كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

ما قاله الشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف

وقال في المبسوط في الماء المضاف ـ : إنّه مباح التصرّف فيه بأنواع التصرّف ما لم تقع فيه نجاسة ، فإن وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال ، وقال في حكم الماء المتغيّر بالنجاسة : إنّه لا يجوز استعماله إلاّ عند الضرورة ، للشرب لا غير (١).

وقال في النهاية : وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعاً لم يجز استعماله ووجب إهراقه (٢) ، انتهى.

وقريب منه عبارة المقنعة (٣).

وقال في الخلاف في حكم السمن والبذر والشيرج والزيت إذا وقعت فيه فأرة ـ : إنّه جاز الاستصباح به ، ولا يجوز أكله ، ولا الانتفاع به بغير الاستصباح ؛ وبه قال الشافعي ، وقال قوم من أصحاب الحديث : لا ينتفع به بحال ، لا باستصباح ولا بغيره ، بل يراق كالخمر ، وقال أبو حنيفة : يستصبح به ويباع لذلك (٤) ، وقال داود (٥) : إن كان المائع سمناً لم ينتفع به بحال (٦) وإن كان غيره (٧) من الأدهان لم ينجس بموت الفأرة فيه ويحلّ أكله وشربه ؛ [لأنّ الخبر ورد‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٥ و ٦.

(٢) النهاية : ٥٨٨.

(٣) المقنعة : ٥٨٢.

(٤) كذا في «ف» ونسخة بدل «م» ، وفي «ع» : ويباع لذلك مطلقاً ، وفي «خ» و «م» و «ص» : ويباع مطلقاً ، وفي «ن» و «ش» : ويباع أيضاً.

(٥) في جميع النسخ : ابن داود ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٦) كلمة «بحال» من «ش» ومصححة «ن» ، ولم ترد في سائر النسخ.

(٧) في «ش» : ما عداه.

٨١

في السمن فحسب (١)] ؛ دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (٢).

ما قاله الحلّي في السرائر

وفي السرائر في حكم الدهن المتنجّس ـ : أنّه لا يجوز الادّهان به ولا استعماله في شي‌ء من الأشياء ، عدا الاستصباح تحت السماء. وادّعى في موضع آخر : أنّ الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف (٣).

ما قاله ابن زهرة في الغنية

وقال ابن زهرة بعد أن اشترط في المبيع أن يكون ممّا ينتفع به منفعة محلّلة (٤) ـ : وشرطنا في المنفعة أن تكون مباحة ، تحفّظاً من المنافع المحرّمة ، ويدخل في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره ، عدا ما استثني : من بيع الكلب المعلّم للصيد ، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة ، ثمّ استدلّ على جواز بيع الزيت بعد الإجماع بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن في الاستصباح به تحت السماء ، قال : وهذا يدلّ على جواز بيعه لذلك (٥) ، انتهى.

الأقوى جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل

هذا ، ولكن الأقوى وفاقاً لأكثر المتأخّرين (٦) جواز الانتفاع إلاّ ما خرج بالدليل ، ويدلّ عليه أصالة الجواز ، وقاعدة حلّ الانتفاع‌

__________________

(١) من «ش» والمصدر.

(٢) الخلاف : كتاب الأطعمة ، المسألة ١٩.

(٣) السرائر ٣ : ١٢١ ١٢٢.

(٤) في أكثر النسخ زيادة : قال.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٢٤.

(٦) كما يأتي عن المحقّق والعلاّمة والشهيدين والمحقّق الكركي في الصفحات : ٨٧ ٨٨.

٨٢

بما في الأرض (١). ولا حاكم عليهما (٢) سوى ما يتخيّل من بعض الآيات والأخبار ، ودعوى الجماعة المتقدّمة (٣) الإجماع على المنع.

والكلّ غير قابل لذلك.

[الاستدلال على المنع بالآيات والجواب عنه]

أمّا الآيات :

الاستدلال على المنع بالآيات والجواب عنه

فمنها : قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (٤) ، دلّ بمقتضى التفريع على وجوب اجتناب كلّ رجس.

وفيه : أنّ الظاهر من «الرجس» ما كان كذلك في ذاته ، لا ما عرض له ذلك ، فيختصّ بالعناوين النجسة ، وهي النجاسات العشر ، مع أنّه لو عمّ المتنجّس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد ؛ فإنّ أكثر المتنجّسات لا يجب الاجتناب عنه (٥).

مع أنّ وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجساً من عمل الشيطان ، يعني من مبتدعاته ، فيختصّ وجوب الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان ، سواء كان نجساً كالخمر أو قذراً معنويّاً مثل المَيْسِر ـ ، ومن المعلوم : أنّ المائعات المتنجّسة كالدهن والطين والصبغ والدبس ـ

__________________

(١) المستفاد من قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) البقرة : ٢٩.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : عليها.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المتقدّم.

(٤) المائدة : ٩٠.

(٥) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : منه.

٨٣

إذا تنجّست ليست من أعمال الشيطان.

وإن أُريد من «عمل الشيطان» عمل المكلّف المتحقّق في الخارج بإغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها على النحو الخاصّ ، فالمعنى : أنّ الانتفاع بهذه المذكورات رجسٌ من عمل الشيطان ، كما يقال في سائر المعاصي : إنّها من عمل الشيطان ، فلا تدلّ أيضاً على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجّس إلاّ إذا ثبت كون الاستعمال رجساً ، وهو أوّل الكلام.

وكيف كان ، فالآية لا تدلّ على المطلوب.

ومن بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على ذلك بقوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (١) ؛ بناءً على أنّ «الرُّجْز» هو الرجس.

وأضعف من الكلّ : الاستدلال بآية تحريم الخبائث (٢) ؛ بناءً على أنّ كلّ متنجّس خبيث ، والتحريم المطلق يفيد (٣) عموم الانتفاع ؛ إذ لا يخفى أنّ المراد هنا حرمة الأكل ، بقرينة مقابلته بحلّيّة الطيّبات.

وأمّا الأخبار :

الاستدلال بالأخبار والجواب عنه

فمنها : ما تقدّم من رواية تحف العقول ، حيث علّل النهي عن بيع وجوه النجس بأنّ «ذلك كلّه محرّم أكله وشربه وإمساكه وجميع التقلّب فيه ، فجميع التقلّب في ذلك حرام» (٤).

__________________

(١) المدّثّر : ٥.

(٢) وهي قوله تعالى (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) الأعراف : ١٥٧.

(٣) في «ش» : يفيد تحريم.

(٤) تحف العقول : ٣٣٣ ، مع اختلاف.

٨٤

وفيه : ما تقدّم من أنّ المراد ب «وجوه النجس» عنواناته المعهودة ؛ لأنّ الوجه هو العنوان ، والدهن ليس عنواناً للنجاسة ، والملاقي للنجس وإن كان عنواناً للنجاسة ، لكنّه ليس وجهاً من وجوه النجاسة في مقابلة غيره ؛ ولذا لم يعدّوه عنواناً في مقابل العناوين النجسة ، مع ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر ، لو أُريد به المنع عن استعمال كلّ متنجّس.

ومنها : ما دلّ على الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة (١) وإلقاء ما حول الجامد من الدهن وشبهه وطرحه (٢). وقد تقدّم بعضها في مسألة الدهن ، وبعضها الآخر متفرّقة ، مثل قوله : «يهريق المرق» (٣) ونحو ذلك.

وفيه : أنّ طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الأكل ؛ فإنّ ما أُمر بطرحه من جامد الدهن والزيت يجوز الاستصباح به إجماعاً ، فالمراد : اطراحه من ظرف الدهن وترك الباقي للأكل.

وأمّا الإجماعات :

الإجماعات المدعاة على المنع ، والنظر في دلالتها

ففي دلالتها على المدّعى نظر ، يظهر من ملاحظتها ، فإنّ الظاهر من كلام السيّد المتقدّم (٤) ـ : أنّ مورد الإجماع هو نجاسة ما باشره أهل الكتاب ، وأمّا حرمة الأكل والانتفاع فهي من فروعها المتفرّعة‌

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٣٧٦ ، الباب ٤٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل.

(٢) الوسائل ١٦ : ٣٧٤ ، الباب ٤٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٣) لفظ الحديث : يهراق مرقها.

(٤) يعني كلام السيّد المرتضى ، المتقدّم في الصفحة : ٨٠.

٨٥

على النجاسة ، لا أنّ معقد الإجماع حرمة الانتفاع بالنجس ؛ فإنّ خلاف باقي الفقهاء في أصل النجاسة في أهل الكتاب ، لا في أحكام النجس.

وأمّا إجماع الخلاف (١) ، فالظاهر أنّ معقده ما وقع الخلاف فيه بينه وبين من ذكر من المخالفين ؛ إذ فرق بين دعوى الإجماع على محلّ النزاع بعد تحريره ، وبين دعواه ابتداءً على الأحكام المذكورات (٢) في عنوان المسألة ، فإنّ الثاني يشمل الأحكام كلّها ، والأوّل لا يشمل إلاّ الحكم الواقع مورداً للخلاف (٣) ؛ لأنّه الظاهر من قوله : «دليلنا إجماع الفرقة» ، فافهم واغتنم.

وأمّا إجماع السيّد في الغنية (٤) ، فهو في أصل مسألة تحريم بيع النجاسات واستثناء الكلب المعلّم والزيت المتنجّس ، لا في ما ذكره من أنّ حرمة بيع المتنجّس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع ، نعم ، هو قائل بذلك.

وبالجملة ، فلا ينكر ظهور كلام السيّد في حرمة الانتفاع بالنجس الذاتي والعرضي ، لكنّ دعواه الإجماع على ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدّاً.

وكذلك لا ينكر كون السيّد والشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجّس‌

__________________

(١) المتقدّم في الصفحة : ٨١ ٨٢.

(٢) في «ش» : المذكورة.

(٣) كذا في «ف» و «خ» ، وفي سائر النسخ : مورد الخلاف.

(٤) المتقدّم في الصفحة : ٨٢.

٨٦

كما هو ظاهر المفيد (١) وصريح الحلّي (٢) لكن دعواهما الإجماع على ذلك ممنوعة عند المتأمّل المنصف.

وهن الاجماعات بظهور كلام أكثر المتأخرين في الخلاف

ثمّ على تقدير تسليم دعواهم الإجماعات ، فلا ريب في وهنها بما يظهر من أكثر المتأخّرين من قصر حرمة الانتفاع على أُمورٍ خاصّة.

قال في المعتبر في أحكام الماء (٣) المتنجّس ـ : وكلّ ماء (٤) حكم‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٨٢.

(٢) السرائر ٢ : ٢١٩ ، و ٣ : ١٢١.

(٣) في «ش» زيادة : القليل.

(٤) المعتبر ١ : ١٠٤.

٨٧

ما قاله المحقق في المعتبر

بنجاسته لم يجز استعماله إلى أن قال ـ : ويريد (١) بالمنع عن استعماله : الاستعمال في الطهارة وإزالة الخبث والأكل والشرب دون غيره ، مثل بَلّ الطين وسقي الدابّة (٢) ، انتهى.

أقول : إنّ بَلّ الصبغ والحنّاء بذلك الماء داخل في الغير ، فلا يحرم الانتفاع بهما.

ما قاله العلّامة في كتبه

وأمّا العلاّمة ، فقد قَصَر حرمة استعمال الماء المتنجّس في التحرير والقواعد والإرشاد على الطهارة والأكل والشرب (٣) وجوّز في المنتهي الانتفاع بالعجين النجس في علف الدوابّ ، محتجّاً بأنّ المحرّم على المكلّف تناوله ، وبأنّه انتفاع فيكون سائغاً ؛ للأصل (٤).

ولا يخفى أنّ كلا دليليه صريح في حصر التحريم في أكل العجين المتنجّس (٥).

ما قاله الشهيد في قواعده والذكرى

وقال الشهيد في قواعده : «النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية» (٦) ثمّ ذكر ما يؤيّد المطلوب.

وقال في الذكرى في أحكام النجاسة ـ : تجب إزالة النجاسة‌

__________________

(١) في «ف» ، و «ن» ، و «ش» : نريد.

(٢) المعتبر ١ : ١٠٥.

(٣) التحرير ١ : ٥ ، القواعد ١ : ١٨٩ ، الإرشاد ١ : ٢٣٨.

(٤) المنتهى ١ : ١٨٠ ، ولم نجد في كلامه الاستدلال بالأصل صريحاً.

(٥) كذا في «ن» و «ش» ، ولم يرد «العجين» في «ف» ، كما لم يرد «المتنجّس» في سائر النسخ.

(٦) القواعد والفوائد ٢ : ٨٥ ، القاعدة : ١٧٥.

٨٨

عن الثوب والبدن ، ثمّ ذكر المساجد وغيرها ، إلى أن قال ـ : وعن كلّ مستعمل في أكل أو شرب أو ضوء تحت ظلّ ؛ للنهي عن النجس ، وللنصّ (١) ، انتهى.

مراده (٢) بالنهي عن النجس : النهي عن أكله ، ومراده بالنصّ : ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجّس تحت السقف (٣) ، فانظر إلى صراحة كلامه في أنّ المحرّم من الدهن المتنجّس بعد الأكل والشرب خصوص الاستضاءة تحت الظلّ ؛ للنصّ.

ما حكاه المحقّق الثاني عن بعض فوائد الشهيد

وهو المطابق لما حكاه المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (٤) عنه قدس‌سره في بعض فوائده : من جواز الانتفاع بالدهن المتنجّس في جميع ما يتصوّر من فوائده.

وقال المحقّق والشهيد الثانيان في المسالك وحاشية الإرشاد ، عند قول المحقّق والعلاّمة قدس‌سرهما : «تجب إزالة النجاسة عن الأواني» (٥) ـ : إنّ هذا إذا استعملت في ما يتوقّف استعماله على الطهارة ، كالأكل والشرب (٦).

وسيأتي (٧) عن المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد في مسألة‌

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١٤.

(٢) في «ص» و «ش» : ومراده.

(٣) وهي المرسلة المتقدّمة عن المبسوط في الصفحة : ٧٨.

(٤) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٠٣ ٢٠٤.

(٥) الشرائع ١ : ٥٣ ، الإرشاد ١ : ٢٣٩.

(٦) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٨ ، المسالك ١ : ١٢٤.

(٧) في الصفحة : ٩٤.

٨٩

الانتفاع بالإصباغ المتنجّسة ما يدلّ على عدم توقّف جواز الانتفاع بها على الطهارة.

ما أفاده الشهيد الثاني في المسالك

وفي المسالك في ذيل قول المحقّق قدس‌سره : «وكلّ مائع نجس عدا الأدهان» قال : لا فرق في عدم جواز بيعها على القول بعدم قبولها للطهارة بين صلاحيّتها للانتفاع على بعض الوجوه وعدمه ، ولا بين الإعلام بحالها وعدمه ، على ما نصّ عليه الأصحاب ، وأمّا الأدهان المتنجّسة بنجاسة عارضيّة كالزيت تقع فيه الفأرة فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها (١) وإنّما خرج هذا الفرد بالنصّ ، وإلاّ فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجّسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه ، وقد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها لتُعمل صابوناً أو يُطلى به (٢) الأجرب ونحو ذلك. ويشكل بأنّه خروج عن مورد النصّ المخالف للأصل ، فإن جاز لتحقّق المنفعة ، فينبغي مثله في المائعات النجسة (٣) التي ينتفع بها ، كالدبس يطعم النحل (٤) وغيره (٥) ، انتهى.

ولا يخفى ظهوره في جواز الانتفاع بالمتنجّس ، وكون المنع من بيعه لأجل النصّ ، يقتصر على مورده.

وكيف كان ، فالمتتبّع في كلام المتأخّرين يقطع بما استظهرناه‌

__________________

(١) كلمة «بها» من «ش» والمصدر فقط.

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر : بها ، وهو الأنسب.

(٣) في «ف» : المتنجسة.

(٤) في «ش» والمصدر : للنحل.

(٥) المسالك ٣ : ١١٩.

٩٠

من كلماتهم.

إرجاع كلمات القدماء إلى ما ذكره المتأخّرون

والذي أظنّ وإن كان الظنّ لا يغني لغيري شيئاً أنّ كلمات القدماء ترجع إلى ما ذكره المتأخّرون ، وأنّ المراد بالانتفاع في كلمات القدماء : الانتفاعات الراجعة إلى الأكل والشرب ، وإطعام الغير ، وبيعه على نحو بيع ما يحلّ أكله (١).

ثمّ (٢) لو فرضنا مخالفة القدماء كفى موافقة المتأخّرين في دفع (٣) الوهن عن الأصل والقاعدة السالمين عمّا يرد عليهما.

جواز بيعه لغير الاستصباح من الانتفاعات بناء على جوازها

ثمّ على تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات ، فالظاهر جواز بيعه لهذه الانتفاعات ، وفاقاً للشهيد والمحقّق الثاني قدس‌سرهما.

قال الثاني في حاشية الإرشاد في ذيل قول العلاّمة رحمه‌الله : «إلاّ الدهن للاستصباح» : إنّ في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد أنّ الفائدة لا تنحصر في ذلك ؛ إذ مع فرض فائدة أُخرى للدهن لا تتوقّف على طهارته يمكن بيعها لها ، كاتّخاذ الصابون منه ، قال : وهو مرويّ ، ومثله طلي الدوابّ. أقول : لا بأس بالمصير إلى ما ذكره شيخنا ، وقد ذكر أنّ به رواية (٤) ، انتهى.

__________________

(١) في هامش «ف» هنا زيادة ما يلي : «كما يشهد لذلك أنّ المحقق قدس‌سره في ما تقدم من كلامه الأوّل لم يسند عموم المنع إلاّ إلى إطلاق الشيخ قدس‌سره ، لا إلى مذهبه هنا كلمتان غير مقروءتين. صح صح».

(٢) شطب في «ف» على «ثمّ» وكتب بدلها : «و».

(٣) كذا في «ع» و «ص» ، وفي سائر النسخ : رفع.

(٤) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٠٤.

٩١

أقول : والرواية إشارة إلى ما عن الراوندي في كتاب النوادر بإسناده عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وفيه : «سُئل عليه‌السلام عن الشحم يقع فيه شي‌ء له دم فيموت؟ قال عليه‌السلام : تبيعه لمن يعمله صابوناً .. الخبر» (١).

حكم بيع غير الدهن من المتنجسات

ثمّ لو قلنا بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة ، فهل يجوز بيع غيره من المتنجّسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحلّلة كالصبغ والطين ونحوهما ـ ، أم يقتصر على المتنجّس المنصوص وهو الدهن غاية الأمر التعدّي من حيث غاية البيع إلى غير الاستصباح؟ إشكال :

وجه المنع

من ظهور استثناء الدهن في كلام المشهور في عدم جواز بيع ما عداه ، بل عرفت من المسالك (٢) نسبة عدم الفرق بين ما له منفعة محلّلة وما ليست له إلى نصّ الأصحاب.

وجه الجواز

وممّا تقدّم في مسألة جلد الميتة : من أنّ الظاهر من كلمات جماعة من القدماء والمتأخّرين كالشيخ في الخلاف وابن زهرة والعلاّمة وولده والفاضل المقداد والمحقّق الثاني (٣) وغيرهم دوران المنع عن بيع النجس‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٣ : ٧٣ ، الباب ٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧ ، ولفظ الحديث : «أنّ عليّاً عليه‌السلام سئل عن الزيت يقع فيه ..».

(٢) تقدّم في الصفحة : ٩٠.

(٣) الخلاف ٣ : ١٨٧ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٢ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٢٤ ، التذكرة ١ : ٤٦٥ ، إيضاح الفوائد ١ : ٤٠١ ، التنقيح ٢ : ٥ ، جامع المقاصد ٤ : ١٢.

٩٢

مدار جواز الانتفاع به وعدمه ، إلاّ ما خرج بالنصّ كأليات الميتة (١) مثلاً أو مطلق نجس العين ، على ما سيأتي من الكلام فيه ، وهذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجّس (٢) وهي (٣) القاعدة المستفادة من قوله عليه‌السلام في رواية تحف العقول ـ : «إنّ كلّ شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فذلك كلّه حلال» (٤).

وما تقدّم من رواية دعائم الإسلام من حلّ بيع كلّ ما يباح الانتفاع به (٥).

توجيه ما يظهر منه المنع من النصوص

وأمّا قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) (٦) وقوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٧) فقد عرفت أنّهما لا يدلاّن (٨) على حرمة الانتفاع بالمتنجّس ، فضلاً عن حرمة البيع على تقدير جواز الانتفاع.

ومن ذلك يظهر عدم صحّة الاستدلال في ما نحن فيه بالنهي في رواية تحف العقول عن بيع «شي‌ءٍ من وجوه النجس» بعد ملاحظة (٩)

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٩٦ ، الباب ٣٠ من أبواب الذبائح ، الحديث ٤.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : التنجيس.

(٣) مشطوب عليها في «ن».

(٤) تحف العقول : ٣٣٣.

(٥) راجع الصفحة : ١٠.

(٦) المائدة : ٨٩.

(٧) المدّثّر : ٥.

(٨) في أكثر النسخ : أنّها لا تدلّ. وفي «ش» : أنّهما لا تدلاّن ، وما أثبتناه مطابق لمصحّحة «ن».

(٩) وردت في «ش» فقط.

٩٣

تعليل المنع فيها بحرمة الانتفاع.

توجيه كلام من أطلق المنع

ويمكن حمل كلام من أطلق المنع عن بيع النجس إلاّ الدهن لفائدة الاستصباح على إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الأكل والشرب منفعة محلّلة مقصودة من أمثالها.

ويؤيّده : تعليل استثناء الدهن بفائدة (١) الاستصباح ، نظير استثناء بول الإبل للاستشفاء ، وإن احتمل أن يكون ذكر الاستصباح لبيان ما يشترط أن يكون غاية للبيع.

قال في جامع المقاصد في شرح قول العلاّمة قدس‌سره : «إلاّ الدهن المتنجّس (٢) لتحقّق فائدة (٣) الاستصباح به تحت السماء خاصّة» قال : وليس المراد ب «خاصّة» بيان حصر الفائدة (٤) كما هو الظاهر ـ ، وقد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه : أنّ في روايةٍ جواز اتّخاذ الصابون من الدهن المتنجّس ، وصرّح مع ذلك بجواز الانتفاع به فيما يتصوّر من فوائده كطلي الدوابّ.

إن قيل : إنّ العبارة تقتضي حصر الفائدة ؛ لأنّ الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر ، فإنّ المعنى في العبارة : إلاّ الدهن المتنجّس لهذه الفائدة.

قلنا : ليس المراد ذلك ، لأنّ الفائدة بيان لوجه الاستثناء ، أي‌

__________________

(١) كذا في «ن» ، و «ش» ، وفي غيرهما : لفائدة.

(٢) لم ترد كلمة «المتنجس» في غير «ف».

(٣) في المصدر : إلاّ الدهن النجس لفائدة.

(٤) في «ش» زيادة : في الاستصباح.

٩٤

إلاّ الدهن لتحقّق فائدة الاستصباح ، وهذا لا يستلزم الحصر ، ويكفي في صحّة ما قلنا تطرّق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر (١) ، انتهى.

وكيف كان ، فالحكم بعموم كلمات هؤلاء لكلّ مائع متنجّس مثل الطين والجصّ المائعين ، والصبغ ، وشبه ذلك محلّ تأمّل.

وما نسبه في المسالك من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجّس بين ما يصلح للانتفاع به وما لا يصلح (٢) فلم يثبت صحّته ، مع ما عرفت من كثير من الأصحاب من إناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع (٣).

استشكال المحقق الثاني في حاشية الارشاد على عبارة العلّامة

ولأجل ذلك استشكل المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد في ما (٤) ذكره العلاّمة بقوله : «ولا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة» (٥) حيث قال : مقتضاه أنّه لو لم يكن قابلاً للطهارة لم يجز بيعه ، وهو مشكل ؛ إذ الأصباغ المتنجّسة لا تقبل التطهير عند الأكثر ، والظاهر جواز بيعها ؛ لأنّ منافعها لا تتوقّف على الطهارة ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّها تؤول إلى حالة يقبل معها التطهير ، لكن بعد جفافها ، بل ذلك هو‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ١٣.

(٢) تقدّم في الصفحة : ٩٠.

(٣) راجع الصفحة : ٩٢ ٩٣.

(٤) كذا في «ش» ، وفي «ف» ومصححة «ن» : ما ذكره ، وفي سائر النسخ : وما ذكره.

(٥) الإرشاد ١ : ٣٥٧.

٩٥

المقصود منها ، فاندفع الإشكال (١).

أقول : لو لم يعلم من مذهب العلاّمة دوران المنع عن بيع المتنجّس مدار حرمة الانتفاع لم يرد على عبارته إشكال ؛ لأنّ المفروض حينئذٍ التزامه بجواز الانتفاع بالإصباغ مع عدم جواز بيعها ، إلاّ أن يرجع الإشكال إلى حكم العلاّمة وأنّه مشكل على مختار المحقّق الثاني ، لا إلى كلامه ، وأنّ الحكم مشكل على مذهب المتكلّم ، فافهم.

ثمّ إنّ ما دفع به الإشكال من جعل الأصباغ قابلة للطهارة إنّما ينفع في خصوص الأصباغ ، وأمّا مثل بيع الصابون المتنجّس ، فلا يندفع الإشكال عنه بما ذكره ، وقد تقدّم منه (٢) سابقاً (٣) جواز بيع الدهن المتنجّس ليُعمل صابوناً ؛ بناءً على أنّه من فوائده المحلّلة.

مع أنّ ما ذكره من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محلّ نظر ؛ لأنّ المقصود من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع ، وهو مفقود في الأصباغ ؛ لأنّ الانتفاع بها وهو الصبغ قبل الطهارة ، وأمّا ما يبقى منها بعد الجفاف وهو اللون فهي نفس المنفعة ، لا الانتفاع ، مع أنّه لا يقبل التطهير ، وإنّما القابل هو الثوب.

__________________

(١) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٠٤ ، مع اختلاف.

(٢) في «ف» ، «خ» : عنه.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٩١.

٩٦

بقي الكلام في حكم نجس العين ، من حيث أصالة حلّ الانتفاع به في غير ما ثبتت حرمته ، أو أصالة العكس.

ظاهر الاكثر أصالة حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة

فاعلم أنّ ظاهر الأكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين ، بل ظاهر فخر الدين في شرح الإرشاد والفاضل المقداد : الإجماع على ذلك ، حيث استدلاّ على عدم جواز بيع الأعيان النجسة بأنّها محرّمة الانتفاع ، وكلّ ما هو كذلك لا يجوز بيعه ؛ قالا : أمّا الصغرى فإجماعيّة (١).

ويظهر من الحدائق في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجّس (٢) في غير الاستصباح نسبة ذلك إلى الأصحاب (٣).

ويدلّ عليه ظواهر الكتاب والسنّة :

دلالة ظواهر الكتاب والسنّة على حرمة الانتفاع بنجس العين مطلقاً

مثل قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (٤) ؛ بناءً على ما ذكره الشيخ والعلاّمة من إرادة جميع الانتفاعات (٥).

وقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (٦) الدالّ على وجوب اجتناب كلّ رجس ، وهو‌

__________________

(١) التنقيح ٢ : ٥ ، ولا يوجد لدينا شرح الإرشاد.

(٢) في «ف» : النجس.

(٣) الحدائق ١٨ : ٨٩.

(٤) المائدة : ٣.

(٥) الخلاف ١ : ٦٢ ، كتاب الطهارة ، المسألة ١٠ ، نهاية الإحكام ٢ : ٤٦٢.

(٦) المائدة : ٩٠.

٩٧

نجس العين.

وقوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (١) ؛ بناءً على أنّ هجره لا يحصل إلاّ بالاجتناب عنه مطلقاً.

دلالة كلّ ما دلّ على حرمة البيع على حرمة الانتفاع بالملازمة

وتعليله عليه‌السلام في رواية تحف العقول حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الأكل والشرب والإمساك وجميع التقلّبات فيه.

ويدلّ عليه أيضاً كلّ ما دلّ من الأخبار والإجماع على عدم جواز بيع نجس العين (٢) ؛ بناءً على أنّ المنع من بيعه لا يكون إلاّ مع حرمة الانتفاع به.

مقتضى التأمّل ك رفع اليد عمّا ذكر من الأدلّة

هذا ، ولكنّ التأمّل يقضي بعدم جواز الاعتماد في مقابلة أصالة الإباحة ، على شي‌ء ممّا ذكر.

أمّا آيات التحريم والاجتناب والهجر ، فلظهورها في الانتفاعات المقصودة في كلّ نجس بحسبه ، وهي في مثل الميتة : الأكل ، وفي الخمر : الشرب ، وفي المَيْسِر : اللعب به ، وفي الأنصاب والأزلام : ما يليق بحالهما.

وأمّا رواية تحف العقول ، فالمراد بالإمساك والتقلّب فيه (٣) ما يرجع إلى الأكل والشرب ، وإلاّ فسيجي‌ء الاتّفاق على جواز إمساك نجس العين لبعض الفوائد.

__________________

(١) المدّثر : ٥.

(٢) تقدّم في مسائل الاكتساب بالأعيان النجسة ، فراجع.

(٣) في مصحّحة «ن» : فيها. وتذكير الضمير صحيح أيضاً باعتبار رجوعه إلى «النجس» في الرواية.

٩٨

وما دلّ من الإجماع والأخبار على حرمة بيع نجس العين قد يدّعى اختصاصه بغير ما يحلّ الانتفاع (١) المعتدّ به ، أو يمنع (٢) استلزامه لحرمة الانتفاع ؛ بناءً على أنّ نجاسة العين مانع مستقلّ عن جواز البيع من غير حاجة إلى إرجاعها إلى عدم المنفعة المحلّلة.

دفع توهّم الاجماع على الحرمة بظهور كلمات الفقهاء في الجواز

وأمّا توهّم الإجماع ، فمدفوع بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة.

قال في المبسوط : إنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرؤ الكلاب لا يجوز بيعها ، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم وأُصول الشجر بلا خلاف (٣) ، انتهى.

وقال العلاّمة في التذكرة : «يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة» (٤) ونحوها في القواعد (٥).

وقرّره على ذلك في جامع المقاصد ، وزاد عليه قوله : لكن هذه لا تصيّرها مالاً بحيث يقابل بالمال (٦).

وقال في باب الأطعمة والأشربة من المختلف : إنّ شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقاً ، مستدلا بأنّ نجاسته لا تمنع الانتفاع به ، لما فيه من‌

__________________

(١) في أكثر النسخ زيادة : المحلّل.

(٢) في «ف» و «خ» و «م» و «ص» : أو بمنع.

(٣) المبسوط ٢ : ١٦٧.

(٤) التذكرة ١ : ٥٨٢.

(٥) القواعد ١ : ١٢٠.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ١٥.

٩٩

المنفعة الخالية عن ضرر عاجل وآجل (١).

وقال الشهيد في قواعده : «النجاسة ما حَرُم استعماله في الصلاة والأغذية ؛ للاستقذار ، أو للتوصّل بها إلى الفرار» ثمّ ذكر أنّ قيد «الأغذية» لبيان مورد الحكم ، وفيه تنبيه على الأشربة ، كما أنّ في الصلاة تنبيهاً على الطواف (٢) ، انتهى.

وهو كالنصّ في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الأُمور.

وقال الشهيد الثاني في الروضة عند قول المصنّف في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات ـ: " والدم" ، قال : «وإن فرض له نفع حكمي كالصبغ ، " وأبوال وأرواث ما لا يؤكل لحمه" ، وإن فرض لهما نفع» (٣).

فإنّ الظاهر أنّ المراد بالنفع المفروض للدم والأبوال والأرواث هو النفع المحلّل ، وإلاّ لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الأشياء دون سائر النجاسات ، ولا ذكر خصوص الصبغ للدم ، مع أنّ الأكل هي المنفعة المتعارفة المنصرف إليها الإطلاق في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (٤) والمسوق لها الكلام في قوله تعالى (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (٥).

__________________

(١) المختلف ١ : ٦٨٤.

(٢) القواعد والفوائد ٢ : ٨٥.

(٣) الروضة البهية ٣ : ٢٠٩.

(٤) المائدة : ٣.

(٥) الأنعام : ١٤٥.

١٠٠