ميراث محدّث اُرمَوى

سيّد جعفر اشكورى

ميراث محدّث اُرمَوى

المؤلف:

سيّد جعفر اشكورى


المحقق: سيّد احمد اشكورى ـ سيّد صادق اشكورى ـ سيّد جعفر اشكورى
الموضوع : دليل المؤلفات
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ٠
ISBN: 964-493-212-9
الصفحات: ٣٨٤

الكمالات هو غائب عن الأنظار مستور مختف في الأقطار متوار عن الناس خوفاً من الأشرار ، فيتأسف له الداعي بتفديته نفسه ويقول : «ليت نفسي تكون بدلاً عنه وفداءً له!» في مقام الفقدان والغيبة الذي هو منزَّل منزلة الموت والهلكة.

وكما أنّ رجلاً كان في معرض القتل فيفدَّى عنه بنفس آخر ناطقة أو ناهقة أو بمال لكونه أهم وأشرف ، فكذا القائل يجعل نفسه الفداء للإمام الغائب في مقام غيبته المنزَّلة منزلة الموت ؛ وذلك لأجل شرافته وكونه رؤوفاً عطوفاً علينا كجده المصطفى رحمة للعالمين.

وكونه «معاهد عزّ لا يُسامى» أي لا عزّ فوق عزه ؛ فإنّ أسباب العزّ من العلم والشجاعة والسخاوة وأمثالها موجودة على نحو الأكملية فيه عليه‌السلام ، كما عرفت.

وكونه «تلاد نعم لا تُضاهى» أي من النعم القديمة التي لا تُضاهى بسائر النعم ، وقد اتضح معناه مما ذكر. أما كونه نعمة فواضح ، وقد فُسّرت النعمة في أكثر الآيات بحجة العصر ، وأية نعمة فوق الإمام ، فالنعمة هي المنفعة الواصلة من الغير ، وأية منفعة أعظم من الإمام ، بل المنافع تفيض علينا بواسطتهم.

ومرجع هذا كله إلى بيان ممدوحية الصفات المذكورة واستحسانها تقديراً وتقديساً ، كي يكون ذلك التقديس تشويقاً للغير وترغيباً لهم إلى الاتصاف بهذه الصفات. فإذا رأينا أن واحداً من الأجلة والمعتبرين يجعل نفسه فداءً لرجل آخر أكمل منه لأجل شجاعته وعلمه وسخاوته وغير ذلك من صفاته الراجعة فائدتها غالباً إلى الأشخاص وآحاد الملة ، فيتشوَّق كلُ سامع إلى تكميل العلم والشجاعة وغيرها من تلك الأوصاف ؛ كسباً للشرف واتخاذاً للاحترام عند الأنام ، بل هذا هو الغرض من تدوين التاريخ والسير وضبط أحوال السلف ؛ لتكون تذكرة للخلف عند رجوعهم إليها وتنبههم من مجاري حالاتهم ووقائع سلفهم ، من سوء المجازات للأشرار وحسن المكافأة للأخيار ؛ (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (١).

ولعمري إن المقصود من ذكر قصص الاُمم السالفة في القرآن المجيد ليس إلا هذا ؛ ألا نرى إلى ما يقول تعالى في الآية : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ

__________________

١. سورة الأنفال ، الآية ٤٢.

١٢١

[مِن قَبْلِهِمْ]) (١) الآية ؛ حيث إنّ الظاهر هو السير النظري إلى تاريخ أحوالهم ، وبهذه الملاحظة صارت نبوة نبينا خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله آخر النبوات وشريعته آخر الشرائع ، مضافاً إلى كون دينه أكمل الأديان ، لا يُنسخ بدين آخر كما كان يُنسخ الأديان السابقة والشرائع الماضية ؛ لتنظر اُمته إلى سائر الاُمم وابتلائهم به سبب معاصيهم ، فينزجروا من المناهي ويرتدعوا من المعاصي. وهذا لطف من الألطاف الإلهية المخصوصة باُمّة محمد المرحومة ، ومن هنا تبين كونهم من جلائل نعم الله تعالى التي لا تضاهى ولا تشبه ولا يقاس بهم أحد ممن سواهم.

قوله : «إلى متى أجأر فيك يا مولاي ، وإلى متى» الخ.

الاستفهام حقيقته طلب الفهم ، ففي هذا المقام حقيقة «متى» سؤال عن الزمان وغاية الضيق ومنتهى الخفاء والشدة. ولكن قد تُستعمل الألفاظ الموضوعة للاستفهام في المعاني الاُخر مجازاً على ما هو المشهور ؛ كما قال في التلخيص وشرحه في باب الإنشاء ، حتى أن التفتازاني قال في الشرح : وتحقيق كيفية هذا المجاز وبيان أنه من أيّ نوع من أنواعه معالم يحم أحد حوله.

وقال الشريف في حواشيه : ونحن نذكر في هذه المواضع ما يتضح به وجه المجاز فيها ، فمن جملة المعاني : الإنكار والتعجب والتهديد والتوبيخ والسخرية.

بل قد ذكر في التلخيص أولها الاستبطاء ، كما في الآية الشريفة : (حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ) (٢). قال الشريف : فإنّ الاستفهام عن زمان النصر يستلزم الجهل بزمانه ، والجهل به يستلزم استبعاده عادةً أو ادعاءً ؛ لأن الأنسب بما هو قريب أن يكون معلوماً بنفسه أو بأماراته ، واستبعاده يستلزم استبطاءه.

فإذا عرفت ذلك فقد تبين لك السرّ في الاستفهام في المقام وأنه الاستبطاء ، من حيث طول المدة وكثرة زمان الغيبة والشدة الموجبة للنداء بالصوت الجلي ، كما هو مفاد الجؤر ، وقد أشار الداعي بقوله : «عزيز عليّ أن اُجاب دونك واُناغى» إلى شدة المصيبة ؛ من حيث إنّ المناغاة ـ على ما سبق ـ هو بعض التكلمات مع الطفل بما لا يفهمه تمويهاً له أو إسكاتاً من

__________________

١. سورة محمد ، الآية ١٠ ، وفي النسخة : «كفروا» بدل «آمنوا» ، وهو خطأ.

٢. سورة البقرة ، الآية ٢١٤.

١٢٢

البكاء ، فهذا الرجل المنادي لإمامه بأعلى صوته وصياحه يجيبه غيره في مكانه بنحو من التلبيس والتتدليس إغفالاً وإسكاتاً كما يصنع مع الأطفال.

ولا مصيبة فوق هذه المصائب : أن يجلس الغاصب فوق مسند الرئيس ويجيب الغاصب. وكل هذه كناية عن مظلومية إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ بحيث صار سبباً لتراكم المصائب على الشيعة وبقائهم تحت الذل والإسارة وأنواع المحنة.

قوله : «هل يتصل يومنا منك بغده فنخطى». الاستفهام هنا أيضاً ليس على حقيقته ، بل للإستبعاد ؛ كما قاله في التلخيص ، ومثّل له بالآية الشريفة : (أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ) (١). وحيث إنّ «أنَّى» سؤال عن المحل مكاناً أو زماناً ، وكان ينبغي لهم التذكر مع إتيان الرسول الذي هو ذكر لقومه ـ على ما في الآية ـ ومذكّر ، فمع وجود المذكِّر لم يتحقق منهم التذكر ، فمع عدمه لا يكون بطريق أولى. فالسؤال عن المحل إنكار واستبعاد له ؛ إذ لابدّ لكل شيء من محل ، فنفي المحل نفي للحالّ ، وإنكار هذا إنكار ذاك.

ثم إنه لا يخفى عليك أن الاستفهام حقيقة واحدة ، والأغراض مختلفة ، فقد يكون الغرض منه التعجب كما في قوله تعالى : (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ) (٢) الآية ، وقد يكون التهكم كما في قوله تعالى : (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) (٣) الآية ، وقد يكون الاستبطاء والاستبعاد كما ذكرنا.

فهذه ليست المعاني المجازية ، بل الأغراض المستفادة المستنبطة بحسب مناسبات المحل ومقتضيات المورد. وتفصيل الكلام في تحريراتنا الاُصولية التقاطاً من شيخنا واُستادنا آية الله الطهراني قدس‌سره.

بقي الكلام في تفسير معنى اليوم والغدر ومعنى الاتصال في هذا الكلام. والظاهر أن يوم الداعي إشارة إلى حاله في حال الدعاء ، وهو حال المظلومية والشدة به سبب غيبة الرئيس وخفائه.

ومعلوم أن غد كل يوم بدله ، وتبدل الغيبة إلى الظهور ، عجل الله تعالى فرجه بظهوره. كما أن غد الدنيا هو الآخرة لتبدله إلى النشأة الاُخرى ، وهي نشأة المجازات عقيب نشأة

__________________

١. سورة الدخان ، الآية ١٣.

٢. سورة النمل : الآية ٢٠.

٣. سورة هود : الآية ٨٧.

١٢٣

التكليف ونشأة العمل. واتصال يوم الغيبة بغده ـ وهو يوم الظهور ـ بانقضاء الغيبة ؛ إذ لا يتصل زمان بزمان إلا بانقضائه.

قوله : «متى ترانا ونراك» يعني متى تظهر بحيث تُرى علانيةً كسائر الأشخاص بمنظر من الخلق ومسمع ، ولكن بهيئة الرئاسة العامة قد نشرت لواء النصر.

قوله : «تُرى» مفعول ثان أو حال عن الكاف في «نراك» ، أي : نراك مرئياً دائماً على حالة الظفر والغلبة.

الترجمة :

جانم قربان تو اى كسى كه غايب است اما از ما بى‌خبر نيست ، جانم فداى تو كه دور است از اعمال ناپسنديده ما ، جانم فداى تو كه آرزوى هر شوقمند است كه آرزويش كرده از مؤمن ومؤمنه ، كه يادش كرده ناله مى‌نمايند ، جانم قربان تو كه هم عهد وتوأمِ عزتى است كه بالا ندارد ، جانم فداى تو كه صاحب بزرگى است كه پاداش ندارد ، جانم فداى تو كه نعمت قديمى است [كه] شبيه ندارد ، جانم فداى تو كه پارچه شرافتى است [كه] برابر ندارد.

تا چه زمان داد زنم در خصوص تو اى آقاى من؟ تا چه زمان وكدام خطاب بلند را در حق تو بيان كنم يا عرابت مخفى را؟

دشوار است به من كه جواب داده شوم از غير تو كه جايت را گرفته ومثل بچه سوم را پيچانند ، دشوار است به من كه به تو گريه كنم ومخلوق ، تو را خوار كنند ، دشوار است به من كه جارى شود بر تو عوض آنها آنگه جارى مى‌شود از زحمت استتار ومحنت اظطرار.

آيا يارى كننده‌اى هست كه در گريه با هم شده تا امتداد دهم به همراهى وى ناله وگريه را؟ آيا جزع كننده‌اى هست تا كمك كنم به جزعش وقتى كه خالى شد؟

بنال بلبل اگر با منت سر يارى است

كه هر دو عاشق زاريم كار ما زارى است

آيا به چشم كسى خار افتاده در اين قضيه غيبت تا چشم من هم همراهش شود؟ آيا به سوى تو ـ اى پسر احد ـ راهى هست كه به تو رسيده شود؟ آيا متصل مى‌شود روز محنت ما به فردايش كه روز ظهور وسلطنت تو است تا با هم راه رويم؟

كدام وقت وارد خواهيم شد به چشمه‌هاى تو كه سيراب كننده است تا سيراب شويم؟

١٢٤

وكى انتفاع خواهيم برد از آب شيرينت؟ به تحقيق كه طول كشيد تشنگى.

كى در خدمت تو صبح وشام به زيارت جمالت مشرف خواهيم شد تا چشم‌ها روشن شود؟ كى خواهى ديد ما را وخواهيم ديد تو را كه على الوسم ديده شوى وحال آن كه پرچم علم فتح وظفر را نشر كردى در بالاى سر مباركت؟

آيا مى‌بينى ما را كه دور تو را گرفته‌ايم وتو مقتداى مردم شده‌اى در حالتى كه زمين را پر كرده‌اى از عدل وچشانده‌اى دشمنانت را خوارى وعذاب ، وهلاك كرده‌اى متمردين ومنكرين حق را ، وبريده‌اى نسل متكبرين را ، وكَننده‌اى ريشه‌هاى ظالمين را ، وحال آن كه ما مى‌گوييم : حمد براى خداست كه تربيت دهنده عالميان است.

الفصل الثامن [من الدعاء]

الدعاء :

بسم الله الرحمن الرحيم

اَللّـهُمَّ اَنْتَ كَشّافُ ْالكُرَبِ وَالْبَلْوى ، وَاِلَيْكَ اَسْتَعْدى فَعِنْدَكَ الْعَدْوى ، وَاَنْتَ رَبُّ الاْخِرَةِ الاُولى.

فَاَغِثْ ـ يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ ـ عُبَيْدَكَ الْمُبْتَلى ، وَاَرِهِ سَيِّدَهُ يا شَديدَ الْقُوى ، وَاَزِلْ عَنْهُ بِهِ الْاَسى وَالْجَوى ، وَبَرِّدْ غَليلَهُ يا مَنْ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وَمَنْ اِلَيْهِ الرُّجْعى وَالْمُنْتَهى.

اَللّـهُمَّ وَنَحْنُ عَبيدُكَ التّائِقُونَ اِلى وَلِيِّكَ ، الْمُذَكِّرِ بِكَ وَبِنَبِيِّكَ ، خَلَقْتَهُ لَنا عِصْمَةً وَمَلاذاً ، وَاَقَمْتَهُ لَنا قِواماً وَمَعاذاً ، وَجَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنينَ اِماماً ، فَبَلِّغْهُ مِنّا تَحِيَّةً وَسَلاماً ، وَزِدْنا بِذلِكَ يا رَبِّ اِكْراماً ، وَاجْعَلْ مُسْتَقَرَّهُ لَنا مُسْتَقَرّاً وَمُقاماً ، وَاَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِتَقْديمِكَ اِيّاهُ اَمامَنا ، حَتّى تُورِدَنا جَنَّاتِكَ ، وَمُرافَقَةَ الشُّهَداءِ مِنْ خُلَصائِكَ.

اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّ أمْرِكَ ، وَصَلِّ عَلَى جَدِّهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْأكْبَرِ ، وَصَلِّ عَلَى أبِيْهِ السَّيِّدِ القَسْوَرِ ، وَحَامِلِ اللِّوَاءِ بِالْمَحْشَرِ ، (١) وَسَاقِي أوْلِيَائهِ مِنْ نَهْرِ الكَوْثَرِ ، وَالأمِيْرِ عَلَى سَائرِ البَشَرِ ، الَّذِي مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ ظَفَرَ ، وَمَنْ لَمْ يُؤؤمِنْ بِهِ فَقَدْ خَطَرَ وَكَفَرَ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أخِيْهِ ، وَعَلَى نَجْلِهِمَا المَيَامِيْنَ الغُرَرِ ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَمَا أضَاءَ قَمَرٌ ، وَعَلَى جَدَّتِهِ الصِّدِّيْقَةِ الْكُبْرَى فاطِمَةَ

__________________

١. لم يوجد في الدعاء المشهور من «وحامل اللواء بالمحشر» إلى «وما أضاء القمر».

١٢٥

الزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ المُصْطَفَى ، وَعَلى مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبائِهِ الْبَرَرَةِ ، وَعَلَيْهِ اَفْضَلَ وَاَكْمَلَ وَاَتَمَّ وَاَدْوَمَ وَاَكْثَرَ وَاَوْفَرَ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَدٍ مِنْ اَصْفِيائِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً لا غايَةَ لِعَدَدِها ، وَلا نِهايَةَ لِمَدَدِها ، وَلا نَفادَ لِأمَدِها.

اَللّـهُمَّ وَاَقِمْ بِهِ الْحَقَّ ، وَاَدْحِضْ بِهِ الْباطِلَ ، وَاَدِلْ بِهِ اَوْلِياءَكَ ، وَاَذْلِلْ بِهِ اَعْداءَكَ.

وَوَصِلِ اللّهُمَّ بَيْنَنا وَبَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدّي اِلى مُرافَقَةِ سَلَفِهِ ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يَأخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ ، وَيَمَكَّنُ في ظِلِّهِمْ ، وَاَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ اِلَيْهِ ، وَالاْجْتِهادِ في طاعَتِهِ ، وَالاِجْتِنابِ مَعْصِيَتِهِ.

وَامْنُنْ عَلَيْنا بِرِضاهُ ، وَهَبْ لَنا رَأَفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدُعاءَهُ وَخَيْرَهُ ، مَا نَنالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَفَوْزاً عِنْدَكَ ، وَاجْعَلْ صَلَواتَنَا بِهِ مَقبُولَةً ، وَذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً ، وَدُعاءَنا بِهِ مُسْتَجاباً ، وَاجْعَلْ اَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً ، وَهُمُومَنا بِهِ مَكْفِيَّةً ، وَحَوآئِجَنا بِهِ مَقْضِيَّةً ، وَاَقْبِلْ تَقَرُّبَنا اِلَيْكَ ، وَانْظُرْ اِلَيْنا نَظْرَةً رَحيمَةً ، نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرامَةَ عِنْدَكَ ، ثُمَّ لا تَصْرِفْها عَنّا بِجُودِكَ ، وَاسْقِنا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بِكَأسِهِ وَبِيَدِهِ ، رَيّاً رَوِيّاً هَنيئاً سائِغاً لا ظَمَاَ بَعْدَهُ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.

اللغة :

استعديتُ الأميرَ فأعداني ، أي : طلبتُ منه النصرة فأعانني ونصرني. فالاسم العَدْوى بالفتح.

الأسى ـ كالعصى ـ بعمنى : الحزن كما في الآية : (فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (١).

الجَوى ـ كالهوى ـ : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو خوف.

الغليل ـ كالعليل ـ : حرارة العطش.

الرُّجعى ـ بضم الراء ـ كالبُشرى : مصدر بمعنى الرجوع.

التائقون جمع تائق بالتاء : كالشائق بالشين لفظاً ومعنى.

المستقَرّ ـ على صيفة المفعول ـ بمعنى : المحل والمنزل. والمقصود من الدعاء سؤال الاجتماع معه في المنزل بواسطة ظهوره عجل الله تعالى فرجه.

القَسوَر كجعفر بمعنى : الأسد ، والتاء في القسورة للوحدة.

النفاد : كالتمام لفظاً ومعنىً.

الأمد بمعنى : الوقت والمدة.

__________________

١. سورة المائدة ، الآية ٢٦.

١٢٦

الإدحاض بمعنى : الإزالة والإبطال.

قوله : «وأدِلْ به أولياءك» يحتمل كون أدل أمراً من باب الإفعال من الدلالة بمعنى الهداية.

وقوله : «وأذِلَّ به أعداءك» من باب الإفعال أيضاً ، من الذلة بمعنى الضلالة. أو أن الأصل بالضاد لا بالذال. وكونه عليه‌السلام سبب الهداية واضح ، وأما الضلالة فلأن من لم يؤمن به يكون ضالاً. ويحتمل قريباً أن يكون «أدل» من الدلال بمعنى : الغنج الملزوم للإكرام ؛ إذ الحبيب يتغنَّج مع محبه ، وذلك يستلزم الإكرام ، فيكون مقابله الإذلال للأعداء ، فالإمام عليه‌السلام هو سبب الإدلال ؛ إذ بسببه وبه سبب التصديق به يكون العبد مكرَّماً عند الله تعالى ، كما أن بغضه وإنكاره سبب الإذلال والوهن.

ولا يخفى أن الإدلال يختلف حكمه باختلاف محله وحيثيته ، فربما يكون مذموماً كما في بعض الأخبار على ما في المجمع (١) من أن المدلّ لا يصعد من عمله بشيء ، ومن أن العابد المدلّ بعبادته كذلك ؛ فإن الإدلال بالعبادة والاغترار بها ربما يكون محبِطاً ، بل في بعض الأخبار : سيئة تندم عليها خير من عبادة تعجب بها (٢). فالاعتداد بأمثال عباداتنا الناقصة من حيث اجتماع شرائط الصحة والكمال الغير الخالية عن موانع القبول الغير القابلة لحضرة ذي الجلال عين سفه وإضلال. كيف وهذا أمير المؤمنين عليه‌السلام يكتب في حاشية كفن سلمان الذي ورد فيه «منا أهل البيت» وفيه ورد أنه «اُعطي علوم الأولين والآخرين» (٣) إلى غير ذلك من فضائله ، قد كتب عليه‌السلام في كفنه ما يُشعر بعدم الاعتداد على شيء من عمله :

وفدتُ على الكريم بغير زادٍ

من الحسنات والقلب السليمِ

فحملُ الزاد أقبحُ كلِّ شيء

إذا كان الوفودُ على الكريمِ

وأما الإدلال الغير المذموم فهو الذي يصدر عن المؤمن ، بل قد ورد في بعض الأدعية كما في دعاء الافتتاح قال : مُدِلّاً عليك فيما قصدتُ فيه إليك ؛ إذ من الواضح المعلوم أن هذا

__________________

١. مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٥١ مادة «دلل» ؛ وانظر : الكافي ، ج ٢ ، ص ٣١٣ ، ح ٥.

٢. في المنقول عن علي عليه‌السلام : سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك. كما في نهج البلاغة ، ج ٣ ، ص ١٦٣ ، حكمة ٤٦ ؛ وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ١٠٥ ، ح ٢٥٥.

٣. أنظر بعض فضائل سلمان في الغدير ، ج ١٠ ، ص ١٨ ، والمعروف أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : سلمان رجل منّا أهل البيت ، أدرك علم الأولين والآخرين. لاحظ تاريخ ابن عساكر ، ج ٦ ، ص ١٩٨ ـ ٢٠٣ ؛ تهذيب الكمال ، ج ١١ ، ص ٢٥١.

١٢٧

الإدلال ليس في مقام العبادة ليكون عُجباً ورياءً حيث يكون يرى الاستحقاق به سبب عمله ، بل في مقام اليقين بسعة رحمته وعموم فضله وكرمه ، كما يُشعر بذلك مضمون الأبيات المنقولة من حيث التعبير بالوفود على الكريم. والإستدلال في البيت الثاني.

ألا ترى أن العبارات السابقة على هذه الفقرة من الدعاء ـ حيث قال : اللهم إن عفوك عن ذنبي وتجاوزك عن خطيئتي وصفحك عن ظلمي أطمعني في أن أسألك ما لا أستوجبه منك ... الخ ـ كلها تدل على ما ذكرنا.

قوله : «يأخذ بحُجْزتهم» الحُجْزة ـ بضم الحاء المهملة ثم الزاي المعجمة ـ : معقد الإزار ، ثم استعير للإزار ، ثم استعير الأخذ بالحجزة للاعتصام والتمسك ، كما في حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام : خذوا بحجزة هذا الأنزع ؛ فإنه الصديق الأكبر والفارق ، يُفرَّق بين الحق والباطل (١).

قوله : «ريّاً رويّاً» الري ـ بكسر الراء وتشديد الباء ـ من روى من الماء يوري رياً : أي سقياً ، و «الرَّوِيّ» فعيل منه ، وتوصيف من باب المبالغة كـ «شعر شاعر».

الإعراب :

قوله : «إليك أستعدي» ، تقديم الظرف ـ وإن كان مما يُساغ للتوسع ، ولكن الغرض هنا إفادة الحصر ، كما في العبارة الآتية. «فعندك العَدْوى» أيضاً كذلك.

«عُبيدك» تصغير العبد ، مفعول «أغث».

قوله : «ونحن عَبيدك التائقون» العبد ـ بفتح العين ـ جمعه عَبيد بدليل وصفه بالجمع ، كما هو حكم المطابقة بين الوصف والموصوف.

قوله : «المذكِّر بك وبنبيك» في نسخة زاد المعاد بإعادة الباء في المعطوف ، وفي نسخة هدية الزائرين بغير إعادة الجار. قال ابن الحاجب : وإذا عُطف على المضمر المجرور اُعيد الخافض ، مثل «مررت بك وبزيد» و «المال بينك وبين عمرو» ، وهذا مذهب البصريين في حال الاختيار ؛ لشدة اتصال المجرور بالجار ، فيكون العطف على المجرور بدون الجار كالعطف على بعض الكلمة ، كما لا يجوز العطف على الضمير المتصل المرفوع إلا بعد

__________________

١. بصائر الدرجات ، ص ٧٣ ، ح ٢ ؛ الإمامة والتبصرة ، ص ١١١ ، ح ٩٩ ؛ كامل الزيارات ، ص ١١٦ ، ح ١٢٥.

١٢٨

التأكيد بالمنفصل أو الفصل بشيء آخر ، ولكن لا بأس مع الاضطرار في العطف مع عدم إعادة الخافض كما في الشعر :

* فاذهب فما بك والأيام من عجب *

وأما الكوفيون فيجوّزونه مطلقاً شعراً كان أو غيره ، وفي قراءة حمزة في الآية الشريفة : (تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) (١) بالجر تأييد لما قالوا ، ولعل ذلك أيضاً لكون حمزة من الكوفيين.

وكيف كان فنسخة زاد المعاد على مذهب البصريين ، والنسخة الاُخرى على مذهب الكوفيين ، مع مراعاة جهة اُخرى ، وهي شدة الاتصال بين الله تعالى وبين نبيه بحيث لا مجال للفصل بالجار. حتى أنه بهذه الملاحظة قد عللوا إفراد الضمير في الآية : (وَاللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (٢) إذ رِضى الله رضى رسوله ؛ (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٣).

قوله : «ما طلعت شمس وما أضاء قمر» ما مصدرية توقيتية ، والمعنى استيعاب المدة.

قوله : «وعلى جدته» عطف على قوله : «على حجتك» ، والوجه واضح.

قوله : «أفضل» بالنصب على أنه مفعول مطلق باعتبار موصوفة المحذوف ، أي صلاة أفضل.

قوله : «اللهم وأقم به الحقَّ» اِعلم أنه ربما يُزاد بعد كلمة «اللهم» حرف الواو مع أنه ليس محل العطف على ظاهره ؛ فإنه منادى حُذف حرف ندائه لزوماً ، وعُوِّض عنه بزيادة الميم المشدَّدة كما قاله الرضي «قده» ، والميمان في «اللهم» عوض من ياء آخر تبركاً باسمه تعالى بالابتداء. انتهى.

وفي هذا الحذف والتعويض فائدة اُخرى ، وهي التخلص من كراهة اجتماع حرف النداء مع حرف التعريف ، وإن كان لزوم الأداة قد سلب عنها الخاصية. وعلى أي تقدير فذِكر واو العطف بعد النداء لا وجه له ، وكذا لا وجه لكون الواو حالية ؛ إذ لم يتم كلامٌ حتى يُعطف عليه جملة أو يُفيَّد بقيد ، إلا أن يقال : يحذف شيء يناسب المقام ؛ فإن هذه الكلمة ربما تستعمل في مقام الاسترحام ، فالمعنى : اللهم ارحم وأقم به الحق.

__________________

١. سورة النساء ، الآية ١.

٢. سورة التوبة ، الآية ٦٢.

٣. سورة الأنبياء : الآية ٢٧.

١٢٩

وفي العبارة السابقة : «اللهم ونحن عبيدك التائقون» أي : اللهم ارحم والحال أنّا عبيدك ومنسوبون إليك ، فالتقييد للتهييج والتشويق بتذكار المناسبة.

ولا يبعد القول بما اختاره الفراء في أصل هذه الكلمة ـ حيث قال : أصلها «يا الله آمنّا بالخير» فخُفف بحذف الهمزة وغيرها ـ بأن يكون «وأقم» عطفاً على الأمر المذكور ، وقوله : «ونحن عبيدك» حالاً عن المفعول في «آمنا». واعتراض الرضي ـ بقوله : وليس بوجه ؛ لأنك تقول : «اللهم لا تؤمهم بالخير» ـ ليس بوجه ؛ لعدم التناقض ؛ لاختلاف المتعلَّق كما هو واضح.

قوله : «ريّاً رويّاً» مفعول مطلق من قوله : «واسقنا» ، غاية الأمر أنه مصدر من غير لفظ فعله كما في «قعدتُ جلوساً». والتوصيف بالرويّ يجعله نوعياً ، وهو مبالغة في الري ، مثل «شعر شاعر».

البلاغة :

اعلم أن الالتفات باب في علم المعاني واسع ، ولابدّ له من نكتة ، كما قالوا في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (١) بعد قوله : (الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٢) إلى ما بعده من صيغ الغيبة ، فالعدول إلى الخطاب من الغيبة بملاحظة أن التحميد والتقديس ابتداءً كأنه صار مقرِّباً إلى حضرته تعالى. أو أن بذكر الأوصاف عرف الموصوف ، كأنه صار ممثَّلاً بين يديه فخاطبه خطاب العيان.

ففي المقام حيث إنّ إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ وإن كان حاضراً يرانا في كل آن ومكان ، ولكن لا نراه على الرسم ، فهو غائب مستور عن أبصارنا ، وليس معلوماً لنا مكانه ومحله ، فالتعبيرات الأولية بقوله : «أين بقية الله التي لا تخلو» الخ ، ناظرة إلى مقام الغيبة والاحتجاب عن الأنظار ، وبعد ذكر أكثر الأوصاف المختصة بوجوده الأقدس كأنه صار ممثَّلاً ومغيَّباً يصلح للخطاب ، مع كون ذلك التمجيد سبب نوع قرب وزلفى للمتكلم ، فصح التعبير بالخطاب والعدول من الغيبة إليه في قوله : «ونفسي لك الوقاء يا بن السادة المقرَّبين».

وحيث إنّ هذه الصفات العالية والخصال الحميدة السامية أجلّ وأعلى من أن يواجه المتكلم صاحب تلك الصفات [لا] سيما بعنوان التنزيل والادّعاء ، فتواضع وتنزّل عما هو

__________________

١. سورة الفاتحة ، الآية ٥.

٢. سورة الفاتحة ، الآية ٢.

١٣٠

فيه ورجع إلى الأصل ، وهو كون الإمام غائباً ، فأظهر الأسف على الغيبة بقوله : «ليت شعري أين استقرت بك النوى» إلى أن قال : «بنفسي أنت من مغيَّب لم يخل منا».

ولا يبعد أن يقال : قد جمع الخطاب والغيبة في أكثر هذه العبارات نظراً إلى الجهتين أو إلى الإمام والمأموم ؛ فإن الإمام شأنه أجل من الغيبة ، بل حاضر في كل مقام ، ولكن المأموم بعيد عن مقام القرب وغائب عنه.

وكيف كان فلما كثر الأنين والتأسف وإظهار التظلم إلى حضرة إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فلم يظهر منه ما يوجب الفرح والسرور وما يفيد الاطمئنان بوعد الظهور ، مع أنه أيضاً عبد مأمور ، (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (١) ، فالتفت من خطاب الإمام عليه‌السلام إلى خطاب الباري والاستغاثة إليه والالتجاء به ، فقال : «اللهم أنت كشّاف الكرب والبلوى».

والتصغير في «عبيدك» وتوصيفه بالمبتلى للتهييج والترغيب إلى قضاء حاجته ؛ فإن السيد بمقتضى سيادته يكون غالباً بصدد الحماية من عبيده والمنتسبين إليه ، [لا] سيما إذا كان صغيراً ومبتلى ؛ لكونهما مرحومين بنظر العموم ، وكيف إذا كان سيده.

وكما أن تصغير العبد والتوصيف بالابتلاء له دخل في سرعة الإجابة ونيل المقصود ، فكذلك التعبيرات بقوله : «يا شديد القوى» و «يا من على العرش استوى» كلها من باب «التعليق على الوصف مشعرة بالعلية» وناطقة ببيان جهة الاختصاص وتوجه الخطاب والاستغاثة إليه تعالى.

قوله : «ما طلعت شمس وما أضاء قمر» كناية عن التأييد والخلود ، كما أن قوله تعالى في الآية : (خالدين فيها ما دامت السماوات والارض) (٢) أيضاً كذلك. وكذلك قولك : «أُصَلِّي عليك صبحاً ومساءً وليلاً نهاراً».

هذا في الاستيعاب الزماني ، وفي الاستيعاب المكاني يعبِّرون بالمشرق والمغرب ؛ وذلك لعدم خلو المكان عن أحدهما ، كما أن الزمان لا يخلو عن الليل والنهار بل عن الصبح والمساء ؛ فإن الصبح ممتد إلى الظهر كما أن المساء ممتد إلى الليل.

قوله : «أدِلَّ به أولياءك ، وأذِلَّ به أعداءك» الاُولى بالدال المهملة ، والثانية بالمعجمة [و]

__________________

١. سورة الأنبياء ، الآية ٢٧.

٢. سورة هود ، الآيتان ١٠ و ١٠٨.

١٣١

في بعض النسخ بالفك ، وعلى الإدغام في كليهما كما في بعض النسخ الاُخرى ، فهو من قبيل التجنيس الخطي ، وهو التوافق بين اللفظتين في الكتابة مع قطع النظر عن الحركات بل النقاط أيضاً ، كما في الآية الشريفة : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (١).

وكذا فيما كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى معاوية بن أبي سفيان : غُرَّك عِزُّك ، فصار قُصارى ذلك ذِلّك ، فاخْشَ فاحِشَ فِعْلِك ، فَعَلَّك يهذي تهتدي. فكتب في الجواب : «على قدري ، على قدري» (٢).

المعنى :

اعلم أنه لما كان الأصل في المسند التنكير كما أن الأصل في المسند إليه التعريف ، فإذا كان المسند معرفة باللام فيكون هذا التعريف مفيداً للتخصيص في الأغلب ، فقولك : «زيدٌ الأمير» يفيد اختصاص الإمارة بزيد ، سواء كان اللام للجنس ـ كما هو الأصل ـ أو الاستغراق ؛ لأن مقتضى الحمل هو الاتحاد ، فإذا صار الاتحاد بين زيد وبين جنس الأمير أو تمام أفراده ، فمفاده الحصر ولو ادعاءً ، فكذلك إذا كان التعريف بالإضافة إلى المعرَّف باللام ، كما في قوله : «اللهم أنت كشَّاف الكُرَبِ» ، فيفيد اختصاص الكشف للكروب بذاته الأقدس.

وهذا هو وجه العدول عن المطلب السابق والتمسك والاعتصام بحضرة ذاته الأقدس ، وقد صُرِّح بهذا الحصر بوجه أوضح في العبارة التالية بتقديم المعمول ، حيث قال : «وإليك أستعدي» كما سبقت الإشارة. وكل ذلك من باب المقدمة وتهيئة المقام وتوطئة للسؤال الآتي ، حيث قال : «فأغِثْ يا غياثَ المستغيثين» بفاء التفريع ؛ ليكون فرعاً على الحصر السابق.

ولما كان أقرب الأشياء إلى كل شخص نفسه ، فلابدّ في مقام حلب المنفعة الابتداء بنفسه ، كما حكي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان إذا دعا بدأ نفسه ٣. ولهذا قدَّم الداعي نفسه وقال : «عُبيدك» بضم العين على التصغير ، ثم أراد بيان اتحاد المسلك مع سائر المحبين الموالين

__________________

١. سورة الشعراء ، الآيتان ٧٩ ـ ٨٠.

٢. أنظر : مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ٣٢٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٠ ، ص ١٦٣ ، وج ٧٥ ، ص ٨٣ ، ح ٨٦ باختلاف.

٣. البحر الرائق ، لابن نجيم ، ج ١ ، ص ٥٧٦ ؛ مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ١٢١ ؛ سنن أبي داوود ، ج ٢ ، ص ٢٤٥ ، ح ٣٩٨٤.

١٣٢

المنتظرين لقدوم إمامهم ، فقال : «ونحن عبيدك الشائقون إلى وليك».

والغرض من التوصيف بالشوق إلى وليه التعريض بالاستعداد وارتفاع المحذور وانتفاء السبب الباعث إلى فراره واستتاره ، كما قال الطوسي قدس‌سره في التجريد : «وجوده لطف ، وتصرُّفه لطف آخر ، وعدمه منا» (١) ، يعني إن الإمام إذا كان تصرفه لطفاً آخر وراء وجوده ، فانتفاء هذا اللطف منّا باختفائه ، وعدمُ تصرفه لا لبخل ـ والعياذ بالله ـ من الله تعالى ؛ كلّا وحاشا! فإنه فياض على الإطلاق ؛ ولا لاستنكاف من الإمام عليه‌السلام ، إذا (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٢) ، مع كونهم وسائط الفيض. فتعيَّن أن عدمه لعدم القابلية منا واختفاءه للخوف ؛ فإظهار الاشتياق إظهار للقابلية والاستعداد ؛ على ما في الأخبار أنه ـ عجل الله تعالى فرجه ـ لو تمَّ له العدد المشهور وهو عدة أصحاب بدر ، لأجيز له في الظهور ؛ كحّل الله تعالى عيوننا بتراب نعاله.

ثم إن توصيف الولي بالمذكّرية بالله وبنبيه أيضاً للإشعار بأن حبه والشوق إليه أيضاً راجع إلى حب الله والشوق إليه ؛ لأنه لما كان مذكّراً لله فالشوق إلى مذكّر الشيء شوق إلى ذلك الشيء.

قوله : «واجعل مستقرَّه لنا» إلى قوله «وأتمم نعمتك» الخ ، سؤال لكلتي النعمتين والتماس من الله لافلاح في النشأتين ، بعد التوطئة في السابق بقوله : «وأنت رب الآخرة والاُولى» ؛ فإنّ جعل مستقر الإمام مستقراً له وإن كان أعم من حيث هو ، ولكن بمقتضى التقديم الطبيعي وبقرينة لحوق «أتمم نعمتك» يتعين حمله على الدنيا بإرادة درك خدمة إمام العصر ـ عجل الله فرجه والتشرف بفيض حضوره والتسعد بلقاء جماله وإطاعة أوامره ـ ، ولكن ليست العلة المحدثة مبقية ؛ فالحدوث أمر ، والبقاء أمر آخر ، ورب حدوث لا بقاء له ، ورب إيمان لا ثبات له ، كما أشرنا إليه في الفصول السابقة في معنى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٣) ، فلذا عقّبه بسؤال إتمام النعمة ، وهي نعمة الائتمام به عليه‌السلام إلى الجنة ومرافقة الشهداء.

قوله : «وصلّ على عليٍّ أبيه السيد القَسْور» لا يخفى أن علياً عليه‌السلام أيضاً جده ، وإطلاق الأب

__________________

١. عوائد الأيام ، ص ٢٤٦ نقلاً عن الطوسي.

٢. سورة الأنبياء ، الآية ٢٧.

٣. سورة الفاتحة ، الآية ٦.

١٣٣

عليه وإن كان يصح حقيقة أو مجازاً كما في الآية (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) (١) وما في الديوان :

* أبوهم آدمُ والاُمّ حواءُ (٢) *

إلا أن الغرض هو التصريح بكونه عليه‌السلام جداً للأب. وببيان آخر نقول : كما أن التعبير في الآية بكون إبراهيم أباً للعرب ؛ لأن المجموع من حيث المجموع شامل للجد الأخير الذي هو إسماعيل مثلاً ، وهو ابن لإبراهيم. كما أن التعبير بكون الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم ؛ فإن الناس يشمل الجد الأخير وهو شيث هبة الله الذي ابن لآدم أبي البشر ، فكذلك في المقام الغرض هو جهة الاتحاد في سلسلة الإمامة من حجة العصر ـ عجل الله فرجه ـ إلى جده الحسين عليه‌السلام بحكم الوراثة ، كما يصرح به في ظهوره ، فتكون اُبوّة أمير المؤمنين عليه‌السلام من هذه الجهة.

قوله : «صلى الله عليه وعلى أخيه» الضمير راجع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأخوه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد صلى عليه استقلالاً ومع علي عليه‌السلام انضماماً ، كما أن حجة العصر قد صلى عليه استقلالاً بقوله : «اللَّهم صلِّ على حجك ووليِّ أمرك» ، ثم في ضمن آبائه وأجداده حيث قال : «وعلى من اصطفيت من آبائه البررة ، وعليه أفضل وأكمل وأتم» الخ ؛ فإنّ ضمير «عليه» راجع إلى الحجة عليه‌السلام.

قوله : «أفضل» كما ذكرناه في الإعراب مفعول مطلق مضاف إلى «ما صلّيت» ، ولا بأس بالفصل بـ «ما» بينهما من الأكمل والأتم وغيرهما ؛ لعدم كون الفواصل أجنبية ، فكما جوّزوا الفصل بالنداء والقسم ونحوهما ـ بل بالتأكيد اللفظي كما في قولهم : «يا تيم تيم عدي» ـ فكذلك الأمر فيما نحن فيه ؛ لما في الواقع من كون هذه الألفاظ بمثابة التأكيد ؛ لكون معانيها كالمترادفة.

ويمكن أن يقال : الكلمات المتعاطفة جملة بمثابة لفظ واحد مضاف ، أي «أجمع أو أليق ما صليت» أو غير ذلك من الألفاظ الجامعة ، كما قيل في «جاءني القوم واحد بعد واحد» أي مرتباً ، وفي قوله : «الحمام يوم فيوم لا يكثر اللحم» أي غبّاً.

قوله : «وصِلِ اللهم بيننا وبينه وُصلةً» إشارة إلى سؤال الارتباط التام معه ؛ فإن المحبة الكاملة مع الشيء يستلزم حب محبوبه ومنسوبه ، حتى الحيوانات والجمادات ، كما اشتهر

__________________

١. سورة الحج ، الآية ٧٨.

٢. أي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، البيت الأول ، (بيروت ، دار الكتاب العربي) ، ونقله القرطبي في تفسيره ، (ج ١٦ ، ص ٣٤٢).

١٣٤

من حب مجنون كلبَ ليلى بل حيطان دارها وأوتاد خيامها فكيف بآبائها وأسلافها.

هذا في الحب الصوري والعشق المجازي ، والمجاز قنطرة الحقيقة ، فمن أحب إماام العصر ـ عجل الله فرجه ـ فهو يحب آباءه الكرام وأجداده العظام ، بل لا فرق بينهم في تلك المرحلة ، كما في الزيارة الجامعة : وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة ، طابت وطهرت ، بعضها من بعض ، فبين السابق واللاحق ملازمة من هذه الجهة. ولا يجوز التفكيك في المحبة والمودة ، كما اُشير إليه أيضاً في الفقرة الاُخرى من الجامعة الكبيرة ، قال : «تولَّيتُ آخرَكم بما تولَّيتُ به أولَكم.

فهذا معنى كون الوصلة التامة مؤديةً إلى مرافقة سلفه والأخذ بحجزتهم والتمكن في ظلمهم كما في الدعاء ، ثم رجع أيضاً إلى ما هو المقصود الأصلي من دعاء الندبة ، وهو سؤال درك خدمة إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ والفوز بسعادة حضوره ، فقال : «وأعنّا على تأدية حقوقه إليه» ؛ فإنّ من الواضح المعلوم أن استتار الإمام عليه‌السلام من الرعية للخوف من جبابرتهم وعدم لياقة واستعداد في الباقين لنصرته كما سبق بيانه.

وربّ شخص يتمنى لقاءه والجهاد بين يديه قولاً ، وفي مقام الفعلية يتأنف ويستنكف ويتعلل بعلل غير مسموعة ، وينتظر إثبات الإمامة بإقامة البراهين بعد ما تمت له الحجة ؛ وليس هذا إلا لعدم حصول الاستعداد والقابلية. وربما وقع لبعض المنتظرين من جفاة الانتظاريين فيض حضور خدمة إمام العصر ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ في الرؤيا ، وبعد أن أحرز منه تكاليف صعبة في نظره أدناها ردّ حقوق الناس إليهم ؛ لعلم الإمام بعين ماله وكونه حراماً ، فعصى وتكلم بما أظهر نفاقه وشقاقه.

فقد اتضح من جميع ذلك ما هو العمدة في المقام ، بل هو أيضاً من جملة شرائط استجابة الدعاء ، وهو الاستعداد والقابلية لما يسألة ؛ فإن المسؤول تعالى حكيم يضع كلِّ شيء في محله ، فليس كلُّ سائل أهلاً لكل مسؤول ، فاللازم إذاً أن يسأل الاستعداد والقابلية ، بمعنى التوفيق والإعانة على أعمال صالحة.

قوله : «واجعل صلواتنا به مقبولة» سبب قول الصلاة بسببه : إما به سبب الاقتران مع صلاته ، كما قد يعلّل حسى أداء الصلاة في أول وقتها الذي هو رضوان الله ؛ لأن الإمام عليه‌السلام لا يترك وقت الفضيلة ، فصلاة الشخص يصعد مع صلاة إمامه ، فيتلقى بحسن القبول إن شاء

١٣٥

الله ؛ لعدم تبعُّض الصفقة ؛ ضرورةَ عدم رد عمل الإمام عليه‌السلام ، فول قُبل انفراداً فيلزم التفكيك والتبعيض في جملة ما تصاعد من الأعمال ، فلابدّ من قبول الجميع ؛ أو به سبب الولاية ؛ فإنها ـ على ما في الأخبار المعتبرة ـ شرط قبول الأعمال ، ففي الخبر : ولو أن رجلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وحج دهره وتصدق بجميع ماله ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فتكون أعماله بدلالته فيواليه ، ما كان له على الله ثواب (١). انتهى.

وأمّا غفران الذنوب : فلأجل شفاعة الإمام عليه‌السلام ؛ على ما في الأخبار من عرض الأعمال على النبي وعلى الأئمة عليهم‌السلام ـ [لا] سيما إمام العصر ـ في كل يوم مرة أو في كل اُسبوع مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيستغفر النبي أو الإمام لذنبه كما هو مقتضى رأفته. وقد كان عليه‌السلام رحمة للعالمين إرثاً من جده ، وقد ورد في تفسير هذه الآية الشريفة في أواخر سورة التوبة : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) على ما في الصافي (٣) عن الكافي (٤) والعياشي (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : تُعرض الأعمال على رسول الله ـ أعمال العباد ـ كل صباح أبرارها وفجارها ، فاحذروها ، وهو قول الله : (وَقُلِ اعْمَلُوا) الآية.

وفيه عنه عليه‌السلام أيضاً : إن المؤمنين في الآية هم الأئمة (٦).

وفي الصافي (٧) أيضاً في تفسير هذه الآية : وعن الرضا عليه‌السلام قيل له : اُدع الله لي ولأهل بيتي. فقال : أو لستُ أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة. قال : فاستعظمت ذلك ، فقال : أما تقرأ كتاب الله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (٨).

قال : هو ـ والله ـ علي بن أبي طالب. انتهى.

فقد استفيد من كلامه عليه‌السلام «أو لستُ أفعل» أن إمام كل عصر يشفع لآحاد شيعته عند عرض أعمالهم عليه.

__________________

١. المحاسن ، ج ١ ، ص ٢٨٧ ، ح ٤٣٠ ؛ الكافي ، ج ٢ ، ص ١٩ ، ح ٥.

٢. سورة التوبة ، الآية ١٠٥.

٣. الصافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٣.

٤. الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٩ ، ح ١.

٥. تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ١٠٩ ، ح ١٢٢ و ١٢٣.

٦. تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ١٠٩ ، ح ١٢٥ ؛ الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٩ ، ح ٢.

٧. الصافي ، ج ٢ ، ص ٣٧٣.

٨. سورة التوبة ، الآية ١٠٥.

١٣٦

وكذا يدل على ما ذكرنا من الاستغفار وكونهم سبب المغفرة ، ما في الصافي (١) في تفسير الآية في سورة الأنفال (وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٢) عن الكافي (٣) عن الصادق عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لكم في حياتي خيراً ، وفي مماتي خيراً. قال : قيل : يا رسول الله أمّا حياتك فقد علمنا فما لنا في وفاتك؟ فقال : أمّا في حياتي فإن الله يقول : (وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) ، وأما في مماتي فتُعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم.

والقمي (٤) والعياشي (٥) عن الباقر عليه‌السلام ما يقرب منه ، وقال في آخره : فإن أعمالكم تُعرض عليّ كل خميس واثنين. فما كان من حسنة حمدت الله عليها ، وما كان من سيئة استغفرتُ الله لكم. انتهى.

ثم إن استجابة الدعاء به ـ عجل الله تعالى فرجه ـ إما لِما مر في قبول الصلوات من تصاعد الدعاء مع عمله في مواقع استجابة الدعاء ، وإما للاستشفاع به والتوسل بولائه ؛ فإنه كأجداده وسائل للفيض ووسائط لإفاضة الخير من المبدأ الفياض.

ومن الواضح المعلوم أنهم عليهم‌السلام كما كانوا علة غائبة للخلقة وأصل الوجود ، فكذلك هم الوسائط لقوام الوجود ودوامه ، وهم المراد من الوسيلة في آية المائدة إذ قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦) ، ففي الصافي (٧) عن القمي (٨) قال : تقرّبوا إليه بالإمام وفي العيون (٩) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمة من ولد الحسين ؛ مَن أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله.

قوله : «وأقبل إلينا بوجهك الكريم» قد مرّ في الفصول السابقة أن المراد بوجه الله هو

__________________

١. الصافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٠.

٢. سورة الأنفال ، الآية ٣٣.

٣. الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٥٤.

٤. تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٢٧٧.

٥. تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ٥٥ ، ح ٤٥ ؛ الصافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٠ ؛ نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ١٥٣.

٦. سورة المائدة ، الآية ٣٥.

٧. الصافي ، ج ٢ ، ص ٣٣.

٨. تفسير القمي ، ج ١ ، ص ١٦٨.

٩. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ٦٣ ، ح ٢١٧ ؛ بحار الأنوار ، ج ٣٦ ، ص ٢٤٤ ، ح ٥٤.

١٣٧

الإمام عليه‌السلام ، كما أن نظر الله إلينا بنظرة رحيمة في قوله : «وانظر إلينا نظرة رحيمة» لا يبعد أن يُراد به توجه الإمام ؛ لأنه عين الله الناظرة ويده الباسطة ؛ فإن المؤمن إذا صار من قوة الإيمان وكثرة العبادة قابلاً لمقام القرب بحيث يصح في حقه ما في الحديث القدسي : كنتُ سمعَه وبصرَه ويدَه التي يبطش بها (١) ، ويصح فيه ما في الخبر : اتقوا من فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله (٢) ، فكيف إذا كان رئيس المؤمنين وأساس الإيمان؟ فلا استبعاد في كونه عين الله الناظرة.

والمراد من استكمال الكرامة هو البقاء على الإيمان به ودوام إطاعته ؛ إذ ربّ رجل يؤمن به لبعض الأغراض الفاسدة الدنيوية ، فإنه إذا لم يجده مطابقاً لهواه فينصرف عنه. نعوذ بالله منها ومن شرور أنفسنا ، ورزقنا الله فيض حضوره وميامن ظهوره بحسن العاقبة إن شاء الله.

الترجمة :

پروردگارا! تويى كشف كننده محنت ومصيبت ، وبه سوى تو هست طلب يارى كردن. نزد تو است يارى وتويى پروردگار آخرت ودنيا ، پس به داد رس اى دادرس دادخواهان بنده كوچك مصيبت زده را ، وبنمايان او را آقايش را اى صاحب قواى محكم ، وزايل كن از وى غم وغصه را ، وبنشان تشنگى او را اى خدايى كه بر عرش عظمت استيلا يافته وخدايى كه به سوى او است برگشت همه وعاقبت كارها!

پروردگارا! ما بندگان تو هستيم كه آرزومنديم به سوى دوست تو كه ياد آورنده تو وپيغمبر تو است ، آفريدى او را براى نگهدارى ما وپناهگاه ما وبه پاداشتى او را براى محافظت وپناه بردن ، وقرار دادى او را براى مؤمنين پيشوا ، پس برسان او را درود وسلام از ما وبيفزا براى ما به سبب اين درود فرستادن عزت واحترام ، وقرار ده قرارگاه او را براى ما قرارگاه ، وتمام كن نعمت خود را به سبب پيش انداختن وى در جلوى ما تا وقتى كه وارد كنى ما را به بهشت هاى خود ويارى شهدا وهم منزلى ايشان.

__________________

١. الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٥٢ ، ضمن ح ٧ ، ونص الحديث : ... فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ؛ إن دعائي أجبته ، وإن سألني أعطيته ... إلى آخر الحديث.

وانظر : مفتاح الفلاح ، ص ٢٨٨ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ٧٢ ، ح ٤٥٤٤.

٢. المحاسن ، ج ١ ، ص ١٣١ ، ح ١ ؛ بصائر الدرجات : ص ١٠٠ ، باب ١١ ، ح ١ وص ٣٧٥ ، ح ٤ ؛ الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٨ ح ٣.

١٣٨

پروردگارا! صلوات بفرست بر حجت خود وصاحب امر خود ، وصلوات بفرست بر جدش محمد پيغمبر تو كه آقاى بزرگ است ، وصلوات بفرست بر پدرش كه آقا وشير خدا وبردارنده لوا است در محشر وسيراب كننده دوستان خود از نهر كوثر است وامير است بر ساير مردم ، چنين اميرى كه هر كه به او ايمان آورد نجات يافته وهر كه ايمان نياورد به او به تحقيق در مورد خطر واقع شده وكافر گشته.

صلوات بفرستد خدا بر او وبر برادرش كه پيغمبر است وبر آل آنها كه مبارك ودرخشان هستند ، ما دامى كه آفتاب طلوع مى‌كند وماه روشنى مى‌اندازد ، وبر جده حجت عصر كه صديقه فاطمه زهرا است دختر محمد مصطفى ، وبر كسانى كه برگزيده از پدران وى كه نيكوكاران‌اند ، وبر خود وى كه بهترين وكامل‌ترين وتمام‌ترين ودايم‌ترين وزيادترين وبيشترين آنچه صلوات فرستاده‌اى بر يكى از برگزيدگان تو وستوده‌تر از خلق تو.

وصلوات بفرست بر وى ، صلواتى كه آخر ندارد براى عددش ونهايتى نيست براى امدادش وتمام شدن نيست براى مدتش.

پروردگارا! بر پا كن به واسطه وى حق را ، وباطل كن با او باطل را ، وعزيز نما به سبب او دوستان خود را ، وذليل كن به سبب وى دشمنانت را ، ووصل كن ـ پروردگارا ـ ما بين [ما] واو را وصل كردنى كه برساد ما را به سوى رفاقت ومصاحبت گذشتگان از آباء واجدادش ، وقرار بده ما را از كسانى كه مى‌گيرد دامن ايشان را ، وقرار مى‌گيرد در زير سايه‌شان ، ويارى بكن ما را در ادا نمودن حقوق او را وسعى كردن در اطاعت وى واجتناب كردن از معصيتش ، ومنت بگذار بر ما با راضى شدنش از ما ، وببخش براى ما مهربانى وترحم ودعا وخيرش را به اندازه‌اى كه برسيم بر وسعت از رحمت تو ونجات يافتن در نزد تو ، وقرار بده نمازهاى ما را قبول شده به سبب وى وگناهان ما را به سبب او آمرزيده شده ودعاى ما را برآورده شده ، وقرار بده روزى‌هاى ما را وسعت يافته وغصه‌هاى ما را كفايت داده شده وحاجات ما را روا گشته شده.

ورو برآر به سوى ما با روى عزيز خود ، وقبول كن تقرب ما ونزديكى طلبى ما را به سوى تو كه بواسطه امام عصر است ، ونگاه كن به سوى ما نگاه كردنى كه ترحمانه باشد ، وتكميل نموده باشى با همان نگاه كردن ، كرامت ما را دز نزد تو ، بعد از آن بر نگردانى همان مرحمت را از ما به واسطه جود خود ، وسيراب كن ما را از حوض جد بزرگوارش با

١٣٩

كاسه‌اش وبا دست مباركش سيراب كردنى كه وافى باشد وگوارا كه بعد از آن هرگز تشنه نشوم ، اى مهربان‌ترين رحم كنندگان!

الخاتمة

اعلم أن «البداء» بمعنى الظهور لغة ، وفي الاصطلاح : ظهور شيء وانكشافه للشخص بعد خفائه ، كما قيل : إنه استصواب شيء غير الأول.

وهذا المعنى مستحيل على الله تعالى ؛ لاستلزامه الجهل ، والباري تعالى منزَّه عنه ، مع أنه ورد في أحاديث الفريقين : ما عُظِّم اللهُ بمثل البداء (١) ، وكذا في الخبر : ما بعثَ اللهُ نبياً حتى يُقرَّ له بالبداء (٢).

فهذا البداء بمعنى القضاء المجدَّد في كل يوم بما لم يكن ظاهراً للخلق ، بل كانوا ينتظرون خلافه ، كما في الخبر عن الصادق عليه‌السلام : ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني (٣) ، حيث كان الناس ينتظرون إمامته بعد أبيه لكبره ومحبة أبيه له ، فخاب ظنونهم بموته قبل أبيه.

ولا يخفى أن البداء بهذا المعنى في مقابل قول اليهود ، حيث قالوا : قد جفّ القلم ، وقد فرغ الله عن الأمر ، مع أنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، وهو كل يوم في شأن ، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّـهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (٤) يفعل ما يشاء ، وهو على ما يشاء قدير.

فالبداء في التكوينيات كالنسخ في الأحكام ، فكما أن النسخ تغيير حكمٍ ظاهره الاستمرار حسب مراعاة مصلحة الوقت ، فكذلك البداء.

وهذا لا ينافي علم الله تعالى في الأزل ؛ فإنه في اللوح المحفوظ ، وأما لوح المحو والإثبات فربما يكون المقدَّر فيه قابلاً للتبدل بالزيادة والنقصان وتغيير الشكل ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو لا آية في كتاب الله : (يَمْحُو اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (٥)

__________________

١. الكافي ، ج ١ ، ص ١٤٦ ح ١ ؛ التوحيد ، ص ٣٣٣ ، ح ٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ١٠٧ ، ح ٢٠.

٢. الكافي ، ج ٨ ، ص ١٦٥ ، ح ١٧٧ ؛ التوحيد ، ٣٣٤ ، ح ٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ٩٩ ، ح ٧.

٣. التوحيد ، ص ٣٣٦ ؛ مجمع البحرين ، ج ١ ، ص ١٦٨ مادة «بدا».

٤. سورة المائدة ، الآية ٦٤.

٥. سورة الرعد ، الآية ٣٩.

١٤٠