غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٤

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٤

١

٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الباب الحادي والأربعون

في قوله تعالى (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ

وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (١)

من طريق العامة وفيه ثلاثة أحاديث

الحديث الأول : محمد بن إبراهيم المعروف ب (ابن زينب النعماني) رواه من طريق العامة قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن معمر الطبراني بطبرية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية ومن النصاب قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا علي بن هاشم والحسن بن السكن قال : حدّثنا عبد الرزاق بن همام : قال أخبرني أبي عن مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله الأنصاري : قال وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل اليمن فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «جاءكم أهل اليمن يبسون بسيسا» فلما دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «قوم رقيقة قلوبهم راسخ إيمانهم ومنهم المنصور يخرج في سبعين ألفا ينصر خلفي وخلف وصيي حمائل سيوفهم المسك» فقالوا : يا رسول الله ومن وصيك فقال : «هو الذي أمركم الله بالاعتصام به ، فقال عزوجل : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) فقالوا : يا رسول بيّن لنا ما هذا الحبل فقال : «هو قول الله (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) فالحبل من الله كتابه والحبل من الناس وصيي» فقالوا : يا رسول الله ومن وصيك؟ فقال : «هو الذي أنزل فيه (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)» فقالوا : يا رسول الله وما جنب الله هذا؟

فقال : «هو الذي يقول الله فيه : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) هو وصيي ، والسبيل إلى من بعدي» فقال : يا رسول الله بالذي بعثك بالحق نبيا أرناه فقد اشتقنا إليه؟ فقال : «هو الذي جعله الله آية للمؤمنين المتوسمين فإن نظرتم إليه نظر (لِمَنْ كانَ لَهُ

__________________

(١) الزمر : ٥٦.

٥

قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) عرفتم انه وصيي كما عرفتم إني نبيكم ، فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه فمن أهوت إليه قلوبكم فإنه هو ؛ لأن الله عزوجل يقول في كتابه : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) إليه وإلى ذريته عليهم‌السلام» قال : فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين وأبو غرة الخولاني في الخولانيين وظبيان وعثمان بن قيس في بني قيس وغرية الدوسي في الدوسيين ولاحق بن علاقة ، فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه وأخذوا بيد الأنزع الأصلع البطين وقالوا : إلى هذا اهوت أفئدتنا يا رسول الله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انتم نجبة الله حين عرفتم وصي رسول الله قبل أن تعرفوه فبم عرفتم إنه هو» فرفعوا اصواتهم يبكون ويقولون : يا رسول الله نظرنا إلى القوم فلم تحن لهم ولما رأيناه رجفت قلوبنا ثم اطمأنت نفوسنا وانجاشت أكبادنا وهملت أعيننا وانثلجت صدورنا حتى كانه لنا أب ونحن له بنون فقال النبي : صلى‌الله‌عليه‌وآله «(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أنتم منه بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسنى ، وأنتم عن النار مبعدون» قال فبقى هؤلاء القوم المسمّون حتى شهدوا مع أمير المؤمنين الجمل وصفين فقتلوا بصفين رحمة الله عليهم وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشرهم بالجنة وأخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

الحديث الثاني : صاحب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) قال : يروي عن أبي بكر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خلقت أنا وأنت يا علي من جنب الله تعالى» فقال : يا رسول الله ما جنب الله تعالى؟

قال : «سر مكنون وعلم مخزون لم يخلق الله منه سوانا ، فمن أحبنا وفى بعهد الله ، ومن أبغضنا فإنه يقول في آخر نفس : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)» (٢).

الحديث الثالث : إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة بإسناده إلى أبي جعفر بن بابويه قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن عبد الله بن عبد الرّحمن البصري عن أبي المغراء حميد بن المثنى العجلي عن أبي بصير عن خيثمة الجعفي عن أبي عبد جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول : «نحن جنب الله ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمناء اللهعزوجل ونحن حجة الله ونحن أركان الإيمان ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله على خلقه ونحن بنا يفتح وبنا يختم ونحن أئمة الهدى ونحن مصابيح الدجى ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للحق من تمسك بنا لحق ومن تأخر عنا غرق ، ونحن قادة الغر المحجلون

__________________

(١) الغيبة : ٣٩ ـ ٤١ / ١.

(٢) لم نجده في المصادر بهذه الألفاظ.

٦

ونحن خيرة الله ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله ونحن نعمة الله عزوجل على خلقه ونحن المنهاج ونحن معدن النبوة ونحن موضع الرسالة ونحن الذين مختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ونحن الهداة إلى الجنة ونحن عرى الإسلام ونحن الجسور والقناطر من مضى عليها لم يسبق ومن تخلف عنها محق ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا ينزل الله عزوجل الرحمة وبنا يسقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا وابصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا» (١).

__________________

(١) فرائد السمطين : ٢ / ٢٥٣ / ب ٤٨ / ح ٥٢٣.

٧

الباب الثاني والأربعون

في قوله تعالى (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ

وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)

من طريق الخاصة وفيه سبعة عشر حديثا

الحديث الأول : محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حمزة بن بزيع عن علي بن سويد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) قال : قال : «جنب الله أمير المؤمنين عليه‌السلام وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم» (١).

الحديث الثاني : ابن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أحمد بن أبي نصر عن حسان الجمال قال : حدّثنا هاشم أبي عمار الحسيني قال : سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : «أنا عين الله وانا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله» (٢).

الحديث الثالث : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن الوليد قال : حدّثنا الحسين بن الحسن ابن أبان عن الحسين بن سعيد عن النّضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته : «انا الهادي وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل ، وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة ، وأنا حبل الله المتين ، وأنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي يقول : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطة من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه؛ لأني وصي نبيه في أرضه وحجته على خلقه لا ينكر هذا إلّا راد على الله ورسوله» (٣).

ورواه المفيد في (الاختصاص) عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسين بن سعيد عن النصر بن سويد عن محمد بن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال: قال أمير

__________________

(١) الكافي : ١ / ١٤٥ ح ٩.

(٢) الكافي : ١ / ١٤٥ ح ٨.

(٣) التوحيد : ١٦٤ / ٢.

٨

المؤمنين عليه‌السلام «أنا الهادي أنا المهتدي» وذكر الحديث (١).

الحديث الرابع : ابن بابويه قال : حدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضى الله عنه قال : حدّثنا محمد بن جعفر الكوفي قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي الكوفي عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن الحسين عن من حدثه عن عبد الرّحمن بن كثير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي ولسان الله الناطق وعين الله وجنب الله وأنا يد الله» (٢).

الحديث الخامس : محمد بن العباس بن ماهيار الثقة قال : حدّثنا أحمد بن هودة الباهلي عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن حمران بن اعين عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام في قول الله عزوجل (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) قال : «خلقنا الله جزءا من جنب الله وذلك قوله عزوجل : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) يعني في ولاية علي عليه‌السلام» (٣).

الحديث السادس : محمد بن العباس قال : حدّثنا علي بن العباس عن حسن بن محمد عن حسين ابن علي بن ينهس عن موسى بن أبي الغدير عن عطاء الهمداني عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله الله عزوجل : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) قال : «قال علي عليه‌السلام: أنا جنب الله وأنا حسرة الناس يوم القيامة» (٤).

الحديث السابع : محمد بن العباس قال : حدّثنا محمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل عن حمزة بن بزيع عن علي السابي عن أبي الحسن عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) قال : «جنب الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكذلك من كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع الى أن ينتهي إلى الأخير منهم والله أعلم بما هو كائن بعده» (٥).

الحديث الثامن : محمد بن العباس قال : حدّثنا أحمد بن هودة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وقد سأله رجل عن قول الله عزوجل (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «نحن والله خلقنا من نور جنب الله ، وذلك قول الكافر إذا استقرت به الدار (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) يعني :

__________________

(١) الاختصاص : ٢٤٨.

(٢) التوحيد : ١٦٤ / ١.

(٣) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٩٢ ح ٨.

(٤) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٩٢ ذيل ح ٩.

(٥) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٩٣ ح ١٠.

٩

ولاية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين» (١).

الحديث التاسع : الشيخ في مجالسه قال : أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن علي بن محمد العلوي قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم قال : حدّثنا أحمد بن محمد عن محمد بن أحمد بن محمد ابن عيسى عن أحمد بن محمد أبي نصر عن أبي المغراء عن أبي بصير عن خيثمة قال : سمعت الباقرعليه‌السلام يقول : «نحن جنب الله ونحن صفوة الله ونحن خيرة الله ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن أمنا الله عزوجل ونحن حجج الله ونحن جعل الله ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ونحن العلم المرفوع لأهل الدنيا ونحن السابقون ونحن الآخرون ، من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا غرق ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن حرم الله ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى الله عزوجل.

ونحن من نعم الله على خلقه ونحن المنهاج ونحن معدن النبوة ونحن موضع الرسالة ونحن اصول الدين وإلينا تختلف الملائكة ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ونحن الهداة إلى الجنة ونحن غرى الإسلام ، ونحن الجسور ونحن القناطر من مضى علينا سبق ومن تخلف عنا محق ، ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تسقون الغيث ، ونحن الذين بنا يصرف الله عزوجل عنكم العذاب من ابصرنا وعرفنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو من أوليائنا» (٢).

الحديث العاشر : ابن شهرآشوب عن السجاد والباقر والصادق وزيد بن علي عليهم‌السلام في هذه الآية قالوا : «جنب الله علي ، وهو حجة الله على الخلق يوم القيامة» (٣).

الحديث الحادي عشر : الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) قال : «في ولاية علي عليه‌السلام» (٤).

الحديث الثاني عشر : أبو ذر في خبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أبا ذر يؤتى بجاحد عليعليه‌السلام يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات القيامة ينادي (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وفي عنقه طوق من النار» (٥).

الحديث الثالث عشر : الطبرسي في (الاحتجاج) في حديث طويل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٩٢ ح ٩.

(٢) أمالي الطوسي : ٦٥٤ / ١٣٥٤.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٦٥.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٦٥.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٦٤.

١٠

«قد زاد جل ذكره في التبيان واثبات الحجة بقوله في اصفيائه واوليائه عليهم‌السلام : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) تعريفا للخليقة قربهم ألا ترى أنك تقول : فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه ، وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير انبيائه وحججه في أرضه ؛ لعلمه ما يحدثه في كتابه المبدلون من اسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فاثبت به الرموز ، وأعمى قلوبهم وابصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه» (١).

الحديث الرابع عشر : محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن القاسم بن بريد عن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «أنا شجرة من جنب الله فمن وصلنا وصله الله» قال : ثم تلا هذه الآية (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (٢).

الحديث الخامس عشر : الصفار هذا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل عن حمزة بن بزيع عن علي السابي قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) قال : «جنب الله أمير المؤمنين وكذلك من كان من بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم والله أعلم بمن هو كائن بعده» (٣).

الحديث السادس عشر : أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) قال : روى العياشي بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «نحن جنب الله» (٤).

الحديث السابع عشر : الشيخ المفيد في (الاختصاص) عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن محمد بن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال علي أمير المؤمنين عليه‌السلام أنا الهادي والمهتدي ، وأبو اليتامى وزوج الأرامل والمساكين ، وأنا ملجأ كل ضعيف ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين في الجنة وأنا حبل الله المتين وأنا عروة الله الوثقى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي (تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ، وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطة من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه ؛ لأني وصي نبيه في أرضه وحجته على خلقه لا

__________________

(١) الاحتجاج : ١ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٢) بصائر الدرجات : ٦٢ / ٥.

(٣) بصائر الدرجات : ٦٢ / ٦.

(٤) مجمع البيان : ٨ / ٤١٠.

١١

ينكر هذا إلّا راد على الله ورسوله.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منّا من يحقر الأمانة ـ يعني يستهلكها ـ إذا استودعها ، وليس منّا من خان مسلما في أهله وماله».

وقال : من أطاع الله فقد ذكر الله ، وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن ، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن.

وقال : «من ترك معصية من مخافة الله عزوجل أرضاه الله يوم القيامة»

وقال : «إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان» (١).

__________________

(١) الاختصاص : ٢٤٨.

١٢

الباب الثالث والأربعون

في قوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (١)

من طريق العامة وفيه حديث واحد :

الحافظ محمد مؤمن الشيرازي في كتابه المستخرج من تفاسير الاثني عشر في تفسير قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) يرفعه إلى السدي قال : اقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد هذا الأمر من بعدك لنا أم لمن؟ فقال : «يا صخر الأمر من بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى» فأنزل الله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب بها ثم قال : «(كَلَّا) وهو رد عليهم (سَيَعْلَمُونَ) سيعرفون خلافته بعدك انها حق يكون (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) سيعرفون خلافته وولايته إذا يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميت في شرق الأرض ولا غربها ولا في بحر إلّا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين وخلافته بعد الموت ، يقولان للميت : من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك؟» (٢).

__________________

(١) النبأ : ١ ـ ٣.

(٢) بحار الأنوار : ٦ / ٢١٦ ح ٦.

١٣

الباب الرابع والاربعون

في قوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)

من طريق الخاصة وفيه سبعة أحاديث

الحديث الأول : محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير أو غيره عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال : «ذلك إلي إن شئت أخبرتهم وإن شئت لم أخبرهم» ثم قال : «لكني أخبرك بتفسيرها» قلت : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) قال : فقال : «هي في أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : ما لله عزوجل آية هي أكبر منّي ، ولا لله نبأ أعظم منّي» (١).

الحديث الثاني : محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير أو غيره عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك إن الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال : فقال ذلك : «إلي إن شئت أخبرتهم وان شئت لم أخبرهم» قال فقال : «لكني أخبرك بتفسيرها» قال : قلت : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) قال : فقال : «هي في أمير المؤمنين عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : ما لله آية أكبر منّي ولا لله من نبأ عظيم أعظم مني ، ولقد عرضت ولايتي على الامم الماضية فأبت أن تقبلها» (٢).

الحديث الثالث : محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن اورمة ومحمد بن عبد الله عن علي بن حسان عن عبد الرّحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال : «النبأ العظيم الولاية» وسألته عن قوله : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) قال : «ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٣).

الحديث الرابع : علي بن إبراهيم في تفسيره قال حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في قوله (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) قال : «قال أمير

__________________

(١) الكافي : ١ / ٢٠٧ ح ٣.

(٢) بصائر الدرجات : ٧٧ / ٣.

(٣) الكافي : ١ / ٤١٨ ح ٣٤.

١٤

المؤمنين عليه‌السلام ما لله نبأ أعظم منّي ، وما لله آية أكبر منّي ولقد عرض فضلي على الامم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي» (١).

الحديث الخامس : محمد بن العباس في تفسيره عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم بإسناده عن محمد بن الفضيل قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ما لله نبأ هو أعظم منّي ، وما لله آية أكبر مني ، ولقد عرض فضلي على الأمم الماضية بإختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي» (٢).

الحديث السادس : محمد بن العباس قال : حدّثنا أحمد بن بن هودة عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل: (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) قال : «هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس فيه خلاف» (٣).

الحديث السابع : ابن بابويه قال : حدّثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام بقم في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة قال : حدثني أبي قال : أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إليّ في تسع وثلاثمائة قال : حدثني أبي عن ياسر الخادم عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «يا علي أنت حجة الله وأنت باب الله وأنت الطريق إلى الله وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الأعلى ، يا علي أنت إمام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وسيد الصديقين ، يا علي أنت الفاروق الأعظم وأنت الصديق الأكبر ، يا علي أنت خليفتي على أمتي وأنت قاضي عني ديني وأنت منجز عداتي ، يا علي أنت المظلوم بعدي ، يا علي أنت المفارق بعدي ، يا علي أنت المحجور بعدي ، أشهد الله ومن حضر من امتي أن حزبك حزبي وحزبي حزب الله وأن حزب أعدائك حزب الشيطان» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ٢ / ٤٠١.

(٢) بحار الأنوار : ٣٢ / ١ ذيل ح ٢.

(٣) بحار الأنوار : ٣٢ / ٢ ح ٤.

(٤) عيون أخبار الرضا (ع) : ١ / ٩ باب ٣٠ ح ١٣.

١٥

الباب الخامس والأربعون

في قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (١)

من طريق العامة وفيه أحد عشر حديثا

الحديث الأول : عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثنا يحيى بن حماد قال : حدّثنا أبو عوانة قال : حدّثنا أبو بلخ قال : حدّثنا عمر بن ميمون قال : إني جالس إلى ابن عباس رضى الله عنه إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا بن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلوا بنا عن هؤلاء ، قال : فقال ابن عباس : بل أنا أقوم معكم ، وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال : فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا ، قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : اف وتف وقعوا في رجل له عشر خصال ، وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله» قال : فاستشرف لها من استشرف فقال : «اين علي؟» قال : في الرحا يطحن ، قال : وما كان أحدكم ليطحن قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر قال : فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حي ، قال : ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال : «لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه» ـ أو قال : «يواليني» ـ وقال لبني عمه : «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة» قال : وعلي جالس معهم فأبوا ، فقال عليعليه‌السلام : «أنا أواليك في الدنيا والآخرة» قال : قال : أنت وليي في الدنيا والآخرة قال : فتركه، ثم اقبل على رجل منهم ، فقال : «ايكم يواليني في الدنيا والآخرة» فأبوا قال فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة ، فقال : أنت وليس في الدنيا والآخرة قال : وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة قال وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبه فوضعه على علي عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين ، وقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال : وشرى على نفسه لبس ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم نام مكانه قال وكان المشركون يرمون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء أبو بكر وعلي نائم قال أبو بكر : يحسب أنه نبي الله ، قال : فقال : يا نبي الله قال : فقال له علي عليه‌السلام : «إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فادركه» قال : فانطلق أبو بكر فادركه فدخل معه الغار ، وقال : وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضور قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن

__________________

(١) البقرة : ٢٠٧.

١٦

رأسه ، فقالوا : كان صاحبك نراميه فلا يتضور وانت تتضور وقد استنكرنا ذلك ، قال : وخرج بالناس في غزوة تبوك فقال علي عليه‌السلام : «أخرج معك» فقال له نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «[لا] (١)» فبكى علي فقال له : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنك ليس نبي أنه لا ينبغي أن اذهب إلّا وأنت خليفتي» قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة» قال : وسد أبواب المسجد غير باب علي عليه‌السلام قال : ودخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره قال وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٢).

وروى هذا الحديث أيضا أبو المؤيد موفق بن أحمد قال : أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي ابن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال : أخبرنا أبو علي عبد الله بن أحمد بن حنبل أخبرنا أبي حدّثنا يحيى بن حماد حدّثنا أبو عوانة حدّثنا أبو بلج حدّثنا عمر بن ميمون قال : إني جالس إلى ابن عباس رضى الله عنه إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا بن عباس وساق الحديث إلّا أن فيه وقعوا في رجل له بضعة عشرة فضيلة (٣).

الحديث الثاني : ومن تفسير الثعلبي في الجزء الأول في تفسير سورة البقرة قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بمكة ؛ لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة الخروج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : «يا علي اتشح ببردي الحضرمي ثم نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه ان شاء الله عزوجل» ففعل ذلكعليه‌السلام فاوحى الله عزوجل إلى جبرائيل وميكائيل عليهما‌السلام : إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة فاوحى الله عزوجل إليهما إلّا كنتما مثل علي ابن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرائيل عليه‌السلام عند رأسه وميكائيلعليه‌السلام عند رجله فقال جبرائيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله تعالى على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)» (٤).

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٣٣١.

(٣) المناقب : ١٢٥ / ح ١٤٠.

(٤) العمدة : ٢٣٩ / ٣٦٧ عن الثعلبي.

١٧

الحديث الثالث : تفسير الثعلبي قال : روى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله القايني قال : حدثني أبو الحسين محمد بن عثمان بن الحسن النصيبي ببغداد قال : حدثني أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السيبي بحلب حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال : حدثني محمد بن منصور قال : حدثني أحمد بن عبد الرّحمن حدثني الحسن بن محمد بن فرقد حدثني الحكم بن ظهير قال : حدّثنا السدي في قول الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) قال : قال ابن عباس نزلت في علي بن أبي طالب صلى الله عليه حين هرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ، ونام علي عليه‌السلام على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

الحديث الرابع : أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي (٢) عن أحمد بن الحسين قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدّثنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان بمرو حدّثنا عبيد بن قنفذ البزاز بالكوفة حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدّثنا قيس بن ربيع حدّثنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسين قال : «إن أول من شرى نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ وقال علي عند مبيته على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شعرا :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به

فنجاه ذو الطول الاله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا

موقى وفي حفظ الإله وفي ستر

وبثّ أراعيهم وما يثبتونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر»

الحديث الخامس : أبو نعيم الحافظ بإسناده عن عبد الله بن معد عن أبيه عن ابن عباس رضى الله عنه قال : بات علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليلة خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الغار على فراشه ونزلت (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٣).

الحديث السادس : الثعلبي في تفسيره وابن عقبة في ملحمته وأبو السعادات في «فضائل العشرة والغزالي في الأخبار برواياتهم عن أبي اليقظان وجماعة من أصحابنا نحو ابن بابويه وابن شاذان والكليني والطوسي وابن عقدة والبرقي وابن فياض والعبدي والصفواني والثقفي باسانيدهم عن ابن عباس وأبي رافع وهند بن أبي هالة أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيّكما يؤثر

__________________

(١) العمدة : ٢٤٠ / ذيل ح ٣٦٧.

(٢) في المناقب : ١٢٧ / ح ١٤١.

(٣) بحار الأنوار : ٣٢ / ٤١ ذيل ح ٣.

١٨

أخاه ، فكلاهما كرها الموت فأوحى الله إليهما ألا كنتما مثل وليّ علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمّد نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظل أو رقد على فراشه يقيه بمهجته ، اهبطا إلى الأرض جميعا واحفظاه من عدوه ، فهبط جبرائيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرائيل يقول : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة فأنزل الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ)» (١) الآية.

الحديث السابع : فضائل الصحابة عن عبد الملك العكبري وعن ابن المظفر السمعاني بإسنادهما عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : أول من شرى نفسه لله علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان المشركون يطلبون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام من فراشه وانطلق هو وأبو بكر ، واضطجع علي على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء المشركون فوجدوا عليا عليه‌السلام ولم يجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

الحديث الثامن : أبو المؤيد موفق بن أحمد قال : أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الوعظم ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد ابن الحسين البيهقي أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان بمرو حدّثنا عبيد بن قنفذ البزاز بالكوفة أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني أخبرنا قيس بن ربيع أخبرنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسين قال : «إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله تعالى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه» وقال علي عند مبيته على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به

فنجاه ذو الطول الاله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا

موقى وفي حفظ الاله وفي ستر

وبت أراعيهم وما يثبتونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر (٣)

الحديث التاسع : إبراهيم بن محمد الحمويني قال : حدّثنا عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان المقدسي قراءتي عليه بمدينة نابلس قلت له : أخبرك الشيخ القاضي جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري إجازة قال : نعم ، قال : نعم ، قال : أنبأنا أبو عبد الله بن الفضل بن أحمد إذنا قال : أنبأنا شيخ السنة أحمد بن الحسين أبو بكر الحافظ إجازة ان لم يكن سماعا قال : أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع قال : نبأنا أبو أحمد بكر بن محمد بن

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٢ / ٤٣.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٣٩.

(٣) المناقب : ١٢٧ / ح ١٤١.

١٩

حمدان بمرو ، قال : نبأنا عبد بن قنفذ البزاز بالكوفة ، قال : نبأنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: نبأنا قيس بن الربيع ، قال : نبأنا حكيم بن جبير عن علي بن الحسينعليه‌السلام : «إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب عليه‌السلام» وقال علي عليه‌السلام عند مبيته على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ، وساق الأبيات المتقدمة (١).

الحديث العاشر : الحمويني هذا قال : أخبرني الإمامان نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار وعلا الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر الطاوسي القزوينيان كتابة بروايتهما عن الشيخين عز الدين محمد بن عبد الرّحمن الواريني وتاج الدين عبد الله بن إبراهيم الشحاذي القزويني إجازة قالا : أنبأنا الشيخان محمد بن الفضل بن أحمد وزاهر بن طاهر بن محمد إجازة قالا : أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، قال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال : أنبأنا أحمد بن جعفر القطيعي قال نبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : أنبأنا أبي قال نبأنا يحيى بن حماد قال : نبأنا أبو عوانة قال : نبأنا أبو بلج قال نبأنا عمرو بن ميمون ، قال : إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ، فقالوا : يا ابن عباس : إمّا ان تقوم معنا ، وإمّا أن تخلو بنا من بين هؤلاء ، وساق الحديث (٢) وقد تقدم في أول الباب وكررناه لزيادة النقلة وتضاعف رواته.

الحديث الحادي عشر : المالكي في كتاب (الفصول المهمة) قال : أورد الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي رحمه‌الله في كتابه (إحياء علوم الدين) أن الليلة التي بات علي بن أبي طالب رضى الله عنه على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوحى الله تعالى : إلى جبرائيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه الحياة ، فاختارا كلاهما الحياة وأحباها ، فأوحى الله تعالى إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات علي على فراشه يقيه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه ، فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ينادي، ويقول : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله عزوجل (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)» (٣).

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ٣٣٠ / ب ٦٠ / ح ٢٥٦.

(٢) فرائد السمطين : ١ / ٣٢٧ / ب ٦٠ / ح ٢٥٥.

(٣) الفصول المهمة : ٣٣ ، وإحياء علوم الدين : ٣ / ٢٣٨.

٢٠