خارجة عن مقدورات البشر ، فمن شاهدها أو سمع أحوالها بالأخبار المتواترة سبق إلى عقله إمكان صدقهم ، بل غلب على ظنه ذلك بأول السماع قبل أن يمعن النظر في تمييز المعجزات عن عجائب الصناعات. وهذا الظن البديهي أو التجويز الضروري ينزع الطمأنينة عن القلب ويحشوه بالاستشعار والخوف ويهيجه للبحث والافتكار ويسلب عنه الدعة والقرار ويحذره مغبة التساهل والإهمال ويقرر عنده أن الموت آت لا محالة وأن ما بعد الموت منطو عن أبصار الخلق وأن ما أخبر به هؤلاء غير خارج عن حيز الإمكان. فالحزم ترك التواني في الكشف عن حقيقة هذا الأمر. فما هؤلاء مع العجائب التي أظهروها في إمكان صدقهم قبل البحث عن تحقيق قولهم بأقل من شخص واحد يخبرنا عن خروجنا من دارنا ومحل استقرارنا بأن سبعا من السباع قد دخل الدار فخذ حذرك واحترز منه لنفسك جهدك ، فإنا بمجرد السماع اذا رأينا ما أخبرنا عنه في محل الامكان والجواز لم نقدم على الدخول وبالغنا في الاحتراز فالموت هو المستقر والوطن قطعا ، فكيف لا يكون الاحتراز لما بعده مهما؟ فإذن أهم المهمات أن نبحث عن قوله الذي قضى الذهن في بادئ الرأي وسابق النظر بامكانه أهو محال في نفسه على التحقيق أو هو حق لا شك فيه؟ فمن قوله ان لكم ربا كلفكم حقوقا وهو يعاقبكم على تركها ويثيبكم على فعلها وقد بعثي رسولا إليكم لأبين ذلك لكم ، فيلزمنا لا محالة ان نعرف ان لنا ربا أم لا. وإن كان فهل يمكن أن يكون حيا متكلما حتى يأمر وينهى ويكلف ويبعث الرسل ، وإن كان متكلما فهل هو قادر على أن يعاقب ويثيب إذا عصيناه أو أطعناه ، وإن كان قادرا فهل هذا الشخص بعينه صادق في قوله أنا الرسول إليكم. فإن اتضح لنا ذلك لزمنا لا محالة ، إن كنا عقلاء ، أن نأخذ حذرنا وننظر لأنفسنا ونستحقر هذه الدنيا المنقرضة بالإضافة إلى الآخرة الباقية فالعاقل من ينظر لعاقبته ولا يغتر بعاجلته. ومقصود هذا العلم إقامة البرهان على وجود الرب تعالى وصفاته وأفعاله وصدق الرسل كما فصلناه في الفهرست. وكل ذلك مهم لا محيص عنه لعاقل.