فان قلت اني لست منكرا هذا الانبعاث للطلب من نفسي ولكني لست أدري أنه ثمرة الجبلة والطبع وهو مقتضى العقل أو هو موجب الشرع إذ للناس كلام في مدارك الوجوب ؛ فهذا انما تعرفه في آخر الكتاب عند تعرضنا لمدارك الوجوب. والاشتغال به الآن فضول بل لا سبيل بعد وقوع الانبعاث إلى الانتهاض لطلب الخلاص. فمثال الملتفت إلى ذلك مثال رجل لدغته حية أو عقرب وهي معاودة اللدغ والرجل قادر على الفرار ولكنه متوقف ليعرف ان الحية جاءته من جانب اليمين أو من جانب اليسار ، وذلك من أفعال الأغبياء الجهال نعوذ بالله من الاشتغال بالفضول مع تضييع المهمات والأصول.
التمهيد الثاني
(في بيان الخوض في هذا العلم وإن كان مهما فهو في حق بعض الخلق ليس
بمهم بل المهم لهم تركه)
اعلم أن الأدلة التي نحررها في هذا العلم تجري مجرى الأدوية التي يعالج بها مرض القلوب. والطبيب المستعمل لها إن لم يكن حاذقا ثاقب العقل رصين الرأي كان ما يفسده بدوائه أكثر مما يصلحه. فليعلم المحصل لمضمون هذا الكتاب والمستفيد لهذه العلوم أن الناس أربع فرق :
الفرقة الأولى : آمنت بالله وصدّقت رسوله واعتقدت الحق وأضمرته واشتغلت إما بعبادة وإما بصناعة ؛ فهؤلاء ينبغي أن يتركوا وما هم عليه ولا تحرك عقائدهم بالاستحثاث على تعلم هذا العلم ، فإن صاحب الشرع صلوات الله عليه لم يطالب العرب في مخاطبته إياهم بأكثر من التصديق ولم يفرق بين أن يكون ذلك بإيمان وعقد تقليدي أو بيقين برهاني. وهذا مما علم ضرورة من مجاري أحواله في تزكيته إيمان من سبق من أجلاف