كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

لقصورها ـ : بلزوم (١) تخصيص الأكثر (٢).

الثاني :

جواز بيع بول الإبل

بول الإبل يجوز بيعه‌ إجماعاً على ما في جامع المقاصد (٣) وعن إيضاح النافع (٤) أمّا لجواز شربه اختياراً ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في رواية الجعفري : «أبوال الإبل خيرٌ من ألبانها» (٥) وإمّا لأجل الإجماع المنقول ، لو قلنا بعدم جواز شربها إلاّ لضرورة الاستشفاء ، كما يدلّ عليه رواية سماعة ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الإبل والبقر والغنم ينتفع به من الوجع ، هل يجوز أن يشرب؟ قال : نعم ،

__________________

(١) في «ش» : لزوم.

(٢) جاء في شرح الشهيدي (١٩) ما يلي : إنّ قوله : «بلزوم تخصيص الأكثر» في محلّ الرفع على الخبريّة ل «الجواب» ، يعني : والجواب عنه مضافاً إلى ما ذكر من الضعف ـ : أنّ فيه لزوم تخصيص الأكثر ، فلا بدّ من الطرح أو التأويل بما ذكرنا.

هذا بناءً على صحّة وجود كلمة «مع» في قوله : «مع ضعفه» ، وأمّا بناءً على ما في بعض النسخ المصحّحة من الضرب [أي : الشطب] عليها ، وعلى ما في الآخر من «ح» [أي : حينئذٍ] بدل «مع» ، فالخبر له قوله : «ضعفه» ، ويكون «بلزوم» متعلّقاً للقصور ، فتأمّل ؛ فإنّ في العبارة ما لا يخفى على التقديرين.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ١٤.

(٤) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٣.

(٥) الوسائل ١٧ : ٨٧ ، الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٣.

٢١

لا بأس» (١). وموثّقة عمّار ، عن بول البقر يشربه الرجل ، قال : «إن كان محتاجاً إليه يتداوى بشربه فلا بأس ، وكذلك بول الإبل والغنم» (٢).

الإشكال في الجواز بناءً على حرمة الشرب

لكنّ الإنصاف ، أنّه لو قلنا بحرمة شربه اختياراً أشكل الحكم بالجواز إن لم يكن إجماعياً (٣) ، كما يظهر من مخالفة العلاّمة في النهاية وابن سعيد في النزهة (٤).

قال في النهاية : وكذلك البول يعني يحرم بيعه وإن كان طاهراً ؛ للاستخباث ، كأبوال البقر والإبل وإن انتفع به في شربه للدواء ؛ لأنّه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به (٥) ، انتهى.

أقول : بل لأنّ المنفعة المحلّلة للاضطرار وإن كانت كلّية لا تسوّغ البيع ، كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٨٨ ، الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل ١٧ : ٨٧ ، الباب ٥٩ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث الأوّل.

(٣) كذا في «ع» و «ش» ، وفي غيرهما : إجماعاً.

(٤) نزهة الناظر : ٧٨.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ٤٦٣.

٢٢

المسألة الثانية

حرمة بيع العذرة النجسة

يحرم بيع العذرة النجسة‌ (١) من كلّ حيوان على المشهور ، بل في التذكرة كما عن الخلاف ـ : الإجماع على تحريم بيع السرجين النجس (٢).

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدم من الأخبار رواية يعقوب ابن شعيب : «ثمن العذرة من السحت (٣)» (٤).

نعم ، في رواية محمد بن المضارب (٥) : «لا بأس ببيع العذرة» (٦).

الجمع بين الروايات المانعة والمجوّزة

وجمع الشيخ بينهما بحمل الأوّل على عذرة الإنسان ، والثاني على عذرة البهائم (٧).

__________________

(١) النجسة : ساقطة من «ش».

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٤ ، الخلاف ٣ : ١٨٥ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٠.

(٣) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : ثمن العذرة سحت.

(٤) الوسائل ١٢ : ١٢٦ ، الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٥) كذا في «ف» ، «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : المصادف.

(٦) الوسائل ١٢ : ١٢٦ ، الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.

(٧) الاستبصار ٣ : ٥٦ ، ذيل الحديث ١٨٢.

٢٣

ولعلّه لأنّ الأوّل نصّ في عذرة الإنسان ظاهر في غيرها ، بعكس الخبر الثاني ، فيطرح ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر.

ويقرّب هذا الجمع رواية سماعة ، قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن بيع العذرة ، فقال : إنّي رجل أبيع العذرة ، فما تقول؟ قال : حرام بيعها وثمنها ، وقال : لا بأس ببيع العذرة» (١).

فإنّ الجمع بين الحكمَين في كلام واحد لمخاطب واحد يدلّ على أنّ تعارض الأوّلين ليس إلاّ من حيث الدلالة ، فلا يرجع فيه إلى المرجّحات السنديّة أو الخارجيّة.

وبه يدفع ما يقال : من أنّ العلاج في الخبرين المتنافيين على وجه التباين الكلّي هو الرجوع إلى المرجّحات الخارجية ، ثمّ التخيير أو التوقّف ، لا إلغاء ظهور كلّ منهما ، ولهذا طعن على من جمع بين الأمر والنهي بحمل الأمر على الإباحة والنهي على الكراهة.

واحتمل السبزواري حمل خبر المنع على الكراهة (٢). وفيه ما لا يخفى من البُعد.

وأبعد منه ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به ، والجواز على غيرها (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١٢٦ ، الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢. وفي النسخ عدا «ش» : سُئل أبو عبد الله.

(٢) كفاية الأحكام : ٨٤.

(٣) حكاه العلاّمة المجلسي في ملاذ الأخيار ١٠ : ٣٧٩ ، ذيل الحديث ٢٠٢ ، عن والده العلاّمة المجلسي الأوّل قدس‌سرهما.

٢٤

ونحوه حمل خبر المنع (١) على التقيّة ؛ لكونه مذهب أكثر العامّة (٢).

الأظهر من وجوه الجمع

والأظهر ما ذكره الشيخ رحمه‌الله (٣) لو أُريد التبرّع بالحمل لكونه أولى من الطرح ، وإلاّ فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفى.

وجه ثبوت الحكم في غير عذرة الإنسان

ثمّ إنّ لفظ «العذرة» في الروايات ، إن قلنا : إنّه ظاهر في «عذرة الإنسان» كما حكي التصريح به عن بعض أهل اللغة (٤) فثبوت الحكم في غيرها بالأخبار العامّة المتقدّمة ، وبالإجماع المتقدّم (٥) على السرجين النجس.

واستشكل في الكفاية (٦) في الحكم تبعاً للمقدّس الأردبيلي رحمه‌الله (٧) إن لم يثبت الإجماع ، وهو حسن ، إلاّ أنّ الإجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الأخبار العامّة السابقة.

وربّما يستظهر من عبارة الإستبصار القول بجواز بيع عذرة ما عدا الإنسان ، لحملة أخبار المنع على عذرة الإنسان (٨). وفيه نظر.

__________________

(١) في بعض النسخ : النهي.

(٢) هذا الحمل من المجلسي الأوّل أيضاً ، حسبما حكاه عنه في ملاذ الأخيار ١٠ : ٣٧٩.

(٣) تقدّم عنه آنفاً.

(٤) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢١.

(٥) تقدّم عن التذكرة والخلاف في أوّل المسألة.

(٦) لا يخفى أنّ المحقق السبزواري قدس‌سره استشكل في ثبوت الاتفاق واستوجه الجواز فيما ينتفع به ، (انظر كفاية الأحكام : ٨٤).

(٧) مجمع الفائدة ٨ : ٤٠.

(٨) الاستبصار ٣ : ٥٦ ، ذيل الحديث ١٨٢.

٢٥

«فرع»

حكم بيع الأوراث الطاهرة

الأقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محلّلة مقصودة ، وعن الخلاف : نفي الخلاف فيه (١) ، وحكي أيضاً عن المرتضى رحمه‌الله الإجماع عليه (٢).

وعن المفيد : حرمة بيع العذرة والأبوال كلّها إلاّ بول الإبل (٣) ، وحكي عن سلاّر أيضاً (٤).

ولا أعرف مستنداً لذلك إلاّ دعوى أنّ تحريم الخبائث في قوله تعالى (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (٥) يشمل تحريم بيعها ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» (٦) ، وما تقدّم من رواية دعائم الإسلام (٧) ، وغيرها.

ويرد على الأوّل : أنّ المراد بقرينة مقابلته لقوله تعالى (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) الأكل ، لا مطلق الانتفاع.

وفي النبويّ وغيره ما عرفت من أنّ الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي‌ء ، بحيث يدلّ على تحريم جميع منافعه أو المنافع المقصودة الغالبة ، ومنفعة الروث ليست هي الأكل المحرّم فهو كالطين المحرّم ، كما عرفت سابقاً.

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٨٥ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٠.

(٢) لم نقف عليه في كتب السيّد ، لكن حكاه عنه العلاّمة في المنتهي ٢ : ١٠٠٨.

(٣) المقنعة : ٥٨٧.

(٤) المراسم : ١٧٠.

(٥) الأعراف : ١٥٧.

(٦) عوالي اللآلي ٢ : ١١٠ ، الحديث ٣٠١.

(٧) دعائم الإسلام ٢ : ١٨ ، الحديث ٢٣.

٢٦

المسألة الثالثة

حرمة المعاوضة على الدم النجس

يحرم المعاوضة على الدم بلا خلاف ، بل عن النهاية وشرح الإرشاد لفخر الدين والتنقيح : الإجماع عليه (١) ، ويدلّ عليه الأخبار السابقة (٢).

«فرع»

حكم بيع الدم الطاهر

وأمّا الدم الطاهر إذا فرضت له منفعة محلّلة كالصبغ لو قلنا بجوازه‌ ففي جواز بيعه وجهان ، أقواهما الجواز ؛ لأنّها عين طاهرة ينتفع بها منفعة محلّلة.

وأمّا مرفوعة الواسطي (٣) المتضمّنة لمرور أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٦٣ ، التنقيح ٢ : ٥ ، وأمّا شرح الإرشاد فلا يوجد لدينا.

(٢) مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» المتقدّم آنفاً ، وما تقدّم من رواية تحف العقول ودعائم الإسلام في أوّل الكتاب.

(٣) الوسائل ١٦ : ٣٥٩ ، الباب ٣١ من أبواب ما يحرم من الذبيحة ، الحديث ٢.

٢٧

بالقصّابين ونهيهم عن بيع سبعة : بيع الدم ، والغدد ، وآذان الفؤاد ، والطحال .. إلى آخرها ، فالظاهر إرادة حرمة البيع للأكل ، ولا شكّ في تحريمه ؛ لما سيجي‌ء من أنّ قصد المنفعة المحرّمة في المبيع موجب لحرمة البيع ، بل بطلانه.

وصرّح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر ؛ لاستخباثه (١) ، ولعلّه لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الأكل المحرّم.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٤.

٢٨

المسألة الرابعة

حرمة بيع المنيّ

لا إشكال في حرمة بيع المني ؛ لنجاسته ، وعدم الانتفاع به إذا وقع في خارج الرحم ، ولو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري ؛ لأنّ الولد نماء الأُمّ في الحيوانات عرفاً ، وللأب في الإنسان شرعاً.

لكنّ الظاهر أنّ حكمهم بتبعيّة (١) الامّ متفرّع على عدم تملّك المني ، وإلاّ لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع.

فالمتعيّن التعليل بالنجاسة ، لكن قد منع بعض (٢) من نجاسته إذا دخل من (٣) الباطن إلى الباطن.

بيع العسيب

وقد ذكر العلاّمة من المحرّمات بيع «عسيب الفحل» (٤) ، وهو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم ، كما أنّ الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار ،

__________________

(١) ظاهر «ف» : بتبعيته.

(٢) لم نقف عليه.

(٣) في «ع» ، «ص» : عن.

(٤) التحرير ١ : ١٦٠.

٢٩

كما في جامع المقاصد (١) وعن غيره (٢).

وعلّل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة وعدم القدرة على التسليم (٣).

__________________

(١) حكاه في جامع المقاصد ٤ : ٥٣ ، عن الفائق.

(٢) ونقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٤٤ عن جامع المقاصد وحواشي الشهيد قدس‌سره.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٢٤.

٣٠

المسألة الخامسة

حرمة المعاوضة على الميتة

تحرم المعاوضة على الميتة وأجزائها التي تحلّها الحياة من ذي النفس السائلة‌ على المعروف من مذهب الأصحاب.

وفي التذكرة كما عن المنتهي والتنقيح ـ : الإجماع عليه (١) ، وعن رهن الخلاف : الإجماع على عدم ملكيتها (٢).

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدم من الأخبار (٣) ما دلّ على أنّ الميتة لا ينتفع بها (٤) منضماً إلى اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع لئلاّ يدخل في عموم النهي عن أكل المال بالباطل ، وخصوص عدّ ثمن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٤ ، المنتهي ٢ : ١٠٠٩ ، التنقيح ٢ : ٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٤٠ ، كتاب الرهن ، المسألة ٣٤.

(٣) مثل روايتي تحف العقول ودعائم الإسلام ، المتقدّمتين في أوّل الكتاب ، وقوله عليه‌السلام : «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» المتقدّم عن عوالي اللآلي آنفاً.

(٤) الوسائل ١٦ : ٣٦٨ ، الباب ٣٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

٣١

الميتة من السحت في رواية السكوني (١).

ظهور مكاتبة الصيقل في الجواز

نعم ، قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز ، مثل رواية الصيقل ، قال : «كتبوا إلى الرجل : جعلنا الله فداك ، إنّا نعمل السيوف ، وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها ، وإنّما غلافها (٢) من جلود الميتة من البغال والحمير الأهلية ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ، ونحن نصلّي في ثيابنا؟ ونحن محتاجون إلى جوابك في المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها ، فكتب عليه‌السلام : اجعلوا ثوباً للصلاة ..» (٣).

ونحوها رواية أُخرى بهذا المضمون (٤).

ولذا قال في الكفاية والحدائق : إنّ الحكم لا يخلو عن إشكال (٥).

المناقشة في دلالتها على جواز البيع

ويمكن أن يقال : إنّ مورد السؤال عمل السيوف وبيعها وشراؤها ، لا خصوص الغلاف مستقلا ، ولا في ضمن السيف على أن يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد ، فغاية ما يدلّ عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمداً للسيف ، وهو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال ؛ ولذا جوّز جماعة ، منهم الفاضلان في النافع والإرشاد على ما حكي‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٦٢ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

(٢) في التهذيب والوسائل : علاجنا.

(٣) الوسائل ١٢ : ١٢٥ ، الباب ٣٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤ ، مع تفاوتٍ يسير.

(٤) نفس المصدر : الحديث ٣.

(٥) كفاية الأحكام : ٨٤ ، الحدائق ١٨ : ٧٣.

٣٢

عنهما الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة والشرب مع عدم قولهم بجواز بيعه (١).

مع أنّ الجواب لا ظهور فيه في الجواز ، إلاّ من حيث التقرير الغير الظاهر في الرضى ، خصوصاً في المكاتبات المحتملة للتقيّة.

بيع الميتة لو جاز الانتفاع بجلدها

هذا ، ولكنّ الإنصاف : أنّه إذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة كالاستقاء بها للبساتين والزرع إذا فرض عدّه مالاً عرفاً فمجرّد النجاسة لا يصلح (٢) علّة لمنع البيع ، لولا الإجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق (٣) ؛ لأنّ المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة ، لا مجرّد النجاسة.

وإن قلنا : إنّ مقتضى الأدلّة حرمة الانتفاع بكلّ نجس ، فإنّ هذا كلام آخر سيجي‌ء بما فيه (٤) بعد ذكر حكم النجاسات.

ظهور ما دلّ على المنع في كون المانع حرمة الانتفاع

لكنّا نقول : إذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشي‌ء من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه ؛ لأنّ ما دلّ على المنع عن بيع النجس من النصّ والإجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع ؛ فإنّ رواية تحف العقول المتقدمة (٥) قد عُلِّل فيها المنع عن بيع‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٥٤ ، الإرشاد ٢ : ١١٣.

(٢) كذا في «ص» ، وفي غيره : لا تصلح.

(٣) ادّعاه العلاّمة في التذكرة ١ : ٤٦٤ ، والمنتهى ٢ : ١٠٠٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٥.

(٤) في «ع» ، «ص» ، «ش» : ما فيه.

(٥) تقدّمت في أوّل الكتاب.

٣٣

شي‌ء من وجوه النجس بكونه منهيّاً عن أكله وشربه .. إلى آخر ما ذكر فيها.

ومقتضى رواية دعائم الإسلام المتقدّمة أيضاً (١) إناطة جواز البيع وعدمه بجواز الانتفاع وعدمه.

ظهور كلام جماعة في مااستظهر من النصّ والإجتماع

وأدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات في ما لا يجوز بيعه من جهة عدم حِلِّ الانتفاع بها ، واستدلّ أيضاً على جواز بيع الزيت النجس : بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذِنَ في الاستصباح به تحت السماء (٢) ، قال : وهذا يدلُّ على جواز بيعه لذلك (٣) ، انتهى.

فقد ظهر من أوّل كلامه وآخره أنّ المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع ، وأنّه يجوز مع عدمها.

ومثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال ، كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع حيث ذكر النبوي الدالّ على إذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الاستصباح ، ثم قال : وهذا يدلّ على جواز بيعه (٤) ، انتهى.

وعن فخر الدين في شرح الإرشاد (٥) ـ ، والفاضل المقداد في‌

__________________

(١) تقدّمت في أوّل الكتاب.

(٢) نقله عن كتاب «الأوضاح» لأبي عليّ بن أبي هريرة ، وفي الخلاف عن «الإفصاح» ، والظاهر أنّ أحدهما محرّف عن الآخر.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٢٤.

(٤) الخلاف ٣ : ١٨٧ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٢.

(٥) لا يوجد لدينا ، لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٣.

٣٤

التنقيح (١) الاستدلال على المنع عن بيع النجس بأنّه محرّم الانتفاع ، وكلّ ما كان كذلك لا يجوز بيعه.

نعم ، ذكر في التذكرة شرط الانتفاع وحلّيته (٢) بعد اشتراط الطهارة ، واستدلّ للطهارة بما دلّ على وجوب الاجتناب عن النجاسات وحرمة الميتة (٣).

والإنصاف ، إمكان إرجاعه إلى ما ذكرنا (٤) ، فتأمّل.

ويؤيّده (٥) أنّهم أطبقوا على بيع العبد الكافر وكلب الصيد ؛ وعلّله في التذكرة بحلّ الانتفاع به ، وردّ من منع (٦) عن بيعه لنجاسته بأنّ النجاسة غير مانعة ، وتعدّى إلى كلب الحائط والماشية والزرع ؛ لأنّ المقتضي وهو النفع موجود فيها (٧).

المعاوضة على لبن اليهوديّة المرضعة

وممّا ذكرنا من قوّة جواز بيع جلد الميتة لولا الإجماع إذا جوّزنا الانتفاع به في الاستقاء ، يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة ، بأن يجعل تمام الأُجرة أو بعضها في مقابل اللبن ، فإنّ نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه.

__________________

(١) التنقيح ٢ : ٥.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٤.

(٤) في «ف» : ما ذكره الجماعة.

(٥) في «ف» : ويؤيد الإرجاع.

(٦) وهم جماعة من العامّة كالشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم وبعض منّا ، على ما في التذكرة.

(٧) التذكرة ١ : ٤٦٤.

٣٥

«فرعان»

الأوّل :

حكم بيع الميتة منضمّة إلى مُذكّى

أنّه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة ، كذلك لا يجوز بيعها منضمّة إلى مذكّى.

ولو باعهما (١) ، فإن كان المذكّى ممتازاً صحّ البيع فيه وبطل في الميتة ، كما سيجي‌ء في محلّه ، وإن كان مشتبهاً بالميتة لم يجز بيعه أيضاً ؛ لأنّه لا ينتفع به منفعة محلّلة ؛ بناءً على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين ، فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع ، فأكل المال بإزائه أكل للمال (٢) بالباطل ، كما أنّ أكل كلٍّ من المشتبهين في حكم أكل الميتة.

هل يجوز بيع المختلط مّمن يستحلّ الميتة؟

ومن هنا يعلم أنّه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحلّ للميتة وغيره.

دلالة روايتي الحلبي على الجواز

لكن في صحيحة الحلبي وحسنته : «إذا اختلط المذكّى بالميتة بيع ممّن يستحلّ الميتة» (٣) ، وحكي نحوهما عن كتاب عليّ بن جعفر (٤).

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : باعها.

(٢) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : أكل المال.

(٣) الوسائل ١٢ : ٦٧ ، الباب ٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١ و ٢ ، مع اختلاف في اللفظ.

(٤) مسائل عليّ بن جعفر : ١٠٩ ، الحديث ٢٠.

٣٦

واستوجه العمل بهذه الأخبار في الكفاية (١) ، وهو مشكل ، مع أنّ المرويّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه يرمى بها (٢).

وجوّز بعضهم البيع بقصد بيع المذكّى (٣).

تجويز بعضهم البيع بقصد بيع المذكّى والإيراد عليه

وفيه : أنّ القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكّى لأجل الاشتباه.

نعم ، لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة وجواز ارتكاب أحدهما ، جاز البيع بالقصد المذكور.

لكن لا ينبغي القول به في المقام ؛ لأنّ الأصل في كلّ واحد من المشتبهين عدم التذكية ، غاية الأمر العلم الإجمالي بتذكية أحدهما ، وهو غير قادح في العمل بالأصلين.

وإنّما يصحّ القول بجواز ارتكاب أحدهما في المشتبهين إذا كان الأصل في كلٍّ منهما الحِلُّ وعلم إجمالاً بوجود الحرام ، فقد يقال هنا بجواز ارتكاب أحدهما اتّكالاً على أصالة الحِلّ ، وعدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك حذراً عن ارتكاب الحرام الواقعي ، وإن كان هذا الكلام مخدوشاً في هذا المقام أيضاً ، لكنّ القول به ممكن هنا ، بخلاف ما نحن فيه ؛ لما ذكرنا ، فافهم.

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٨٥.

(٢) في «ش» : بهما ، وما أثبتناه مطابق لسائر النسخ ، ولما ورد في الحديث ، راجع : مستدرك الوسائل ١٣ : ٧٣ ، الباب ٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٣) المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٢٣ ، والعلاّمة في الإرشاد ٢ : ١١٣.

٣٧

حمل العلّامة لروايتي الحلبي

وعن العلاّمة حمل الخبرين على جواز استنقاذ مال المستحلّ للميتة بذلك برضاه (١).

وفيه : أنّ المستحلّ قد يكون ممّن لا يجوز الاستنقاذ منه إلاّ بالأسباب الشرعيّة ، كالذمّي.

حمل المؤلّف لهما

ويمكن حملهما على صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلّها الحياة : من الصوف والشعر والعظم (٢) ونحوها ، وتخصيص المشتري بالمستحلّ ؛ لأنّ الداعي له على الاشتراء اللحم أيضاً ، ولا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه.

الانتفاع بأليات الغنم المقطوعة

وفي مستطرفات السرائر ، عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء ، أيصلح أن ينتفع بها (٣)؟ قال : نعم ، يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها» (٤).

واستوجه في الكفاية العمل بها (٥) تبعاً لما حكاه الشهيد عن العلاّمة‌

__________________

(١) المختلف : ٦٨٣.

(٢) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : من الصوف والعظم والشعر.

(٣) في المصدر بدل «بها» : بما قطع.

(٤) السرائر ٣ : ٥٧٣.

(٥) ظاهر العبارة : أنّ السبزواري استوجه العمل برواية البزنطي ، لكن الموجود في كفاية الأحكام بعد الحكم باستثناء الأدهان ؛ مستدلا بصحيحة الحلبي وصحيحة زرارة وصحيحة سعيد الأعرج وغيرها ، وأنّ ذكر الإسراج والاستصباح في الروايات غير دالّ على الحصر ما يلي : «والقول بالجواز مطلقاً متّجه» ، انظر كفاية الأحكام : ٨٥.

٣٨

في بعض أقواله (١).

والرواية شاذّة ، ذكر الحلّي بعد إيرادها أنّها من نوادر الأخبار ، والإجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرّف فيها على كلّ حال إلاّ أكلها للمضطرّ (٢).

أقول : مع أنّها معارضة بما دلّ على المنع من موردها ، معلّلاً بقوله عليه‌السلام : «أما علمت أنّه يصيب الثوب واليد وهو حرام؟» (٣) ومع الإغماض عن المرجّحات ، يرجع إلى عموم ما دلّ على المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقاً ، مع أنّ الصحيحة صريحة في المنع عن البيع ، إلاّ أن تحمل على إرادة البيع من غير الإعلام بالنجاسة.

__________________

(١) حكى السيد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٩) عن حواشي الشهيد على القواعد أنّه نُقل عن العلاّمة في حلقة الدرس أنّه جوّز الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة ، تحت السماء.

(٢) السرائر ٣ : ٥٧٤.

(٣) الوسائل ١٦ : ٣٦٤ ، الباب ٣٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث الأوّل ، وفيه : أما تعلم.

٣٩

الثاني :

حكم المعاتوضة على الميتة من غير ذي النفس السائلة

أنّ الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها‌ إذا كانت ممّا ينتفع بها أو ببعض أجزائها كدهن السمك الميتة للإسراج والتدهين لوجود المقتضي وعدم المانع ؛ لأنّ أدلّة عدم الانتفاع بالميتة مختصّة بالنجسة ، وصرّح بما ذكرنا جماعة (١) ، والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

__________________

(١) منهم : المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٧٧ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ١٧.

٤٠