غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٦

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي

غاية المرام وحجّة الخصام - ج ٦

المؤلف:

السيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٨

قال : تلاق جهدا قال : في سلامة من ديني؟ قال : نعم ، قال : فإذا لا أبالي (١).

العاشر : روى أبو مخنف عن عبد الرّحمن بن حبيب عن أبيه قال : دخلنا على أمير المؤمنين وكنت حاضرا بالمدينة فإذا هو واجم كئيب فقلت : ما أصاب قوم صرفوا هذا الأمر عنكم؟ فقال : صبر جميل : فقلت سبحان الله إنك لصبور ، قال : فان لم أصبر فما ذا أصنع؟ فقلت : تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك وتخبرهم أنك أولى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمل والسابقة وتسألهم [النصرة] على هؤلاء المتظاهرين عليك فإن اجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة فإن دانوا لك كان لك ما أحببت وإن أبوا قاتلتهم ، فإن ظهرت عليهم فهو سلطان الله الذي آتاه نبيه عليه‌السلام وكنت أولى به منهم ، ذهبوا بذلك فردّه الله إليك ، وأن قتلت في طلبه قتلت شهيدا وكنت أولى بالعذر عند الله تعالى في الدنيا والآخرة فقال : أو تراه كان تابعي من كل مائة عشرة؟ فقلت له : أرجو ذلك ، فقال : لكني لا أرجو ولا والله من كل مائة اثنان ، وسأخبرك من أين ذلك ، إن الناس إنما ينظرون إلى قريش فيقولون : هم قوم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبيلته ، وإن قريشا تنظر إلينا فيقولون : إن لهم بالنبوة فضلا على سائر قريش ، وإنّهم أولياء هذا الأمر من دون قريش والناس ، وإنهم إن ولّوه لم يخرج هذا السلطان منهم إلى أحد أبدا ، ومتى كان في غيرهم تداولتموه بينكم فلا والله لا تدفع هذا السلطان قريش طائعة إلينا أبدا فقلت : أفلا أرجع إلى المصر فأخبر الناس مقالتك هذه وادعوا الناس إليك؟ فقال : يا جندب ليس هذا زمان ذلك ، فرجعت فكلّما ذكرت للناس شيئا من فضل علي عليه‌السلام زبروني وقهروني حتى رفع ذلك من أمري إلى الوليد بن عقبة فبعث إليّ فحبسني (٢).

الحادي عشر : روى أبو مخنف أن عمارا رضى الله عنه قال في ذلك اليوم الذي بويع لعثمان :

يا ناعي الإسلام قم فانعه

قد مات عرف وأتى منكر

أما والله لو أن لي أعوانا لقاتلتهم ، وقال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : لئن قاتلتهم بواحد لأكوننّ ثانيا ، فقال عليه‌السلام : والله ما أجد عليهم أعوانا ولا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون (٣).

الثاني عشر : محمّد بن علي الحكيم الترمذي من أكابر العامة في كتابه قال : روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلي عليه‌السلام : إنما أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلّموا لك (٤) هذا الأمر فاقبله منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم ، ثم قال عقيب ذلك : فانصح منه إن ذلك كان عنه عليه‌السلام بإشارة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا لخوف ولا لعجز (٥).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٧.

(٢) الارشاد ١ / ٢٤٢ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٦٦.

(٣) شرح نهج البلاغة ٩ / ٥٥ و ١٢ / ٢٦٥.

(٤) فى لفظ : فمكّنوا لك.

(٥) الفردوس للديلمي : ٥ / ٣١٥ ح / ٨٣٠٠ ط دار الكتب العملية و ٤٠٦ ح / ٨٣٠٩ ط دار الكتاب العربي.

٢١

الباب الرابع والستون

في سبب تركه جهاد من تقدم عليه في الإمامة والخلافة

من طريق الخاصة وفيه عشرة أحاديث

الأوّل : ابن بابويه قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمّه عبد الله بن عامر عن محمّد بن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما بال أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقاتل فلانا وفلانا؟ قال : لآية في كتاب الله عزوجل (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) قال : قلت : وما يعني بتزايلهم؟ قال : ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ، وكذلك القائم عليه‌السلام لن يظهر أبدا حتى يخرج ودائع الله عزوجل فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله فقتلهم (١).

الثاني : ابن بابويه قال : حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رضى الله عنه قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود عن أبيه عن علي بن محمّد عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم الكرخي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ـ وقال له رجل ـ أصلحك الله ألم يكن علي عليه‌السلام قويا في دين الله؟ قال : بلى ، قال فكيف ظهر عليه القوم؟ وكيف لم يدفعهم؟ وما منعه من ذلك؟ قال : آية في كتاب الله عزوجل منعته ، قال : قلت : وأي آية؟ قال : قوله (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) إنّه كان لله عزوجل ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين ومنافقين فلم يكن عليعليه‌السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع فلما خرج الودائع ، ظهر على علي من ظهر فقاتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت لم يظهر أبدا حتى تظهر ودائع الله عزوجل ، فإن ظهرت ظهر على من ظهر [من أعداء الله] فقتله(٢).

الثالث : ابن بابويه قال : حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي (ره) قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود عن أبيه قال : حدّثنا جبرائيل بن أحمد قال : حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرّحمن عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (لَوْ

__________________

(١) كمال الدين : ٦٤١.

(٢) كمال الدين : ٦٤٢.

٢٢

تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١) لو اخرج [الله] ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين لعذب الذين كفروا (٢).

الرابع : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : حدّثنا أحمد بن علي قال : حدّثنا الحسين بن عبد الله السعدي قال : حدّثنا الحسن بن موسى الخشاب عن عبد الله بن الحسن عن بعض أصحابه عن فلان الكرخي ، قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : ألم يكن علي قويا في بدنه ، قويا بأمر الله ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : بلى ، قال : فما منعه أن يدفع أو يمنع؟ قال : سألت فافهم الجواب ، منع عليا من ذلك آية من كتاب الله ، قال : وأية آية؟ فقرأ (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) إنّه كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن علي عليه‌السلام ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع ، فلمّا خرج ظهر على من ظهر وقتله ، وكذلك قائمنا أهل البيت لم يظهر أبدا حتى يخرج ودائع الله ، فإذا خرجت ظهر على من ظهر [من أعداء الله] فيقتله (٣).

الخامس : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا محمّد بن محمّد قال : أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن الحسن البغدادي قال : حدّثنا الحسين بن عمر المقري عن علي بن الازهر عن علي بن صالح المكي عن محمّد بن عمر بن علي عنه أبيه عن جدة قال : لما نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (٤) قال لي : يا علي لقد جاء نصر الله والفتح فإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنّه كان توابا ، يا علي إن الله تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم جهاد المشركين معي فقلت : يا رسول الله وما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد؟ قال فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني ، فقلت فعلام نقاتلهم يا رسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله فقال : على إحداثهم في دينهم وفراقهم لأمري واستحلالهم دماء عتري ، قال : فقلت : يا رسول الله إنك كنت وعدتني الشهادة فاسأل الله تعجيلها لي فقال : أجل قد كنت وعدتك الشهادة ، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا فأومأ إلى رأسي ولحيتي فقلت : يا رسول الله إذا ثبت لي ما ثبت فليس بموطن صبر لكنه موطن بشرى وشكر ، فقال : أجل فأعد للخصومة فإنّك تخاصم أمتي ، قلت : يا رسول الله أرشدني الفلج قال : إذا رأيت قومك عدلوا عن الهدى إلى الضّلال فخاصمهم فإن الهدى من الله ، والضّلال من الشيطان.

__________________

(١) الفتح : ٢٥.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ٦٤١ ـ ٦٤١.

(٣) تفسير القمي : ٢ / ٣١٧.

(٤) النصر : ١.

٢٣

يا علي إن الهدى اتباع أمر الله دون الهوى والرأي ، وكأنك بقوم قد تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات فاستحلوا الخمر والنبيذ والبخس بالزكاة والسحت بالهدية قلت : يا رسول الله فما هم إذا فعلوا ذلك؟ أهم بأهل فتنة أم أهل ردة؟ فقال : هم أهل فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل فقلت : يا رسول الله العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال : بل منا ، بنا فتح الله وبنا يختم الله ، وبنا الّف الله بين القلوب بعد الشرك ، وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة ، فقلت الحمد لله على ما وهب لنا من فضله (١).

السادس : سليم بن قيس الهلالي في كتابه قال : قال رسول الله : علي أخي أفضل أمتي ، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا ، وأشار بيده إلى الحسين عليه‌السلام منهم المهدي ، إنّا أهل بيت اختار الله عزوجل لنا الآخرة على الدنيا ، ثم نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فاطمة عليها‌السلام وإلى بعلها والى ابنيها فقال : يا سلمان أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ، أما إنّهم معي في الجنة ، ثم أقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على علي عليه‌السلام فقال : يا أخي إنك ستلقى بعدي من قريش شدّة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة ، فإنك بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة أنّه قال لأخيه موسى : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) (٢) (٣).

السابع : سليم بن قيس الهلالي قال : قال أشعث بن قيس لأمير المؤمنين : فهلّا فعلت فعل ابن عفان ، فقال علي عليه‌السلام أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت؟ أنا أعوذ بالله من شر ما تقول يا ابن قيس ، والله إن الذي فعل ابن عفان وحمله على ذلك من لا دين له ، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجة في يدي والحق معي؟ والله إن امرأ يمكّن عدوه من نفسه يأكل من لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه ، وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره ضعيف عقله أو ما ضمت عليه جوانح صدره ، فكن أنت ذلك يا ابن قيس ، فأما أنا فدون ، والله إن أعطى بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش إلهام وتطير منه الأكف والمعاصم ويفعل الله بعد ذلك ما شاء ، ويلك يا ابن قيس إن المؤمن يموت بكل ميتة غير أنه لا يقتل نفسه فمن قدر على حقن دمه ، ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه ، يا ابن قيس إن هذه الأمة تفترق ثلاثا وسبعين فرقة منها واحدة في الجنة واثنتان

__________________

(١) أمالي الطوسي ٦٦ / ٩٦.

(٢) الأعراف : ١٥٠.

(٣) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٥٦٧ ـ ٥٦٨ / ح ١.

٢٤

وسبعون في النار وشرها وأبغضها إلى الله عزوجل وابعدها منه السامرة الذين يقولون (لا قتال) ، كذبوا قد أمر الله بقتال الباغين في كتابه وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وخذلك المارقة ، فغضب ابن قيس من قوله وقال : يا ابن أبي طالب ما منعك حين بويع أخو بني تيم بن مرة وأخو بني عدي وأخو بني أمية بعدهما أن تقاتل وتضرب بسيفك ، فإنك لن تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلا قلت فيها والله إنّي أولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما منعك أن تضرب بسيفك دون من ظلمك؟ قال : قد قلت فاسمع الجواب ، لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهة للقاء ربي ولا أن أكون أعلم بأنّ ما عند الله خير لي من الدنيا بما فيها ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعهده إليّ ، أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما الأمة صانعة بي بعده فلم أكن بما صنعوا حين عاينته بأعلم مني به ولا أشد يقينا به مني قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشد يقينا لما عاينت وشاهدت ، فقلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما تعهد إلي إذا كان ذلك؟ قال : إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على اقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا ، وأخبرني أن الأمة ستخذلني وتبايع غيري ، وتتبع غيري وأخبرني أني منه بمنزلة هارون من موسى وأن الأمة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه ، ومنزلة العجل ومن تبعه إذ قال له موسى (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ : ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) وقال : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (١) وإنما يعني أن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلوا ثم وجد أعوانا أن يجاهدهم ، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم ، وإنّي خشيت أن يقول عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرقت بين الأمة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا أن تكفّ يدك وتحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك ، فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مال الناس لأبي بكر فبايعوه وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم شغلت بالقرآن وآليت على نفسي أن لا أرتدي برداء إلّا للصلاة حتى أجمعه في كتاب ، ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابنيّ الحسن والحسين عليهما‌السلام فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلّا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي ، فلم يستجب لي من الناس إلا أربعة رهط الزبير وسلمان وأبو ذر والمقداد ولم يبق معي من أهل بيتي أحد أصول به وأقوى ، أما حمزة فقتل يوم أحد ، وجعفر قتل يوم مؤتة وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين العباس وعقيل وهما حديثا عهد بالإسلام ، وأكرهوني وقهروني فقلت كما

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

٢٥

قال هارون لأخيه : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) فلي بهارون أسوة ، ولي بعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة قوية قال : فقال الاشعث كذلك صنع عثمان ، استغاث الناس فدعاهم الى نصرته فلم يجد أعوانا فكف يده حتى قتل مظلوما ، قال : ويلك يا ابن قيس إن القوم حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني فلو قالوا لي نقتلك ما استغثت عن قتلهم إياي ولا أجد غير نفسي ولكنهم قالوا : إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك ووصلناك ، وإن لم تفعل قتلناك ، فلم أجد أعوانا فبايعتهم وبيعتي إياهم لا تحق لهم باطلا ، ولا توجب لهم حقا ، فلو كان عثمان حين قال له الناس اخلعها ونكف عنك وخلعها لم يقتلوه ولكنه قال : لا أخلعها ، قالوا : إنا قاتلوك فكف يده عنهم حتى قتلوه ، ولعمري لخلعه إياها كان خيرا له لأنه أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب ، ادّعى ما ليس له وتناول غير حقه(١).

الثامن : سليم بن قيس الهلالي عن سلمان في حديث مبايعة أبي بكر وعدولهم عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال سلمان عقيب ذلك : فلمّا كان الليل حمل فاطمة على حمار وأخذ بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله وذكّره حقه ودعاه إلى نصرته ، فما استجاب له إلا أربعة وأربعون رجلا فأمرهم أن يصبحوا محلقين رءوسهم معهم سلاحهم على أن يبايعوه على الموت ، فأصبحوا لم يوافقه منهم إلّا أربعة قال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام ، ثم عاودهم ليلا يناشدهم فقالوا : نصبحك بكرة فما أتاه منهم أحد غيرنا ، فلما رأى على غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه فلم يخرج من بيته حتى جمعه [وكان فى الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع] (٢).

التاسع : سليم بن قيس الهلالي قال : وحدّثني أبو ذر وسلمان والمقداد ، ثم سمعته من علي عليه‌السلام قالوا : إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي فاخر العرب فأنت أكرمهم أخا وأكرمهم ولدا وأكرمهم عما وأكرمهم ابن عم وأكرمهم أبا وأكرمهم نفسا وأكرمهم نسبا وأطهرهم زوجة وأعظمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم عناء بنفسك ومالك ، وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله عزوجل وإليّ ، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش ، ثم تجاهد في سبيل الله عزوجل إذا وجدت أعوانا ، تقاتل على تأويل

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ٦٦٣ ـ ٦٦٦ / ح ١٢.

(٢) كتاب سليم : ١٤٦ ، والاشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة والأسيار جمع السير وهو قدة من الجلد مستطيلة.

٢٦

القرآن كما قاتلت على تنزيله ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك ، وقاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض والبعد من الله ومني ، ويعدل قاتل يحيى بن زكريا ، وفرعون ذا الاوتاد ، قال أبان يعني أبان بن عيّاش راوي كتاب سليم : حدثت بهذا الحديث الحسن البصري عن أبي ذر فقال : صدق سليم وصدق أبو ذر ، لعلي عليه‌السلام السابقة في الدين والعلم والحلم والفقه والرأي والزهد والصحبة والفضل وحسن البلاء في الإسلام ، إن عليا عليه‌السلام كان في كل فن عالما ، فرحم الله عليا وصلى الله عليه قال : قلت : يا أبا سعيد أتقول لأحد غير النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا ذكرته؟ فقال : ترحم على المسلمين إذا ذكرتهم ، وصل على محمّد وعلى آل محمّد وأن عليا خير آل محمّد.

واعلم أن في كتاب سليم بهذا المعنى كثير تركنا بعضه طلبا للاختصار ، ومن أراد الزيادة وقف عليه من كتابه (١).

العاشر : الشيخ الطوسي في أماليه قال : أخبرنا محمّد بن محمّد يعني المفيد قال : أخبرني مظفر ابن محمّد قال : حدّثني أبو بكر بن أبي الثلج قال : حدّثنا أحمد بن موسى الهاشمي قال : حدّثنا علي ابن الحسن الميثمي عن ربعي عن زرارة قال : قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام ما منع أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يدعو الناس إلى نفسه ويجرد في عدوه سيفه؟ فقال : تخوف أن يرتدّوا ولا يشهدوا أن محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٦٠٢ / ح ٦ (الطبعة الجديدة).

(٢) أمالي الطوسي : ٢٣٠ / ح ٤٠٦.

٢٧

الباب الخامس والستون

في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «ستغدر بك الأمة بعدي»

والضغائن في صدور قوم والشدّة ،

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم»

من طريق العامة وفيه خمسة عشر حديثا

الأوّل : ابن أبي الحديد من العامة المعتزلة في شرح نهج البلاغة قال : روى عثمان بن سعيد عن عبد الله العنوي أن عليا عليه‌السلام خطب الناس بالرحبة فقال : أيها الناس إنكم قد أبيتم إلّا أن أقولها : وربّ السماء والأرض إن من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمي إليّ أن الأمة ستغدر بك بعدي (١).

الثاني : ابن أبي الحديد قال : روى الهيثم ابن بشير عن إسماعيل بن سالم مثله ، وقد روى أكثر هذا الخبر بهذا اللفظ أو قريب منه (٢).

الثالث : ابن أبي الحديد قال : قال أبو بكر وحدّثنا علي بن حرب الطائي قال : حدّثنا ابن فضيل عن الاجلح عن حبيب عن ثعلبة بن يزيد قال : سمعت عليا يقول : أما ورب السماء والأرض ثلاثا إنّه لعهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمي : لتغدرن بك الأمة من بعدي (٣).

الرابع : ابن أبي الحديد قال روى يونس بن حبّاب عن أنس بن مالك قال : كنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب معنا فمررنا بحديقة فقال علي : يا رسول الله ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة؟ فقال : إن حديقتك في الجنة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق يقول عليّ ما قاله ويجيبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أجابه ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف فوقفنا فوضع رأسه على رأس علي وبكى ، فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله؟ قال : ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني قال : يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم؟ قال : بل تصبر ، قال : فإن صبرت؟ قال : تلاق جهدا قال : أفي سلامة من ديني؟ قال : نعم ، قال : فإذا لا أبالي (٤).

الخامس : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال : قال أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٦.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٦.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٥.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٨.

٢٨

تاريخه قال أبو جعفر : روى أبو مويهبة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أرسل إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه فلمّا وقف بين أظهرهم ، قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتهم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة أشر من الاولى ، ثم أقبل عليّ وقال : يا أبا مويهبة إنّي قد اتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها وخيرت بينها وبين الجنة فاخترت الجنة فقلت : بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها والجنة جميعا ، فقال : يا أبا مويهبة اخترت لقاء ربي ، ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف فبدأ بوجعه الذي قبض فيه (١).

السادس : أبو المؤيد موفق بن أحمد بن أعيان علماء العامة قال : أنبأني صدر الحفاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني قال : أخبرني أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الحافظ أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبد الله ، أخبرني أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجراح ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدّثنا حرمي بن عمارة قال : حدّثني الفضل بن عميرة القيسي أبو قتيبة ، حدّثني ميمون الكردي أبو نصير عن أبي عثمان النهدي عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال : كنت أمشي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض طرق المدينة فأتينا على حديقة فقلت : يا رسول الله ما احسنها من حديقة! فقال : ما أحسنها ولك في الجنة مثلها ، ثم أتينا على حديقة أخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة! فقال : لك في الجنة أحسن منها حتى انتهينا إلى سبع حدائق وأقول : يا رسول الله ما أحسنها! ويقول : لك في الجنة أحسن منها ، فلمّا خلاله الطريق اعتنقني وأجهش باكيا فقلت : يا رسول الله ما يبكيك؟ قال : ضغاين في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك (٢).

السابع : إبراهيم بن محمّد الحمويني من العامة قال : أنبأني : الشيخ عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر عن الشيخ جمال الدين الديني إجازة عن ناصر بن أبي المكارم المطرزي بإسناده عن أبي عثمان النهدي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : كنت أمشي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض طرق المدينة فأتينا على حديقة ، وساق الحديث إلى آخره (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٧.

(٢) مناقب الخوارزمي : ٦٥ / ٣٥.

(٣) فرائد السمطين ١ : ١٥٢ / ١١٥.

٢٩

الثامن : ابن أبي الحديد في الشرح عن أبي الفرج قال : حدّثني محمّد بن جرير الطبري بإسناد ذكره في الكتاب عن أبي عبد الرّحمن السليمي قال : قال الحسن بن علي عليه‌السلام خرجت وأبي يصلي في المسجد فقال لي : يا بني إنّي بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فملكتني عيناي فسنح لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا رسول الله ما ذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي : ادع عليهم ، فقلت : اللهمّ أبدلني بهم من هو خير لي منهم وأبدلهم بي من هو شر لهم مني فقال الحسن بن علي عليه‌السلام : وجاء ابن أبي النباح فأذّنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتوره الرجلان فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق ، وأما الآخر فاثبتها في الرأس (١).

التاسع : ابن أبي الحديد يرفعه إلى سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام قال : اشتكى علي شكاية فعاده أبو بكر وعمر وخرجا من عنده فأتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألهما : من أين جئتما؟ قالا : عدنا عليا ، قال : كيف رأيتماه؟ قالا : رأيناه يخاف عليه لما به ، فقال : كلا إنه لن يموت حتى يوسع غدرا وبغيا وليكونن في هذه الأمة عبرة يعتبر به الناس من بعده (٢).

العاشر : ابن أبي الحديد قال روى أبو جعفر الاسكافي أيضا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمةعليها‌السلام فوجد عليا نائما فذهبت تنبهه فقال : دعيه فربّ سهر له بعدي طويل ، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة ، فبكيت ، فقال : لا تبكي فإنّكما معي وفي موقف الكرامة بعدي (٣).

الحادي عشر : ابن أبي الحديد قال : روى جابر الجعفي عن محمّد بن علي عليه‌السلام قال : قال عليعليه‌السلام : ما رأيت منذ بعث الله محمّدا عليه‌السلام رخاء ، لقد أخافتني قريش صغيرا وأنصبتني كبيرا حتى قبض الله رسوله فكانت الطامة الكبرى والله المستعان على ما يصفون (٤)

الثاني عشر : ابن أبي الحديد قال روى جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما لعلي ما يلقى بعده من العنت فأطال له فقال له عليّ : أنشدك الله والرحم يا رسول الله لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك فقال : كيف أسأله في أجل مؤجل؟ قال : يا رسول الله فعلام أقاتل من أمرتني؟ قال : على الحدث والدين (٥).

الثالث عشر : ابن أبي الحديد قال : روى الأعمش عن عمار الدهني عن أبي صالح الحنفي عن علي عليه‌السلام قال : قال لنا يوما : لقد رأيت الليلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فشكوت إليه ما لقيت حتى

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٦.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٧.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٨.

(٥) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٨.

٣٠

بكيت ، فقال لي : انظر فنظرت فإذا جلاميد وإذا رجلان مصفدان ، قال الأعمش : هما معاوية وعمرو ابن العاص فجعلت أرضخ رءوسهما ثم تعود ثم أرضخ ثم تعود حتى انتبهت (١).

الرابع عشر : ابن أبي الحديد قال : روى نحو هذا الحديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن مسلمة عن علي عليه‌السلام قال : رأيت الليلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكوت إليه فقال : هذه جهنم فانظر من فيها فإذا معاوية وعمرو بن العاص معلقين بأرجلهما منكسين ، ترضخ رءوسهما بالحجارة أو قال : تشدخ (٢).

الخامس عشر : صدر الأئمة عند المخالفين موفق بن أحمد بإسناده عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي رفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وساق حديثه بطوله إلى أن قال له ـ يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ : اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، ثم بكى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له : مما بكاؤك يا رسول الله؟ قال : أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده ، وأخبرني جبرئيل عن الله عزوجل أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم واجتمعت الأمة على محبتهم ، وكان الشاني لهم قليلا والكاره لهم ذليلا وساق الحديث بطوله (٣) ، وسيأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى في الباب التاسع والثلاثين ومائة في أنه حامل اللواء يوم القيامة وإلى آخره.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٩.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٤ / ١٠٩.

(٣) مناقب الخوارزمي : ٦٢ / ٣١.

٣١

الباب السادس والستون

في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي ستغدر بك الأمة من بعدي

وما يلاقيه عليه‌السلام من الشدة من بعده وأمره له بالصبر

وأمره له بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين

من طريق الخاصة وفيه خمسة أحاديث

الأوّل : السيد المرتضى رضى الله عنه في كتاب الشافي قال : روى إبراهيم الثقفي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن عمرو بن حريث عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني عن علي عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كان فيما عهد إليّ النبي الأمي أن الأمة ستغدر بك الأمة بعدي (١).

الثاني : السيد أيضا في الشافي قال : روى إبراهيم بن إسماعيل بن عمرو البجلي قال : حدّثنا هشام بن بشر الواسطي عن إسماعيل عن أبي إدريس الاودي عن علي عليه‌السلام قال : لئن أخرّ من السماء إلى الأرض فتخطفني الطير أحب إليّ من أن أقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أسمعه قال لي : يا علي ستغدر بك الأمة بعدي (٢).

الثالث : السيد في الشافي قال : وروى زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام كان علي عليه‌السلام يقول : بايع الناس أبا بكر ، وأنا أولى بهم مني بقميصي هذا ، فكظمت غيظي وانتظرت أمري وألصقت كلكلي بالارض ، ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر وقد والله علم أني أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، وكظمت غيظي وانتظرت أمري وألزقت كلكلي بالأرض ، ثم إن عمر هلك وجعلها شورى وجعلني فيهم ، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، سادس ستة كسهم الجدة فقال : اقتلوا الأقل [وما أراد غيري] فكظمت غيظي وانتظرت أمري وألصقت كلكلي بالأرض حتى ما وجدت إلا القتال أو كفرت بالله (٣).

الرابع : الشيخ في أماليه قال : حدّثنا بإسناده عن محمّد بن الحسن بن الوليد قال : حدّثني محمّد ابن أبي القاسم عن محمّد بن علي الصيرفي عن محمّد بن سنان عن المفضل بن عمرو عن أبي عبد

__________________

(١) الغارات : ٢ / ٤٨٧.

(٢) بحار الأنوار : ٢٨ / ٣٧٥ ، وتلخيص الشافي : ٣ / ٤٤.

(٣) بحار الأنوار : ٢٩ / ٥٧٩ ، والأمالي للمفيد : ١٥٤.

٣٢

الله الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليه‌السلام قال : بلغ أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن مولى لها ينتقص عليا ويتناوله فأرسلت إليه ، فلمّا صار إليها قالت له : يا بني بلغني إنك تنتقص عليا وتتناوله ، قال : نعم يا أماه ، قالت له : اقعد ثكلتك أمك حتى أحدّثك بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم اختر لنفسك ، إنا كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة تسع نسوة ، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتيت الباب فقلت : أدخل يا رسول الله؟ قال : لا ، قالت : فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة أو نزل في شيء من السماء ، ثم لم ألبث حتى أتيت الباب الثانية فقلت : أدخل يا رسول الله؟

فقال : لا ، فكبوت كبوة أشد من الأولى ، ثم لم ألبث حتى أتيت الباب الثالثة فقلت : أدخل يا رسول الله؟ فقال : ادخلي يا أم سلمة ، فدخلت وعلي جالس بين يديه وهو يقول : فداك أبي وأمي يا رسول الله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني؟ قال آمرك بالصبر ، ثم أعاد عليه القول ثانية فأمره بالصبر فأعاد عليه القول ثالثة فقال له : يا علي ، يا أخي إذا كان ذلك منهم فسلّ سيفك وضعه على عاتقك واضرب قدما قدما حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم ، ثم التفت عليه‌السلام إليّ فقال : لي تالله ما هذه الكآبة يا أم سلمة؟ قلت : الذي كان من ردّك إياي يا رسول الله ، فقال لي : والله ما رددتك من موجدة وإنك لعلى خير من الله ورسوله ، ولكن اتيتني وجبرائيل يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي ، فأمرني أن أوصي بذلك عليا ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا وأخي في الآخرة.

يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري فى الدنيا ووزيري فى الآخرة ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا وحامل لواء الحمد غدا في القيامة ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين قلت : يا رسول الله من الناكثون؟ قال : الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة قلت : ومن القاسطون؟ قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام ، قلت : من المارقون؟ قال أصحاب النهروان ، فقال مولى أم سلمة : فرجت عني فرج الله عنك والله لا سببت عليا أبدا (١).

وروى هذا الحديث من طريق العامة موفق بن أحمد من أعيان العامة بإسناده عن أبي بكر أحمد ابن موسى بن مردويه ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن السري بن يحيى التميمي حدّثنا المنذر

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٤٢٥ / ٩٥٢ ، أمالي الصدوق : ٤٦٣ / ٦١٩.

٣٣

ابن محمّد بن المنذر بن محمّد بن المنذر ، وحدّثنا أبي ، حدّثنا عمي الحسين بن سعيد بن محمّد ابن المنذر بن أبي الجهم ، حدّثني أبي عن أبان بن تغلب عن علي عن محمّد بن المنكدر عن أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت ألطف نسائه وأشدّهن له حبا قال : وكان لها مولى يحضنها ورباها وكان لا يصلي صلاة إلا سبّ عليا وشتمه فقالت له : يا أبة ما حملك على سب علي؟ قال : لأنه قتل عثمان وشرك في دمه.

قالت : إنه لو لا أنك مولاي ربيتني وأنت عندي بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن اجلس حتى أحدّثك عن علي وما رأيته منه ، اعلم أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يومي وإنما كان نصيبي في تسعة أيام يوم واحد فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مخللا أصابعه في أصابع علي عليه‌السلام واضعا يده عليه وقال: يا أم سلمة اخرجي من البيت واخليه لنا ، فخرجت وأقبلا يتناجيان وأسمع الكلام ولا أدري ما يقولان حتى إذا قلت : قد انتصف النهار أقبلت فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تلجي وارجعي مكانك ، ثم تناجيا طويلا حتى قام عمود الظهر فقلت : ذهب يومي ، وشغله عليّ عني ، فأقبلت أمشي حتى وقفت على الباب فقلت : السلام عليكم ، ألج؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تلجي فرجعت وجلست مكاني حتى إذا قلت : قد زالت الشمس الآن يخرج إلى الصلاة ويذهب يومي ولم أرقط أطول منه ، فأقبلت أمشي حتى وقفت وقلت : السلام عليكم ، ألج؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فنعم فلجي ، فدخلت وعلي واضع يده على ركبتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أدنى فاه من اذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفم النبي على أذن علي يتسارّان وعلي يقول : أفأمضي وأفعل؟ والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : نعم فدخلت وعلي معرض وجهه حتى دخلت وخرج وأخذني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقعدني في حجره وألزمني فأصاب ما يصيب الرجل من أهله من اللطف والاعتذار ، ثم قال : يا أم سلمة لا تلوميني فإن جبرائيل أتاني من الله تعالى يأمر أن أوصى به عليا من بعدي وكنت بين جبرائيل وعلي ، وجبرائيل عن يميني وعلي عن شمالي ، فأمرني جبرائيل أن آمر عليا بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة فاعذريني ولا تلوموني ، إن الله عزوجل اختار من كل أمة نبيا واختار لكل نبي وصيا ، فأنا نبي هذه الأمة وعليّ وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي.

وهذا ما شاهدت من عليّ الآن يا أبتاه فسبه أو فدعه فأقبل أبوها يناجي الليل والنهار ويقول : اللهمّ اغفر لي ما جهلت من أمر علي فإنّ وليي ولي علي وعدوّي عدو علي ، وتاب المولى توبة نصوحا وأقبل فيما بقي من دهره يدعو الله تعالى أن يغفر له (١).

__________________

(١) مناقب الخوارزمي : ١٤٦ ـ ١٤٧ / ١٧١.

٣٤

الخامس : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل ، حدّثنا أحمد بن عبد الله بن محمّد بن عمار أبي العباس قال : حدّثنا إسحاق بن اسرائيل قال : حدّثنا جعفر بن أبي سليمان يعني الضبعي قال : حدّثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام بما يلقى بعده فبكى عليه‌السلام وقال : يا رسول الله أسألك بحقي عليك وحق قرابتي وحق صحبتي لما دعوت الله عزوجل أن يقبضني إليه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتسألني أن أدعو ربي لأجل مؤجل ، قال : فعلى ما أقاتلهم؟ قال : على الإحداث في الدين (١).

وروى هذا الحديث من طريق العامة موفق بن أحمد قال : أخبرنا الشيخ والإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمرودي فيما كتب إليّ من همدان ، أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد باصبهان فيما أذن لي في الرواية عنه ، حدّثنا الاديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ، أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن أحمد بن مردويه الاصفهاني ، قال أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمرودي ، وأخبرنا بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الاصفهاني في كتابه إليّ من اصفهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدّثنا محمّد بن علي بن دحيم حدّثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا بنهان بن عياد ، أخبرنا جعفر بن سليمان عن أبي هارون عن أبي سعيد قال ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام ما يلقي بعده قال : فبكى وقال : أسألك بحق قرابتي وبحق صحبتي إلا ما دعوت الله أن يقبضني إليه ، فقال له : يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل مؤجل ، قال : فقال : يا رسول الله على ما أقاتل القوم؟ قال : على الإحداث في الدين (٢).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٥٠ / ١٠٩٨.

(٢) مناقب الخوارزمي : ١٧٥ / ٢١١.

٣٥

الباب السابع والستون

في الردة الواقعة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحق مع علي عليه‌السلام

من طريق العامة وفيه خمسة عشر حديثا

الأوّل : من مسند أحمد بن حنبل قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز ، حدّثنا أحمد بن منصور وعلي بن مسلم وغيرهما قالوا : حدّثنا عمر بن طلحة القتاد ، حدّثنا اسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أن عليا عليه‌السلام كان يقول في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزوجل قال: (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، ولئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل حتى أموت ، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارثه ، من أحق به مني(١)؟.

الثاني : ومن صحيح البخاري في الجزء الخامس على حد ثلثه الأخير في تفسير قوله تعالى (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) قال : حدّثنا شعبة قال : أخبرنا المغيرة بن النعمان قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عزلا ثم قال (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (٢) إلى آخر الآية ، ثم قال : ألا وإنّ أوّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٣) فقال : إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (٤).

الثالث : ومن صحيح البخاري في الجزء الثامن في آخره من باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «لتتبعنّ سنن من قبلكم» قال : حدّثنا أحمد بن يونس قال : حدّثنا ابن أبي زيد عن المقيري عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، فقيل : يا رسول الله كفارس والروم؟ قال : ومن الناس إلا أولئك (٥).

__________________

(١) فضائل الصحابة لابن حنبل : ٢ / ٦٥٢ ح ١١١٠.

(٢) الأنبياء : ١٠٤.

(٣) المائدة : ١١٧.

(٤) صحيح البخاري : ٥ / ١٩٢.

(٥) صحيح البخاري : ٨ / ١٥١.

٣٦

الرابع : ومن صحيح مسلم في الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة في ثلثه الأخير قال : حدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال : حدّثنا وكيع ، وحدّثنا عبد الله بن معاد ، وحدّثنا أبي كلاهما عن شعبة ، وحدّثنا محمّد بن مثنى ومحمّد بن بشار واللفظ لابن مثنى قال : حدّثنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال قام فينا خطيبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بموعظة فقال : يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عراة عزّلا كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين، ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه‌السلام ، ألا وإنّه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ـ إلى قوله ـ (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) قال : فيقال لي : إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم قال : وفي حديث وكيع ومعاذ : فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (١).

الخامس : ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي في الجزء الثالث منه في أجزاء ثلاثة في الحديث والسابع والستين بعد المائتين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه في الصحيحين من البخاري ومسلم قال : عن محمّد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : والذي نفسي بيده لأذودنّ رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الابل عن الحوض (٢).

السادس : البخاري من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كان يحدّث عن بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يرد علي الحوض رجال من أمتي فيجلون عنه فأقول : يا رب أصحابي فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (٣).

السابع : البخاري أخرجه أيضا تعليقا من حديث بن سهل عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يرد عليّ الحوض يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول : إنّه لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (٤).

الثامن : البخاري قال : فقال شعيب عن الزهري عن محمّد بن علي عن ابن أبي رافع عن أبي هريرة يحدث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا قال : وقال ابن مسعود : حديث عقيل مرسل هو عن الزهري عن أبي هريرة ولم يبينه (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم : ٨ / ١٥٧.

(٢) الجمع بين الصحيحين : ٣ / ١٩٤ ح ٢٤٣٤.

(٣) صحيح البخاري : ٧ / ٢٠٨.

(٤) صحيح البخاري : ٧ / ٢٠٨.

(٥) المصدر السابق.

٣٧

التاسع : البخاري اخرجه أيضا من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بينا أنا قائم إذ أقبلت زمرة حتى إذا عرفتهم خرج بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : إلى أين فقال إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم؟ قال : ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري ، فلا أراه أن يخلص منهم الامثل همل النعم (١).

العاشر : ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري من الجزء الثاني من جزءين اثنين قريبا من آخره من موطأ مالك قال عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش ، قال: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم (٢).

الحادي عشر : موفق بن أحمد قال : روى السيد بإسناده عن أبي طالب عن علقمة والاسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا : أبا أيوب إن الله أكرمك بنبيّه إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضيفا لك فضيلة من الله فضلك بها ، أخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب ، قال أبو أيوب فاني أقسم لكما لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي جالس عن يمينه وأنا جالس عن يساره وأنس بن مالك قائم بين يديه إذ تحرك الباب فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : انظر من بالباب فخرج أنس ونظر فقال : هذا عمار بن ياسر فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : افتح له الطيب المطيب ففتح أنس ودخل عمار ، فسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرحّب به وقال لعمار : إنّه سيكون في أمّتي هنات من بعدي حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضا وحتى يبرأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع الذي عن يميني وهو علي بن أبي طالب واذا سلك كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي بن أبي طالب وخلّ الناس ، إن عليا لا يردّك عن هدى ولا يدلك على ردى ، يا عمّار وطاعة عليّ طاعتي وطاعة الله.

يقال : فيه هنات وهنوات وهنيات : خصال سوء قال لبيد : إن البريء من الهنات سعيد (٣).

الثاني عشر : ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال : جاء في الأسانيد الصحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضبّ لدخلتموه ، فقيل : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : فمن إذا ، قال. ومن الاخبار الصحيحة : أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى (٤).

الثالث عشر : ابن أبي الحديد قال : وفي صحيح مسلم والبخاري رحمهما‌الله إنّه سيجاء برجال

__________________

(١) صحيح البخاري : ٧ / ٢٠٩ ط. دار الفكر ، بيروت.

(٢) مسند أحمد : ٢ / ٣٠١ ، وصحيح مسلم : ٨ / ١٨٦ ط. دار الفكر بيروت.

(٣) مناقب الخوارزمي : ١٩٤ / ٢٣٢.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٨٤.

٣٨

يوم القيامة من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فإذا رأيتهم اختلجوا دوني قلت : أي ربي أصحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما عملوا بعدك فأقول ما قال العبد الصالح : «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد» الإسناد في هذا الحديث عن ابن عبّاس رضى الله عنه (١).

الرابع عشر : ابن أبي الحديد قال : في الصحيحين أيضا عن زينب بنت جحش قال : استيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما من نومه ، محمرا وجهه وهو يقول : لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون! فقال : نعم إذا كثر الخبث.

وفي الصحيحين أيضا : يهلك أمتي هذا الحي من قريش.

قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم. رواه أبو هريرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

الخامس عشر : ابن أبي الحديد قال نصر يعني بن مزاحم ، وحدّثنا يحيى بن يعلى عن الأصبغ ابن نباته قال : جاء رجل إلى علي عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء الذين نقاتلهم ، الدعوة واحدة والرسول واحد والصلاة واحدة والحج واحد فما ذا نسمّيهم؟ فقال : سمهم بما سمّاهم الله في كتابه ، قال : ما كل ما في الكتاب أعلمه ، قال : أما سمعت الله تعالى يقول (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) إلى قوله (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله وبالكتاب وبالنبي وبالحق ، فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا وشاء الله قتالهم ، فقتالهم بمشيئته وإرادته (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٨٤.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٢٨٧.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٥ / ٢٥٨.

٣٩

الباب الثامن والستّون

في الردّة الواقعة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحق مع علي عليه‌السلام

من طريق الخاصة وفيه أحد عشر حديثا

الأوّل : محمّد بن يعقوب بإسناده عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ثلاثة فقلت ومن الثلاثة فقال : المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ، ثم عرف الناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام مكرها فبايع وذلك قول الله عزوجل (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١) (٢).

الثاني : ابن يعقوب أيضا بإسناده عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا الله عز ذكره وما كان الله ليفتن أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أو ما يقرءون كتاب الله؟ أو ليس يقول (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) قال : فقلت له : إنّهم يفسرون على وجه آخر فقال : أو ليس قد أخبر الله عزوجل عن الذين من قبلهم من الأمم إنّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات حيث قال (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (٣) (٤).

الثالث : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قراءة قال : حدّثنا أبو كريب محمّد بن العلاء وحدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم الرازي الري قال : حدّثني أبو زرعة عبد الله بن عبد الكريم قالا : حدّثنا عمرو بن حماد بن طلحة القياد قال :

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) الكافي ٨ : ٢٤٥ / ٣٤١.

(٣) البقرة : ٢٥٣.

(٤) الكافي ٨ : ٢٧٠ / ٣٩٨.

٤٠