كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

مختار المؤلّف في المسألة

فالقول بعدم كونه حقّا للناس بمعنى وجوب البراءة ، نظير الحقوق الماليّة ، لا يخلو عن قوّة ، وإن كان الاحتياط في خلافه ، بل لا يخلو عن قرب ؛ من جهة كثرة الأخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها ، بل اعتبار سند بعضها (١).

والأحوط الاستحلال إن تيسّر ، وإلاّ فالاستغفار.

غفر الله لمن اغتبناه ولمن اغتابنا بحقِّ محمدٍ وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) مثل الدعاء التاسع والثلاثين من الصحيفة السجّادية ، المتقدم في أدلّة وجوب الاستحلال (الصفحة : ٣٣٨) ، ومن البديهي أنّ الصحيفة وصلت إلينا بسند معتبر عن سيّد الساجدين زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المعصومين.

٣٤١

الثالث

فيما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعم‌

مستثنيات الغيبة

فاعلم أنّ المستفاد من الأخبار المتقدمة وغيرها أنّ حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن وتأذّيه منه ، فإذا فرض هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب بالكسر ، أو بالفتح ، أو ثالث دلّ العقل أو الشرع على كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه ، وجب كون الحكم على طبق أقوى المصلحتين ، كما هو الحال في كلّ معصية من حقوق الله وحقوق الناس ، وقد نبّه عليه غير واحد.

استثناء ما فيه مصلحة عظمى

قال في جامع المقاصد بعد ما تقدّم عنه في تعريف الغيبة ـ : إنّ ضابط الغيبة المحرمة : كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن ، أو التفكّه به ، أو إضحاك الناس منه ، وأمّا ما كان لغرض صحيح فلا يحرم ، كنصح المستشير ، والتظلّم وسماعه ، والجرح والتعديل ، وردّ من ادّعى نسباً ليس له ، والقدح في مقالة باطلة خصوصاً في الدين (١) ، انتهى.

وفي كشف الريبة : اعلم أنّ المرخّص في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل إليه إلاّ به (٢) ، انتهى (٣).

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٢٧.

(٢) كذا في المصدر ، والعبارة في النسخ كما يلي : اعلم أنّ المرخّص في ذكر مساوئ الغير غرض صحيح لا يمكن التوصّل إليه إلاّ بها.

(٣) كشف الريبة : ٧٧.

٣٤٢

وعلى هذا ، فموارد الاستثناء لا تنحصر في عدد. نعم ، الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة :

أحدهما :

جواز غيبة المتجاهر بالفسق

ما إذا كان المغتاب متجاهراً بالفسق ؛ فإنّ من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق. نعم ، لو كان في مقام ذمّه كرهه من حيث المذمّة ، لكن المذمّة على الفسق المتجاهر به لا تحرم ، كما لا يحرم لعنه.

وقد تقدم (١) عن الصحاح أخذ «المستور» في المغتاب.

وقد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر :

الأخبار المستفيضة الدالّة على الجواز

منها : قوله عليه‌السلام في رواية هارون بن الجهم ـ : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة» (٢).

وقوله عليه‌السلام : «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له» (٣).

ورواية أبي البختري : «ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع ، والإمام الجائر ، والفاسق المعلن بفسقه» (٤).

ومفهوم قوله عليه‌السلام : «من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم‌

__________________

(١) في الصفحة : ٣٢٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٦٠٤ ، الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٤.

(٣) الاختصاص : ٢٤٢ وعنه مستدرك الوسائل ٩ : ١٢٩ ، الباب ١٣٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٦٠٥ ، الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٥ ، وفيه : المعلن بالفسق.

٣٤٣

يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروّته [وظهر عدله] (١) ووجبت اخوّته ، وحرمت غيبته» (٢).

وفي صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في بيان العدالة ، بعد تعريف العدالة ـ : «أنّ الدليل على ذلك أن يكون ساتراً لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته» (٣) دلّ (٤) على ترتّب حرمة التفتيش على كون الرجل ساتراً ، فتنتفي عند انتفائه.

ومفهوم قوله عليه‌السلام في رواية علقمة المحكية عن المحاسن (٥) ـ : «من لم تره بعينك يرتكب ذنباً ولم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى ، داخل في ولاية الشيطان .. الخبر» (٦) ، دلّ على ترتب حرمة الاغتياب وقبول الشهادة على كونه من أهل الستر وكونه من أهل العدالة على طريق اللفّ والنشر أو على اشتراط الكلّ بكون الرجل غير مرئي منه المعصية ولا مشهوداً عليه بها ،

__________________

(١) من «ص» و «ش» والمصدر.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٩٧ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٢ ، مع اختلاف.

(٣) الوسائل ١٨ : ٢٨٨ ، الباب ٤١ من أبواب الشهادات ، مع اختلاف.

(٤) كذا ، والمناسب : دلّت.

(٥) كذا ، والظاهر أنّه مصحّف «المجالس» ، انظر أمالي الصدوق : ٩١ ، المجلس ٢٢ ، الحديث ٣ ، وقد رواها في الوسائل عنه ، لا غير.

(٦) الوسائل ٨ : ٦٠١ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٢٠ ، باختلاف يسير.

٣٤٤

ومقتضى المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط ، خرج منه غير المتجاهر.

وكون قوله : «من اغتابه .. إلخ» جملة مستأنفة غير معطوفة على الجزاء ، خلاف الظاهر.

عدم اعتبار قصد الغرض الصحيح في غيبة المتجاهر

ثم إنّ مقتضى إطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به ، ولو مع عدم قصد غرض صحيح ، ولم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح ، وهو ارتداعه عن المنكر.

نعم ، تقدّم عن الشهيد الثاني احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز سبّ المتجاهر ، مع اعترافه بأنّ ظاهر النص والفتوى عدمه (١).

وهل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به؟

هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به؟

صرّح الشهيد الثاني وغيره بعدم الجواز (٢) ، وحكي عن الشهيد أيضاً (٣).

وظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر وغير الساتر (٤) هو الجواز ، واستظهره في الحدائق من كلام جملة من الأعلام (٥) وصرح به بعض الأساطين (٦).

__________________

(١) قد تقدم في حرمة سبّ المؤمنين نقل ذلك عن الروضة البهيّة ، فراجع الصفحة : ٢٥٥.

(٢) كشف الريبة : ٧٩ ، وصرّح بذلك قبل الشهيد الثاني المحقق الثاني في رسالته في العدالة ، انظر رسائل المحقق الكركي ، (المجموعة الثانية) : ٤٥.

(٣) القواعد والفوائد ٢ : ١٤٨.

(٤) انظر الوسائل ٨ : ٦٠٤ ، الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة.

(٥) راجع الحدائق ١٨ : ١٦٦.

(٦) صرّح به كاشف الغطاء قدس‌سره في شرحه على القواعد (مخطوط) الورقة : ٣٥ ، وفيه : ومنها ذكر المتجاهرين بالفسق ؛ فإنّهم لا حرمة لهم ولو في غير ما تجاهروا به.

٣٤٥

وينبغي إلحاق ما يتستّر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح ، فمن تجاهر باللواط والعياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب (١) ، ومَن تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة ، ومن تجاهر بكونه جلاّد السلطان يقتل الناس وينكّلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر ، ومن تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح ؛ ولعلّ هذا هو المراد ب «مَن ألقى جلباب الحياء» ، لا من تجاهر بمعصية خاصة وعُدّ مستوراً بالنسبة إلى غيرها ، كبعض عمّال الظلمة.

المراد بالتجاهر

ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان أنّه قبيح ، فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا يعرف فساده إلاّ القليل كما إذا كان من عمّال الظلمة وادّعى في ذلك عذراً مخالفاً للواقع ، أو غير مسموع منه ـ ، لم يعد متجاهراً.

نعم ، لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر.

لو كان متجاهراً عند قوم مستوراً عند غيرهم

ولو كان متجاهراً عند أهل بلده أو محلته مستوراً عند غيرهم ، هل يجوز ذكره عند غيرهم؟ ففيه إشكال ، من إمكان (٢) دعوى ظهور روايات الرخصة في من لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقاً ، فربّ متجاهر في بلد ، متستّر في بلاد الغربة أو في طريق الحجّ والزيارة ؛ لئلاّ يقع عن عيون الناس.

وبالجملة ، فحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام على الإطلاق ، وجب الاقتصار على ما تيقّن خروجه.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : الأجنبيات.

(٢) كذا في النسخ ، ولم يذكر وجه الجواز ؛ ولعلّه تركه لوضوحه.

٣٤٦

فالأحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه ولا يستنكف من ظهوره للغير.

نعم ، لو تأذّى من ذمّه بذلك دون ظهوره ، لم يقدح في الجواز ؛ ولذا جاز سبّه بما لا يكون كذباً.

بيان الفارق بين السبّ والغيبة

وهذا هو الفارق بين «السبِّ» و «الغيبة» ؛ حيث إنّ مناط الأوّل المذمّة والتنقيص فيجوز ، ومناط الثاني إظهار عيوبه فلا يجوز إلاّ بمقدار الرخصة.

الثاني :

تظلّم المظلوم

أدلّة الاستثناء

تظلّم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متستراً به‌ كما إذا ضربه في الليل الماضي وشتمه ، أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه ؛ لظاهر قوله تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (١) وقوله تعالى (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ) (٢) فعن تفسير القمي : «أي لا يحبّ أن يجهر الرجل بالظلم والسوء ويظلم إلاّ من ظُلم ، فأطلق له أن يعارضه بالظلم» (٣).

وعن تفسير العياشي ، عنه صلوات الله عليه : «من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم (٤) فهو ممن ظلم ، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه» (٥).

__________________

(١) الشورى : ٤١ ٤٢.

(٢) النساء : ١٤٨.

(٣) تفسير القمي ١ : ١٥٧.

(٤) في النسخ : إضافتهم ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٨٣ ، الحديث ٢٩٦.

٣٤٧

وهذه الرواية وإن وجب توجيهها ، إمّا بحمل الإساءة على ما يكون ظلماً وهتكاً لاحترامهم أو بغير ذلك ، إلاّ أنّها دالّة على عموم «مَنْ ظُلِم» في الآية الشريفة ، وأنّ كلّ من ظُلم فلا جُناح عليه فيما قال في الظالم.

ونحوها في وجوب (١) التوجيه رواية أُخرى في هذا المعنى محكية عن المجمع : «أنّ الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته ، فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء (٢) ما فعله» (٣).

تأييد الحكم بأنّ في منع المظلوم من التظلّم حرج

ويؤيد الحكم فيما نحن فيه أنّ في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التشفّي حرجاً عظيماً ؛ ولأنّ في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم ، وهي مصلحة خالية عن مفسدة ، فيثبت الجواز ؛ لأنّ الأحكام تابعة للمصالح.

ويؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر (٤) ؛ بناءً على أنّ عدم احترامه من جهة جوره ، لا من جهة تجاهره ، وإلاّ لم يذكره في مقابل «الفاسق المعلن بالفسق». وفي النبوي : «لصاحب الحق مقال» (٥).

والظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من‌

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «خ» و «ع» : وجوه.

(٢) في أكثر النسخ : أن يذكر سوء.

(٣) مجمع البيان ٢ : ١٣١.

(٤) تقدم في رواية أبي البختري ، المتقدمة في الصفحة : ٣٤٣.

(٥) أرسله الشهيد الثاني في كشف الريبة : ٧٧.

٣٤٨

هل يقيّد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو إزالة الظلم عنه؟

يرجو إزالة الظلم عنه ، وقواه بعض الأساطين (١) ، خلافاً لكاشف الريبة (٢) وجمع ممن تأخر عنه (٣) فقيَّدوه ؛ اقتصاراً في مخالفة الأصل على المتيقّن من الأدلّة ؛ لعدم عموم في الآية وعدم نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجّية ، مع أنّ المروي عن الباقر عليه‌السلام في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان ـ : أنّه «لا يحب [الله (٤)] الشتم في الانتصار إلاّ مَن ظُلم ، فلا بأس له أن ينتصر ممّن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين» (٥). قال في الكتاب المذكور : ونظيره (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) (٦).

وما بعد الآية (٧) لا يصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلّة العقلية والنقلية ، ومقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم ، فلو لم يكن قابلاً للتدارك لم تكن فائدة في هتك الظالم. وكذا لو لم يكن‌

__________________

(١) صرّح به كاشف الغطاء قدس‌سره في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٣٤ ، وفيه : «ومنها التظلّم مع ذكر معايب الظالم عند مَن يرجو أن يعينه .. ويقوى جوازه عند غيره لظاهر الكتاب».

(٢) كشف الريبة : ٧٧.

(٣) كالمحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ٨٦ ، والمحقق النراقي في المستند ٢ : ٣٤٧ ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٦.

(٤) من المصدر.

(٥) مجمع البيان ٢ : ١٣١.

(٦) الشعراء : ٢٢٧.

(٧) أراد بما بعد الآية : المؤيدات التي ذكرها ، والتعبير عنها بعنوان كونها «ما بعد الآية» مع كونها بعد الأخبار ، مبنيّ على كون الأخبار واردة في تفسيرها ، فهي من توابع الآية ولواحقها (حاشية المامقاني).

٣٤٩

ظاهر بعض الاخبار جواز الاشتكاء لترك الأولى

ما فعل به ظلماً ، بل كان من ترك الأولى ، وإن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك :

فعن الكافي والتهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان ، قال : «دخل رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام فشكا [إليه (١)] رجلاً من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكوّ عليه (٢) ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : ما لفلان يشكوك؟ فقال : يشكوني أنّي استقضيت منه حقّي ، فجلس أبو عبد الله عليه‌السلام مغضباً ، فقال : كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ! أرأيت قول الله عزّ وجلّ (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (٣) أترى أنّهم خافوا الله عزّ وجلّ أن يجور عليهم؟ لا والله! ما خافوا إلاّ الاستقضاء ، فسمّاه الله عزّ وجلّ سوء الحساب ، فمن استقضى فقد أساء» (٤).

ومرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافي ـ ، قال : «كان عنده قوم يحدّثهم ، إذ ذكر رجل منهم رجلاً فوقع فيه وشكاه ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : وأنّى لك بأخيك كلّه (٥)! وأيّ الرجال (٦)

__________________

(١) من المصدر.

(٢) لم يرد «عليه» في «ش» والمصدرين.

(٣) الرعد : ٢١.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٠ ، الحديث الأوّل ، التهذيب ٦ : ١٩٤ ، الحديث ٤٢٥. وعنهما في الوسائل ١٣ : ١٠٠ ، الباب ١٦ من أبواب الدين والقرض ، الحديث الأوّل.

(٥) فسّر العلاّمة المجلسي في مرآة العقول (١٢ : ٥٥٠) عبارة «بأخيك كلّه» بقوله : أي كل الأخ التامّ في الأُخوّة ، أي : لا يحصل مثل ذلك إلاّ نادراً ، فتوقّع ذلك كتوقّع أمرٍ محال ، فارض من الناس بالقليل.

(٦) كذا ورد في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ كما يلي : «وأنّى لك بأخيك الكامل ، أي الرجل المهذّب».

٣٥٠

المهذب (١)(٢).

فإنّ الظاهر من الجواب أنّ الشكوى إنّما كانت من ترك الأولى الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.

ومع ذلك كله ، فالأحوط عدّ هذه الصورة من الصور العشر الآتية (٣) التي رخّص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوى من مصلحة احترام المغتاب.

الصور التي رخّص فيها في الغيبة لمصلحة أقوى

كما أنّ الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به ، وإن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها.

فيبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صورٌ تعرضوا لها :

منها : نصح المستشير ، فإنّ النصيحة واجبة للمستشير ، فإنّ خيانته قد‌

__________________

(١) هذه العبارة وردت في شعر النابغة ، حيث قال :

حلفت لم أترك لنفسي ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنتَ قد بلّغتَ عنّي خيانةً لمُبلغك الواشي أغشّ وأكذبُ فلست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه على شعثٍ ، أي الرجال المهذّب؟

انظر مرآة العقول ١٢ : ٥٥٠.

(٢) الكافي ٢ : ٦٥١ ، الحديث الأوّل. وعنه في الوسائل ٨ : ٤٥٨ ، الباب ٥٦ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.

(٣) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : المتقدمة.

٣٥١

تكون أقوى مفسدةً من الوقوع في المغتاب.

وكذلك النصح من غير استشارة ، فإنّ من أراد تزويج امرأة وأنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة (١) والفساد ، فلا ريب أنّ التنبيه على بعضها وإن أوجب الوقيعة فيها أولى من ترك نصح المؤمن ، مع ظهور عدّة من الأخبار في وجوبه (٢).

ومنها :

موضع الاستفتاء إذا توقّف على ذكر الظالم بالخصوص

الاستفتاء ، بأن يقول للمفتي : «ظلمني فلان حقي ، فكيف طريقي في الخلاص؟» هذا إذا كان الاستفتاء موقوفاً على ذكر الظالم بالخصوص ، وإلاّ فلا يجوز.

حكاية هند زوجة أبي سفيان

ويمكن الاستدلال عليه بحكاية هند زوجة أبي سفيان واشتكائها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقولها : «إنّه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي» (٣) ، فلم يرد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها غيبةَ أبي سفيان.

ولو نوقش في هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محلِّ الكلام أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ أُمّي لا تدفع يدَ لامسٍ! فقال : احبسها ، قال : قد فعلت ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فامنع من يدخل عليها ، قال : قد فعلت ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقيّدها ؛ فإنّك لا تبرّها بشي‌ء أفضل من أن تمنعها‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعله تصحيف : «العنت» أي المشقة.

(٢) انظر الوسائل ١١ : ٥٩٤ ، الباب ٣٥ من أبواب فعل المعروف.

(٣) مستدرك الوسائل ٩ : ١٢٩ ، الباب ١٣٤ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٤.

٣٥٢

عن محارم الله عزّ وجلّ .. الخبر» (١).

واحتمال كونها متجاهرة ، مدفوع بالأصل.

ومنها :

قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله

قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله ، فإنّه أولى من ستر المنكر عليه ، فهو في الحقيقة إحسان في حقه ، مضافاً إلى عموم أدلّة النهي عن المنكر (٢).

ومنها :

قصد حسم مادّة فساد المغتاب عن الناس

قصد حسم مادّة فساد المغتاب عن الناس ،  كالمبتدع الذي يُخاف من إضلاله الناسَ. ويدلّ عليه مضافاً إلى أنّ مصلحة دفع فتنته عن الناس أولى من ستر المغتاب ـ : ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهِروا البراءة منهم ، وأكثِروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهِتوهم ؛ كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ،

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤١٤ ، الباب ٤٨ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث الأوّل.

(٢) مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من رأى منكم منكراً فلينكر بيده إن استطاع ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه» الوسائل ١١ : ٤٠٧ ، الباب ٣ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ١٢. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كلّه ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كلّه» الوسائل ١١ : ٤٢٠ ، الباب ١٠ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ١٠. وقول الصادق عليه‌السلام : «أيها الناس مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر» الوسائل ١١ : ٣٩٩ ، الباب الأوّل من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٢٤ ، وغير ذلك من الروايات الظاهرة في العموم.

٣٥٣

ويَحْذَرَهُم الناس ، ولا يتعلَّموا (١) من بِدَعِهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات» (٢).

ومنها :

جرح الشهود

جرح الشهود ؛ فإنّ الإجماع دلّ على جوازه ، ولأنّ مصلحة عدم الحكم بشهادة الفسّاق أولى من الستر على الفاسق.

ومثله بل أولى بالجواز جرح الرواة ؛ فإنّ مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته.

ويلحق بذلك : الشهادة بالزنا وغيره لإقامة الحدود.

ومنها :

دفع الضرر عن المغتاب

دفع الضرر عن المغتاب ، وعليه يحمل ما ورد في ذم «زرارة» من عدة أحاديث.

ما ورد عنهم (ع) في ذم زرارة

وقد بيّن ذلك الإمام عليه‌السلام بقوله في بعض ما أمر عليه‌السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه ـ : «اقرأ مني على والدك السلام ، فقل له : إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك ، فإنّ الناس يسارعون إلى كل من قرّبناه ومجّدناه (٣) لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقرّبه ، ويذمّونه لمحبّتنا له وقربه ودنوّه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كلّ من عيّبناه نحن ،

__________________

(١) في المصدر : ولا يتعلمون.

(٢) الكافي ٢ : ٣٧٥ ، باب مجالسة أهل المعاصي ، الحديث ٤ ، وعنه الوسائل ١١ : ٥٠٨ ، الباب ٣٩ من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، الحديث الأوّل.

(٣) في «ف» ونسخة بدل «ص» : حمدناه.

٣٥٤

وإنّما أعيبك ؛ لأنّك رجل اشتهرت بنا (١) بميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم [عند الناس (٢)] غير محمود الأمر (٣) ؛ لمودّتك لنا وميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ؛ ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون ذلك منّا دافع شرّهم عنك ، يقول الله عزّ وجلّ (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٤).

هذا التنزيل من عند الله ، لا والله! ما عابها إلاّ لكي تسلم من المَلِك ولا تغصب (٥) على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ ، والحمد لله ، فافهم المَثَلَ رحمك الله! فإنّك أحب الناس إليّ وأحبّ أصحاب أبي إلىّ حيّاً وميّتاً ، وإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإنّ وراءك لملكاً ظلوماً غصوباً ، يرقب عبور كلّ سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصباً ويغصب أهلها ، فرحمة الله عليك حيّاً ورحمة الله عليك ميّتاً .. إلخ» (٦).

الغيبة للتقيّة

ويلحق بذلك الغيبة للتقيّة على نفس المتكلّم أو ماله أو عرضه ،

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ ونسخة بدل «ش» : منّا.

(٢) من «ش» والمصدر.

(٣) في «ش» : الأثر (خ ل).

(٤) الكهف : ٧٩.

(٥) في «ف» ونسخة بدل «ش» والمصدر : ولا تُعطب.

(٦) رجال الكشي ١ : ٣٤٩ ، الرقم ٢٢١ ، مع اختلافات كثيرة لم نتعرض لذكرها لكثرتها.

٣٥٥

أو عن (١) ثالث ؛ فإنّ الضرورات تبيح المحظورات.

ومنها :

ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميّزة له

ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميّزة التي لا يعرف إلاّ بها‌ (٢) كالأعمش والأعرج والأشتر والأحول ، ونحوها ـ ، وفي الحديث : «جاءت زينب العطّارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

ولا بأس بذلك فيما إذا صارت الصفة في اشتهار يوصف (٤) الشخص بها إلى حيث لا يكره ذلك صاحبها ، وعليه يحمل ما صدر عن الإمام عليه‌السلام وغيره من العلماء الأعلام.

لكن كون هذا استثناءً مبنيّ على كون مجرّد ذكر العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة ، وقد منعنا ذلك سابقاً ؛ إذ لا وجه لكراهة المغتاب ؛ لعدم كونه إظهاراً لعيب غير ظاهر ، والمفروض عدم قصد الذمّ أيضاً.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به ، يكره الإنسان الاتّصاف بها ولو من دون قصد الذم ؛ فإنّ إشعارها بالذمّ كافٍ في الكراهة.

ومنها :

ما حكاه في كشف الريبة عن بعض : من أنّه إذا علم اثنان من‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : على.

(٢) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : لا تعرف إلاّ به.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٠٩ ، الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦.

(٤) في «ن» ، «ش» ومصحّحة «ص» : توصيف.

٣٥٦

ذكر الشخص بما لا يؤثّر عند السامع شيئاً ، لكونه عالماً به

رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز ؛ لأنّه لا يؤثّر عند السامع شيئاً ، وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة ، خصوصاً مع احتمال نسيان المخاطب لذلك ، أو خوف اشتهارها (١) عنهما (٢) ، انتهى.

أقول : إذا فرض عدم كون ذكرهما في مقام التعيير والمذمّة وليس هنا هتك ستر أيضاً ، فلا وجه للتحريم ولا لكونها غيبة ، إلاّ على ظاهر بعض التعاريف المتقدّمة (٣).

ومنها :

ردّ من ادّعى نسباً ليس له

ردّ من ادّعى نسباً ليس له ، فإنّ مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة حرمة المغتاب.

ومنها :

القدح في مقالة باطلة‌

القدح في مقالة باطلة‌ وإن دلّ على نقصان قائلها ، إذا توقّف حفظ الحقّ وإضاعة الباطل عليه.

وأمّا ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدّم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول ، فلم يعرف له وجه ، مع شيوعه بينهم من قديم الأيام! ثم إنّهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة إلى ذكرها بعد‌

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي النسخ : اشتهاره.

(٢) كشف الريبة : ٨٠.

(٣) مثل ما تقدّم في الصفحة : ٣٢١ ، عن المصباح ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّها ذكرك أخاك بما يكرهه».

٣٥٧

الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة الهتك

ما قدّمنا (١) أنّ الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام (٢) المؤمن ، وهذا يختلف باختلاف تلك المصالح ومراتب مفسدة هتك المؤمن ، فإنّها متدرجة في القوّة والضعف ، فربّ مؤمن لا يساوي عِرضَه شي‌ءٌ ، فالواجب التحرّي في الترجيح بين المصلحة والمفسدة.

__________________

(١) في الصفحة : ٣٥١.

(٢) في «ف» : على مصلحة احترام.

٣٥٨

الرابع

حرمة استماع الغيبة

يحرم استماع الغيبة‌ بلا خلاف ، فقد ورد : «أنّ السامع للغيبة أحد المغتابين» (١).

والأخبار في حرمته كثيرة (٢) إلاّ أنّ ما يدلّ على كونه من الكبائر كالرواية المذكورة ونحوها (٣) ضعيفة السند.

ثم المحرّم سماع الغيبة المحرّمة ، دون ما علم حليّتها.

حكم ما إذا كان الشخص متجاهراً عند المغتاب ، مستوراً عند المستمع

ولو كان متجاهراً عند المغتاب مستوراً عند المستمع وقلنا بجواز الغيبة حينئذٍ للمتكلم ، فالمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهراً ، لا مع (٤) العلم بعدمه.

قال في كشف الريبة : إذا سمع أحد مغتاباً لآخر وهو لا يعلم المغتاب مستحقاً للغيبة ولا عدمه ، قيل : لا يجب نهي القائل ؛ لإمكان الاستحقاق ، فيحمل فعل القائل على الصحة ما لم يعلم فساده ، ولأنّ (٥)

__________________

(١) أورده في كشف الريبة : ٦٤ ، مرسلاً عن عليّ عليه‌السلام.

(٢) انظر الوسائل ٨ : ٦٠٦ ، الباب ١٥٦ من أبواب أحكام العشرة ، ومستدرك الوسائل ٩ : ١٣١ ، الباب ١٣٦ من أبواب أحكام العشرة.

(٣) مثل ما رواه في كشف الريبة : ٦٤ مرسلاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بلفظ : «المستمع أحد المغتابين».

(٤) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : إلاّ مع.

(٥) كذا في «ش» ، وفي غيره : لأنّ.

٣٥٩

ما أفاده الشهيد الثاني في كشف الريبة

ردعه يستلزم انتهاك حرمته ، وهو أحد المحرّمين. ثم قال : والأولى التنزّه عن ذلك (١) حتى يتحقّق المخرج منه ؛ لعموم الأدلّة وترك الاستفصال فيها ، وهو دليل إرادة العموم حذراً من الإغراء بالجهل ، ولأنّ ذلك لو تمّ لتمشّى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته ، وهو هدم قاعدة النهي عن الغيبة (٢) ، انتهى.

أقول : والمحكي بقوله : «قيل» لا دلالة فيه على جواز الاستماع ، وإنّما يدلّ على عدم وجوب النهي عنه.

ويمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل ؛ لأنّ السامع أحد المغتابين ، فكما أنّ المغتاب تحرم عليه الغيبة إلاّ إذا علم التجاهرَ المُسوِّغ ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلاّ إذا علم التجاهر ، وأمّا نهي القائل فغير لازم مع دعوى القائل العذر المُسوِّغ ، بل مع احتماله في حقّه وإن اعتقد الناهي عدم التجاهر.

نعم ، لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه.

مختار المؤلّف

هذا ، ولكن الأقوى جواز الاستماع إذا جاز للقائل ؛ لأنّه قول غير منكر ، فلا يحرم الإصغاء إليه ؛ للأصل.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : «والأولى التنبيه على ذلك» ، إلاّ أنّ في نسخة «ف» كتب أوّلاً مثل ما في المصدر ، ثم شطب عليه وأُثبت مثل ما في سائر النسخ.

(٢) كشف الريبة : ٨١.

٣٦٠