ميراث محدّث اُرمَوى

سيّد جعفر اشكورى

ميراث محدّث اُرمَوى

المؤلف:

سيّد جعفر اشكورى


المحقق: سيّد احمد اشكورى ـ سيّد صادق اشكورى ـ سيّد جعفر اشكورى
الموضوع : دليل المؤلفات
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ٠
ISBN: 964-493-212-9
الصفحات: ٣٨٤

المحكمات في مقابل المتشابهات على ما في الآية : (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (١) ، من الإحكام بمعنى الإتقان ، بمناسبة ما ذكر في معناه الاصطلاحي هو : ما يكون محفوظاً من النسخ أو الالتباس ، فذلك نحو إتقان له.

الذاريات : هي الرياح تذرو الشيء ذرواً ، أي تنسفه. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : الذاريات في السحاب ، والجاريات في السفن ، والمُقَسِّمات اُمراءُ الملائكة (٢).

العاديات في قوله تعالى : (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) (٣) من العَدْو ، بمعنى الوثوب والحركة المخصوصة. والضَّبْح ـ بالضاد المعجمة والحاء المهملة ـ : صَداء البعير أو الفرس من شدة العَدْو.

تدلّى في الآية : (دَنَا فَتَدَلَّىٰ) (٤) من التدلّي ، وهو إرسال الثمرة مع التعلق.

القاب في (قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ) (٥) بمعنى : المقدار ، كالقيد والقيس.

النَّوى ـ بفتح النون ـ : البُعد والمكان والتجول من مكان إلى آخر.

الرَّضْوى : جبل بالمدينة.

ذي طُوى ـ بفتح الطاء والضم ـ : أشهر موضع في الحرم بقرب مكة بما يقرب من فرسخ ، ويُعرف بـ «الزاهر» في طريق التنعيم.

الحسيس : الصوت الخفي.

والنجوى : ما أسرَّ واحدٌ إلى آخر.

الإعراب :

قوله : «بأبي أنت واُمّي» الباء للتفدية ، إلا أنّ أكثر النحويين لم يذكرها من جملة معاني الباء كابن الحاجب وابن هشام في الكافية والمغني ، ولعلهم أدرجوها في التعدية ؛ نظراً إلى أن الفعل المقدَّر في مثل «بأبي هو فداك أو مفدَّى» يتعدى بالباء. إلا أن باء التعدية لا تدخل

__________________

١. سورة آل عمران ، الآية ٧.

٢. الغارات ، ج ٢ ، ص ٧٣٧ ، الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٣٨٦ ؛ مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ٣٢٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٠ ، ص ١٥٨ ، وليس فيها لفظة «اُمراء».

٣. سورة العاديات ، الآية ١.

٤. سورة النجم ، الآية ٨.

٥. سورة النجم ، الآية ٩.

١٠١

على الفاعل ، فالأولى إدراجها في الزائدة ، فالباء في «فداك بأبي» زائدة كما في (كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا) (١). وحيث إنه لا يجامع الباء ذكرَ المتعلَّق فهو نائب عنه أصلاً ، اُطلق عليه باء التفدية لقيامه مقام مادة الفداء.

وهل التقدير «فداك» أو «مفدَّى»؟ وجهان بل قولان : فعلى الثاني يكون «بأبي» مع متعلقه المحذوف خبراً مقدماً ، وأنت مبتدأ ؛ وعلى الأول «بأبي» فاعل الفعل المحذوف ، وأنت تأكيد عن المفعول المحذوف. وكون ضمير الرفع تأكيداً عن ضمير النصب المتصل كثير ، كما في قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢) على بعض الوجوه ، وقوله تعالى : (إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ) (٣) بناءً على نصب أقلَّ ؛ فإن «أنا» تأكيد عن مفعول «تَرَنِ».

ويمكن لنا اعتبار وجه لطيف في المقام ، بأن نقول : الباء في «بأبي» للبدلية ، وهو خبر مقدَّم ، وأنت مبتدأ مؤخر ؛ يعني : إنك مبدَل بأبي فيكون أبي بدلاً عنك ، فيفيد معنى التفدية بالالتزام ؛ حيث إن الفداء بدل المفدَّى منه. أو يكون المعنى : أنت بدل أبي ؛ على مذاق النحويين من كون المبدَل منه مع البدل بحكم السقوط ، وهو بمعنى الفدائية. وعلى أيّ تقدير فلا يُذكر فعل الفداء مع الباء أصلاً.

وآما الآية الشريفة : (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (٤) فليس الباء في «بذبح» للتفدية ليكون نقضاً لما ذكرنا ، بل المستفاد من أكثر الأخبار الواردة في تفسيرها أن المراد من «الذبح العظيم» الحسين عليه‌السلام ، فلا وجه حينئذ لتكون الباء للتفدية ؛ فإن المفدَّى أفضل من الفداء يقيناً. وهل يرضى مؤمن أن يكون إسماعيل أفضل من الحسين عليه‌السلام ، فالباء للسببية ؛ يعني : إنا أرسلنا الكبش فداءً لإسماعيل به سبب الذبح العظيم ، يعني : إنّ عنوان الذبيحية قد كان مختوماً باسم الحسين ومدَّخراً له عليه‌السلام ، فلذا أخّرنا هذه القضية ، أو أرسلنا الفداء له به سبب بكاء إبراهيم الخليل على الحسين الذي هو ضبح عظيم ؛ على ما في الخبر المروي عن الرضا عليه‌السلام (٥).

قوله : «ونفسي لك الوقاء» نفسي مبتدأ ، و «الوقاء» خبره ، و «لك» متعلق به ، على أن

__________________

١. سورة الرّعد ، ٤٣ ، سورة الإسراء ، الآية ٩٦.

٢. سورة يوسف ، الآية ٩٨ ، سورة القصص ، الآية ١٦ ، سورة الزمر ، الآية ٥٣.

٣. سورة الكهف ، الآية ٣٩.

٤. سورة الصّافات ، الآية ١٠٧.

٥. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ١٨٧ ، باب ١٧ ، ح ١ ؛ الخصال ، ج ٥٨ ، ح ٧٩ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٢ ، ص ١٢٤ ، ح ١.

١٠٢

المصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي : نفسي واقٍ لك وحامٍ.

قوله : «يا ابن خيرة المهذبين» في بعض النسخ بتعريف «الخيرة» ، وفي بعضها مجرداً عن اللام ، وهو أوضح ؛ لأن «الخيرة» ليس جمعاً كسائر أخواته ، مثل «الهداة» و «السادة» وغيرهما ، بل مفرد كما يستفاد من قوله : «محمد خيرة الخلق». ومن قول السجاد عليه‌السلام : أنا الخيرة بين الخيرتين (١) ، فهو بمعنى المختار والمنتخب. فلو كان معرّفاً باللام فلا تصحّ الإضافة ، على أن توصيفه بـ «المهذَّبين» لا يطابق قاعدة الوصف من التطابق على الموصوف في الإفراد والجمعية.

قوله : «لدى الله لعليٌّ حكيمٌ» إتيان اللام في الخبر المجرَّد عن «إنّ» مبني على لغة ، كما في قول الشاعر :

* اُمُّ الحُلَيْس لعجوزٌ شَهْرَبَة (٢) *

ولعل النظر إلى أصل الكلام ؛ حيث إنّه مقتبس من الآية الشريفة : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٣) في سورة الزخرف ، ودخول اللام في الأصل بملاحظة «إنّ» ، فلم يتغيّر في الحكاية تبعاً ؛ إذ المحكي لا يتغير ، وإن كان يرد عليه التغير في لفظ «لدى الله» لا يناسب الحكاية ؛ لكونه في الأصل «لدينا».

قوله : «فكان قاب قوسين» اسمُ كان ضمير راجع إلى الدنوّ المستفاد من «دنا» ، و «دنوّاً» مفعول مطلق ويتقيه بالاقتراب من العلي الأعلى بيان فرع الدنوّ ؛ لرفع توهم الدنو من جبرئيل وغيره ، غاية الأمر إرادة القرب المعنوي من الدنو.

قوله : «أين استقرت بك النوى» في محل الممفعولين لـ «شعري» ؛ لأنه بمعنى العلم ، إلا أنه قد عُلَّق به سبب الاستفهام عن المفعولين.

البلاغة :

قوله : «بأبي أنت واُمّي» ربما يقال في أمثال هذه العبارات أنها مردَّدة بين الكذب والعقوق ، فإن كانت صادرة في حال حياة الوالدين فهو عقوق بالنسبة إليهما ؛ من حيث جعلاهما فداءً للآخر من دون إجازة منهما فضولاً.

__________________

١. مجمع البحرين ، ج ١ ، ص ٧١٨ مادة «خير».

٢. نقله في الصحاح ج ١ ص ١٥٩ مادة «شهرب» ؛ لسان العرب ، ج ١ ، ص ٥١٠.

٣. سورة الزخرف ، الآية ٤.

١٠٣

وإن كان بعد وفاتهما فهو كذب محض ؛ إذ لا معنى للفداء إلا تعريض الفداء للقتل ، ولا وجه له مع الموت ؛ لكونه تحصيل الحاصل ، مع أنه ربما كان الفداء في أمثالهما أفضل من المفدَّى له ، مثلاً في قول العلياء زينب الكبرى ـ سلام الله عليها ـ علي مرثية أخيها الحسين عليه‌السلام : بأبي من هو لا جريح فيداوى ... الخ (١).

والذي يمكن أن يُجاب بحيث يندفع الإشكال بحذافيره ، أن يقال : كون هذه العبارات وأمثالها كناية عن إنشاء المدح للمفدَّى له ، والغرض إظهار الإخلاص والمحبة من القائل ، فالغرض من الكناية ـ التي هي ذِكر اللازم وإرادة الملزوم أو العكس على الخلاف ـ هو إظهار مراتب المحبة والخلوص.

وقد ذكروا الفرق بين المجاز والكناية : أن المَجاز إرادة اللازم مع القرينة الصارفة عن المعنى الأصلي الذي هو الملزوم ، والكناية إرادة اللازم مع جواز إرادة الملزوم لا وجوبه وتعينه ، ففي قولك «زيدٌ كثيرُ الرماد» الغرض إرادة معنى السخاوة الملزومة أو المستلزمة لكثرة الرماد وإن لم يكن له رماد ، كما أن «طويلُ النجاد» كناية عن الشجاعة وإن لم يكن له نجاد ، وهكذا.

فاندفع بهذا إشكالات عديدة ربما صارت مطارح الأنظار في الفقه وغيره ، مثلاً لو قال رجل لآخر : «يا ابن الفاعلة» أو «ملعون الوالدين» فهل هو قذف للأبوين أو شتم لهما أو هو شتم وإنشاء ذم للمخاطب والمقول فيه فقط؟

وحيث إنّ في الكناية جواز إرادة المعنى الأصلي مع المعنى الكنائي لا وجوبه ، فالقدر المتيقِّن هو الشتم للمقول فيه ؛ فإن خبث الأبوين لكونه غالباً يظهر في الأولاد ـ لكون الإناء يترشَّح بما فيه ، وإن الولد سرّ أبيه ، ولا تلد الحية إلا الحية ـ فبين خبث الأبوين وخبث الأولاد ملازمة غالباً ، فاُريد اللازم. فلا يلزم الحدّ للقذف ؛ لعدم الصراحة واليقين ، و «الحدود تدرأ بالشبهات».

فإذا كان الأمر كذلك في طرف الذم فكذلك المدح ؛ حيث إنّ الرجل في مقام المحبة لشخص آخر بصدد البذل له بجميع ما يتعلق به من أمواله وأعز الأنفس عليه من الوالدين والأولاد ؛ وبالأخرة نفسه التي هي أقرب إليه من جميع من سواه ، وكل هذا كاشف عن نوع

__________________

١. انظر : اللهوف ، ص ٧٩ (مطبعة مهر) ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٥ ، ص ٥٩ ؛ العوالم ، ج ١٧ ، ص ٣٠٣.

١٠٤

صميمية للقائل في حق المقول فيه ، وليس هذا إلا لاستعداد المقول فيه في نظر القائل لهذه المراتب ، فهذا هو إنشاء المدح ، فالمقصود هو المعنى الكنائي ، فلا يكون عقوقاً ولا كذباً ولا تفدية الأفضل للمفضول ؛ كما هو واضح للمتأمل.

قوله : «يا ابن السادة المقرَّبين» الخ. هذه العبارات المشتملة على الحقيقة والمجاز من حيث استعمال البعض في المعاني الموضوع لها ـ كأكثر الفقرات ـ وبعضها في المعنى المجازي كقوله يا ابن الطور والعاديات : فإنَّ (وَطُورِ سِينِينَ) (١) في سورة التين قد فُسِّر بالكوفة (٢) ، وبعلاقة الحالّ والمحل قد عُبِّر بالكوفة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما قد عُبِّر بمكة ومنى في قول السجاد عليه‌السلام : أنا ابن مكة ومنى ، (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولا يخفى أن الذي يلزم في التجوّز هو شدة العُلقة والارتباط وكمال الاتحاد بين المعنى الحقيقي والمجازي ، بحيث يصح دعوى الاتحاد تنزيلاً ، كما قال الشاعر :

رقَّ الزُّجاجُ ورقَّتِ الخمرُ

فتشابها وتشاكَلَ الأمرُ

فكأنَّما خمرٌ ولا قَدَحٌ

وكأنما قَدَحٌ ولا خمرُ (٤)

فالعلائق المذكورة من المشابهة والحلول والسببية والجزئية والعموم والخصوص وغير ذلك لا توجب صحة التجوّز ما لم تبلغ في الظهور وشدة الارتباط بهذه المثابة ، فليس كل مشابهة أو كل حلول والسببية مثلاً مصحِّحاً للتجوز. ألا ترى صحة التجوز في الأسد بالنسبة إلى الرجل الشجاع بمشابهة في الشجاعة لا في الجدار بالنسبة إلى الرجل الطويل لشبهه في الطول ؛ والرقبة في العبد للجزء والكل ، دون الأصبع مثلاً ؛ فإنّ أظهر أوصاف الأسد لمّا كان هو الشجاعة ، فقد اضمحلّت سائر الصفات في جنبها ، فليست الأسدية إلا بالشجاعة ، فمِن هنا صار الرجل الشجاع كأنه هو الأسد ، وكذا العبد لمّا كان أظهر أوصافه الرقية والانقياد للمولى بواسطة حبل المالكية الذي هو في عنقه ـ كما صار الحيوان بواسطة الزمام أو اللجام تحت سلطنة مالكه ـ فالرقبة مظهر رقيته ، فكان تمام الملاك في العبودية.

__________________

١. سورة التين ، الآية ٢.

٢. معاني الأخبار ، ص ٣٦٥ ؛ بحار الأنوار ، ج ٩٦ ، ص ٧٧.

٣. المناقب لابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٣٠٥ ، وقد نطق به الإمام الحسن السبط عليه‌السلام أيضاً حين قال له معاوية بعد الصلح : اذكر فضلنا كما في الأمالي للصدوق ، ص ٢٤٥ وتحف العقول ، ص ٢٣٢ وغيرهما.

٤. البداية والنهاية ، ج ١١ ، ص ٣٦١ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٥ ، ص ٤٨.

١٠٥

وكذلك العين في الرؤية ؛ لأنّ الأعمى لا يتمكن من المراقبة والمحافظة ؛ لعدم رؤيته من يرعى حمى الغير ، فالأصل فيه هو العين.

وهذا معنى ما قيدوا به علاقة الجزء والكل باشتراط استعمال الجزء في الكل بكونه مما يُنتفى بانتفائه الكل ، فالمدار والمعيار في صحة التجوز تحقق الاتحاد ولو تنزيلاً وادعاءً بين المعنى الحقيقي والمجازي بأي معنى كان. وحيث إن ظهور شرافة مكة ومنى وبروز احتراماتها لأجل بيانات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانتسابه إليهما ـ فكأن قوم مكة من حيث هي مكة لوجوده «ص» ـ فصح إطلاق مكة عليه في قوله : يا ابن مكة ومنى.

ويمكن أن يكون النظر إلى مجرد الانتساب ، كما يقال : «فلان من أبناء البصرة أو الكوفة» أي من أهاليهما ؛ من جهة علاقة الحالّ والمحل ، كما في قوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) (١) أي أهلها.

بقي الكلام في الغرض بأنّ النداء في هذه العبارات العديدة حقيقة كانت أو مجازاً ؛ فإن المنادى هو المطلوب إقباله بالنداء ؛ على ما قاله أهل العربية. ولكن الأغراض من النداء مختلفة ؛ فقد يكون المقصود منه التكلم ، وقد يكون منه الاستغاثة ، وقد يكون منه الحضور ليتعجب منه الناس ، وقد يكون المنظور منه التفجع والتوجع كما في الندبة. والظاهر أنّ هذه ليس كل منها معنى آخر لحروف النداء ، بل من قبيل اختلاف الأغراض من النداء بحسب اختلاف الموارد ، وله نظائر في الموارد الاُخر ؛ فإن الاستفهام طلب الفهم ، فقد يكون الغرض منه الإنكار أو التوبيخ أو التقرير أو الإبهام أو الشك أو غير ذلك مما ذكروه في كتب العربية.

وكيف كان فالظاهر كون الغرض من النداء في هذه العبارات هو البعث والتهييج وتحريص حجة العصر ـ عجل الله تعالى فجره ـ كي يدعو ربه فيستجاب له ، كما اُثير إليه في الفصل السابق ؛ مأخوذاً من الآية الشريفة : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) (٢) الخ.

ألا ترى أنه إذا كان رجل مظلوماً ، ويراه رجل آخر مقتدر على رفع الظلم منه وهو من الشجعان ومن نسل الشجعان وسليل الكرام ، فيناديه بأمثال العبارات التي يهيِّج له الحمية ،

__________________

١. سورة يوسف ، الآية ٨٢.

٢. سورة النمل ، الآية ٦٢.

١٠٦

فيقول : «أيها الشجاع وابن الشجعان الكرام ، أغثني» ، فيعلَّق الحكم على الوصف مشعراً بالعلية ، يعني : إنّ استغاثتي والتجائي بك لأجل الشجاعة الموروثة والكرم المألوف من سلسلتك؟

هذا ، وأمّا حمل هذه العبارات وأقسام النداء على الندبة ـ وإن كمان مناسباً لكون الدعاء مسمى بدعاء الندبة كما أشرنا إليه في المقدمة ـ ولكن يبعّده وجهان :

أحدهما : أن المندوب يُزاد الألف غالباً في آخره مع الهاء أو بدونها لاستطالة الصوت ، وهذه العبارات كلها خالية عنه.

الثاني : أن هذه الأوصاف لا تلائم الندبة ، بل هي ـ كما عرفت ـ مهيِّجة للحميّة ومثيرة للغيرة والحماسة.

المعنى :

وحيث إن رجلاً لو كان مظلوماً وسيّده غاب عنه لا يدري [أين] محله ، فهو من كثرة الظلم وشدة ما يرد عليه يتفحص ويتجسس كل نقطة ومكان من المظانّ المحتملة ، فإذا وجد سيده فبعد إظهار فدويته وعرض إرادته وخدماته يلتجئ إليه ويستغيث به ويخاطبه ويناديه بما يهيّج به حميَّتَه ، فإنْ نال مقصوده وإلا فيلتجئ بمن هو أعلى منهما ، وكلهما مطيعان له ، والأمر موكول إلى إرادته السنية. فكذلك الداعي بهذا الدعاء لفرط الابتلاء في الغيبة الكبرى يتفحص عن سيده بتعبيراته الأولية بعبارات الاستفهام بقوله : «أين أين» إلى أن يصل بمقام قربه والاستعداد ، لحضرته ، وكأنه وجده ، فيظهر فدويته بقوله : «بأبي أنت وأمّي» ، ثم يناديه بهذه العبارات.

قوله : «يا ابن الصراط المستقيم» الصراط المستقيم إشارة إلى الآية الشريفة : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١).

أمّا معنى الهداية إلى الصراط ، فربما يصدر من بعض الجهّال المعاندين وأبالسة الإنس سرّاق الدين بعض الكلمات في أمثال هذه الآيات بتشكيك ضعفاء العقيدة من المسلمين بمثل هذه الشبهات الواهية ، فيقول مثلاً : «إنك لو كنت على الهداية فما معنى الدعاء؟ لكونه حينئذ تحصيلاً للحاصل ، وإلا فأنت على ضلالة! إذ هما ضدان بل نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان».

__________________

١. سورة الفاتحة ، الآية ٦.

١٠٧

وجوابه واضح ؛ فإنَّ العلة المحدثة ليست مبقية ، فكما أن حدوث الممكنات لابدّ له من علة فكذلك بقاؤها. ومعنى قيُّومية الواجب تعالى هو إبقاء الموجودات على حالة الوجود ؛ لأن علة الاحتجاج إلى الواجب في الممكنات على التحقيق هو الإمكان لا الحدوث. فالهداية كما أنها في بدو الحدوث مفتقرة إلى مشيئة الباري تعالى فكذا في بقائها ، فالسؤال في هذه بالنسبة إلى البقاء ؛ كما في الصافي (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : يعن أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا. انتهى.

وبتقريب آخر نقول : إن الهداية قد تكون بمعنى إرادة الطريق كما في قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (٢) ، وقد يكون بمعنى الإيصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٣) ؛ حيث إنّ إراءة الطريق كان من وظائف النبي «ص» ، فالمنفي في الآية هو الإيصال المسبِّب عن التوفيق الرباني ، فليس كل مهتدٍ في البدو واصلاً إلى المطلوب ـ وهو الجنة ـ حتى يثبت ويستمر على دينه ، ويكون راسخاً في إيمانه إلى الموت ، وهو بتوفيق الله سبحانه. فالدعاء في الآية سؤال ذلك التوفيق والإدامة في الهداية.

وأمّا الصراط في الآية فعلى ما في الصافي (٤) عن المعاني (٥) عن الصادق عليه‌السلام : هي الطريق إلى معرفة الله تعالى ، وهما صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة ؛ فأمّا الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم. انتهى.

فقد استفيد من هذا الخبر أنّ صراط الدنيا مقدمة لصراط الآخرة الذي هو أدقّ من الشّعر وأحدّ من السيف ، والناس مختلفون في سلوكه بين مسرع في السير كالبرق الخاطف ومبطئ فيه ، إلى أن يصير بعضهم يمشي على أربع. ومبنى الاختلاف اختلافهم في مراتب الولاية.

__________________

١. الصافي ، ج ١ ، ص ٨٥ ؛ وانظر : معاني الأخبار ، ص ٣٣ ، ح ٤.

٢. سورة الإنسان ، الآية ٣.

٣. سورة القصص ، الآية ٥٦.

٤. الصافي ، ج ١ ، ص ٨٥.

٥. معاني الأخبار ، ص ٣٢ باب معنى الصراط ، ح ١.

١٠٨

ولا يخفى أن كونه مستقيماً بالنسبة إلى السالك لهذا الصراط ؛ حيث إنّ الاستقامة حدّ الاعتدال بين الإفراط والتفريط ، وميزان عدل مانع من الانحراف إلى اليمين واليسار ؛ (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) (١) ، وقد بيّنه الله سبحانه بعد ذلك بقوله تعالى : (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) (٢) ؛ فإن النعمة من المطْلقات المحمولة على الفرد الأكمل المشار إليه في الآية : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٣) وفي قوله : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٤) على ما قاله الرضا عليه‌السلام (٥) معاتباً لمن فسّره بالطعام والشراب : بأن الله شأنه أجل من محاسبة الطعام والشراب كما لا يحاسبه أدنى إنسان يرد عليه الضيف ، بل المراد نعمة الولاية. وقد اُشير إليه أيضاً في الآية الاُخرى الواردة في قضية غدير خم (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (٦).

فإذا عرفتَ هذا فقد تبيَّن لك أن المراد من المنعَم عليهم : الذين تفضَّل عليهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بإمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثم وصفهم الله بحدّ التوسط والاعتدال بعدم التفريط والإفراط ؛ فإن الناس ـ كما أنهم في حق عيسى روح الله قد انحرفوا عن الدين ؛ تارة بالتفريط كاليهود حيث إنهم من شدة العداوة قد نسبوا إلى اُمّه ما لا يناسب عصمتها وخدارتها ، واُخرى بالإفراط كالنصارى إذ قالوا باُلوهيته ـ فالمغضوب عليهم هم اليهود على ما يُستفاد من آية : (مَن لَّعَنَهُ اللَّـهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (٧) ، والضالين هم النصارى ؛ حيث قال فيهم : (قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا) (٨). فكذلك في حق أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، هلك فيك اثنان : محب غال ، ومبغض قال (٩). وإنما الناجي من اعتدل

__________________

١. سورة النور ، الآية ٣٥.

٢. سورة الفاتحة ، الآية ٧.

٣. سورة الضحى ، الآية ١١.

٤. سورة التكاثر ، الآية ٨.

٥. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ١٣٧ ، ح ٨.

٦. سورة المائدة ، الآية ٣.

٧. سورة المائدة ، الآية ٦٠.

٨. سورة المائدة ، الآية ٧٧.

٩. نهج البلاغة ، ج ٤ ، ص ٢٨ ، حكمة ١١٧ بلفظ : «هالك فيَّ ..» ، وكذا في عيون الحكم والمواعظ للواسطي ، ص ٥١١.

١٠٩

واستوى وسلك الصراط المستقيم ، وهو الطريق الأوسط.

وإلى بعض ما أشرنا إليه يشير ما في الصافي (١) عن القمي (٢) عنه عليه‌السلام : إن (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) النصّاب ، و (الضَّالِّينَ) أهل الشكوك الذين لا يعرفون الإمام عليه‌السلام.

قوله : «يا ابن النبأ العظيم» النبأ العظيم في قوله تعالى : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (٣) قد يُفسَّر بالبعث ؛ لوقوع الاختلاف فيه ، ولكن النبأ العظيم الذي قد عظم الاختلاف فيه مسألة الإمامة والولاية ، [لا] سيما في مادة أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، أنت حجة الله ، وأنت باب الله ، وأنت الطريق إلى الله ، وأنت النبأ العظيم ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت المثل الأعلى. انتهى.

قوله : «يا ابن من هو في أم الكتاب» الخ ، إشارة إلى آية الزخرف : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٦) ، فالضمير في «إنه» وإن كان راجعاً في الظاهر إلى القرآن المذكور في السابق ، فإنّ شأنه رفيع ، ومضامينه حكمة ؛ ولكن حيث إنّ القرآن الناطق هو إمام العصر ، وأبو الأئمة وسيدهم هو أمير المؤمنين ، عليه فلا يبعد أن يكون المذكور في (لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) العلي الاسمي لا الوصفي ؛ ففي الصافي (٧) عن المعاني (٨) عن الصادق عليه‌السلام : هو أمير المؤمنين عليه‌السلام في أمّ الكتاب ، يعني في الفاتحة ؛ فإنه مكتوب فيها في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، قال : الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعرفته. انتهى.

قوله : «يا ابن النعم السابغات» إشارة إلى الآية الشريفة : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (٩) ؛ فإن النعمة الباطنة ـ على ما سبق ـ هو الإمام عليه‌السلام ، [لا] سيما الإمام الغائب عجل الله فرجه.

__________________

١. الصافي ، ج ١ ، ص ٨٧.

٢. تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٢٩.

٣. سورة النبأ ، الآيتان ١ ـ ٢.

٤. الصافي ، ج ٥ ، ص ٢٧٣.

٥. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ٩ ، ح ١٣.

٦. سورة زخرف ، الآية ٤.

٧. الصافي ، ج ٤ ، ص ٣٨٤.

٨. معاني الأخبار ، ص ٣٣ ، ح ٣.

٩. سورة لقمان ، الآية ٢٠.

١١٠

قوله : «يا ابن طه والمحكمات ، يا ابن يس والذاريات ، يا ابن الطور والعاديات».

أما كون «طه» و «يس» من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فواضح ، ففي الصافي (١) عن المعاني عن الصادق عليه‌السلام : وأما طه اسم من أسماء النبي ، ومعناه يا طالب الحق الهادي إليه. وعن القمي (٢) عنهما عليهما‌السلام قالا : كان رسول الله إذا صلّى قام على أصابع رجليه حتى تورم ، فأنزل الله تعالى (طه) بلغة طيِّ : «يا محمّد» ، (مَا أَنزَلْنَا) (٣) الآية.

وفي الصافي (٤) عن المعاني (٥) عن الصادق عليه‌السلام : وأما «يس» فاسم من أسماء النبي ، ومعناه : يا أيها السامع للوحي.

ثم إنك قد عرفت تفسير المحكم والمتشابه ، ولكن في الصافي (٦) عن الكافي (٧) والعياشي (٨) عنه : أن المحكمات أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام ، والمتشابهات فلان وفلان. انتهى.

ولعل التعبير بالمحكمات عن الأئمة ـ سلام الله عليهم ـ لكونهم اُمّ الكتاب وأساس القرآن والقرآن الناطق ، فكما أنّ المتشابهات لابدّ أن ترجع بالأخرة إلى المحكمات ، فكذا غير الأئمة إذا اختلفوا في أمر لابدّ أن يرجعوا إليهم ، فهم رافعوا الخلاف ، وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون أعداءهم ـ وهم المتشابهات ـ ابتغاء الفتنة.

هذا كله واضح على ما بينّا السرّ في التخصيص بابن طه ويس والمحكمات ، وأمّا «الذاريات» فلم أجد السر مستقيماً بالنسبة إلى هذه العبارات إلا بنحو تكلف وتأويل ، فإن (الذَّارِيَاتِ) ـ على ما فسّروها ـ الرياح تذرو التراب وغيره ، و (فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا) السحب الحاملات للأمطار ، و (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا) السفن الجارية في البحر بسهولة ، و (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) الملائكة التي تقسم الاُمور من الأرزاق والآجال وغيرها ؛ كذا في الصافي (٩) عن

__________________

١. الصافي ، ج ٣ ، ص ٢٩٩ ؛ كشاف القناع ، ج ٣ ، ص ٢٨ ؛ معاني الأخبار ، ص ٢٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٦ ، ص ٨٦ ؛ نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٣٦٧.

٢. تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٥٧ ؛ البرهان ، ج ٣ ، ص ٢٩ ؛ حلية الأبرار ، ج ١. ص ٢٤٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٦ ، ٨٥ ، ح ٢.

٣. سورة طه ، الآيتان ١ ـ ٢.

٤. الصافي ، ج ٤ ، ص ٢٤٤.

٥. معاني الأخبار ، ج ٢٢ ؛ بحار الأنوار ، ج ١٦ ، ص ٨٦ ، ح ٤.

٦. الصافي ، ج ١ ، ص ٣١٨.

٧. الكافي ، ج ١ ، ص ٤١٥ ، ح ١٤.

٨. تفسير العياشي ، ج ١ ، ص ١٦٢ ، وانظر : الصراط المستقيم ، ج ١ ، ص ٢٩٢.

٩. الصافي ، ج ٥ ، ص ٦٧.

١١١

القمي (١) عن الصادق عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وطريق التأويل : أن اختيار كل منها إلى الإمام المتصرَّف في عالم الإمكان ؛ كما اُشير إليه في الدعاء (٢) : بوجوده ثبتت الأرض والسماء ، وبيُمنه رزق الورى.

ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سورة «الذاريات» بمناسبة الآية الاُخرى المشتملة ـ بواسطة القسم ـ على الأهمية في المسألة ؛ حيث قال : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (٣). و «ذات الحبك» جمع حبيكة أي الطريقة ؛ كما في القاموس (٤) ، أو ذات الحسن والزينة كما في المجمع عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فالقول المختلف الذي اختلفوا فيه ولم يتحملوا لثقله وصعوبته هو الولاية والإمامة ؛ كما في الصافي (٥) عن الكافي (٦) عن الباقر : (لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ) في أمر الولاية ، قال : من اُفِكَ عن الولاية اُفِكَ عن الجنة.

ولا يخلو هذا المعنى أيضاً من تكلف ، كما أن كونه «ابن العاديات» غير خال عن التكلف ؛ فإنّ العاديات على ما في تفسير الصافي (٧) وغيره (٨) خيل الغزاة في غزوة وادي اليابس ، والتوصيف بـ(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) (٩) لانقداح النار من سنابك الخيل من شدة العَدْو وكون الأرض ذات حجارة.

وحيث إنّ الأوَّلين قد انهزم كل منهما في رئاسة الجند ، فبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً أمير المؤمنين عليه‌السلام في الثالثة ، فصار الفتح معه ، ورجع مظفِّراً منصوراً مع غنائم كثيرة ، حتى أنه قال الصادق عليه‌السلام : ما غنم المسلمون بغنيمة أكثر منها إلا في خيبر فتحاً (١٠). صار الفتح باسم أمير المؤمنين فاختصت السورة به عليه‌السلام.

__________________

١. تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٣٢٧.

٢. يريد دعاء العديلة.

٣. سورة الذاريات ، الآيات ٧ ـ ٩.

٤. القاموس المحيط ، ج ٣ ، ص ٣٩٧ ؛ تاج العروس ، ج ٧ ، ص ١٧٧.

٥. الصافي ، ج ٥ ، ص ٦٩.

٦. الكافي ، ج ١ ، ص ٤٢٢ ، ح ٤٨.

٧. الصافي ، ج ٥ ، ص ٣٦٠.

٨. بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ٦٨.

٩. سورة العاديات ، الآية ٢.

١٠. تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٤٣٨ ؛ تفسير فرات الكوفي ، ص ٦٠٢ ؛ الصافي ، ج ٥ ، ص ٣٦٥ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ٧٣.

١١٢

أمّا كونه ابن الطور فلا مناسبة مع سورة الطور ؛ على ما هو واضح للمتأمل في عباراته وفقراته. إلا أنّ «طور سينين» في سورة التين قد فُسّر بتفاسير متعددة ؛ منها ـ على تفسير البلدان ـ تفسيره بكوفة ، كما أن «التين» هو المدينة ، و «الزيتون» هو بيت المقدس ، و «البلد الأمين» مكة ؛ كما في الصافي (١) عن الخصال (٢) والمعاني (٣) عن الكاظم عليه‌السلام. ومنها ـ على تفسير الأشخاص ـ تفسيره بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والتين والزيتون الحسنان ، والبلد الأمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ كما في الصافي (٤) عن المناقب (٥) عن الكاظم عليه‌السلام.

ثم اعلم أنه قد ينزَّل العالم بالشيء منزلة الجاهل ؛ لعدم مشيه مشي العالم ، كما قاله علماء المعاني ، وذكروا له النظير قوله تعالى حكايةً عن موسى : (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي) (٦) الآية ؛ فإنّ الخبر لابدّ له من فائدة أو لازمها ، والفائدة العلم بالحكم ، واللازم كون المتكلم عالماً به ، وكلاهما معلومان لله تعالى ، ولكن حيث سأل واستفهم بقوله : (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ) (٧) فكأنه لم يمش مشي من يعلم ، إذ سأل عن ذلك ، فعومل معه كذلك.

وقد يُنزَّل مطلق وجود الشيء منزلة عدمه ؛ لعدم بروز آثار الوجود منه ، كما يقال : «رجل عديم النفع ؛ هو والعدم سواء!».

فإذا عرفت ذلك ، فإن النادب الداعي المنادي لإمام عصره ـ عجل الله تعالى فرجه ـ بهذه العبارات المهيجة للحمية والمثيرة للغيرة ، لما لم يجد مجيباً لندائه ولا مستمعاً إلى دعائه ، فأيس من ذلك ، وجدَّد الاستفهام عن مكانه كما كان مستفهماً ومتحصاً قبل ذلك ، فقال : «ليت شعري أين استقرت بك النوى» ؛ فإن معتقدنا معشر الإمامية أن إمام العصر يَعلم استغاثة المستغيث ؛ كما في بعض الزيارات : أشهد أنك تسمع كلامي وترد سلامي ، ولكنه لعدم الجواب نُزِّل منزلة من فُقد أو غاب ، فتمنَّى العلم بموضعه ومحل غيبته.

__________________

١. الصافي ، ج ٥ ، ص ٣٤٦.

٢. الخصال ، ص ٢٢٥.

٣. معاني الأخبار ، ص ٣٦٤ ، ح ١.

٤. الصافي ، ج ٥ ، ص ٣٤٦.

٥. مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام ، ج ١ ، ص ٢٥٩.

٦. سورة طه ، الآية ١٨.

٧. سورة طه ، الآية ١٧.

١١٣

وحيث إنه ـ عجل الله فرجه ـ قد اختفى من الناس خوفاً منهم ، والاختفاء يستلزم الغيبة وبُعد الفاصلة ، فكأن بُعد الفاصلة قد مكَّنه في أبعد المواضع وأخفاها عن أنظارهم ، فصح نسبة ذلك إلى النوى في قوله : «أين استقرت بك النوى».

وهذا معنى عامٌّ كلي يحتمل المواضع العديدة والنقاط الكثيرة ، [لا] سيما بعد ضم ما بعده حيث قال : «بل أيّ أرض تقلك أو ثرى» ، والثرى إما مرادف للأرض وإما الأرض الندية على ما في القاموس (١). فيكون إشارة إلى السواحل أو الجزائر ؛ على ما في خبر علي بن صالح المازندراني وقضية الجزيرة الخضراء كما في ثالث عشر البحار (٢) ؛ فإنّ الجزيرة لكونها محاطة بالماء تكون ندية لا محالة. أو إشارة إلى الأراضي المنخفضة كالسرداب الذي غاب عليه‌السلام فيه على ما في بعض الأخبار ، حتى أن الناصب العنيد ابن حجر قد استهزأ بشعره العربي الذي قال فيه :

ما آن للسرداب أن يلد الذي

جعلتموه بزعمكم انسانا

وعلى عقولكم العفاء لأنكم

ثَلَّثتُم العنقاء والغيلانا

نعم قد كانت العبارة الاُولى أعم من حيث الاشتمال على الأرض والسماء ، فخصّت في العبارة اللاحقة بالأرض والثرى ، ثم قد زاد التخصيص في العبارة الثالثة حيث قال : «أبرضوى أم بغيرها أم ذي طوى» ، فخضع «الرضوى» وهي جبل بالمدينة على ما في المجمع (٣) ، و «ذي طوى» هو موضع بمكة ؛ على ما في القاموس (٤) ، زيادة في التخصيص وتقريب إلى التعيين ، إلا أنه لكونه منافياً لما هو المأمور به من إخفاء محل غيبته ، فزيد في الأثناء ما يزيد الإبهام ؛ فإن غيرها غير معلوم ؛ لصحة صدق غير الرضوى على الأمكنة المتعددة.

أمّا تعيين «الرضوى» أو «ضي طوى» فعلى طبق بعض الأخبار ، ويكفي في الرضوى ما في البحار (٥) عن غيبة الطوسي (٦) عن عبد الأعلى قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها ، فقال لي : ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى برضوى من

__________________

١. القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٠٨.

٢. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٩ ، باب ٢٤.

٣. مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ١٨٩ مادة «رضو».

٤. القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٥٨ قال : و «ذو طوى» موضع قرب مكة.

٥. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٣ ، ح ٧.

٦. الغيبة للطوسي ، ص ١٦٣ ، ح ١٢٣.

١١٤

جبال فارس ، أحبّنا فنقله الله إلينا ، أما إنّ فيه كل شجر مطعم ونعم أمان للخائف ـ مرتين ـ أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين ؛ واحدة قصيرة ، والاُخرى طويلة. انتهى.

حتى أن الكيسانية لقولهم بإمامة محمد بن الحنفية وكونه الغائب المنتظر قد قال قائلهم ـ كالسيد الحميري قبل تَبَصُّرِه ـ ما يؤيد ذلك ، فقال تارة فيما قال :

وسبطٌ لا يذوق الموتَ حتى

يقودَ الجيشَ يقدمُه اللواءُ

تغيَّب لا يرى عنّا زماناً

برضوى عنده عسلٌ وماءُ (١)

ولكن بعد تبصره ببركة جعفر الصادق عليه‌السلام فقال :

فلستُ بغالٍ ما حَي~يْتُ وراجع

إلى ما عليه كنتُ اُخفي واُضمرُ

ولا قائلاً حيٌّ برَضْوى محمد

وإن عاتب جُهّال مقالي وأكثروا (٢)

وأما «ذي طوى» فقد ورد فيه في البحار (٣) عن العياشي (٤) عن عبد الأعلى الحلبي قال أبو جعفر عليه‌السلام : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشِّعاب ـ ثم أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين. الحديث.

قوله : «عزيزٌ عليّ أن أرى الخلقَ ولا تُرى» لا يخفى أنه ـ عجل الله فرجه ـ مع قربه من الخلق بعيد عن أنظارهم ، فيراهم ولا يرونه ، وقد ورد في هذا المطلب أخبار كثيرة ، منها ما في البحار (٥) عن الكافي (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في بيان أن لصاحب الأمر سنناً من سنن الأنبياء ... إلى أن قال : وأما سنته من يوسف فالستر ، جعل الله بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه ... الحديث.

الترجمة :

پدرم فداى تو ومادرم ونفس من براى تو است نگهدار وحمايت كننده ، اى پسر آقايان مقربين! اى پسر نجيبان محترمين! اى پسر هدايت كنندگان كه هدايت يافته‌اند! اى پسر

__________________

١. كمال الدين ، ص ٣٢ ؛ الصراط المستقيم ، ج ٢ ، ص ٢٦٨ ؛ مدينة المعاجز ، ج ٥ ، ص ٣٨٠.

٢. كمال الدين ، ص ٣٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٧ ، ص ٣١٧ ؛ بشارة المصطفى ، ص ٤٣٠.

٣. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٣٤١ ، ح ٩١.

٤. تفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ٥٦ ، ح ٤٩ ؛ وانظر : الغيبة للنعماني ، ص ١٨٢.

٥. بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٢٢٤ ، ح ١٠.

٦. لم نجده في الكافي ، ونقله في كمال الدين ، ص ٣٥١ ، ح ٤٦ ؛ وانظر : معجم احاديث الإمام المهدي عليه‌السلام ، ج ٣ ، ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

١١٥

برگزيده پاكيزگان! اى پسر آقايان نجباء! اى پسر سادات برگزيده! اى پسر سخاوتمندان عزيز! اى پسر پاكيزگان بزرگ! اى پسر ماه‌هاى روشنى دهنده! اى پسر چراغ‌هاى نور افكنده! اى پسر تير شهاب‌هاى سوراخ كننده! اى پسر ستاره‌هاى درخشنده! اى پسر راه‌هاى آشكار! اى پسر نشان‌هاى واضح! اى پسر علم‌هاى كامل! اى پسر طريق‌هاى مشهوره! اى پسر علامت‌هاى برگزيده! اى پسر معجزه‌هاى موجوده! اى پسر دلايل حاضره! اى پسر راه راست! اى پسر خبر بزرگ! اى پسر كسى كه او در لوح محفوظ هر آينه بلند وصاحب حكمت است! اى پسر نشان‌ها ودليل‌ها! اى پسر دلايل ظاهره! اى پسر براهين واضحه غالبه! اى پسر حجت‌هاى بالغه! اى پسر نعمت‌هاى كامله! اى پسر طه وآيات محكمات! اى پسر يس وسوره ذاريات! اى پسر طور وعاديات (يعنى پسر آن كسى كه در اين سوره‌ها مقصود او وتعريف او است)! اى پسر آن كسى كه نزديك شد ، پس علاقه‌مند گرديد ، پس گرديد به مسافت دو كمان يا نزديك‌تر ، نزديك شدنى از ذات اقدس احديَت كه شأنش اجل از قرب مكانى است!

كاش مى‌دانستم كجا قرار داده او را دورى؟ بلكه كدام زمين بر مى‌دارد او را؟ يا كدام خاك مرطوب كه سواحل يا جزاير يا زير زمين باشد؟

آيا در «رضوى» كه كوهى است در مدينه قرار گرفته يا در غير او؟ يا در «ذى طوى» كه موضعى در نزديكى مكه است متمكن شده؟

دشوار است بمن كه ببينم خلق او را وتو را نبينم ، ونشنوم براى تو صداى نازك ونه سرّ مخفى. دشوار است به من اين كه دارا نشود به من عوض تو بلوا ونرسد به گوش تو ناله من ونه شكايت من (يعنى به حسب ظاهر كه بتوان به آن شنيدن ترتيب اثرى نمودن).

الفصل السابع [من الدعاء]

الدعاء :

بسم الله الرحمن الرحيم

بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا ، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نازِحٍ يَنْزِحُ عَنّا ، بِنَفْسي اَنْتَ اُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنّى ، مِنْ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنّا ، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ عَقيدِ عِزٍّ لا يُسامى ، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ اَثيلِ مَجْدٍ لا يُجارى ، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى ، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نَصيفِ شَرَف لا يُساوى.

١١٦

اِلى مَتى اَجارُ فيكَ يا مَوْلايَ ، وَاِلى مَتي وَاَىَّ خِطابٍ اَصِفُ فيكَ وَاَيَّ نَجْوى.

عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اُجابَ دُونَكَ وَاُناغى ، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اَبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرى ، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى.

هَلْ مِنْ مُعينٍ فَاُطيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَالْبُكاءَ ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَاُساعِدَ جَزَعَهُ اِذا خَلا ، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَتُسْعِدَهَا عَيْني عَلَى الْقَذى ، هَلْ اِلَيْكَ يَا ابْنَ اَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى ، هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى.

مَتى نَرِدُ مَناهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوى ، مَتى نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مائِكَ فَقَدْ طالَ الصَّدى ، مَتى نُغاديكَ وَنُراوِحُكَ فَتَقُرُ عُيُوننا ، (١) مَتى تَرانا وَنَرَيكَ ، وَقَدْ نَشَرْتَ لِواءَ النَّصْرِ تُرى.

اَتَرانا نَحُفُّ بِكَ ، وَاَنْتَ تَاُمُّ الْمَلأ ، وَقَدْ مَلأْتَ الْاَرْضَ عَدْلاً ، وَاَذَقْتَ اَعْداءَكَ هَواناً وَعِقاباً ، وَاَبَرْتَ الْعُتاةَ وَجَحَدَةَ الْحَقِّ. وَقَطَعْتَ دابِرَ الْمُتَكَبِّرينَ ، وَاجْتَثَثْتَ اُصُولَ الظّالِمينَ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ.

اللغة :

نازح ـ من نزح كمنع وضرب نزحاً نزوحاً ـ أي : بَعُد.

الاُمنية ـ بالضم كالاُضحية ـ : اسم من التمني ، بمعنى ما يُتمنّى.

حنّا ـ من حنّ ـ بمعنى : شاق أو طرب أو مال.

قوله : «عقيد عزّ» في القاموس : العقيد والمعاقد : المعاهد ، وهو عقيد الكرم واللؤم.

قوله : «لا يُسامى» من السموّ بمعنى : العلو.

الأثيل : كالأصيل لفظاً ومعنى.

تلادُ نِعَم : التلاد كالتالد والتلد ـ بالضم والفتح ـ ما ولد عندك. والمتلَّد ـ كالمعظَّم ـ بمعنى : القديم.

النصيف ـ كالنصف ـ بمعنى : شق الشيء.

قوله : «أجار» من جأر ـ كمنع ـ أي : رفع صوته أو تضرّع واستغاث.

قوله : «أناغى» في المجمع : المرأة تناغي الصبيَّ أي تكلّم بما يعجبه ويسرُّه.

__________________

١. الجدير بالذكر أن بعض عبارات هذه الفقرات تختلف عن الدعاء المشهور بين أيدينا ، ولكن تقترب عمّا تُقل في هدية الزائرين للمحدث القمي.

١١٧

«القَذى» ما يقع في العين فيؤذي.

قوله : «فنخطى» من الخطو بمعنى : المشي.

«المناهل» جمع المنهل ـ بفتح الميم : موضع الشرب.

«الصدى» العطش وردّ الصوت وغير ذلك.

قوله : «أبرت» من البوار ، أباره الله أي : أهلكه.

«اجتثت» من الجَثّ : بمعنى القطع وانتزاع الشجر من أصله وحسم مادته.

الإعراب :

قوله : «بنفسي أنت من مغيَّب» الخ. قد مر في الفصل السابق إعراب «بنفسي أنت» وأمثاله ، والكلام هنا في بيان «مِن» في «مِن مغيَّب» ، فربما تخيّل كون «من» تجريدية ، كالباء التجريدية في «لقيت من زيد أو يزيد أسداً». والتجريد من جملة المحسَّنات البديعية المذكورة في علم البديع ، وهو ـ على ماقاله في التلخيص ـ أن ينتزع من أمر ذي صفة مثله فيها مبالغة لكمالها فيه ، نحو قولهم : «ولي من فلان صديق حميم» وغير ذلك من الأمثلة ، فقد انتزع من زيد صفة الشجاعة التي هي أظهر أوصاف الأسد بل تمام ملاك الأُسدية ادعاءً ، فكأن من لقي شجاعاً أسداً. وكذلك قد انتزع من فلان أظهر أوصافه وهو الصداقة ، وصح التعبير بالصديق عن هذه الصفة من قبيل «شعر شاعر».

هذا ، ولكن المعمول دخول «من» في موارد التجريد على المنتزع منه لا على المنتزع ، ففي المقام قد دخل «من» على المغيَّب وهو المنتزع ، فالظاهر عدم كونه من باب التجريد ، بل «من» في أمثال المقام من قبيل الداخلة على التميز في موارد رفع الإبهام عن النسبة ، كما في قولك : «لله درَّه فارساً» أو «من فارس». وقال الشاعر على ما في شرح الرضي (١) :

لله درّ أنوشِرْوان من رجلٍ

ما كان أعرفُه بالدُّونِ والسفل

فإن نسبة در زيد إلى الله المستلزم لفرط العجب منه محتمل لاُمور من حيث الاتصاف بصفات الكمال من الشجاعة أو الكتابة أو النطق أو العلم أو غير ذلك ، فالتعقيب بالفارسية يرفع الإبهام ، وكان العجب ناش منه ، فصح التعبير بكون «من» ابتدائية أو نشوية في هذه المقامات وفي الشعر العربي ، وإن كان مدخول «من» لمجرده» ليس منشأ للعجب ، ولكن

__________________

١. شرح الرضي على الكافية ، ج ٢ ، ص ٦١ ، رقم الشاهد ٢٠٤.

١١٨

بضميمة ما بعده من الوصف منشأ للعجب ، كما أن المستفاد من قوله : «بنفسي أنت» كون المخاطب محبوباً للمتكلم وممدوحاً له ؛ كما سبفي في الفصل السابق أن أمثال هذه العبارات من قبيل إنشاء المدح وإظهار المحبوبية ، وهو أمر مبهم من حيث الجهة ، فهل هي العلم أو الجشاعة أو السخاوة أو غير ذلك ، فالتعقيب بقوله : «من مغيَّب لم يخل منا» يرفع الإبهام بأن محبوبيته لأجل الغيبة ، ولكن ليس مجرد الغيبة منشأ المدح بل بضميمة الوصف ، وهو عدم الخلو منا ، يعني إنّ لطفه ورأفته على الشيعة بحيث إنه مع غيبته وبُعده لا يرفع نظره عنا ؛ بل لولاه لساخت الأرض بأهلها ، ولغارت الأنهار ؛ كما عرفت سابقاً أن عوائد تصرفه ممنوعة عنا لا فوائد وجوده.

فإن قلت : وأيّ معنى في «نازح ينزح عنا» يكون منشأ المدح والمحبوبية ، مع أن النزح بمعنى البُعد ولا حسن في البُعد.

قلت : لعل النظر فيه إلى القيد الأخير ، فإن بُعده ـ عجل الله تعالى فرجه ـ عنا لتقصيرنا وعدم استعدادنا لتشرف خدمته ، فالبُعد عنا حينئذ بُعد في الله وبغض في الله ، وهو منشأ المدح والمحبوبية بالنسبة إليه من حيث كونه في حركاته وسكناته به سبب رضاء خالقه وصانعه.

قوله : «اُمنية شائق تمنّى» ظاهر سياق العبارات الاُخر دخول «من» على الاُمنية ، ولكن في النسخ الموجودة خالية عنها ، فهو من قبيل «لله درّه فارساً» ، والإضافة لا تفيد التعريف ؛ لكونها إلى النكرة.

قوله : «من مؤمن ومؤمنة» بيان للشائق ، وجملة «ذكرا» صفة لهما مع عطف جملة «حنّا» بألف التثنية عليها ، والفاء للترتيب مع السببية ، فإن الذكر سبب الحنين.

قوله : «أن اُجاب دونك واُناغى». دونك ظرف بمعنى مكانك. وتوهَّمَ بعضٌ إذ جعله بمعنى عند نظراً إلى بعض مواضع استعماله ، مثلاً في الخبر : المقتول دون الله شهيد (١) أي عند الله ، ولكن ليس المراد مطلق العندية ، بل الأنسب على هذا المعنى أن يكون الأمر بالعكس ؛ فإنّ المقتول عند الله لعدم كونه غريباً ليس كالمقتول أو الميت في بلاد الغربة ، فالمناسب إذاً أن يكون الغريب أشد ثواباً وأجراً. فالغرض هو معنى البدلية والمكانية ، يعني : إنّ المقتول في مقام الحماية والدفاع عن أهله وناموسه بمنزلة الشهيد.

__________________

١. في مجمع الزوائد ، (ج ٦ ، ص ٢٤٥) : المقتول دون ماله شهيد.

١١٩

قوله : «هل من معين فاُطيلَ معه» بنصب اُطيل ، بتقدير أن ؛ لكونه بعد فاء السببية في جواب الأشياء الستة ومنها الاستفهام ، كما في قولهم : «هل تنزل بنا فتصيب خيراً منّا؟» ، وكذلك الأمر في «فاُساعدَ» وغيرها.

قوله : «وقد نشرت» الجملة حالية من الكاف في «نراك». والظاهر أن تُرى بصيغة المجهول أيضاً حال منه ، أي نراك مرئياً للعموم لا بالخصوص ، كما في زمان الغيبة الصغرى بالنسبة إلى سفرائه المخصوصين.

البلاغة والمعنى :

اِعلم أن هذه العبارات المشتملة على التفدية قد عرفت في الفصل السابق عدم إرادة المعناي الأصلية منها ، بل المقصود منها الكنايات وإرادة محبوبية المفدَّى له ؛ من حيث استجماعه الصفات الحميدة والكمالات النفسانية المشار إليها بعبارات اُخرى لاحقة. وقد أشرنا في بيان الإعراب إلى كونها رافعة الإبهام عن النسبة ، وأن المحبوبية من حيث هذه الصفات.

ولا يخفى أن العترة الأطهار ـ سلام الله عليهم ـ لهم امتياز مخصوص ؛ من حيث الاحتواء على الصفات الحميدة والأخلاق الجميلة ، كما نطقت به الأخبار الكثيرة ، ومنها ما في بعض خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الانصراف من صفين ، إلى أن قال : لا يُقاس بآل محمد من هذه الاُمّة أحد ، ولا يستوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين وعماد اليقين ؛ إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة. الآن إذ رجع الحق إلى أهله ، ونُقل إلى منتقله ... الخطبة (١).

فيُستفاد منها أنه : لا يُقاس بآل محمد أحد من غيرهم في واحد من الأوصاف ، بل هم المستجمعون لجميع الكمالات دون الخالق وفوق كل مخلوق ، وإليه الإشارة في بعض فقرات الزيارة الجامعة : ذكركم في الذاكرين ، واسماؤكم في الأسماء ، وأجسادكم في الأجساد ، ونفوسكم في النفوس ، فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم ... الخ ، كما سبق إليه الإشارة في المقدمة.

فالمعنى حينئذ أن إمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ على ما هو المنظور المخاطب والمنادى في دعاء الندبة ؛ حيث كان كسائر أهل بيت العترة عليهم‌السلام واجداً للكمالات ، ومع هذه

__________________

١. نهج البلاغة ، ج ١ ، ص ٣٠ ، الخطبة ٢.

١٢٠