التفت فإذا بصفوف من الملاءة والمرسلين والنبيّين فقيل : يا محمد سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه : أن السلام والتحيّة والرحمة والبركات أنت وذرّيتك.
__________________
(١) الإخلاص : ٣ ـ ٤.
ثمّ أوحى الله إليه أن لا يلتفت يسارا ، وأوّل آية سمعها بعد (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) (٢) آية أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكرا.
وقوله : سمع الله لمن حمده ، لأن النبيّ صلىاللهعليهوآله سمع ضجة الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل فمن أجل ذلك قال : سمع الله لمن حمده ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلّما أحدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما ، فهذا هو الفرض الأوّل في صلاة الزوال ، يعني صلاة الظهر» (٣).
وروى هذا الحديث ابن بابويه أيضا في كتاب العلل قال : حدّثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا محمد بن عيس بن عبيد عن محمد بن أبي عمير ومحمد بن سنان عن الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان مؤمن الطاق وعمر بن اذينة عن أبي عبد الله عليهالسلام.
ورواه محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله قالا : حدّثنا محمد بن الحسن بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن عبد الله بن جبلة عن الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان الأحول وعمر بن اذينة عن أبي جعفر عليهالسلام (٤) أنّهم حضروه وساق الحديث وفيه بعض التغيير اليسير (٥).
__________________
(١) الإخلاص : ١.
(٢) القدر : ١.
(٣) الكافي : ٣ / ٤٨٣ ، ح ١.
(٤) في المصدر : أبي عبد الله عليهالسلام.
(٥) علل الشرائع : ٢ / ٣١٢ ، باب ١ ، ح ١.
الباب السابع والعشرون والمائة
في قضاء عليّ عليهالسلام دين رسول الله صلىاللهعليهوآله وعداته وعجز أبي بكر
من طريق العامّة وفيه ثلاثة أحاديث
الأوّل : محمد بن عليّ الحكيم الترمذي من أعيان علماء العامّة قال : في كتابه المسمّى ب (بفتح المبين في كشف حقّ اليقين) في شرح دوحة المعارف قال : روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ عليّا وصيّي ووارثي» ، رواه صاحب الفردوس (١) عن أنس بن مالك قلنا لسلمان أن سل النبيّ صلىاللهعليهوآله من وصيّه.
فسأله فقال : «يا سلمان وصيّي ووارثي من يقضي ديني وينجز وعدي عليّ بن أبي طالب».
رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (٢) وقال صلىاللهعليهوآله : عليّ منّي وأنا من عليّ ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ» ، رواه صاحب بحر المعارف قدسسره.
وروي أن أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ قد أدّى سبعين ألفا من دينه وكان أكثره من الموعود ، كذا في كتاب الأوصال.
وروي عن الصادق عليهالسلام وبعض من تصدّى لجمع مناقبه رضى الله عنه أنّه قال : «كان عليّ رضى الله عنه يأمر مناديا ينادي في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله : ألا من كان له دين أو عدة فليأت عليّا يقضي دينه وينجز وعده» ، فأقبل الناس من كلّ ناحية إلى عليّ رضى الله عنه فيقضيهم في كلّ ما يدعونه من غير بيّنة ولا يمين ، وينجز جميع عدته ، فأقبل الناس أفواجا فقال أبو بكر لعمر : أرى الناس أفواجا يقبلون على عليّ ، يقضيهم ديون رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وينجز وعده من غير بيّنة ولا يمين ، فليت شعري من أين له هذا المال وقد منعناه فدك ، والخمس ، والفيء؟!
فقال عمر : أنت أكثر منه مالا فناد مثل ما نادى ، فأمر أبو بكر مناديا ينادي ، ألا من كان له عند رسول الله صلىاللهعليهوآله دين أو عدّة فليأت أبا بكر ليقضي دينه وينجز وعده ، فأقبل جابر بن عبد الله الأنصاري وجرير بن عبد الله البجلي فذكر له دينا وعدة عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فقضاهما من غير بيّنة
__________________
(١) الفردوس : ٣ / ٣٣٦ ، ح ٥٠٠٩.
(٢) السلسلة الصحيحة : ٣ / ٦٣١ ح ١٩٨٠.
ولا يمين.
فأقبل أعرابي إلى المدينة حتّى انتهى إلى منادي أبي بكر ينادي : ألا من كان له عند رسول الله دين أو عدة فليأت أبا بكر خليفة رسول الله ليقضي دينه وعدته.
فأقبل الأعرابي إلى أبي بكر فسلّم عليه وقال له : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وعدني بمائتي ناقة حمر سود الحدق بأزمّتها وأداتها ، فنظر أبو بكر إلى عمر وأصحابه فقال عمر : يا أعرابي ما هذه النوق على هذه الصفة توجد في الدنيا.
فقال الأعرابي : يا عجبا ، أيعدني رسول الله صلىاللهعليهوآله بعدة لا توجد؟
فقالوا : هذا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أخو نبي الله يدعو الناس إلى قضاء دينه وإنجاز وعده فسر إليه ، فمضى الأعرابي إلى عليّ رضى الله عنه وذكر له فقال عليّ رضى الله عنه : «إذا كان غدا فأعدّ لك ذلك إن شاء الله تعالى» ، فانصرف الأعرابي وهو يقول : هذا والله أخو رسول الله حقّا ، هذا والله قاضي دين رسول الله حقّا ، والمنجز لعداته حقّا ، وأتصل الخبر إلى أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار فعجبوا من قول أمير المؤمنين رضى الله عنه ، فلمّا أصبح الأعرابي أقبل نحو عليّ رضى الله عنه فبعث ابنه الحسن رضى الله عنه فقال : «أخرج مع الأعرابي إلى وادي الصبرة ، وادي الجنّ فناد : معاشر الجن ، أنا الحسن بن عليّ وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يأمركم أن تنجزوا عدة رسول الله صلىاللهعليهوآله لهذا الأعرابي وهي مائتا ناقة حمر سود الحدق بأزمّتها وأداتها» (١).
ففعل الحسن فما أتمّ كلامه حتّى أقبلت القطارات من الوادي بأزمّتها ، وكان قد خرج مع الحسن إبراهيم بن معاد وعبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود وأبو ذرّ الغفاري وعدّة من المهاجرين والأنصار، فانصرفوا وتحدّثوا بما شاهدوا ، وهذا من عجائب الكرامات ، والله تعالى أعلم (٢).
الثاني : موفّق بن أحمد قال : روى عمر بن خالد قال : حدّثني زيد بن عليّ وهو آخذ بشعره قال: حدّثنا عليّ بن الحسين وهو آخذ بشعره قال : حدّثنا الحسين بن عليّ وهو آخذ بشعره قال : «حدّثني الحسن بن عليّ وهو آخذ بشعره قال : حدّثني عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وهو اخذ بشعره قال : حدّثني رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو آخذ بشعره قال : يا عليّ من آذى شعرة منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات وملء الأرض» (٣).
__________________
(١) في الثاقب : وأثقالها.
(٢) الهداية الكبرى للخصيبي بتفاوت : ١٥٣ ـ ١٥٤ ط. مؤسسة البلاغ ، والثاقب في المناقب لابن حمزة : ١٣٣.
(٣) المناقب : ٣٢٨ / ح ٣٤٤.
الثالث : ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إن الله عزوجل زوّجك فاطمة وجعل صداقها الأرض ، فمن مشى عليها مبغضا لك مشى حراما» (١).
حدّثنا أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يا عليّ أنت تبيّن لامّتي ما اختلفوا فيه من بعدي ، يا عليّ أنت تغسل جثّتي وتؤدّي ديني وتواريني في حفرتي وتفي بذمّتي ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة» (٢).
وهذا الباب واسع الذيل مضت فيه الأحاديث من طريق الخاصّة والعامّة فليؤخذ من هناك.
__________________
(١) المناقب : ٣٢٨ / ح ٣٤٥.
(٢) المناقب : ٣٢٩ / ح ٣٤٦.
الباب الثامن والعشرون والمائة
في قضاء دين رسول الله صلىاللهعليهوآله وعداته
من طريق الخاصّة وفيه ثلاثة أحاديث
الأوّل : ابن حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عليهالسلام قال : «كان عليّ عليهالسلام ينادي : من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني ، وكان كل من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلّاه فيجد ذلك تحته فيدفعه إليه.
فقال الثاني للأوّل : ذهب هذا بشرف الدنيا من دوننا فقال : فما الحيلة؟
فقال : لعلّك لو ناديت كما نادى هو كنت تجد ذلك كما يجد هو ، وإذا كان إنّما تقضي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنادى أبو بكر كذلك فعرف أمير المؤمنين عليهالسلام الحال فقال : أمّا إنّه سيندم على ما فعل ، فلمّا كان من الغد أتاه أعرابي وهو جالس في جماعة من المهاجرين والأنصار فقال : أيّكم وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله فأشاروا إلى أبي بكر فقال : أنت وصيّ رسول الله وخليفته؟
قال : نعم ، فما تشاء؟
قال : فهلمّ الثمانين الناقة التي ضمن لي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : ما هذه النوق؟
قال : ضمن لي ثمانين ناقة حمراء كحل العيون ، فقال لعمر : كيف نصنع الآن؟
قال : إن الأعراب : جهال ، فاسأله : ألك شهود بما تقوله؟ فطلبهم منه قال : ومثلي يطلب الشهود منه على رسول الله صلىاللهعليهوآله بما يضمنه لي؟ والله ما أنت بوصي رسول الله ولا خليفته ، فقام سلمان فقال : يا أعرابي اتبعني حتّى أدلّك على وصيّ رسول الله.
فتبعه الأعرابي حتّى انتهى إلى عليّ عليهالسلام فقال : أنت وصيّ رسول الله؟
قال : نعم ، فما تشاء؟
قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله ضمن لي ثمانين ناقة حمراء كحل العيون فهاتها ، فقال له عليّ عليهالسلام : أسلمت أنت وأهل بيتك؟
فانكبّ الأعرابي على يديه يقبّلهما وهو يقول : أشهد أنّك وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله وخليفته ، فبهذا وقع الشرط بيني وبينه وقد أسلمنا جميعا.
فقال عليّ عليهالسلام : يا حسن انطلق أنت وسلمان وهذا الأعرابي إلى وادي فلان فناد : يا صالح ، فإذا أجابك فقل : إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام يقرأ عليك السلام ويقول لك : هلمّ الثمانين الناقة التي ضمنها رسول الله صلىاللهعليهوآله لهذا الأعرابي.
قال سلمان : فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن ، فأجابه لبيك يا ابن رسول الله ، فأدّى إليه رسالة أمير المؤمنين عليهالسلام.
فقال : السمع والطاعة ، فلم نلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الأرض ، فأخذ الحسن زمامها فناوله الأعرابي وقال : خذ ، فجعلت النوق تخرج حتّى كملت الثمانون على الصفة» (١).
الثاني : صاحب كتاب ثاقب المناقب قال : حدّثني شيخي أبو جعفر محمد بن الحسين [ابن جعفر] الشوهاني في داره بمشهد الرضا عليهالسلام بإسناده إلى عطاء عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : قدم أبو الصمصام العبسي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وأناخ ناقته على باب المسجد ودخل وسلّم وأحسن التسليم ثمّ قال : أيّكم الفتى الغوي الذي يزعم أنّه نبيّ ، فوثب إليه سلمان الفارسي رضى الله عنه فقال : يا أخا العرب ، أما ترى صاحب الوجه الأقمر والجبين الأزهر والحوض والشفاعة والتواضع والسكينة والمسألة والإجابة والسيف والقضيب والتكبير والتهليل والاقسام والقضية والأحكام الحنيفة والنور والشرف والعلو والرفعة والسخاء والشجاعة والنجدة والصلاة المفروضة والزكاة المكتوبة والحج والإحرام وزمزم والمقام والمشعر الحرام واليوم المشهود والمقام المحمود والحوض المورود والشفاعة الكبرى ، ذلك مولانا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال الأعرابي : إن كنت نبيّا فقل متى تقوم الساعة؟ ومتى يجيء المطر؟ وأي شيء في باطن ناقتي؟ وأي شيء أكتسب غدا؟ ومتى أموت؟
فبقي صلىاللهعليهوآله ساكتا لا ينطق بشيء فهبط الأمين جبرائيل فقال : «يا محمد اقرأ : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٢)».
قال الأعرابي : مدّ يدك ، فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأقرّ أنّك رسول الله فأيّ شيء لي عندك إن أتيتك بأهلي وبني عمّي مسلمين.
فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : «لك عندي ثمانون ناقة ، حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز».
ثمّ التفت النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وقال : «اكتب يا أبا الحسن : بسم الله الرحمن
__________________
(١) بحار الأنوار : ٤١ / ١٩٢ ، ح ٤.
(٢) لقمان : ٣٤.
الرحيم ، أقرّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وأشهد على نفسه في صحّة عقله وبدنه وجواز أمره أن لأبي الصمصام عليه وعنده وفي ذمّته ثمانين ناقة ، حمر الظهور بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز» وأشهد عليه جميع أصحابه ، وخرج أبو الصمصام إلى أهله ، فقبض النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقدم أبو الصمصام وقد أسلم بنو العبس كلّهم فقال أبو الصمصام : ما فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
قالوا : قبض.
قال : فمن الوصي بعده؟
قالوا : ما خلّف نبيّنا أحدا ، فقال : فمن الخليفة من بعده؟
قالوا : أبو بكر ، فدخل أبو الصمصام المسجد ، فقال : يا خليفة رسول الله إن لي على رسول الله دينا ثمانين ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ، فقال أبو بكر : يا أخا العرب سألت ما فوق العقل ، والله ما خلف فينا رسول الله صلىاللهعليهوآله لا صفراء ولا بيضاء ، خلّف فينا بغلته الذلول ودرعه الفاضلة فأخذها عليّ بن أبي طالب ، وخلّف فينا فدكا فأخذناها نحن بحقّ ونبيّنا محمد لا يورث ، فصاح سلمان الفارسي : كردي ونكردى ، وحق أمير بردي يا أبا بكر (بازگذار اين كار بكسى كه حق اوست) ، فقال : ردّ العمل إلى أهله ، ثمّ مدّ يده إلى أبي الصمصام فأقامه إلى منزل عليّ بن أبي طالب وهو يتوضأ وضوء الصلاة فقرع سلمان الباب فنادى عليّ عليهالسلام : «أدخل أنت وأبو الصمصام العبسي».
فقال أبو الصمصام : أعجوبة وربّ الكعبة ، من هذا الذي سمّاني ولم يعرفني؟
فقال سلمان : الفارسي رضى الله عنه : هذا وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، هذا الذي قال له الرسولصلىاللهعليهوآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب».
هذا الذي قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : «عليّ خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر».
هذا الذي قال الله تعالى فيه : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (١).
هذا الذي قال الله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (٢).
وهذا الذي قال الله عزوجل فيه : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ) (٣).
__________________
(١) مريم : ٥٠.
(٢) السجدة : ١٨.
(٣) التوبة : ١٩.
هذا الذي قال الله تعالى فيه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١).
هذا الذي قال الله تعالى فيه : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (٢) الآية.
هذا الذي قال الله تعالى فيه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣).
هذا الذي قال الله عزوجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٤).
ادخل يا أبا الصمصام وسلّم عليه فدخل وسلّم عليه ، ثمّ قال : إن لي على رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمانين ناقة حمر الظهور بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ، فقال عليهالسلام: «أمعك حجّة»؟
قال : نعم ، ودفع الوثيقة فقال عليهالسلام : «ناد يا سلمان في الناس : ألا من أراد أن ينظر إلى قضاء دين رسول الله صلىاللهعليهوآله فليخرج إلى خارج المدينة» فلمّا كان بالغد خرج الناس ، وقال المنافقون : كيف يقضي الدّين وليس معه شيء غدا فيفتضح ، من أين له ثمانون ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ؛ فلمّا كان الغد اجتمع الناس وخرج عليّ عليهالسلام في أهله ومحبّيه وجماعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأسرّ إلى الحسن سرّا لم يدر أحد ما هو ، ثمّ قال : «يا أبا الصمصام ، امض مع ابني الحسن إلى كثيب الرمل» فمضى [الحسن عليهالسلام] ومعه أبو الصمصام، وصلّى ركعتين عند الكثيب ، وكلّم الأرض بكلمات لا يدرى ما هي ، وضرب الكثيب بقضيب رسول الله صلىاللهعليهوآله فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة مكتوب عليها سطران :
الأوّل : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، وعلى الآخر : لا إله إلّا الله عليّ ولي الله ، فضرب الحسن تلك الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة فقال الحسن عليهالسلام : «قد يا أبا الصمصام» فقاد فخرج منها ثمانون ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ، ورجع إلى عليّ عليهالسلام ، فقال : «استوفيت حقك يا أبا الصمصام»؟
فقال : نعم.
فقال : سلّم الوثيقة فسلّمها إليه فخرّقها ، فقال : «هكذا أخبرني ابن عمّي رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، أن الله عزوجل خلق هذه النوق في هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام» ثمّ قال المنافقون :
__________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) آل عمران : ٦١.
(٣) الأحزاب : ٣٣.
(٤) المائدة : ٥٥.
هذا من سحر عليّ قليل (١).
الثالث : صاحب ثاقب المناقب قال : وروي هذا الخبر على وجه آخر وهو ما روى أبو محمد الادريسي ، عن حمزة بن داود الديلمي ، عن يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حبيب الأحول ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال : لمّا قبض النبيّصلىاللهعليهوآله وجلس أبو بكر نادى في الناس ألّا من كان له على رسول الله عدة أو دين فليأت أبا بكر ، وليأت معه شاهداه ، ونادى عليّ بذلك على الإطلاق من غير طلب شاهدين فجاء أعرابي فسلّم متقلدا سيفه متنكبا كنانته وفرسه لا يرى منه إلّا حافره ، وساق الحديث ، ولم يذكر الاسم والقبيلة وكان ما وعده مائة ناقة حمر بأزمّتها وأثقالها ، موقّرة ذهبا وفضّة بعبيدها ، فلمّا ذهب سلمان بالأعرابي إلى أمير المؤمنينعليهالسلام قال له حين بصر به : «مرحبا بطالب عدة والده من رسول الله صلىاللهعليهوآله» ، فقال : ما وعد أبي يا أبا الحسن؟
قال : «إن أباك قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : أنا رجل مطاع في قومي إن دعوتهم أجابوك وإنّي ضعيف الحال ، فما تجعل لي إن دعوتهم إلى الإسلام فأسلموا»؟
فقال عليهالسلام : «من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟
قال : وما عليك أن تجمعهما لي يا رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد جمعهما الله لأناس كثيرة؟
فتبسّم النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : اجمع لك خير الدنيا والآخرة ، فأمّا في الآخرة فأنت رفيقي في الجنّة ، وأمّا في الدنيا فما تريد؟
قال : مائة ناقة حمر بأزمتها وعبيدها موقّرة ذهبا وفضّة ، ثمّ قال : وإن دعوتهم فأجابوني وقضي عليّ الموت ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي.
قال : نعم ، على أنّي لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا وسيجيبك قومك ، فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليّي من بعدي ووصيّي ، وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه وأمرك بالمصير إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أو إلى وصيّه وها أنا وصيّه ومنجز وعده».
فقال الأعرابي : صدقت يا أبا الحسن ، ثمّ كتب له على خرقة بيضاء وناولها الحسن وقال : «يا أبا محمد سر بهذا الرجل إلى وادي العقيق ، وسلّم على أهله واقذف الخرقة وانتظر ساعة حتّى ترى ما يفعل ، فإن دفع إليك شيء فادفعه إلى الرجل» ومضيا بالكتاب.
قال ابن عباس : فسرت من حيث لم يرني أحد ، فلمّا أشرف الحسن على الوادي نادى بأعلى
__________________
(١) الثاقب في المناقب : ١٢٧ / ح ٤.
صوته : «السلام عليكم أيّها السكّان البررة الأتقياء ، أنا ابن وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنا الحسن بن عليّ سبط رسول الله وابن رسول الله ورسوله إليكم» وقد قذف الخرقة في الوادي فسمعت من الوادي صوتا : لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول وابن سيّد الأوصياء ، سمعنا وأطعنا ، انتظر ليدفع إليك، فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام لم أدر من أين ظهر وبيده زمام ناقة حمراء تتبعها ستة ، فلم يزل يخرج غلام بعد غلام ، في يد كل غلام قطار حتّى عددت مائة ناقة حمراء بأزمّتها وأحمالها فقال الحسن عليهالسلام : «خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها يرحمك الله» (١).
__________________
(١) الثاقب في المناقب : ١٣٣ ، ح ٥.
الباب التاسع والعشرون والمائة
في زهد أمير المؤمنين عليهالسلام
من طريق العامّة وفيه ستة وعشرون حديثا
الأوّل : موفّق بن أحمد قال : أخبرنا الإمام عين الأئمّة أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي الخوارزمي رحمهالله ، حدّثنا القاضي الأجل شمس القضاة جمال الدين أحمد بن عبد الرحمن بن إسحاق ، أخبرنا الشيخ الفقيه أبو سهل محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسين النهرواني ، حدّثنا أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن خالد بن يعقوب الحميري ، حدّثنا القاسم بن خليفة بن سوار ، حدّثنا حمّاد بن سوار عن عيسى بن عبد الرحمن عن عليّ بن حزور عن أبي مريم قال : سمعت عمّار بن ياسر رضى الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «يا عليّ إن الله زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحب إليه منها ، زهّدك فيها ويغضّها إليك ، وحبّب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا ، ورضوا بك إماما ، يا عليّ طوبى لمن أحبّك وصدّق بك ، والويل لمن أبغضك وكذّب عليك ، أمّا من أحبّك وصدق عليك فإخوانك في الدين وشركاؤك في الجنّة ، وأمّا من أبغضك وكذّب عليك فحقيق على الله تعالى يوم القيامة أن يقيمه مقام الكذّابين» (١).
الثاني : موفّق بن أحمد قال : أنبأني مهذب الأئمّة أبو المظفر عبد الملك بن عليّ بن محمد الهمداني نزيل بغداد ، أخبرني أبو بكر محمد بن عليّ الحاجي ، أخبرني أبو بكر محمد بن عليّ بن محمد بن موسى المقري الخياط ، أخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يوسف العلّاف ، حدّثنا أبو عليّ الحسين بن صفوان بن إسحاق بن إبراهيم البردعي ، حدّثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي ، حدّثني الفضل بن سهل ، حدّثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان عن الاجلح عن عبد الله ابن أبي الهذيل ، قال : رأيت على عليّ ـ كرّمه الله ـ قميصا ازديا إذا مدّه بلغ الظفر ، وإذا أرسله كان مع نصف الذراع (٢).
الثالث : أبو المؤيد موفّق بن أحمد قال : أخبرنا أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إليّ من همدان قال : أخبرنا الحافظ أبو عليّ الحسن بن أحمد بن الحسن
__________________
(١) المناقب : ١١٦ / ح ١٢٦.
(٢) المناقب : ١١٦ / ح ١٢٧.