كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

المسألة السادسة

حرمة التكسب بالكلب الهراش والخنزير

يحرم التكسّب بالكلب الهراش والخنزير البرّيّين‌ إجماعاً على الظاهر المصرّح به في المحكيّ عن جماعة (١) وكذلك أجزاؤهما.

نعم ، لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير وجلده جاء فيه ما تقدّم في جلد الميتة.

__________________

(١) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ١٦٥ ١٦٦. وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٢٤. والعلاّمة في المنتهي ٢ : ١٠٠٩ وغيره ، والشهيدان في الدروس : ٣ : ١٦٨ ، والمسالك ٣ : ١٣٥ في مورد الكلب خاصّة.

٤١

المسألة السابعة

حرمة التكسّب بالخمر وكل مسكر مائع والفقّاع

يحرم التكسّب بالخمر وكلّ مسكر مائع والفقّاع‌ إجماعاً ، نصّاً وفتوى.

وفي بعض الأخبار : «يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني خمراً؟ قال : خذها وأفسدها ، قال ابن أبي عمير : يعني اجعلها خَلاّ (١)» (٢).

والمراد به إمّا أخذ الخمر مجّاناً ثمّ تخليلها ، أو أخذها وتخليلها لصاحبها ، ثمّ أخذ الخلّ وفاءً عن الدراهم.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي الوسائل : «قال عليّ : واجعلها خَلاّ» والمراد به : عليّ ابن حديد ، الواقع في سند الرواية.

(٢) الوسائل ١٧ : ٢٩٧ ، الباب ٣١ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٦.

٤٢

المسألة الثامنة

حرمة المعاوضة على الأعيان المتنجّسة غير القابلة للطهارة

يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجّسة الغير القابلة للطهارة إذا توقّف منافعها المحلّلة المعتدّ بها على الطهارة ؛ لما تقدّم من النبويّ : «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» (١) ونحوه المتقدّم عن دعائم الإسلام (٢).

وأمّا التمسّك بعموم قوله عليه‌السلام في رواية تحف العقول : «أو شي‌ء من وجوه النجس» ففيه نظر ؛ لأنّ الظاهر من «وجوه النجس» العنوانات النجسة ؛ لأنّ ظاهر «الوجه» هو العنوان.

نعم ، يمكن الاستدلال على ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك وهو قوله عليه‌السلام : «لأنّ ذلك كلّه محرّم أكله (٣) وشربه ولبسه .. إلى آخر ما ذكر».

ثم اعلم أنّه قيل بعدم جواز بيع المُسوخ من أجل نجاستها (٤) ،

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١١٠ ، الحديث ٣٠١ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧ ، الحديث ٢٠.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ١٨ ، الحديث ٢٣ ، وقد تقدّم مع سابقه في الصفحة : ١٣.

(٣) في المصدر : منهيّ عن أكله.

(٤) راجع المبسوط ٢ : ١٦٥ ١٦٦ حيث جعل المسوخ من الأعيان النجسة وادّعى الإجماع على عدم جواز بيعها.

٤٣

ولمّا كان الأقوى طهارتها لم يحتج إلى التكلّم في جواز بيعها هنا.

نعم ، لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة كان محلّ التعرّض له ما سيجي‌ء من أنّ كلّ طاهر له منفعة محلّلة مقصودة يجوز بيعه.

وسيجي‌ء ذلك في ذيل القسم الثاني (١) ممّا لا يجوز الاكتساب به لأجل عدم المنفعة فيه.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصحيح : القسم الثالث.

٤٤

[المستثنيات من حرمة بيع الأعيان النجسة]

٤٥
٤٦

وأمّا المستثنى من الأعيان المتقدّمة فهي أربعة‌ تذكر في مسائل أربع :

المسألة الأُولى

جواز بيع العبد الكافر بأقسامه

يجوز بيع المملوك الكافر ، أصليّاً كان أم مرتدّاً مِلّيّاً ، بلا خلافٍ ظاهر ، بل ادّعي عليه الإجماع (١) ، وليس ببعيد ، كما يظهر للمتتبّع في المواضع المناسبة لهذه المسألة ، كاسترقاق الكفّار وشراء بعضهم من بعض ، وبيع العبد الكافر إذا أسلم على مولاه الكافر ، وعتق الكافرة ، وبيع المرتد ، وظهور كفر العبد المشترى على ظاهر الإسلام ، وغير ذلك.

بيع العبد المرتدّ عن فطرة

وكذا الفطري على الأقوى ، بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه من هذه الجهة ، وإن كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف ؛ لوجوب قتله.

__________________

(١) الجواهر ٢٢ : ٢٣.

٤٧

ولم نجد من تأمّل فيه من جهة نجاسته ، عدا ما يظهر من بعض الأساطين في شرحه على القواعد حيث احترز بقول العلاّمة : «ما لا يقبل التطهير من النجاسات» ، عمّا يقبله ولو بالإسلام ، كالمرتدّ ولو عن فطرة على أصحّ القولين (١) ، فبنى جواز بيع المرتدّ على قبول توبته ، بل بنى جواز بيع مطلق الكافر على قبوله للطهر بالإسلام.

وأنت خبير بأنّ حكم الأصحاب بجواز بيع الكافر نظير حكمهم بجواز بيع الكلب لا من حيث قابليته للتطهير نظير الماء المتنجّس وأنّ اشتراطهم قبول التطهير إنّما هو فيما يتوقّف الانتفاع به على طهارته ليتصف بالملكية ، لا مثل الكلب والكافر المملوكين مع النجاسة إجماعاً.

وبالغ تلميذه في مفتاح الكرامة ، فقال : أمّا المرتدّ عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدّاً ؛ لعدم قبول توبته فلا يقبل التطهير ، ثمّ ذكر جماعة ممّن جوّز بيعه إلى أن قال ـ : ولعلّ من جوّز بيعه بنى على قبول توبته (٢) ، انتهى. وتبعه على ذلك شيخنا المعاصر (٣).

أقول : لا إشكال ولا خلاف في كون المملوك المرتدّ عن فطرة مِلكاً ومالاً لمالكه ، ويجوز له الانتفاع به بالاستخدام (٤) ما لم يقتل ، وإنّما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض‌

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٤.

(٢) مفتاح الكرامة ٤ : ١٢.

(٣) أي صاحب الجواهر قدس‌سره ، انظر الجواهر ٢٢ : ٨.

(٤) كذا في «ش» ، وفي «ف» : الانتفاع والاستخدام ، وفي سائر النسخ : الانتفاع به والاستخدام.

٤٨

القتل ، بل واجب الإتلاف شرعاً ، فكأنّ الإجماع منعقد على عدم المنع من بيعه من جهة عدم قابليّة طهارته بالتوبة.

قال في الشرائع : ويصحّ رهن المرتدّ وإن كان عن فطرة (١).

نقل كلمات الأعلام في المسألة

واستشكل في المسالك من جهة وجوب إتلافه وكونه في معرض التلف ، ثمّ اختار الجواز ؛ لبقاء ماليّته إلى زمان القتل (٢).

وقال في القواعد : ويصحّ رهن المرتدّ وإن كان عن فطرة ، على إشكال (٣).

وذكر في جامع المقاصد : أنّ منشأ الإشكال أنّه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق أولى ، ومن أنّ مقصود البيع حاصل ، وأمّا مقصود الرهن فقد لا يحصل ؛ لقتل (٤) الفطري حتماً ، والآخر قد لا يتوب (٥) ، ثمّ اختار الجواز.

وقال في التذكرة : المرتدّ إن كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر ، ينشأ من تضادّ الحكمين ، ومن بقاء الملك ؛ فإنّ كسبه لمولاه ، أمّا عن غير فطرة فالوجه صحّة بيعه ؛ لعدم تحتّم قتله (٦) ثمّ ذكر المحارب الذي لا تقبل توبته ؛ لوقوعها بعد القدرة عليه.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٧٧.

(٢) المسالك ٤ : ٢٥.

(٣) القواعد ١ : ١٥٩.

(٤) كذا في «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : بقتل.

(٥) جامع المقاصد ٥ : ٥٧.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٦.

٤٩

واستدلّ على جواز بيعه بما يظهر منه جواز بيع المرتدّ عن فطرة ، وجعله نظير المريض المأيوس عن بُرئه.

نعم ، منع في التحرير والدروس عن بيع المرتدّ عن فطرة ، والمحارب إذا وجب قتله (١) ؛ للوجه المتقدّم عن (٢) التذكرة ، بل في الدروس : أنّ بيع المرتدّ عن ملّة أيضاً مراعى بالتوبة (٣).

وكيف كان ، فالمتتبّع يقطع بأنّ اشتراط قابلية الطهارة إنّما هو في ما يتوقّف الانتفاع المعتدّ به على طهارته ؛ ولذا قسّم في المبسوط المبيع إلى آدمي وغيره ، ثمّ اشترط الطهارة في غير الآدمي ، ثمّ استثنى الكلب الصيود (٤).

__________________

(١) التحرير ١ : ١٦٥ ، الدروس ٣ : ٢٠٠.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : وعن.

(٣) انظر التخريج السابق.

(٤) المبسوط ٢ : ١٦٥ ١٦٦.

٥٠

المسألة الثانية

جواز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة

يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة‌ بلا خلافٍ ظاهر ، إلاّ ما عن ظاهر إطلاق العماني (١) ؛ ولعلّه كإطلاق كثيرٍ من الأخبار : بأنّ «ثمن الكلب سحتٌ» (٢) محمول على الهراش ؛ لتواتر الأخبار (٣) واستفاضة نقل الإجماع (٤) على جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة.

ثمّ إنّ ما عدا كلب الهراش على أقسام :

كلب الصيد السلوقي

أحدها ـ كلب الصيد السلوقي ، وهو المتيقّن من (٥) الأخبار (٦) ومعاقد‌

__________________

(١) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ٢٨) : ولا مخالف سوى الحسن العماني ، على ما حكي.

(٢) الوسائل ١٢ : ٦٢ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥ و ٩ ، والصفحة : ٨٣ ، الباب ١٤ من نفس الأبواب ، الحديث ٢ و ٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٦٣ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧ و ٨ ، والصفحة : ٨٣ ، الباب ١٤ من نفس الأبواب ، الأحاديث ١ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧.

(٤) سيأتي نقله عن الخلاف والمنتهى وإيضاح الفوائد وغيرها.

(٥) في «ن» ، «م» ، «ع» ، «ص» : عن.

(٦) المشار إليها في الهامش (٣).

٥١

الإجماعات الدالّة على الجواز.

كلب الصيد غير السلوقي

الثاني كلب الصيد غير السلوقي ، وبيعه جائز على المعروف من غير ظاهر إطلاق المقنعة والنهاية (١).

ويدلّ عليه قبل الإجماع المحكيّ عن الخلاف والمنتهى والإيضاح (٢) وغيرها (٣) الأخبار المستفيضة :

الأخبار المستفيضة الدالّة على الجواز

منها : قوله عليه‌السلام في رواية القاسم بن الوليد ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، قال : سحت ، وأمّا الصيود فلا بأس به» (٤).

ومنها : الصحيح عن ابن فضّال عن أبي جميلة ، عن ليث ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكلب الصيود يباع؟ قال عليه‌السلام : نعم ، ويؤكل ثمنه» (٥).

ومنها : رواية أبي بصير ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ثمن كلب الصيد ، قال : لا بأس به ، وأمّا الآخر فلا يحلّ ثمنه» (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٥٨٩ ، النهاية : ٣٦٤.

(٢) الخلاف ٣ : ١٨٢ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣٠٢ ، المنتهي ٢ : ١٠٠٩ ، إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٢.

(٣) مثل الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٢٤ ، والدروس ٣ : ١٦٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٨٣ ، الباب ١٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١ و ٧.

(٥) التهذيب ٩ : ٨٠ ، الحديث ٣٤٣ ، ولم نقف عليه في الوسائل.

(٦) الوسائل ١٢ : ٨٣ ، الباب ١٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٥ ، مع اختلاف يسير.

٥٢

ومنها : ما (١) عن دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «لا بأس بثمن كلب الصيد» (٢).

ومنها : مفهوم رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمن الخمر ومهر البغيّ وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت» (٣).

ومنها : مفهوم رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ، ولا بأس بثمن الهرّة» (٤).

ومرسلة الصدوق ، وفيها : «ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت» (٥).

ثمّ إنّ دعوى انصراف هذه الأخبار كمعاقد الإجماعات المتقدّمة إلى السلوقي ضعيفة بمنع (٦) الانصراف ؛ لعدم الغلبة المعتدّ بها على فرض تسليم كون مجرّد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف مع أنّه لا يصحّ في مثل قوله : «ثمن الكلب الذي لا يصيد» أو «ليس بكلب الصيد» ، لأنّ مرجع التقييد إلى إرادة ما يصحّ‌

__________________

(١) كلمة «ما» ساقطة من أكثر النسخ.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ١٩ ، الحديث ٢٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٨٣ ، الباب ١٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٦.

(٤) نفس المصدر ، الحديث ٣ ، وفيه : ولا بأس بثمن الهرّ.

(٥) الفقيه ٣ : ١٧١ ، الحديث ٣٦٤٨.

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : لمنع.

٥٣

عنه سلب صفة الاصطياد.

وكيف كان ، فلا مجال لدعوى الانصراف.

بل يمكن أن يكون مراد المقنعة والنهاية (١) من «السلوقي» مطلق الصيود ، على ما شهد به بعض الفحول من إطلاقه عليه أحياناً (٢).

ويؤيَّد بما عن المنتهي ، حيث إنّه بعد ما حكى التخصيص بالسلوقي عن الشيخين قال : «وعنى بالسلوقي كلب الصيد ؛ لأنّ «سلوق» قرية باليمن ، أكثر كلابها معلَّمة فنسب الكلب إليها» (٣) وإن كان هذا الكلام من المنتهي يحتمل لأن يكون مسوقاً لإخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية ، وأنّ المراد بالسلوقي خصوص الصيود ، لا كلّ سلوقي ، لكنّ الوجه الأوّل أظهر ، فتدبّر.

كلب الماشية والحائط

الثالث : كلب الماشية والحائط وهو البستان والزرع والأشهر بين القدماء على ما قيل (٤) ـ : المنع.

ولعلّه استظهر ذلك من الأخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود المشتهرة بين المحدّثين كالكليني والصدوقين ومن تقدّمهم (٥) بل وأهل‌

__________________

(١) تقدّم التخريج عنهما في الصفحة : ٥٢ ، الهامش (١).

(٢) لعلّه قدس‌سره أراد بذلك ما نقله السيّد المجاهد عن أستاذه في مقام الجمع بين الروايات ، انظر المناهل : ٢٧٦ ، ذيل قوله : وأمّا ثالثاً ..

(٣) المنتهي ٢ : ١٠٠٩.

(٤) انظر المستند ٢ : ٣٣٤ ، والمناهل : ٢٧٦.

(٥) حيث أوردوا الأخبار المذكورة في أُصولهم ومصنّفاتهم.

٥٤

الفتوى كالمفيد والقاضي وابن زهرة وابن سعيد والمحقّق (١) بل ظاهر الخلاف والغنية الإجماع عليه (٢).

المشهور بين الشيخ ومن تأخّر عنه الجواز

نعم ، المشهور بين الشيخ ومن تأخّر عنه (٣) الجواز ، وفاقاً للمحكيّ عن ابن الجنيد قدس‌سره ، حيث قال : «لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع» ، ثمّ قال : «لا خير في الكلب فيما عدا الصيود والحارس» (٤) وظاهر الفقرة الأخيرة لو لم يحمل على الاولى ـ : جواز بيع الكلاب الثلاثة وغيرها ، كحارس الدور والخيام.

وحكي الجواز أيضاً عن الشيخ والقاضي في كتاب الإجارة (٥) وعن سلاّر وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس (٦) وأكثر المتأخّرين كالعلاّمة وولده السعيد (٧) والشهيدين (٨) والمحقّق الثاني (٩) وابن القطّان‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٨٩ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٢٤ ، نزهة الناظر : ٧٦ ، الشرائع ٢ : ١١ ؛ وأمّا القاضي فلم نقف في كتابيه على ما يدلّ على المنع ، وإن نسبه إليه في المختلف : ٣٤١.

(٢) الخلاف ٣ : ١٨١ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣٠٢ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٢٤.

(٣) ستأتي الإشارة إلى مواضع كلامهم.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٣٤٠ ، ٣٤١.

(٥) المبسوط ٣ : ٢٥٠ ، المهذّب ١ : ٥٠٢.

(٦) المراسم : ١٧٠ ، الوسيلة : ٢٤٨ ، السرائر ٢ : ٢٢٠ ؛ وأمّا أبو الصلاح فلم نقف على فتواه بالجواز في الكافي.

(٧) القواعد ١ : ١٢٠ ، إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٢.

(٨) الدروس ٣ : ١٦٨ ، الروضة البهيّة ٣ : ٢٠٩.

(٩) جامع المقاصد ٤ : ١٤.

٥٥

ذهاب المحقق وقليل من متأخّري المتأخّرين إلى المنع

في المعالم (١) والصيمري (٢) وابن فهد (٣) وغيرهم من متأخّري المتأخّرين (٤) ، عدا قليل وافق المحقّق (٥) كالسبزواري (٦) والتقيّ المجلسي (٧) وصاحب الحدائق (٨) والعلاّمة الطباطبائي في مصابيحه (٩) وفقيه عصره في شرح القواعد (١٠).

دلالة مرسلة المبسوط على الجواز

وهو الأوفق بالعمومات المتقدّمة المانعة ؛ إذ لم نجد مخصّصاً لها سوى ما أرسله في المبسوط من أنّه روي ذلك (١١) ، يعني جواز البيع في كلب الماشية والحائط ، المنجبر قصور سنده ودلالته لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها ولا ترجمتها باشتهاره بين المتأخّرين ، بل ظهور الاتّفاق المستفاد من قول الشيخ في كتاب الإجارة : إنّ أحداً‌

__________________

(١) معالم الدين في فقه آل يس (مخطوط) : ١٢٦.

(٢) تلخيص الخلاف ٢ : ٧٩.

(٣) المهذّب البارع ٢ : ٣٤٩.

(٤) منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٤٣٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٧ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٣٧.

(٥) الشرائع ٢ : ١٢.

(٦) كفاية الأحكام : ٨٨.

(٧) روضة المتّقين ٦ : ٤٧٠.

(٨) الحدائق ١٨ : ٨١.

(٩) المصابيح : (مخطوط) ، ولم نقف عليه.

(١٠) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٦.

(١١) المبسوط ٢ : ١٦٦.

٥٦

لم يفرّق بين بيع هذه الكلاب وإجارتها (١) بعد ملاحظة الاتّفاق على صحّة إجارتها ، ومن قوله في التذكرة : يجوز بيع هذه الكلاب عندنا (٢) ، ومن المحكيّ عن الشهيد في الحواشي : أنّ أحداً لم يفرّق بين الكلاب الأربعة (٣).

حمل كلام من اقتصر على «كلب الصيد» على المثال

فتكون هذه الدعاوي قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محلّلة مقصودة ، كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية ؛ حيث اعتبر أوّلاً في المبيع أن يكون ممّا ينتفع به منفعة محلّلة مقصودة ، ثمّ قال : واحترزنا بقولنا : «ينتفع به منفعة محلّلة» عمّا يحرم الانتفاع به ، ويدخل في ذلك : النجس (٤) إلاّ ما خرج بالدليل ، من الكلب (٥) المعلّم للصيد ، والزيت النجس لفائدة الاستصباح (٦) تحت السماء (٧) ، ومن المعلوم بالإجماع والسيرة جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محلّلة مقصودة أهمّ من منفعة الصيد ، فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها ، وأنّ المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي بانتفائها.

__________________

(١) قاله في كتاب البيع ، انظر المبسوط ٢ : ١٦٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٩٥ (كتاب الإجارة).

(٣) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٩.

(٤) في «ش» والمصدر : كلّ نجس ،

(٥) في «ش» والمصدر : من بيع الكلب.

(٦) في «ش» والمصدر : والزيت النجس للاستصباح.

(٧) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٢٤ ، مع تفاوت في بعض الألفاظ.

٥٧

التأييد بما أفاده العلّامة والمناقشة فيه

ويؤيّد ذلك كلّه ما في التذكرة من أنّ المقتضي لجواز بيع كلب الصيد أعني المنفعة موجود في هذه الكلاب (١).

وعنه رحمه‌الله في مواضع أُخر : أنّ تقدير الدية لها يدلّ على مقابلتها بالمال (٢). وإن ضُعِّف الأوّل برجوعه إلى القياس ، والثاني بأنّ الدية لو لم تدلّ على عدم التملّك وإلاّ لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدلّ على التملّك ؛ لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معيّنة لتفويت شي‌ء ينتفع به ، لا لإتلاف مال ، كما في إتلاف الحرّ.

المناقشة في أدلّة الجواز

ونحوهما في الضعف : دعوى انجبار المرسلة (٣) بدعوى الاتّفاق المتقدّم عن الشيخ والعلاّمة والشهيد قدّس الله أسرارهم (٤) ؛ لوهنها بعد الإغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف والغنية : من الإجماع على عدم جواز بيع (٥) غير المعلّم من الكلاب (٦) بوجدان الخلاف العظيم من أهل الرواية والفتوى.

الفرق بن دعوى الاتفاق ودعوى الإجماع

نعم ، لو ادّعي الإجماع أمكن منع وهنها بمجرّد الخلاف ولو من الكثير بناءً على ما سلكه بعض متأخّري المتأخّرين في الإجماع من كونه منوطاً بحصول الكشف من اتّفاق جماعة ولو خالفهم أكثر منهم (٧) ـ

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٤.

(٢) راجع المنتهي ٢ : ١٠٠٩.

(٣) المتقدّمة عن المبسوط في الصفحة : ٥٦ ، الهامش (١١).

(٤) تقدّم عنهم في الصفحة : ٥٦ و ٥٧.

(٥) لم ترد «بيع» في «ش».

(٦) كما تقدّم في الصفحة : ٥٤ ٥٥.

(٧) لم نقف على القائل.

٥٨

مع أنّ دعوى الإجماع ممّن لم يصطلح الإجماع على مثل هذا الاتّفاق لا يعبأ بها (١) عند وجدان الخلاف.

وأمّا شهرة الفتوى بين المتأخّرين فلا تجبر الرواية ، خصوصاً مع مخالفة كثير من القدماء (٢) ، ومع كثرة العمومات الواردة في مقام الحاجة ، وخلوّ كتب الرواية المشهورة عنها (٣) حتّى أنّ الشيخ لم يذكرها (٤) في جامعه (٥).

حمل كلمات القدماء على المثال في غاية البعد

وأمّا حمل كلمات القدماء على المثال ، ففي غاية البعد.

وأمّا كلام ابن زهرة المتقدّم (٦) فهو مختلّ على كلّ حال ؛ لأنّه استثنى الكلب المعلّم عمّا يحرم الانتفاع به ، مع أنّ الإجماع على جواز الانتفاع بالكافر ، فحمل «كلب الصيد» على المثال لا يصحّح كلامه ، إلاّ أن يريد كونه مثالاً ولو للكافر أيضاً ، كما أنّ استثناء الزيت من باب المثال لسائر الأدهان المتنجّسة.

هذا ، ولكنّ الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخّرين بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب يوجب الظنّ بالجواز حتّى في غير هذه الكلاب ، مثل كلاب الدور والخيام.

__________________

(١) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، وفي سائر النسخ : به.

(٢) راجع الصفحة : ٥٤ ٥٥.

(٣) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : عنه.

(٤) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : لم يذكره.

(٥) في «ش» : جامعية.

(٦) تقدّم في الصفحة : ٥٧.

٥٩

مختار المؤلف

فالمسألة لا تخلو عن إشكال ، وإن كان الأقوى بحسب الأدلّة والأحوط في العمل هو المنع ، فافهم.

٦٠