روح المعاني - ج ١٢

أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي

روح المعاني - ج ١٢

المؤلف:

أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٤

حملة العرش لا يرونه عزوجل بالحاسة لا يلزم منه عدم رؤية المؤمنين إياه تعالى في الدار الآخرة (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) على إرادة القول أي يقولون ربنا إلخ ، والجملة لا محل لها محل لها من الإعراب على أنها تفسير ـ ليستغفرون ـ أو في محل رفع على أنها عطف بيان على تلك الجملة بناء على جوازه في الجمل أو في محل نصب على الحالية من الضمير في (يَسْتَغْفِرُونَ).

وفسر استغفارهم على هذا الوجه بشفاعتهم للمؤمنين وحملهم على التوبة بما يفيضون على سرائرهم ، وجوز أن يكون الاستغفار في قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) المفسر بترك معاجلة العقاب وإدرار الرزق والارتفاق بما خلق من المنافع الجمة ونحو ذلك وهو وإن لم يخص المؤمنين لكنهم أصل فيه فتخصيصهم هنا بالذكر للإشارة إلى ذلك ، والأظهر كون الجملة تفسيرا ، ونصب (رُحْماً) و (عِلْماً) على التمييز وهو محول عن الفاعل والأصل وسعت رحمتك وعلمك كل شيء وحول إلى ما في النظم الجليل للمبالغة في وصفه عزوجل بالرحمة والعلم حيث جعلت ذاته سبحانه كأنها عين الرحمة والعلم مع التلويح إلى عمومها لأن نسبة جميع الأشياء إليه تعالى مستوية فتقتضي استواءها في شمولهما ، ووصفه تعالى بكمال الرحمة والعلم كالتمهيد لقوله سبحانه : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) إلخ ، وتسبب المغفرة عن الرحمة ظاهر ، وأما تسببها عن العلم فلأن المعنى فاغفر للذين علمت منهم التوبة أي من الذنوب مطلقا بناء على أنه المتبادر من الإطلاق واتباع سبيلك وهو سبيل الحق التي نهجها الله تعالى لعباده ودعا إليها الإسلام أي علمك الشامل المحيط بما خفي وما علن يقتضي ذلك ، وفيه تنبيه على طهارتهم من كدورات الرياء والهوى فإن ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى وحده.

ويتضمن التمهيد المذكور الإشارة إلا أن الرحمة الواسعة والعلم الشامل يقتضيان أن ينال هؤلاء الفوز العظيم والقسط الأعلى من الرضوان وفيه إيماء إلى معنى :

إن تغفر اللهم تغفر جما

وأي عبد لك لا ألما

فإن العبد وإن بالغ حق المبالغة في أداء حقوقه تعالى فهو مقصر ، وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته» وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات هاهنا ، وفي تصدير الدعاء بربنا من الاستعطاف ما لا يخفى ولذا كثر تصدير الدعاء به ، وقوله تعالى : (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي واحفظهم عنه تصريح بعد تلويح للتأكيد فإن الدعاء بالمغفرة يستلزم ذلك ، وفيه دلالة على شدة العذاب.

(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) أي وعدتهم إياها فالمفعول الآخر مقدر والمراد وعدتهم دخولها ، وتكرير النداء لزيادة الاستعطاف ، وقرأ زيد بن علي والأعمش «جنّة عدن» بالإفراد وكذا في مصحف عبد الله (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) عطف على الضمير المنصوب في (أَدْخِلْهُمْ) أي وأدخل معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتضاعف ابتهاجهم ، وجوز الفراء والزجاج العطف على الضمير في (وَعَدْتَهُمْ) أي وعدتهم ووعدت من صلح إلخ فقيل : المراد بذلك الوعد العام. وتعقب بأنه لا يبقى على هذا للعطف وجه فالمراد الوعد الخاص بهم بقوله تعالى : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] ، والظاهر العطف على الأول والدعاء بالإدخال فيه صريح ، وفي الثاني ضمني والظاهر أن المراد بالصلاح الصلاح المصحح لدخول الجنة وإن كان دون صلاح المتبوعين ، وقرأ ابن عبلة «صلح» بضم اللام يقال : صلح فهو صليح وصلح فهو صالح ، وقرأ عيسى «ذريتهم» بالإفراد (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) أي الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدور (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الأمور التي من جملتها إدخال من طلب ادخالهم الجنات فالجملة تعليل لما قبلها.

٣٠١

(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي العقوبات على ما روي عن قتادة ، وإطلاق السيئة على العقوبة لأنها سيئة في نفسها ، وجوز أن يراد بها المعنى المشهور وهو المعاصي والكلام على تقدير مضاف أي وقهم جزاء السيئات أو تجوز بالسبب عن المسبب ، وأيا ما كان فلا يتكرر هذا مع (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) بل هو تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية والأخروية مطلقا أو الدعاء الأول للمتبوعين وهذا للتابعين ، وجوز أن يراد بالسيئات المعنى المشهور بدون تقدير مضاف ولا تجوز أي المعاصي أي وقهم المعاصي في الدنيا ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها وهو دعاء بالحفظ عن سبب العذاب بعد الدعاء بالحفظ عن المسبب وهو العذاب ، وتعقب بأن الأنسب على هذا تقديم هذا الدعاء على ذاك (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) أي يوم المؤاخذة (فَقَدْ رَحِمْتَهُ) ويقال على الوجه الأخير ومن تق السيئات يوم العمل أي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة وأيد هذا الوجه بأن المتبادر من يومئذ الدنيا لأن (إذ) تدل على المضي ، وفيه منع ظاهر (وَذلِكَ) إشارة إلى الرحمة المفهومة من رحمته أو إلى الوقاية المفهومة من فعلها أو إلى مجموعهما ، وأمر التذكير على الاحتمالين الأولين وكذا أمر الإفراد على الاحتمال الأخير ظاهر (هُوَ الْفَوْزُ) أي الظفر (الْعَظِيمُ) الذي لا مطمع وراءه لطامع ، هذا وإلى كون المراد بالذين تابوا الذين تابوا من الذنوب مطلقا ذهب الزمخشري ، وقال في السيئات على تقدير حذف المضاف هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها ، وذكر أن الوقاية منها التكفير أو قبول التوبة وأن هؤلاء المستغفر لهم تائبون صالحون مثل الملائكة في الطهارة وأن الاستغفار لهم بمنزلة الشفاعة وفائدته زيادة الكرامة والثواب فلا يضر كونهم موعودين المغفرة والله تعالى لا يخلف الميعاد ، وتعقب بأنه لا فائدة في ذكر الرحمة والمبالغة فيها إذا كان المغفور له مثل الملائكة عليهم‌السلام في الطهارة وأي حاجة إلى الاستغفار فضلا عن المبالغة ، وأن ما قاله في السيئات لا يجوز فإن إسقاط عقوبة الكبيرة بعد التوبة واجب في مذهبه وما كان فعله واجبا كان طلبه بالدعاء عبثا قبيحا عند المعتزلة ، وكذا إسقاط عقوبة الصغيرة فلا يحسن طلبه بالدعاء ولا يجوز أن يكون ذلك لزيادة منفعة لأن ذلك لا يسمى مغفرة ، حكي هذا الطيبي عن الإمام ثم قال : فحينئذ يجب القول بأن المراد بالتوبة التوبة عن الشرك كما قال الواحدي فاغفر للذين تابوا عن الشرك واتبعوا سبيلك أي دينك الإسلام ، فإن قلت : لو لم يكن التوبة من المعاصي مرادا لكان يكفي أن يقولوا : فاغفر للذين آمنوا ليطابق السابق ، قلت : والله تعالى أعلم هو قريب من وضع المظهر موضع المضمر من غير اللفظ السابق وبيانه أن قوله تعالى : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) الآية جاء مفصولا عن قوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) فالآية بيان لكيفية الاستغفار لا لحال المستغفر لهم ، ووصفهم المميز يعرف بالذوق ، وأما فائدة العدول عن المضمر وأنه لم يقل : فاغفر لهم بل قيل : للذين تابوا فهي أن الملائكة كما عللوا الغفران في حق مفيض الخيرات جل شأنه بالعلم الشامل والرحمة الواسعة عللوا قابل الفيض أيضا بالتوبة عن الشرك واتباع سبيل الإسلام ، فإن قلت : هذه التوبة إنما تصح في حق من سبق شركه على إسلامه دون من ولد مسلما ودام عليه ، قلت : الآية نازلة في زمن الصحابة وجلهم انتقلوا من الشرك إلى الإسلام ولو قيل : فاغفر لمن لم يشرك لخرجوا فغلب الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سنن جميع الأحكام انتهى ، ولعمري إن للبحث فيه مجالا أي مجال.

وفي الكشف إنما اختار الزمخشري ما اختاره على ما قال الواحدي من أن التوبة عن الشرك لأن التوبة عند الإطلاق تنصرف إلى التوبة من الذنوب مطلقا على أن فيه تكرارا إذ ذاك لأن التائب عن الشرك هو المسلم ، وقد فسر متبع السبيل في هذا القول به وإذا شرط حملة العرش ومن حوله عليهم‌السلام صلاح التابع وهو الذرية مع ما ورد من قوله تعالى : (بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١] فما بال المتبوع ، وأنت تعلم أن الصلاح من أخص أوصاف المؤمن وكفاك دعاء إبراهيم ويوسف عليهما‌السلام في الإلحاق بالصالحين شاهدا ، وأما أنهم غير محتاجين إلى الدعاء فجوابه أنه لا يجب أن يكون للحاجة ، ألا ترى إلى قولنا : اللهم صل على سيدنا محمد وما ورد فيه من الفضائل

٣٠٢

والمعلوم حصوله منه تعالى يحسن طلبه فإن الدعاء في نفسه عبادة ويوجب للداعي والمدعو له من الشرف ما لا يتقاعد عن حصول أصل الثواب ، ثم إن الوقاية عن السيئات إن كانت بمعنى التكفير وقع الكلام في أن السيئات المكفرة ما هي ولا خفاء أن النصوص دالة على تكفير التوبة للسيئات كلها وأن الصغائر مكفرات ما اجتنبت الكبائر فلا بد من تخصيصها به كما ذكر وإن كان معناها أن يعفى عنها ولا يؤاخذ بها كما هو قول الواحدي ومختار الإمام ومن ائتم به فينبغي أن ينظر أن الوقاية في أي المعنيين أظهر وأن قوله تعالى : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) وما يفيده من المبالغة على نحو من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك.

وتعقيبه بقوله سبحانه : (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) في شأن المقصرين أظهر أو شأن المكفرين ، ومن هذا التقرير قد لاح أن هذا الوجه ظاهر هذا السياق وأنه يوافق أصل الفريقين وليس فيه أنه سبحانه يعفو عن الكبائر بلا توبة أو لا يعفو فلا ينافي جوازه من أدلة أخرى إلى آخر ما قال وهو كلام حسن وإن كان في بعضه كحديث التكرار وكون الصلاح في الآية ما هو من أخص أوصاف المؤمن نوع مناقشة ، وقد يرجح كون المراد بالتوبة التوبة من الذنوب مطلقا دون التوبة عن الشرك فقط بأن المتبادر من (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) وق كل واحد منهم ذلك ، ومن المعلوم أنه لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة من المؤمنين العاصين وتعذيبهم في النار فيكون الدعاء بحفظ كل من المؤمنين من العذاب محرما.

وقد نصوا على حرمة أن يقال : اللهم اغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم لذلك ، ولا يلزم ذلك على كون الدعاء للتائبين الصالحين ، وحمل الإضافة على العهد بأن يراد بعذاب الجحيم ما كان على سبيل الخلود لا يخفى حاله ؛ والاعتراض بلزوم الدعاء بمعلوم الحصول على كون المراد بالتوبة ذلك بخلاف ما إذا أريد بها التوبة عن الشرك فإنه لا يلزم ذلك إذ المعنى عليه فاغفر للذين تابوا عن الشرك ذنوبهم التي لم يتوبوا عنها وغفران تلك الذنوب غير معلوم الحصول قد علم جوابه مما في الكشف ، على أن في كون الغفران للتائب معلوم الحصول خلافا أشرنا إليه أول السورة. نعم هذا اللزوم ظاهر في قولهم : (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) ونظير ذلك ما ورد في الدعاء أثر الأذان وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، وقد أجيب عن ذلك بغير ما أشير إليه وهو أن سبق الوعد لا يستدعي حصول الموعود بلا توسط دعاء.

وبالجملة لا بأس بحمل التوبة على التوبة من الذنوب مطلقا ولا يلزم من القول به القول بشيء من أصول المعتزلة فتأمل وأنصف ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) شروع في بيان أحوال الكفار بعد دخول النار (يُنادَوْنَ) وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمّارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها حتى أكلوا أناملهم من المقت كما أخرج ذلك عبد بن حميد عن الحسن.

وفي بعض الآثار أنهم يمقتون أنفسهم حين يقول لهم الشيطان : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] وقيل : يمقتونها حين يعلمون أنهم من أصحاب النار ، والمنادى الخزنة أو المؤمنون يقولون لهم إعظاما لحسرتهم : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول كأنه قيل ينادون مقولا لهم لمقت إلخ أو معمول لقول مقدر بفاء التفسير أي ينادون فيقال لهم : لمقت إلخ ، وجعله معمولا للنداء على حذف الجار وإيصال الفعل بالجملة ليس بشيء ، و (مقت) مصدر مضاف إلى الاسم الجليل إضافة المصدر لفاعله ، وكذا إضافة المقت الثاني إلى ضمير الخطاب.

وفي الكلام تنازع أو حذف معمول الأول من غير تنازع أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم أكبر من مقتكم

٣٠٣

أنفسكم ، واللام للابتداء أو للقسم ، والمقت أشد البغض ؛ والخلف يؤولونه مسندا إليه تعالى بأشد الإنكار.

(إِذْ تُدْعَوْنَ) أي إذ يدعوكم الأنبياء ونوابهم (إِلَى الْإِيمانِ) فتأبون قبوله (فَتَكْفُرُونَ) وهذا تعليل للحكم أو للمحكوم به ـ فإذ ـ متعلقة ـ بأكبر ـ وكان التعبير بالمضارع للإشارة إلى الاستمرار التجددي كأنه قيل : لمقت الله تعالى أنفسكم أكبر من مقتكم إياها لأنكم دعيتم مرة بعد مرة إلى الإيمان فتكرر منكم الكفر ، وزمان المقتين واحد على ما هو المتبادر وهو زمان مقتهم أنفسهم الذي حكيناه آنفا».

ويجوز أن يكون تعليلا لمقتهم أنفسهم وإذ متعلقة ـ بمقت ـ الثاني فهم مقتوا أنفسهم لأنهم دعوا مرارا إلى الإيمان فكفروا ، والتعبير بالمضارع كما في الوجه السابق ، وزمان المقتين كذلك ، والعلة في الحقيقة إصرارهم على الكفر مع تكرر دعائهم إلى الإيمان ، وجوز أن يكون تعليلا لمقت الله و (إِذْ) متعلقة به ، ويعلم مما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما عليه وما له ، وظاهر صنيع جماعة من الأجلة اختيار كون (إِذْ) ظرفية لا تعليلية فقيل : هي ظرف ـ لمقت ـ الأول ، والمعنى لمقت الله تعالى أنفسكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أشد من مقتكم إياها اليوم وأنتم في النار أو وأنتم متحققون أنكم من أصحابها فزمان المقتين مختلف ، وكون زمان الأول الدنيا وزمان الثاني الآخرة مروي عن الحسن ، وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد ، واعترض عليه غير واحد بلزوم الفصل بين المصدر وما في صلته بأجنبي هو الخبر ، وفي أمالي ابن الحاجب لا بأس بذلك لأن الظروف متسع فيها ، وقيل : هي ظرف لمصدر آخر يدل عليه الأول أو لفعل يدل عليه ذلك كما في البحر.

وفي الكشف فيه أن المقدر لا بد له من جزاءات إن استقل ويتسع الخرق وإن جعل بدلا فحذفه وأعمال المصدر المحذوف لا يتقاعد عن الفصل بالخبر وليس أجنبيا من كل وجه ، وتقدير الفعل أي مقتكم الله إذ تدعون أبعد وأبعد ، وقيل : هي ظرف لمقت الثاني. واعترض بأنهم لم يمقتوا أنفسهم وقت الدعوة بل في القيامة.

وأجيب بأن الكلام على هذا الوجه من قبيل قول الأمير كرم الله تعالى وجهه : إنما أكلت يوم أكل الثور الأحمر وقول عمرو بن عدس التميمي لمطلقته دختنوس بنت لقيط وقد سألته لبنا وكانت مقفرة من الزاد : الصيف ضيعت اللبن وذلك بأن يكون مجازا بتنزيل وقوع السبب وهو كفرهم وقت الدعوة منزلة وقوع المسبب وهو مقتهم لأنفسهم حين معاينتهم ما حل بهم بسببه ، وقيل : إن المراد عليه إذ تبين أنكم دعيتم إلى الإيمان المنحى والحق الحقيق بالقبول فأبيتم أو أن المراد بأنفسهم جنسهم من المؤمنين فإنهم كانوا يمقتون المؤمنين في الدنيا إذ يدعون إلى الإيمان وهو أبعد التأويلات ؛ وقال مكي : (إِذْ) معمولة لا ذكروا مضمرا والمراد التحير والتنديم واستحسنه بعضهم وأراه خلاف المتبادر. وادعى صاحب الكشف أن فيه تنافرا بينا وعلله بما لم يظهر لي وجهه فتأمل.

وتفسير (مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) بمقت كل واحد نفسه هو الظاهر ، وجوز أن يراد به مقت بعضهم بعضا فقيل : إن الأتباع يمقتون الرؤساء لما ورطوهم فيه من الكفر والرؤساء يمقتون الاتباع لما أنهم اتبعوهم فحملوا أوزارا مثل أوزارهم فلا تغفل (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) صفتان لمصدري الفعلين ، والتقدير أمتنا إماتتين اثنتين وأحييتنا إحياءتين اثنتين.

وجوز كون المصدرين موتتين وحياتين وهما إما مصدران للفعلين المذكورين أيضا بحذف الزوائد أو مصدران لفعلين آخرين يدل عليهما المذكوران فإن الإماتة والإحياء ينبئان عن الموت والحياة حتما فكأنه أمتنا فمتنا موتتين اثنتين وأحييتنا فحيينا حياتين اثنتين على طرز قوله :

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحت أو مجلف

٣٠٤

أي لم يدع فلم يبق إلا مسحت إلخ ، واختلف في المراد بذلك فقيل : أرادوا بالإماتة الأولى خلقهم أمواتا وبالثانية إماتتهم عند انقضاء آجالهم وبالإحياءة الأولى إحياؤهم بنفخ الروح فيهم وهم في الأرحام وبالثانية إحياؤهم بإعادة أرواحهم إلى أبدانهم للبعث. وأخرج هذا ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس وجماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن مسعود ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة ، وروي أيضا عن الضحاك وأبي مالك وجعلوا ذلك نظير آية [البقرة : ٢٨] (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) والإماتة إن كانت حقيقة في جعل الشيء عادم الحياة سبق بحياة أم لا فالأمر ظاهر وإن كانت حقيقة في تصيير الحياة معدومة بعد أن كانت موجودة كما هو ظاهر كلامهم حيث قالوا : إن صيغة الأفعال وصيغة التفعيل موضوعتان للتصيير أي النقل من حال إلى حال ففي إطلاقها على ما عد اماتة أولى خفاء لاقتضاء ذلك سبق الحياة ولا سبق فيما ذكر ، ووجه بأن ذلك من باب المجاز كما قرروه في ضيق فم الركية ووسع أسفلها قالوا : إن الصانع إذا اختار أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع الجائز عن الآخر فجعل صرفه عنه كنقله منه يعني أنه تجوز بالأفعال أو التفعيل الدال على التصيير وهو النقل من حال إلى حال أخرى عن لازمه وهو الصرف عما في حيز الإمكان ، ويتبعه جعل الممكن الذي تجوز إرادته بمنزلة الواقع ، وكذا جعل الأمر في ضيق فم الركية مثلا بإنشائه على الحال الثانية بمنزلة أمره بنقله عن غيرها ، ولذا جعله بعض الأجلة بمنزلة الاستعارة بالكناية فيكون مجازا مرسلا مستتبعا للاستعارة بالكناية ، فالمراد بالإماتة هناك الصرف لا النقل ، وذكر بعضهم أنه لا بد من القول بعموم المجاز لئلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في الآية أو استعمال المشترك في معنييه بناء على زعم أن الصيغة مشتركة بين الصرف والنقل ، ومن أجاز ما ذكر لم يحتج للقول بذلك. وفي الكشف آثر جار الله أن إحدى الإماتتين ما ذكر في قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) وإطلاقها عليه من باب المجاز وهو مجاز مستعمل في القرآن ، وقد ذكر وجه التجوز ، وتحقيق ذلك يبتني على حرف واحد وهو أن الإحياء معناه جعل الشيء حيا فالمادة الترابية أو النطفية إذا أفيضت عليها الحياة صدق أنها صارت ذات حياة على الحقيقة إذ لا يحتاج إلى سبق موت على الحقيقة بل إلى سبق عدم الحياة فهناك إحياء حقيقة ، وأما الإماتة فإن جعل بين الموت والحياة التقابل المشهوري استدعى المسبوقية بالحياة فلا تصح الإماتة قبلها حقيقة ، وإن جعل التقابل الحقيقي صحت ، لكن الظاهر في الاستعمال بحسب عرفي العرب والعجم أنه مشهوري انتهى ، وأراد بالمشهوري والحقيقي ما ذكروه في التقابل بالعدم والملكة فإنهم قالوا : المتقابلان بالعدم والملكة وهما أمران يكون أحدهما وجوديا والآخر عدم ذلك الوجودي في موضوع قابل له إن اعتبر قبوله بحسب شخصه في وقت اتصافه بالأمر العدمي فهو العدم والملكة المشهوران كالكوسجية فإنها عدم اللحية عما من شأنه في ذلك الوقت أن يكون ملتحيا فإن الصبي لا يقال له كوسج ، وإن اعتبر قبوله أعم من ذلك بأن لا يقيد بذلك الوقت كعدم اللحية عن الطفل أو يعتبر قبوله بحسب نوعه كالعمى للأكمه أو جنسه القريب كالعمى للعقرب أو البعيد كعدم الحركة الإرادية عن الجبل فإن جنسه البعيد أعني الجسم الذي هو فوق الجماد قابل للحركة الإرادية فهو العدم والملكة الحقيقيان لكن في بناء اقتضاء المسبوقية بالحياة وعدمه على ذلك خفاء ، وإن ضم إليه التعبير بصيغة الماضي كما لا يخفى على المتدبر.

ثم وجه تسبب الإماتة مرتين والإحياء كذلك لقوله تعالى : (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) أنهم قد أنكروا البعث فكفروا وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى لأن من لم يخش العاقبة تخرق في المعاصي فلما رأوا الإماتة والإحياء قد تكرر عليهم علموا بأن الله تعالى قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم.

وقال السدي : أرادوا بالإماتة الأولى إماتتهم عند انقضاء آجالهم وبالإحياءة الأولى إحياؤهم في القبر للسؤال

٣٠٥

وبالإماتة الثانية إماتتهم بعد هذه الإحياءة إلى قيام الساعة وبالإحياءة الثانية إحياؤهم للبعث ، واعترض عليه بأنه يلزم هذا القائل ثلاث إحياءات فكان ينبغي أن يكون المنزل أحييتنا ثلاثا فإن ادعى عدم الاعتداد بالإحياءة المعروفة وهي التي كانت في الدنيا لسرعة انصرامها وانقطاع آثارها وأحكامها لزمه أن لا يعتد بالإماتة بعدها.

وقال بعض المحققين في الانتصار له : إن مراد الكفار من هذا القول اعترافهم بما كانوا ينكرونه في الدنيا ويكذبون الأنبياء حين كانوا يدعونهم إلى الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر لأن قولهم هذا كالجواب عن النداء في قوله تعالى : (يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ) كأنهم أجابوا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دعونا وكنا نعتقد أن لا حياة بعد الموت فالآن نعترف بالموتين والحياتين لما قاسينا من شدائدهما وأحوالهما فالذنب المعترف به تكذيب البعث ، ولهذا جعل مرتبا على القول وإنما ذكروا الإماتتين ليذكروا الإحياءين إذ كلتا الحياتين كانتا منكرتين عندهم دون الحياة المعروفة ومقام هذه الآية غير مقام قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) فإن هذه كما سمعت لبيان الإقرار والاعتراف منهم في الآخرة بما أنكروه في الدنيا وتلك لبيان الامتنان الذي يستدعي شكر المنعم أو لبيان الدلائل لتصرفهم عن الكفر.

ويرجح هذا القول إن أمر إطلاق الإماتة على كلتا الإماتتين ظاهر. وتعقبه في الكشف بأنه لا قرينة في اللفظ تدل على خروج الإحياء الأول مع أن الإطلاق عليه أظهر والمقابلة تنادي على دخوله. ويكفي في الاعتراف إثبات احياء واحد منهما غير الأول ، وقيل : إنما قالوا : (أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) لأنهما نوعان إحياء البعث وإحياء قبله ، ثم إحياء البعث قسمان إحياء في القبر وإحياء عند القيام ولم يذكر تقسيمه لأنهم كانوا منكرين لقسميه.

وتعذب أن ذكر الإماتة الثانية التي في القبر دليل على أن التقسيم ملحوظ ، والمراد التعدد الشخصي لا النوعي نعم هذا يصلح تأييدا لما اختاره جار الله ، وروي عن جمع من السلف من أن الإحياءات وإن كانت ثلاثا إنما سكت عن الثانية لأنها داخلة في إحياءة البعث قاله صاحب الكشف ثم قال : وعلى هذا فالإماتة على مختار جار الله إماتة قبل الحياة وإماتة بعدها وطويت إماتة القبر كما طويت إحياءته ولك أن تقول إن الإماتة نوع واحد بخلاف الإحياء فروعي التعدد فيها شخصا بخلافه ، وذكر الإماتة الثانية لأنها منكرة عندهم كالحياتين ، ويجب الاعتراف بها لا للدلالة على أن التعدد في الإحياء شخصي والحق أن ذلك وجه لكن قوله تعالى : (اثْنَتَيْنِ) ظاهر في المرة فلذا آثر من آثر الوجه الأول وإن كانت الإماتة فيه غير ظاهرة ذهابا إلى أن ذلك مجاز مستعمل في القرآن فتأمل.

وقال الإمام : إن أكثر العلماء احتجوا بهذه الآية في إثبات عذاب القبر وذلك أنهم أثبتوا لأنفسهم موتتين فإحدى الموتتين مشاهد في الدنيا فلا بد من إثبات حياة أخرى في القبر حتى يصير الموت الذي عقيبها موتا ثانيا ، وذلك يدل على حصول حياة في القبر ، وأطال الكلام في تحقيق ذلك والانتصار له ، والمنصف يرى أن عذاب القبر ثابت بالأحاديث الصحيحة دون هذه الآية لقيام الوجه المروي عمن سمعت أولا فيها ، وقد قيل : إنه الوجه لكني أظن أن اختيار الزمخشري له لدسيسة اعتزالية ، وقال ابن زيد في الآية أريد إحياؤهم نسما عند أخذ العهد عليهم من صلب آدم ثم إماتتهم بعد ثم إحياؤهم في الدنيا ثم إماتتهم ثم إحياؤهم وهذا صريح في أن الإحياءات ثلاث ، وقد أطلق فيه الإحياء الثالث ؛ والأغلب على الظن أنه عنى به إحياء البعث ، وقيل : التثنية في كلامهم مثلها في قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤] مراد بها التكرير والتكثير فكأنهم قالوا : أمتنا مرة بعد مرة وأحييتنا مرة بعد مرة فعلمنا عظيم قدرتك وأنه لا يتعاصاها الإعادة كما لا يتعاصاها غيرها فاعترفنا بذنوبنا التي اقترفناها من إنكار ذلك ، وحينئذ فلا عليك أن تعتبر الموت في صلب آدم ثم الإحياء لأخذ العهد ثم الإماتة ثم الإحياء بنفخ الروح في الأرحام ثم الإماتة عند انقضاء الأجل في الدنيا ثم الإحياء في القبر للسؤال أو لغيره ثم الإماتة فيه ثم الإحياء للبعث ولا يخفى أنه على ما فيه

٣٠٦

إنما يتم لو كان المقول أمتنا إماتتين أو كرتين وأحييتنا احياءتين أو كرتين مثلا دون ما في المنزل ، فإن (اثْنَتَيْنِ) فيه وصف لإماتتين ولإحياءتين وهو دافع لاحتمال إرادة التكثير كما قيل في (إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] وبناء الأمر على أن العدد لا مفهوم له لا يخلو عن بحث ، ومن غرائب ما قيل في ذلك ما روي عن محمد بن كعب أن الكافر في الدنيا حي الجسد ميت القلب فاعتبرت الحالتان فهناك إماتة وإحياء للقلب والجسد في الدنيا ثم إماتتهم عند انقضاء الآجال ثم إحياؤهم للبعث ، ومثل هذا يحكى ليطلع على حاله (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ) أي إلى نوع خروج من النار أي فهل إلى خروج سريع أو بطيء أو من مكان منها إلى آخر أو إلى الدنيا أو غيرها (مِنْ سَبِيلٍ) طريق من الطرق فنسلكه مثل هذا التركيب يستعمل عند اليأس ، وليس المقصود به الاستفهام وإنما قالوه من فرط قنوطهم تعللا أو تحيرا ولذلك أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك وهو قوله تعالى : (ذلِكُمْ) إلخ من غير جواب عن الخروج نفيا أو إثباتا وإن كان الاستفهام على ظاهره ، والمراد طلب الخروج نظير (فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) [السجدة : ١٢] ونحوه لقيل : (اخْسَؤُا فِيها) [المؤمنون : ١٠٨] أو نحو ذلك كذا قيل ، وجوز أن يكونوا طلبوا الرجعة ليعملوا بموجب ذلك الاعتراف لكن مع استبعاد لها واستشعار يأس منها والجواب إقناط لهم ببيان أنهم كانوا مستمرين على الشرك فجوزوا باستمرار العقاب والخلود في النار كما يقتضيه حكمه تعالى وذلك جواب بنفي السبيل إلى الخروج على أبلغ وجه ، ولا أرى في هذا الوجه بأسا ويوشك أن يكون المتبادر ، والمعنى ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب (بِأَنَّهُ) أي بسبب أن الشأن (إِذا دُعِيَ اللهُ) أي عبد سبحانه في الدنيا (وَحْدَهُ) أي متحدا منفردا فهو نصب على الحال مؤول بمشتق منكر أو يوحد وحده على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] والجملة بتمامها حال أيضا حذفت وأقيم المصدر مقامها ، وفيه كلام آخر مفصل في الوفدة وقد تقدم بعضه.

(كَفَرْتُمْ) بتوحيده تعالى أي جحدتم وأنكرتم ذلك (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) بالإشراك أي تذعنوا وتقروا به ، وفي إيراد (إِذا) وصيغة الماضي في الشرطية الأولى و (إِنْ) وصيغة المضارع في الثانية ما لا يخفى من الدلالة على سوء حالهم وحيث كان كذلك (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) الذي لا يحكم إلا بالحق ولا يقضي إلا بما تقتضيه الحكمة (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) المتصف بغاية العلوم نهاية الكبرياء فليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله ، ولذا اشتدت سطوته بمن أشرك به واقتضت حكمته خلوده في النار فلا سبيل لخروجكم منها أبدا إذ كنتم مشركين. واستدلال الحرورية بهذه الآية على زعمهم الفاسد في غاية السقوط ، ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) [النساء : ٣٥] الآية وقوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة : ٩٥] (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) الدالة على شئونه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فإذا دعى سبحانه وحده تؤمنوا وإن يشرك به تكفروا ، وهذه الآيات ما يشاهد من آثار قدرته عزوجل :

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

(وَيُنَزِّلُ) بالتشديد وقرئ بالتخفيف من الإنزال (لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي سبب رزق وهو المطر ، وإفراده بالذكر مع كونه من جملة تلك الآيات لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر ، وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما ، وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة (وَما يَتَذَكَّرُ) بتلك الآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للانهماك في التقليد واتباع الهوى (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها ، فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه فمن لا ينيب بمعزل عن التذكر (فَادْعُوا اللهَ) اعبدوه عزوجل (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من الشرك (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) إخلاصكم وشق عليهم.

٣٠٧

وظاهر كلام الكشاف أن (ادعوا) إلخ مسبب عن الإنابة وأن فيه التفاتا حيث قال : ثم قال للمنيبين والأصل فليدع ذلك المنيب ، على معنى إن صحت الإنابة على نحو فقد جئنا خراسانا ، وقد وافق على كونه خطابا لمن ذكر غير واحد. وفي الكشف التحقيق أن قوله تعالى : (وَما يَتَذَكَّرُ) إلخ اعتراض وقوله سبحانه : (فَادْعُوا اللهَ) مسبب عن قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) على أنه خطاب يعم المؤمن والكافر لسبق ذكرهما لا للكفار وحدهم على نحو (مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) إذ ليس مما نودوا به يوم القيامة ، والمعنى فادعوه فوضع الظاهر موضع المضمر ليتمكن فضل تمكن وليشعر بأن كونه تعالى هو المعبود بحق هو الذي يقتضي أن يعبد وحده. وفائدة الاعتراض أن هذه الآيات ودلالتها على اختصاصه سبحانه وحده بالعبادة بالنسبة إلى من ينيب لا المعاند.

وقوله في الكشاف : ثم قال للمنيبين إشارة أن فائدة تقديم الاعتراض أن الانتفاع بالآيات على هذا التقدير فكأنه مسبب عن الإنابة معنى لما كان تسبب السابق للاحق الإنابة ، فهذا هو الوجه ولا يأباه تفسير (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) بقوله : وإن غاظ ذلك أعداءكم فإنه للتنبيه على أن امتثال ذلك الأمر إنما يكون بعد إنابتهم وكأن قد حصل ذلك وحصل التضاد بينهم وبين الكافرين ، وهو تحقيق حقيق بالقبول لكن في توجيه كلام الكشاف تكلف ظاهر (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها من رفع الشيء بالضم إذا علا ، وجوز أن يكون صيغة مبالغة من باب أسماء الفاعلين وأضيف إلى المفعول وفيه بعد ، و (الدَّرَجاتِ) مصاعد الملائكة عليهم‌السلام إلى أن يبلغوا العرش أي رفيع درجات ملائكته ومعارجهم إلى عرشه.

وفسرها ابن جبير بالسماوات ولا بأس بذلك فإن الملائكة يعرجون من سماء إلى سماء حتى يبلغوا العرش إلا أنه جعل «رفيعا» اسم فاعل مضافا إلى المفعول فقال : أي رفع سماء فوق سماء والعرش فوقهن ، وقد سمعت آنفا أن فيه بعدا ، ووصفه عزوجل بذلك للدلالة على سبيل الإدماج على عزته سبحانه وملكوته جل شأنه.

ويجوز أن يكون كناية عن رفعة شأنه وسلطانه عز شأنه وسلطانه كما أن قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ) كناية عن ملكه جل جلاله ، ولا نظر في ذلك إلى أن له سبحانه عرشا أو لا ، فالكناية وإن لم تناف إرادة الحقيقة لكن لا تقتضي وجوب إرادتها فقد وقد ؛ وعن ابن زيد أنه قال : أي عظيم الصفات وكأنه بيان لحاصل المعنى الكنائي ، وقيل : هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه تعالى يوم القيامة ، وروي ذلك عن ابن عباس وابن سلام ، وهذا أنسب بقوله تعالى : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) والمعنى الأول أنسب بقوله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) لتضمنه ذكر الملائكة عليهم‌السلام وهم المنزلون بالروح كما قال سبحانه : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [النحل : ٢] وأيا ما كان ـ فرفيع الدرجات ـ و (ذُو الْعَرْشِ) وجملة (يُلْقِي) أخبار ثلاثة قيل : ـ لهو ـ السابق في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) إلخ واستبعده أبو حيان بطول الفصل ، وقيل : لهو محذوفا ، والجملة كالتعليل لتخصيص العبادة وإخلاص الدين له تعالى ، وهي متضمنة بيان إنزال الرزق الروحاني بعد بيان إنزال الرزق الجسماني في (يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) فإن المراد بالروح على ما روي عن قتادة الوحي وعلى ما روي عن ابن عباس القرآن وذلك جار من القلوب مجرى الروح من الأجساد ، وفسره الضحاك بجبريل عليه‌السلام وهو عليه‌السلام حياة القلوب باعتبار ما ينزل به من العلم.

وجوز ابن عطية أن يراد به كل ما ينعم الله تعالى به على عباده المهتدين في تفهيم الإيمان والمعقولات الشريفة وهو كما ترى ، وقوله تعالى : (مِنْ أَمْرِهِ) قيل : بيان للروح ، وفسر بما يتناول الأمر والنهي ، وأوثر على لفظ الوحي للإشارة إلى أن اختصاص حياة القلوب بالوحي من جهتي التخلي والتحلي الحاصلين بالامتثال والانتهاء. وعن ابن عباس تفسير الأمر بالقضاء فجعلت (مِنْ) ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالا من (الرُّوحَ) أي ناشئا من أمره أو

٣٠٨

صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من أمره ، وفسره بعضهم بالملك وجعل (مِنْ) ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع حالا أو صفة على ما ذكر آنفا ، وكون الملك مبدأ للوحي لتلقيه عنه ، ومن فسر الروح بجبريل عليه الصلاة والسلام قال : (مِنْ) سببية متعلقة ـ بيلقي ـ والمعنى ينزل الروح من أجل تبليغ أمره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهو الذي اصطفاه سبحانه لرسالته وتبليغ أحكامه إليهم ، والاستمرار التجددي المفهوم من (يُلْقِي) ظاهر فإن الإلقاء لم يزل من لدن آدم عليه‌السلام إلى انتهاء زمان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو في حكم المتصل إلى قيام الساعة بإقامة من يقوم بالدعوة على ما روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : «إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أي بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما ، وأمر ذلك التجدد على ما جوزه ابن عطية لا يحتاج إلى ما ذكر. وقرئ «رفيع» بالنصب على المدح (لِيُنْذِرَ) علة للإلقاء ، وضميره المستتر لله تعالى أو لمن وهو الملقى إليه أو للروح أو للأمر ، وعوده على الملقى إليه وهو الرسول أقرب لفظا ومعنى لقرب المرجع وقوة الإسناد فإنه الذي ينذر الناس حقيقة بلا واسطة ، واستظهر أبو حيان رجوعه إليه تعالى لأنه سبحانه المحدث عنه ، وقوله تعالى : (يَوْمَ التَّلاقِ) مفعول ـ لينذر ـ أو ظرف والمنذر به محذوف أي لينذر العذاب أو نحوه يوم التلاق ، وقوله سبحانه : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) بدل من (يَوْمَ التَّلاقِ) و (هُمْ) مبتدأ و (بارِزُونَ) خبر والجملة في محل جر بإضافة (يَوْمَ) إليها ، قيل : وهذا تخريج على مذهب أبي الحسن من جواز إضافة الظرف المستقبل كإذا إلى الجملة الاسمية نحو أجيئك إذا زيد ذاهب ، وسيبويه لا يجوز ذلك ويوجب تقدير فعل بعد الظرف يكون الاسم مرتفعا به ، وجوز أن يكون (يَوْمَ) ظرفا لقوله تعالى : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) والظاهر البدلية ، وهذه الجملة استئناف لبيان بروزهم وتقرير له وإزاحة لما كان يتوهمه بعض المتوهمين في الدنيا من الاستتار توهما باطلا ، وجوز أن تكون خبرا ثانيا ـ لهم ..

وقيل : هي حال من ضمير (بارِزُونَ) و (يَوْمَ التَّلاقِ) يوم القيامة سمي بذلك قال ابن عباس : لالتقاء الخلائق فيه ، وقال مقاتل : لالتقاء الخالق والمخلوق فيه. وحكاه الطبرسي عن ابن عباس ، وقال السدي : لالتقاء أهل السماء وأهل الأرض ؛ وقال ميمون بن مهران : لالتقاء الظالم والمظلوم ، وحكى الثعلبي أن ذلك لالتقاء كل امرئ وعمله ، واختار بعض الآجلة ما قال مقاتل وقال : هو أولى الوجوه لما فيه من حمل المطلق على ما ورد في كثير من المواضع نحو (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ). (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا).

وقال صاحب الكشف : القول الأول وهو ما نقل عن ابن عباس أولا أشبه لجريان الكلام فيه على الحقيقة ونفي ما يتوهم من المساواة بين الخالق والمخلوق واستقلال كل من البدلين بفائدة في التهويل لما في الأول من تصوير تلاقي الخلائق على اختلاف أنواعها ، وفي الثاني من البروز لمالك أمرها بروزا لا يبقى لأحد فيه شبهة. وأما نحو قوله تعالى : (لِقاءَ رَبِّهِ) [الكهف : ١١٠] فمسوق بمعنى آخر ، و (بارِزُونَ) من برز وأصله حصل في براز أي فضاء ، والمراد ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء لأن الأرض يومئذ قاع صفصف وليس عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في الصحيحين عن ابن عباس «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا» وقيل : المراد خارجون من قبورهم أو ظاهرة أعمالهم وسرائرهم ، وقيل : ظاهرة نفوسهم لا تحجب بغواشي الأبدان مع تعلقها بها ، ولا يقبل هذا بدون ثبت من المعصوم ، والمراد بقوله تعالى : (مِنْهُمْ) على ما قيل : من أحوالهم وأعمالهم. وقيل : من أعيانهم ، واختير التعميم أي لا يخفى عليه عز شأنه شيء ما من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة.

٣٠٩

وقرأ أبي «لينذر يوم» ببناء ينذر للفاعل ورفع يوم على الفاعلية مجازا. وقرأ اليماني فيما ذكر صاحب اللوامح «لينذر» مبنيا للمفعول «يوم» بالرفع على النيابة عن الفاعل. وقرأ الحسن واليماني فيما ذكر ابن خالويه «لتنذر» بالتاء الفوقية فقيل : الفاعل فيه ضمير الخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : ضمير الروح لأنها تؤنث ؛ وقوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به بتقدير قول معطوف على ما قبله من الجملة المنفية المستأنفة أو مستأنف يقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية بروزهم وظهور أحوالهم كأنه قيل : فما يكون حينئذ؟ فقيل : يقال : (لِمَنِ الْمُلْكُ) إلخ ، وقوله تعالى :

(الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ

٣١٠

أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ(٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ)(٤٧)

(الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) أي من النفوس البرة والفاجرة (بِما كَسَبَتْ) أي من خير أو شر (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) بنقص الثواب وزيادة العقاب (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي سريع حسابه إذ لا يشغله سبحانه شأن عن شأن فيصل إلى المحاسب من النفوس ما يستحقه سريعا. روي عن ابن عباس أنه تعالى إذا أخذ في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها من تتمة الجواب جيء به لبيان إجمال فيه ، والتذييل لتعليل ما قبله.

والمنادي بذلك سؤالا وجوابا واحد. أخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال : «يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله تعالى فيها قط ولم يخطأ فيها فأول ما يتكلم أن ينادي مناد (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فأول ما يبدءون به من الخصومات الدماء» الحديث ، وهو عند الحسن الله نفسه عزوجل ، وقيل : ملك ، وقيل : السائل هو الله تعالى أو ملك والمجيب الناس.

وذكر الطيبي تقريرا لعبارة الكشاف أن قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى) إلخ تعليل فيجب أن يكون السائل والمجيب هو الله عزوجل ، فإنه سبحانه لما سأل (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) وأجاب هو سبحانه بنفسه (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) كان المقام موقع السؤال وطلب التعليل فأوقع (الْيَوْمَ تُجْزى) جوابا عنه يعني إنما اختص الملك به تعالى لأنه وحده يقدر على مجازاة كل نفس بما كسبت وله العدل التام فلا يظلم أحدا وله التصرف فلا يشغله شأن عن شأن

٣١١

فيسرع الحساب ، ولو أوقع (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) جوابا عن أهل المحشر لم يحسن هذا الاستئناف انتهى ، وفيه ما فيه.

والحق أن قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) إلخ إن كان من كلام المجيب كما هو ظاهر حديث ابن مسعود بعد أن يكون من الناس ، وجوز فيه أن لا يكون من تتمة الجواب بل هو حكاية لما سيقوله تعالى في ذلك اليوم عقيب السؤال والجواب. وأيا ما كان فتخصيص الملك به تعالى في ذلك اليوم إنما هو بالنظر إلى ظاهر الحال من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط وظهور ذلك للكفرة والجهلة. وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما. وذهب محمد بن كعب القرظي إلى أن السؤال والجواب منه تعالى ويكونان بين النفختين حين يفني عزوجل الخلائق. وروي نحوه عن ابن عباس.

أخرج عبد بن حميد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية عنه رضي الله تعالى عنه قال : «ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات وينزل الله سبحانه إلى السماء الدنيا فيقول : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار» والسياق ظاهر في أن ذلك يوم القيامة فلعله على تقدير صحة الحديث يكون مرتين. ومعنى جزاء النفوس بما كسبت أنها تجزى خيرا إن كسبت خيرا وشرا إن كسبت شرا. وقيل : إن النفوس تكتسب بالعقائد والأعمال هيئات توجب لذتها وألمها لكنها لا تشعر بها في الدنيا فإذا قامت قيامتها وزالت العوائق أدركت ألمها ولذتها. والظاهر أن هذا قول باللذة والألم الروحانيين ونحن لا ننكر حصولهما يومئذ لكن نقول : إن الجزاء لا ينحصر بهما بل يكون أيضا بلذة وألم جسمانيين. فالاقتصار في تفسير الآية على ذلك قصور.

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) يوم القيامة كما قال مجاهد وقتادة وابن زيد ، ومعنى (الْآزِفَةِ) القريبة يقال: أزف الشخوص إذا قرب وضاق وقته ، فهي في الأصل اسم فاعل ثم نقلت منه وجعلت اسما للقيامة لقربها بالإضافة لما مضى من مدة الدنيا أو لما بقي فإن كل آت قريب ، ويجوز أن تكون باقية على الأصل فتكون صفة لمحذوف أي الساعة الآزفة ، وقدر بعضهم الموصوفة الخطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وهي القصة والأمر العظيم الذي يستحق أن يخط ويكتب لغرابته ، ويراد بذلك ما يقع يوم القيامة من الأمور الصعبة وقربها لأن كل آت قريب ، والمراد باليوم الوقت مطلقا أو هو يوم القيامة ، وقال أبو مسلم : (يَوْمَ الْآزِفَةِ) يوم المنية وحضور الأجل.

ورجح بأنه أبعد عن التكرار وأنسب بما بعده ووصف القرب منه أظهر (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) بدل من (يَوْمَ الْآزِفَةِ) و (الْحَناجِرِ) جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظا ومعنى ؛ وهي كما قال الراغب : رأس الغلصمة من خارج وهي لحمة بين الرأس والعنق ، والكلام كناية عن شدة الخوف أو فرط التألم ، وجوز أن يكون على حقيقته وتبلغ قلوب الكفار حناجرهم يوم القيامة ولا يموتون كما لو كان ذلك في الدنيا.

(كاظِمِينَ) حال من أصحاب القلوب على المعنى فإن ذكر القلوب يدل على ذكر أصحابها فهو من باب (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً) [الحجر : ٤٧] فكأنه قيل : إذ قلوبهم لدى الحناجر كاظمين عليها ، وهو من كظم القربة إذا ملأها وسد فاها ، فالمعنى ممسكين أنفسهم على قلوبهم لئلا تخرج مع النفس فإن كاظم القربة كاظم على الماء ممسكها عليه لئلا يخرج امتلاء. وفيه مبالغة عظيمة ، وجوز كونه حالا من ضمير (الْقُلُوبُ) المستتر في الخبر أعني (لَدَى الْحَناجِرِ) وعلى رأي من يجوز مجيء الحال من المبتدأ كونه حالا من (الْقُلُوبُ) نفسها.

وجمع جمع العقلاء لتنزيلها منزلتهم لوصفها بصفتهم كما في قوله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)

٣١٢

[الشعراء : ٤] والمعنى حال كون القلوب كاظمة على الغم والكرب ، ومنه يعلم أنه لا يجوز أن يكون (لَدَى الْحَناجِرِ) ظرف (كاظِمِينَ) لفساد المعنى والحاجة إلى تقدير محذوف مع الغنى عنه ، وكذلك على قراءة كاظمون للأول فقط فيتعين كون (لَدَى الْحَناجِرِ) خبرا وكاظمون خبرا آخر وبذلك يترجح كون الحال من القلوب ، وقدر الكواشي هم كاظمون ليوافق وجه الحالية من الأصحاب ، وجوز كونه حالا من مفعول (أَنْذِرْهُمْ) أي أنذرهم مقدرا كظمهم أو مشارفين الكظم.

(ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) أي قريب مشفق من احتم فلان لفلان احتد فكأنه الذي يحتد حماية لذويه ويقال لخاصة الرجل حامته ومن هنا فسر الحميم بالصديق (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) أي ولا شفيع يشفع فالجملة في محل جر أو رفع صفة (شَفِيعٍ) والمراد نفي الصفة والموصوف لا الصفة فقط ليدل على أن ثم شفيعا لكن لا يطاع فالكلام من باب :

لا ترى الضب بها ينجحر

ولم يقتصر على نفع الشفيع بل ضم إليه ما ضم ليقام انتفاء الموصوف مقام الشاهد على انتفاء الصفة فيكون ذلك الضم إزالة لتوهم وجود الموصوف حيث جعل انتفاؤه أمرا مسلما مشهورا لا نزاع فيه لأن الدليل ينبغي أن يكون أوضح من المدلول ، وهذا كما تقول لمن عاتبك على القعود عن الغزو ما لي فرس أركبه وما معي سلاح أحارب به فليفهم ، والضمائر المذكورة من قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ) إلى هنا إن كانت للكفار كما هو الظاهر فوضع الظالمين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالظلم وتعليل الحكم ، وإن كانت عامة لهم ولغيرهم فليس هذا من باب وضع الظاهر موضع الضمير وإنما هو بيان حكم للظالمين بخصوصهم ، والمراد بهم الكاملون في الظلم وهم الكافرون لقوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) أي النظرة الخائنة كالنظرة إلى غير المحرم واستراق النظر إليه وغير ذلك ـ فخائنة ـ صفة لموصوف مقدر ، وجعل النظرة خائنة إسناد مجازي أو استعارة مصرحة أو مكنية وتخييلية بجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالاستراق ، ويجوز أن يكون خائنة مصدرا كالكاذبة والعاقبة والعافية أي يعلم سبحانه خيانة الأعين ، وقيل : هو وصف مضاف إلى موصوفه كما في قوله :

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

أي يعلم سبحانه الأعين الخائنة ولا يحسن ذلك لقوله تعالى : (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) أي والذي تخفيه الصدور من الضمائر أو إخفاء الصدور لما تخفيه من ذلك لأن الملاءمة واجبة الرعاية في علم البيان وملائم الأعين الخائنة الصدور المخفية ، وما قيل في عدم حسن ذلك من أن مقام المبالغة يقتضي أن يراد استراق العين ضم إليه هذه القرينة أولا فغير قادح في التعليل المذكور إذ لا مانع من أن يكون على مطلوب دلائل ثم لو لا القرينة لجاز أن تجعل الأعين تمهيدا للوصف فالقرينة هي المانعة وهذه الجملة على ما في الكشاف متصلة بأول الكلام خبر من أخبار هو في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) على معنى هو الذي يريكم إلخ وهو يعلم خائنة الأعين ولم يجعله تعليلا لنفي الشفاعة على معنى ما لهم من شفيع لأن الله تعالى يعلم منهم الخيانة سرا وعلانية قيل : لأنه لا يصلح تعليلا لنفيها بل لنفي قبولها فإن الله تعالى هو العالم لا الشفيع والمقصود نفي الشفاعة ، ووجه تقرير هذا الخبر في هذا الموضع ما فيه من التخلص إلى ذم آلهتهم مع أن تقديمه على (الَّذِي يُرِيكُمْ) لا وجه له لتعلقه بما قبله أشد التعلق كما أشير إليه وكذلك على (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) لاتصاله بالسابق وأمر المنيبين بالإخلاص ولما فيه من النبو من توسيط المنكر الفعلي بين المبتدأ وخبره المعرف الاسمى ، وأما توسيطه بين القرائن الثلاث فبين العصا ولحائها فلا موضع له أحق من

٣١٣

هذا ولا يضر البعد اللفظي في مثل ذلك كما لا يخفى ، وظن بعضهم ضرره فمنهم من قال : الجملة متصلة بمجموع قوله عزوجل : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) إلى آخره ، وذلك أنه سبحانه لما أمر بإنذار ذلك اليوم وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم وذكر تعالى أن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك ولا من يشفع له ذكر جل وعلا اطلاعه على جميع ما يصدر من العبد وأنه مجازي بما عمل ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله تعالى مطلع على أعماله وإلى هذا ذهب أبو حيان.

وقال ابن عطية : هي متصلة بقوله تعالى : (سَرِيعُ الْحِسابِ) لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي لعلمه تعالى الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون ، وحكى رحمه‌الله تعالى عن فرقة أنها متصلة بقوله تعالى : لا يخفى على الله منهم شيء ثم قال : وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه البعد وكثرة الحائل ، وجعلها بعض متصلة بنفي قبول الشفاعة الذي تضمنه قوله تعالى : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) فإن (يُطاعُ) المنفي بمعنى تقبل شفاعته على أنها تعليل لذلك أي لا تقبل شفاعة شفيع لهم لأن الله تعالى يعلم منه الخيانة سرا وعلانية وليست تعليلا لنفي الشفاعة ليرد ما قيل ، ولا يخفى ما فيه ، ولعمري إن جار الله في مثل هذا المقام لا يجارى.

(وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) أي والذي هذه صفاته يقضي قضاء ملتبسا بالحق لا بالباطل لاستغنائه سبحانه عن الظلم ، وتقديم المسند إليه للتقوى ، وجوز أن يكون للحصر وفائدة العدول عن المضمر إلى المظهر والإتيان بالاسم الجامع عقيب ذكر الأوصاف ما أشير إليه من إرادة الموصوف بتلك الصفات.

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) تهكم بآلهتهم لأن الجماد لا يقال فيه يقضي أو لا يقضي ، وجعله بعضهم من باب المشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء ، واختير الأول قيل لأن التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الاستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية.

وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه. وهشام «تدعون» بتاء الخطاب على الالتفات ، وجوز أن يكون على إضمار قل فلا يكون التفاتا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين وما تخفي الصدور وقضاؤه سبحانه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه عزوجل ، وفيه إشارة إلى أن القاضي ينبغي أن يكون سميعا بصيرا (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي ما حال الذين كذبوا الرسل عليهم‌السلام قبلهم كعاد. وثمود ، و (ينظروا) مجزوم على أنه معطوف على (يَسِيرُوا) ، وجوز أبو حيان كونه منصوبا في جواب النفي كما في قوله :

ألم تسأل فتخبرك الرسوم

وتعقب بأنه لا يصح تقديره بأن لم يسيروا ينظروا. وأجيب بأن الاستفهام إنكاري وهو في معنى النفي فيكون جواب نفي النفي (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) قدرة وتمكنا من التصرفات ، والضمير المنفصل تأكيد للضمير المتصل قبله ، وجوز كونه ضمير فصل ولا يتعين وقوعه بين معرفتين فقد أجاز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج : ١٣] نعم الأصل الأكثر فيه ذلك ، على أن أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه مضارع للمعرفة لفظا في عدم دخول أل عليه ومعنى لأن المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معينة.

وجملة (كانُوا) إلخ مستأنفة في جواب كيف صارت أمورهم. وقرأ ابن عامر «منكم» بضمير الخطاب على

٣١٤

الالتفات. (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) عطف على قوة أي وأشد آثارا في الأرض مثل القلاع المحكمة والمدائن الحصينة ، وقد حكى الله تعالى عن قوم منهم أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا.

وجوز كونه عطفا على (أَشَدَّ) بتقدير محذوف أي وأكثر آثارا فتشمل الآثار القوية وغيرها ، وهو ارتكاب خلاف المتبادر من غير حاجة يعتد بها ، وقيل : المراد بهذه الآثار آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم وليس بشيء أصلا (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي وليس لهم واق من الله تعالى يقيهم ويمنع عنهم عذابه تعالى أبدا ، فكان للاستمرار والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار ، ومن الثانية زائدة ومن الأولى متعلقة بواق ، وقدم الجار والمجرور للاهتمام والفاصلة لأن اسم الله تعالى قيل : لم يقع مقطعا للفواصل. وجوز أن تكون من الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلا من المتصف بصفات الكمال واق وأريد بذلك شركاؤهم ، وأن تكون ابتدائية تنبيها على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتدئ من جهته سبحانه واقية لم يكن لهم باقية (ذلِكَ) الأخذ (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات والأحكام الواضحة (فَكَفَرُوا) ريثما أتتهم رسلهم بذلك (فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌ) متمكن مما يريده عزوجل غاية التمكن (شَدِيدُ الْعِقابِ) لا يعتد بعقاب عند عقابه سبحانه ، وهذا بيان للإجمال في قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) إن كانت الباء هناك سببية وبيان لسبب الأخذ إن كانت للملابسة أي أخذهم ملابسين لذنوبهم غير تائبين عنها فتأمل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) وهي معجزاته عليه‌السلام (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) حجة قاهرة ظاهرة ، والمراد بذلك قيل ما أريد بالآيات ونزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأول ، وقيل : المراد به بعض من آياته له شأن كالعصا ، وعطف عليها تفخيما لشأنه كما عطف جبريل وميكال عليهما‌السلام على الملائكة.

وتعقب بأن مثله إنما يكون إذا غير الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر ، وحكى الطبرسي أن المراد بالآيات حجج التوحيد وبالسلطان المعجزات الدالة على نبوته عليه‌السلام ، وقيل الآيات المعجزات والسلطان ما أوتيه عليه‌السلام من القوة القدسية وظهورها باعتبار ظهور آثارها من الإقدام على الدعوة من غير اكتراث. وقرأ عيسى «سلطان» بضم اللام (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزير فرعون ، وزعم اليهود أنه لم يكن لفرعون وزير يدعى هامان وإنما هامان ظالم جاء بعد فرعون بزمان مديد ودهر داهر نفي جاءهم من اختلال أمر كتبهم وتواريخ فرعون لطول العهد وكثرة المحن التي ابتلوا بها فاضمحلت منها أنفسهم وكتبهم.

(وَقارُونَ) قيل هو الذي كان من قوم موسى عليه‌السلام ، وقيل : هو غيره وكان مقدم جنود فرعون ، وذكرهما من بين أتباع فرعون لمكانتهما في الكفر وكونهما أشهر الأتباع.

وفي ذكر قصة الإرسال إلى فرعون ومن معه وتفصيل ما جرى تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبل وأقربهم زمانا ولذا خص ذلك بالذكر ، ولا بعد في كون فرعون وجنوده أشد من عاد (فَقالُوا ساحِرٌ) أي هو يعنون موسى عليه‌السلام ساحر فيما أظهر من المعجزات (كَذَّابٌ) في دعواه أنه رسول من رب العالمين (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) وبلغهم أمر الله تعالى غير مكترث بقولهم ساحر كذاب (الُوا) غيظا وحنقا وعجزا عن المعارضة (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلونه بهم أولا كي تصدوهم عن مظاهرة موسى عليه‌السلام ، فالأمر بالقتل والاستحياء وقع مرتين. المرة الأولى حين أخبرت الكهنة والمنجمون في قول فرعون بمولود من بني إسرائيل يسلبه ملكه ، والمرة الثانية هذه ، وضمير (قالُوا) لفرعون ومن معه.

٣١٥

وقيل : إن قارون لم يصدر منه هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) في ضياع من ضلت الدابة إذا ضاعت ، والمراد أنه لا يفيدهم شيئا فالعاقبة للمتقين ، واللام إما للعهد والإظهار في موقع الإضمار لذمهم بالكفر والإشعار بعلة الحكم أو للجنس والمذكورون داخلون فيه دخولا أوليا ، والجملة اعتراض جيء به في تضاعيف ما حكي عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه من الإبراق والإرعاد واضمحلاله بالمرة.

(وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) كان إذا هم بقتله كفّوه بقولهم : ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا ساحر يقاومه ساحر مثله وأنك إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة ، والظاهر أنه لعنه الله تعالى استيقن أنه عليه‌السلام نبي ولكن كان فيه خب وجربزة وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء فكيف لا يقتل من أحسن منه بأنه الذي يثل عرشه ويهدم ملكه ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك فقوله : (ذَرُونِي) إلخ كان تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هو الفزع ويرشد إلى ذلك قوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) لأن ظاهره الاستهانة بموسى عليه‌السلام بدعائه ربه سبحانه كما يقال : ادع ناصرك فإني منتقم منك ، وباطنه أنه كان يرعد فرائصه من دعاء ربه فلهذا تكلم به أول ما تكلم وأظهر أنه لا يبالي بدعاء ربه وما هو إلا كمن قال : ذروني أفعل كذا وما كان فليكن وإلا فما لمن يدعى أنه ربهم إلا على أن يجعل لما يدعيه موسى عليه‌السلام وزنا فيتفوه به تهكما أو حقيقة (إِنِّي أَخافُ) إن لم أقتله (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) أن يغير حالكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام وكان عليه اللعنة قد أمرهم بنحتها وأن تجعل شفعاء لهم عنده كما كان كفار مكة يقولون : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ولهذا المعنى أضافوا الآلهة إليه في قولهم : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] فهي إضافة تشريف واختصاص وهذا ما ذهب إليه بعض المفسرين ، وقال ابن عطية : الدين السلطان ومنه قول زهير :

لئن حللت بحي من بني أسد

في دين عمرو وحالت بيننا فدك

أي إني أخاف أن يغير سلطانكم ويستذلكم (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ) إن لم يقدر على تغيير دينكم بالكلية (فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب ويهلك الناس قتلا وضياعا فالفساد الذي عناه فساد دنياهم ، فيكون حاصل المعنى على ما قرر أولا أني أخاف أن يفسد عليكم أمر دينكم بالتبديل أو يفسد عليكم أمر دنياكم بالتعطيل وهما أمران كل منهما مر ، ونحو هذا يقال على المعنى الثاني للدين ، وعن قتادة أن اللعين عنى بالفساد طاعة الله تعالى : وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو و «وأن» الواو الواصلة.

وقرأ الأعرج والأعمش وابن وثاب وعيسى وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص (يُظْهِرَ) بفتح الياء والهاء «الفساد» بالرفع. وقرأ مجاهد «يظّهّر» بتشديد الظاء والهاء «الفساد» بالرفع. وقرأ زيد بن علي «يظهر» بضم الياء وفتح الهاء مبنيا للمفعول «الفساد» بالرفع.

(وَقالَ مُوسى) لما سمع بما أجراه اللعين من حديث قتله (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) قاله عليه‌السلام مخاطبا به قومه على ما ذهب إليه غير واحد ، وذلك أنه لما كان القول السابق من فرعون خطابا لقومه على سبيل الاستشارة وإجالة الرأي لا بمحضر منه عليه‌السلام كان الظاهر أن موسى عليه‌السلام أيضا خاطب قومه لا فرعون وحاضريه بذلك ، ويؤيده قوله تعالى : وفي [الأعراف : ١٢٨] (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا) في هذه القصة بعينها ، وقوله تعالى هنا : (وَرَبِّكُمْ) فإن فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته تعالى واردة أنه تعالى كذلك في نفس الأمر لا يضر في كونه مؤيدا لأن التأييد مداره الظاهر ، وصدر الكلام بأن تأكيدا وتنبيها على أن

٣١٦

السبب المؤكد في دفع الشر هو العياذ بالله تعالى ، وخص اسم الرب لأن المطلوب هو الحفظ ، والتربية وأضافه إليه وإليهم حثا لهم على موافقته في العياذ به سبحانه والتوجه التام بالروح إليه جل شأنه لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة ، وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات ، و (مِنْ كُلِ) على معنى من شر كل واردا بالتكبير الاستكبار عن الإذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة ومهانة نفسه وعلى فرط ظلمه وعسفه ، وضم إليه عدم الإيمان بيوم الجزاء ليكون أدل وأدل ، فمن اجتمع فيه التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله تعالى وعباده ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها ، واختير المنزل دون منه سلوكا لطريق التعريض لأنه كلام وارد في عرضهم فلا يلبسون جلد النمر إذا عرض عليهم مع ما في ذلك من الدلالة على علة الاستعاذة ورعاية حتى تربية اللعين له عليه‌السلام في الجملة. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «عت» بإدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) قيل كان قبطيا ابن عم فرعون وكان يجري مجرى ولي العهد ومجرى صاحب الشرطة ، وقيل : كان إسرائيليا ، وقيل : كان غريبا ليس من الفئتين ، ووصفه على هذين القولين بكونه من آل فرعون باعتبار دخوله في زمرتهم وإظهار أنه على دينهم وملتهم تقية وخوفا ، ويقال نحو هذا في الإضافة في مؤمن آل فرعون الواقع في عدة أخبار ، وقيل : (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) على القولين متعلق بقوله تعالى : (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) والتقديم للتخصيص أي رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون دون موسى عليه‌السلام ومن اتبعه ، ولا بأس على هذا في الوقت على مؤمن. واعترض بأن كتم يتعدى بنفسه دون من فيقال : كتمت فلانا كذا دون كتمت من فلان قال الله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] وقال الشاعر :

كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا

وهمين هما مستكنا وظاهرا

أحاديث نفس تشتكي ما يريبها

وورد هموم لن يجدن مصادرا

وأراد على ما في البحر كتمتك أحاديث نفس وهمين ، وفيه أنه صرح بعض اللغويين بتعديه بمن أيضا قال في المصباح كتم من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من في المفعول الأول فيقال : كتمت من زيد الحديث كما يقال : بعته الدار وبعتها منه. نعم تعلقه بذلك خلاف الظاهر بل الظاهر تعلقه بمحذوف وقع صفة ثانية لرجل ، والظاهر على هذا كونه من آل فرعون حقيقة وفي كلامه المحكي عنه بعد ما هو ظاهر في ذلك واسمه قيل : شمعان بشين معجمة ، وقيل : خربيل بخاء معجمة مكسورة وراء مهملة ساكنة ، وقيل : حزبيل بحاء مهملة وزاي معجمة ، وقيل : حبيب.

وقرأ عيسى وعبد الوارث وعبيد بن عقيل وحمزة بن القاسم عن أبي عمرة «رجل» بسكون الجيم وهي لغة تميم ونجد (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً) أي أتقصدون قتله فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب ، وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوز (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) أي لأن يقول ذلك (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ) الشاهدة على صدقه من المعجزات ، والاستدلالات الكثيرة وجمع المؤنث السالم وإن شاع أنه للقلة لكنه إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام. والجملة حالية من الفاعل أو المفعول ، وهذا إنكار من ذلك الرجل عظيم وتبكيت لهم شديد كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله : (رَبِّيَ اللهُ) مع أنه قد جاءكم بالبينات (مِنْ رَبِّكُمْ) أي من عند من نسب إليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده ، وهذا استدراج إلى الاعتراف وفي (أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ـ إلى ـ (مِنْ رَبِّكُمْ) نكتة جليلة وهي أن من يقول ربي الله أو فلان لا يقتضي أن يقابل بالقتل كما لا تقابلون بالقتل إذا قلتم : ربنا فرعون كيف وقد جعل ربه من هو ربكم فكان عليكم بأن تعزروه وتوقروه لا أن تخذلوه وتقتلوه ، وجوز الزمخشري كون (أَنْ يَقُولَ) على تقدير مضاف أي

٣١٧

وقت أن يقول فحذف الظرف فانتصب المضاف إليه على الظرفية لقيامه مقامه ، والمعنى أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر في أمره ، ورده أبو حيان بأن القائم مقام الظرف لا يكون إلا المصدر الصريح كجئت صياح الديك أو ما كان بما الدوامية دون الغير الصريح كجئت أن صاح أو أن يصيح الديك ، وفيه إن ابن جني كالزمخشري صرح بالجواز وكل إمام. ثم إن الرجل احتاط لنفسه خشية أن يعرف اللعين حقيقة أمره فيبطش به فتلطف به الاحتجاج فقال : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) فلا أقل من أن يصيبكم بعض الذي يعدكم به أو يعدكموه ، وفيه مبالغة في التحذير فإنه إذا حذرهم من إصابة البعض أفاد أنه مهلك مخوف فما بال الكل وإظهار للإنصاف وعدم التعصب ولذا قدم احتمال كونه كاذبا ، وقيل : المراد يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالا عندهم ، وقيل : بعض بمعنى كل وانشدوا لذلك قول عمرو القطامي :

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزلل

وذهب الزجاج إلى أن (بَعْضُ) فيه على ظاهره ، والمراد إلزام الحجة وإبانة فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه فالبيت كالآية على الوجه الأول ، وأنشدوا لمجيء بعض بمعنى كل قول الشاعر :

إن الأمور إذا الأحداث دبرها

دون الشيوخ قرى في بعضها خللا

ولا يتعين فيه ذلك كما لا يخفى ، وعن أبي عبيدة أنه فسر البعض بالكل أيضا وأنشد قول لبيد :

تراك أمكنة إذا لم أرضها

أو يرتبط بعض النفوس حمامها

حمل البيت على معنى لا أزال أنتقل في البلاد إلى أن لا يبقى أحد أقصده من العباد ، والمحققون على أن البعض فيه على ظاهره والمراد به نفسه ، والمعنى لا أزال أترك ما لم أرضه من الأمكنة إلا أن أموت ، وقال الزمخشري : إن صحت الرواية عن أبي عبيدة في ذلك فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقي كان أجفى من أن يفقه ما أقول له ، وفيه مبالغة في الرد (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) احتجاج آخر ذو وجهين. أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات. وثانيهما إن كان كذلك خذله الله تعالى وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ، ولعله أراد به المعنى الأول وأوهمهم أنه أراد الثاني لتلين شكيمتهم ؛ وعرض لفرعون بأنه مسرف أي في القتل والفساد كذاب في ادعاء الربوبية لا يهديه الله تعالى سبيل الصواب ومنهاج النجاة ، فالجملة مستأنفة متعلقة معنى بالشرطية الأولى أو بالثانية أو بهما (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) غالبين عالين على بني إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) أي في أرض مصر لا يقاومكم أحد في هذا الوقت (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) من أخذه وعذابه سبحانه (إِنْ جاءَنا) أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله تعالى بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد ، فالفاء في ـ فمن ـ إلخ فصيحة والاستفهام إنكاري ، وإنما نسب ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض إليهم خاصة ونظم نفسه في سلكهم فيما يسوؤهم من مجيء بأس الله تعالى تطييبا لقلوبهم وإيذانا بأنه مناصح لهم ساع في تحصيل ما يجديهم ودفع ما يرديهم سعيه في حق نفسه ليتأثروا بنصحه.

(قالَ فِرْعَوْنُ) بعد ما سمع ذلك (ما أُرِيكُمْ) أي ما أشير عليكم (إِلَّا ما أَرى) إلا الذي أراه وأستصوبه من قتله يعني لا أستصوب إلا قتله وهو الذي تقولونه غير صواب (وَما أَهْدِيكُمْ) بهذا الرأي (إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) طريق الصواب والصلاح أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئا ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر يعني

٣١٨

أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول ، وقد كذب عدو الله فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليه‌السلام لكنه كان يتجلد ولو لا استشعاره لم يستشر أحدا ، وعن معاذ بن جبل والحسن أنهما قرءا «الرّشاد» بشد الشين على أنه فعال للمبالغة من رشد بالكسر كعلام من علم أو من رشد بالفتح كعباد من عبد.

وقيل : هو من أرشد المزيد كجبار من أجبر ، وتعقب بأن فعالا لم يجىء من المزيد إلا في عدة أحرف نحو جبار ودراك وقصار وسار ولا يحسن القياس على القليل مع أنه ثبت في بعضه كجبار سماع الثلاثي فلا يتعين كونه من المزيد فقد جاء جبره على كذا كأجبره وقصار كجبار عند بعض لا يتعين كونه من أقصر لمجيء قصر عن الشيء كأقصر عنه ، وحكي عن الجوهري أن الإقصار كف مع قدرة والقصر كف مع عجز فلا يتم هذا عليه ، وأما دراك وسآر فقد خرجا على حذف الزيادة تقديرا لا استعمالا كما قالوا : أبقل المكان فهو باقل وأورس الرمث فهو وارس ، قال ابن جني : وعلى هذا خرج الرشاد فيكون من رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا فإن المعنى على ذلك ، ثم قال : فإن قيل إذا كان المعنى على أرشد فكيف أجزت أن يكون من رشد المكسور أو من رشد المفتوح؟ قيل : المعنى راجع إلى أنه مرشد لأنه إذا رشد أرشد لأن الإرشاد من الرشد فهو من باب الاكتفاء بذكر السبب عن المسبب انتهى ، وقيل : أجيز ذلك لأن المبالغة في الرشد تكون بالإرشاد كما قرروا في قيوم وطهور.

وقال بعض المحققين : إن رشد بمعنى اهتدى فالمعنى ما أهديكم إلا سبيل من اهتدى وعظم رشده فلا حاجة إلى ما سمعت ، وإنما يحتاج إليه لو وجب كون المعنى ما أهديكم إلا سبيل من كثر إرشاده ومن أين وجب ذلك؟ وجوز كون فعال في هذه القراءة للنسبة كما قالوا : عواج لبياع العاج وبتات لبياع البت وهو كساء غليظ ، وقيل : طيلسان من خز أو صوف ، وأنكر بعضهم كون القراءة على صيغة فعال في كلام فرعون وإنما هي في قول الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ، فإن معاذ بن جبل كان كما قال أبو الفضل الرازي وأبو حاتم يفسر (سَبِيلَ الرَّشادِ) على قراءته بسبيل الله تعالى وهو لا يتسنى في كلام فرعون كما لا يخفى ، وستعلم إن شاء الله تعالى أن معاذا قرأ كذلك في قول المؤمن فلعل التفسير بسبيل الله عزوجل كان فيه دون كلام فرعون والله تعالى أعلم.

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ) الجمهور على أنه الرجل المؤمن الكاتم إيمانه القائل : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) قوى الله تعالى نفسه وثبت قلبه فلم يهب فرعون ولم يعبأ به فأتى بنوع آخر من التهديد والتخويف فقال : (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) إلى آخره ، وقالت فرقة : كلام ذلك المؤمن قد تم ، والمراد بالذي آمن هنا هو موسى نفسه عليه‌السلام ، واحتجت بقوة كلامه ، وعلى الأول المعول أي قال ناصحا لقومه : يا قوم إني أخاف عليكم في تكذيب موسى عليه‌السلام والتعرض له بالسوء أن يحل بكم مثل ما حل بالذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم الماضية ، واليوم واحد الأيام بمعنى الوقائع وقد كثر استعمالها بذلك حتى صار حقيقة عرفية أو بمعناها المعروف لغة ، والكلام عليه على حذف مضاف أي مثل حادث يوم الأحزاب.

وأيا ما كان فالظاهر جمع اليوم لكن جمع الأحزاب المضاف هو إليه مع التفسير بما بعد أغنى عن جمعه ، والمعنى عليه ورجح الأفراد بالخفة والاختصار ، وقال الزجاج : المراد يوم حزب حزب بمعنى أن جمع حزب مراد به شمول أفراده على طريق البدل وهو تأويل في الثاني وما تقدم أظهر.

(مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) أي مثل جزاء دأبهم أي عادتهم الدائمة من الكفر وإيذاء الرسل ، وقدر المضاف لأن المخوف في الحقيقة جزاء العمل لا هو ، وجاء هذا من نصب (مِثْلَ) الثاني على أنه عطف بيان لمثل الأول لأن آخر ما تناولته الإضافة قوم نوح ، ولو قلت : أهلك الله الأحزاب قوم نوح وعاد وثمود لم يكن إلا عطف بيان

٣١٩

لإضافة قوم إلى أعلام فسرى ذلك الحكم إلى أول ما تناولته الإضافة.

وقال ابن عطية : هو بدل من (مِثْلَ) الأول ، والاحتياج إلى تقدير المضاف على حاله (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم لوط (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي فما فعل سبحانه بهؤلاء الأحزاب لم يكن ظلما بل كان عدلا وقسطا لأنه عزوجل أرسل إليهم رسلهم بالبينات فكذبوهم وتحزبوا عليهم فاقتضى ذلك إهلاكهم ، وهذا أبلغ من قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] من حيث جعل المنفي فيه إرادة الظلم لأن من كان عن إرادة الظلم بعيدا كان عن الظلم نفسه أبعد ، وحيث نكر الظلم كأنه نفي أن يريد ظلما ما لعباده ، ويجوز الزمخشري أن يكون معناه كمعنى قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] أي لا يريد سبحانه لهم أن يظلموا يعني أنه عزوجل دمرهم لأنهم كانوا ظالمين ، ولا يخفى أن هذا المعنى مرجوح لفظا ومعنى ، ثم لا حجة فيه للمعتزلة لثبوت الفرق بين أراده منه وأراده له فلو سلم أنه سبحانه لا يريد لهم أن يظلموا لم يلزم أن لا يريده منهم والممتنع عند أهل السنة هو هذا فلا احتياج إلى صرف الآية عن الظاهر عندهم أيضا.

(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) خوفهم بالعذاب الأخروي بعد تخويفهم بالعذاب الدنيوي ، والتناد مصدر تنادى القوم أي نادى بعضهم بعضا ، ويوم التناد يوم القيامة سمي بذلك لأنه ينادي فيه بعضهم بعضا للاستغاثة أو يتصايحون فيه بالويل والثبور أو لتنادي أهل الجنة وأهل النار كما حكي في سورة الأعراف أو لأن الخلق ينادون إلى المحشر أو لنداء المؤمن (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] والكافر (لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) [الحاقة : ٢٥].

وعن ابن عباس أن هذا التنادي هو التنادي الذي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضا ، وروي هذا عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال ابن عطية : يحتمل أن يراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة.

وقرأت فرقة «التناد» بسكون الدال في الوصل اجراء له مجرى الوقف. وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو صالح والكلبي والزعفراني وابن مقسم «التنادّ» بتشديد الدال من ند البعير إذا هرب أي يوم الهرب والفرار لقوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) [عبس : ٣٤] الآية ، وفي الحديث أن الناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مهربا.

وقيل : المراد به يوم الاجتماع من ندا إذا اجتمع ومنه النادي (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) بدل من يوم التناد أي يوم تولون عن الموقف منصرفين عنه إلى النار ، وقيل : فارين من النار ، فقد روي أنهم إذا سمعوا زفير النار هربوا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا فلا ينفعهم الهرب ، ورجح هذا القول بأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطا بقوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي يعصمكم في فراركم حتى لا تعذبوا في النار قاله السدي ، وقال قتادة : أي ما لكم في الانطلاق إلى النار من مانع يمنعكم منها أو ناصر ، وهذا ما يقال على المعنى الأول ـ ليوم تولون مدبرين ـ وأيا ما كان فالجملة حال أخرى من ضمير (تُوَلُّونَ).

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه إلى طريق النجاة أصلا ، وكأن الرجل يئس من قبولهم نصحه فقال ذلك ثم وبخهم على تكذيب الرسل السالفين فقال : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) بن يعقوب عليهما‌السلام (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل موسى (بِالْبَيِّناتِ) الأمور الظاهرة الدالة على صدقه (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من الدين (حَتَّى إِذا هَلَكَ) بالموت (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) غاية لقوله. (فَما زِلْتُمْ) وأرادوا بقولهم (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) تكذيب رسالته ورسالة غيره أي لا رسول فيبعث فهم بعد الشك بتوا بهذا التكذيب فيكون ذلك ترقيا.

٣٢٠