كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

الحِيَل وجرّ الأثقال ، وهذان ليسا من السحر (١) ، انتهى.

وما جعله خارجاً قد أدخله غيره ، وفي بعض الروايات دلالة عليه ، وسيجي‌ء المحكي (٢) والمروي (٣).

ولا يخفى أنّ هذا التعريف أعمّ من الأوّل (٤) ؛ لعدم اعتبار مسحور فيه فضلاً عن الإضرار ببدنه أو عقله.

وعن الفاضل المقداد في التنقيح : أنّه عمل (٥) يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفيّة (٦).

وهذا يشمل علمي الخواص والحِيَل.

ما أفاده العلّامة المجلسي في البحار في بيان أقسام السحر

وقال في البحار بعد ما نقل عن أهل اللغة «أنّه ما لَطُف وخَفِيَ سببه» : إنّه في عرف الشرع مختص بكلّ أمر يخفى سببه (٧) ويُتخيَّل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التمويه والخداع (٨) ، انتهى.

وهذا أعم من الكل ؛ لأنّه ذكر بعد ذلك ما حاصله‌ أنّ السحر على أقسام :

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٥.

(٢) المراد ما يحكيه بعد أسطر عن الفاضل المقداد في «التنقيح».

(٣) المراد ما يرويه عن الاحتجاج من حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل كثيرة ، وسيأتي في الصفحة : ٢٦٣.

(٤) أي التعريف الذي تقدم عن العلاّمة والشهيدين قدس‌سرهم.

(٥) في المصدر : علم يستفاد منه حصول ملكة ..

(٦) التنقيح ٢ : ١٢ ، ونقله عن بعض.

(٧) في أكثر النسخ : سببها.

(٨) البحار ٥٩ : ٢٧٧.

٢٦١

الأوّل سحر الكلدانيين‌ (١) الذين كانوا في قديم الدهر ، وهم قوم كانوا يعبدون الكواكب ، ويزعمون أنّها المدبِّرة لهذا العالم ، ومنها تصدر (٢) الخيرات والشرور والسعادات والنحوسات.

ثم ذكر أنّهم على ثلاثة مذاهب :

فمنهم : من يزعم أنّها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.

ومنهم : من يزعم أنّها قديمة ؛ لقدم العلة المؤثرة فيها.

ومنهم : من يزعم أنّها حادثة مخلوقة فعالة مختارة فوّض خالقُها أمر العالم إليها.

والساحر عند هذه الفرق من يعرف القوى العالية الفعّالة بسائطها ومركّباتها ، ويعرف ما يليق بالعالم السفلي ويعرف معدّاتها ليعدّها وعوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية ، فيكون متمكناً من استجذاب (٣) ما يخرق العادة.

الثاني (٤) سحر أصحاب الأوهام‌ والنفوس القويّة.

الثالث الاستعانة بالأرواح الأرضية ، وقد أنكرها بعض الفلاسفة ، وقال بها الأكابر منهم. وهي في أنفسها مختلفة ، فمنهم خيّرة ، وهم مؤمنو الجنّ ، وشريرة ، وهم كفّار الجنّ وشياطينهم.

الرابع التخيّلات والأخذ بالعيون ، مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكناً والشطّ متحرّكاً.

__________________

(١) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : الكذّابين ، وفي المصدر : الكلدانيين والكذّابين.

(٢) كذا في المصدر ، وفي «ش» : «تصدير» ، وفي سائر النسخ : تقدير.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : استحداث.

(٤) في «ف» زيادة : ثم قال : الثاني ..

٢٦٢

الخامس الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على نسب الهندسة ،  كرقّاص يرقص ، وفارسان يقتتلان.

السادس الاستعانة بخواص الأدوية ، مثل أن يجعل في الطعام بعض الأدوية المبلّدة أو المزيلة للعقل ، أو الدخن المسكر ، أو عصارة البَنْج المجعول في المُلَبَّس (١). وهذا ممّا لا سبيل إلى إنكاره ، وأثر المغناطيس شاهد (٢).

السابع تعليق القلب ، وهو أن يدعي الساحر أنّه يعرف علم الكيميا (٣) وعلم السيمياء (٤) والاسم الأعظم حتى يميل إليه العوام ، وليس له أصل.

الثامن النميمة‌ (٥) ، انتهى الملخص منه.

وما ذكره من وجوه السحر بعضها قد تقدم عن الإيضاح (٦) وبعضها قد ذكر في ما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الذي‌

__________________

(١) بصيغة المفعول من باب التفعيل ، يراد منه هنا ما يقال [له] : «نُقْل» في لغة الفرس والترك ، وهو قسم من أقسام الحلويات (شرح الشهيدي : ٥٩).

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر : مشاهد.

(٣) الكيمياء علم يراد به تحويل بعض المعادن إلى بعض ، وعلى الخصوص تحويلها إلى الذهب. (محيط المحيط : ٨٠١ ، مادة «كمي»).

(٤) في «ش» : الليميا ، وعلم السيمياء : علم يطلق على غير الحقيقي من السحر ، وحاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحسّ ، وقد يطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس ، وتكون صوراً في جوهر الهواء. (محيط المحيط : ٤٤٣ ، مادة «سوم».

(٥) البحار ٥٩ : ٢٧٨ ٢٩٧.

(٦) تقدم في الصفحة : ٢٦٠.

٢٦٣

سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل كثيرة :

الاشارة إلى بعض أقسام السحر في الرواية

منها : ما ذكره بقوله : أخبرني عن السحر ما أصله؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ السحر على وجوه شتّى ، منها : بمنزلة الطب ، كما أنّ الأطباء وضعوا لكل داء دواء ، فكذلك علم (١) السحر ، احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل معنى حيلة. ونوع آخر منه خَطفة وسُرعة ومخاريق وخِفّة. ونوع منه ما يأخذه أولياء الشياطين منهم.

قال : فمن أين علم الشياطين السحر؟

قال : من حيث علم الأطباء الطب ، بعضه بتجربة وبعضه بعلاج.

قال : فما تقول في الملَكين هاروت وما روت ، وما يقول الناس : إنّهما يعلّمان الناس السحر؟

قال : إنّما هما موضع ابتلاء وموقف فتنة ، تسبيحهما : اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا ، ولو تعالج بكذا وكذا لصار كذا ، فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما ، فيقولان لهم : إنّما نحن فتنة ، فلا تأخذوا عنّا ما يضركم ولا ينفعكم.

قال : أفيقدر الساحر على أن يجعل الإنسان بسحره في صورة كلب أو حمار أو غير ذلك؟

قال : هو أعجز من ذلك ، وأضعف من أن يغير خلق الله! إنّ من أبطل ما ركّبه الله تعالى وصوّر غيره (٢) فهو شريك الله في خلقه ،

__________________

(١) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «ص» و «ش» : علماء.

(٢) في المصدر : وصوّره ، وغيّره.

٢٦٤

تعالى الله عن ذلك عُلوّاً كبيراً ، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهَرَم والآفة والأمراض ، ولنفى البياضَ عن رأسه والفقرَ عن ساحته. وإنّ من أكبر السحر النميمة ، يفرّق بها بين المتحابّين ، ويجلب العداوة على المتصافين ، ويسفك بها الدماء ، ويهدم بها الدور ، ويكشف بها الستور ، والنمّام شرّ من وطأ الأرض بقدمه ، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنّه بمنزلة الطب ، إنّ الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبرأه .. الحديث» (١).

ثم لا يخفى أنّ الجمع بين ما ذكر في معنى السحر في غاية الإشكال ، لكن المهم بيان حكمه ، لا موضوعه.

حكم أقسام السحر

المقام الثاني في حكم الأقسام المذكورة.

دعوى ضرورة الدين على حرمة أربعة أقسام منه

فنقول : أمّا الأقسام الأربعة المتقدمة من الإيضاح ، فيكفي في حرمتها مضافاً إلى شهادة المحدّث المجلسي رحمه‌الله في البحار بدخولها في المعنى المعروف للسحر عند أهل الشرع ، فيشملها الإطلاقات دعوى فخر المحققين في الإيضاح (٢) كون حرمتها من ضروريات الدين ، وأنّ مستحلها كافر (٣) [وهو ظاهر الدروس أيضاً فحكم بقتل مستحلّها (٤) (٥)] ،

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٨١ ، مع اختلاف.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٥ ، وعبارته خالية من دعوى الضرورة.

(٣) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» زيادة : ودعوى الشهيدين في الدروس والمسالك أنّ مستحلّه يقتل.

(٤) الدروس ٣ : ١٦٤.

(٥) ما بين المعقوفتين ساقط من «ف».

٢٦٥

فإنّا وإن لم نطمئن بدعوى الإجماعات المنقولة ، إلاّ أنّ دعوى ضرورة الدين ممّا يوجب الاطمئنان بالحكم ، واتفاق العلماء عليه في جميع الأعصار.

ما ذكره شارح النخبة حول الطلسمات

نعم ، ذكر شارح النخبة أنّ ما كان من الطلسمات مشتملاً على إضرار أو تمويه على المسلمين ، أو استهانة بشي‌ء من حرمات الله كالقرآن وأبعاضه وأسماء الله الحسنى ، ونحو ذلك فهو حرام بلا ريب ، سواء عُدّ من السحر أم لا ، وما كان للأغراض كحضور الغائب ، وبقاء العمارة ، وفتح الحصون للمسلمين ، ونحوه فمقتضى الأصل جوازه ، ويُحكى عن بعض الأصحاب (١) ، وربّما يستندون في بعضها (٢) إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والسند غير واضح. وألحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر ، ووجهه غير واضح ، انتهى (٣).

ولا وجه أوضح من دعوى الضرورة (٤) من فخر الدين ، والشهيد قدس‌سرهما.

__________________

(١) مثل الشهيدين والفاضل الميسي والمحقق الأردبيلي ، كما يأتي في الصفحة : ٢٧٢.

(٢) أي في بعض الطلسمات ، ولعلّ مراده بما يسند إليه عليه‌السلام طلسم «جُنّة الأسماء» على ما في بعض الشروح.

(٣) شرح النخبة للسيد عبد الله حفيد المحدث الجزائري (لا يوجد لدينا).

(٤) نسبة دعوى الضرورة إليهم مع خلوّ كلامهم عنها إنّما هي بلحاظ حكمهم بقتل مستحله ، حيث إنّه لا يكون إلاّ إذا كانت حرمته من المسلّمات والضروريات (شرح الشهيدي : ٥٩).

٢٦٦

حرمة السحر المضرّ بالنفس المحترمة

وأمّا غير تلك الأربعة ، فإن كان ممّا يضر بالنفس المحترمة ، فلا إشكال أيضاً في حرمته ، ويكفي في الضرر صَرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى إرادته ، فمثل إحداث حبٍّ مُفرطٍ في الشخص يُعدّ سحراً.

روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على أن تسحر زوجها بسنده عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه صلوات الله عليهم قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة سألته : أنّ لي زوجاً وبه غلظة عليَّ وأنّي صنعت شيئاً لأعطفه عليَّ؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أُفٍّ لك! كدّرت البحار وكدّرت الطين ، ولعنتك الملائكة الأخيار ، وملائكة السماوات والأرض. قال : فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت رأسها ولبست المسوح ، فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ ذلك لا يقبل منها» (١).

بناءً على أنّ الظاهر من قولها : «صنعت شيئاً» المعالجة بشي‌ء غير الأدعية والصلوات ونحوها ؛ ولذا فهم الصدوق منها السحر ، ولم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.

الظاهر جواز ما لا يضرّ مع الشكّ في صدق اسم السحر عليه

وأمّا ما لا يضرّ ، فإن قصد به دفع (٢) ضرر السحر أو غيره من المضار الدنيوية أو الأُخروية ، فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه ؛ للأصل ، بل فحوى ما سيجي‌ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحراً ، وإلاّ فلا دليل على تحريمه ، إلاّ أن يدخل في «اللهو»

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٤٥ ، الحديث ٤٥٤٤.

(٢) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ص» و «ش» : رفع.

٢٦٧

أو «الشعْبَذَة».

لو صحّ رواية الاحتجاج صحّ الحكم بحرمة جميع ما تضمّنه

نعم ، لو صحّ سند رواية الاحتجاج (١) صحّ الحكم بحرمة جميع ما تضمنته ، وكذا لو عمل بشهادة من تقدم كالفاضل المقداد والمحدّث المجلسي رحمهما الله بكون جميع ما تقدم من الأقسام داخلاً في السحر (٢) اتّجه الحكم بدخولها تحت إطلاقات المنع عن السحر.

لكن الظاهر استناد شهادتهم إلى الاجتهاد ، مع معارضته بما تقدم من الفخر من إخراج علمي الخواصّ والحِيَل من السحر (٣) وما تقدم من تخصيص صاحب المسالك وغيره السحر بما يحدث ضرراً (٤) ، بل عرفت تخصيص العلاّمة له بما يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله.

فهذه شهادة من هؤلاء على عدم عموم لفظ «السحر» لجميع ما تقدم من الأقسام.

وتقديم شهادة الإثبات لا يجري في هذا الموضع ؛ لأنّ الظاهر استناد المثبتين إلى الاستعمال ، والنافين إلى الاطلاع على كون الاستعمال مجازاً للمناسبة.

الأحوط الاجتناب عن جميع الأقسام الثمانية

والأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الأقسام في البحار (٥) ، بل لعله لا يخلو عن قوة ؛ لقوة الظن من خبر الاحتجاج وغيره.

__________________

(١) تقدمت في الصفحة : ٢٦٣.

(٢) تقدّم كلامهما في الصفحة : ٢٦١.

(٣) تقدم في الصفحة : ٢٦٠ ٢٦١.

(٤) تقدم عنه وعن الشهيد الأوّل في الصفحة : ٢٥٩.

(٥) تقدّم عنه في الصفحات : ٢٦١ ٢٦٣.

٢٦٨

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر.

الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر

ويمكن أن يستدلّ له مضافاً إلى الأصل بعد دعوى انصراف الأدلّة إلى غير ما قصد به غرض راجح شرعاً بالأخبار :

منها : ما تقدم في خبر الاحتجاج.

الاخبار الواردة في جواز حلّ السحر بالسحر

ومنها : ما في الكافي عن القمّي ، عن أبيه ، عن شيخ من أصحابنا الكوفيين ، «قال : دخل عيسى بن شفقي (١) على أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : جعلت فداك! أنا رجل كانت صناعتي السحر ، وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي ، وقد حججت منه ، وقد منّ الله عليَّ بلقائك ، وقد تبت إلى الله عزّ وجلّ من ذلك ، فهل لي في شي‌ء من ذلك مخرج؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : حلّ ولا تعقد» (٢).

وكأنّ الصدوق رحمه‌الله في العلل أشار إلى هذه الرواية ، حيث قال : «روي أنّ توبة الساحر أن يحلّ ولا يعقد» (٣).

وظاهر المقابلة بين الحلّ والعقد في الجواز والعدم كون كل منهما‌

__________________

(١) في أكثر نسخ الكتاب : «شفيق» وفي «ش» : «السقفي» ، وفي «ف» : «شفق» ويحتمل «مشفق» وقد اختلفت المصادر أيضاً في ضبط هذه الكلمة ، ففي الكافي مثل ما أثبتناه ، وفي الفقيه ٣ : ١٨٠ ، الحديث ٣٦٧٧ ، والتهذيب ٦ : ٣٦٤ ، الحديث ١٠٤٣ ، الطبعة الحديثة ـ ، والوسائل : «شقفي» ، وفي الطبعة القديمة للتهذيب : «سيفي».

(٢) الكافي ٥ : ١١٥ ، باب الصناعات ، الحديث ٧ ، وروى عنه في الوسائل ١٢ : ١٠٥ ، الباب ٢٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٥٤٦ ، الباب ٣٣٨ ، ذيل الحديث الأوّل.

٢٦٩

بالسحر ، فحمل «الحلّ» على ما كان بغير السحر من الدعاء والآيات ونحوهما كما عن بعض (١) لا يخلو عن بعد.

ما ورد في قصة هاروت وماروت

ومنها : ما عن العسكري ، عن آبائه عليهم‌السلام في قوله تعالى (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) قال : «كان بعد نوح قد كثرت السحرة والمموّهون ، فبعث الله ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر (٢) ما يسحر به السحرة ، وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبي عن الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله ، وأمرهم أن يقضوا (٣) به على السحر ، وأن يبطلوه ، ونهاهم عن (٤) أن يسحروا به الناس. وهذا كما يقال : إنّ السم ما هو؟ وإنّ ما يدفع به غائلة السم ما هو (٥) [ثم يقال للمتعلم : هذا السم فمن رأيته سُمّ فادفع غائلته بهذا ، ولا تقتل بالسم (٦)] إلى أن قال ـ (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) ذلك السحر وإبطاله (حَتّى يَقُولا) للمتعلم (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) وامتحان للعباد ، ليطيعوا الله في ما يتعلّمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة‌

__________________

(١) وهو العلاّمة قدس‌سره في المنتهي ٢ : ١٠١٤.

(٢) في بعض النسخ : يذكر.

(٣) في المصدر : أن يقفوا.

(٤) لم ترد «عن» في غير «ش».

(٥) هذه الفقرة في المصدر كما يلي : وهذا كما يدلّ على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم.

(٦) ما بين المعقوفتين : ليس في المصدر ، وعبارة : «ثمّ يقال للمتعلّم» ليس في «ف».

٢٧٠

ولا يسحروهم ، (فَلا تَكْفُرْ) (١) باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنّك تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلاّ الله عزّ وجلّ ؛ فإنّ ذلك كفر إلى أن قال ـ (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) ؛ لأنّهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا به ، فقد تعلّموا ما يضر بدينهم ولا ينفعهم (٢) .. الحديث» (٣).

وفي رواية [علي بن (٤)] محمد بن الجهم ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام في حديث قال : «وأمّا هاروت وما روت فكانا ملَكَين عَلَّما الناس السحر ليحترزوا به عن سحر السحرة ويُبطلوا به كيدهم ، وما علّما أحداً من ذلك شيئاً حتى (٥) قالا : إنّما نحن فتنة فلا تكفر ؛ فكفر قوم باستعمالهم لما أُمروا [بالاحتراز منه (٦)] وجعلوا يفرّقون بما تعلّموه بين المرء وزوجه ؛ قال الله تعالى (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ) يعني بعلمه» (٧).

__________________

(١) في «ش» : «ولا تسحروهم فلا تكفر» ، وفي «خ» ، «م» و «ع» : «ولا تسحروهم فلا تكفروا» ، وفي «ف» : «ولا يسحروهم فلا يكفروا» ، وفي «ن» : «ولا تسحروهم فتكفروا» ، وما أثبتناه من المصدر ومصححة «ص».

(٢) في «ش» زيادة : فيه.

(٣) الوسائل ١٢ : ١٠٦ ، الباب ٢٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ، مع اختلافات اخرى غير ما أشرنا إليها.

(٤) ساقط من جميع النسخ ، أثبتناه من المصدر والكتب الرجالية.

(٥) في بعض النسخ : إلاّ (خ ل).

(٦) ساقط من أكثر النسخ ، إلاّ أنّه استُدرك في بعضها.

(٧) الوسائل ١٢ : ١٠٧ ، الباب ٢٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥ ، والآية من سورة البقرة : ١٠٢.

٢٧١

هذا كلّه ، مضافاً إلى أنّ ظاهر أخبار «الساحر» إرادة مَن (١) يُخشى ضرره ، كما اعترف به بعض الأساطين (٢) واستقرب لذلك جواز الحَلّ به بعد أن نسبه إلى كثير من أصحابنا.

منع جمع من الأعلام من حلّ السحر بالسحر

لكنه مع ذلك كله ، فقد منع العلاّمة في غير واحد من كتبه (٣) والشهيد رحمه‌الله في الدروس (٤) والفاضل الميسي (٥) والشهيد الثاني رحمه‌الله (٦) من حَلّ السحر به ، ولعلهم حملوا ما دلّ على الجواز مع اعتبار سنده على حالة الضرورة وانحصار سبب الحَلّ فيه ، لا مجرد دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الأدعية والتعويذات (٧) ؛ ولذا ذهب جماعة منهم الشهيدان والميسي (٨) وغيرهم (٩) إلى جواز تعلّمه ليُتوقّى به من السحر ويُدفع به دعوى المتنبّي.

وربّما حمل أخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت وما روت على‌

__________________

(١) في «ف» : إرادة أن.

(٢) هو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٢٣.

(٣) كالمنتهى ٢ : ١٠١٤ ، والقواعد ١ : ١٢١ ، والتذكرة ١ : ٥٨٢.

(٤) الدروس ٣ : ١٦٤.

(٥) لا يوجد لدينا كتابه : «الميسيّة».

(٦) لم يصرح بالمنع ، ولعله يستفاد من مفهوم كلامه ، انظر المسالك ٣ : ١٢٨.

(٧) في هامش «ن» ما يلي : «إذ إبطال السحر رفع مسببه ، كما يشهد به التعبير بالحل ، مثلاً إطفاء النار التي سحر الساحر بدخنتها ، أو حلّ الخيط المعقود سحراً ، أو محو المكتوب ، أو إظهار المدفون كذلك ليس إبطالاً للسحر ، صح».

(٨) تقدمت الإشارة إلى موارد كلامهم آنفاً.

(٩) مثل المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٧٩ ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٤.

٢٧٢

جواز ذلك في الشريعة السابقة (١) ، وفيه نظر.

الظاهر أنّ التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر

ثم الظاهر أنّ التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر على جميع تعاريفه ، وقد عرفت أنّ الشهيدين مع أخذ الإضرار في تعريف السحر ذكرا أنّ استخدام الملائكة والجن من السحر (٢) ، ولعل وجه دخوله تضرّر المسخَّر بتسخيره.

وأمّا سائر التعاريف ، فالظاهر شمولها لها ، وظاهر عبارة الإيضاح (٣) أيضاً دخول هذه في معقد دعواه الضرورة على التحريم ؛ لأنّ الظاهر دخولها في الأقسام والعزائم والنّفث. ويدخل في ذلك تسخير الحيوانات من الهوامّ والسباع والوحوش وغير ذلك خصوصاً الإنسان.

وعمل السيمياء ملحق بالسحر اسماً أو حكماً

وعمل السيمياء ملحق بالسحر اسماً أو حكماً ، وقد صرح بحرمته الشهيد في الدروس (٤). والمراد به على ما قيل (٥) ـ : إحداث خيالات لا وجود لها في الحسّ يوجب تأثيراً في شي‌ء آخر.

__________________

(١) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣.

(٢) راجع الصفحة : ٢٥٩.

(٣) تقدمت في الصفحة : ٢٦٠.

(٤) الدروس ٣ : ١٦٤.

(٥) لم نقف على القائل ، راجع الصفحة ٢٦٣ ، الهامش ٤.

٢٧٣

المسألة الحادية عشرة

حرمة الشعبذة

الشعْبَذَة حرام‌ بلا خلاف.

تعريف الشعبذة

وهي الحركة السريعة بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشي‌ء إلى شبهه ، كما ترى النار المتحركة على الاستدارة دائرة متصلة ؛ لعدم إدراك السكونات المتخلّلة بين الحركات.

ويدلّ على الحرمة بعد الإجماع ، مضافاً إلى أنّه من الباطل واللهو ـ : دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج (١) ، المنجبر وهنها بالإجماع المحكي (٢).

وفي بعض التعاريف المتقدمة (٣) للسحر ما يشملها.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة : ٢٦٣ ٢٦٤.

(٢) صرّح العلاّمة في المنتهي (٢ : ١٠١٤) بعدم الخلاف ، وهكذا المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة (٨ : ٨١) ، وفي الجواهر (٢٢ : ٩٤) دعوى الإجماع المحكي والمحصل.

(٣) مثل ما تقدم عن البحار في تعريف ما جعله قسماً رابعاً لأقسام السحر ، راجع الصفحة : ٢٦٢.

٢٧٤

المسألة الثانية عشرة

حرمة الغشّ

الغش حرام‌ بلا خلاف ، والأخبار به متواترة ، نذكر بعضها تيمّناً :

الروايات الدالّة على الحرمة

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسانيد متعددة : «ليس مِن المسلمين مَن غشّهم» (١).

وفي رواية العيون [بأسانيد (٢)] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليس منّا مَن غشّ مسلماً ، أو ضرّه ، أو ماكره» (٣).

وفي عقاب الأعمال ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من غشّ مسلماً في بيع أو شراء فليس منّا ، ويحشر مع اليهود يوم القيامة ؛ لأنّه من غش الناس فليس بمسلم إلى أن قال ـ : ومن غشّنا فليس منا قالها‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٠٨ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٢) من «ش» ، ولم ترد في «ف» ، ووردت في أكثر النسخ بعد قوله : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٩ ، الحديث ٢٦ ، ورواه عنه في الوسائل ١٢ : ٢١١ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٢.

٢٧٥

ثلاثاً ـ ، ومن غشّ أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه ، وأفسد (١) عليه معيشته ، ووكله إلى نفسه» (٢).

وفي مرسلة هشام (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه قال لرجل يبيع الدقيق : إيّاك والغش! فإنّه (٤) من غَشّ غُشّ في ماله ، فإن لم يكن له مال غُشّ في أهله» (٥).

وفي رواية سعد الإسكاف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، «قال : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلاّ طيّباً (٦) فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : أن يدسّ يده في الطعام ففعل ، فأخرج طعاماً رديّاً ، فقال لصاحبه : ما أراك إلاّ وقد جمعت خيانة وغشاً للمسلمين» (٧).

__________________

(١) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : وسدّ.

(٢) عقاب الأعمال : ٣٣٤ ٣٣٧ ، باب يجمع عقوبات الأعمال ، الحديث الأوّل ، ورواه عنه في الوسائل ١٢ : ٢١٠ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١١.

(٣) كذا في النسخ ، والصواب : «عبيس بن هشام» كما في الوسائل ، والتهذيب (٧ : ١٢ ، الحديث ٥١) ، هذا وقال المحدّث العاملي في ذيل هذا الحديث : ورواه الشيخ بإسناده عن عبيس «عيسى (خ ل)» بن هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فإنّ.

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٠٩ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧.

(٦) في المصدر زيادة : وسأله عن سعره.

(٧) الوسائل ١٢ : ٢٠٩ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٨.

٢٧٦

ورواية موسى بن بكر (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام : «أنّه أخذ ديناراً من الدنانير المصبوبة بين يديه ثم قطّعه بنصفين (٢) ثم قال لي (٣) : ألقه في البالوعة حتى لا يباع بشي‌ء (٤) فيه غش .. الخبر (٥)» (٦).

وقوله : «فيه غش» جملة ابتدائية ، والضمير في «لا يباع» راجع إلى الدينار.

وفي رواية هشام بن الحكم ، قال : «كنت أبيع السابري في الظلال ، فمرّ بي أبو الحسن عليه‌السلام فقال : يا هشام إنّ البيع في الظلال غش ، والغش لا يحل» (٧).

وفي رواية الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري طعاماً فيكون أحسن له وأنفق له أن يبلّه من غير أن يلتمس زيادته (٨). فقال : إن كان بيعاً لا يصلحه إلاّ ذلك ولا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة ، فلا بأس ، وإن كان إنّما يغش به المسلمين فلا يصلح» (٩).

__________________

(١) في النسخ : موسى بن بكير ، والصواب ما أثبتناه من المصدر وكتب الرجال.

(٢) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فقطعها نصفين.

(٣) ليس في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : لي.

(٤) في الوسائل : شي‌ء.

(٥) كذا في أكثر النسخ والظاهر زيادة : «الخبر» ؛ إذ الحديث مذكور بتمامه.

(٦) الوسائل ١٢ : ٢٠٩ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

(٧) الوسائل ١٢ : ٢٠٨ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.

(٨) في أكثر النسخ : زيادة.

(٩) الوسائل ١٢ : ٤٢١ ، الباب ٩ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٣.

٢٧٧

وروايته الأُخرى ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام (١) سعّرهما بشي‌ء (٢) ، وأحدهما أجود من الآخر ، فيخلطهما جميعاً ثم يبيعهما بسعر واحد؟ فقال : لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبيّنه» (٣).

ورواية داود بن سرحان ، قال : «كان معي جرابان من مسك ، أحدهما رطب والآخر يابس ، فبدأت بالرطب فبعته ، ثم أخذت اليابس أبيعه ، فإذا أنا لا اعطى باليابس الثمن الذي يسوى ، ولا يزيدوني على ثمن الرطب ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك : أيصلح لي أن أُندّيه؟ قال : لا ، إلاّ أن تعلمهم ، قال : فندّيته ثم أعلمتهم ، قال : لا بأس» (٤).

ظاهر الأخبار كون الغشّ بما يخفى

ثم إنّ ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفى ، كمزج اللبن بالماء ، وخلط الجيّد بالردي‌ء في مثل الدهن ، ومنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلاً ، ونحو ذلك.

__________________

(١) في المصدر : من طعام واحد.

(٢) كذا في «ن» ، وفي «ش» : سعرهما شتّى ، وفي «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : سعرهما شي‌ء ، فالأوّل مطابق للفقيه والوسائل ، والثاني للتهذيب ، والثالث للكافي. انظر الفقيه ٣ : ٢٠٧ ، الحديث ٣٧٧٤ ، والتهذيب ٧ : ٣٤ ، الحديث ١٤٠ ، والكافي ٥ : ١٨٣ ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٢٠ ، الباب ٩ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٢١ ، الباب ٩ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٤ ، وفي آخره : فقال : لا بأس به إذا أعلمتهم.

٢٧٨

جواز المزج بما لا يخفى

وأمّا المزج والخلط بما لا يخفى فلا يحرم ؛ لعدم انصراف «الغش» إليه ، ويدلّ عليه مضافاً إلى بعض الأخبار المتقدمة ـ : صحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : «أنّه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض ، قال : إذا رؤيا جميعاً فلا بأس ما لم يغطِّ الجيّد الردي‌ء» (١).

ومقتضى هذه الرواية بل رواية الحلبي الثانية (٢) ، ورواية سعد الإسكاف (٣) أنّه لا يشترط في حرمة الغش كونه ممّا لا يعرف إلاّ من قبل البائع ، فيجب الإعلام بالعيب غير الخفي ، إلاّ أن تُنزّل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما إذا تعمد الغش برجاء التلبس (٤) على المشتري وعدم التفطّن له وإن كان من شأن ذلك العيب أن يتفطّن له ؛ فلا تدلّ الروايات على وجوب الإعلام إذا كان العيب من شأنه التفطّن له ، فقصّر المشتري وسامح في الملاحظة.

وجوب الإعلام الخفيّ لو حصل

ثم إنّ غشّ المسلم إنّما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله ، فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله أو بغيره ؛ فلو حصل اتّفاقاً أو لغرض فيجب الإعلام بالعيب الخفي.

ويمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلاّ على ما إذا قصد التلبيس ، وأمّا ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الإعلام.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٢٠ ، الباب ٩ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث الأوّل.

(٢) المتقدّمة في الصفحة السابقة.

(٣) المتقدمة في الصفحة : ٢٧٦.

(٤) في «ش» : التلبيس.

٢٧٩

نعم ، يحرم عليه إظهار ما يدلّ على سلامته من ذلك ؛ فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الأمر على المشتري ، سواء كان العيب خفيّاً أم جليّا كما تقدم لا بكتمان العيب مطلقاً ، أو خصوص الخفي وإن لم يقصد التلبيس. ومن هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقاً مع عدم الإعلام بالعيب غشّاً (١).

وفي التفصيل المذكور في رواية الحلبي (٢) إشارة إلى هذا المعنى ؛ حيث إنّه عليه‌السلام جوّز بلّ الطعام بدون قيد الإعلام إذا لم يقصد به الزيادة وإن حصلت به ، وحرّمه مع قصد الغش.

نعم ، يمكن أن يقال في صورة تعيّب المبيع بخروجه عن مقتضى خلقته الأصلية بعيب خفيّ أو جليّ : أنّ التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غشّ للمشتري ، كما لو صرّح باشتراط السلامة ؛ فإنّ العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط مع علمه بالعيب أنّه غاشّ.

أقسام الغشّ

ثم إنّ الغشّ يكون بإخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الجيّد بالردي‌ء ، أو غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللّبن ، وبإظهار الصفة الجيّدة المفقودة واقعاً ، وهو التدليس ، أو بإظهار الشي‌ء على خلاف جنسه كبيع المُموّه على أنّه ذهب أو فضة.

ما أفاده المحقّق الثاني في صحّة المعاملة وفسادها

ثم إنّ في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى بعد تمثيله له بمزج اللّبن بالماء وجهين في صحة المعاملة وفسادها ، من حيث‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٢) المتقدمة في الصفحة : ٢٧٧.

٢٨٠