غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٦

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٦

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨

وأخذ المفتاح من شيبة وفتح الباب وقال العبّاس بن عبد المطّلب : يا رسول الله أليس أنا عمّك وصنو أبيك؟ فقال : بلى فما حاجتك يا عمّ؟ فقال : تعطيني مفتاح الكعبة فقال : هو لك يا عمّ فهبط جبرائيل عليه‌السلام وقال : إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها فاستعاد المفتاح من العبّاس وأعاده إلى شيبة ، ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة فإذا هو بصورة إبراهيم فقال : لا تعبدوا الصور والتماثيل فإنّ الله عزوجل يبغضها ويبغض صانعها ، وجعل يحلّها بطرف ردائه فلمّا خرج قال لشيبة : اغلق الباب ثمّ رفع رأسه فإذا هو بصنم على ظهر الكعبة فقال لعليّ عليه‌السلام : يا علي كيف لي بهذا الصنم؟ فقال : يا رسول الله أنكب لك فارق على ظهري وتناوله فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي لو جهدت أمّتي من أوّلها إلى آخرها أن يحملوا عضوا من أعضائي ما قدروا على ذلك ولكن ادن منّي يا علي ، قال : فدنوت منه فضرب بيده إلى ساقي فأقلعني من الأرض وانتصب بي فإذا أنا على كتفيه فقال : يا علي سمّ وخذه فأخذت الصنم فضربت به الأرض فتفثت ثلاثا فقال النبيّ : يا علي ما ترى وأنت على كتفي؟ قلت : خيرا فداك أبي وأمّي يا رسول الله ، لو أردت أن أمسّ السماء بيدي لقدرت فقال له : يا علي زادك الله شرفا إلى شرفك ، ثمّ انحسر عليه‌السلام من تحتي فوقعت على الأرض وضحكت فقال : ما يضحك يا علي؟

فقلت : فداك أبي وأمّي يا رسول الله وقعت من أعلى الكعبة إلى الأرض فلم أتألّم من الوقع ، فقال : يا علي كيف تتألّم وقد حملك محمد وأنزلك جبرئيل؟ ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال العبّاس يفتخر: أنا سيّد قريش وأكرمها حسبا وأفخرها مركبا وبيدي سقاية الحاجّ لا يليها غيري فقال شيبة : لا ، بل أنا سيّد قريش وبيدي سدانة الكعبة لا يليها غيري فقال عليّ عليه‌السلام أبغضتماني بمقالتكما أنا سيّدكما وسيّد أهل الأرض بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا الذي ضربت وجوهكما حتّى آمنتما فأقررتما أنّ محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله، فغضبا من قوله وأتيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبراه بما قال عليّ لهما فهبط جبرئيل عليه‌السلام وقال : يا محمّد ، الحقّ يقرئك السلام ويقول لك : قل لشيبة والعبّاس (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) الآية ، يا محمّد عليّ خير منهما.

٢٨١

الباب الرابع والمائة

في قلعه الأصنام عن ظهر الكعبة

من طريق الخاصّة وفيه حديثان

الأوّل : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو علي بن أحمد بن يحيى المكتب قال : حدّثنا أحمد بن محمد الوراق قال : حدّثنا بشر بن سعيد بن قلبويه المعدّل بالرافقة قال : حدّثنا عبد الجبّار بن كثير التميمي اليماني قال : سمعت محمّد بن حرب الهلالي قال : سألت جعفر بن محمّد عليه‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله في نفسي مسألة اريد أن أسألك عنها فقال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني ، وإن شئت قل قال : قلت له : يا ابن رسول الله وبأيّ شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ قال : بالتوسّم والتفرّس، أما سمعت قول الله عزوجل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله قال : فقلت له : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرني بمسألتي قال : أردت أن تسألني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم لم يطق حمله عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة مع قوّته وشدّته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا وكان لا يطيق حمله أربعون رجلا ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يركب الناقة والفرس والحمار وركب البراق ليلة المعراج وكلّ ذلك دون عليّ عليه‌السلام في القوّة والشدّة؟ قال : فقلت له : عن هذا والله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله فأخبرني؟

قال : نعم ، إنّ عليّا عليه‌السلام برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تشرف وبه ارتفع وبه وصل إلى أن أطفأ نار الشرك وأبطل كلّ معبود من دون الله عزوجل ولو علاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لحطة الأصنام لكان عليه‌السلام بعلي مرتفعا ومتشرّفا وواصلا إلى حط الأصنام ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ، ألا ترى أنّ عليّا عليه‌السلام قال : لما علوت ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شرفت وارتفعت حتّى لو شئت أن أنال السماء لنلتها؟ أما علمت أنّ المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله وقد قال علي عليه‌السلام : أنا من أحمد كالضوء من الضوء؟ أما علمت أنّ محمّدا وعليّا صلوات الله عليهما كانا نورا بين يدي الله عزوجل قبل خلق الخلق بألفي عام ، وأنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع فقالوا : إلهنا وسيّدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم هذا نور من نوري أصله نبوّة وفرعه إمامة ،

٢٨٢

أمّا النبوّة لمحمّد عبدي ورسولي وأمّا الإمامة فلعليّ حجّتي ووليّي ، ولولاهما ما خلقت خلقي ، أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع يد عليّ بغدير خمّ حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيهما فجعله مولى المسلمين وإمامهم؟ وقد احتمل الحسن والحسين عليهما‌السلام يوم حظيرة بني النجّار فلمّا قال له بعض أصحابه ناولني أحدهما يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نعم الراكبان ، وأبوهما خير منهما ، وإنّه يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلمّا سلّم قيل له يا رسول الله قد أطلت هذه السجدة.

فقال عليه‌السلام : إنّ ابني ارتحلني فكرهت أن اعاجله حتّى ينزل ، وإنّما أراد عليه‌السلام بذلك رفعهم وتشريفهم فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إمام ونبيّ ، وعليّ عليه‌السلام إمام ليس بنبيّ ولا رسول فهو غير مطيق لأثقال حمل النبوّة، قال محمّد بن حرب الهلالي فقلت له : زدني يا ابن رسول الله؟ فقال : إنّك لأهل للزيادة ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حمل عليّا عليه‌السلام على ظهره يريد بذلك أنّه أبو ولده وإمام الأئمّة من صلبه كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنّه تحول الجدب خصبا قال : قلت له : زدني يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا يريد أن يعلم بذلك قومه أنّه الذي يخفّف عن ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما عليه من الدين والعداة والاداء عنه من بعده.

قال : فقلت له : يا ابن رسول الله زدني فقال : احتمله ليعلم بذلك أنّه قد احتمله ، فما حمل إلّا لأنّه معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصوابا وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : يا علي إنّ الله تبارك وتعالى حمّلني ذنوب شيعتك ثمّ غفرها لي وذلك قوله عزوجل (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أنزل الله عزوجل عليه (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّها الناس عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم وعليّ نفسي وأخي ، أطيعوا عليّا فإنّه مطهّر معصوم لا يضلّ ولا يشقى ثمّ تلا هذه الآية : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) قال محمّد بن حرب : ثمّ قال جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : أيّها الأمير ولو أخبرتك بما في حمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام عند حطّ الأصنام عن سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به لقلت : إنّ جعفر بن محمد لمجنون فحسبك من ذلك ما قد سمعت ، فقمت إليه وقبّلت رأسه وقلت له : الله أعلم حيث يجعل رسالته (١).

الثاني : شرف الدين النجفي قال : ذكر الشيخ الطوسي رحمه‌الله بإسناده عن رجاله عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم الثقفي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : انطلق بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أتى بي إلى الكعبة فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على منكبي ثمّ قال لي : انهض فنهضت فلمّا رأى منّي ضعفا قال : اجلس

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ١٧٣ / باب ١٣٩ / ح ١.

٢٨٣

فنزل ثمّ قال لي : يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبه ثمّ نهض بي رسول الله وخيّل لي أنّي لو شئت لنلت افق السماء فصعدت فوق الكعبة وتنحّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : ألق الصنم الأكبر وكان من نحاس موتدا بأوتاد حديد ، فقال لي رسول الله : عالجه فعالجته ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا فلم أزل اعالجه حتّى استمكنت منه فقال لي : اقذفه فقذفته فتكسّر ، فنزلت من فوق الكعبة وانطلقت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم (١).

__________________

(١) انظر : مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سلمان الكوفي ٦٠٦.

٢٨٤

الباب الخامس والمائة

في حديث خاصف النعل

من طريق العامّة وفيه تسعة أحاديث

الأوّل : من مسند أحمد بن حنبل روى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثنا عبد الله بن محمد قال : حدّثنا يحيى الحماني قال : حدّثنا شريك قال : حدّثنا منصور ولو أنّ غير منصور حدّثني ما قبلته منه ولقد سألته فأبى أن يحدّثني فلمّا جيء بيني وبينه المعرفة كان هو الذي دعاني إليه وما سألته عنه ولكنه هو ابتدأني به فقال : حدثني ربعي بن خراش قال : حدّثنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالرحبة قال : اجتمعت قريش إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم سهيل بن عمرو فقالوا : يا محمّد إنّ قومنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب حتّى رئي الغضب في وجهه ثمّ قال : لتنتهين يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للايمان يضرب رقابكم على الإيمان قيل : يا رسول الله ، أبو بكر؟

قال : لا ، قيل : فعمر؟

قال : لا ولكن خاصف النعل في الحجرة ، ثمّ قال علي : أما إنّي قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا تكذبوا عليّ فمن كذب متعمّدا أو لجته النار (١).

الثاني : عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا يحيى ابن آدم قال : حدّثنا يونس ابن إسحاق عن زيد بن ينبع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا يمضي فيهم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذريّة ، قال أبو ذرّ : فما راعني إلّا برد كفّ عمر في حجزتي من خلفي فقال : من تراه يعني؟ قلت : ما يعنيك ولكنّه يعني خاصف النعل ـ يعني عليّا ـ عليه‌السلام (٢).

الثالث : عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدّثنا أحمد بن منصور قال : حدّثنا الأحوص بن جواب قال : حدّثنا عمّار بن رزيق عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوسا في المسجد فخرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي في بيت فاطمة عليهما‌السلام فانقطع شسع نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطاها عليّا عليه‌السلام يصلحها

__________________

(١) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٤٩ / ح ١١٠٥.

(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٧١ / ح ٩٦٦.

٢٨٥

ثمّ جاء فقام علينا فقال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، قال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ فقال : لا ولكنّه خاصف النعل. قال إسماعيل فحدّثني أنّه شهد يعني عليا بالرحبة فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين هل كان من حديث النعل شيء؟ قال : أو قد بلغك؟ قال : نعم ، قال : اللهمّ إنّك تعلم أنّه ممّا كان يخفى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله(١).

الرابع : عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : حدّثنا معمر عن طاوس عن عبد المطّلب عن عبد الله بن حنطب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لوفد ثقيف حين جاءوه لتسلمنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلا منّي ـ أو قال مثل نفسي ـ فليضربنّ أعناقكم وليسبينّ ذراريكم وليأخذن أموالكم قال عمر : والله ما اشتهيت الإمارة إلّا يومئذ فجعلت أنصب صدري لها رجاء أن يقول : هذا ، فالتفت إلى علي فأخذ بيده ثمّ قال : هو هذا ، مرّتين (٢).

الخامس : ومن الجمع بين الصحاح الستّة لرزين العبدري إمام الحرمين من الخبر الثالث من آخره في ذكر غزاة الحديبية من سنن أبي داود وصحيح الترمذي قال : عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : لمّا كان يوم الحديبية خرج إلينا اناس من المشركين من رؤسائهم فقالوا : قد خرج إليكم من أبنائنا وأرقائنا ، وإنّما خرجوا فرارا من خدمتنا فارددهم إلينا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر قريش لتنتهن عن مخالفة أمر الله أو ليبعثنّ إليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، امتحن الله قلبه للتقوى ، قال بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن لأوليائك يا رسول الله؟ قال : منهم خاصف النعل ، وكان قد أعطى عليّا عليه‌السلام نعله يخصفها (٣).

السادس : الترمذي في صحيحه عن ربعي بن خراش في خبر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم الحديبية لسهيل بن عمرو وقد سأله ردّ جماعة فرّوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم على الدين ، قد امتحن الله قلبه للايمان قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان أعطى عليّا عليه‌السلام نعله يخصفها (٤).

السابع : الخطيب في التاريخ والسمعاني في الفضائل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تنتهن يا معشر قريش حتى يبعث الله رجلا امتحن قلبه بالايمان ... الحديث سواء (٥).

الثامن : أبو نعيم الاصفهاني بالاسناد عن ربعي بن خراش قال : خطبنا عليّ بن أبي طالب

__________________

(١) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٣٧ / ح ١٠٨٣.

(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٥٩٣ / ح ١٠٠٨.

(٣) سنن الترمذي : ٥ / ٢٩٨ / ح ٣٧٩٩. كنز العمال : ١٣ / ١٧٣. بتفاوت يسير.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) تاريخ بغداد : ١ / ١٤٤.

٢٨٦

بالمدائن وقال : جاء سهل بن عمرو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اردد علينا أبناءنا وأرقّاءنا فإنّما خرجوا تعودا بالإسلام فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تنتهوا يا معشر قريش حتّى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للايمان يضرب رقابكم على الدين.

التاسع : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال : قال أبو مخنف جاءت عائشة إلى أمّ سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها : يا بنت أبي أميّة أنت أوّل مهاجرة من أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنت كبيرة أمّهات المؤمنين وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقسّم لنا من بيتك ، وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك فقالت أمّ سلمة : ألأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة : إن عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان ، فلمّا تاب قتلوه صائما في شهر حرام ، وقد عزمت الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعلّ الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا فقالت لها أمّ سلمة : إنّك كنت بالأمس تحرّضين على عثمان وتقولين أخبث القول فيه ، وما كان اسمه عندك إلّا نعثلا وإنّك لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب كانت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأذكرك؟ قالت : نعم.

قالت : أتذكرين يوم أقبل عليه‌السلام ونحن معه حتى إذ هبط من قديد ذات الشمال خلا بعليّ يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت : ما شأنك؟ فقلت : إنّي هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله إلّا يوم من تسعة أيّام فما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟ فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ وهو غضبان محمرّ الوجه فقال : ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلّا وهو خارج من الإيمان ، فرجعت نادمة ساخطة؟ فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك ، قالت : وأذكّرك أيضا : كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال : ليت شعري أيّتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب ثمّ قال : يا بنت أبي اميّة إيّاك أن تكونيها فتكوني ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس وقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، ثمّ ضرب على ظهرك ثمّ قال : إيّاك أن تكونيها يا حميراء ، أمّا إنّي قد أنذرتك.

قالت عائشة : نعم أذكر ذلك قالت : وأذكّرك أيضا : كنت أنا وأنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر له وكان عليّ عليه‌السلام يتعاهد نعلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخصفهما ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظلّ سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا فحادثاه فيما أرادا ثمّ قالا : يا رسول الله إنّا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو علمتنا من تستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا فقال لهما : أما إنّي قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرّقتم عنه كما

٢٨٧

تفرّقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران فسكتا ثمّ خرجا ، فلمّا خرجا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قلت له وكنت أجرأ عليه منّا : من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟

قال : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحدا إلّا عليا فقلت : يا رسول الله ما أرى إلّا عليّا فقال : هو ذاك فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك ، فقالت : فأيّ خروج تخرجين بعد هذا فقالت إنّما أخرج للإصلاح بين الناس وأرجو فيه الأجر إن شاء الله فقالت : أنت ورأيك فانصرفت عائشة عنها وكتبت أمّ سلمة بما قالت وقيل لها إلى عليّ عليه‌السلام.

قال ابن أبي الحديد عقيب ذلك : هذا نصّ صريح في إمامة عليّ عليه‌السلام (١).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٧.

٢٨٨

الباب السادس والمائة

في حديث خاصف النعل

من طريق الخاصّة وفيه حديثان

الأوّل : محمّد بن العبّاس قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد عن محمد بن أحمد عن المنذر ابن جعفر قال : حدّثني أبي عن جعفر بن الحكم عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال : خطبنا عليّ عليه‌السلام في الرحبة ثمّ قال : لمّا كان في زمان الحديبية خرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اناس من قريش من أشراف أهل مكّة وفيهم سهل بن عمرو وقالوا : يا محمد أنت جارنا وحليفنا وابن عمّنا وقد لحق بك اناس من أبنائنا واخواننا وأقاربنا ليس فيهم التفقه في الدين ولا رغبة فيما عندك ولكن إنّما خرجوا فرارا من ضياعنا وأعمالنا وأموالنا فارددهم علينا ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر فقال له : انظر ما يقولون فقال : صدقوا يا رسول الله ، أنت جارهم فاردد عليهم قال : ثمّ دعا عمر فقال مثل قول أبي بكر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك : لا تنتهوا يا معشر قريش حتّى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للتقوى يضرب رقابكم على الدين فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ فقال : لا فقام عمر فقال : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا ولكنّه خاصف النعل ، وكنت أخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال عمر : ثمّ التفت إلينا عليّعليه‌السلام وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار (١).

الثاني : المفيد في الاختصاص قال : حدّثني محمد بن علي بن شاذان فقال ، حدّثنا أحمد بن يحيى النحوي أبو العبّاس تغلب قال : حدّثنا أحمد بن سهل بن أبو عبد الرحمن قال : حدثنا يحيى ابن محمد بن موسى قال : حدثنا أحمد بن قتيبة أبو بكر عن عبد الحكم القتيبي عن أبي كيسة ويزيد بن ورمان قالا : لما أجمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت أمّ سلمة (رض) وكانت بمكّة وقالت : يا بنت أبي أميّة كنت كبيرة أمّهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقيم في بيتك ، وكان يقسم لنا في بيتك ، وكان ينزل الوحي في بيتك قالت : يا بنت أبي بكر لقد زرتني وما كنت زوارة ولأمر ما تقولين هذه المقالة!.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٣٢ / ٣١٣ / ح ٢٨٢. وفي سند الحديث اختلاف.

٢٨٩

قالت : إنّ ابني وابن أخي أخبراني أنّ الرجل قتل مظلوما وأنّ في البصرة مائة ألف سيف يطاعون ـ وفي نسخة يطيعون ـ فهل لك أن أخرج أنا وأنت لعلّ الله أن يصلح بين فئتين متشاجرتين؟ وقالت : يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين ولقد كنت أشد الناس عليه ، وإن كنت لتدعينه بالتبري أم أمر ابن أبي طالب تنقضين؟ فقد تابعه المهاجرون والأنصار وإنّك سدّه بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين أمّته وحجابه مضروب على حرمه ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه وسكني عقيراك ولا تضحي بها ، الله من وراء هذه الامّة قد علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكانك ولو أراد أن يعهد إليك فعله قد نهاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الفراطة في البلاد ، إنّ عمود الإسلام لا ترأبه النساء إن انثلم ولا يشعب بهنّ إن انصدع ، حماديات النساء غضّ بالأطراف وقصر الوهادة وما كنت قائلة لو أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرض لك ببعض الفلوات وأنت ناصّة قلوصا من منهل إلى آخر أن بعين الله مهواك وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تردين وقد وجهت سدافته وتركت عهيداه.

اقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثمّ قيل لي : ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله هاتكة حجابا قد ضربه الله عليّ ، اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر خبرك حتّى تلقيه وأنت على ذلك أطوع ما تكونين لله ما لزمتيه ، وأنصر ما تكونين للدين ما جلست عنه ، ثمّ قالت : لو ذكرت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسا في عليّ لنهشتني نهشة الحية الرقشاء المطرّقة ذات الخبب ، أتذكرين إذ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا فأقرع بينهنّ فخرج سهمي وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد ومعه عليّ عليه‌السلام يحدّثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معه ابن عمّه ولعلّ له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك فقلت إنّك هجمت عليهما.

فقلت له : يا علي إنّما لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم من تسعة أيّام وقد شغلته عنّي وأخبرتني أنّه قال لك : تبغضينه ، فما يبغضه أحد من أهلي ولا من أمّتي إلّا خرج من الإيمان؟ أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت : نعم ، ويوم أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سفرا وأنا أجش له جشيشا فقال : ليت شعري أيّتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب؟ فرفعت يدي من الجشيش فقلت : أعوذ بالله أن أكونه فقال : والله لا بدّ لأحدكما أن تكونه ، اتّقي الله يا حميراء أن تكونيه ، أتذكرين من هذا يا عائشة؟ قالت : نعم، ويوم تبدّلنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس إلى جنبك فقال : أتظنين يا حميراء إنّي لا أعرفك ، أمّا إنّ لامّتي منك يوما مرّا ويوما أحمر ، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت : نعم ويوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاءك أبوك يستأذن وعمر فدخلنا الخدر فقالا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّا لا ندري قدر مقامك فينا ولو جعلت لنا إنسانا نأتيه بعدك؟ قال : أمّا إني

٢٩٠

أعرف مكانه وأعلم موضعه ولو أخبرتكم به لتفرّقتم عنه تفرّق بني إسرائيل عن عيسى ابن مريم ، فلمّا خرجا خرجت إليه أنا وأنت فكنت جريئة عليه وقلت له : من كنت جاعلا لهم؟ فقال : خاصف النعل، وكان علي بن أبي طالب يصلح نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تخرقت ويغسل ثيابه إذا اتّسخت فقلت : ما أرى إلّا عليّا فقال : هو ذاك ، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت : نعم ، قالت : ويوم جمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ميمونة فقال : يا نسائي اتقين الله ولا يسفر بكن أحد ، أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت : نعم ، ما أقبلني لوعظك وأسمعني لقولك فإن اخرج ففي غير حرج وإن أقعد ففي غير بأس ، وخرج رسولها فنادى في الناس : من أراد أن يخرج فليخرج فإنّ أمّ المؤمنين غير خارجة ، فدخل عليها عبد الله بن الزبير فنفث في أذنها وقلبها في الذروة فخرج رسولها فنادى : من أراد أن يسير فليسر فإنّ أمّ المؤمنين خارجة فلمّا كان من ندمها انشأت أمّ سلمة تقول :

لو أنّ معتصما من زلّة أحد

كانت لعائشة الرتبى على الناس

كم سنّة لرسول الله تاركة

وتلو آي من القرآن مدراس

قد ينزع الله من ناس عقولهم

حتّى يكون الذي يقضى على الناس

فيرحم الله أمّ المؤمنين لقد

كانت تبدّل إيحاشا بإيناس

قال أبو العبّاس ثعلب : قوله : يقمأ في بيتك : يعني يأكل ويشرب وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه : البذخ النفخ والرياء والكبر ، سكنى عقيراك : مقامك وبذلك سمّي العقار لأنّه أصل ثابت ، وعقر الدار : أصلها وعقر المرأة ثمن بضعها فلا تضحي بها قال الله عزوجل : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) أي لا تبرز للشمس ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل محرم : «أضح لمن أحرمت له» أي اخرج إلى البراز والموضع الظاهر المنكشف من الأغطية والستور ، الفراطة في البلاد : السعي والذهاب ، لا ترأبه النساء : لا تضمه النساء ، حمادى النساء : ما يحمد منهن غض بالأطراف لا يبسطن اطرافهن في الكلام، قصر الوهادة : جمع وهد وهاد والوهاد : الموضع المنخفض ، ناصّة قلوصا : النصّ السوق بالعنف ومن ذلك الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان إذا وجد فجوة نص أي أسرع ، ومن ذلك نصّ الحديث أي رفعه إلى أصله بسرعة ، من منهل إلى آخر ، المنهل الذي يشرب فيه الماء ، مهواك : الموضع الذي تهوين وتستقرين فيه قال الله عزوجل : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) أي نزل ، سدافته : من السدفة وهي شدّة الظلمة، قاعة الستر : قاعة الدار ، صحنها ، السدّة : الباب (١).

__________________

(١) الاختصاص ١٦٦. بحار الأنوار : ٣٢ / ١٦٢ / ح ١٢٨.

٢٩١

الباب السابع والمائة

حديث الأعمش مع المنصور

من طريق العامّة وفيه حديث واحد

أبو المؤيّد موفّق بن أحمد في كتاب الفضائل قال : أخبرنا الشيخ الإمام برهان الدين أبو الحسن علي بن الحسين الغزنوي بمدينة السلام في داره سلخ ربيع الأوّل من سنة أربع وأربعين وخمسمائة أخبرنا الشيخ الإمام أبو القاسم إسماعيل أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي ، أخبرنا أبو القاسم [اسماعيل] بن مسعدة الإسماعيلي في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الرجل الصالح ، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الحافظ ، أخبرنا أبو علي الحسين بن عفير بن حماد بن زياد العطّار بمصر ، حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي ابن زريق بن إسماعيل الكوفي التيمي ، حدّثنا جرير بن عبد الحميد الضبي ، حدّثنا سليمان بن مهران الأعمش قال : بينا أنا نائم في الليل إذا انتبهت بالحرس على بابي فناديت الغلام قلت : من هذا؟ فقال : رسل أمير المؤمنين أبي جعفر وكان إذ ذاك خليفة ، قال : فنهضت من نومي فزعا مرعوبا فقلت للرسول ما وراءك؟ هل علمت لم بعث إليّ أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قال : لا أعلم.

قال : فقمت متفكّرا لا أدري على ما ذا أنزل الأمر ، أفكر فيما بيني وبين نفسي إلى ما ذا أصير إليه ، وأقول : لم بعث إليّ في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم؟ ففكرت ساعة يسألني عن فضائل عليّ ، فإن أنا أخبرته فيه بالحقّ أمر بقتلي وصلبني فأيست والله من نفسي وكتبت وصيّتي والرسل يزعجوني ولبست كفني وتحنطت بحنوط وودّعت أهلي وصبياني ونهضت إليه وما أعقل ، فلمّا دخلت إليه سلّمت عليه سلام مخيف وجل فأومأ إليّ أن اجلس فما ما جلست وعيا وعنده عمرو بن عبيد ووزيره وكاتبه فحمدت الله عزوجل إذ رأيت من رأيت عنده فرجع إليّ ذهني وأنا قائم وسلّمت سلاما ثانيا فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثمّ جلست فعلم أنّي دهشت ورعبت منه ، فلم يقل لي شيئا وكان أوّل كلمة قالها إن قال لي : يا سليمان ، قلت : لبّيك يا أمير المؤمنين؟

قال : يا ابن مهران أدن منّي ، فدنوت منه فشمّ منّي رائحة الحنوط فقال : يا أعمش والله لتصدقني

٢٩٢

أمرك وإلّا صلبتك حيّا فقلت : سلني يا أمير المؤمنين عمّا بدا لك فأنا والله أصدقك ولا أكذبك حاجتك، فو الله إن كان الكذب ينجيني فإنّ الصدق أنجى ، فقال لي : ويحك يا سليمان إنّي أجد منك رائحة الحنوط فخبرني بما حدثتك به نفسك؟ ولما فعلت ذلك؟ فقلت : أنا أخبرك يا أمير المؤمنين وأصدقك ، لما أتاني رسولك في بعض الليل فقال : أجب أمير المؤمنين فقمت وأنا متفكّر خائف وجل مرعوب فقلت بيني وبين نفسي : ما بعث إلى أمير المؤمنين في هذه الساعة وقد غارت النجوم ونامت العيون إلّا ليسألني عن فضائل عليّ بن أبي طالب ، فإن أنا أخبرته بالحقّ أمر بقتلي ويصلبني حيّا ، فصلّيت ركعتين وكتبت وصيّتي والرسل يزعجوني وتحنّطت ولبست كفني وودّعت أهلي وصبياني وأجبتك يا أمير المؤمنين سامعا مطيعا مؤيسا من الحياة خائفا راجيا أن يسعني عفوك قال : فلمّا سمع مقالتي علم أنّي صادق وكان متّكيا فاستوى جالسا ثمّ قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، فلمّا سمعته قالها سكن قلبي وذهب عنّي بعض ما كنت أجد من رعبي وما كنت أخاف من سطوته علي ، فقال الثانية : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، أسألك بالله يا سليمان إلّا أخبرتني كم من حديث ترويه في فضائل عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصهر النبيّ وزوج حبيبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت : يسيرا ، قال : كم؟

قلت : يسيرا يا أمير المؤمنين ، قال : ويحك كم تحفظ؟ قلت : عشرة آلاف حديث أو ألف حديث فلمّا قلت أو ألف حديث استقلّها فقال : ويحك يا سليمان بل هي عشرة آلاف كما قلت أوّلا ثمّ قال : وجثا أبو جعفر على ركبتيه وهو فرح مسرور وكان جالسا ثم قال : والله لأحدّثنّك يا سليمان بحديثين في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإن يكونا ممّا سمعت ووعيت فعرفني وإن يكونا ممّا لم تسمع فاسمع وافهم ، قلت : نعم يا أمير المؤمنين فأخبرني ، قال : نعم أنا أخبرك أنّي مكثت أيّاما وليالي هاربا من بني مروان ولا يسعني منهم دار ولا قرار ولا بلد وأدور في البلدان ، فكلّما دخلت بلدا خالطت أهل ذلك البلد بما يحبّون وأتقرّب إلى جميع الناس بفضائل عليّ بن أبي طالب وكانوا يطعمونني ويكسونني ويزودونني إذا خرجت من عندهم من بلد إلى بلد حتّى قدمت إلى بلاد الشام وعليّ كساء لي خلق ما يواريني غيره ، قال : فبينما أنا كذلك إذ سمعت الأذان فدخلت المسجد فإذا سجّادة ومتوضّأ فتوضّأت للصلاة ودخلت المسجد فركعت ركعتين فيه ، واقيمت الصلاة فصلّيت معهم الظهر والعصر وقلت في نفسي إذا أتى الليل طلبت من القوم عشاء أتعشّى به ليلتي تلك ، فلمّا سلم الشيخ من صلاة العصر جلس وهو شيخ كبير له وقار وسمت حسن ونعمة ظاهرة إذ أقبل صبيّان وهما أبيضان نبيلان وضيئان لهما جمال ونور ساطع أعينهما يتلألأن ، دخلا

٢٩٣

المسجد فسلّما فلمّا نظر إليهما إمام المسجد قال لهما : مرحبا بكما وممّن سمّيتما على اسمهما قال : وكنت جالسا وإلى جنبي فتى شاب فقلت له : يا شاب ما هذان الصبيّان ومن هذا الشيخ الإمام؟

فقال : هو جدّهما وليس في هذه المدينة رجل يحبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام غير هذا الشيخ فقال : الله أكبر ومن أين علمت قال : علمت؟ أنّ من حبّه لعليّ سمّى ولده باسمي ولديّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين.

قال : فقمت فرحا مسرورا حتّى أتيت الشيخ فقلت له : أيّها الشيخ اريد أن احدّثك بحديث حسن يقرّ الله به عينك فقال : نعم ، ما أكره ذلك فحدّثني يرحمك الله وإذا أقررت عيني أقررت عينك فقلت : أخبرني والدي عن أبيه عن جدّه قال : كنّا ذات يوم جلوسا عند رسول الله إذ أقبلت فاطمة ابنته رضي الله عنها فدخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا أبة إنّ الحسن والحسين خرجا من عندي آنفا وما أدري أين هما وقد طار عقلي وقلق فؤادي وقلّ صبري ، وبكت وشهقت حتّى علا بكاؤها فلمّا رآها رحمها ورق لها وقال لها لا تبكي يا فاطمة فو الذي نفسي بيده أن الذي خلقهما هو ألطف بهما منك وأرحم بصغرهما منك ، قال : ثمّ قام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من ساعته ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّهما ولداي وقرّة عيني وثمرة فؤادي وأنت أرحم بهما منّي وأعلم بموضعهما ، يا لطيف بلطفك الخفيّ أنت عالم الغيب والشهادة ، اللهمّ إن كان أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلّمهما حيث كانا وحيثما توجّها.

قال : فلمّا دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما استتم الدعاء إلّا وقد هبط جبرائيل عليه‌السلام من السماء ومعه عظماء الملائكة وهم يؤمّنون على دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له جبرائيل : يا حبيبي يا محمّد لا تحزن ولا تغتمّ وأبشر فانّ ولديك فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما وهما نائمان في حظيرة بني النجّار وقد وكّل الله عزوجل بهما ملكا يحفظهما ، فلمّا قال له جبرائيل عليه‌السلام هذا الكلام سرى عنه ثمّ قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو وأصحابه وهو فرح مسرور حتّى أتوا حظيرة بني النجّار ، فإذا الحسن والحسين نائمان وهما متعانقان ، وإذا ذلك الملك الموكّل بهما قد وضع أحد جناحيه بالأرض ووطأ به تحتهما يقيهما حرّ الأرض ، والجناح الآخر قد جللهما به يقيمها حرّ الشمس فانكبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلهما واحدا فواحدا ويمسحهما بيده حتّى أيقظهما من نومهما.

قال : فلمّا استيقظا حمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن على عاتقه وحمل جبرائيل الحسين عليه‌السلام على ريشة من جناحه الأيمن حتّى خرج بهما من الحظيرة وهو يقول : والله لأشرّفنكما اليوم كما شرّفكم الله

٢٩٤

تعالى في سماواته ، فبينما هو وجبرائيل عليه‌السلام يمشيان إذ تمثّل جبرائيل دحية الكلبي وقد حملاهما فأقبل أبو بكر فقال له : يا رسول الله ناولني أحد الصبيّين أخفف عنك وعن صاحبك وأنا أحفظه حتّى أؤدّيه إليك فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جزاك الله خيرا ، يا أبا بكر دعهما فنعم الحاملان نحن ونعم الراكبان هما لنا ، وأبوهما خير منهما فحملاهما وأبو بكر معهما حتّى أتوا بهما إلى مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل بلال فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال هلمّ عليّ بالناس فناد لي فيهم فأجمعهم لي في المسجد ، فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على قدميه خطيبا ثمّ خطب الناس بخطبة أبلغ فيها فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ومستحقّه ثمّ قال : معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس بعدي جدّا وجدّة؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عليكم بالحسن والحسين فإنّ جدّهما محمّد المصطفى وجدّتهما خديجة بنت خويلد سيّدة نساء أهل الجنّة ، وهي أوّل من سارعت إلى تصديق ما أنزل الله على نبيّه وإلى الإيمان بالله وبرسوله ثمّ قال : يا معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس أبا وامّا؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : عليكم بالحسن والحسين فإنّ أباهما عليّ يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله وأمّهما فاطمة بنت رسول الله ، وقد شرّفهما الله عزوجل في سماواته وأرضه ، ثمّ قال : معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس عمّا وعمّة؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : عليكم بالحسن والحسين فإنّ عمّهما جعفر ذو الجناحين الطيّار مع الملائكة في الجنّة وعمّتهما أمّ هانئ بنت أبي طالب ، ثمّ قال : يا معاشر المسلمين هل أدلّكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عليكم بالحسن والحسين فإنّ خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثمّ قال : اللهم إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة وجدّهما في الجنّة وجدّتهما في الجنّة وأمّهما في الجنّة وأبوهما في الجنّة وخالهما في الجنّة وخالتهما في الجنّة وعمّهما في الجنّة وعمّتهما في الجنّة ومن يحبّهما في الجنّة ومن يبغضهما في النار قال : فلمّا قلت ذلك للشيخ وفهم قولي قال لي : أيّدك الله من أنت؟ قلت : أنا من الكوفة قال : أعربيّ أنت أم مولى؟ قلت : بل عربي شريف.

فقال لي : إنّك تحدّثت مثل هذا الحديث وأنت في هذا الكساء الرثّ؟ قلت : نعم ، لي قصّة لا أحبّ أن أبديها لأحد قال : ابدها لي بأمانة فقلت : أنا هارب من بني مروان على هذه الحال التي ترى لئلّا أعرف ولو غيّرت حالي لعرفت ولو أردت أن أعرّف بنفسي لفعلت ولكنّي أخاف على نفسي القتل ، فقال لي لا خوف عليك فقال : أقم عندي وكساني حلّتين خلعهما عليّ وحملني على بغلة ، وثمن البغلة في ذلك اليوم في تلك البلدة مائة دينار ثمّ قال : يا فتى اقررت عيني أقرّ الله عينك فو الله

٢٩٥

لأرشدنّك إلى فتى يقرّ الله به عينك فقلت : ارشدني رحمك الله قال : فأرشدني إلى باب دار فأتيت الدار التي وصف لي وأنا راكب على البغلة وعليّ خلعتان ، فقرعت الباب وناديت الخادم فأذن لي بالدخول فدخلت عليه فإذا أنا بفتى قاعد على سرير منجد ، صبيح الوجه حسن الجسم فسلّمت عليه فردّ السلام بأحسن مردّ ثمّ أخذ بيدي مكرما حتّى أجلسني إلى جانبه ، قال لي : والله يا فتى لأعرف هذه الكسوة التي خلعت عليك وأعرف هذه البغلة ، وو الله ما كان أبو محمد وكان اسمه الحسن ليكسوك خلعتيه هاتين ويركبه على بغلته هذه إلّا لأنّك تحبّ الله ورسوله وذريّته وجميع عترته ، فأحبّ رحمك الله أن تحدّثني بفضائل عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه.

فقلت له : نعم بالحب والكرامة ، حدّثني والدي عن أبيه عن جدّه قال : كنّا يوما عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قعودا فأقبلت فاطمة وقد حملت الحسن على كتفها وهي تبكي بكاء شديدا وتشهق في بكائها فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يبكيك يا فاطمة لا أبكى الله عينيك؟ قالت : يا أبت فكيف لا أبكي ونساء قريش قد عيّرتني قلن لي : إنّ أباك قد زوّجك برجل فقير معدم لا مال له فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تبكي يا فاطمة فو الله ما أنا زوّجتك ، بل الله عزوجل زوّجك من فوق سبع سماواته وأشهد على ذلك جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، ثمّ إنّ الله عزوجل اطّلع على أهل الأرض فاختار من الخلائق عليّا فزوّجك إيّاه واتخذته وصيّا ، وعليّ منّي وأنا منه أشجع الناس قلبا وأعلم الناس علما وأحلم الناس حلما وأقدم الناس سلما والحسن والحسين ابناه سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ، وسمّاهما الله تعالى في التوراة على لسان موسى عليه‌السلام شبّر وشبير لكرامتهما على الله تعالى.

يا فاطمة لا تبكي فإنّي إذا مضيت غدا إلى ربّ العالمين فيكون عليّ معي وإذا بعثت غدا فيجيء عليّ معي ، يا فاطمة لا تبكي فإنّ عليّا وشيعته هم الفائزون غدا ، يدخلون الجنّة ، قال : فلمّا قلت ذلك للفتى قال : أنشدك الله وبالله عزوجل من أنت؟ قال : قلت أنا رجل من أهل الكوفة فقال : أعربيّ أم مولى؟ قال : بل عربيّ شريف ، قال : فكساني ثلاثين ثوبا في تخت (١) وأعطاني عشرة آلاف درهم في كيس ثمّ قال لي : أقررت عيني يا فتى أقرّ الله عينيك ، ولم يسألني غير ذلك ثمّ قال لي : إليك حاجة؟ فقلت له : تقضى إن شاء الله تعالى فقال : إذا أصبحت غدا فائت مسجد بني فلان حتّى ترى أخي الشقيّ.

قال أبو جعفر : فو الله لقد طالت عليّ تلك الليلة حتّى خشيت أن لا أصبح حتّى أفارق الدنيا ،

__________________

(١).

٢٩٦

قال : فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصف لي وحضرت الصلاة فقمت في الصفّ الأوّل لفضله وإلى جانبي على يساري شاب معتمّ بعمامة فذهب ليركع فسقطت عمامته من رأسه فنظرت إليه فإذا رأسه رأس خنزير ووجهه وجه خنزير ، قال أبو جعفر فو الذي أحلف به ما علمت ما أنا فيه ولا عقلت أنا في الصلاة أم في غير صلاة تعجّبا ، ودهشت حتّى ما أدري ما أقول في صلاتي إلى أن فرغ الإمام من التشهّد فسلّم وسلّمت ثمّ قلت له : ما هذا الذي أراك؟ فقال لي : لعلّك صاحب أخي الذي أرسلك إليّ لتراني؟

قال : قلت : نعم ، فأخذ بيدي وأقامني وهو يبكي بكاء شديدا ثمّ شهق في مكانه حتّى كادت نفسه أن تزهق ثمّ أتى بي إلى منزله فقال لي انظر الى هذا البنيان فنظرت إليه فقال لي : اعلم يا أخي إنّي كنت أؤذّن وأؤمّ بالناس ، وكنت ألعن عليّ بن أبي طالب بين الأذان والإقامة ألف مرّة وأنّه كان قد لعنته في يوم الجمعة بين الأذان والإقامة أربعة آلاف مرّة وخرجت من المسجد وأتيت الدار واتكأت على هذا الموضع الذي أريتك ، فذهب بي النوم فنمت فرأيت في منامي كأنّي قد أقبلت باب الجنّة فرأيت فيها قبّة من زمرّدة خضراء وقد زخرفت ونجدت ونضّدت بالاستبرق والديباج وإذا حول القبّة كراس من لؤلؤ وزبرجد وإذا عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه فيها متّك ، وإذا أبو بكر الصدّيق وعمر وعثمان (رض) جلوس يتحدّثون فرحين مسرورين مستبشرين بعضهم ببعض ثمّ التفتّ فإذا أنا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقبل وعن يمينه الحسن ومعه كأس فضّة وعن يساره الحسين رضى الله عنه وفي يد الحسين كأس من نور.

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين : اسقني فسقاه فشرب ثمّ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حسين اسق الجماعة فسقى أبا بكر وعمر وعثمان (رض) وسقى عليّا رضى الله عنه ، وكأنّما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين : يا حسين اسق ، هذا اسق هذا المتّكئ الذي على الدكّان ، فقال الحسين للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جدّاه أتأمرني أن أسقي هذا وهو يلعن والدي عليّا في كلّ يوم ألف مرّة وقد لعنه في هذا اليوم وهو يوم الجمعة أربعة آلاف مرّة؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك كالمغضب : ما لك تلعن عليّا لعنك الله ، لعنك الله؟ ثلاث مرّات ، ويحك تشتم عليّا وهو منّي وأنا منه؟ عليك غضب الله ، عليك غضب الله ، عليك غضب الله حتّى قالها ثلاثا ، ثمّ تفل في وجهي ثلاثا وضربني برجله ثلاثا وقال لي : غيّر الله ما بك من نعمة وسوّد وجهك وخلقك حتّى تكون عبرة لمن سواك قال : فانتبهت من نومي وإذا رأسي رأس خنزير ووجهي وجه خنزير على ما تراني ، فقال سليمان بن مهران : فقال لي أبو جعفر : يا سليمان هذان الحديثان كانا في حفظك؟

٢٩٧

قلت : لا يا أمير المؤمنين فقال : هذان من ذخائر الحديث وجوهره. ثمّ قال : ويحك يا سليمان حبّ عليّ ايمان وبغضه نفاق فقلت : الأمان الأمان يا أمير المؤمنين فقال : لك الأمان يا سليمان ، قلت : فما تقول في قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب؟ قال : في النار أبعده الله ، قلت : وكذلك من يقتل من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدا فهو في النار قال : فحرّك أمير المؤمنين أبو جعفر رأسه طويلا ثمّ قال : ويحك يا سليمان الملك عقيم ثمّ قالها ثلاث مرّات قال : يا سليمان اخرج فحدّث الناس بفضائل عليّ بن أبي طالب بكلّ ما شئت ولا تكتمنّ منه حرفا والسلام (١).

قال : وروى هذا الحديث صاحب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة قال : أخبرنا أبو الخير المبارك بن سرور قراءة عليه فقلت له : أخبركم القاضي أبو عبد الله قال : حدّثني أبي رحمه‌الله قال : أخبرني أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصيرفي البغدادي قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن سليم عن عبد الله بن محمد العسكري عن عبد الله بن غياث الهروي عن الحسن بن عرفة قال: حدّثني أبو معاوية قال : حدّثنا الأعمش قال : بعث إليّ المنصور في جوف الليل فجزعت وقلت في نفسي : ما بعث إليّ في مثل هذه الساعة لخير ولا شكّ أنّه يسألني عن فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فإن أخبرته يقتلني فنهضت فتطهّرت ولبست ثيابا نظيفة جعلتها أكفاني وتحنّطت وكتبت وصيّتي وصرت إليه ، فوجدت عنده عمرو بن عبيد فحمدت الله وقلت : وجدت رجلا عون صدق فلمّا صرف بين يديه قال لي : ادن منّي يا سليمان فدنوت منه فلمّا قربت منه أقبلت على عمرو بن عبيد أسأله ففاح له مني ريح الحنوط فقال لي المنصور : يا سليمان ما هذه الرائحة؟ والله لئن لم تصدقني لأقتلنّك فقلت : يا أمير المؤمنين لمّا أتاني رسولك في جوف الليل قلت : ما بعث لي في هذا الوقت إلّا ليسألني عن فضائل أهل البيت ، فإن أخبرته قتلني فكتبت وصيّتي ولبست ثيابا جعلتها أكفاني وتحنّطت ، وكان متّكيا فاستوى جالسا وقال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ثمّ قال لي : يا سليمان ما اسمي؟

قلت : أمير المؤمنين عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس قال : صدقت ، قال : فأخبرني كم حديثا تروي في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام؟ فقلت : يسيرا ، قال : على كم ذلك؟

قلت : عشرة آلاف حديث وما زاد قال : يا سليمان لأحدّثنك في فضائلهم حديثين يأكلان كل الأحاديث [التي رويتها] إن حلفت أن لا ترويهما لأحد من الشيعة فقلت : والله لا أخبر بهما أحدا وحلفت له بنعمته فقال : اسمع يا سليمان كنت هاربا من مروان أدور في البلاد وأتقرّب إلى الناس

__________________

(١) المناقب ٢٨٤ / ح ٢٧٩ بتفاوت.

٢٩٨

بفضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكانوا يأتونني ويزوّدونني ويطعمونني حتّى وردت بلاد الشام وأنا في خلق كساء ما عليّ غيره ، فسمعت الأذان في مسجد فدخلت لاصلّي وفي نفسي أن اكلّم الناس في عشاء أتعشّى به ، فصلّيت وراء الإمام فلمّا سلّم اتّكأ على الحائط وأهل المسجد حضور ما رأيت أحدا يتكلّم توقيرا لإمامهم وأنا جالس ، وإذا صبيّان قد دخلا المسجد فلمّا نظر إليهما الإمام قال : مرحبا بكما ومرحبا بمن تسمّيتما باسمهما ، فقلت في نفسي : قد أصبت حاجتي وكان إلى جنبي شاب فقلت له: من يكون ذان الصبيّان من الشيخ؟ فقال : هو جدّهما وليس في هذه المدينة من يحبّ عليّا ، سواه فلذلك قد سمّاهما حسنا وحسينا فملت بوجهي إلى الشيخ وقلت له : هل لك في حديث أقرّ به عينك؟ فقال : ما أحوجني إلى ذلك ، وإن أقررت عيني أقررت عينك فقلت : حدّثني جدّي عن أبيه قال : كنّا ذات يوم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبلت فاطمة عليها‌السلام وهي تبكي ، فقال لها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا قرّة عيني؟ قالت : يا أباه الحسن والحسين خرجا البارحة ولم أعلم أين باتا ، وأنّ عليّا يمسي على الدالية يسقي البستان منذ خمسة أيّام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تبكي يا فاطمة فإنّ الذي خلقهما ألطف منّي ومنك بهما ، ورفع يده إلى السماء وقال : اللهمّ إن كانا أخذا برّا أو بحرا فاحفظهما وسلّمهما ، فهبط جبرائيل عليه‌السلام وقال : يا محمّد لا تهتمّ ولا تحزن فهما فاضلان في الدّنيا والآخرة ، وإنّهما في حديقة بني النجّار باتا ، وقد وكّل الله بهما ملكا يحفظهما فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجبرائيل عليه‌السلام عن يمينه ومعه جماعة من أصحابه حتّى أتوا إلى الحديقة وإذا الحسن معانق للحسين عليهما‌السلام والملك الموكّل بهما أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما فانكبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما يقبّلهما فانتبها من نومهما ، فحمل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن وحمل جبرائيل الحسين عليه‌السلام حتّى خرجا من الحديقة والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لأشرفنهما اليوم كما أكرمهما الله تعالى فاستقبله أبو بكر وقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ناولني أحدهما حتّى أحمله عنك فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم المحمولة ونعم المطيّة ، وأبوهما خير منهما حتّى أتى المسجد فقال لبلال : هلمّ إليّ الناس ، فاجتمعوا فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا معاشر المسلمين ألا أدلّكم على خير الناس جدّا وجدّة.

قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هذا الحسن والحسين جدّهما رسول الله وجدّتهما خديجة ثمّ قال : ألا أدلّكم على خير الناس أبا وامّا؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هذا الحسن والحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب وأمّهما فاطمة ابنة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّدة نساء العالمين ، قال : ألا أدلّكم على خير الناس خالا وخالة؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هذا الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله ، ثمّ قال : ألا أدلّكم على خير الناس عمّا وعمّة؟ قالوا : بلى يا رسول

٢٩٩

الله ، فقال : هذان الحسن والحسين عمّهما جعفر الطيّار وعمّتهما أمّ هانئ بنت أبي طالب ، ثمّ قال : اللهمّ إنّك تعلم أن الحسن في الجنة والحسين في الجنة وجدهما في الجنة ، وجدتهما في الجنة ، وأباهما في الجنة وأمهما في الجنة ، وعمهما في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، وخالهما في الجنة وخالتهما في الجنة ، اللهم إنك تعلم أن من يحبّهما في الجنّة ومن يبغضهما في النار.

قال المنصور فلمّا حدّثت الشيخ بهذا الحديث قال لي : من أين أنت؟ فقلت : من الكوفة ، قال: عربيّ أم مولى؟ فقلت : عربي ، قال : وأنت تحدّث بمثل هذا الحديث وأنت على مثل هذه الحالة؟ ورأى كسائي خليقا فخلع عليّ وحملني على بغلته وقال : قد أقررت عيني لأرشدنّك إلى فتى تقرّ به عينك، ثمّ أرشدني إلى باب دار بقربه فأتيت الدار التي وصفها لي فإذا بشاب صبيح الوجه فلمّا نظر إليّ قال : والله إنّي لأعرف الكسوة والبغلة وما كساك أبو فلان خلعة وحملك على بغلته إلّا وأنت تحبّ الله ورسوله ، فأنزلني وحدّثته في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقلت له : أخبرني والدي عن جدّي عن أبيه قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم إذ أقبلت فاطمة والحسن والحسين عليهما‌السلام على كتفيها وهي تبكي فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا فاطمة؟

قالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نساء قريش عيّرنني وقلن لي إنّ أباك زوّجك برجل معدم لا مال له ولا نعم فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا بالذي زوّجتك ، بل الله عزوجل زوّجك من فوق سماواته وأشهد جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فأوحى الله إليّ أن ازوّجك في أرضه بعليّ ، وإنّ الله اطّلع على الأرض اطلاعة فاختار منها عليّا لك بعلا فزوّجك إيّاه ، فعليّ أشجع الناس قلبا وأعظم الناس حلما وأعلم الناس علما وأقدم الناس سلما وأسمح الناس كفّا ، يا فاطمة إنّي لآخذ مفاتيح الجنّة بيدي ولواء الحمد أيضا فادفعهما إلى عليّ فيكون آدم ومن ولد تحت لوائي ، يا فاطمة إنّي غدا اقيم على حوضي عليّا يسقي من عرف من أمّتي ، يا فاطمة يكسى أبوك حلّتين من حلل الجنّة ، ويكسى عليّ حلّتين من حلل الجنّة ، ولواء الحمد في يدي وأمّتي تحت لوائي فأناوله لعليّ إكراما له من الله عزوجل ، وينادي مناد : يا محمّد نعم الجدّ جدّك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ ، وإذا دعاني ربّ العالمين دعا عليّا معي وإذا دعيت جيء معي وإذا أشفعت شفع معي ، وإذا أجبت أجاب معي ، وإنّه يوم القيامة عوني على مفاتيح الجنّة ، قومي يا فاطمة فإنّ عليّا وشيعته الفائزون غدا في الجنّة.

قال المنصور : فلمّا حدّثت الشاب بهذا الحديث قال لي : ومن أين أنت؟ قلت : من الكوفة قال : عربي أم مولى؟

قلت : عربيّ ، وكساني عشرين ثوبا وأعطاني عشرين ألف درهم وقال : قد أقررت عيني بهذا

٣٠٠