ميراث محدّث اُرمَوى

سيّد جعفر اشكورى

ميراث محدّث اُرمَوى

المؤلف:

سيّد جعفر اشكورى


المحقق: سيّد احمد اشكورى ـ سيّد صادق اشكورى ـ سيّد جعفر اشكورى
الموضوع : دليل المؤلفات
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ٠
ISBN: 964-493-212-9
الصفحات: ٣٨٤

قوله : «مبوَّأ» اسم مكان منصوب على الظرفية. يعني بعد أن أسكته في منزل الصادقين بالنسبة إلى الله تعالى ؛ فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قبل نبوَّته معروفاً بين أهل مكة بـ «محمد الصادق الأمين».

قوله : «فكانوا هم السبيل إليك» إما بضم السبيل ؛ بأن يكون خبراً ، و «هم» مبتدأ ، والجملة خبر «كانوا» ؛ أو بالنصب على أن يكون خبر «كانوا» ، و «هم» ضمير فعل أو تأكيد لاسم كانوا.

المعنى :

لما كان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرفَ الأنبياء وسيِّدهم ، ولذا صار بحسب الترتيب عقيبهم ، لئلا يُنسخ شرعه ، ولأنّ السلف كمقدمة الجيش يُعِدُّون الخلق لقبول الفيوضات الإلهية ، وكأنهم مبشِّرون بقدومه ، كما قال الشاعر بالفارسية :

من آن ستاره صبحم كه در محل طلوع

هميشه پيشروى آفتاب مى باشم

وهذا ما قاله في الدعاء «إلى أن انتهيت بالأمر» ، يعني : إنّ بعث الأنبياء ونصب الأوصياء قد استمرّ وامتدّ إلى زمان بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما بقي الدهر خالياً من الحجة.

وحيث إنّ نبيَّنا كان أفقههم ـ على ما صرح بقوله «سيد من خلقته» ـ وكان من المرسلين مبعوثاً إلى الجن والإنس ومرسلاً إلى عموم الخلائق كما اُشير إليه بلفظ «الثقلين» أي الإنس والجن ، وكذا بقوله «وأوطأته مشارقك ومغاربك» ؛ فإنه كناية عن وطئه تمام الكرة ؛ لأن الأرض منقسمة بخط الجنوب والشمال إلى القسمين المشرق والمغرب ، والتعبير بالجمع بملاحظة الممالك أو البلدان أو مطالع الشمسين باعتبار الفصول بل الأيام أيضاً.

ومن جملة فضائله وامتيازاته صلى‌الله‌عليه‌وآله معراجه ؛ فإنّ بعض الأنبياء ـ كإدريس وعيسى ـ على نبينا وآله وعليهما‌السلام ، وإن كان لهما أيضا عروج ومعراج ، كما قال الله تعالى في حق إدريس في سورة مريم : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) (١).

وفي الصافي (٢) عن الكافي (٣) عن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني جبرئيل أنّ ملكاً من

__________________

١. سورة مريم ، الآيتان ٥٦ و ٥٧.

٢. الصافي ، ج ٣ ، ص ٢٨٥.

٣. الكافي ، ج ٣ ، ص ٢٥٧ ، ح ٢٦.

٦١

الملائكة كانت له عند الله منزلة عظيمة ، فعتب عليه ، فأهبطه من المساء إلى الأرض ، فأتى إدريس عليه‌السلام فقال له : إن لك عند الله منزلة ، فاشفع لي عند ربك. فصلّى ثلاث ليال لا يفتر ، وصام أيامها لا يفتر ، ثم طلب إلى الله عزّ وجلّ في السَّحَر في الملَك ، فقال الملك : إنك قد اُعطيت سؤلك ، وقد أطلق الله لي جناحي ، وأنا أُحبّ أن اُكافئك ، فاطلب إليّ حاجة. فقال : تريني ملكَ الموت لعلّي آنس به ؛ فإنه ليس يهنأ مع ذكره شيء. فبسط جناحيه ثم قال : إركب. فصعد به، فطلب ملك الموت في السماء الدنيا ، فقيل له اصعد ، فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة ، فقال الملك : يا ملك الموت ، ما لي أراك قاطباً؟ قال : العجب إني تحت ظل العرش حيث أمرت أن أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة والخامسة. فسمع إدريس عليه‌السلام ، فامتعض ، فخرّ من جناح الملك، فقُبض روحُه مكانَه، وقال الله : (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)(١). انتهى.

وقال في حق عيسى : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ) إلى قوله : (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) (٢) [أي رفعه] إلى السماء الرابعة.

وفي الخبر : ضجّت الملائكة لما رأوه لابساً لثياب خشنة عارية في الدنيا عن العلائق الدنيوية من المال والعيال والأولاد والمسكن وغيرها ، فأوحى إليهم : أن : فتِّشوه. فلما فتشوا وجدوا معه إبرة ليخيط بها قدّ قميصه ، فقال الله تعالى : لو لا أن له علاقة بالدنيا بقدر الإبرة لرفعته إلى السماء السابعة (٣).

أقول : وحيث إنّ لنا علائق بالدنيا من الثرى إلى السماء السابعة فلا نرفع بقدر الإبرة ، وأما نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء فلم يتعلق قلبه الشريف بعلائق الدنيا ذرّة ، فخصَّه الله تعالى بفضيلة المعراج ، كما أشار إليه في سورة الإسراء : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (٤) الآية.

وقد اختلفوا في معراجه صلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث الكم والكيف والوضع والأين والمتى والجدة :

فالاختلاف الكمي من حيث وقوع المعراج مرّة واحدة كما هو المتيقَّن؟ أو مرتين كما ورد في الخبر المروي في الكافي (٥) عن الصادق عليه‌السلام ، حيث سُئل : كم عُرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

__________________

١. سورة مريم ، الآية ٥٧.

٢. سورة النساء ، الآيتان ١٥٧ و ١٥٨.

٣. لم نعثر على هذا الخبر مع كل جهدنا.

٤. سورة الإسراء ، الآية ١.

٥. الكافي ، ج ١ ، ص ٤٤٣ ، ح ١٣ ؛ الصافي ، ٣ ، ص ١٦٧.

٦٢

فقال : مرّتين.

وفي الكيف : هل كان راجلاً؟ أو راكباً للبراق إلى محل وللرفرف في محل آخر ؛ كما هو المشهور المستفاد من أكثر الأخبار (١)؟.

وفي الوضع : من حيث كونه يقظاناً كما هو معتقَد أكثر الإمامية وجمع من غيرهم ، أو نائماً كما يُستفاد من جمع من رواة العامة ، وهو مروي عن اُمّ المؤمنين عائشة (٢)؟.

وفي الأين : هل هو في مكة أو في المدينة من بيت اُمّ هانيء ، أم من المسجد الحرام أو غيرها؟

وكذا في الحركة الأينية : من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما هو ظاهر الآية ، أو إلى السماوات العلى وفوق العرش الأعلى إلى السدرة المنتهى والحجب العليا كما هو منصوص أكثر الأخبار المروية عن أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين (٣)؟

وفي المتى : من حيث وقوعه في ليلة القدر ، أو السابع والعشرين من رجب في عام البعثة ، أو الثاني عشر منها أو غيرها؟

وفي الجِدَة : من حيث كون المعراج جسمانياً ، أي الجسم مع الروح كما هو معتقَد أغلب الإمامية ، أو روحانياً كما يقوله القائلون بكونه في حالة النوم ، أو بين النوم واليقظة؟ وبعبارة اُخرى : فهل المالك لهذه الحركة هو الجسم متعلقاً به الروح أو الروح وحده. وبهذا الاعتبار قد عبّرنا عنه بـ «الجدة» المرادف للملك.

ومنهم من قال بكون معراجه بقالبه المثالي ، كما أنّ المعاد قد اختلف فيه : هل هو معاد جسماني أو روحاني أو بقالب المثال؟ ومنشأ الاختلاف هو النظر إلى استحالة إعادة المعدوم ، كما أن منشأ الاختلاف في المعراج استحالة الخرق والإلتيام في عوالم الأفلاك ، فكيف يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ببدنه العنصري صاعداً إلى السماوات بل ما فوقها ، مع أن الامتداد كثير جداً؟

فعلى المستفاد من الخبر المروي في الاحتجاج (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذكر النبي قال : اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر ، وعُرج به في ملكوت

__________________

١. انظر أخبار المعراج في : علم اليقين ، ج ١ ، ص ٤٨٩ ـ ٥٢٠ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٨ ، ص ٢٩١ ـ ٤١٠.

٢. فتح الباري ، ج ٧ ، ص ١٧٠ ـ ١٧١.

٣. صحيح البخاري ، ج ٤ ، ص ١٠٦ ـ ١٠٧ ؛ بغية الباحث ، ص ٢٨ ؛ مسند أبي يعلى ، ج ٦ ، ص ٢١٦ ـ ٢١٩ ؛ جامع البيان ، ج ١٥ ، ص ١٠ ـ ١٦ و....

٤. الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٣٢٧ ؛ بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٣٢٠ ، ح ١٦.

٦٣

السماوات مسيرة خمسين ألف عام أقل من ثلث ليلة ، حتى انتهى إلى ساق العرش. انتهى. وهو الموافق للآية في سورة المعارج : (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (١).

ولأجل هذه الاستبعادات التزم جمع بعدم كون المعراج جسمانياً ، حتى قال أعرابيهم : «ألقى النبي عنصره الترابي في كرة التراب ، والمائي في الماء ، والناري والهوائي في الهواء والنار ، وصعد بروحه!». وقد أثبت هذا القائل من أمثال ذلك المعراج الروحاني لنفسه آلاف اُلوف.

ولعل المتوهِّم يتوهم صحة هذا الاعتقاد من بعض نسخ دعاء الندبة كما في زاد المعاد ، حيث قال : وعرجت بروحه (٢).

هذا ، ولكن الإنصاف أن القول بمعراج النبيّ مرتين أو مرة من هذا القبيل ، وإثباته آلاف اُلوف للأعرابي بل لكل نائم على ما قاله تعالى في الآية : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (٣) الآية. بل الصلاة معراج المؤمن كل يوم خمس مرات [...] ومقرون بالاعتساف.

وأما الاستبعادات فما لم تصر بحدّ الاستحالة العقلية فليست مانعة ، كما أن معتقدنا في المعاد أنه جسماني ، والثواب والعقاب في القيامة على هذا البدن العنصري.

والقول بأنه مستلزم لإعادة المعدوم وهو محال ، كما اُشير إليه في الآية : (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٤) ، قد أجاب ذاته الأقدس عن هذه الشبهة ـ بعد التعريض أوّلاً بقوله «ونسي خلقه» ـ قال في الآية اللاحقة : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٥).

ومحصّل الجواب بعد التوضيح : أن إعادة المعدوم لا نسلِّم بطلانه واستحالته أوّلاً ؛ إذ لم يقم برهان يقنعنا على ذلك ، قد كان الله تعالى خلقه في الأوّل لا من شيء. ولم سُلِّم بطلانه فليس المقام من هذا القبيل ؛ فإنّ الهيولى باقية والصور متبدلة ، حتى أن العظام لو ترممت

__________________

١. سورة المعارج ، الآية ٤.

٢. زاد المعاد ، العلامة المجلسي (حجري) ، ص ٤٥١.

٣. سورة الزمر ، الآية ٤٢.

٤. سورة يس ، الآية ٧٨.

٥. سورة يس ، الآية ٧٩.

٦٤

وصارت بالية واستحالت تراباً ، فهذه تبدل في الصورة.

على أن الأعضاء الأصلية في الحيوان لا تصير معدومة ، وإنما الذي تبلى هي الأعضاء والأجزاء الطارئة. وعلى التسامح العرفي يقال على مثل هذا البدن المتجدِّد : إنه البدن الأصلي. فإذا اندفعت الشبهة والاستبعاد في المعاد فكذلك هي مدفوعة في المعراج.

أمّا على القول بأن المعراج هو السير من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ـ كما هو اقدر المتيقِّن من آية الإسراء ـ فلا يرد عليه إشكال ؛ لا من جهة الخرق والالتيام ، ولا من جهة قصر المدة. فالأول واضح ، والثاني فإن بساط سليمان به سبب الريح كان غدوُّها شهراً ورواحُها شهراً ، فلا استبعاد فيه. ولكن إطلاق المعراج على هذا المعنى لا وجه له ؛ إذ لا عروج فيه ، بل مسير وإسراء كما عُبِّر به في الآية.

وأما لو قلنا بعروجه إلى السماوات بعد مسيره هذا ـ كما هو المعتقَد بمقتضى الأخبار المأثورة ـ فتوقيته بما يقرب من طرفة عين كما قيل وورد به الخبر : أنّ حلقة الباب التي تحركت عند ذهابه لم تسكن عن الحركة في إيابه (١) ، فهو وإن لم يكن عادم النظير بالتقريب ـ كما قال آصف بن برخيا : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (٢) ، وذلك من اليمن إلى الشام مسيرة شهر أو شهرين ـ إلا أن النظير ـ لو سلمناه ـ فهو يرفع استبعاد المسير من حيث هو مسير ، وأما الكلمات والمخاطبات الواقعة مع الملائكة والأنبياء ـ سلام الله عليهم ـ ومع ذاته الأقدس تعالى ، فلا يصح وقوعها في هذا الوقت عقلاً. مع أن النظير أيضاً غير مسلم ، وأي مناظرة بين مسير شهر أو شهرين وبين مسير خمسين ألف سنة؟!

مع أن الشعاع أسرع الأشياء في الحركة على ما استنبطه المتجددون من علماء الاُروپ ؛ يسير في كل ثانية ثمانية وسبعين ألفاً وثمانمئة وواحد وأربعين (٧٨٨٤١) فرسخاً ، حتى قالوا : إن شعاع الشمس يصل إلى الأرض في ثمان دقائق ، والفاصلة [بينهما] سبعون واثنان مليون فرسخ بفراسخ أربعة آلاف ذرع.

فالإنصاف أن القول بالمعراج الجسماني لا يلائم هذا المقدار من التوقيت ، والاعتذار عنه بكونه روحانياً أيضاً لا يسمن ولا يغني من جوع ، مضافاً إلى عدم الفضيلة فيه كما

__________________

١. لم يوجد بهذه العبارة في المصادر.

٢. سورة النمل ، الآية ٤٠.

٦٥

عرفت ، [و] لا يحتاج معه إلى تحريك حلقة الباب حتى لا تسكن عن الحركة ، بل ولا يحتاج معه إلى البراق والرفرف ، بل ولا إلى جبرئيل وغيره.

ومن هنا يظهر لك عدم الملإمة بين عبارتي الدعاء على نسخة المجلسي قدس‌سره ؛ فإنّ تسخير البراق لا حاجة إليه مع عروج الروح ؛ فهو من جهة القرائن السايقية على النسخة الاُخرى ، بأن تكون العبارة «وعرجت به» على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

فتعيّن على القول بوقوع المعراج وجسمانيته إلى السماوات الالتزام بكونه في تمام الليل ، كما هو ظاهر إطلاق الآية ، حيث قال تعالى : (أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا) (١) ؛ فإن ظهور «الليل» من حيث إطلاقه في تمام الليل ، كما أن ظهور «العبد» في الجسم مع الروح لا الروح فقط ، فيستفاد منها كون المعراج جسمانياً وفي الليل بما يقرب من تمامه أو فيما يقرب من ثلث الليل ، كما هو ظاهر بعض الأخبار ، ومنها الخبر السابق المروي عن الاحتجاج.

والسير إلى ما فوق السماوات السبع في مثل الليلة أو ثلثها مع كون ثخن كل سماء مسيرة خمسمئة عام ، والفصل بين كل سماء مع الآخر كذلك على [ما في] بعض الأخبار (٢) ، أو المجموع مقدار خمسين ألف سنة كما مر في بعض الأخبار (٣) ، وهو المطابق لكون المسافة بين الشمس والأرض اثنين وسبعين مليوناً من الفرسخ ، على ما ذكرناه سابقاً نقلاً عن بعض علماء الاُروپ ؛ لأن مسيرة يوم ثمانية فراسخ غالباً ، وخارج تقسيم العدد على الثمانية تسعة ملايين يوماً ، وخارج تقسيم ذلك على ثلاثمئة وستين : خمسة وعشرون ألفاً من الأعوام ، والشمس في الوسط كشمسة القلادة ، فيكون ضِعْف العدد خمسين ألفاً كما أخبر به المعصوم سلام الله عليه ، وكفى به فخراً لهم ؛ حيث أخبروا بما فهمه حذّاق علماء العصر بأربعة عشر قرناً قبل ذلك ... إلى غير ذلك مما بيّنه أهل بيت العصمة ولم يفهم أكثره علماء العصر إلا قليلاً بعد مداقة عميقة.

__________________

١. سورة الإسراء ، الآية ١.

٢. الأمالي للصدوق ، ص ٤٣٥ ، ح ١٠ ؛ المجازات النبوية ، ص ٣٤٩ ؛ الاختصاص للمفيد ، ص ٣٦٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٢٧٧ و....

٣. الكافي ، ج ٨ ، ص ١٤٣ ، ح ١٠٨ ؛ شرح اُصول الكافي للمازندراني ، ج ١٢ ، ص ١٤١ الأمالي للطوسي ، ص ١١١ ؛ بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ١٢٣ و....

٦٦

وكيف كان ، فهذا الاستبعاد من حيث وقوع سير مسافة خمسين ألف عام في الليلة أو ثلثها للجسد العنصري يمكن اندفاعه بملاحظة نظائره ، فكما أن صعود البدن العنصري ـ على رغم الخصم ـ إلى هذه المسافة مستبعد ـ بل أحالوه على معتقدهم ـ فكذا هبوط الجسم اللطيف إلى الأرض في هذه المدة ؛ كجبرئيل والروح وسائر الملائكة في أقل من تلك المدة ، وإن شئت فلاحظ حركة فلك الأفلاك أو العرش بلسان الشرع ؛ فإنّ مسيره صلى‌الله‌عليه‌وآله في معراجه محدود به ، حتى أن شبهة مسألة الخرق والالتيام مندفعة بهذا المطلب ؛ إذ بطلانه على تقدير التسليم منحصر في الفلك المحدِّد للجهات ، وهو الفلك الأطلس أو فلك الأفلاك ، وهو على معتقَد القدماء متحرك كل يوم حركة تامة ، أي تمام الدورة.

وقد ثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى المحيط كنسبة الواحد إلى ثلاثة وسُبع ، وعلى هذا فنسبة نصف القطر ـ وهو مسافة مسيره من الأرض إلى فلك الأفلاك ـ إلى نصف المحيط ، أعني مسير جزء من المنطقة في ليلة واحدة ، معتدلة أيضاً كنسبة الواحد إلى ثلاثة وسُبع ؛ ضرورة عدم تفاوت النسبة إذا قسّم طرفا النسبة على عدد واحد. مثلاً إذا كان نسبة الأربعة إلى الاثني عشر بالثلث ، فكذلك النسبة محفوظة لو قسم الطرفان على اثنين ، أي نصف كل منهما ، أي نسبة الاثنين إلى الستة ، كما هو قضية التناسب الهندسي ؛ لتجدنَّ مدة السير أقل من ثلث الليل على ما في بعض الروايات.

وإن شئت فلاحظ الإبصار ـ على القول بخروج الخط الشعاعي من البصر ـ حتى تنطبق قاعدة المخروط على المبصَر ورأسه في البصر ، فإذا أبصرت زحل أو المريخ مثلاُ كيف يخرج الخط ويتصل في هذه المسافة البعيدة إلى المبصَر. وقد عرفت ما يؤيد ذلك في وصول الشعاع وسيره في كل ثانية قبل ذلك.

وإن شئت فلاحظ الحركة البرقية الإلكتريكية كيف يخابر من بلدة الرضائية (اُرومية) مَن بطهران بالخطوط البرقية ، فينقل الصوت في مسافة مئة فرسخ بل أزيد في أقل من ثانية.

ولعل تسخير البراق لمعراجه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هو لسرعة سيره ، أخذاً من البريق واللمعان كما في سير الأشعة ، أو من البرق كما في الخطوط البرقية.

فقد يتحمل من جميع ما ذكرنا إمكان المسألة عقلاً وإن كانت مستحيلة عادة. ولا بأس به ؛ لأنه موضوع الإعجاز وخارق العادة ، وكفى في الوقوع الأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة

٦٧

في المقام ، فما في الدعاء الذي نشرحه ـ على ما أشرنا إليه من نسخة المجلسي من التعبير بالروح مع قطع النظر عن سابقه كما أشرنا ؛ ضرورة عدم الحاجة إلى البراق في المعراج الروحاني ـ يمكن أن يكون النظر فيه إلى إثبات أقل المراتب بطريق القدر المتيقن ، كما أن الاقتصار على بيان المسير بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الشريفة من هذا القبيل ؛ فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

ألا ترى أن الاُصوليين لم يعبؤوا بمفهوم اللقب في محل ، وإلا لكان قولنا «محمد رسول الله» كفراً ؛ لاستلزامه أن عيسى ليس برسول الله. [لا] سيما أن هذا الدعاء المسمى بـ «دعاء الندبة» في مقام الاستغاثة والالتجاء في زمان الضيق والشدة وغلبة الخوف من الأعداء ولزوم مراعاة التقية ، فالمستحسَن التكلم على حسب المشتهر بينهم ، كما عن عائشة اُمّ المؤمنين أن معراجه روحاني ما فقد جسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الليلة (١).

ولكن على النسخة الاُخرى المروية في مزار محمد بن المشهدي المعبَّر عنه في لسان المجلسي قدس‌سره بـ «المزار الكبير» ، وفي المزار القديم المنسوب إلى القطب الراوندي ، وكذا في بعض نسخ مصباح الزائر لابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ هكذا : «وعرجت به إلى سماواتك» ـ كذا قال الفاضل المعاصر القمي ـ دامت تأييداته ـ في كتابه السابق (٢).

هذا كله مضافاً إلى إمكان إرادة الجسم من الروح بنحو من التأويل ؛ إما للطافته حتى أنه لم يكن له ظلٌّ ـ على ما هو من خصائص بدنه ـ فاستعير له الروح ، أو لكونه بمنزلة روح عالم الإمكان ، كما أن الإمام قلب العالم ، إلى غير ذلك من التأويلات وإن كان بعضها بارداً قد ألجأ إليه ضيق الخناق ؛ فراراً من مخالفة ما أطبقت عليه الإمامية ، بل ادعى في هدية الزائرين أنّ كون المعراج جسمانياً من ضروريات الدين.

وفيما ذكرناه كفاية لمن تدبر (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣) ، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (٤).

__________________

١. الدر المنثور للسيوطي ، ج ٤ ، ص ١٥٧ ؛ جامع البيان ، ج ١٥ ، ص ٢٢ ؛ تفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ٢٦ ؛ البداية والنهاية ، ج ٣ ، ص ١٤١ ؛ السيرة النبوية لابن هشام ، ج ٢ ، ص ٢٧٠.

٢. هدية الزائرين (حجري) ، ص ٥٠٧ ؛ المزار لابن المشهدي ، ص ٥٧٥ ؛ مصباح الزائر ، ص ٤٤٧ وفيه : وعرجت بروحه إلى سمائك.

٣. سورة ق ، الآية ٣٧.

٤. سورة النور ، الآية ٤٠.

٦٨

ولنرجع إلى بيان باقي الفقرات :

قوله في الدعاء : «وقلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الخ.

أقول : وإن كان القرب يقتضي عطف هذه الجملة على «بوّأته» ، ولكنه لا يصح ؛ لأن المعطوف عليه في مكة كما يشعر به ما بعده : «وجعلت له ولهم ...» وآية التطهير نزلت في المدينة ؛ لاتفاق المفسرين على أنها نزلت في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله عليهم ، حتى أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد احتج بها في موارد عديدة في ملأ من المهاجرين والأنصار ، فلم ينكر عليه أحد منهم :

منها : ما في الإكمال (١) : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في المسجد في خلافة عثمان في ملأ جمع من المهاجرين والأنصار : أيُّها الناس ، أتعلمون أن الله عزّ وجلّ أنزل في كتابه : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢) ، فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً ، وألقى علينا كساءً وقال : «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي ، يؤلمني ما يؤلمهم ، يحرجني ما يحرجهم ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً». فقالت اُمّ سلمة : وأنا يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ـ أو أنّك ـ على خير ؛ إنما نزلت فيَّ وفي أخي وفي ابنتيَّ وفي ابنيَّ وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ، ليس معنا أحد غيرنا. فقالوا كلهم : نشهد أنّ اُمّ سلمة حدثتنا بذلك ، فسألنا رسول الله فحدثنا كما حدثتنا اُمّ سلمة رضي‌الله‌عنها. انتهى.

ومن الواضح أن تزويج اُمّ سلمة وتولد الحسنين كان بالمدينة بعد سنين عديدة من الهجرة ، فلا يناسب العطف بالواو على «بوّأته» الواقع في مكة بالواو الظاهرة في الجمعية.

فإن قلت : كيف تقول هذه الآية في حق هؤلاء ، مع أن صدر الآية في حق نساء النبي ، حيث قال : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) (٣) الآية؟

قلت : أما بالنسبة إلى المطلب الذي استشهدنا بالآية ، فلا فرق بين توجه الخطاب إلى أهل البيت أو إلى نساء النبي ؛ فإن المقصود كون تلك الآية كأصل سورة الأحزاب مدنيّة ،

__________________

١. إكمال الدين ، ص ٢٧٨ ؛ الغيبة للنعمائي ، ص ٧٢ ؛ الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٢١٥ ؛ بحار الأنوار ، ج ٣١ ، ص ٤١٣.

٢. سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

٣. سورة الأحزاب ، الآية ٣٢.

٦٩

وهو ثابت على التقديرين ؛ فإن نساء النبي على هيئة الجمعية إنما كانت بها ، وأما في مكة فزوجته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي خديجة سلام الله عليها ، وبعد وفاتها لم يثبت إلا عدة شهور فاُمر بالهجرة.

ومع هذا فنقول : لا تلازم في الآيات القرآنية بين الصدر والذيل ، فربما يقع فيها التفات ، وهو أيضاً من فنون البلاغة ، فكما وقع الالتفات في آية يوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) (١) مع وجود واو الرابطة بين الجملتين ، فأوّلها خطاب ليوسف ، ثم التفت إلى زليخا. والأمر في المقام بالعكس ؛ فإنّ الأوّل التفات من المعصوم إلى غير المعصوم ، وفيما نحن فيه بالعكس.

ولا يخفى ما في هذا الالتفات من دقائق النكات بعنوان التعريض ، عكما أن إعطاء سورة البراءة للأوّل ليحملها إلى مكة ، ثم أخذها وإعطاؤها لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيه من توهين الأوّل وتبجيل عليٍّ ما ليس فيما لو أعطى السورة عليّاً عليه‌السلام من أوّل الأمر ، فكذلك الخطاب المتوجه أولاً إلى نساء النبي بالتخويف والإنذار بقوله : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ) (٢) الآية ، ثم التوجه إلى جماعة اُخرى بوعد التطهير والعصمة تعريضاً بأنّ الجماعة الاُولى ليست قابلة لهذه المراتب.

هذا كله مع أن لفظ «أهل البيت» كالنص فيما ذكرنا ؛ إذ ليس للنساء حق في البيت ليكون مصححاً للنسبة. ودفنُ الرجلين في بيته ـ بزعم حق المرأتين ـ قد أجاب عنه الحسن بن فضال فيما حكم به أبو حنيفة ؛ على ما في الاحتجاج (٣) وغيره (٤). وقد أشار إلى بعض الجواب ابن عباس في قبالها مخاطباً لها يوم ممانعة حمل جنازة الحسن المجتبى إلى روضة جده بأمر منها ، فقال :

تجَمَّلتِ تبَغَّلتِ

وإن عشتِ تفَيَّلتِ

لكِ النُسعُ من الثُّمنِ

وبالكلِّ تمَلَّكتِ (٥)

__________________

١. سورة يوسف ، الآية ٢٩.

٢. سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

٣. الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ١٥٠.

٤. الفصول المختارة ، ص ٧٤ ؛ كنز الفوائد ، ص ١٣٥.

٥. الإيضاح للفضل بن شاذان ، ص ٢٦٢ ؛ شرح الأخبار للقاضي نعمان ، ج ٣ ، ص ١٢٥ ؛ الخرائج والجوارئح ، ج ١ ، ص ٢٤٣.

٧٠

يعني ، ركبتِ يوماً على جمل وحاربتِ وصيِّ رسول الله ، وركبتِ هذا اليوم على بغل تمنعين ذريةَ صاحب البيت عن بيت جده ، فلو عشتِ وأدركتِ وقعةَ الطفِّ لعلك تركبين على الفيل إلى حرب الحسين عليه‌السلام! وأيّ حق لك في البيت حتى منعتِ عن دخول الغير؟! فلو صحَّ إرثكِ عن التراب فجميع نساء النبي يقسمن ثُمن البيت إلى تسع سهام ، فلا يكون سهم كل واحدة ـ وهو تسع ثُمن البيت ـ إلا شبراُ أو شبرين ، ولأي سبب تملكين مجموع البتي؟!

فقد تحقق أن أهل البيت لا يطلق على النساء إلا بنحو من التجوز والتأويل ، مع أن الخطاب لو كان باقياً على حاله لكان اللازم تأنيث الضمائر بصيغة جمع المؤنث ، فتغيير الاُسلوب إلى ضمير الجمع المذكر إشارة إلى تغيير العنوان.

فتبيَّن من جميع ذلك أن جملة «وقلت» عطف على أول المطلب : «إلى أن انتهيت بالأمر .. وقلت».

قوله : «وقلت ما سألتكم من أجر فهو لكم» يعني إن أجر الرسالة الذي سأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإذن ربه ـ وهو خالقه ـ هو المودة في القربى كما في العبارة السابقة ، أو الابتداء بهم إلى الله كما في العبارة الآتية ، حيث قال : (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا) (١) أي لا أسأل أجراً إلا اتخاذ من شاء منكم سبيلاً إلى ربه ، بأن يتخذوا الأئمة سبيلاً إلى الله.

فهذه الاُمور ـ أعني المودة أو الاهتداء وأمثالها ـ من المنافع الراجعة إلى المحب والمهتدي ، وهذا معنى (فَهُوَ لَكُمْ) (٢) ؛ فإن محمداً وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ لاستكمالهم من جميع الجهات ، لا نقص فيهم ليتكمَّل بحب أحد أو بتبعية آخر ، حتى أن المشهور بين العلماء عدم عود فائدة من الصلوات بالنسبة إليهم ، كما هو ظاهر بعض فقرات الزيارة الجامعة ، حيث قال : وجعل صلواتنا عليكم ، وما خصنا به من زيارتكم زيادة لنا ، وكفارة لذنوبنا ، وطيباً لأنفسنا ... الزيارة.

نعم ، يظهر من الشهيد الثاني والسيد الجزائري ـ قدهما سرهما ـ جواز رجوع الفائدة إليهم ؛ به سبب أن المادة قابلة والفيض غير متناه. وعبارة الزيارة ليست آبية عن هذا المعنى

__________________

١. سورة الفرقان ، الآية ٥٧.

٢. سورة سبأ ، الآية ٤٧.

٧١

كما هو واضح ؛ فإن النظر فيها إلى الغرض الأصلي والفائدة المنظورة ، فالغرض من الصلاة عليهم تكفير الذنوب [عنّا] ، ولا منافاة لتكمل مراتبهم مع تكفيرر ذنوب المصلين ؛ فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

الترجمة :

تا منتهى نمودى امر نبوت را به سوى برگزيده وشايسته‌ات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، پس گرديده بودى ، وبهترين كسانى كه گرامى داشته بودى ، وبرگزيده آنهايى كه عمادشان قرار دادى بر پيغمبران خود ، وبرانگيختى او را به سوى جن وانس از بندگان خود ، وبه زير پايش گردانيدى مشرق‌ها ومغرب‌هاى خود را ، ومسخر كردى برايش براق را ، وبه معراج بردى او را ـ به سوى آسمانت ، وبه او امانت سپردى علم گشته وآينده را تا روز قيامت.

بعد ان آن در مدينه نصرت دادى او را با رعب كه در قلب دشمنانش انداختى ، واحاطه دادى او را با جبرئيل وميكائيل وساير ملائكه كه علامتدار بودند ، واو را وعده دادى كه دينش را بر تمام اديان غالب سازى اگر چه مشركين نخواهند.

واينها بعد ان آن بود كه او را مكان دادى در قرارگاه صادقين از اهلش (گويا مراد اين باشد كه نزد اهل وقومش او را صادق وامين مى‌گفتند) ، وقرار دادى برايش وبراى آنها (يعنى اهلش) اول خانه كه گذاشته شده براى مردم ، آن خانه را كه در محل بيت واقع شده (كه كعبه باشد) با بركت وهدايت براى عالميان. در اوست آيات بينات كه مقام ابراهيم باشد ، وهر كس به آن جا داخل شود خاطر جمع مى‌شود ، وگفتى : بجز اين نيست مى‌خواهد خدا تا ببرد از شما اهل بيت بدى را وپاك گرداند شما را پاك گردانيدنى.

پس قرار دادى مزد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله را ، دوستى اهل بيتش را در كتاب خود ، پس فرمودى : بگو به ايشان : «نمى‌خواهم بر رسالت خودم مزدى مگر دوستى در خانواده‌ام». وگفتى : آنچه خواستم از شما از اجر ، پس او راجع به خود شماست. وگفتى : نمى‌خواهم از شما بر بيان احكام ، مزدى مگر هر كه خواهد به سوى پروردگار راه بگيرد. پس گرديدند آنها سبيل به سوى تو ومسلك به سوى رضاى تو.

٧٢

الفصل الثالث [من الدعاء]

الدعاء :

بسم الله الرحمن الرحيم

فَلَمَّا انْقَضَتْ اَيّامُهُ اَقامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ اَبي طالِب صَلَواتُكَ عَلَيْهِما وَآلِهِما هادِياً ، اِذْ كانَ هُوَ الْمُنْذِرَ ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ، فَقالَ وَالْمَلأُ اَمامَهُ : مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذَا مَوْلاهُ ، اَللّـهُمَّ والِ مَنْ والاهُ ، وَعادِ مَنْ عاداهُ ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.

وَقالَ : مَنْ كُنْتُ اَنَا نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ اَميرُهُ.

وَقالَ : اَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ شَجَرَة واحِدَة ، وَسائِرُالنَّاسِ مِنْ شَجَر شَتّى.

وَاَحَلَّهُ مَحَلَّ هارُونَ مِنْ مُوسى ، فَقال لَهُ : اَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى الّا اَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدي.

وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ ، وَاَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ ما حَلَّ لَهُ ، وَسَدَّ الْاَبْوابَ اِلاّ بابَهُ.

ثُمَّ اَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَحِكْمَتَهُ ، فَقالَ : اَنـَا مَدينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِىٌّ بابُها ، فَمَنْ اَرادَ الْمَدينَةَ وَالْحِكْمَةَ فَلْيَاْتِها مِنْ بابِها.

ثُمَّ قالَ : اَنْتَ اَخي وَوَصِيّي وَوارِثي ، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمي ، وَدَمُكَ مِنْ دَمي ، وَسِلْمُكَ سِلْمي ، وَحَرْبُكَ حَرْبي ، وَالإيمانُ مُخالِطٌ لَحْمَكَ وَدَمَكَ ، كَما خالَطَ لَحْمي وَدَمي ، وَاَنْتَ غَداً عَلَى الْحَوْضِ خَليفَتي ، وَاَنْتَ تَقْضي دَيْني وَتُنْجِزُ عِداتي ، وَشيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُور ، مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلي فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ جيراني ، وَلَوْلا اَنْتَ يا عَلِيُّ ، لَمْ يُعْرَفِ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدي.

اللغة :

الملأ ـ بالهمز كالنبأ : الجماعة من الناس الذين يملأون العين والقلب هيبة. وقيل : هم أشراف الناس ؛ لأنهم مِلء بالرأي والغناء ، ولذا استشارت بهم بلقيس ملكة سبأ : (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) (١) الآية.

قوله : «شتّى» جمع شتيت «كمرضى» جمع «مريض» : أي المتفرقة.

قوله : «تنجز» من الإنجاز : أي الوفاء والقضاء لما وعد به.

__________________

١. سورة النمل ، الآية ٢٩.

٧٣

قوله : «وعداتي» جمع عدة ، أصله «الوعد» ، فعُوِّض التاء عن الواو ، «كالهِبَة» و «السِّمَة» من «وَهَب» و «وَسَم».

الإعراب :

جملة «والملأ أمامه» «الملأ» مبتدأ و «أمامه» ظرف مستقر متعلق بعامل مقدَّر خبره ، وهي حالية ، أي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الكلام ، والحال أن الجماعة الكثيرة من الأشراف كانوا أمامه مما يقرب سبعين ألفاً.

قوله : «شتى» نعت للشجر باعتبار الجنسية المساوقة للجمعية ، فالشجر جنس ، والشجرة واحدة.

قوله : «إلا أنه لا نبيَّ بعدي» الاستثناء مفرَّغ ، والتقدير : «عليٌّ بمنزلة هارون من موسى في جميع الحيثيات أو في أشهرها ، إلا في النبوة ؛ لعدم النبوة بعدي». فهو من قبيل إقامة السبب مقام المسبَّب ، والمستثنى منه محذوف. فعلى الأول يدل على عموم المنزلة ، وعلى الثاني في الأوصاف الشائعة ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

قوله : «مبيضّةً وجوهُهم» بنصب مبيضة على أنه حال من فاعل الظرف وهو «على منابر» ، أو من ضمير متعلَّقُه المحذوف الراجع إلى الشيعة.

قوله : «حولي» إما حال أيضاً باعتبار معنى الإحاطة أو خبر بعد خبر لشيعتك.

المعنى :

قوله : «فقال والملأ أمامه من كنت مولاه» الخ.

إشارة إلى ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير بمحضر سبعين ألفاً من الوجوه والأشراف من أهل المدينة والأطراف ، بعد تمهيد مقدمة وتقديم عبارة كالقرينة بيان المراد ، فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى. فمن كنت مولاه ، فهذا عليٌّ مولاه (١).

ومن الواضح أن أولوية النفس بالمؤمنين إشارة إلى ما في الآية الشريفة : (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (٢) ، وهذه الأولوية هي الأولوية التي لذاته الأقدس من حيث العلية

__________________

١. لاحظ خبر الغدير في : رسائل الشريف المرتضى ، ج ٤ ، ص ١٣٠ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٤ ، ح ٢٢ ؛ الخصال ، ص ٢١٩ ، ح ٤٤ ؛ مناقب آل أبي طالب عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ٣٤ ؛ الغدير ، المجلد الأول عن عدة مصادر خاصة السنية منها.

٢. سورة الأحزاب ، الآية ٦.

٧٤

والخالقية قد أعطاها لنبيِّه ، أي نزّله بمنزلته في تلك الأولوية ، وهو أيضاً نزّ علياً عليه‌السلام بمنزلته ؛ حيث فرّع على قوله وقال : «فمن كنت مولاه» ليُفهم المستمعين أن «المولى» مأخوذ من الأولوية السابقة لا بمعنى المحب أو الناصر ؛ إذ لا أهمية في ذلك المعنى ، بحيث يعاتَب النبيّ على عدم تبليغه بقوله : (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (١) ، ولا لخوف النبي إبلاغه حتى وعده الله تعالى بالعصمة : (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ) (٢) ، ولا لإمساك الناس في صحراء لا فيها ظل ولا مسكن ، إلى غير ذلك من القرائن والشواهد على إرادة المعنى المهم ، وهو أولوية التصرف والرئاسة المطلقة التامة.

قوله : «وأحلَّه محلَّ هارون من موسى» إلى قوله «وسدّ الأبواب إلا بابه».

العبارة الاُولى إشارة إلى ما قاله كراراً : يا علي ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيَّ بعدي ، (٣) قاله في موقع الحركة إلى غزوة تبوك ، حيث استخلف عليّاً في المدينة ، فعابه المنافقون وقالوا : «لم يستصحبه لتشأَمه!». فشكى عليٌّ إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيَّ بعدي؟

وقد استدل جمع من علماء الإمامية بهذا الحديث المرويِّ بطرق الفريقين على الإمامة والخلافة ؛ لأن ظهور التنزيل في جميع الآثار والأوصاف ، [لا] سيما بقرينة الاستثناء ؛ فإنه دليل العموم. ولو سُلِّم فيدلّ على الآثار الشائعة ، والخلافة من الآثار الشائعة ، حتى قال له موسى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٤). هذا كله واضح.

وفي التعبير بعبارة «إلا أنه لا نبي بعدي» نوع حزازة بالنسبة إلى سابقها ، حيث قال : «وأحلَّه محل هارون» بصيغة الغيبة ، فهو من قبيل الحكاية بعين العبارة في الاستثناء.

وكيف كان ، فما كان لهارون من المراتب والمقامات بالنسبة إلى موسى فهي لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكما أنه كان شريكه في كون بيته مسجداً والبيتوتة فيه ، فكذا كان عليُّ شريك رسول الله في ذلك ، وكذا في سدّ الأبواب كلها إلا باب علي ، فشرك مع النبي في ذلك.

__________________

١. سورة المائدة ، الآية ٦٧.

٢. المصدر السابق.

٣. الهداية ، ص ١٤٣ و ١٥٧ ؛ المحاسن ، ج ١ ، ص ١٥٩ ، ح ٩٧ ؛ الكافي ، ج ٨ ، ص ١٠٧ ، ح ٨٠ ؛ الغدير ، ج ١ ، ص ٥١ و ١٩٨ ؛ السنن الكبىر ، ج ٥ ، ص ٤٤ ، ح ٨١٣٨ ـ ٨١٤٣ بعبارات وطرق شتى ؛ خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي ، ص ٥٠ و ٧٦ ؛ مسند أبي يعلى ، ج ١ ، ص ٢٨٦ ، ح ٣٤٤.

٤. سورة الأعراف ، الآية ١٤٢.

٧٥

ونحن نقتصر في هذا الباب بذكر خبر رواه في البحار (١) عن الأمالي (٢) والعيون (٣) فيما بيّن الرضا عليه‌السلام من فضائل العترة الطاهرة ، قال : فأما الرابعة فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة ، حتى تكلم الناس في ذلك ، وتكلم العباس فقال : يا رسول الله ، تركت علياً وأخرجتنا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا تركته وأخرجتكم ، ولكن الله تركه وأخرجكم. وفي هذا تبيان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى». قالت العلماء : وأين هذا من القرآن؟ قال أبو الحسن عليه‌السلام : اُوجدكم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم. قالوا : هات. قال : قول الله عزّ وجلّ : (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) (٤) ، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، وفيها أيضاً منزلة علي من رسول الله ، ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : «ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد وآله ... الخبر» (٥).

أقول : ولعل متوهِّماً يتوهم أن رعاية الأحكام وحفظ الحدود الشرعية والنواميس الإلهية من الحلال والحرام لا يتفاوت فيه الرعية والإمام ، فإذا كان دخول الجنب ومكثه في المساجد بل مروره أيضاً في المسجدين ـ مسجد مكة والمدينة ـ حراماً ، فمراعاة هذا الحكم اُولى وأنسب للإمام عليه‌السلام ؛ فإن الرئيس إذا واظب في مراعاة الأحكام فالمرؤوس أيضاً يراعيها ؛ إذ الناس على دين ملوكهم ، [لا] سيما إذا كان له سمة المبلغية أو الاحتساب الشرعي ؛ فإنّ مَن يأمر بشيء أو ينهى عن شيء لم يؤثر قوله ما لم يعمل هو به ، كما قال [الله] تعالى في الآية الشريفة : (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (٦). وقال الخواجة في حافظه شعراً :

مشكلى دارم ز دانشمند مجلس باز پرس

توبه فرمايان چرا خود توبه كمتر مى‌كنند

فنقول في الجواب بحول الله وقوته : إن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم ـ وإن كانوا في عوالم نورانيتهم بحيث قالوا : نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد ، ٧ كما ورد في

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٢٥ ، ص ٢٢٤ ، ح ٢٠.

٢. الأمالي للصدوق ، ص ٦١٨ ، ح ٨٤٣.

٣. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ٢١٠ ، باب ٢٣ ، ح ١.

٤. سورة يونس ، الآية ٨٧.

٥. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ٢١٠ ، الأمالي للصدوق ، ص ٦١٩ ؛ تحف العقول ، ص ٤٣٠.

٦. سورة الصّف ، الآية ٣.

٧. علل الشرائع ، ج ١ ، ص ١٧٧ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ٧١ ، ح ٢٩٧ ؛ وسائل الشيعة ، ج ١٠ ، ص ٣١٢ ، ح ١٨ عن العلل.

٧٦

الأخبار أنّ إنعقاد نطفتهم وتولدهم ونشؤهم وحياتهم ومماتهم لا تشبه بشيء من أحوالنا ، وإليه الإشارة في بعض فقرات الزيارة الجامعة : ونفوسكم في النفوس ، وآثاركم في الآثار ، وأجسادكم في الأجساد ، وأسماؤكم في الأسماء ، وقبوركم في القبور ، فما أحلى أسماءكم ، وأكرم أنفسكم ... الخ ، يعني ؛ إنهم مع كونهم بين الناس ، أجسادهم بين أجساد الناس ، وأسماؤهم بين أسماء الناس ، وقبورهم بين قبور الناس ، فلا تشبه أحوالهم بأحوالهم ـ ولكن مع ذلك فالأحكام الإلهية من الواجبات والمحرمات والآداب والسنن لا فرق فيها بين الرعايا وبينهم.

إلا أنّه نقول : كما أن لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله خصائص قد عدَّها العلماء ـ أيدهم الله تعالى ـ في باب الواجبات والمحرمات وغيرها ، فأكثرها مخصوصة بنفسه ، مثل حلّية أزيد من أربع نساء بالنكاح الدائم ، وبعضها يشترك معه علي عليه‌السلام وبنوه ، مثل ما نحن فيه من الجنابة في المسجد والبيتوتة فيه وفتح باب بيته فيه ، كما كان محلَّلاً في حق موسى وهارون وذريتهما.

ولا يخفى أن الحكمة في ذلك بيان اختصاص المسجد بهم ، كما يُستفاد من التنظير بموسى وهارون اللذين جُعل بيوتهما لقومهما ، وكان المسجد الذي هو بيت الله بيت نبيه ؛ إذ الخالق ليس جسماً يسكنه ؛ فإن الانتساب إلى النبيّ والوصي انتساب إلى الله تعالى ، وحيث إنّ إقامة شعائر الله وإحياء دين الله وإصلاح اُمور عباد الله به سبب الرئيس ومولى الكل ، فمَقَرُّ الخلافة ومركز الحكومة هو المسجد ، وهو بيت الرئيس ، فلذلك قد أباح الله تعالى له ولذريَّته النوم والبيتوتة والاحتلام ومناكحة النساء لهم فيه ، كما أباح ذلك لسائر الناس في بيوتهم.

هذا كله مع أنهم يراعون كمال التأدب في أمثال تلك الموارد ، وإنما الغرض بيان امتيازهم وحفظ مراتبهم وشؤوناتهم.

قوله عليه‌السلام : «ثم قال له أنت أخي ووصيّي ووارثي» إلى آخره.

المعنى واضح ، والخبر المروي في البحار (١) عن كتاب إعلام الورى (٢) للطبرسي عن جابر مشتمل على أكثر مضامينه ، قال : لما قدم عليٍّ عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر ، قال له رسول الله : لو لا أن تقول فيك طوائف من اُمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك

__________________

١. بحار الأنوار ، ج ٣٩ ، ص ١٨.

٢. إعلام الورى ، ج ١ ، ص ٣٦٦.

٧٧

اليوم قولاً لا تمرُّ بملأ إلا أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك يستشفعون به ، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وإنك منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي ، وإنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنَّتي ، وإنك في الآخرة أقرب الناس منّي ، وإنك غداً على الحوض خليفتي ، وإنك أوّل من يرد عَليَّ الحوض غداً ، وإنك أوّل من يُكسى معي ، وإنك أوّل من يدخل الجنة من اُمّتي ، وإنّ شيعتك على منابر من نور مبيضَّةً وجوهُهم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنة جيراني ، وإنّ حربك حربي ، وإنّ سلمك سلمي ، وإنّ سرّك سرّي ، وإنّ علانيتك علانيتي ، وإنّ سريرة صدرك كسريرة صدري ، وإنّ ولدك ولدي ، وإنك تنجز عدتي ، وإنّ الحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وإنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وإنه لا يرد عَليَّ الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محبٌّ لك غداً حتى يردوا الحوض معك. فخرّ علي عليه‌السلام ساجداً ثم قال : الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلَّمني القرآن ، وجبّني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين ؛ إحساناً منه إليّ وفضلاً منه عليّ. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك : لولا أنت يا علي ، لم يُعرف المؤمنون بعدي. انتهى.

ومن الواضح المعلوم أنّ أكثر عبارات هذه الرواية المتقاربة بفقرات الدعاء تدور على رأس مطلب واحد هو العمدة ، وهو مسألة التنزيل ، بمعنى أنّ علياً عليه‌السلام منزلة نفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أفصحت عنه آية المباهلة ، فيترتب تمام شؤونات النبيّ على نفس أمير المؤمنين عدا النبوة.

ولوضوح المطلب ، فنصفح النظر عنه ، ونصرف عنان البيان إلى آخر الخبر المشار إليه في آخر الليل المنقول في هذا الفصل ، حيث قال : لو لا أنت يا علي لم يُعرف المؤمنون بعدي (١) ، فنقول :

مع قطر النظر عن الأخبار المعتبرة المروية [في] قسميّته عليه‌السلام للجنة والنار (٢) ، [ورد] عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبُّك إيمان ، وبغضك كفر ونفاق (٣) ، إنّ الإيمان فرقه مع الإسلام إن كان بالعموم و

__________________

١. الأمالي للصدوق ، ص ١٥٧ ، ح ١٥٠ ؛ إعلام الورى ، ص ١٨٦ ؛ بشارة المصطفى ، ص ١٥٥ ؛ الغارات ، ج ١ ، ص ٦٣.

٢. علل الشرائع ، ج ١ ، ص ١٦١ ، باب ١٣٠ ، ح ١ و ٢ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ٩٢ ، ح ٣٠ ؛ روضة الواعظين ، ص ١٠٢.

٣. كتاب الأربعين للقمي الشيرازي ، ص ٥٤١ ؛ وانظر باب ٨٧ من بحار الأنوار ، ج ٣٩ ، ص ٢٤٥ في حبه وبغضه ـ صلوات الله عليه ـ وأن حبه إيمان ، وبغضه كفر ونفاق.

٧٨

الخصوص المطلق ـ بمعنى كون الإسلام أعم ؛ إذ هو القول بالشهادتين (التوحيد والنبوة) ، والإيمان أخص منه ؛ لأنه الإسلام مع الولاية ومعرفة الإمامة ـ فالأمر واضح ؛ حيث إنّ ؛ مقوِّم الإيمان ومميّزه عن الإسلام هو الولاية والإمامة ، وإن قلنا ـ كما هو المشهور ـ أن الإسلام من «السلم» بمعنى الانقياد والتسليم لأمر العالي ، وهو بالقول غالباً ، والإيمان هو التصديق القلبي الباطني.

والإسلام لكونه أمراً ظاهرياً تظهر ثمرته في هذا العالم الظاهري بحفظ ماله وحقن دمه وجواز التواصل والملاقاة ... إلى غير ذلك من أحكام الإسلام. وأما الإيمان : فحيث إنه من الاُمور الباطنة ، فثمرته تظهر في عالم الباطن عند من لا يخفى عليه السرائر ، وهذا ما اُشير إليه في بعض فقرات دعاء أبي حمزة الثمالي ، قال : إن قوماً آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دماءهم ، فأدركوا ما أمّلوا ، وإنا آمنا بك بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنا ، فأدركنا ما أمّلنا ... الدعاء (١).

ولما كان إسلام أكثر المسلمين ظاهرياً لا حقيقة له ، وإنما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يماشي معهم ؛ رعايةً لمصالح الإسلام ، فقد ظهر منهم بعد النبي ما أبطنوه وأضمروه في حق علي عليه‌السلام ، وكشف عن أنّ إيمانهم كان إسلاماً ، كما قال تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢).

ولعمري إنهم ـ كما [ورد] في طائفة من الأخبار : ارتدّ الناس كلهم بعد النبيّ إلا خمسة أو سبعة ـ قد انكشف سوء سريرتهم وخبث طينتهم ، وقد قال الله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ) (٣).

وهل ترى اختلافاً بعد موت النبي بلا فاصل ـ على ما هو ظاهر الارتباط الشرطي بين الشرط والجزاء ـ عدا الإختلاف في أمر الخلافة؟! وهل كان المظلوم والمدفوع عن حقه في تلك المسألة غير عليٍّ عليه‌السلام؟! فهذا هو الارتداد والانقلاب على الأعقاب المشار إليه في الآية.

فقد تبيَّن أن امتياز المؤمن عن غيره بوجود أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من حيث القول بولايته

__________________ ـ

١. مصباح المتهجد ، ص ٥٩٠ ؛ إقبال الأعمال ، ج ١ ، ص ١٦٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٩٥ ، ص ٨٨.

٢. سورة الحجرات ، الآية ١٤.

٣. سورة آل عمران ، الآية ١٤٤.

٧٩

وخلافته بلا فصل وعدمه ، فهو ميزان الإيمان كما أنه ميزان الأنساب ، على ما في الأخبار المعتبرة أنه : لا يبغضه إلا ولد الزنا. وكذلك هو ميزان الأعمال ، فكل عمل يصدر لا بولايته فهو مردود ولا يعبأ به في الآخرة.

بعثنا الله تعالى على ولايته ، وحشرنا في زمرته وتحت لواء شفاعته.

الترجمة :

پس زمانى كه منقضى گرديد روزگار پيغمبر خاتم «ص» بر پا داشت دوست خود على بن ابي طالب را ـ صلوات بر آنها وبر آل آنها باد ـ هدايت كننده ؛ زيرا كه پيغمبر ترساننده بود وبراى هر قوم ، هدايت كننده [اى] هست.

پس گفت پيغمبر وحال آن كه قوم در پيش منبرش بودند : هر كس من مولاى او باشم پس اين على است مولاى او. پروردگارا! دوست دار هر كه دوستش بدارد ودشمن بدار هر كه دشمنش بدارد ، ويارى كن هر كه او را يارى نمايد ، وخوار كن هر كه او را خوار نمايد. وگفت : هر كه بوده باشم من پيغمبر او ، پس على است امير او. وگفت : من وعلى از يك درختى مى‌باشيم وساير مخلوقات از درخت‌هاى متعدده هستند. ونازل كرد او را به منزله هارون از موسى مگر اين كه بعد از من پيغمبرى نيست ، وتزويج نمود به وى خانم زنان عالميان را ، وحلال نمود برايش از مسجد خود هر چه براى خود حلال بود ، وفرو بست تمام درهاى مردم را كه به مسجد باز شده بود الا درِ او را. پس از آن امانت گذاشت در نزد وى علم وحكمت را ، پس گفت : من شهر علم هستم وعلى در اوست ، پس هر كس اراده كند حكمت را بايد از درش بيايد. پس گفت برايش ؛ تو برادر منى ووصى منى ووارث منى ، گوشت تو از گوشت من است ، وخون تو از خون من است ، وسازش با تو سازش [با] من است ، وجنگ با تو جنگ با من است ، وايمان ، آغشته [به] خون وگوشت تو است ، چنانچه أغشته [به] گوشت وخون من است ، وتو فرداى قيامت بر سر حوض كوثر جانشين منى ، وتو ادا مى‌كنى دين مرا ووفا مى‌كنى به وعده‌هاى من ، وشيعيان تو به روى منبرها از نور مى‌باشند كه سفيد است روهاى آنها ، در اطراف من مى‌باشند در بهشت ، وآنها همسايگان من‌اند ، واگر نبودى تو يا على! شناخته نمى‌شد مؤمنان بعد از من.

٨٠