كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

والرواية (١) على تقدير صحّتها تدلّ على أنّ السامع لغيبةٍ كقائل تلك الغيبة ، فإن كان القائل عاصياً كان المستمع كذلك ، فتكون دليلاً على الجواز فيما نحن فيه.

نعم ، لو استظهر منها أنّ السامع للغيبة كأنّه متكلّم بها ، فإن جاز للسامع التكلّم بغيبة (٢) جاز سماعها ، وإن حرم عليه حرم سماعها أيضاً ، كانت الرواية على تقدير صحتها دليلاً للتحريم فيما نحن فيه ، لكنه خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة «المغتابين» بالتثنية ، وإن كان هو الظاهر على تقدير قراءته بالجمع ، لكن هذا التقدير خلاف الظاهر ، وقد تقدم في مسألة التشبيب أنّه إذا (٣) كان شكّ السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه ، فراجع (٤).

ثم إنّه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة :

الأخبار المستفيضة الظاهرة في وجوب ردّ الغيبة

فعن المجالس بإسناده عن أبي ذرّ رضوان الله عليه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اغتيب عنده أخوه المؤمن وهو يستطيع نصره فنصره ، نصره الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وإن خذله وهو يستطيع نصره ، خذله الله في الدنيا والآخرة» (٥).

__________________

(١) وهي قوله عليه‌السلام : «إنّ السامع للغيبة أحد المغتابين» ، المتقدّم في الصفحة : ٣٥٩.

(٢) ظاهر «ف» : بغيبته.

(٣) في «ن» ، «ع» و «ص» : إذا كان.

(٤) راجع الصفحة : ١٨١.

(٥) أمالي الطوسي ٢ : ١٥٠ ، وعنه الوسائل ٨ : ٦٠٨ ، الباب ١٥٦ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٨.

٣٦١

ونحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام في وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام (١).

وعن عقاب الأعمال بسنده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإن لم يردّ عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتابه» (٢).

وعن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه‌السلام في حديث المناهي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من تطوّل على أخيه في غيبة سمعها [فيه ، في مجلس (٣)] فردّها عنه ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإن هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرّة .. الخبر (٤)» (٥).

المراد بالردّ الانتصار للغائب ، لا صِرف النهي عن الغيبة

ولعلّ وجه زيادة عقابه أنّه إذا لم يرده تجرّأ المغتاب على الغيبة ، فيصرّ على هذه الغيبة وغيرها.

والظاهر أنّ الردّ غير النهي عن الغيبة ، والمراد به الانتصار‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٣٧٢ ، باب النوادر ، الحديث ٥٧٦٢ ، وعنه الوسائل ٨ : ٦٠٦ ، الباب ١٥٦ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

(٢) عقاب الأعمال : ٣٣٥ ، وعنه الوسائل ٨ : ٦٠٧ ، الباب ١٥٦ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٥.

(٣) من «ع» ، «ص» والمصدر.

(٤) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة «الخبر» ؛ لأنّ الحديث مذكور بتمامه.

(٥) الفقيه ٤ : ١٥ ، الحديث ٤٩٦٨ ، وعنه الوسائل ٨ : ٦٠٠ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ١٣.

٣٦٢

للغائب بما يناسب تلك الغيبة ، فإن كان عيباً دنيوياً انتصر له بأنّ العيب ليس إلاّ ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبه الله به ، وإن كان عيباً دينياً وجّهه بمحامل تخرجه عن المعصية ، فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأنّ المؤمن قد يبتلي بالمعصية ، فينبغي أن تستغفر له وتهتمّ له ، لا أن تعيّر عليه ، وأنّ تعييرك إيّاه لعلّه أعظم عند الله من معصيته ، ونحو ذلك.

الأخبار الواردة في عقوبة ذي اللسانين وذمّة

ثم إنّه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممّن يمدح المغتاب في حضوره ، وهذا وإن كان في نفسه مباحاً إلاّ أنّه إذا انضمّ مع ذمّه في غيبته سُمّي صاحبه «ذو اللسانين» (١) وتأكّد حرمته ؛ ولذا ورد في المستفيضة : «أنّه يجي‌ء ذو اللسانين يوم القيامة وله لسانان من النار» (٢) ؛ فإنّ لسان المدح في الحضور وإن لم يكن لساناً من نار ، إلاّ أنّه إذا انضمّ إلى لسان الذمّ في الغياب صار كذلك.

وعن المجالس بسنده عن حفص بن غياث ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من مدح أخاه المؤمن في وجهه واغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما» (٣).

__________________

(١) في «خ» و «م» زيادة : يوم القيامة.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٨١ ، الباب ١٤٣ من أبواب أحكام العشرة ، الأحاديث ١ و ٧ و ٨ و ٩ ، وفي الجميع : «لسانان من نار» ، بدون الألف واللام.

(٣) أمالي الصدوق : ٤٦٦ ، المجلس ٨٥ ، الحديث ٢١ مع اختلاف يسير ، وعنه الوسائل ٨ : ٥٨٣ ، الباب ١٤٣ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ١٠.

٣٦٣

وعن الباقر عليه‌السلام : «بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين! يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً ، إن اعطي حسده ، وإن ابتُلي خذله» (١).

البهتان أغلظ تحريماً من الغيبة

واعلم أنّه قد يطلق الاغتياب على «البهتان» وهو أن يقال في شخصٍ ما ليس فيه ، وهو أغلظ تحريماً من الغيبة ، ووجهه ظاهر ؛ لأنّه جامع بين مفسدتي (٢) الكذب والغيبة ، ويمكن القول بتعدّد العقاب من جهة كلّ من العنوانين والمركب.

وفي رواية علقمة ، عن الصادق عليه‌السلام : «حدثني أبي ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبداً ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب خالداً في النار وبئس المصير» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٨٢ ، الباب ١٤٣ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٢.

(٢) في «ف» : جامع لمفسدتي.

(٣) الوسائل ٨ : ٦٠١ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٢٠ ، باختلافٍ يسير.

٣٦٤

خاتمة

في بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخيه‌

ففي صحيحة مرازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ما عُبد الله بشي‌ء أفضل من أداء حق المؤمن» (١).

حقوق المسلم على أخيه

وروى في الوسائل وكشف الريبة ، عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي ـ ، عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي ، عن محمد بن علي الجعابي ، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقّا ، لا براءة له منها إلاّ بأدائها أو العفو : يغفر زلّته ، ويرحم عبرته ، ويستر عورته ، ويقيل عثرته ، ويقبل معذرته ، ويردّ غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلّته ، ويرعى ذمّته ، ويعود مرضه ، ويشهد ميتته (٢) ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديّته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويحفظ حليلته ، ويقضي حاجته ، ويستنجح مسألته ، ويسمّت عطسته ، ويرشد ضالّته ، ويردّ سلامه ، ويطيّب كلامه ، ويبرّ إنعامه ، ويصدّق أقسامه ، [ويوالي وليّه (٣)] ولا يعاديه (٤) وينصره ظالماً ومظلوماً‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٤٢ ، الباب ١٢٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

(٢) كذا في «ف» و «ص» والمصادر ، وفي غيرها : ميّته.

(٣) كذا في النسخ ، وشطب عليه في «ف» ، وكتب بدله : ويواليه ، والعبارة في كشف الريبة أيضاً : ويواليه.

(٤) في الوسائل : «ولا يعاد» ، وأمّا في كنز الفوائد فهكذا : «ويوالي وليّه ويعادي عدوّه».

٣٦٥

فأمّا نصرته ظالماً فيردّه عن ظلمه ، وأمّا نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقّه ـ ، ولا يسلمه ، ولا يخذله ، ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه ، ويكره له [من الشرّ (١)] ما يكره لنفسه» ، ثم قال عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له عليه» (٢).

والأخبار في حقوق المؤمن كثيرة (٣).

والظاهر إرادة الحقوق المستحبّة التي ينبغي أداؤها ، ومعنى القضاء لذيها على من هي عليه (٤) : المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عمّا أُعدّ لمن أدّى حقوق الاخوّة.

اختصاص الاخبار بالأخ العارف بالحقوق المؤّدي لها حسب الإمكان

ثم إنّ ظاهرها وإن كان عامّاً ، إلاّ أنّه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدّي لها بحسب اليسر ، أمّا المؤمن المضيّع لها فالظاهر عدم تأكّد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه ، ولا يوجب إهمالها مطالبته (٥) يوم القيامة ؛ لتحقّق المقاصة ، فإنّ التهاتر يقع في الحقوق ، كما يقع في الأموال.

__________________

(١) لم ترد في أصل النسخ ، إلاّ أنّها استدركت في هامش بعضها من المصدر.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٣٠٦ ، وعنه كشف الريبة : ١١٤ ، والوسائل ٨ : ٥٥٠ ، الباب ١٢٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٢٤ ، وفيها : فيقضي له وعليه.

(٣) انظر الوسائل ٨ : ٥٤٢ ، الباب ١٢٢ من أبواب أحكام العشرة.

(٤) كذا في «ش» ومصححة «ص» ، وفي «ف» ، «ن» ، «م» و «ع» وهامش «ش» (خ ل) : لذيها على من عليها.

(٥) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : مطالبة.

٣٦٦

الأخبار الظاهرة في جواز ترك الحقوق لبعض الإخوان

وقد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان ، بل لجميعهم إلاّ القليل :

فعن الصدوق رحمه‌الله في الخصال ، وكتاب الإخوان ـ ، والكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قام إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رجل بالبصرة ، فقال : أخبرنا عن الإخوان ، فقال عليه‌السلام : الإخوان صنفان ، إخوان الثقة وإخوان المكاشرة (٢) ، فأمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ والجناح والأهل والمال ، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك ، وصاف من صافاه ، وعادِ من عاداه ، واكتم سرّه وعيبه (٣) ، وأظهر منه الحَسَن ؛ واعلم أيّها السائل أنّهم أعزّ من الكبريت الأحمر! ، وأمّا إخوان المكاشرة فإنّك تصيب منهم لذّتك ، فلا تقطعنّ ذلك منهم ، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان» (٤).

وفي رواية عبيد الله الحلبي المروية في الكافي عن‌

__________________

(١) في «ف» زيادة : ففي مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٢) كاشَرَةُ : إذا تبسم في وجهه وانبسط معه (مجمع البحرين ٣ : ٤٧٤ كشر).

(٣) كذا في «ش» والكافي والخصال ، وفي سائر النسخ : «وأعنه» ، كما في كتاب مصادقة الإخوان والوسائل.

(٤) الخصال ١ : ٤٩ ، باب الاثنين ، الحديث ٥٦ ، مصادقة الإخوان : ٣٠ ، الحديث الأوّل ، الكافي ٢ : ٢٤٨ ، الحديث ٣ ، وأُنظر الوسائل ٨ : ٤٠٤ ، الباب ٣ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

٣٦٧

حدود الصدقة

أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شي‌ء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومن لم يكن فيه شي‌ء منها فلا تنسبه إلى شي‌ء من الصداقة :

فأوّلها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة أن لا تغيّره عليك ولايةٌ ولا مال.

والرابعة أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته (١).

والخامسة وهي تجمع (٢) هذه الخصال ـ : أن لا يسلمك عند النكبات» (٣).

ولا يخفى أنّه إذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوّة ، فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه.

وفي نهج البلاغة : «لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته ، وفي غيبته ، وفي وفاته» (٤).

وفي كتاب الإخوان ، بسنده عن الوصافي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ،

__________________

(١) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : بقدرته.

(٢) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : مجمع.

(٣) الكافي ٢ : ٦٣٩ ، الحديث ٦ ، وعنه الوسائل ٨ : ٤١٣ ، الباب ١٣ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

(٤) نهج البلاغة : ٤٩٤ ، الحكمة رقم : ١٣٤ ، وفيه : «في نكبته ، وغيبته ، ووفاته».

٣٦٨

قال : «قال لي : أرأيت من كان قِبَلكم (١) إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه؟ قلت : لا ، قال : فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزاراً؟ قلت : لا ، قال : فضرب بيده على فخذه! وقال : ما هؤلاء بإخوة .. إلخ (٢)» (٣) دلّ على أنّ من لا يواسي المؤمن ليس بأخٍ له ، فلا يكون له حقوق الأُخوّة المذكورة في روايات الحقوق.

ونحوه رواية ابن أبي عمير عن خلاّد رفعه قال : «أبطأ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل ، فقال : ما أبطأ بك؟ قال : العُرْي يا رسول الله! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما؟ فقال : بلى يا رسول الله ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا لك بأخ» (٤).

وفي رواية يونس بن ظبيان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اختبروا إخوانكم بخصلتين ، فإن كانتا فيهم ، وإلاّ ، فاعزُب ثم‌

__________________

(١) في المصدر : من قبلكم.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة : «إلخ» ؛ فإنّ ما ورد هو تمام الحديث.

(٣) مصادقة الإخوان : ٣٦ ، الحديث الأوّل ، وعنه الوسائل ٨ : ٤١٤ ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

(٤) مصادقة الإخوان : ٣٦ ، الحديث ٤ ، وعنه الوسائل ٨ : ٤١٥ ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٣.

٣٦٩

اعزُب (١) : المحافظة على الصلوات في مواقيتها ، والبرّ بالإخوان في اليسر والعسر» (٢).

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي سائر النسخ : فأغرب ثم أغرب ، وفي المصدر زيادة : ثم اعزب. قال في مجمع البحرين (٢ : ١٢٠) : اعزب ثم اعزب على [عن ظ] الأمر : أي أبعد نفسك عن الأمر ثم أبعد.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٠٣ ، الباب ١٠٣ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

٣٧٠

المسألة الخامسة عشر

حرمة القمار

القِمار‌ حرام إجماعاً ، ويدلّ عليه الكتاب (١) والسنّة المتواترة (٢).

معنى القمار لغةً وشرعاً

وهو بكسر القاف كما عن بعض أهل اللغة : «الرهن على اللعب بشي‌ء من الآلات المعروفة» (٣) وحكي عن جماعة أنّه قد يطلق على اللعب بهذه الأشياء مطلقاً ولو من دون رهن (٤) ، وبه صرّح في جامع المقاصد (٥). وعن بعضٍ (٦) أنّ أصل المقامرة المغالبة.

وكيف كان ، فهنا مسائل أربع ؛ لأنّ اللعب قد يكون بآلات القِمار‌

__________________

(١) مثل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة : ٩٠.

(٢) انظر الوسائل ١٢ : ١١٩ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) انظر مجمع البحرين ٣ : ٤٦٣ ، ففيه ما هو قريب من العبارة المذكورة.

(٤) حكاه في مفتاح الكرامة (٤ : ٥٦) عن ظاهر الصحاح والمصباح المنير والتكملة والذيل ، لكن راجعنا الصحاح والمصباح فلم نقف فيهما على كلام ظاهر في ذلك ، وأمّا التكملة والذيل فلم تكونا في متناول أيدينا لنراجعهما.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٢٤.

(٦) لم نقف عليه.

٣٧١

مع الرهن ، وقد يكون بدونه ، والمغالبة بغير آلات القِمار قد تكون مع العوض ، وقد تكون بدونه.

اللعب بآلات القِمار مع الرهن

فالأُولى ـ اللعب بآلات القِمار مع الرهن.

ولا إشكال في حرمته وحرمة العوض ، والإجماع عليه (١) محقّق ، والأخبار به (٢) متواترة (٣).

اللعب بآلات القِمار من دون رهن

الثانية ـ اللعب بآلات القِمار من دون رهن.

وفي صدق القِمار عليه نظر ؛ لما عرفت ، ومجرّد الاستعمال لا يوجب إجراء أحكام المطلقات ولو مع البناء على أصالة الحقيقة في الاستعمال ؛ لقوّة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن في اللعب بها.

ومنه تظهر الخدشة في الاستدلال على المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات ؛ بناء على انصرافه إلى المتعارف من ثبوت الرهن.

نعم ، قد يبعد دعوى الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي : «عن الشطرَنج والنرد؟ قال : لا تقربوهما ، قلت : فالغناء؟ قال : لا خير فيه ، لا تقربه» (٤).

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، والمناسب : عليها.

(٢) كذا في جميع النسخ ، والمناسب : بها.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ١١٩ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به ، وراجع الأبواب ١٠٢ و ١٠٣ و ١٠٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٣٩ ، الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٠.

٣٧٢

الأولى في الاستدلال على الحرمة

والأولى الاستدلال على ذلك بما تقدّم في رواية تحف العقول من أنّ ما يجي‌ء منه الفساد محضاً لا يجوز التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات (١).

وفي تفسير القمي ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (٢) قال : «أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إلى أن قال ـ : وأمّا المَيسِر فالنرد والشطرَنج ، وكلّ قِمار ميسر إلى أن قال ـ : وكلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشي‌ء من هذا حرام (٣) محرّم» (٤).

وليس المراد بالقِمار هنا المعنى المصدري ، حتّى يرد ما تقدّم من انصرافه إلى اللعب مع الرهن ، بل المراد الآلات بقرينة قوله : «بيعه وشراؤه» ، وقوله : «وأمّا المَيسِر فهو النرد .. إلخ».

ويؤيّد الحكم ما عن مجالس المفيد الثاني رحمه‌الله ولد شيخنا الطوسي رحمه‌الله بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير المَيسِر من أنّ «كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو المَيسِر» (٥).

__________________

(١) تقدّم نصّ الرواية في أوّل الكتاب.

(٢) المائدة : ٩٠.

(٣) في المصدر : حرام من الله محرّم.

(٤) تفسير القمّي ١ : ١٨٠ ١٨١ ، والوسائل ١٢ : ٢٣٩ ، الباب ١٠٣ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٢.

(٥) أمالي الطوسي ١ : ٣٤٥ ، وعنه الوسائل ١٢ : ٢٣٥ ، الباب ١٠٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٥.

٣٧٣

ورواية الفضيل ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس من النرد والشطرنج .. حتى انتهيت إلى السدَر (١) ، قال : إذا ميّز الله الحق من الباطل مع أيّهما يكون؟ قلت (٢) : مع الباطل ، قال : وما لك والباطل؟!» (٣).

وفي موثّقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه سئل عن الشطرَنج وعن لعبة شبيب (٤) التي يقال لها : لعبة الأمير (٥) وعن لعبة الثلاث؟ فقال : أرأيتك (٦) إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل مع أيّهما تكون؟ قلت (٧) : مع الباطل ، قال : فلا خير فيه» (٨).

وفي رواية عبد الواحد بن مختار ، عن اللعب بالشطرنج ، قال : «إنّ المؤمن لمشغول عن اللعب» (٩).

فإنّ مقتضى إناطة الحكم بالباطل واللعب عدم اعتبار الرهن في‌

__________________

(١) السدر كعِبَر لعبة للصبيان (مجمع البحرين ٣ : ٣٢٨ سدر). قال ابن الأثير : السدر لعبة يقامر بها ، وتكسر سينها وتُضمّ ، وهي فارسية معرّبة عن ثلاثة أبواب (النهاية ٢ : ٣٥٤ سدر).

(٢) من مصححة «ص» والكافي (٦ : ٤٣٦ ، الحديث ٩) ، وفي سائر النسخ : قال.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٤٢ ، الباب ١٠٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.

(٤) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لعبة شيث.

(٥) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لعبة الأحمر.

(٦) في «ن» ، «ع» و «س» : أرأيت.

(٧) كذا في «ف» ، «ص» و «ش» ، وفي سائر النسخ : قال.

(٨) الوسائل ١٢ : ٢٣٨ ، الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥.

(٩) الوسائل ١٢ : ٢٣٩ ، الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١١.

٣٧٤

حرمة اللعب بهذه الأشياء ، ولا يجري دعوى الانصراف هنا.

المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدّة للقمار

الثالثة ـ المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدّة للقِمار.

كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل وعلى المصارعة وعلى الطيور وعلى الطفرة ، ونحو ذلك ممّا عدّوها في باب السبق والرماية من أفراد غير ما نصّ على جوازه.

والظاهر الإلحاق بالقِمار في الحرمة والفساد ، بل صريح بعض أنّه قِمار (١).

تصريح العلّامة الطباطبائي بعدم الخلاف في الحرمة والفساد

وصرّح العلاّمة الطباطبائي رحمه‌الله في مصابيحه بعدم الخلاف في الحرمة والفساد (٢) ، وهو ظاهر كلّ من نفى الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض وجعل محلّ الخلاف فيها بدون العوض (٣) ؛ فإنّ ظاهر ذلك أنّ محلّ الخلاف هنا هو محلّ الوفاق هناك ، ومن المعلوم أنّه ليس هنا إلاّ الحرمة التكليفية ، دون خصوص الفساد.

الأخبار الدالّة على الحرمة

ويدلّ عليه أيضاً قول الصادق عليه‌السلام : أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الملائكة لتحضر الرهان في الخفّ والحافر‌

__________________

(١) صرّح بذلك السيد الطباطبائي في كتاب السبق والرماية من الرياض ٢ : ٤١.

(٢) مخطوط) ولم نقف عليه.

(٣) من وقفنا عليه منهم هو الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ١ : ٣٠١ ، والمحقّق النجفي في الجواهر ٢٨ : ٢١٨ و ٢١٩ ، لكنّه في كتاب التجارة استظهر اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدّة للقِمار ، كما سيأتي.

٣٧٥

والريش ، وما سوى ذلك قِمار حرام» (١).

وفي رواية العلاء بن سيابة ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر [والخف (٢)] والريش والنصل» (٣).

والمحكي عن تفسير العياشي ، عن ياسر الخادم ، عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن المَيسِر ، قال : الثقل (٤) من كلّ شي‌ء ، قال : والثقل (٥) ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم وغيرها (٦)» (٧).

وفي مصحّحة معمّر بن خلاّد : «كلّ ما قومر عليه فهو ميسر» (٨).

وفي رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قيل : يا رسول الله‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب أحكام السبق والرماية ، الحديث ٣ ، باختلاف يسير.

(٢) من هامش «ص» والمصدر.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٤٧ ، الباب الأوّل من أبواب أحكام السبق والرماية ، الحديث ٦.

وقد روى المحدّث العاملي هذه الرواية عن الصدوق عن الصادق عليه‌السلام ، وليس في سندها «العلاء بن سيابة» ، لكنّه موجود في الفقيه ٣ : ٤٨ ، الحديث ٣٣٠٣.

(٤) في الوسائل : التفل.

(٥) في المصدر : الخبز والثقل.

(٦) في المصدر : وغيره.

(٧) تفسير العياشي ١ : ٣٤١ ، الحديث ١٨٧ ، وعنه في الوسائل ١٢ : ١٢١ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١٢.

(٨) الوسائل ١٢ : ٢٤٢ ، الباب ١٠٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

٣٧٦

ما المَيسِر؟ قال : كلّ ما يقامر به (١) حتى الكعاب والجوز» (٢). والظاهر أنّ المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن.

استظهار بعض اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدّة للقمار ، والمناقشة فيه

ومع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف في الحكم ممّن تقدّم فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين (٣) اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدّة للقِمار ، وأمّا مطلق الرهان على المغالبة (٤) بغيرها فليس فيه إلاّ فساد المعاملة وعدم تملّك الرهن (٥) ، فيحرم التصرّف فيه ؛ لأنّه أكل مال بالباطل ، ولا معصية من جهة العمل كما في القِمار ، بل لو أخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد ، الذي هو نذر لا كفّارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان أنّ المقامرة المذكورة أوجبته وألزمته أمكن القول بجوازه (٦).

وقد عرفت من الأخبار إطلاق القِمار عليه ، وكونه موجباً للعن الملائكة وتنفّرهم ، وأنّه من المَيسِر المقرون بالخمر.

وأمّا ما ذكره أخيراً من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد ، فلم أفهم معناه ؛ لأنّ العهد الذي تضمّنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به ؛ إذ لا يستحبّ ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملّك ،

__________________

(١) في المصدر : تقومر به.

(٢) الوسائل ١٢ : ١١٩ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

(٣) هو صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٤) في مصحّحة «خ» و «ش» : مطلق الرهان والمغالبة.

(٥) في «ص» و «ش» : الراهن.

(٦) انتهى ما أفاده صاحب الجواهر نقلاً بالمعنى ـ ، انظر الجواهر ٢٢ : ١٠٩ ١١٠.

٣٧٧

إلاّ أن يراد صورة الوفاء ، بأن يملّكه تمليكاً (١) جديداً بعد الغلبة في اللعب.

لكن حِلّ الأكل على هذا الوجه جارٍ في القِمار المحرّم أيضاً ، غاية الأمر الفرق بينهما بأنّ الوفاء لا يستحبّ في المحرّم ، لكنّ الكلام في تصرف المبذول له (٢) بعد التمليك (٣) الجديد ، لا في فعل الباذل وأنّه يستحب له أو لا.

عدم الخلاف في الحكم بالحرمة والفساد

وكيف كان ، فلا أظنّ الحكم بحرمة الفعل مضافاً إلى الفساد محلّ إشكال ، بل ولا محلّ خلاف ، كما يظهر من كتاب السبق والرماية ، وكتاب الشهادات ، وتقدّم دعواه صريحاً من بعض الأعلام (٤).

قضاء أميرالمؤمنين (ع) في رجلٍ آكل وأصحاب له شاة

نعم ، عن الكافي والتهذيب بسندهما عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل آكَلَ وأصحابٌ له شاةً ، فقال : إن أكلتموها فهي لكم ، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه : أنّ ذلك باطل ، لا شي‌ء في المؤاكلة من الطعام (٥) ما قلّ منه أو كثر (٦) ، ومنع غرامة (٧) فيه» (٨).

__________________

(١) في «ف» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : تملّكاً.

(٢) من مصححة «ن» و «ش».

(٣) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : التملك.

(٤) تقدّمت دعواه عن العلاّمة الطباطبائي قدس‌سره في الصفحة : ٣٧٥.

(٥) في التهذيب : لا شي‌ء فيه للمؤاكلة في الطعام.

(٦) في المصدرين : وما كثر.

(٧) في «ص» والمصدرين : غرامته.

(٨) الكافي ٧ : ٤٢٨ ، الحديث ١١ ، والتهذيب ٦ : ٢٩٠ ، الحديث ٨٠٣ ، وعنهما الوسائل ١٦ : ١١٤ ، الباب ٥ من أبواب كتاب الجعالة ، الحديث الأوّل وذيله.

٣٧٨

ظهور الرواية في الجواز

وظاهرها من حيث عدم ردع الإمام عليه‌السلام عن فعل مثل هذا أنّه ليس بحرام ، إلاّ أنّه لا يترتّب عليه الأثر. لكن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان وعدم التحريم ؛ لأنّ (١) التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضاً ، فتأمّل.

حكم العوض من حيث الفساد

ثم إنّ حكم العوض من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة ، يجب ردّه على مالكه مع بقائه ، ومع التلف فالبدل مِثلاً أو قيمة.

الكلام في ما ورد من قيء الامام البيض الذي قامر به الغلام

وما ورد من قي‌ء الإمام عليه‌السلام البيض الذي قامر به الغلام (٢) ؛ فلعلّه للحذر من أن يصير الحرام جزءاً من بدنه ، لا للردّ على المالك.

لكن يشكل بأنّ ما كان تأثيره كذلك يشكل أكل المعصوم عليه‌السلام له جهلاً ؛ بناءً على عدم إقدامه على المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم لا جهلاً ولا غفلة ؛ لأنّ ما دلّ على عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب وفعل الحرام دلّ على عدم جواز الجهل عليه في ذلك.

اللهم إلاّ أن يقال : بأنّ مجرد التصرف من المحرمات العِلميّة والتأثير الواقعي غير المتبدل بالجهل إنّما هو في بقائه وصيرورته بدلاً عمّا يتحلّل من بدنه عليه‌السلام ، والفرض اطّلاعه عليه في أوائل وقت تصرف المعدة ولم يستمرّ جهله.

هذا كلّه لتطبيق فعلهم على القواعد ، وإلاّ فلهم في حركاتهم‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والعبارة على فرض عدم وقوع السقط أو التصحيف فيها لا تخلو عن إجمال.

(٢) الوسائل ١٢ : ١١٩ ، الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

٣٧٩

من أفعالهم وأقوالهم شؤون لا يعلمها غيرهم.

المغالبة بغير عوض في غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه

الرابعة ـ المغالبة بغير عوض في غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه.

والأكثر على ما في الرياض (١) على التحريم ، بل حكى فيها عن جماعة (٢) دعوى الإجماع عليه ، وهو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة.

الظاهر من بعض عبارات التذكرة الاجماع على التحريم

فعن موضع منها : أنّه لا تجوز المسابقة على المصارعة بعوض ولا بغير عوض عند علمائنا أجمع ؛ لعموم النهي إلاّ في الثلاثة : الخفّ ، والحافر ، والنصل (٣). وظاهر استدلاله أن مستند الإجماع هو النهي ، وهو جارٍ في غير المصارعة أيضاً.

وعن موضعٍ آخر (٤) : لا تجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد والمِقْلاع والمَنْجَنيق ، سواء كان بعوض أو بغير عوض عند علمائنا (٥).

وعنه (٦) أيضاً : لا يجوز المسابقة على المَراكِب والسفُنِ والطيّاراتِ (٧)

__________________

(١) الرياض ٢ : ٤١ ، وفيه : النسبة إلى الأشهر.

(٢) منهم القاضي في المهذّب ١ : ٣٣١ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٣٢٦ ، والعلاّمة في التذكرة ، كما يأتي.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٥٤.

(٤) العبارات المحكية عن التذكرة هنا كلّها في موضع واحد وصفحة واحدة.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٥٤.

(٦) كذا في «ف» ومصحّحة «م» ، وفي سائر النسخ : وفيه.

(٧) أي : ما يطير من الحيوانات.

٣٨٠