كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

هل يعتبر في الحرمة الإيمان؟

وأمّا اعتبار الإيمان ، فاختاره في القواعد والتذكرة (١) ، وتبعه بعض الأساطين (٢) لعدم احترام غير المؤمنة.

وفي جامع المقاصد كما عن غيره حرمة التشبيب بنساء أهل الخلاف وأهل الذمة ؛ لفحوى حرمة النظر إليهن (٣).

ونقض بحرمة النظر إلى نساء أهل الحرب ، مع أنّه صرّح بجواز التشبيب بهن.

والمسألة مشكلة ، من جهة الاشتباه في مدرك أصل الحكم.

وكيف كان ، فإذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع ، كما صرّح به في جامع المقاصد (٤).

التشبيب بالغلام حرام على كلّ حال

وأمّا التشبيب بالغلام ، فهو محرَّمٌ على كلِّ حالٍ كما عن الشهيدين (٥) والمحقّق الثاني (٦) وكاشف اللثام (٧) ـ ، لأنّه فحش محض ، فيشتمل على الإغراء بالقبيح.

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢١ ، التذكرة ١ : ٥٨٢.

(٢) وهو كاشف الغطاء قدس‌سره في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٢١.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٢٨ ، وتستفاد من عبارة الشهيد في الدروس حيث استثنى من حرمة التشبيب نساء أهل الحرب ، انظر الدروس ٣ : ١٦٣ ، وأشار إلى ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٨.

(٤) المصدر المتقدم.

(٥) الأوّل في الدروس ٣ : ١٦٣ ، والثاني في المسالك (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٣٢٣.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٢٨.

(٧) كشف اللثام ٢ : ٣٧٣.

١٨١

وعن المفاتيح : أنّ في إطلاق الحكم نظراً (١) ، والله العالم.

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٠.

١٨٢

المسألة الرابعة

حرمة تصوير صور ذوات الأرواح

تصوير صور ذوات الأرواح‌ حرام إذا كانت الصورة مجسَّمة بلا خلافٍ فتوًى ونصاً.

وكذا مع عدم التجسُّم (١) ، وفاقاً لظاهر النهاية (٢) وصريح السرائر (٣) والمحكي عن حواشي الشهيد (٤) والميسيّة (٥) والمسالك (٦) وإيضاح النافع (٧) والكفاية (٨) ومجمع البرهان (٩) وغيرهم (١٠) ؛ للروايات المستفيضة‌ :

__________________

(١) ظاهر «ف» : التجسيم.

(٢) النهاية : ٣٦٣.

(٣) السرائر ٢ : ٢١٥.

(٤) لا يوجد لدينا ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٨.

(٥) لا يوجد لدينا ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٨.

(٦) المسالك ٣ : ١٢٦.

(٧) لا يوجد لدينا ، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٨.

(٨) كفاية الأحكام : ٨٥.

(٩) مجمع الفائدة ٨ : ٥٥.

(١٠) مثل القاضي في المهذّب ١ : ٣٤٤.

١٨٣

الأخبار المستفيضة الدالة على حرمة مجرّد النقش

مثل قوله عليه‌السلام : «نهى أن ينقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم» (١).

وقوله عليه‌السلام : «نهى عن تزويق البيوت ، قلت : وما تزويق البيوت؟ قال : تصاوير التماثيل» (٢).

والمتقدم عن تحف العقول : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني» (٣).

وقوله عليه‌السلام في عدة أخبار : «من صوّر صورة كلّفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ» (٤).

وقد يستظهر اختصاصها بالمجسَّمة ، من حيث إنّ نفخ الروح لا يكون إلاّ في الجسم ، وإرادة تجسيم (٥) النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف الظاهر.

وفيه : أنَّ النفخ يمكن تصوّره في النقش بملاحظة محلِّه ، بل بدونها كما في أمر الإمام عليه‌السلام الأسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة (٦) أو بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٢١ ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٦٠ ، الباب ٣ من أبواب المساكن ، الحديث الأوّل.

(٣) تقدّم في أوّل الكتاب.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٢٠ ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به ، الأحاديث ٦ ٩.

(٥) في بعض النسخ : تجسّم.

(٦) أمالي الصدوق ١ : ١٢٧ ، المجلس ٢٩ ، الحديث ١٩ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٩٦ ، الباب ٨ ، الحديث الأوّل.

١٨٤

لطيفة من الصبغ.

والحاصل ، أنّ مثل هذا لا يعدّ قرينة عرفاً على تخصيص الصورة (١) بالمجسّم (٢).

وأظهر من الكلّ ، صحيحة ابن مسلم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ قال : لا بأس ما لم يكن شيئاً (٣) من الحيوان» (٤) ؛ فإنّ ذكر الشمس والقمر قرينة على إرادة مجرّد النقش.

ومثل قوله عليه‌السلام : «من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام» (٥). فإنّ «المثال» و «التصوير» مترادفان على ما حكاه كاشف اللثام عن أهل اللغة (٦).

مع أنّ الشائع من التصوير والمطلوب منه ، هي الصور المنقوشة على أشكال الرجال والنساء والطيور والسباع ، دون الأجسام المصنوعة على تلك الأشكال.

استظهار أنّ الحكمة في التحريم هي حرمة التشبّه بالخالق

ويؤيّده أنّ الظاهر أنّ الحكمة في التحريم هي حرمة التشبّه بالخالق في إبداع الحيوانات وأعضائها على الإشكال المطبوعة ، التي يعجز البشر عن نقشها على ما هي عليه ، فضلاً عن اختراعها ؛ ولذا منع‌

__________________

(١) في «ع» ، «ص» : الصور.

(٢) في «ف» : بالجسم.

(٣) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : شي‌ء.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٢٠ ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٨٦٨ ، الباب ٤٣ من أبواب الدفن ، الحديث الأوّل.

(٦) كشف اللثام ١ : ١٩٩.

١٨٥

بعض الأساطين عن تمكين غير المكلّف من ذلك (١).

ومن المعلوم أنّ المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة ، فالتشبّه إنّما يحصل بالنقش والتشكيل ، لا غير.

استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح

ومن هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح ، فإنّ صور غيرها كثيراً ما تحصل بفعل الإنسان للدواعي الأُخر غير قصد التصوير ، ولا يحصل به تشبّه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه (٢) بل كلّ ما يصنعه الإنسان من التصرف في الأجسام فيقع (٣) على شكل واحد من مخلوقات الله تعالى.

ما أفاده في كشف اللثام من النقض على التعميم

ولذا قال كاشف اللثام على ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل ـ : إنّه لو عمّت الكراهة لتماثيل ذي الروح وغيرها كرهت الثياب ذوات الأعلام ، لشبه الأعلام بالأخشاب والقصبات ونحوها ، والثياب المحشوّة ؛ لشبه طرائقها المخيطة بها ، بل الثياب قاطبة ؛ لشبه خيوطها بالأخشاب ونحوها (٤) ، انتهى. وإن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجي‌ء.

هذا ، ولكنّ العمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح أصالة الإباحة ، مضافاً إلى ما دلّ على الرخصة ، مثل صحيحة ابن مسلم‌

__________________

(١) وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد : ١٢.

(٢) كذا في النسخ ، وفي مصحّحة «ن» : الشبيه.

(٣) في مصحّحة «ن» : يقع.

(٤) كشف اللثام ١ : ١٩٤.

١٨٦

السابقة (١) ـ ، ورواية التحف المتقدمة ـ ، وما ورد في تفسير قوله تعالى (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) (٢) من قوله عليه‌السلام : «والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنّها تماثيل (٣) الشجر وشبهه» (٤).

والظاهر ، شمولها للمجسّم (٥) وغيره ، فبها يُقيّد بعض ما مرّ من الإطلاق.

ظاهر بعضٍ تعميم الحكم لغير ذي الروح

خلافاً لظاهر جماعة ، حيث إنّهم بين من يحكى عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح ولو لم يكن مجسّماً (٦) ؛ لبعض الإطلاقات اللازم تقييدها بما تقدّم مثل قوله عليه‌السلام : «نهى عن تزويق البيوت» (٧) ، وقوله عليه‌السلام : «مَن مثّل مثالاً .. إلخ» (٨).

ظاهر آخرين تخصيص الحكم بالمجسّم

وبين مَن عبّر بالتماثيل المجسّمة (٩) ؛ بناءً على شمول «التمثال» لغير الحيوان كما هو كذلك فخصّ الحكم بالمجسّم ؛ لأنّ المتيقَّن من المقيِّدات‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١٨٥.

(٢) سبأ : ١٣.

(٣) لم ترد «تماثيل» في المصادر الحديثية.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٢٠ ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٥) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : للجسم.

(٦) يستفاد التعميم من إطلاق كلام الحلبي في الكافي : ٢٨١ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٤٤.

(٧) تقدّم في الصفحة : ١٨٤.

(٨) تقدّم في الصفحة : ١٨٥.

(٩) مثل المفيد في المقنعة : ٥٨٧ ، والشيخ في النهاية : ٣٦٣.

١٨٧

للإطلاقات والظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال والوجود ـ : النقوش لا غير.

وفيه : أنّ هذا الظهور لو اعتبر لسقط (١) الإطلاقات عن نهوضها لإثبات حرمة المجسّم ؛ فتعين حملها (٢) على الكراهة ، دون التخصيص بالمجسّمة.

وبالجملة ، «التمثال» في الإطلاقات المانعة مثل قوله : «من مثّل مثالاً» إن كان ظاهراً في شمول الحكم للمجسّم ، كان كذلك في الأدلّة المرخِّصة لما عدا الحيوان ، كرواية تحف العقول وصحيحة ابن مسلم (٣) وما في تفسير الآية (٤).

فدعوى ظهور الإطلاقات المانعة في العموم واختصاص المقيّدات المجوزة بالنقوش تحكّم.

خروج تصوير ما هو مصنوع للعباد عن أدلّة الحرمة

ثم إنّه لو عمّمنا الحكم لغير الحيوان مطلقاً أو مع التجسّم ، فالظاهر أنّ المراد به ما كان مخلوقاً لله سبحانه على هيئة خاصة معجبة للناظر ، على وجه تميل النفس إلى مشاهدة صورتها المجردة عن المادة أو معها ، فمثل تمثال السيف والرمح والقصور والأبنية والسفن ممّا هو مصنوع للعباد وإن كانت في هيئة حسنة معجبة خارج ، وكذا مثل تمثال القصبات والأخشاب والجبال والشطوط ممّا خلق (٥) الله لا على هيئة معجبة للناظر‌

__________________

(١) في «ف» : سقط.

(٢) في هامش «ف» زيادة : عند هذا القائل.

(٣) راجع الصفحة : ١٨٥.

(٤) تقدّم في الصفحة السابقة.

(٥) في «ش» : خلقه الله.

١٨٨

بحيث تميل النفس إلى مشاهدتها ، ولو بالصور الحاكية لها ؛ لعدم شمول الأدلّة لذلك كلّه.

هذا كلّه مع قصد الحكاية والتمثيل ، فلو دعت الحاجة إلى عمل شي‌ء يكون شبيهاً بشي‌ءٍ من خلق الله ولو كان حيواناً من غير قصد الحكاية ، فلا بأس قطعاً.

ومنه يظهر النظر في ما تقدم عن كاشف اللثام (١).

المرجع في صدق «التصوير» هو العرف

ثم إنّ المرجع في «الصورة» إلى العرف ، فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء. وليس في ما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها أو كسر رأسها (٢) دلالة على جواز تصوير الناقص.

حکم تصور بعض أجزاء الحيوان

ولو صَوّر بعضَ أجزاء الحيوان ففي حرمته نظر ، بل منع ، وعليه ، فلو صَوّر نصفَ الحيوان من رأسه إلى وسطه ، فإن قُدّر الباقي موجوداً بأن فرضه إنساناً جالساً لا يتبيّن ما دون وسطه حَرُمَ ، وإن قصد النصف لا غير لم يحرم إلاّ مع صدق الحيوان على هذا النصف.

ولو بدا له في إتمامه حَرُمَ الإتمام ، لصدق التصوير بإكمال الصورة ، لأنّه إيجاد لها.

ولو اشتغل بتصوير حيوانٍ فَعَلَ حراماً ، حتى لو بدا له في إتمامه. وهل يكون ما فَعَلَ حراماً من حيث التصوير ، أو لا يحرم إلاّ من حيث التجرّي؟ وجهان : من أنّه لم يقع إلاّ بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه ،

__________________

(١) تقدّم في الصفحة : ١٨٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٢ ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلّي.

١٨٩

ومن أنّ معنى حرمة الفعل عرفاً ليس إلاّ حرمة الاشتغال به عمداً ، فلا تراعى الحرمة بإتمام العمل.

والفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على إتمامه وبين الحرام ، هو قضاء العرف ، فتأمّل.

حكم اقتناء ما حرم عمله من الصور

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور وعدمه.

فالمحكي عن شرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي أنّ المستفاد من الأخبار الصحيحة وأقوال الأصحاب : عدم حرمة إبقاء الصور ، انتهى. وقرّره الحاكي على هذه الاستفادة (١).

وممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة ، المحقق الثاني في جامع المقاصد مفرّعاً على ذلك جواز بيع الصور المعمولة ، وعدم لحوقها بآلات اللهو والقِمار وأواني النقدين (٢) ، وصرّح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها (٣).

لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل وابتياعها.

ففي المقنعة بعد أن ذكر في ما يحرم الاكتساب به الخمر وصناعتها وبيعها قال : وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسّمة‌

__________________

(١) حكاه في مفتاح الكرامة (٤ : ٤٩) عن مجمع الفائدة في باب لباس المصلّي ، والموجود فيه قوله : «ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة» من دون نسبة إلى الأصحاب ، انظر مجمع الفائدة ٢ : ٩٣.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ١٦.

(٣) حاشية الإرشاد : ٢٠٦.

١٩٠

والشطْرَنْج والنرد وما أشبه ذلك حرام ، وبيعه وابتياعه حرام (١) ، انتهى.

وفي النهاية : وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسّمة والصور والشطْرَنْج والنرد وسائر أنواع القِمار حتى لعب الصبيان بالجوز والتجارة فيها والتصرف فيها والتكسب بها محظور (٢) ، انتهى. ونحوها ظاهر السرائر (٣).

ما يمكن أن يستدلّ به لحرمة الاقتناء

ويمكن أن يستدلّ للحرمة مضافاً إلى أنّ الظاهر من تحريم عمل الشي‌ء مبغوضية وجود المعمول ابتداءً واستدامةً بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله عليه‌السلام : «لا بأس ما لم يكن حيواناً» (٤) ؛ بناءً على أنّ الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلّق بها العام البلوى ، وهو «الاقتناء» ، وأمّا نفس الإيجاد فهو عمل مختص بالنقّاش ، ألا ترى أنّه لو سُئل عن الخمر فأجاب بالحرمة ، أو عن العصير فأجاب بالإباحة ، انصرف الذهن إلى شربهما ، دون صنعتهما ، بل ما نحن فيه أولى بالانصراف ؛ لأنّ صنعة العصير والخمر يقع من كلِّ أحد ، بخلاف صنعة التماثيل.

وبما (٥) تقدم من الحصر في قوله عليه‌السلام في رواية تحف العقول ـ

__________________

(١) المقنعة : ٥٨٧.

(٢) النهاية : ٣٦٣.

(٣) السرائر ٢ : ٢١٥.

(٤) تقدمت في الصفحة : ١٨٥ ، بلفظ «لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان».

(٥) عطف على قوله : ويمكن أن يستدلّ للحرمة.

١٩١

«إنّما حَرَّم الله الصناعة التي يجي‌ء منها الفساد محضاً ، ولا يكون منه وفيه شي‌ء من وجوه الصلاح [إلى قوله عليه‌السلام : يحرم جميع التقلّب فيه]» (١) ، فإنّ ظاهره أنّ كلَّ ما يحرم صنعته ومنها (٢) التصاوير يجي‌ء منها (٣) الفساد محضاً ، فيحرم جميع التقلب فيه بمقتضى ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة.

وبالنبوي : «لا تدع صورة إلاّ محوتها ولا كلباً إلاّ قتلته» (٤) ؛ بناءً على إرادة الكلب الهراش المؤذي ، الذي يحرم اقتناؤه.

وما عن قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال : لا» (٥).

وبما ورد في إنكار أنّ المعمول لسليمان على نبيّنا وآله وعليه‌السلام هي تماثيل الرجال والنساء (٦) ؛ فإنّ الإنكار إنّما يرجع إلى مشيئة (٧) سليمان للمعمول‌

__________________

(١) لم يرد ما بين المعقوفتين في «ش» ، وفي «ن» عليه علامة (ز) أي زائد ، ووردت في نسخة «ف» في الهامش.

(٢) كذا في النسخ ـ في الموضعين والمناسب : منه.

(٣) كذا في النسخ ـ في الموضعين والمناسب : منه.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٦٢ ، الباب ٣ من أبواب أحكام المساكن ، الحديث ٨ ، وفيه : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ولا قبراً إلاّ سوّيته ، ولا كلباً إلاّ قتلته.

(٥) قرب الإسناد : ٢٦٥ ، الحديث ١١٦٥ ، والوسائل ١٢ : ٢٢١ ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ٣ : ٥٦١ ، الباب ٣ من أبواب أحكام المساكن ، الحديث ٤ ، ٦.

(٧) في «ف» : إلى أنّ مشيّة.

١٩٢

كما هو ظاهر الآية (١) دون أصل العمل ، فدلّ على كون مشيئة وجود التمثال من المنكرات التي لا تليق بمنصب النبوة.

وبمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غُيّرت رؤوسها وتُرك ما سوى ذلك» (٢).

ورواية المثنّى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ عليّاً عليه‌السلام يكره (٣) الصور في البيوت» (٤) بضميمة ما ورد في رواية أُخرى مرويّة في باب الربا ـ : «أنّ علياً عليه‌السلام لم يكن يكره الحلال» (٥).

ورواية الحلبي المحكيّة عن مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أُهديت إليَّ طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر ، فأمرت به فغُيّر رأسُه فجُعل كهيئة الشجر» (٦).

هذا ، وفي الجميع نظر :

المناقشة في أدلّة حرمة الاقتناء

أما الأول ، فلأنّ الممنوع هو إيجاد الصورة ، وليس وجودها مبغوضاً حتى يجب رفعه.

__________________

(١) سبأ : ١٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٦٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام المساكن ، الحديث ٣.

(٣) في المصدر : كره.

(٤) الوسائل ٣ : ٥٦١ ، الباب ٣ من أبواب أحكام المساكن ، الحديث ٣.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٤٧ ، الباب ١٥ من أبواب الربا ، ذيل الحديث الأوّل ، ولفظه هكذا : «ولم يكن عليّ عليه‌السلام يكره الحلال».

(٦) مكارم الأخلاق : ١٣٢ ، والوسائل ٣ : ٥٦٥ ، الباب ٤ من أبواب أحكام المساكن ، الحديث ٧.

١٩٣

نعم ، قد يفهم الملازمة من سياق الدليل أو من خارج ، كما أنّ حرمة إيجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه ، المستلزم لوجوب رفعها.

وأما الروايات ، فالصحيحة الأُولى (١) غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء ؛ لأنّ عمل الصور ممّا هو مركوز في الأذهان ، حتى أنّ السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها ؛ إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله.

وأمّا الحصر في رواية تحف العقول ، فهو بقرينة الفقرة السابقة منها ، الواردة في تقسيم الصناعات إلى ما يترتب عليه الحلال والحرام ، وما لا يترتب عليه إلاّ الحرام إضافيٌّ بالنسبة إلى هذين القسمين ، يعني لم يحرم من القسمين إلاّ ما ينحصر فائدته في الحرام ولا يترتب عليه إلاّ الفساد.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الحصر وارد في مساق التعليل وإعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع ، لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور.

وأمّا النبوي ، فسياقه ظاهر في الكراهة ، كما يدلّ عليه عموم الأمر بقتل الكلاب ، وقوله عليه‌السلام في بعض هذه الروايات : «ولا قبراً إلاّ سوّيته» (٢).

__________________

(١) أي : صحيحة محمد بن مسلم ، المتقدمة في الصفحة : ١٨٥.

(٢) هذا شطر من الحديث النبوي المتقدم كما في المصادر الحديثية وقد أورده المؤلف قدس‌سره سابقاً بدون هذه الفقرة ، وظاهر عبارته هنا أنّه شطر من حديث آخر ؛ ويحتمل بعيداً وقوع التحريف في العبارة ، بأن يكون الصحيح : «في ذيل هذه الرواية» بدل قوله : «بعض هذه الروايات».

١٩٤

وأمّا رواية علي بن جعفر ، فلا تدلّ إلاّ على كراهة اللعب بالصورة ، ولا نمنعها ، بل ولا الحرمة إذا كان اللعب على وجه اللهو.

وأمّا ما في تفسير الآية ، فظاهره رجوع الإنكار إلى مشيئة سليمان على نبيّنا وآله وعليه‌السلام لعملهم ، بمعنى إذنه فيه ، أو إلى تقريره لهم في العمل.

وأمّا الصحيحة (١) ، فالبأس فيها محمول على الكراهة لأجل الصلاة أو مطلقاً ، مع دلالته على جواز الاقتناء ، وعدم وجوب المحو.

وأمّا ما ورد من «أنّ علياً عليه‌السلام لم يكن يكره الحلال» ، فمحمول على المباح المتساوي طرفاه ؛ لأنّه صلوات الله عليه كان يكره المكروه قطعاً.

وأمّا رواية الحلبي ، فلا دلالة لها على الوجوب أصلاً.

معارضة روايات حرمة الاقتناء مع روايات الجواز

ولو سُلِّمَ الظهور في الجميع ، فهي معارضة بما هو أظهر وأكثر ، مثل : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ربما قمت أُصلّي وبين يديَّ الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوباً» (٢).

ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير أو سَبُع ، أيصلى فيه؟ قال : لا بأس» (٣).

وعنه ، عن أخيه عليه‌السلام : «عن البيت فيه صورة سمكة أو طير‌

__________________

(١) أي صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة : ١٩٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦١ ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلي ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٦٣ ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلي ، الحديث ١٠ ، باختلاف يسير.

١٩٥

يعبث به أهل البيت ، هل يصلّى فيه؟ قال : لا ، حتّى يُقطع رأسه ويفسد» (١).

ورواية أبي بصير ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل ، قال : لا بأس به يكون في البيت. قلت : التماثيل (٢)؟ قال : كلّ شي‌ء يوطأ فلا بأس به» (٣). وسياق السؤال مع عموم الجواب يأبى عن تقييد الحكم بما يجوز عمله ، كما لا يخفى.

ورواية أُخرى لأبي بصير ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفترشها (٤)؟ قال : لا بأس منها بما يبسط ويفترش ويوطأ ، وإنّما يكره منها ما نصب على الحائط وعلى السرير» (٥).

وعن قرب الإسناد ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : «سألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر ولم يعلم بها وهو يصلي في ذلك البيت ، ثم علم ، ما عليه؟ قال عليه‌السلام : ليس عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٣ ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلي ، الحديث ١٢ ، مع اختلاف.

(٢) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : ما التماثيل.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٦٤ ، الباب ٤ من أبواب أحكام المساكن ، الحديث ٢.

(٤) كذا في «ف» والمصدر ، وفي «ن» و «خ» و «م» و «ع» و «ش» : نفرشها ، وفي «ص» : نفرشها ، نفترشها (خ ل).

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٢٠ ، الباب ٩٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ، مع اختلاف.

١٩٦

فيما لم يعلم شي‌ء ، فإذا علم فلينزع الستر ، وليكسر رؤوس التماثيل» (١).

فإنّ ظاهره : أنّ الأمر بالكسر ، لأجل كون البيت ممّا يُصلّى فيه ؛ ولذلك لم يأمر عليه‌السلام بتغيير ما على الستر واكتفى بنزعه.

ومنه يظهر أنّ ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة (٢) مع عدم تغيير الرؤوس إنّما هو لأجل الصلاة.

مختار المؤلّف

وكيف كان ، فالمستفاد من جميع ما ورد من الأخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل إلاّ (٣) إذا غيرت ، أو كانت بعين واحدة ، أو القي عليها ثوب (٤) جواز اتّخاذها. وعمومها يشمل المجسّمة وغيرها.

ويؤيد الكراهة : الجمع بين اقتناء الصور والتماثيل في البيت واقتناء الكلب والإناء المجتمع فيه البول في الأخبار الكثيرة :

مثل ما روي عنهم عليهم‌السلام مستفيضاً عن جبرئيل على نبيّنا وآله وعليه‌السلام : «أنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ، ولا بيتاً يبال فيه ، ولا بيتاً فيه كلب» (٥).

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٨٦ ، الحديث ٦٩٢ ، والوسائل ٣ : ٣٢١ ، الباب ٤٥ من أبواب لباس المصلي ، الحديث ٢٠.

(٢) تقدمت في الصفحة : ١٩٣.

(٣) إلاّ» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٤) انظر الوسائل ٣ : ٣١٧ ، الباب ٤٥ من أبواب لباس المصلي ، و ٤٦١ ، الباب ٣٢ من أبواب مكان المصلي.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٦٥ ، الباب ٣٣ من أبواب مكان المصلي ، الحديث ٣.

١٩٧

وفي بعض الأخبار إضافة الجنب إليها (١) ، والله العالم بأحكامه.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٥ ، الباب ٣٣ من أبواب مكان المصلي ، الحديث ٦.

١٩٨

الخامسة التطفيف‌

حرمة التطفيف

حرام ، ذكره في القواعد في المكاسب (١) ، ولعله استطراد ، أو المراد اتخاذه كسباً ، بأن ينصب نفسه كيّالاً أو وزّاناً ، فيطفّف للبائع.

إلحاق البخس في العدّ والذرع بالتطفيف حكماً

وكيف كان ، فلا إشكال في حرمته ، ويدلُّ عليه (٢) الأدلة الأربعة.

ثم إنّ البخس في العدّ والذرع يلحق به حكماً ، وإن خرج عن موضوعه.

ولو وازن الربوي بجنسه فطفّف في أحدهما :

لو وازن الربوي بجنسه فطفّف في أحدهما

فإن جرت المعاوضة على الوزن المعلوم الكلّي ، فيدفع الموزون على أنّه بذلك الوزن ، اشتغلت ذمته بما نقص.

وإن جرت على الموزون المعين باعتقاد المشتري أنّه بذلك الوزن ، فسدت المعاوضة في الجميع ؛ للزوم الربا.

ولو جرت عليه على أنّه بذلك الوزن ، بجعل (٣) ذلك عنواناً للعوض‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢١.

(٢) كذا ، والمناسب : عليها.

(٣) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : يجعل.

١٩٩

فحصل الاختلاف بين العنوان والمشار إليه ، لم يبعد الصحة.

ويمكن ابتناؤه على أنّ لاشتراط المقدار مع تخلّفه قسطاً من العوض أم لا؟ فعلى الأوّل يصح ، دون الثاني.

٢٠٠