كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

عدم المنفعة المعتدّ بها تارةً يستند إلى خسّة الشيء واُخرى إلى قلّته

ثم اعلم أنّ عدم المنفعة المعتدّ بها يستند تارة إلى خِسّة الشي‌ء كما ذكر من الأمثلة في عبارة المبسوط (١) وأُخرى إلى قلّته ، كجزءٍ يسير من المال لا يبذل في مقابله مال ، كحبّةِ حِنطة.

والفرق : أنّ الأوّل لا يملك ، ولا يدخل تحت اليد كما عرفت من التذكرة (٢) بخلاف الثاني فإنّه يملك.

ولو غصبه غاصب كان عليه مثله إن كان مِثليّاً ، خلافاً للتذكرة فلم يوجب شيئاً (٣) كغير المِثلي.

وضعّفه بعضٌ بأنّ اللازم حينئذٍ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجاً (٤) ، ويمكن أن يلتزم فيه بما يلتزم في غير المِثلي ، فافهم.

ثم إنّ منع حق الاختصاص في القسم الأول مشكل ، مع عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحقُّ به» (٥) مع عدِّ أخذه قهراً ظلماً عرفاً.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة : ١٥٥ ١٥٦.

(٢) في الصفحة : ١٥٦.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٥.

(٤) قاله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٩٠.

(٥) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨١.

١٦١
١٦٢

النوع الرابع

ما يَحرم الاكتساب به

لكونه عملاً محرَّماً في نفسه‌

١٦٣

وهذا النوع وإن كان أفراده هي جميع الأعمال المحرَّمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة والجُعالة وغيرهما ، إلاّ أنّه جرت عادة الأصحاب بذكر كثيرٍ ممّا من شأنه الاكتساب به من المحرّمات ، بل ولغير (١) ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به ، كالغيبة والكذب ونحوهما.

وكيف كان ، فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها ، إن شاء الله تعالى ، فنقول‌ :

__________________

(١) في «ش» : وغير ذلك.

١٦٤

المسألة الأُولى

تدليس الماشطة

تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد بيعها‌ حرام بلا خلافٍ ، كما عن الرياض (١) ، وعن مجمع الفائدة : الإجماع عليه (٢) ، وكذا (٣) فعل المرأة ذلك بنفسها.

بماذا يحصل التدليس؟

[ويحصل بوشم الخدود كما في المقنعة والسرائر والنهاية ، وعن جماعة (٤)].

قال في المقنعة : وكسب المواشط حلال إذا لم يغششن ولم يدلّسن في عملهن ، فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس ويشمن الخدود ويستعملن ما لا يجوز في شريعة الإسلام ، فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن بذلك بأس ، انتهى. ونحوه بعينه عبارة‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٥٠٤.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٨٤.

(٣) كلمة «كذا» ساقطة من «ش».

(٤) ما بين المعقوفتين من «ش» ، وفي «ف» هكذا : «كما في المقنعة والنهاية والسرائر وجماعة» ، ولم ترد العبارة في سائر النسخ.

١٦٥

النهاية (١).

وقال في السرائر في عداد المحرمات ـ : وعمل المواشط (٢) بالتدليس ، بأن يَشِمْنَ الخدود ويحمِّرنها ، وينقشن بالأيدي والأرجل ، ويصلن شعر النساء بشعر غيرهن ، وما جرى مجرى ذلك (٣) ، انتهى.

وحكي نحوه عن الدروس (٤) وحاشية الإرشاد (٥).

هل يعدّ وشم الخدود ووصل الشعر بشعر الغير من التدليس

وفي عدّ وشم الخدود من جملة التدليس تأمّل ؛ لأنّ الوشم في نفسه زينة.

وكذا التأمّل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الإنسان ، ووصله بشعر غيره ؛ فإنّ ذلك لا مدخل له في التدليس وعدمه.

إلاّ أن يوجّه الأول بأنّه قد يكون الغرض من الوشم أن يحدث في البدن نقطة خضراء حتى يتراءى بياض سائر البدن وصفاؤه أكثر مما كان يرى لولا هذه النقطة.

ويوجّه الثاني بأنّ شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الأصلي للمرأة ، فلا يحصل التدليس به ، بخلاف شعر المرأة.

وكيف كان ، يظهر من بعض الأخبار المنع عن الوشم ووصل الشعر‌

__________________

(١) العبارة المنقولة موافقة لعبارة النهاية باختلاف يسير ، وما في المقنعة أكثر اختلافاً ، انظر النهاية : ٣٦٦ والمقنعة : ٥٨٨.

(٢) في «ف» ، «ن» ، «ع» ومصححة «م» : المواشطة.

(٣) السرائر ٢ : ٢١٦ ، وفيه : «وينقشن الأيدي» ، وكذا صُحِّح في «ف».

(٤) الدروس ٣ : ١٦٣.

(٥) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢٠٦.

١٦٦

بشعر الغير ، وظاهرها المنع ولو في غير مقام التدليس.

ظاهر بعض الاخبار المنع عن مطلق الوشم ووصل الشعر بشعر الغير

ففي مرسلة ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «دخلت ماشطة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لها : هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ قالت : يا رسول الله أنا أعمله إلاّ أن تنهاني عنه فأنتهي عنه ، قال : افعلي ، فإذا مشَّطتِ فلا تجلي الوجه بالخرقة ، فإنّها تذهب بماء الوجه ، ولا تَصِلي شعر (١) المرأة بشعر امرأة غيرها ، وأما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة».

وفي مرسلة الفقيه : «لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما تُعطى ، ولا تَصِل شعر المرأة بشعر [امرأة (٢)] غيرها. وأما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل (٣) بشعر المرأة» (٤).

وعن معاني الأخبار بسنده عن عليّ بن غراب ، عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما ، قال : «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النامِصة والمنتمِصة ، والواشِرة والموتشِرة ، والواصِلة والمستوصِلة ، والواشِمة والمستوشِمة».

قال الصدوق : «قال علي بن غراب : النامصة التي تنتف الشعر ،

__________________

(١) في المصادر الحديثية : «ولا تصلي الشعر بالشعر» وبهذه الجملة تتم المرسلة ، انظر الوسائل ١٢ : ٩٤ ، الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢. والظاهر حصول الخلط بين ذيل هذه المرسلة وذيل المرسلة الآتية عن الفقيه.

(٢) الزيادة من المصدر.

(٣) في الوسائل : توصله.

(٤) الفقيه ٣ : ١٦٢ ، الحديث ٣٥٩١ ، والوسائل ١٢ : ٩٥ ، الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦.

١٦٧

والمنتمِصة : التي يفعل ذلك بها ، والواشِرة : التي تشِر أسنان المرأة ، والموتشِرة : التي يفعل ذلك بها ، والواصِلة : التي تصِل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، والمستوصِلة : التي يفعل ذلك بها ، والواشِمة : التي تشِم في يد المرأة أو في شي‌ء من بدنها ، وهو أن تغرز بدنها أو ظهر كفّها بإبرة حتى تؤثّر فيه ، ثم تحشوها بالكُحْل أو شي‌ء من النورة فتخضرّ ، والمستوشِمة : التي يفعل بها ذلك» (١).

ظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل ولو بشعر غير المرأة

وظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل ولو بشعر غير المرأة ، مثل ما عن عبد الله بن الحسن ، قال : «سألته عن القَرامِل ، قال : وما القَرامِل؟ قلت : صوف تجعله النساء في رؤوسهن ، قال : إن كان صوفاً فلا بأس ، وإن كان شعراً فلا خير فيه من الواصِلة والمستوصِلة» (٢).

ظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقاً

وظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقاً ، ففي رواية سعد الإسكاف ، قال : «سئل أبو جعفر عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن ، قال : لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها. قلت له : بلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الواصِلة والمستوصِلة ، فقال : ليس هناك ، إنّما لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الواصِلة التي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال ، فتلك الواصِلة» (٣).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٥٠ ، مع اختلاف ، الوسائل ١٢ : ٩٥ ، الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٩٤ ، الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥ ، وفيه بدل «المستوصلة» في آخر الحديث ـ : «الموصولة».

(٣) الوسائل ١٢ : ٩٤ ، الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣ ، وفيه أيضاً بدل «المستوصلة» في أوّل الحديث ـ : «الموصولة».

١٦٨

الجمع بين الأخبار

ويمكن الجمع بين الأخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر كما في رواية عبد الله بن الحسن ـ ، وشدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة.

وعن الخلاف والمنتهى : الإجماع على أنّه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلاً كان أو امرأة (١).

وأمّا ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معاني الأخبار فيمكن حملها (٢) أيضاً على الكراهة ، لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة ، خصوصاً مع صرف الإمام للنبويّ الواردة في الواصلة عن ظاهره ، المتّحد سياقاً مع سائر ما ذكر في النبوي.

ولعلّه أولى من تخصيص عموم الرخصة بهذه الأُمور.

مع أنّه لولا الصرف لكان الواجب إمّا تخصيص الشعر بشعر المرأة ، أو تقييده بما إذا كان هو أو أحد (٣) أخواته في مقام التدليس ، فلا دليل على تحريمها في غير مقام التدليس كفعل المرأة المزوَّجة ذلك لزوجها خصوصاً بملاحظة ما في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «عن المرأة تحفّ الشعر عن وجهها ، قال : لا بأس» (٤).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٩٢ ، كتاب الصلاة ، المسألة ٢٣٤ ، المنتهي ١ : ١٨٤.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : حمله.

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : إحدى.

(٤) الوسائل ١٢ : ٩٥ ، الباب ١٩ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٨ ، وفيه : من وجهها.

١٦٩

وهذه أيضاً قرينة على صرف إطلاق لعن النامصة (١) في النبوي عن ظاهره ، بإرادة التدليس ، أو الحمل على الكراهة.

الإشكال في وشم الأطفال

نعم ، قد يشكل الأمر في وشم الأطفال ، من حيث إنّه إيذاء لهم بغير مصلحة ؛ بناءً على أن لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوّجة إلاّ التدليس بإظهار شدة بياض البدن وصفائه ، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن.

لكن الإنصاف ، أنّ كون ذلك تدليساً مشكل ، بل ممنوع ، بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة ، فهو تزيين ، لا موهِم لما ليس في البدن واقعاً من البياض والصفاء.

نعم ، مثل نقش الأيدي والأرجل بالسواد يمكن أن يكون الغالب فيه إرادة إيهام بياض البدن وصفائه.

ومثله الخط الأسود فوق الحاجبين ، أو وصل الحاجبين بالسواد لتوهّم طولهما وتقوّسهما.

حصول التدليس بمجرّد رغبة الخاطب أو المشتري وإن علما بذلك

ثم إنّ التدليس بما ذكرنا إنما يحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري ، وإن علما أنّ هذا البياض والصفاء ليس واقعياً ، بل حدث بواسطة هذه الأُمور ، فلا يقال : إنّها ليست بتدليس ؛ لعدم خفاء أثرها على الناظر.

وحينئذٍ فينبغي أن يعدّ من التدليس لبس المرأة أو الأمة الثياب الحُمْر أو الخُضْر الموجبة لظهور بياض البدن وصفائه ، والله العالم.

__________________

(١) شطب في «ف» على عبارة «لعن النامصة» وكتب في هامشه : اللعن.

١٧٠

كراهة كسب الماشطة مع شرط الاُجرة المعينة

ثم إنّ المرسلة المتقدّمة عن الفقيه (١) دلّت على كراهة كسب الماشطة مع شرط الأُجرة المعيّنة ، وحكي الفتوى به (٢) عن المقنع وغيره (٣).

والمراد بقوله عليه‌السلام : «إذا قبلت ما تعطى» (٤) البناء على ذلك حين العمل ، وإلاّ فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته.

ثم إنّ أولويّة قبول ما يعطى وعدم مطالبة الزائد :

الحكمة في اُولوية قبول ما يُعطاه الحجّام والختّان والماشطة

إمّا لأنّ الغالب عدم نقص ما تُعطى عن اجرة مثل العمل ، إلاّ أنّ مثل الماشطة والحجّام والختّان ونحوهم كثيراً ما يتوقّعون أزيد ممّا يستحقّون خصوصاً من أُولي المروءة والثروة وربما يبادرون إلى هتك العرض إذا منعوا ، ولا يُعْطَون ما يتوقّعون من الزيادة أو بعضه إلاّ استحياءً وصيانةً للعرض. وهذا لا يخلو عن شبهة ، فأُمروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون وترك مطالبة الزائد ، فلا ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد والامتناع عن قبول ما يُعطى إذا اتفق كونه دون اجرة المثل.

وإمّا لأنّ المشارطة في مثل هذه الأُمور لا يليق بشأن كثير من‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة : ١٦٧.

(٢) ظاهر العبارة : رجوع الضمير إلى «الكراهة» بعد الإغماض عن الإشكال في تذكير الضمير لكنّ الذي وقفنا عليه في المقنع هو الفتوى بمضمون المرسلة ، من دون إشارة إلى الكراهة المستفادة من مفهومها ، فيحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى «المرسلة» بتقدير المضاف ، أي أُفتي بمضمون المرسلة ، فلاحظ.

(٣) انظر المقنع (الجوامع الفقهية) : ٣٠ ، والهداية (الجوامع الفقهية) : ٦٢.

(٤) لفظ الحديث : «إذا لم تشارط وقبلت ما تعطى».

١٧١

الأشخاص ؛ لأنّ المماكسة فيها خلاف المروءة ، والمسامحة فيها قد لا تكون مصلحة ؛ لكثرة طمع هذه الأصناف ، فأُمروا بترك المشارطة والإقدام على العمل بأقل ما يعطى وقبوله.

وترك مطالبة الزائد مستحبّ للعامل ، وإن وجب على من عُمل له إيفاء تمام ما يستحقّه من اجرة المثل ، فهو مكلّف وجوباً بالإيفاء ، والعامل مكلف ندباً بالسكوت وترك المطالبة ، خصوصاً على ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء.

أو (١) لأنّ الأولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل ، وقبول ما يعطى على وجه التبرّع أيضاً ، فلا ينافي ذلك ما ورد من قوله عليه‌السلام : «لا تستعملنّ أجيراً حتى تقاطعه» (٢).

__________________

(١) عطف على قوله : «إمّا».

(٢) لم نعثر على خبر باللفظ المذكور ، نعم ، ورد مؤدّاه في الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، الباب ٣ من أحكام الإجارة.

١٧٢

المسألة الثانية

حرمة تزيين الرجل بما يختصّ بالنساء ، وكذا العكس

تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير والذهب‌ ، حرام ؛ لما ثبت في محلّه من حرمتهما على الرجال ، وما يختص بالنساء من اللباس كالسوار والخلخال والثياب المختصة بهن في العادات على ما ذكره في المسالك (١).

وكذا العكس ، أعني تزيين المرأة بما يختصّ بالرجال كالمِنْطَقَة والعمامة ـ ، ويختلف باختلاف العادات.

لا دليل على الحرمة عدا النبوي

واعترف غير واحد بعدم العثور على دليلٍ لهذا الحكم (٢) عدا النبويّ المشهور ، المحكي عن الكافي والعلل : «لعن الله المتشبّهين من‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٣٠.

(٢) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٨٥ ، إلاّ أنّه قال : «ولعلّ دليله الإجماع وأنّه نوع غشٍّ» ، ثم قال : «والإجماع غير ظاهر فيما قيل وكذا كونه غشّاً» ولم يتعرّض للنبوي ، ومنهم المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ١٩٨ ، وحكاه في مفتاح الكرامة (٤ : ٦٠) عن الكفاية ، لكن لم نعثر عليه في كفاية الأحكام للسبزواري.

١٧٣

الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال» (١).

قصور دلالة النبوي على الحرمة

وفي دلالته قصور ؛ لأنّ الظاهر من التشبّه (٢) تأنّث الذكر وتذكّر الأُنثى ، لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبّه.

ويؤيّده المحكي عن العلل : أنّ علياً عليه‌السلام رأى رجلاً به تأنيث (٣) في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : «أُخرج من مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لعن الله .. إلخ» (٤).

وفي رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة ـ : أنّ «فيهن قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعن الله المتشبّهات بالرجال من النساء .. إلخ» (٥).

وفي رواية أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال ، وهم : المخنّثون ، واللائي ينكحن بعضهن بعضاً» (٦).

__________________

(١) الكافي ٨ : ٧١ ، الحديث ٢٧ ، علل الشرائع : ٦٠٢ ، الحديث ٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٢١١ ، الباب ٨٧ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١ و ٢.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : التشبيه.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : تأنّث.

(٤) ليس هذا حديثاً آخر كما يوهمه ظاهر العبارة بل هو قسم آخر من الحديث المحكي عن العلل آنفاً.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٦٢ ، الباب ٢٤ من أبواب النكاح المحرّم ، الحديث ٥.

(٦) المصدر السابق : الحديث ٦.

١٧٤

نعم في (١) رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن الرجل يجرّ ثيابه؟ قال : إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء» (٢).

وعنه عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء ، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها» (٣).

وفيهما (٤) خصوصاً الأُولى بقرينة المورد ظهور في الكراهة ، فالحكم المذكور لا يخلو عن إشكال.

وجوب ترك الزينتين المختصّتين بكلّ من الرجل والمرأة على الخنثى

ثم الخنثى يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكلٍّ من الرجل والمرأة كما صرّح به جماعة (٥) ـ [لأنّها يحرم عليها لباس مخالفها في الذكورة والأُنوثة ، وهو مردّد بين اللبسين ، فتجتنب عنهما مقدمة] (٦) لأنّهما له (٧) من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة أحدهما.

ويشكل بناءً على كون مدرك الحكم حرمة التشبّه بأنّ الظاهر‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «وفي» بدل «نعم في».

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٤ ، الباب ١٣ من أبواب أحكام الملابس ، الحديث الأول.

(٣) المصدر السابق ، الحديث ٢.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : فيها.

(٥) منهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٠ ، وحكاه صاحب الجواهر عن شرح أُستاذه واستجوده ، راجع الجواهر ٢٢ : ١١٦.

(٦) وردت العبارة في «ش» بعنوان نسخة بدل ، ووردت في سائر النسخ مع اختلاف في بعض الضمائر والأفعال من حيث التذكير والتأنيث ، وفي بعضها عليها علامة (خ ل) ، وكلّها لا تخلو عن مسامحة.

(٧) لم ترد في «ش» ، والمناسب : لها.

١٧٥

من (١) «التشبّه» صورة علم المتشبّه.

__________________

(١) في أكثر النسخ : عن.

١٧٦

المسألة الثالثة

حرمة التشبيب

بيان معنى

«التشبيب»

التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة‌ وهو كما في جامع المقاصد : ذكر محاسنها وإظهار شدّة (١) حبِّها بالشعر (٢) حرام على ما عن المبسوط (٣) وجماعة ، كالفاضلين (٤) والشهيدين (٥) والمحقّق الثاني (٦).

أدلّة الحرمة

واستدلّ عليه بلزوم تفضيحها ، وهتك حرمتها ، وإيذائها وإغراء الفسّاق بها ، وإدخال النقص عليها وعلى أهلها (٧) ، ولذا لا ترضى النفوس‌

__________________

(١) على كلمة «شدّة» علامة نسخة بدل في بعض النسخ : لكنّها موجودة في المصدر.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٢٨.

(٣) المبسوط ٨ : ٢٢٨.

(٤) المحقّق في الشرائع ٤ : ١٢٨ ، العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٨٢ والتحرير ١ : ١٦١ وغيرهما.

(٥) الأوّل في الدروس ٣ : ١٦٣ ، والثاني في المسالك (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٣٢٣.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٢٨.

(٧) لم نقف على من استدلّ بجميع الفقرات المذكورة ، نعم استدلّ الشهيد الثاني

١٧٧

الأبيّة ذوات الغيرة والحميّة أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم وأخواتهم ، بل البعيدات من قراباتهم.

الوجوه المذكورة لا تنهض لإثبات التحريم

والإنصاف ، أنّ هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم ، مع كونه (١) أخصّ من المدعى ؛ إذ قد لا يتحقّق شي‌ء من المذكورات في التشبيب ، بل وأعمّ منه من وجه ؛ فإنّ التشبيب بالزوجة قد يوجب أكثر المذكورات.

الاستدلال بعمومات حرمة اللّهو والفحشاء

ويمكن أن يستدلّ عليه بما سيجي‌ء من عمومات حرمة اللهو والباطل (٢) ، وما دلّ على حرمة الفحشاء (٣) ، ومنافاته للعفاف المأخوذ في العدالة (٤).

وفحوى ما دلّ على حرمة ما يوجب ولو بعيداً تهييج القوة‌

__________________

بالإيذاء والاشتهار ، والفاضل الهندي بالإيذاء وإغراء الفسّاق بها ، انظر المسالك ٢ : ٣٢٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٧٣.

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : كونها ، كما في مصحّحة «ن».

(٢) تأتي في الصفحة : ٢٨٨ ٢٩٠.

(٣) مثل قوله تعالى (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل : ٩٠.

وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ..) النور : ١٩.

(٤) كما هو مقتضى رواية ابن أبي يعفور : «قال : قلت لأبي عبد الله : بِمَ تُعرَف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف .. إلخ» الوسائل ١٨ : ٢٨٨ ، الباب ٤١ من أبواب الشهادات ، الحديث الأوّل.

١٧٨

الشهوية بالنسبة إلى غير الحليلة ، مثل :

الاستدلال بفحوى ما دلّ على حرمة تهييج القوّة الشهوية بالنسبة إلى غير الحليلة

ما دلّ على المنع عن النظر ؛ لأنّه سهم من سهام إبليس (١).

والمنع عن الخلوة بالأجنبية ؛ لأنّ ثالثهما الشيطان (٢).

وكراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان (٣).

وبرجحان التستّر عن نساء أهل الذمّة ؛ لأنّهن يصفن لأزواجهن (٤).

والتستّر عن الصبي المميّز الذي يصف ما يرى (٥).

والنهي في الكتاب العزيز عن أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض (٦) ، وعن أن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٣٨ ، الباب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث ١ و ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٨١ ، الباب ٣١ من أبواب أحكام الإجارة.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٥ ، الباب ١٤٥ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٣٣ ، الباب ٩٨ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث الأول.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٧٢ ، الباب ١٣٠ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث ٢.

(٦) في قوله تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب : ٣٢.

(٧) في قوله تعالى (.. وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ..) النور : ٣١.

١٧٩

إلى غير ذلك من المحرَّمات والمكروهات التي يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعيّنة المحترمة (١) بما يهيّج الشهوة عليها ، خصوصاً ذات البعل التي لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول : «رُبّ راغب فيك».

لا يبعد القول بجواز التشبيب بالمخطوبة قبل العقد

نعم ، لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد بل مطلق من يراد تزويجها لم يكن بعيداً ؛ لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها. والمسألة غير صافية عن الاشتباه والإشكال.

ثم إنّ المحكي عن المبسوط وجماعة (٢) : جواز التشبيب بالحليلة ، بزيادة الكراهة عن المبسوط (٣).

جواز التشبيب بالمرأة المبهمة

وظاهر الكلّ جواز التشبيب بالمرأة المبهمة ، بأن يتخيّل امرأة ويتشبّب بها ، وأما المعروفة عند القائل دون السامع سواء علم السامع إجمالاً بقصد معينة أم لا ففيه إشكال.

وفي جامع المقاصد كما عن الحواشي (٤) الحرمة في الصورة الأُولى (٥).

وفيه إشكال ، من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم ، وكذا إذا لم يكن هنا سامع.

__________________

(١) كذا في «ش» وظاهر «خ» ، وفي سائر النسخ : المحرّمة.

(٢) مثل المحقق في ظاهر الشرائع ٤ : ١٢٨ ، والشهيد في ظاهر الدروس ٣ : ١٦٣ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٨.

(٣) المبسوط ٨ : ٢٢٨.

(٤) نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ٦٩) عن حواشي الشهيد قدس‌سره.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٢٨.

١٨٠