روح المعاني - ج ١٢

أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي

روح المعاني - ج ١٢

المؤلف:

أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

ويجوز أن يكون الشك في رسالته على حاله وبتهم إنما هو بتكذيب رسالة غيره من بعده ، وقيل : يحتمل أن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا فلما مات عليه‌السلام أقروا بها وأنكروا أن يبعث الله تعالى من بعده رسولا وهو خلاف الظاهر ، ومجيء يوسف بن يعقوب عليهما‌السلام المخاطبين بالبينات قيل : من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد وكذلك نسبة الأفعال الباقية إليهم ، وجوز كون بعض الذين جاءهم يوسف عليه‌السلام حقيقة حيا ؛ ففي بعض التواريخ أن وفاة يوسف عليه‌السلام قبل مولد موسى عليه‌السلام بأربع وستين سنة فيكون من نسبة حال البعض إلى الكل ، واستظهر في البحر أن فرعون يوسف عليه‌السلام هو فرعون موسى عليه‌السلام ، وذكر عن أشهب عن مالك أنه بلغه أنه عمر أربعمائة وأربعين سنة ، والذي ذكره أغلب المؤرخين أن فرعون موسى اسمه الريان وفرعون يوسف اسمه الوليد.

وذكر القرطبي أن فرعون الأول من العمالقة وهذا قبطي ، وفرعون يوسف عليه‌السلام مات في زمنه ، واختار القول بتغايرهما ، وأمر المجيء وما معه من الأفعال على ما سمعت ، وقيل : المراد بيوسف المذكور هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق أرسله الله تعالى نبيا فأقام فيهم عشرين سنة وكان من أمرهم ما قص الله عزوجل. ومن الغريب جدا ما حكاه النقاش والماوردي أن يوسف المذكور في هذه السورة من الجن بعثه الله تعالى رسولا إليهم ، نقله الجلال السيوطي في الإتقان ولا يقبله من له أدنى إتقان. نعم القول بأن للجن نبيا منهم اسمه يوسف أيضا مما عسى أن يقبل كما لا يخفى.

وقرئ «ألن يبعث» بإدخال همزة الاستفهام على حرف النفي كأن بعضهم يقرر بعضا على نفي البعثة.

(كَذلِكَ) أي مثل ذلك الإضلال الفظيع (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) في العصيان (مُرْتابٌ) في دينه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) من الموصول الأول ـ أعني من ـ أو بيان أو صفة له باعتبار معناه كأنه قيل : كل مسرف مرتاب أو المسرفين المرتابين ، وجوز نصبه بأعني مقدرا ، وقوله تعالى شأنه : (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) على الأوجه المذكورة متعلق ـ بيجادلون ـ وقوله سبحانه : (أَتاهُمْ) صفة (سُلْطانٍ) والمراد بإتيانه إتيانه من جهته سبحانه وتعالى إما على أيدي الرسل عليهم‌السلام فيكون ذاك إشارة إلى الدليل النقلي ، وإما بطريق الإفاضة على عقولهم فيكون ذاك إشارة إلى الدليل العقلي ، وقد يعمم فيكون المعنى يجادلون بغير حجة صالحة للتمسك بها أصلا لا عقلية ولا نقلية.

وقوله سبحانه : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) تقرير لما أشعر به الكلام من ذمهم وفيه ضرب من التعجب والاستعظام ، وفاعل (كَبُرَ) ضمير راجع إلى الجدال الدال عليه (يُجادِلُونَ) على نحو من كذب كان شرا له أي كبر الجدال في آيات الله بغير حجة مقتا عند الله إلخ ، أو إلى الموصول الأول وأفرد رعاية للفظه ، واعترض عليه بأنه حمل على اللفظ من بعد الحمل على المعنى ، وأهل العربية يجتنبونه.

وقال صاحب الكشف : هذا شيء نقله ابن الحاجب ولم يساعده غيره وهو غير مسلم أي كبر المسرف المرتاب المجادل في آيات الله بغير حجة مقتا أي كبر مقته وعظم عند الله تعالى وعند المؤمنين (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الطبع الفظيع (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فيصدر عنه أمثال ما ذكر من الإسراف والارتياب والمجادلة بغير حق ؛ وجوز أن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ وجملة (كَبُرَ) خبره لكن على حذف مضاف هو المخبر عنه حقيقة أي جدال الذين يجادلون كبر مقتا ، وأن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ على حذف المضاف و (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) خبر المضاف المقدر أي جدال الذين يجادلون في آيات الله تعالى كائن بغير سلطان ، وظاهر كلام البعض أن (الَّذِينَ)

٣٢١

مبتدأ من غير حذف مضاف و (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) خبره ، وفيه الأخبار عن الذات والجثة بالظرف وفاعل (بُرَ) كذلك على مذهب من يرى اسمية الكاف كالأخفش أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله تعالى : (يَطْبَعُ) إلخ استئنافا للدلالة على الموجب لجدالهم ، ولا يخفى ما في ذلك من العدول عن الظاهر ، وفي البحر الأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ وخبره (كَبُرَ) والفاعل ضمير المصدر المفهوم من (يُجادِلُونَ) أي الذين يجادلون كبر جدالهم مقتا فتأمل.

وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان والأعرج بخلاف عنه «قلب» بالتنوين فما بعده صفته ، ووصفه بالكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم : رأت عيني وسمعت أذني ، وجوز أن يكون ذاك على حذف مضاف أي كل ذي قلب متكبر جبار ، وجعل الصفتين لصاحب القلب لتتوافق القراءتان هذه وقراءة باقي السبعة بلا تنوين ، وعن مقاتل المتكبر المعاند في تعظيم أمر الله تعالى ، والجبار المتسلط على خلق الله تعالى ، والظاهر أن عموم كل منسحب على المتكبر والجبار أيضا فكأنه اعتبر أولا إضافة «قلب» إلى ما بعده ثم اعتبرت إضافته إلى المجموع.

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء إذا ظهر (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) أي الطرق كما روي عن السدي ، وقال قتادة : الأبواب وهي جمع سبب ويطلق على كل ما يتوصل به إلى شيء (أَسْبابَ السَّماواتِ) بيان لها ، وفي إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها.

(فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) بالنصب على جواب الترجي عند الكوفيين فإنهم يجوزون النصب بعد الفاء في جواب الترجي كالتمني ، ومنع ذلك البصريون وخرجوا النصب هنا على أنه في جواب الأمر وهو (ابْنِ) كما في قوله :

يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا

وجوز أن يكون بالعطف على خبر لعلى بتوهم أن فيه لأنه كثيرا ما جاءنا مقرورنا بها أو على (الْأَسْبابَ) على حد :

ولبس عباءة وتقر عيني

وقال بعض : إن هذا الترجي تمن في الحقيقة لكن أخرجه اللعين هذا المخرج تمويها على سامعيه فكان النصب في جواب التمني ، والظاهر أن البصريين لا يفرقون بين ترج وترج. وقرأ الجمهور بالرفع عطفا على (أَبْلُغُ) قيل : ولعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه ، وهذا يدل على أنه مقر بالله عزوجل وإنما طلب ما يزيل شكه في الرسالة ، وكان للعين وأهل عصره اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل.

وهذا الاحتمال في غاية البعد عندي ، وقيل : أراد أن يعلم الناس بفساد قول موسى عليه‌السلام : إني رسول من رب السماوات بأنه إن كان رسولا منه فهو ممن يصل إليه وذلك بالصعود للسماء وهو محال فما بنى عليه مثله ، ومنشأ ذلك جهله بالله تعالى وظنه أنه سبحانه مستقر في السماء وأن رسله كرسل الملوك يلاقونه ويصلون إلى مقره ، وهو عزوجل منزه عن صفات المحدثات والأجسام ولا تحتاج إلى ما تحتاج إليه رسل الملوك رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ، وهذا نفي لرسالته من الله تعالى ولا تعرض فيه لنفي الصانع المرسل له ، وقال الإمام : الذي عندي في تفسير الآية أن فرعون كان من الدهرية وغرضه من هذا الكلام إيراد شبهة في نفي الصانع وتقريره أنه قال : إنّا لا نرى شيئا

٣٢٢

نحكم عليه بأنه إله العالم فلا يجز إثبات هذا الإله ، أما أنا لا نراه فلأنه لو كان موجودا لكان في السماء ونحن لا سبيل لنا إلى صعود السماوات فكيف يمكننا أن نراه ، وللمبالغة في بيان عدم الإمكان قال : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) فما هو إلا لإظهار عدم إمكان ما ذكر لكل أحد ، ولعل لا تأبى ذلك لأنها للتهكم على هذا وهي شبهة في غاية الفساد إذ لا يلزم من انتفاء أحد طرق العلم بالشيء انتفاء ذلك الشيء ، ورأيت لبعض السلفيين أن اللعين ما قال ذلك إلا لأنه سمع من موسى عليه‌السلام أو من أحد من المؤمنين وصف الله تعالى بالعلو أو بأنه سبحانه في السماء فحمله على معنى مستحيل في حقه تعالى لم يرده موسى عليه‌السلام ولا أحد من المؤمنين فقال ما قال تهكما وتمويها على قومه ، وللإمام في هذا المقام كلام رد به على القائلين بأن الله تعالى في السماء ورد احتجاجهم بما أشعرت به الآية على ذلك وسماهم المشبهة ، والبحث في ذلك طويل المجال والحق مع السلف عليهم رحمة الملك المتعال وحاشاهم ثم حاشاهم من التشبيه ، وقوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) يحتمل أن يكون عني به كاذبا في دعوى الرسالة وأن يكون عني به كاذبا في دعوى أن له إلها غيري لقوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨].

(وَكَذلِكَ) أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) فانهمك فيه انهماكا الا يرعوي عنه بحال (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) أي عن سبيل الرشاد ، فالتعريف للعهد والفعلان مبنيان للمفعول والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى ، ولم يفعل سبحانه كلا من التزيين والصدر إلا لأن فرعون طلبه بلسان استعداده واقتضى ذلك سوء اختياره ؛ ويدل على هذا أنه قرئ «زيّن» مبنيا للفاعل ولم يسبق سوى ذكره تعالى دون الشيطان.

وجوز أن يكون الفاعل الشيطان ونسبة الفعل إليه بواسطة الوسوسة ، وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو «وصدّ» بالبناء للفاعل وهو ضمير فرعون على أن المعنى وصد فرعون الناس عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات ، ويؤيده (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) أي في خسار لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد وهو في هذه القراءة أظهر ، وقرأ ابن وثاب «وصدّ» بكسر الصاد أصله صدد نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها ، وابن أبي إسحاق وعبد الرحمن ابن أبي بكرة «وصدّ» بفتح الصاد وضم الدال منونة عطفا على (سُوءُ عَمَلِهِ) ، وقرئ «وصدوا» بواو الجمع أي هو وقومه (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) هو مؤمن آل فرعون ، وقيل : فيه نظير ما قيل في سابقه أنه موسى عليه‌السلام وهو ضعيف كما لا يخفى (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ) فيما دللتكم عليه (أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) سبيلا يصل به سالكه إلى المقصود ، وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي. وقرأ معاذ بن جبل كما في البحر (الرَّشادِ) بتشديد الشين وتقدم الكلام في ذلك فلا تغفل (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) أي تمتع أو متمتع به يسير لسرعة زواله (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) لخلودها ودوام ما فيها (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً) في الدنيا (فَلا يُجْزى) في الآخرة (إِلَّا مِثْلَها) عدلا من الله عزوجل ، واستدل به على أن الجنايات تغرم بمثلها أي بوزانها من غير مضاعفة (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ) الذين عملوا ذلك (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا منه تعالى ورحمة ، وقسم العمال إلى ذكر وأنثى للاهتمام والاحتياط في الشمول لاحتمال نقص الإناث ، وجعل الجزاء في جزاء أعمالهم جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة مع تفضيل الثواب وتفصيله تغليبا للرحمة وترغيبا فما عند الله عزوجل ، وجعل العمل عمدة وركنا من القضية الشرطية والإيمان حالا للدلالة على أن الإيمان شرط في اعتبار العمل والاعتداد به والثواب عليه لأن الأحوال قيود وشروط للحكم التي وقعت فيه ، ويتضمن ذلك الإشارة إلى عظيم شرفه ومزيد ثوابه ، وقرأ الأعرج. والحسن. وأبو جعفر. وعيسى. وغير واحد من السبعة «يدخلون» مبنيا للمفعول (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) كرر نداءهم ايقاظا لهم عن

٣٢٣

سنة الغفلة واهتماما بالمنادي له ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به دعوته ، وترك العطف في النداء الثاني وهو (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) إلخ لأنه تفسير لما أجمل في النداء قبله من الهداية إلى سبيل الرشاد فإنها التحذير من الإخلاد إلى الدنيا والترغيب في إيثار الآخرة على الأولى وقد أدى ذلك فيه على أتم وجه وأحسنه ولم يترك في هذا النداء لأنه ليس بتلك المثابة وذلك لأنه للموازنة بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته النجاة ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار ، وليس ذلك من تفسير الهداية في شيء بل ذلك لتحقيق أنه هادوا أنهم مضلون وأن ما عليه هو الهدى وما هم عليه هو الضلال فهو عطف على النداء الأول أو المجموع ، وقيل : هو عطف على النداء الثاني داخل معه في التفسير لما أجمل في النداء الأول تصريحا وتعريضا ، ولكل وجه وفي الترجيح كلام.

(تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ) بدل من تدعونني إلى النار أو عطف بيان له بناء على أنه يجري في الجمل كالمفردات أو جملة مستأنفة مفسرة لذلك ، والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام (وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ) أي بكونه شريكا له تعالى في المعبود أو بربوبيته وألوهيته (عِلْمٌ) ونفي العلم هنا كناية عن نفي المعلوم ، وفي إنكاره للدعوة إلى ما لا يعلمه إشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان موجب للعلم بها.

(وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) المستجمع لصفات الألوهية من كمال القدرة والغلبة وما يتوقف عليه من العلم والإرادة والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب والغفران وخص هذان الوصفان بالذكر وإن كانا كناية عن جميع الصفات لاستلزامهما ذلك كما أشير إليه لما فيهما من الدلالة على الخوف والرجاء المناسب لحاله وحالهم (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) سياقه على مذهب البصريين أن (لا) رد لكلام سابق وهو ما يدعونه إليه هاهنا من الكفر بالله سبحانه وشرك الآلهة الباطلة عزوجل به و (جَرَمَ) فعل ماضي بمعنى ثبت وحق كما في قوله :

ولقد طعنت أبا عبيدة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

وأن مع ما في حيزها فاعلة أي ثبت وحق عدم دعوة للذي تدعونني إليه من الأصنام إلى نفسه أصلا يعني أن من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد المكرمين كالأنبياء والملائكة إلى نفسه ويأمرهم بعبادته ثم يدعو العباد بعضهم بعضا إليه تعالى وإلى طاعته سبحانه إظهارا لدعوة ربهم عزوجل وما تدعون إليه وإلى عبادته من الأصنام لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية أصلا لا في الدنيا لأنه جماد فيها لا يستطيع شيئا من دعاء وغيره ولا في الآخرة لأنه إذا أنشأه الله تعالى فيها حيوانا تبرأ من الدعاة إليه ومن عبدته وحاصله حق أن ليس لآلهتكم دعوة أصلا فليست بآلهة حقة أو بمعنى كسب وفاعله ضمير الدعاء السابق الذي دعاه قومه وإن مع ما في حيزها مفعوله أي كسب دعاؤكم إياي إلى آلهتكم أن لا دعوة لها أي ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوتها وذهابها ضياعا ، وقيل : (جَرَمَ) اسم لا وهو مصدر مبني على الفتح بمعنى القطع والخبر أن مع ما في حيزها على معنى لا قطع لبطلان دعوة ألوهية الأصنام أي لا ينقطع ذلك البطلان في وقت من الأوقات فينقلب حقا ، وهذا البطلان هو معنى النفي الذي يفهم من قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) إلخ ، و (لا جَرَمَ) على هذا مثل لا بد فإنه من التبديد وهو التفريق وانقطاع بعض الشيء من بعض ، ومن ثم قيل : المعنى لا بد من بطلان دعوة الأصنام أي بطلانها أمر ظاهر مقرر ، ونقل هذا القول عن الفراء ، وعنه أن ذلك هو أصل (لا جَرَمَ) لكنه كثر استعماله حتى صار بمعنى حقا فلهذا يجاب بما يجاب به القسم في مثل لا جرم لآتينك. وفي الكشاف وروي عن العرب لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء أي لا بد وفعل وفعل إخوان كرشد ورشد وعدم وعدم ، وهذه اللغة تؤيد القول بالاسمية في اللغة الأخرى ولا تعينها كما لا يخفى ، وقد تقدم شيء من الكلام في لا جرم أيضا فليتذكر.

٣٢٤

ولام له في جميع هذه الأوجه لنسبة الدعوة إلى الفاعل على ما سمعت من المعنى ، وجوز أن يكون لنسبتها إلى المفعول فإن الكفار كانوا يدعون آلهتهم في الآية دعاءهم إياها في معنى نفي الاستجابة منها لدعائهم إياها ، فالمعنى أن ما تدعونني إليه من الأصنام ليس له استجابة دعوة لمن يدعوه أصلا أو ليس له دعوة مستجابة أي لا يدعي دعاء يستجيبه لداعيه. فالكلام إما على حذف المضاف أو على حذف الموصوف ، وجوز التجوز فيه بالدعوة فعن استجابتها التي تترتب عليها ، وهذا كما سمي الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم : كما تدين تدان وهو من باب المشاكلة عند بعض (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) أي مرجعنا إليه تعالى بالموت ، وهذا عطف على أن ما تدعونني داخل في حكمه ، وكذا قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) وفسر ابن مسعود ومجاهد (الْمُسْرِفِينَ) هنا بالسفاكين للدماء بغير حلها فيكون المؤمن قد ختم تعريضا بما افتتح به تصريحا في قوله : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً).

وعن قتادة أنهم المشركون فإن الإشراك إسراف في الضلالة ، وعن عكرمة أنهم الجبارون المتكبرون ، وقيل : كل من غلب شره خيره فهو مسرف والمراد بأصحاب النار ملازموها ، فإن أريد بالمسرفين ما يدخل فيه المؤمن العاصي أريد بالملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل ، وإن أريد بهم ما يخص الكفرة فهي بمعنى الخلود.

(فَسَتَذْكُرُونَ) وقرئ (فَسَتَذْكُرُونَ) بالتشديد أي فسيذكر بعضكم بعضا عند معاينة العذاب (ما أَقُولُ لَكُمْ) من النصائح (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ليعصمني من كل سوء (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) فيحرس من يلوذ به سبحانه منهم من المكاره ، وهذا يحتمل أن يكون جواب توعدهم المفهوم من قوله تعالى : (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) [غافر : ٣٧] أو من قوله سبحانه : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) ويحتمل أن يكون متاركة والتفريع في (فَسَتَذْكُرُونَ) على قوله الأخير : (يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ) إلخ ، وجعله من جعل ذلك معطوفا على (يا قَوْمِ) الثاني تفريعا على جملة الكلام ، و (ما) في (ما مَكَرُوا) مصدرية و (السيئات) الشدائد أي فوقاه الله تعالى شدائد مكرهم (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ) أي بفرعون وقومه ، فاستغنى بذكرهم عن ذكره ضرورة أنه أولى منهم بذلك ، ويجوز أن يكون آل فرعون شاملا له عليه اللعنة بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) [سبأ : ١٣] أنه شامل لداود عليه‌السلام ، وكانوا على ما حكى الأوزاعي ولا أعتقد صحته ألفي ألف وستمائة ألف.

وعن ابن عباس أن هذا المؤمن لما أظهر إيمانه قصد فرعون قتله فهرب إلى جبل فبعث في طلبه ألف رجل فمنهم من أدركه يصلي والسباع حوله فلما هموا ليأخذوه ذبت عنه فأكلتهم ، ومنهم من مات في الجبل عطشا ، ومنهم من رجع إلى فرعون خائبا فاتهمه وقتله وصلبه ، فالمراد بآل فرعون هؤلاء الألف الذين بعثهم إلى قتله أي فنزل بهم وأصابهم (سُوءُ الْعَذابِ) الغرق على الأول وأكل السباع والموت عطشا والقتل والصلب على ما روي عن ابن عباس والنار عليهما ولعله الأولى ، وإضافة (سُوءُ) إلى (الْعَذابِ) لأمية أو من إضافة الصفة للموصوف ، وقوله تعالى : (النَّارُ) مبتدأ وجملة قوله تعالى : (يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) خبره والجملة تفسير لقوله تعالى : (وَحاقَ) إلخ.

وجوز أن تكون (النَّارُ) بدلا من (سُوءُ الْعَذابِ) و (يُعْرَضُونَ) في موضع الحال منها أو من الآل ، وأن تكون النار خبر مبتدأ محذوف هو ضمير (سُوءُ الْعَذابِ) كأنه قيل : ما سوء العذاب؟ فقيل : هو النار ، وجملة (يُعْرَضُونَ) تفسير على ما مر ، وفي الوجه الأول من تعظيم أمر النار وتهويل عذابها ما ليس في هذا الوجه كما ذكره صاحب الكشاف ، ومنشأ التعظيم على ما في الكشف الإجمال والتفسير في كيفية تعذيبهم وإفادة كل من الجملتين نوعا من التهويل. الأولى الإحاطة بعذاب يستحق أن يسمى سوء العذاب. والثانية النار المعروض عليها غدوا وعشيا.

٣٢٥

والسر في إفادة تعظيم النار في هذا الوجه دون ما تضمن تفسير (سُوءُ الْعَذابِ) وبيان كيفية التعذيب أنك إذا فسرت (سُوءُ الْعَذابِ) بالنار فقد بالغت في تعظيم سوء العذاب. ثم استأنفت بيعرضون عليها تتميما لقوله تعالى : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ) من غير مدخل للنار فيما سيق له الكلام ، وإذا جئت بالجملتين من غير نظر إلى المفردين وإن أحدهما تفسير للآخر فقد قصدت بالنار قصد الاستقلال حيث جعلتها معتمد الكلام وجئت بالجملة بيانا وإيضاحا للأولى كأنك قد آذنت بأنها أوضح لاشتمالها على ما لا أسوأ منه أعني النار ؛ على أن من موجبات تقديم المسند إليه إنباؤه عن التعظيم مع اقتضاء المقام له وهاهنا كذلك على ما لا يخفى ، والتركيب أيضا يفيد التقوى على نحو زيد ضربته.

ومن هنا قال صاحب الكشف : هذا هو الوجه ، وأيد بقراءة من نصب (النَّارُ) بناء على أنها ليست منصوبة بأخص أو أعني بل بإضمار فعل يفسره (يُعْرَضُونَ) مثل يصلون فإن عرضهم على النار إحراقهم بها من قولهم : عرض الأسارى على السيف قتلوا به ، وهو من باب الاستعارة التمثيلية بتشبيه حالهم بحال متاع يبرز لمن يريد أخذه ، وفي ذلك جعل النار كالطالب الراغب فيهم لشدة استحقاقهم الهلاك ، وهذا العرض لأرواحهم.

أخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد عن هزيل بن شرحبيل أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها.

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن ابن مسعود نحو ذلك ، وهذه الطير صور تخلق لهم من صور أعمالهم ، وقيل : ذاك من باب التمثيل وليس بذاك ، وذكر الوقتين ظاهر في التخصيص بمعنى أنهم يعرضون على النار صباحا مرة ومساء مرة أي فيما هو صباح ومساء بالنسبة إلينا ، ويشهد له ما أخرجه ابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن أبي هريرة أنه كان له صرختان في كل يوم غدوة وعشية كان يقول أول النهار : ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار ، ويقول أول الليل : ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله تعالى من النار ، والفصل بين الوقتين إما بترك العذاب أو بتعذيبهم بنوع آخر غير النار.

وجوز أن يكون المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع ، وأيا ما كان ففي الآية دليل ظاهر على بقاء النفس وعذاب البرزخ لأنه تعالى بعد أن ذكر ذلك العرض قال جل شأنه :

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) وهو ظاهر في المغايرة فيتعين كون ذلك في البرزخ ، ولا قائل بالفرق بينهم وبين غيرهم فيتم الاستدلال على العموم ، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله تعالى» و (يَوْمَ) على ما استظهره أبو حيان معمول لقول مضمر ، والجملة عطف على ما قبلها أي ويوم تقوم الساعة يقال للملائكة : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب أي عذاب جهنم فإنه أشد مما كانوا فيه أو أشد عذاب جهنم فإن عذابها ألوان بعضها أشدّ من بعض ، وعن بعض أشد العذاب هو عذاب الهاوية ، وقيل : هو معمول (أَدْخِلُوا).

وقيل : هو عطف على (عَشِيًّا) فالعامل فيه (يُعْرَضُونَ) و (أَدْخِلُوا) على إضمار القول وهو كما ترى ، وقرأ علي كرم الله وجهه والحسن وقتادة وابن كثير ، والعربيان وأبو بكر «أدخلوا» على أنه أمر لآل فرعون بالدخول أي ادخلوا يا آل فرعون ، وقوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) معمول لا ذكر محذوفا أي واذكر وقت تخاصمهم في النار ، والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة لا على مقدر تقديره اذكر ما تلى عليك من قصة موسى

٣٢٦

عليه‌السلام وفرعون ومؤمن آل فرعون ولا على قوله تعالى : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) [غافر : ٤] أو على قوله سبحانه : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) [غافر : ١٨] لعدم الحاجة إلى التقدير في الأول وبعد المعطوف عليه في الأخيرين.

وزعم الطبري أن (إِذْ) معطوفة على (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) [غافر : ١٨] وهو مع بعده فيه ما فيه ، وجوز أن تكون معطوفة على (غُدُوًّا) وجملة (يَوْمَ تَقُومُ) اعتراض بينهما وهو مع كونه خلاف الظاهر قليل الفائدة ، وضمير يتحاجون على ما اختاره ابن عطية وغيره لجميع كفار الأمم ، ويتراءى من كلام بعضهم أنه لكفار قريش ، وقيل : هو لآل فرعون ، وقوله تعالى : (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) تفصيل للمحاجّة والتخاصم في النار أي يقول المرءوسون لرؤسائهم : (إِنَّا كُنَّا) في الدنيا (لَكُمْ تَبَعاً) تباعا فهو كخدم في جمع خادم.

وذهب جمع لقلة هذا الجمع إلى أن (تَبَعاً) مصدر إما بتقدير مضاف أي إنا كنا لكم ذوي أي أتباعا أو على التجوز في الظرف أو الإسناد للمبالغة بجعلهم لشدة تبعيتهم كأنهم عين التبعية (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) بدفع بعض عذابها أو بتحمله عنا ، و (مُغْنُونَ) من الغناء بالفتح بمعنى الفائدة ، و (نَصِيباً) بمعنى حصة مفعول لما دل عليه من الدفع أو الحمل أوله بتضمين أحدهما أي دافعين أو حاملين عنا نصيبا ، ويجوز أن يكون نصيبا قائما مقام المصدر كشيئا في قوله تعالى : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١١٦]. و (مِنَ النَّارِ) على هذا متعلق ـ بمغنون ـ وعلى ما قبله ظرف مستقر بيان ـ لنصيبا ..

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ(٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ

٣٢٧

لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)(٧٢)

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) للضعفاء (إِنَّا كُلٌّ فِيها) نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لدفعنا عن أنفسنا شيئا من العذاب ؛ ورفع (كُلٌ) على الابتداء وهو مضاف تقديرا لأن المراد كلنا و (فِيها) خبره والجملة خبر إن.

وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر «كلا» بالنصب ، وأخرجه ابن عطية والزمخشري على أنه توكيد لاسم إن ، وكون كل المقطوع عن الإضافة يقع تأكيدا اكتفاء بأن المعنى عليها مذهب الفراء ونقله أبو حيان عن الكوفيين ورده ابن مالك في شرحه للتسهيل ، وقيل : هو حال من المستكن في الظرف. وتعقب بأنه في معنى المضاف ولذا جاز الابتداء به فكيف يكون حالا ، وإذا سلم كفاية هذا المقدار من التنكير في الحالية فالظرف لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم نحو كل يوم لك ثوب.

وأجيب عن أمر العمل بأن الأخفش أجاز عمل الظرف في الحال إذا توسطت بينه وبين المبتدأ نحو زيد قائما في الدار عندك وما في الآية الكريمة كذلك ، على أن بعضهم أجاز ذلك ولو تقدمت الحال على المبتدأ والظرف ؛ نعم منعه بعضهم مطلقا لكن المخرج لم يقلده ، وابن الحاجب جوزه في بعض كتبه ومنعه في بعض ، قيل : وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه ، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيا لا معنويا ، وإلى هذا التخريج ذهب ابن مالك وأنشد له قول بعض الطائيين :

دعا فأجبنا وهو بادي ذلة

لديكم فكان النصر غير قريب

وحمل قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] في قراءة النصب على ذلك ، وقال أبو حيان : الذي أختاره في تخريج هذه القراءة أن كلا بدل من اسم إن لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه وغير ذلك فكأنه قيل : إن كلا فيها. وإذا كانوا قد تأولوا حولا أكتعا ويوما أجمعا على البدل مع أنهما لا يليان العوامل فإن يدعي في كل البدل أولى ، وأيضا فتنكير (كُلٌ) ونصبه حالا في غاية الشذوذ نحو مررت بهم كلا أي جميعا. ثم قال : فإن قلت : كيف تجعله بدلا وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم وهو لا يجوز على مذهب جمهور النحويين؟ قلت : مذهب

٣٢٨

الأخفش. والكوفيين جوازه وهو الصحيح ، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا نعلم خلافا في ذلك كقوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) [المائدة : ١١٤] وكقولك : مررت بكم صغيركم وكبيركم معناه مررت بكم كلكم وتكون لنا عيدا كلنا ، فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة فجوازه فيما دل على الإحاطة وهو (كُلٌ) أولى ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه لأنه بدل من ضمير المتكلم لأنه لم يحقق مناط الخلاف انتهى ، ولعل القول بالتوكيد أحسن من هذا وأقرب ، ورد ابن مالك له لا يعول عليه (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، وقدر لكل منا ومنكم عذابا لا يدفع عنه ولا يتحمله عنه غيره (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) من الضعفاء والمستكبرين جميعا لما ضاقت بهم الحيل وعيت بهم العلل (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) أي للقوام بتعذيب أهل النار ، وكان الظاهر ـ لخزنتها ـ بضمير النار لكن وضع الظاهر موضعه للتهويل ، فإن جهنم أخص من النار بحسب الظاهر لإطلاقها على ما في الدنيا أو لأنها محل لأشد العذاب الشامل للنار وغيرها ، وجوز أن يكون ذلك لبيان محل الكفرة في النار بأن تكون جهنم أبعد دركاتها من قولهم : بئر جهنام بعيدة القعر وفيها أعتى الكفرة وأطغاهم ، فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله عزوجل فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم وقالوا لهم : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً) أي مقدار يوم من أيام الدنيا (مِنَ الْعَذابِ) أي شيئا من العذاب ، فمفعول (يُخَفِّفْ) محذوف ، و (مِنَ) تحتمل البيان والتبعيض ، ويجوز أن يكون المفعول (يَوْماً) بحذف المضاف نحو ألم يوم و (مِنَ الْعَذابِ) بيانه ، والمراد يدفع عنا يوما من أيام العذاب : (قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي لم تنبهوا على هذا ولم تك تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي كما في قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) وأرادوا بذلك إلزامهم وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء وتعطيل أسباب الإجابة (قالُوا بَلى) أي أتونا بها فكذبناهم كما نطق به قوله تعالى : (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) [الملك : ٩] والفاء في قوله تعالى : (قالُوا فَادْعُوا) فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإن الدعاء لمن يفعل فعلكم ذلك مستحيل صدوره عنا ، وقيل : في تعليل امتناع الخزنة عن الدعاء : لأنا لم نؤذن في الدعاء لأمثالكم ، وتعقب بأنه مع عرائه عن بيان أن سببه من قبل الكفرة كما يفصح عنه الفاء ربما يوهم أن الإذن في حيز الإمكان وأنهم لو أذن لهم لفعلوا فالتعليل الأول أولى ، ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء إطماعهم في الإجابة بل إقناطهم منها وإظهار خيبتهم حيثما صرحوا به في قولهم : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي في ضياع وبطلان أي لا يجاب ، فهذه الجملة من كلام الخزنة ، وقيل : هي من كلامه تعالى اخبارا منه سبحانه لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واستدل بها مطلقا من قال : إن دعاء الكافر لا يستجاب وإنه لا يمكن من الخروج في الاستسقاء ، والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة وأن الكافر قد يقع في الدنيا ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى إثر دعائه كما يشهد بذلك آيات كثيرة ، وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له ، وقوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) إلخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى لبيان أن ما أصاب الكفرة من العذاب المحكي من فروع حكم كلي تقتضيه الحكمة هو أن شأننا المستمر أننا ننصر رسلنا وأتباعهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي وغير ذلك من العقوبات ، ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق للكفرة من صورة الغلبة امتحانا إذا العبرة إنما هي بالعواقب وغالب الأمر ، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك فتذكر (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) أي ويوم القيامة عبر عنه بذلك للإشعار بكيفية النصرة وأنها تكون عند جمع الأولين والآخرين وشهادة الإشهاد للرسل بالتبليغ وعلى الكفرة بالتكذيب ، فالإشهاد جمع شهيد بمعنى

٣٢٩

شاهد كأشراف جمع شريف ، وقيل : جمع شاهد بناء على أن فاعلا قد يجمع على أفعال ، وبعض من لم يجوز يقول : هو جمع شهد بالسكون اسم جمع لشاهد كما قالوا في صحب بالسكون اسم جمع لصاحب ، وفسر بعضهم (الْأَشْهادُ) بالجوارح وليس بذاك ، وهو عليهما من الشهادة ، وقيل : هو من المشاهدة بمعنى الحضور.

وفي الحواشي الخفاجية أن النصرة في الآخرة لا تتخلف أصلا بخلافها في الدنيا فإن الحرب فيها سجال وإن كانت العاقبة للمتقين ولذا دخلت (فِي) على (الْحَياةِ الدُّنْيا) دون قرينه لأن الظرف المجرور بفي لا يستوعب كالمنصوب على الظرفية كما ذكره الأصوليون انتهى ، وفيه بحث.

وقرأ ابن هرمز وإسماعيل وهي رواية عن أبي عمرو «تقوم» بتاء التأنيث على معنى جماعة الإشهاد. (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) بدل من (يَوْمَ يَقُومُ) و (لا) قيل : تحتمل أن تكون لنفي النفع فقط على معنى أنهم يعتذرون ولا ينفعهم معذرتهم لبطلانها وتحتمل أن تكون لنفي النفع والمعذرة على معنى لا تقع معذرة لتنفع ، وفي الكشاف يحتمل أنهم يعتذرون بمعذرة ولكنها لا تنفع لأنها باطلة وأنهم لو جاءوا بمعذرة لم تكن مقبولة لقوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦] وأراد على ما في الكشف أن عدم النفع إما لأمر راجع إلى المعذرة الكائنة وهو بطلانها ، وإما لأمر راجع إلى من يقبل العذر ولا نظر فيه إلى وقوع العذر ؛ والحاصل أن المقصود بالنفي الصفة ولا نظر فيه إلى الموصوف نفيا أو إثباتا ، وليس في كلامه إشارة إلى إرادة نفيهما جميعا فتدبر ، وقرأ غير الكوفيين ونافع «لا تنفع» بالتاء الفوقية ، ووجهها ظاهر ، وأما قراءة الياء فلأن المعذرة مصدر وتأنيثه غير حقيقي مع أنه فصل عن الفعل بالمفعول (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي البعد من الرحمة.

(وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هي جهنم وسوؤها ما يسوء فيها من العذاب فإضافته لأمية أو هي من إضافة الصفة للموصوف أي الدار السوأى ، ولا يخفى ما في الجملتين من إهانتهم والتهكم بهم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) ما يهتدى به من المعجزات والصحف والشرائع فهو مصدر تجوز به عما ذكر أو جعل عين الهدى مبالغة فيه.

(وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) تركنا عليهم بعد وفاته عليه‌السلام من ذلك التوراة فالإيراث مجاز مرسل عن الترك أو هو استعارة تبعية له ، ويجوز أن يكون المعنى جعلنا بني إسرائيل آخذين الكتاب عنه عليه‌السلام بلا كسب فيشمل من في حياته عليه‌السلام كما يقال : العلماء ورثة الأنبياء ، وهو وجه إلا أن اعتبار بعد الموت أوفق في الإيراث والعلاقة عليه أتم ، وإرادة التوراة من الكتاب هو الظاهر ، وجوز أن يكون المراد به جنس ما أنزل على أنبيائهم فيشمل التوراة والزبور والإنجيل (هُدىً وَذِكْرى) هداية وتذكرة أي لأجلهما أو هاديا ومذكرا فهما مصدران في موضع الحال (لِأُولِي الْأَلْبابِ) لذوي العقول السليمة الخالصة من شوائب الوهم ، وخصوا لأنهم المنتفعون به (فَاصْبِرْ) أي إذا عرفت ما قصصناه عليك للتأسي فاصبر على ما نالك من أذية المشركين (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) إياك والمؤمنين بالنصر المشار إليه بقوله سبحانه : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) أو جميع مواعيده تعالى ويدخل فيه وعده سبحانه بالنصر دخولا أوليا (حَقٌ) لا يخلفه سبحانه أصلا فلا بد من وقوع نصره جل شأنه لك وللمؤمنين ، واستشهد بحال موسى ومن معه وفرعون ومن تبعه (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) أقبل على أمر الدين وتلاف ما ربما يفرط مما يعد بالنسبة إليك ذنبا وإن لم يكنه ، ولعل ذلك هو الاهتمام بأمر العدا بالاستغفار فإن الله تعالى كافيك في النصر وإظهار الأمر ، وقيل : (لِذَنْبِكَ) لذنب أمتك في حقك ، قيل : فإضافة المصدر للمفعول (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أي ودم على التسبيح والتحميد لربك على أنه عبر بالطرفين وأريد جميع الأوقات ، وجوز أن يراد خصوص الوقتين ، والمراد بالتسبيح معناه الحقيقي كما في الوجه الأول أو الصلاة ، قال قتادة : أريد صلاة الغداة وصلاة العصر ، وعن الحسن أريد ركعتان بكرة

٣٣٠

وركعتان عشيا ، قيل : لأن الواجب بمكة كان ذلك ، وقد قدمنا أن الحس لا يقول بفرضية الصلوات الخمس بمكة فقيل : كان يقول بفرضية ركعتين بكرة وركعتين عشيا.

وقيل : إنه يقول كان الواجب ركعتين في أي وقت اتفق ، والكل مخالف للصريح المشهور ، وجوز على إرادة الدوام أن يراد بالتسبيح الصلاة ويراد بذلك الصلوات الخمس ، وحكي ذلك في البحر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) دلائله سبحانه التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة وما أظهر على أيدي رسله من المعجزات (بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) أي بغير حجة في ذلك أتتهم من جهته تعالى ، والجار متعلق ـ بيجادلون ـ وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة إتيان الحجة للإيذان بأن المتكلم في أمر الدين لا بدّ من استناده إلى حجة واضحة وبرهان مبين ، وهذا عام في كل مجادل مبطل وإن نزل في قوم مخصوصين وهم على الأصح مشركو مكة.

وقوله تعالى : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) خبر لأن و (إِنَ) نافية ، والمراد بالصدور القلوب أطلقت عليها للمجاورة والملابسة ، والكبر التكبر والتعاظم أي ما في قلوبهم إلا تكبر عن الحق وتعاظم عن التفكر والتعلم أو هو مجاز عن إرادة الرئاسة والتقدم على الإطلاق أو إرادة أن تكون النبوة لهم أي ما في قلوبهم إلا إرادة الرئاسة أو أن تكون النبوة لهم دونك حسدا وبغيا حسبما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] وقالوا : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] ولذلك يجادلون في آياته تعالى لا أن فيها موقع جدال ما أو أن لهم شيئا يتوهم صلاحيته لأن يكون مدار لمجادلتهم في الجملة ، وقوله تعالى : (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) صفة ـ لكبر ـ أي ما هم ببالغي موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق إرادتهم من دفع الآيات أو من الرئاسة أو النبوة ، وقال الزجاج : المعنى ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر عليك وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لأن الله تعالى أذلهم ، وقيل : الجملة مستأنفة وضمير (بِبالِغِيهِ) لدفع الآيات المفهوم من المجادلة ، وما تقدم أظهر ، وقال مقاتل : المجادلون الذين نزلت فيهم الآية اليهود عظموا أمر الدجال فنزلت ، وإلى هذا ذهب أبو العالية أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم بسند صحيح عنه قال : إن اليهود أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن الدجال يكون منا في آخر الزمان ويكون من أمره ما يكون فعظموا أمره وقالوا : يصنع كذا وكذا فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) إلخ ، وهذا كالنص في أن أمر اليهود كان السبب في نزولها ، وعليه تكون الآية مدنية وقد مر الكلام في ذلك فتذكر. وفي رواية أن اليهود كانوا يقولون : يخرج صاحبنا المسيح بن داود يريدون الدجال ويبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار وهو آية من آيات الله فيرجع إلينا الملك ، حكاها في الكشاف ثم قال : فسمى الله تعالى تمنيهم ذلك كبرا ونفى سبحانه أن يبلغوا متمناهم ، ويخطر لي على هذا القول إن اليهود لم يريدوا من تعظيم أمر الدجال سوى نفي أن يكون نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم النبي المبعوث في آخر الزمان الذي بشر به أنبياؤهم وزعم أن المبشر به هو ذلك اللعين ، ففي بعض الروايات أنهم قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام : لست صاحبنا ـ يعنون النبي المبشر به أنبياؤهم ، فالإضافة لأدنى ملابسة بل هو المسيح بن داود يبلغ سلطانه البر والبحر ويسير معه الأنهار ، وفي ذلك بزعمهم دفع الآيات الدالة على نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والداعي لهم إلى ذلك الكبر والحسد وحب أن لا تخرج النبوة من بني إسرائيل ، فمعنى الآية عليه نحو معناها على القول بكون المجادلين مشركي مكة. ثم إن اليهود عليهم اللعنة كذبوا أولا بقولهم للنبي عليه الصلاة والسلام : لست صاحبنا ، وثانيا بقولهم : بل هو المسيح بن داود يعنون الدجال ، أما الكذب الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنه لم يبعث نبي إلا وقد حذر أمته الدجال وأنذرهم إياه كما نطقت بذلك الأخبار ، وهم قالوا : هو صاحبنا يعنون المبشر ببعثته آخر الزمان ، وكل ذلك من الجدال في آيات الله تعالى بغير سلطان (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي فالتجئ إليه تعالى من كيد من يحسدك ويبغي عليك ، وفيه رمز إلى أنه من

٣٣١

همزات الشياطين ، وقال أبو العالية : هذا أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتعوذ من فتنة الدجال بالله عزوجل (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي لأقوالكم وأفعالكم ، والجملة لتعليل الأمر قبلها.

وقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) تحقيق للحق وتبيين لأشهر ما يجادلون فيه من أمر البعث الذي هو كالتوحيد في وجوب الإيمان به على منهاج قوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس : ٨١] وإضافة (خلق) إلى ما بعده من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لخلق الله تعالى السماوات والأرض أعظم من خلقه سبحانه الناس لأن الناس بالنسبة إلى تلك الأجرام العظيمة كلا شيء ، والمراد أن من قدر على خلق ذلك فهو سبحانه على خلق ما لا يعد شيئا بالنسبة إليه بدأ وإعادة أقدر وأقدر.

وقال أبو العالية : الناس الدجال وهو بناء على ما روي عنه في المجادلين ، ولعمري إن تطبيق هذا ونحوه على ذلك في غاية البعد وأنا لا أقول به (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وهم الكفرة ، ولما كان ما قبل لإثبات البعث الذي يشهد له العقل وتقتضيه الحكمة اقتضاء ظاهرا ناسب نفي العلم عمن كفر به لأنهم لو كانوا من العقلاء الذين من شأنهم التدبر والتفكر فيما يدل عليه لم يصدر عنهم إنكاره ، ولم يذكر للعلم مفعولا لأن المناسب للمقام تنزيله منزلة اللازم ، وقيل : المراد لا يعلمون أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس أي لا يجرون على موجب العلم بذلك من الإقرار بالبعث ومن لا يجري على موجب علمه هو والجاهل سواء.

وفي البحر أنه تعالى نبه على أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الإنسان بقوله سبحانه : (لَخَلْقُ) إلخ أي إن مخلوقاته تعالى أكبر وأجل من خلق البشر فما لأحدهم يجادل ويتكبر على خالقه سبحانه وتعالى ولكن أكثر الناس لا يعلمون لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم ولذلك جادلوا وتكبروا ، ولا يخفى أنه تفسير قليل الجدوى.

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي الغافل عن معرفة الحق في مبدئه ومعاده ومن كانت له بصيرة في معرفتهما ، وتفسير (الْبَصِيرُ) بالله تعالى و (الْأَعْمى) بالصنم غير مناسب هنا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي المحسن ولذا قوبل بقوله تعالى : (وَلَا الْمُسِيءُ) وعدل عن التقابل الظاهر كما في الأعمى والبصير إلى ما في النظم الجليل إشارة إلى أن المؤمنين علم في الإحسان ، وقدم (الْأَعْمى) لمناسبة العمى ما قبله من نفي العلم ، وقدم الذين آمنوا بعد لمجاورة البصير ولشرفهم ، وفي مثله طرق أن يجاور كل ما يناسبه كما هنا ، وأن يقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) [فاطر : ١٩ ـ ٢٢] وأن يؤخر المتقابلان كالأعمى والأصم والسميع والبصير وكل ذلك من باب التفنن في البلاغة وأساليب الكلام ، والمقصود من نفي استواء من ذكر بيان أن هذا التفاوت مما يرشد إلى البعث كأنه قيل : ما يستوي الغافل والمستبصر والمحسن والمسيء فلا بد أن يكون لهم حال أخرى يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت وهي فيما بعد البعث.

وأعيدت (لَا) في المسيء تذكيرا للنفي السابق لما بينهما من الفصل بطول الصلة ، ولأن المقصود بالنفي أن الكافر المسيء لا يساوي المؤمن المحسن ، وذكر عدم مساواة الأعمى للبصير توطئة له ، ولو لم يعد النفي فيه فربما ذهل عنه وظن أنه ابتداء كلام ، ولو قيل : ولا الذين آمنوا والمسيء لم يكن نصا فيه أيضا لاحتمال أنه مبتدأ و (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) خبره وجمع على المعنى قاله الخفاجي ، وهو أن تم فعلي القراءة بياء الغيبة ، وقيل : لم يقل ولا الذين آمنوا والمسيء لأن المقصود نفي مساواة المسيء للمحسن لا نفي مساواة المحسن له إذا المراد بيان خسارته ولا يصفو عن كدر فتدبر ، والموصول مع ما عطف عليه معطوف على (الْأَعْمى) مع ما عطف عليه عطف المجموع على

٣٣٢

المجموع كما في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) [الحديد : ٣] ولم يترك العطف بينهما بناء على أن الأول مشبه به والثاني مشبه وهما متحدان مآلا لأن كلا من الوصفين الأولين مغاير لكل من الوصفين الأخيرين وتغاير الصفات كتغاير الذوات في صحة التعاطف ، ووجه التغاير أن الغافل والمستبصر والمحسن والمسيء صفات متغايرة المفهوم بقطع النظر عن اتحاد ما صدقهما وعدمه ، وقيل : التغاير بين الوصفين الأولين والوصفين الأخيرين من جهة أن القصد في الأولين إلى العلم ، وفي الأخيرين إلى العمل ، وهو وجه لا بأس به ، وقيل : هما وإن اتحدا ذاتا متغايران اعتبارا من حيث إن الثاني صريح والأول مذكور على طريق التمثيل ، ونظر فيه بأنه لو اكتفى بمجرد هذه المغايرة لزم جواز عطف المشبه على المشبه به وعكسه.

(قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي تذكرا قليلا تتذكرون. وقرأ الجمهور والأعرج والحسن وأبو جعفر وشيبة بياء الغيبة والضمير للناس أو الكفار ، قال الزمخشري : والتاء أعم ، وعلله صاحب التقريب بأن فيه تغليب الخطاب على الغيبة ، وقال القاضي : إن التاء للتغيب أو الالتفات أو أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمخاطبة أي بتقدير قل قبله ، وآثر العلامة الطيبي الالتفات لأن العدول من الغية إلى الخطاب في مقام التوبيخ يدل على العنف الشديد والإنكار البليغ ، فهذه الآية متصلة بخلق السماوات وهو كلام مع المجادلين. وتعقبه صاحب الكشف بأنه يجوز أن يجعل ما ذكر نكتة التغليب فيكون أولى لفائدة التعميم أيضا فليفهم ، والظاهر أن التغليب جار على احتمال كون الضمير للناس واحتمال كونه للكفار لأن بعض الناس أو الكفار مخاطب هنا ؛ والتقليل أيضا يصح اجراؤه على ظاهره لأن منهم من يتذكر ويهتدي ، وقال الجلبي : الضمير إذا كان للناس فالتقليل على معناه الحقيقي والمستثنى هم المؤمنون وإذا كان للكفار فهو بمعنى النفي ، ثم الظاهر أن المخاطب من خاطبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قريش فمن قال : المخاطب هو النبي عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى : (فَاصْبِرْ) ولا يناسب إدخاله فيمن لم يتذكر فقدسها ولم يتذكر.

(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) أي في مجيئها أي لا بد من مجيئها ولا محالة لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الأنبياء على الوعد الصادق بوقوعها. ويجوز أن يكون المعنى أنها آتية وأنها ليست محلا للريب أي لوضوح الدلالة إلى آخر ما مر ، والفرق أن متعلق الريب على الأول المجيء وعلى هذا الساعة والحمل عليه أولى.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ما يدركونه بالحواس الظاهرة واستيلاء الأوهام على عقولهم (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي اعبدوني أثبكم على ما روي عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وجماعة. وعن الثوري أنه قيل له : ادع الله تعالى فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء يعني أن الدعاء باللسان ترجمة عن طلب الباطن وأنه إنما يصح لصحة التوجه وترك المخالفة فمن ترك الذنوب فقد سأل الحق بلسان الاستعداد وهو الدعاء الذي يلزمه الإجابة ومن لا يتركها فليس بسائل وإن دعاه سبحانه ألف مرة ؛ وما ذكر مؤيد لتفسير الدعاء بالعبادة ومحقق له فإن ترك الذنوب من أجل العبادات وينطبق على ذلك كمال الانطباق قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) أي صاغرين أذلاء.

وجوز أن يكون المعنى اسألوني أعطكم وهو المروي عن السدي فمعنى قوله تعالى : (يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) يستكبرون عن دعائي لأن الدعاء نوع من العبادة ومن أفضل أنواعها ، بل روى ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال : أفضل العبادة الدعاء وقرأ الآية ، والتوعد على الاستكبار عنه لأن ذلك عادة المترفين المسرفين وإنما المؤمن يتضرع إلى الله تعالى في كل تقلباته ، وفي إيقاع العبادة صلة الاستكبار ما يؤذن بأن الدعاء باب من أبواب الخضوع لأن العبادة خضوع ولأن المراد بالعبادة الدعاء والاستكبار إنما يكون عن شيء إذا أتى به لم يكن مستكبرا.

٣٣٣

قال في الكشف : وهذا الوجه أظهر بحسب اللفظ وأنسب إلى السياق لأنه لما جعل المجادلة في آيات الله تعالى من الكبر جعل الدعاء وتسليم آياته من الخضوع لأن الداعي له تعالى الملتجئ إليه عزوجل لا يجادل في آياته بغير سلطان منه البتة ، والعطف في قوله تعالى : (وَقالَ) من عطف مجموع قصة على مجموع أخرى لاستوائهما في الغرض ، ولهذا لما تمم هذه القصة أعني قوله سبحانه : (وَقالَ رَبُّكُمُ) إلى قوله عزوجل : (كُنْ فَيَكُون) [البقرة : ١١٧ وغيرها] صرح بالغرض في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) كما بنى القصة أولا على ذلك في قوله تبارك وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) [غافر: ٣٥] ولو تؤمل في هذه السورة الكريمة حق التأمل وجد جل الكلام فيها مبنيا على رد المجادلين في آيات الله المشتملة على التوحيد والبعث وتبيين وجه الرد في ذلك بفنون مختلفة ، ثم انظر إلى ما ختم به السورة كيف يطابق ما بدئت من قوله سبحانه : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ) [غافر : ٤] وكيف صرح آخرا بما رمز إليه أولا لتقضي منه العجب فهذا وجه العطف انتهى.

وما ذكره من أظهرية هذا الوجه بحسب اللفظ ظاهر جدا لما في الأولى من ارتكاب خلاف الظاهر قبل الحاجة إليه في موضعين في الدعاء حيث تجوز به عن العبادة لتضمنها له أو لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق ، وفي الاستجابة حيث جعلت الإثابة على العبادة لترتبها عليها استجابة مجازا أو مشاكلة بخلاف الثاني فإن فيه ارتكاب خلاف الظاهر وهو التجوز في موضع واحد وهو (عَنْ عِبادَتِي) ومع هذا هو بعد الحاجة فلم يكن كنزع الخف قبل الوصول إلى الماء بل قيل : لا حاجة إلى التجوز فيه لأن الإضافة مراد بها العهد هنا فتفيد ما تقدم ، لكن كونه أنسب بالسياق أيضا مما لا يتم في نظري ، وأيا ما كان ف (أَسْتَجِبْ) جزم في جواب الأمر أي إن تدعوني أستجب لكم والاستجابة على الوجهين مشروطة بالمشيئة حسبما تقتضيه أصولنا ، وقد صرح بذلك في استجابة الدعاء قال سبحانه : (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) [الأنعام : ٤١] والاستكبار عن عبادة الله تعالى دعاء كانت أو غيره كفر يترتب عليه ما ذكر في الآية الكريمة.

وأما ترك ذلك لا عن استكبار فتفصيل الكلام فيه لا يخفى ، والمقامات في ترك الدعاء فقيل : متفاوتة فقد لا يحسن كما يدل عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم يدع الله تعالى يغضب عليه» أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا ، وقد يحسن كما يدل عليه ما روي من ترك الخليل عليه‌السلام الدعاء يوم ألقي في النار وقوله علمه بحالي يغني عن سؤالي ، وربما يقال : ترك الدعاء اكتفاء بعلم الله عزوجل دعاء والله تعالى أعلم.

وقرأ ابن كثير وأبو بكر وزيد بن علي وأبو جعفر «سيدخلون» مبنيا للمفعول من الإدخال واختلفت الرواية عن عاصم وأبي عمرو (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) لتستريحوا فيه بأن أغاب سبحانه فيه الشمس فجعله جل شأنه باردا مظلما وجعل عزوجل برده سببا لضعف القوى المحركة وظلمته سببا لهدو الحواس الظاهرة إلى أشياء أخرى جعلها أسبابا للسكون والراحة (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) يبصر فيه أو به فالنهار إما ظرف زمان للإبصار أو سبب له.

وأيا ما كان فإسناد الإبصار له بجعله مبصرا إسناد مجازي لما بينهما من الملابسة ، وفيه مبالغة وأنه بلغ الإبصار إلى حد سرى في نهار المبصر ، ولذا لم يقل : لتبصروا فيه على طرز ما وقع في قرينه ، فإن قيل : لم لم يقل جعل لكم الليل ساكنا ليكون فيه المبالغة المذكورة وتخرج القرينتان مخرجا واحدا في المبالغة ، قلت : أجيب عن ذلك بأن نعمة النهار أتم وأعظم من نعمة الليل فسلك مسلك المبالغة فيها ، وتركت الأخرى على الظاهر تنبيها على ذلك ، وقيل : إن النعمتين فرسا رهان فدل على فضل الأولى بالتقديم وعلى فضل الأخرى بالمبالغة وهو كما ترى ، وقيل : لم يقل ذلك

٣٣٤

لأن الليل يوصف على الحقيقة بالسكون فيقال : ليل ساكن أي لا ريح فيه ولا يبعد أن يكون السكون بهذا المعنى حقيقة عرفية. فلو قيل : ساكنا لم يتميز المراد نظرا إلى الإطلاق وإن تميز نظرا إلى قرينة التقابل.

وكان رجحان هذا الأسلوب لأن الكلام المحكم الواضح بنفسه من أول الأمر هو الأصل لا سيما في خطاب ورد في معرض الامتنان للخاصة والعامة ، وهم متفاوتون في الفهم والدراية الناقصة والتامة ، وفي الكشف لما لم يكن الأبصار علة غائية في نفسه بل العلة ابتغاء الفضل كما ورد مصرحا به في سورة القصص بخلاف السكون والدعة في الليل صرح بذلك في الأول ورمز في الثاني مع إفادة نكتة سرية في الإسناد المجازي.

وقال الجلبي : إذا حملت الآية على الاحتباك ، وقيل : المراد جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتنتشروا فيه ولتبتغوا من فضل الله تعالى فحذف من الأول بقرينة الثانية ومن الثاني بقرينة الأول لم يحتج إلى ما ذكر في تعليل ترك المبالغة في القرينة الأولى ، وهذا هو المشهور في الآية والله سبحانه وتعالى أعلم.

(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ) لا يوازيه فضل ولقصد الإشعار به لم يقل المفضل (عَلَى النَّاسِ) برهم وفاجرهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم ، وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم ، وذلك من إيقاعه على صريح اسمهم الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أنه من شأنهم وخاصتهم في الغالب.

(ذلِكُمُ) المتصف بالصفات المذكورة المقتضية للألوهية والربوبية (اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقلل اشتراكها في المفهوم نظرا إلى أصل الوضع وتقررها ، وجوز في بعضها الوصفية والبدلية ، وأخر (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) عن (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في آية [١٠٦ من سورة الأنعام] ، وقدم هنا لما أن المقصود هاهنا على ما قيل الرد على منكري البعث فناسب تقديم ما يدل عليه ، وهو أنه منه سبحانه وتعالى مبدأ كل شيء فكذا إعادته.

وقرأ زيد بن علي «خالق» بالنصب على الاختصاص أي أعني أو أخص خالق كل شيء فيكون (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) استئنافا مما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة فكأنه قيل : الله تعالى متصف بما ذكر من الصفات ولا إله إلا من اتصف بها فلا إله إلا هو (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فكيف ومن أي جهة تصرفون من عبادته سبحانه إلى عبادة غيره عزوجل. وقرأ طلحة في رواية «يؤفكون» بياء الغيبة.

(كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أي مثل ذلك الإفك العجيب الذي لا وجه له ولا مصحح أصلا يؤفك كل من جحد بآياته تعالى أي آية كانت لا إفكا آخر له وجه ومصحح في الجملة.

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) أي مستقرا (وَالسَّماءَ بِناءً) أي قبة ومنه أبنية العرب لقبابهم التي تضرب وإطلاق ذلك على السماء على سبيل التشبيه ، وهو تشبيه بليغ وفيه إشارة لكريتها. وهذا بيان لفضله تعالى المتعلق بالمكان بعد بيان فضله المتعلق بالزمان ، وقوله سبحانه : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) بيان لفضله تعالى المتعلق بأنفسهم ، والفاء في (فَأَحْسَنَ) تفسيرية فالمراد صوركم أحسن تصوير حيث خلق كلا منكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيئ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات. وقرأ الأعمش وأبو رزين «صوركم» بكسر الصاد فرارا من الضمة قبل الواو ، وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها شاذ ومنه قوة وقوى بكسر القاف في الجمع. وقرأت فرقة «صوركم» بضم الصاد وإسكان الواو على نحو بسرة وبسر (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي المستلذات طعما ولباسا وغيرهما وقيل الحلال (ذلِكُمُ) الذي نعت بما ذكر من النعوت الجليلة (اللهُ رَبُّكُمْ)

٣٣٥

خبران لذلكم (فَتَبارَكَ اللهُ) تعالى بذاته (رَبُّ الْعالَمِينَ) أي مالكهم ومربيهم والكل تحت ملكوته مفتقر إليه تعالى في ذاته ووجوده وسائر أحواله جميعها بحيث لو انقطع فيضه جل شأنه عنه آنا لعدم بالكلية (هُوَ الْحَيُ) المنفرد بالحياة الذاتية الحقيقية (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته وأفعاله عزوجل (فَادْعُوهُ) فاعبدوه خاصة لاختصاص ما يوجب ذلك به تعالى.

وتفسير الدعاء بالعبادة هو الذي يقتضيه قوله تعالى : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي الطاعة من الشرك الخفي والجلي وأنه الأليق بالترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية والألوهية ، وإنما ذكرت بعنوان الدعاء لأن اللائق هو العبادة على وجه التضرع والانكسار والخضوع (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي قائلين ذلك.

أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين وذلك قوله تعالى : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ) إلخ. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير نحو ذلك ، وعلى هذا ف (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلخ من كلام المأمورين بالعبادة قبله ، وجوز كونه من كلام الله تعالى على أنه إنشاء حمد ذاته سبحانه بذاته جل شأنه.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) من الحجج والآيات أو من الآيات لكونها مؤيدة لأدلة العقل منبهة عليها فإن الآيات التنزيلية مفسرات للآيات التكوينية الآفاقية والأنفسية (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي بأن أنقاد له تعالى وأخلص له عزوجل ديني.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) في ضمن خلق آدم عليه‌السلام منه حسبما مر تحقيقه (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي من مني (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) قطعة دم جامد (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي أطفالا وهو اسم جنس صادق على القليل والكثير.

وفي المصباح ، قال ابن الأنباري : يكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع ويجوز فيه المطابقة أيضا ، وقيل : إنه أفراد بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع ثم يخرج كل فرد منه طفلا (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) للام فيه متعلقة بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وذلك المحذوف عطف على (يُخْرِجُكُمْ) وجوز أن يكون (لِتَبْلُغُوا) عطفا على علة مقدرة ليخرجكم كأنه قيل : ثم يخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم وكمالكم في القوة والعقل ، وكذا الكلام في قوله تعالى : (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) ويجوز عطفه على (لِتَبْلُغُوا).

وقرأ ابن كثير وابن ذكوان وأبو بكر وحمزة والكسائي «شيوخا» بكسر الشين. وقرئ «شيخا» كقوله تعالى : (طِفْلاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضا (وَلِتَبْلُغُوا) متعلق بفعل مقدر بعده أي ولتبلغوا (أَجَلاً مُسَمًّى) هو يوم القيامة بفعل ذلك الخلق من تراب وما بعده من الأطوار ، وهو عطف على (خَلَقَكُمْ) والمراد من يوم القيامة ما فيه من الجزاء فإن الخلق ما خلقوا إلا ليعبدوا ثم يبلغوا الجزاء ، وتفسير الأجل المسمى بذلك مروي عن الحسن ، وقال بعض : هو يوم الموت. وتعقب بأن وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله فالأولى تفسيره بما تقدم ، وظاهر صنيع الزمخشري ترجيح هذا على ما بين في الكشف (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ولكي تعقلوا ما في ذلك التنقل في الأطوار من فنون الحكم والعبر.

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال : أي ولعلكم تعقلون عن ربكم أنه يحييكم كما أماتكم (هُوَ الَّذِي يُحْيِي) الأموات (وَيُمِيتُ) الأحياء أو الذي يفعل الإحياء والإماتة (فَإِذا (١) قَضى أَمْراً) أراد بروز أمر من الأمور إلى

٣٣٦

الوجود الخارجي (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) من غير توقف على شيء من الأشياء أصلا.

وهذا عند الخلف تمثيل لتأثير قدرته تعالى في المقدورات عند تعلق إرادته سبحانه بها وتصوير لسرعة ترتب المكونات على تكوينه من غير أن يكون هناك آمر ومأمور وقد تقدم الكلام في ذلك ، والفاء الأولى للدلالة على أن ما بعدها من نتائج ما قبلها من حيث إنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد ، وجوز فيها كونها تفصيلية وتعليلية أيضا فتدبر (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) تعجيب من أحوالهم الشنيعة وآرائهم الركيكة وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن وبسائر الكتب والشرائع وترتيب الوعيد على ذلك ، كما أن ما سبق من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) إلخ بيان لابتناء جدالهم على مبنى فاسد لا يكاد يدخل تحت الوجود فلا تكرير فيه كذا في إرشاد العقل السليم.

وقال القاضي : تكرير ذكر المجادلة لتعدد المجادل بأن يكون هناك قوما وهنا قوما آخرين أو المجادلة فيه بأن يحمل في كل على معنى مناسب ففيما مر في البعث وهنا في التوحيد أو هو للتأكيد اهتماما بشأن ذلك. واختار ما في الإرشاد ، أي انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين في آياته تعالى الواضحة الموجبة للإيمان بها الزاجرة عن الجدال فيها كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها وانتفاء الصوارف عنها بالكلية.

وقوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) أي بكل القرآن أو بجنس الكتب السماوية فإن تكذيبه تكذيب لها في محل الجر على أنه بدل من الموصول الأول أو بيان أو صفة له أو في محل النصب على الذم أو في محل الرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وإنما وصل الموصول الثاني بالتكذيب دون المجادلة لأن المعتاد وقوع المجادلة في بعض المواد لا في الكل. وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق كما أن صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على تجدد المجادلة وتكررها (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) من سائر الكتب على الوجه الأول في تفسير الكتاب أو مطلق الوحي والشرائع على الوجه الثاني فيه.

(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) كنه ما فعلوا من الجدال والتكذيب عند مشاهدتهم لعقوباته (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ظرف ليعلمون ، والمعنى على الاستقبال ، والتعبير بلفظ المضي للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة فلا تنافر بين سوف وإذ (وَالسَّلاسِلُ) عطف على (الْأَغْلالُ) والجار والمجرور في نية التأخير كأنه قيل : إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم ، وقوله تعالى : (يُسْحَبُونَ) أي يجرون (فِي الْحَمِيمِ) حال من ضمير (يَعْلَمُونَ) أو ضمير (فِي أَعْناقِهِمْ) أو جملة مستأنفة لبيان حالهم بعد ذلك ، وجوز كون (السَّلاسِلُ) مبتدأ أو جملة (يُسْحَبُونَ) خبره والعائد محذوف أي يسحبون بها.

وجوز كون (الْأَغْلالُ) مبتدأ (وَالسَّلاسِلُ) عطف عليه والجملة خبر المبتدأ و (فِي أَعْناقِهِمْ) في موضع الحال ، ولا يخفى حاله ، وقرأ ابن مسعود وابن عباس وزيد بن علي وابن وثاب «والسلاسل يسحبون» بنصب السلاسل وبناء يسحبون للفاعل فيكون السلاسل مفعولا مقدما ليسحبون ، والجملة معطوفة على ما قبلها ، ولا بأس بالتفاوت اسمية وفعلية.

وقرأت فرقة منهم ابن عباس في رواية «والسلاسل» بالجر ، وخرج ذلك الزجاج على الجر بخافض محذوف كما في قوله :

أشارت كليب بالأكف الأصابع

٣٣٧

أي وبالسلاسل كما قرئ به أو في السلاسل كما في مصحف أبي ، والفراء على العطف بحسب المعنى إذ الأغلال في أعناقهم بمعنى أعناقهم في الأغلال ، ونظيره قوله :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا ببين غرابها

ويسمى في غير القرآن عطف التوهم ، وذهب إلى هذا التخريج الزمخشري وابن عطية ، وابن الأنباري بعد أن ضعف تخريج الزجاج خرج القراءة على ما قال الفراء قال : وهذا كما تقول : خاصم عبد الله زيد العاقلين بنصب العاقلين ورفعه لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصم الآخر ، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ونقل جوازها عن محمد ابن سعدان الكوفي قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) يحرقون ظاهرا وباطنا من سجر التنور إذا ملأه إيقادا ويكون بمعنى ملأه بالحطب ليحميه ، ومنه السجير للصديق الخليل كأنه سجر بالحب أي ملئ ، ويفهم من القاموس أن السجر من الأضداد ، وكلا الاشتقاقين مناسب في السجير أي ملئ من حبك أو فرغ من غيرك إليك والأول أظهر.

والمراد بهذا وما قبله أنهم معذبوهم بأنواع العذاب سحبهم على وجوههم في النار الموقدة ثم تسليط النار على باطنهم وأنهم يعذبون ظاهرا وباطنا فلا استدراك في ذكر هذا بعد ما تقدم.

(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ)(٨٥)

(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) أي يقال لهم ويقولون ، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع ، والسؤال للتوبيخ ، وضلالهم عنهم بمعنى غيبتهم من ضلت دابته إذا لم يعرف مكانها ، وهذا لا ينافي ما يشعر بأن آلهتهم مقرونون بهم في النار لأن للنار طبقات ولهم فيها مواقف فيجوز غيبتهم عنهم في بعضها

٣٣٨

واقترانهم بهم في بعض آخر ، ويجوز أن يكون ضلالهم استعارة لعدم النفع فحضورهم كالعدم فذكر على حقيقته في موضع وعلى مجازه في آخر (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) أي بل تبين لنا اليوم أنّا لم نكن نعبد في الدنيا شيئا يعتد به ، وهو إضراب عن كون الآلهة الباطلة ليست بموجودة عندهم أو ليست بنافعة إلى أنها ليست شيئا يعتد به.

وفي ذلك اعتراف بخطئهم وندم على قبيح فعلهم حيث لا ينفع ذلك ، وجعل الجلبي هذه الآية كقوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] يفزعون إلى الكذب لحيرتهم واضطرابهم ، ومعنى قوله تعالى : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) أنه تعالى يحيرهم في أمرهم حتى يفزعون إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم ، ولعل ما تقدم هو المناسب للسياق.

ومعنى هذا مثل ذلك الإضلال يضل الله تعالى في الدنيا الكافرين حتى أنهم يدعون فيها ما يتبين لهم أنه ليس بشيء أو مثل ضلال آلهتهم عنهم في الآخرة نضلهم عن آلهتهم فيها حتى لو طلبوا الآلهة وطلبتهم لم يلق بعضهم بعضا أو مثل ذلك الضلال وعدم النفع يضل الله تعالى الكافرين حتى لا يهتدوا في الدنيا إلى ما ينفعهم في الآخرة ، وفي المجمع كما أضل الله تعالى أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يؤملونه كذلك يفعل بأعمال جميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشيء منها ، فإضلال الكافرين على معنى إضلال أعمالهم أي إبطالها ، ونقل ذلك عن الحسن ، وقيل في معناه غير ذلك.

وقوله تعالى : (ذلِكُمْ) إشارة إلى المذكور من سحبهم في السلاسل والأغلال وتسجيرهم في النار وتوبيخهم بالسؤال ، وجوز على بعض الأوجه أن يكون إشارة إلى إضلال الله تعالى الكافرين ، وإلى الأول ذهب ابن عطية أي ذلكم العذاب الذي أنتم فيه (بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ) تبطرون وتأشرون كما قال مجاهد (بِغَيْرِ الْحَقِ) وهو الشرك والمعاصي أو بغير استحقاق لذلك ، وفي ذلك (الْأَرْضِ) زيادة تفظيع للبطر (وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) تتوسعون في الفرح ، وقيل : المعنى بما كنتم تفرحون بما يصيب أنبياء الله تعالى أولياءه من المكاره وبما كنتم تتوسعون في الفرح بما أوتيتم حتى نسيتم لذلك الآخرة واشتغلتم بالنعمة عن المنعم ، وفي الحديث «الله تعالى يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين» وبين الفرح والمرح تجنيس حسن ، والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ لأن ذم المرء في وجهه تشهير له ، ولذا قيل : النصح بين الملأ تقريع (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) أي الأبواب المقسومة لكم (خالِدِينَ فِيها) مقدرين الخلود (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) عن الحق جهنم ، وكان مقتضى النظم الجليل حيث صدر بادخلوا أن يقال : فبئس مدخل المتكبرين ليتجاوب الصدر والعجز لكن لما كان الدخول المقيد بالخلود سبب الثواء عبر بالمثوى وصح التجاوب معنى ، وهذا الأمر على ما استظهره في البحر مقول لهم بعد المحاورة السابقة وهم في النار ، ومطمح النظر فيه الخلود فهو أمر بقيد الخلود لا بمطلق الدخول ، ويجوز أن يقال : هم بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا الأبواب المقسومة لهم فكان أمرا بالدخول بقيد التجزئة لكل باب ، وقال ابن عطية : يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا.

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بتعذيب أعدائك الكفرة (حَقٌ) كائن لا محالة (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) أصله فإن نرك فزيدت (ما) لتوكيد (إن) الشرطية ولذلك جاز أن يلحق الفعل نون التوكيد على ما قيل : وإلى التلازم بين ما ونون التوكيد بعد أن الشرطية ذهب المبرد. والزجاج فلا يجوز عندهما زيادة ما بدون إلحاق نون ولا إلحاق نون بدون زيادة ما ورد بقوله :

فأما تريني ولي لمة

فإن الحوادث أودى بها

٣٣٩

ونسب أبو حيان على كلام فيه جواز الأمرين إلى سيبويه والغالب أن إن إذا أكدت ـ بما ـ يلحق الفعل بعدها نون التوكيد على ما نص عليه غير واحد (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) وهو القتل والأسر (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم ، وهو جواب (نَتَوَفَّيَنَّكَ) وجواب (نُرِيَنَّكَ) محذوف مثل فذاك ، وجوز أن يكون جوابا لهما على معنى أن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار على ذكر الرجوع في هذا المعرض. والزمخشري آثر في الآية هنا ما ذكر أولا وذكر في [الرعد : ٤٠] في نظيرها أعني قوله تعالى : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) ما يدل على أن الجملة المقرونة بالفاء جواب على التقديرين ، قال في الكشف : والفرق أن قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) [الروم : ٦٠ ، غافر : ٥٥ ، ٧٧] عدة للإنجاز والنصر وهو الذي همه عليه الصلاة والسلام وهم المؤمنين معقود به لمقتضى هذا السياق فينبغي أن يقدر فذاك هناك ثم جيء بالتقدير الثاني ردا لشماتتهم وأنه منصور على كل حال وإتماما للتسلي ، وأما مساق التي في الرعد فلا يجاب التبليغ وأنه ليس عليه غير ذلك كيفما دارت القضية ، فمن ذهب إلى إلحاق ما هنا بما في الرعد ذهب عنه مغزى الزمخشري انتهى فتأمل ولا تغفل.

وقرأ أبو عبد الرحمن ويعقوب «يرجعون» بفتح الياء ، وطلحة بن مصرف ويعقوب في رواية الوليد بن حسان بفتح تاء الخطاب (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً) ذوي خطر وكثرة (مِنْ قَبْلِكَ) من قبل إرسالك.

(مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا) أوردنا أخبارهم وآثارهم (عَلَيْكَ) كنوح وإبراهيم وموسى عليهم‌السلام.

(وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) وهم أكثر الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أخرج الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : «قلت يا رسول الله كم عدة الأنبياء؟ قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا» والظاهر أن المراد بالرسول في الآية ما هو أخص من النبي ، وربما يوهم صنيع القاضي أن المراد به ما هو مساو للنبي.

وأيا ما كان لا دلالة في الآية على عدم علمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كما توهم بعض الناس ، ورد لذلك خبر الإمام أحمد وجرى بيننا وبينه من النزاع ما جرى ، وذلك لأن المنفي القص وقد علمت معناه فلا يلزم من نفي ذلك نفي ذكر أسمائهم ، ولو سلم فلا يلزم من نفى ذكر الأسماء نفي ذكر أن عدتهم كذا من غير تعرض لذكر أسمائهم ، على أن النفي بلم وهي على الصحيح تقلب المضارع ما ضيافا لمنفي القص في الماضي ولا يلزم من ذلك استمرار النفي فيجوز أن يكون قد قصوا عليه عليه الصلاة والسلام جميعا بعد ذلك ولم ينزل ذلك قرآنا ، وأظهر من ذلك في الدلالة على عدم استمرار النفي قوله تعالى : (رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [النساء : ١٦٤] لتبادر الذهن فيه إلى أن المراد لم نقصصهم عليك من قبل لمكان (قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) وبالجملة الاستدلال بالآية على أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعلم عدة الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ولا علمها بعد جهل عظيم بل خذلان جسيم نعوذ بالله تعالى من ذلك ، وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) قال : بعث الله تعالى عبدا حبشيا نبيا فهو ممن لم يقصص على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن ابن عباس بلفظ «إن الله تعالى بعث نبيا أسود في الحبش فهو ممن لم يقصص عليه عليه الصلاة والسلام» والمراد بذلك على نحو ما مر أنه لم تذكر له صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصصه وآثاره ولا أوردت عليه أحواله وأخباره كما كان في شأن موسى وعيسى وغيرهما من المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، ولا يمكن أن يقال : المراد أنه لم يذكر له صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثة شخص موصوف بذلك إذ لا يساعد عليه اللفظ ، وأيضا لو أريد ما ذكر فمن أين علم علي كرم الله تعالى وجهه أو ابن عباس ذلك

٣٤٠