كتاب المكاسب - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٧
ISBN: 964-5662-11-7
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٤٠٩

المسألة السادسة

حكم التنجيم وتعريفه

التنجيم‌ حرام ، وهو كما في جامع المقاصد (١) الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية.

وتوضيح المطلب يتوقف على الكلام في مقامات :

الأوّل :

جواز الاخبار عن الاوضاع الفلكيّة المبتنية على حركة الكواكب

الظاهر أنّه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب‌ ـ كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيّرين ، والكسوف الناشئ عن حيلولة القمر أو غيره بل يجوز الإخبار بذلك ، إمّا جزماً إذا استند إلى ما يعتقده برهاناً ، أو ظنا إذا استند إلى الأمارات.

الاعتراف بالجواز ممّن أنكر التنجيم

وقد اعترف بذلك جملة ممّن أنكر التنجيم ، منهم السيد المرتضى والشيخ أبو الفتح الكراجكي فيما حكي عنهما [حيث حكي عنهما (٢)]

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣١.

(٢) لم يرد في «ش» و «م».

٢٠١

في رد الاستدلال على إصابتهم في الأحكام بإصابتهم في الأوضاع ما حاصله :

إنّ الكسوفات واقتران الكواكب وانفصالها من باب الحساب وسير الكواكب ، وله أُصول صحيحة وقواعد سديدة ، وليس كذلك ما يدّعونه من تأثير الكواكب في الخير والشر والنفع والضرر ، ولو لم يكن الفرق بين الأمرين (١) إلاّ الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات وما يجري مجراها ، فلا يكاد يبين (٢) فيها خطأ ، وأنّ الخطأ الدائم المعهود إنّما هو في الأحكام (٣) حتى أنّ الصواب فيها عزيز ، وما يتفق فيها من الإصابة قد يتفق من المخَمِّن أكثر منه [فحمل (٤) أحد الأمرين على الآخر بهت وقلّة دين (٥)] انتهى المحكي (٦) من كلام السيد رحمه‌الله (٧).

وقد أشار إلى جواز ذلك في جامع المقاصد (٨) مؤيداً ذلك بما ورد‌

__________________

(١) عبارة «بين الأمرين» ساقطة من «ن» ، «ف» و «م».

(٢) في النسخ : تبين ، وفي «خ» : يتبيّن. والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في «خ» ومصحّحة «ع» والمصدر : الأحكام الباقية.

(٤) هذا جواب «لو» في قوله : «ولو لم يكن .. إلخ» (شرح الشهيدي).

(٥) لم يرد ما بين المعقوفتين في «ف» ، «ن» ، «م» ، وفي «ع» ، «خ» ، «ص» : «.. قلّة دين وحياء» ، وما أثبتناه من «خ» ، «ش» والمصدر.

(٦) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٨٠.

(٧) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية) : ٣١١ ، وأُنظر كنز الفوائد ٢ : ٢٣٥ (نصوص مفقودة من نسخة الكتاب).

(٨) جامع المقاصد ٤ : ٣٢.

٢٠٢

من كراهة السفر والتزويج (١) في برج العقرب (٢).

عدم الاصابة الدائمة في إخبار الفلكيّين بالأوضاع

لكن ما ذكره السيد رحمه‌الله من الإصابة الدائمة في الإخبار عن الأوضاع محل نظر ؛ لأنّ خطأهم في الحساب في غاية الكثرة ، ولذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك على عدولهم ، فضلاً عن فسّاقهم ؛ لأنّ حسابهم مبتنية (٣) على أُمور نظرية مبتنية على نظريات أُخر ، إلاّ فيما هو كالبديهي مثل إخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب ، وانتقال الشمس من (٤) برج إلى برج في هذا اليوم وإن كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع إلى تفاوت يسير ، ويمكن الاعتماد في مثل ذلك على شهادة عدلين منهم ، إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين أو نحوه.

الثاني :

جواز الإخبار بحدوث الاحكام عند الاتّصالات الفلكيّة

يجوز الإخبار بحدوث (٥) الأحكام عند (٦) الاتصالات والحركات المذكورة‌ بأن يحكم بوجود كذا في المستقبل عند الوضع (٧) المعيّن من‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : والتزويج والقمر في العقرب ، كما في جامع المقاصد ولفظ الروايات.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٨٠ ، الباب ٥٤ من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، و ٨ : ٢٦٦ ، الباب ١١ من أبواب آداب السفر.

(٣) كذا في النسخ ، وفي مصححة «ن» : مبتن ، ولعل الأصح : حساباتهم مبتنية.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : عن.

(٥) في نسخة بدل «ع» ، «ف» ، «ن» : بترتيب.

(٦) في «م» ، «ع» ، «ص» : عن الاتصالات ، وفي «خ» : من الاتصالات.

(٧) في نسخة بدل «ش» : مستنداً إلى الوضع.

٢٠٣

القرب والبعد والمقابلة والاقتران بين الكوكبين إذا كان على وجه الظن المستند إلى تجربة محصّلة أو منقولة في وقوع تلك الحاثة بإرادة الله عند الوضع الخاص ، من دون اعتقاد ربط بينهما أصلاً.

قصّة المحقّق نصير الدين الطوسي والطحّان

بل الظاهر حينئذٍ جواز الإخبار على وجه القطع إذا استند إلى تجربة قطعية ؛ إذ لا حَرجَ على من حَكَم قطعاً بالمطر في هذه الليلة ؛ نظراً إلى ما جرّبه من نزول كلبه من (١) السطح إلى داخل البيت مثلاً كما حكي : أنّه اتّفق ذلك لمروّج هذا العلم ، بل محييه «نصير الملّة والدين» حيث نزل في بعض أسفاره على طحّانٍ ، له طاحونة خارج البلد ، فلمّا دخل منزله صعد السطح لحرارة الهواء ، فقال له صاحب المنزل : انزل ونَمْ في البيت تحفّظاً من المطر ، فنظر المحقّق إلى الأوضاع الفلكية ، فلم يرَ شيئاً فيما هو مظنة للتأثير في المطر ، فقال صاحب المنزل : إنّ لي كلباً ينزل في كلّ ليلة يحسّ المطر فيها إلى البيت ، فلم يقبل منه المحقق ذلك ، وبات فوق السطح ، فجاءه المطر في الليل ، وتعجب المحقّق (٢).

ثم إنّ ما سيجي‌ء في عدم جواز تصديق المنجّم يراد به غير هذا ، أو ينصرف إلى غيره ؛ لما عرفت من معنى التنجيم.

الثالث :

حكم الاخبار مستنداً الى تاثير الاتّصالات الفلكيّة

الإخبار عن الحادثات والحكم بها مستنداً إلى تأثير الاتصالات

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي غيره : عن.

(٢) وردت القضية في قصص العلماء : ٣٧٤ ٣٧٥ ، فراجع.

٢٠٤

ما هو المصطلح عليه بالتنجيم

المذكورة فيها بالاستقلال أو بالمدخلية ، وهو المصطلح عليه بالتنجيم.

فظاهر الفتاوى والنصوص حرمته مؤكدة ، فقد أرسل المحقق في المعتبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه «من صدّق منجّماً أو كاهناً فقد كفر بما انزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١). وهو يدل على حرمة حكم المنجّم بأبلغ وجه.

النصوص الدالّة على الحرمة

وفي رواية نصر بن قابوس ، عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون» (٢).

محاورة أميرالمؤمنين (ع) مع بعض المنجّمين

وفي نهج البلاغة : أنّه صلوات الله عليه لمّا أراد المسير إلى بعض أسفاره ، فقال له بعض أصحابه : إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم ـ ، فقال عليه‌السلام له : «أتزعم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء؟ وتُخوّف الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ ، فمن صدّقك بهذا (٣) ، فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب ، ودفع المكروه (٤) .. إلى أن قال ـ : أيها الناس إيّاكم وتعلّم النجوم إلاّ ما يُهتدى به في بَرّ أو بحر ؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة [والمنجّم كالكاهن (٥)] والكاهن (٦)

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٨٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ١٠٣ ، الباب ٢٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٧.

(٣) في غير «ف» : بهذا القول.

(٤) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : المكروب.

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ش» : فالكاهن.

٢٠٥

كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار .. إلخ» (١).

محاورة أميرالمؤمنين (ع) مع منجّمٍ آخر

وقريب منه ما وقع (٢) بينه وبين منجم آخر نهاه عن المسير أيضاً ، فقال عليه‌السلام له : «أتدري ما في بطن هذه الدابة أذَكَرٌ أم أُنثى؟ قال : إن حَسَبْتُ علمت ، قال عليه‌السلام : فمن صدّقك بهذا القول فقد كذّب بالقرآن (٣) (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ..) الآية ، ما كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي ما ادعيت ؛ أتزعم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء ، والساعة التي مَن سار فيها حاق به الضر ؛ من صدقك [بهذا (٤)] استغنى [بقولك (٥)] عن الاستعانة بالله في هذا الوجه ، وأُحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه» (٦).

قول الصادق عليه السلام لعبدالملك ابن أعين : «أحرق كتبك»

وفي رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه ـ : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي قد ابتليت بهذا العلم (٧) فأُريد الحاجة ، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها ، وإذا‌

__________________

(١) نهج البلاغة : ١٠٥ ، الخطبة ٧٩.

(٢) في «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» : ما وقع بعينه ، وشُطب في «ن» على «بعينه».

(٣) في «ش» زيادة : قال الله.

(٤) أثبتنا «بهذا» من «ع» وهامش «ن» ، «ص».

(٥) أثبتنا «بقولك» من هامش «ن».

(٦) الوسائل ٨ : ٢٦٩ ، الباب ١٤ من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره ، الحديث ٤ ، مع اختلاف.

(٧) في «ش» والمصدر : «بالنظر في النجوم» بدل «بهذا العلم».

٢٠٦

رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة. فقال لي : تقضي؟ قلت : نعم ، قال : أحرق كتبك» (١).

رواة مفضل بن عمر في قوله تعالى : (وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات)

وفي رواية مفضّل بن عمر (٢) المروية عن معاني الأخبار في قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) قال : «وأمّا الكلمات ، فمنها ما ذكرناه ، ومنها المعرفة بقدم بارئه وتوحيده وتنزيهه عن الشبيه حتى نظر إلى الكواكب والقمر والشمس واستدل بأُفول كلٍّ منها على حدوثه وبحدوثه على محدثة ، ثم أعلمه (٣) أنّ الحكم بالنجوم خطأ» (٤).

جواز النظر في النجوم لمجرّد التفؤّل إن فهم الخير والتحذّر بالصدقة إن فهم الشرّ

ثم إنّ مقتضى الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء بالنجوم بعد النظر وعدمه : أنّه لا بأس بالنظر إذا لم يُقضَ به بل أُريد به مجرد التفؤّل إن فهم الخير ، والتحذُّر بالصدقة إن فهم الشر ، كما يدل عليه ما عن المحاسن ، عن أبيه عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة (٥) عن سفيان بن عمر ، قال : «كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‌ء ، فشكوت ذلك إلى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٦٧ ، الحديث ٢٤٠٢ ، ورواه في الوسائل ٨ : ٢٦٨ ، الباب ١٤ من أبواب آداب السفر إلى الحج ، الحديث الأوّل.

(٢) في النسخ : «فضيل بن عمرو» ، والصحيح ما أثبتناه ، طبقاً للمصدر.

(٣) كذا في «ف» ، وفي مصححة «ن» : «علم» وفي سائر النسخ : «أعلم» ، وفي المصدر : «علّمه».

(٤) معاني الأخبار : ١٢٧ ، باختلاف يسير.

(٥) في النسخ : «عمرو بن أُذينة» ، والصواب ما أثبتناه ، كما في كتب الأخبار والتراجم.

٢٠٧

أبي الحسن (١) عليه‌السلام فقال : إذا وقع في نفسك من ذلك (٢) شي‌ء فتصدّق على أوّل مسكين ، ثم امض ، فإنّ الله تعالى يدفع عنك» (٣).

الحكم مع الاعتقاد بأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت

ولو حكم بالنجوم على جهة أنّ مقتضى الاتصال الفلاني والحركة الفلانية الحادثة الواقعية ، وإن كان الله يمحو ما يشاء ويثبت ، لم يدخل أيضاً في الأخبار الناهية ؛ لأنّها ظاهرة في الحكم على سبيل البتّ ، كما يظهر من قوله عليه‌السلام : «فمن صدّقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله في دفع المكروه» (٤) بالصدقة والدعاء وغيرهما من الأسباب ؛ نظير تأثير نحوسة الأيام الواردة في الروايات ، وردّ نحوستها بالصدقة (٥).

إلاّ أنّ جوازه مبنيّ على جواز اعتقاد الاقتضاء في العلْويات للحوادث السفْليّة ، وسيجي‌ء إنكار المشهور لذلك ، وإن كان يظهر ذلك من المحدث الكاشاني (٦).

جواز الإخبار لا بنحو اقتضاء الأوضاع الفلكيّة

ولو أخبر بالحوادث بطريق جريان العادة على وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها أصلاً ، فهو أسلم.

__________________

(١) في المحاسن : أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : عن ذلك ، ولم يرد في المصدر.

(٣) المحاسن : ٣٤٩ ، الحديث ٢٦ ، والوسائل ٨ : ٢٧٣ ، الباب ١٥ من أبواب آداب السفر ، الحديث ٣.

(٤) تقدّم في الصفحة : ٢٠٥.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٧٢ ، الباب ١٥ من أبواب آداب السفر.

(٦) يظهر ذلك ممّا أفاده في بيان قول الصادق عليه‌السلام : «ما عُظّم الله بمثل البداء» ، انظر الوافي ، ١ : ٥٠٧ ٥٠٨ ، الباب ٥٠ أبواب معرفة مخلوقاته وأفعاله سبحانه.

٢٠٨

قال في الدروس : ولو أخبر بأنّ الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم ، وإن كره (١) ، انتهى.

الرابع :

ربط الحركات الفلكيّة بالكائنات ووجوه الاعتقاد بها

اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات ، والربط يتصور على وجوه :

الأوّل :

اعتقاد استقلال الكواكب في التأثير

الاستقلال في التأثير بحيث يمتنع التخلف عنها ، امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية.

وظاهر كثير من العبارات كون هذا كفراً.

ظاهر كلماتهم كون ذلك كفراً

قال السيد المرتضى رحمه‌الله فيما حكي عنه ـ : وكيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النجوم (٢)؟ وقد أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تكذيب المنجّمين والشهادة بفساد مذهبهم وبطلان أحكامهم ، ومعلوم من دين الرسول ضرورةً تكذيب ما يدعيه المنجّمون والإزراء عليهم والتعجيز لهم ، وفي الروايات عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [من ذلك] (٣) ما لا يحصى كثرة ، وكذا عن علماء أهل بيته وخيار أصحابه ، وما اشتهر بهذه الشهرة في دين الإسلام ، كيف يفتي بخلافه منتسب إلى الملة ومصلٍّ‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٦٥.

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : التنجيم.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢٠٩

إلى القبلة؟ (١) ، انتهى.

وقال العلاّمة في المنتهي بعد ما أفتى بتحريم التنجيم وتعلم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثّرة ، أو أنّ لها مدخلاً في التأثير والنفع (٢) قال : وبالجملة ، كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية والطبيعية بالحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية كافر (٣) ، انتهى.

وقال الشهيد رحمه‌الله في قواعده : كل من اعتقد في الكواكب أنّها مدبّرة لهذا العالم وموجدة له ، فلا ريب أنّه كافر (٤).

وقال في جامع المقاصد : واعلم أنّ التنجيم مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيراً في الموجودات السفليّة ولو على جهة المدخلية حرام ، وكذا تعلّم النجوم على هذا النحو ، بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر ، نعوذ بالله منه (٥) ، انتهى.

وقال شيخنا البهائي : ما زعمه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلْوية ، إن زعموا أنّها هي العلّة المؤثِّرة في تلك الحوادث بالاستقلال ، أو أنّها شريكة في التأثير (٦) ، فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده ،

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية) : ٣١٠.

(٢) في المصدر : أو أنّ لها مدخلاً في التأثر بالنفع والضرر.

(٣) المنتهي ٢ : ١٠١٤.

(٤) القواعد والفوائد ٢ : ٣٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣٢.

(٦) لم يرد «التأثير» في أصل النسخ ، لكنّه استُدرك في هامش بعضها.

٢١٠

وعلم النجوم المبتني (١) على هذا كفر ، وعلى هذا حمل ما ورد من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته (٢) ، انتهى.

وقال في البحار : لا نزاع بين الأُمّة في أنّ من اعتقد أنّ الكواكب هي المدبِّرة لهذا العالم وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور ، فإنّه يكون كافراً على الإطلاق (٣) ، انتهى.

وعنه في موضع آخر : أنّ القول بأنّها علّة فاعلية بالإرادة والاختيار وإن توقف تأثيرها على شرائط أُخر كفر (٤) ، انتهى.

بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم والقول بكفر معتقده إلى جميع علمائنا ، حيث قال : قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم والعمل بها وبكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير ، وذكروا أنّ بطلان ذلك من ضروريات الدين (٥) ، انتهى.

موافقة العامّة على هذا الحكم

بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد أنّ الحكم كذلك عند علماء العامة أيضاً ، حيث قال في شرح نهج البلاغة : إنّ المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم النجوم ، وتحريم الاعتقاد بها ، والنهي والزجر عن تصديق المنجّمين ، وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فمن صدّقك‌

__________________

(١) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» : المبني.

(٢) الحديقة الهلالية : ١٣٩.

(٣) البحار ٥٩ : ٢٩٩ ٣٠٠.

(٤) البحار ٥٨ : ٣٠٨.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٠١ ، في هامش عنوان الباب ٢٤ من أبواب ما يكتسب به.

٢١١

بهذا فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله» (١) ، انتهى.

ظاهرهم لا فرق بين استلزامه إنكار الصانع وعدمه

ثم لا فرق في أكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور إلى إنكار الصانع جلّ ذكره كما هو مذهب بعض المنجّمين وبين تعطيله تعالى عن التصرف في الحوادث السفْلية بعد خلق الأجرام العلْوية على وجه تتحرك على النحو المخصوص ، سواء قيل بقدمها كما هو مذهب بعضٍ آخر أم قيل بحدوثها وتفويض التدبير إليها كما هو المحكي عن ثالث منهم وبين أن لا يرجع إلى شي‌ءٍ من ذلك ، بأن يعتقد أنّ حركة الأفلاك تابعة لإرادة الله ، فهي مظاهر لإرادة الخالق تعالى ، ومجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع جلّ ذكره كالآلة أو بزيادة أنّها مختارة باختيارٍ هو عين اختياره ، تعالى عما يقول الظالمون! لكن ظاهر ما تقدم في بعض الأخبار من أنّ المنجّم بمنزلة الكاهن الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر (٢) مَن عدا الفِرَق الثلاث الأُول ؛ إذ الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار ، لا بمنزلتهم.

معنى كون تصديق المنجّم كفراً

ومنه يظهر : أنّ ما رتّبه عليه‌السلام على تصديق المنجّم : من كونه تكذيباً للقرآن وكونه موجباً للاستغناء عن الاستعانة بالله في جلب الخير ودفع الشر ، يراد منه إبطال قوله ، بكونه مستلزماً لما هو في الواقع مخالف للضرورة من كذب القرآن والاستغناء عن الله كما هو طريقة‌

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢١٢.

(٢) تقدم نصه عن نهج البلاغة في الصفحة : ٢٠٥.

٢١٢

كلّ مستدلّ : من إنهاء بطلان التالي إلى ما هو بديهي البطلان عقلاً أو شرعاً أو حسّا أو عادة ولا يلزم من مجرد ذلك الكفر ، وإنّما يلزم ممن التفت إلى الملازمة واعترف باللازم ، وإلاّ فكل من أفتى بما هو مخالف لقول الله واقعاً إما لعدم تفطّنه لقول الله ، أو لدلالته يكون مكذّباً للقرآن.

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صدق منجماً أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد» (١) ، فلا يدلّ أيضاً على كفر المنجّم ، وإنّما يدلّ على كذبه ، فيكون تصديقه تكذيباً للشارع المكذّب له ؛ ويدلّ عليه عطف «الكاهن» عليه.

لابدّ في تكفير المنجّم من مطابقة ما يعتقده لإحدى موجبات الكفر

وبالجملة ، فلم يظهر من الروايات تكفير المنجّم بالمعنى الذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة كفراً حقيقياً ؛ فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجّم إلى ملاحظة مطابقته لأحد (٢) موجبات الكفر من إنكار الصانع ، أو غيره ممّا علم من الدين بديهة.

ولعله لذا اقتصر الشهيد فيما تقدم من القواعد (٣) في تكفير المنجّم على من يعتقد في الكواكب أنّها مدبِّرة لهذا العالم وموجدة له ، ولم يكفِّر غير هذا الصنف كما سيجي‌ء تتمة كلامه السابق ولا شك أنّ هذا الاعتقاد إنكار ، إما للصانع ، وإما لما هو ضروري الدين من فعله تعالى ، وهو إيجاد العالم وتدبيره.

__________________

(١) تقدم عن المعتبر في الصفحة : ٢٠١.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : لإحدى.

(٣) تقدم في الصفحة : ٢١٠.

٢١٣

ما أفاده السيد شارح النخبة

بل الظاهر من كلام بعض (١) اصطلاح لفظ «التنجيم» في الأوّل ، قال السيد شارح النخبة : إنّ المنجّم من يقول بقدم الأفلاك والنجوم ، ولا يقولون بمفلّك ولا خالق ؛ وهم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالأنواء (٢) معدودون من فرق الكفر في مسفورات الخاصة والعامة ، يعتقدون في الإنسان أنّه كسائر الحيوانات يأكل ويشرب وينكح ما دام حياً ، فإذا مات بطل واضمحلّ ، وينكرون جميع الأُصول الخمسة ، انتهى. ثم قال رحمه‌الله : وأما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات وربّما يتخرصون عليها بأحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليداً لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الأقدمين مع صحة عقائدهم الإسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجّمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد (٣) ، انتهى.

نقد كلام السيّد

أقول : فيه (٤) مضافاً إلى عدم انحصار الكفّار من المنجّمين في‌

__________________

(١) الظاهر أنّ المراد به السيّد شارح النخبة في ظاهر كلامه الآتي.

(٢) في مجمع البحرين (١ : ٤٢٢ نوأ) : الأنواء ، وهي جمع «نوء» بفتح نون وسكون واو فهمزة ، وهو النجم. قال أبو عبيدة نقلاً عنه ـ : هي ثمانية وعشرون نجماً ، معروفة المطالع في أزمنة السنة إلى أن قال ـ : وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع الآخر ، قالوا : لا بدّ أن يكون عند ذلك رياح ومطر ، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك إلى النجم الذي يسقط حينئذ ، فيقولون : «مُطِرْنا بِنوءِ كذا» ، وانظر لسان العرب ١٤ : ٣١٦ نوأ.

(٣) شرح النخبة للسيد عبد الله ، حفيد السيد نعمة الله الجزائري (لا يوجد لدينا).

(٤) في «ف» : أقول لكن فيه.

٢١٤

من ذكر ، بل هم على فرق ثلاث كما أشرنا إليه ؛ وسيجي‌ء التصريح به من البحار في مسألة السحر ـ : أنّ النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم وبطلانه هو المعنى الذي ذكره أخيراً كما عرفت من جامع المقاصد (١) ـ ، والمطاعن الواردة في الأخبار المتقدمة وغيرها كلُّها أو جلُّها على هؤلاء ، دون المنجّم بالمعنى الذي ذكره أولاً.

وملخّص الكلام : أنّ ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم ، بل ظاهر ما عرفت خلافه.

ويؤيده ما رواه في البحار عن محمد وهارون ابني سهل النوبختي أنّهما كتبا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام : «نحن ولد نوبخت المنجّم ، وقد كنّا كتبنا إليك هل يحل النظر فيها؟ فكتبت : نعم ، والمنجّمون يختلفون في صفة الفَلَك ، فبعضهم يقولون : إنّ الفَلَك فيه النجوم والشمس والقمر إلى أن قال ـ : فكتب عليه‌السلام : نعم ما لم يخرج من التوحيد» (٢).

الثاني (٣) :

اعتقاد كون الكواكب هي المؤثّرة والله هو المؤثّر الأعظم

أنّها (٤) تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم ،

__________________

(١) تقدم كلامه في الصفحة : ٢٠٦.

(٢) البحار ٥٨ : ٢٥٠ ، الحديث ٣٦.

(٣) أي الوجه الثاني من الوجوه المتصورة في اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات.

(٤) مرجع الضمير إمّا «النجوم» المعلوم من المقام ، وإمّا «الحركات الفلكية» المذكورة بعد قوله : الرابع.

٢١٥

كما يقوله بعضهم ، على ما ذكره العلاّمة وغيره.

ما أفاده العلّامة في أنوار الملكوت

قال العلاّمة في محكي شرح فُصّ الياقوت (١) :

اختلف قول المنجّمين على قولين ، أحدهما : قول من يقول إنّها حيّة مختارة ، الثاني : قول من يقول إنّها موجبة. والقولان باطلان (٢).

وقد تقدم عن المجلسي رحمه‌الله : أنّ القول بكونها فاعلة بالإرادة والاختيار وإن توقف تأثيرها على شرائط أُخر كفر (٣) وهو ظاهر أكثر العبارات المتقدمة.

ولعل وجهه أنّ نسبة الأفعال التي دلّت ضرورة الدين على استنادها إلى الله تعالى كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها إلى غيره تعالى مخالف لضرورة الدين.

ظاهر الشهيد في قواعده عدم كفر المعتقد بذلك

لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم ، فإنّه بعد ما ذكر الكلام الذي نقلناه منه سابقاً ، قال : وإن اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم فهو مخطئ ؛ إذ لا حياة‌

__________________

(١) قال العلاّمة قدس‌سره في مقدمة الشرح ما لفظه : «وقد صنف شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم ، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت قدس روحه الزكية ونفسه العلية مختصراً سمّاه : الياقوت». وأورده في الذريعة (٢٥ : ٢٧١) بعنوان : الياقوت ، وذكر اختلاف الأقوال في اسم مؤلّفه ؛ إلى أن قال ـ : «وعلى الياقوت شروح منها للعلاّمة اسمه : أنوار الملكوت .. ومنها شرح عبد الحميد المعتزلي ابن أبي الحديد ، قال في الرياض : في البال أنّها تسمّى : فصّ الياقوت».

(٢) أنوار الملكوت : ١٩٩.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٢١١.

٢١٦

لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي (١) ، انتهى.

وظاهره أنّ عدم القول بذلك لعدم المقتضي له ، وهو الدليل ، لا لوجود المانع منه ، وهو انعقاد الضرورة على خلافه ، فهو ممكن غير معلوم الوقوع.

توجيه ما ذكره الشهيد

ولعل وجهه : أنّ الضروري عدم نسبة تلك الأفعال إلى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار الله كما هو ظاهر قول المفوِّضة أما استنادها إلى الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيته واختياره حتى يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار به بحيث يصدق : أنّه فِعلُه وفِعلُ الله فلا ؛ إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلى الله تعالى على وجه الحقيقة ، لا إثباته لغيره أيضاً بحيث يصدق : أنّه فعله.

نعم ، ما ذكره الشهيد رحمه‌الله من عدم الدليل عليه حق ؛ فالقول به تخرّصٌ ، ونسبة فعل الله إلى غيره بلا دليل ، وهو قبيح.

وما ذكره قدس‌سره كأنّ مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم ، قال : «سأل الزنديق أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : ما تقول في من يزعم أنّ هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟ قال عليه‌السلام : يحتاجون إلى دليل أنّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك وتدور حيث دارت متعبة (٢) لا تفتر وسائرة لا تقف ثم قال : وإنّ لكلّ (٣) نجم منها مُوكّل مُدبّر ، فهي‌

__________________

(١) القواعد والفوائد ٢ : ٣٥.

(٢) كذا في المصدر ومصححة «ف» ، وفي «ش» : منقبة ، وفي سائر النسخ : سبعة.

(٣) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : وإنّ كلّ نجم منها مُوكَّل مدبَّر.

٢١٧

بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين ؛ فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال .. الخبر» (١).

والظاهر ، أنّ قوله : «بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين» يعني في حركاتهم ، لا أنّهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم ، فهي مُدبّرة باختياره المنبعث عن أمر الله تعالى.

نعم ، ذكر المحدث الكاشاني في الوافي في توجيه البداء كلاماً ، ربما يظهر منه مخالفة المشهور ، حيث قال :

ما أفاده المحقّق الكاشاني

فاعلم أنّ القُوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأُمور دفعة واحدة ؛ لعدم تناهي تلك الأُمور ، بل إنّما تنقش فيها الحوادث شيئاً فشيئاً ، فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك ونتائج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا كان كذا (٢) انتهى موضع الحاجة.

وظاهره أنّها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث.

وبالجملة ، فكفر المعتقد بالربط على هذا الوجه الثاني لم يظهر من الأخبار ومخالفته (٣) لضرورة الدين لم يثبت أيضاً ؛ إذ ليس المراد العلّية التامة ، كيف! وقد حاول المحدث الكاشاني بهذه المقدمات إثبات البداء.

الثالث :

اعتقاد استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار

استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٩٣ ٩٤.

(٢) الوافي ١ : ٥٠٧ ٥٠٨ ، الباب ٥٠ من أبواب معرفة مخلوقاته وأفعاله سبحانه.

(٣) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : مخالفتها.

٢١٨

ظاهر كثير كون هذا الاعتقاد كفراً

وظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفراً ، إلاّ أنّه قال شيخنا المتقدم في القواعد بعد الوجهين الأولين : وأما ما يقال من استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار وغيرها من العاديات بمعنى أنّ الله تعالى أجرى عادته أنّها إذا كانت على شكل مخصوص أو وضع مخصوص يفعل (١) ما ينسب إليها ، ويكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية بها مجازاً باعتبار الربط العادي ، لا الربط العقلي الحقيقي فهذا لا يكفر معتقده (٢) لكنه مخطئ ، وإن كان أقلّ خطأ من الأوّل ؛ لأنّ وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثري (٣) ، انتهى (٤).

قول الشهيد : إنّ هذا لا يكفر معتقده ، لكنّه مخطيء

وغرضه من التعليل المذكور : الإشارة إلى عدم ثبوت الربط العادي ؛ لعدم ثبوته بالحسّ كالحرارة الحاصلة بسبب النار والشمس ، وبرودة القمر ولا بالعادة الدائمة ولا الغالبة ؛ لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيراً حتى يحصل العلم أو الظن.

ثم على تقديره ، فليس فيه دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث ، فلعل الأمر بالعكس ، أو كلتاهما مستندتان إلى مؤثّر ثالث ، فتكونان من المتلازمين في الوجود.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : تفعل.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : بمعتقده.

(٣) كذا في المصدر و «خ» و «ش» ، إلاّ أنّ فيه بدل «أكثري» : «أكثر» ، وفي سائر النسخ كما يلي : لأنّ وقوع هذه الأشياء ليس بلازم ولا أكثري.

(٤) القواعد والفوائد ٢ : ٣٥.

٢١٩

مقتضى ما ورد : «أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب» كون كلّ حادث مسبّباً

وبالجملة ، فمقتضى ما ورد من أنّه «أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسبابها» (١) كون كلّ حادث مسبباً. وأما أنّ السبب هي الحركة الفلكية أو غيرها ، فلم يثبت ، ولم يثبت أيضاً كونه مخالفاً لضرورة الدين.

ظاهر بعض الأخبار ثبوت التأثير للكواكب

بل في بعض الأخبار ما يدل بظاهره على ثبوت التأثير للكواكب ، مثل ما في الاحتجاج ، عن أبان بن تغلب في حديث اليماني الذي دخل على أبي عبد الله عليه‌السلام وسمّاه باسمه الذي لم يعلمه أحد ، وهو سعد فقال له : «يا سعد وما صناعتك؟ قال : إنّا أهل بيت ننظر في النجوم إلى أن قال عليه‌السلام ـ : ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟ قال : ما أدري (٢) قال : صدقت. قال : ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟ قال : ما أدري ، قال : صدقت. فقال : ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ قال : ما أدري ، قال : صدقت (٣). فقال : ما زحل عندكم؟ فقال سعد : نجم نحس! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تقل هذا ، هو نجم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو نجم الأوصياء ،

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣ ، الحديث ٧ ، وفيه : إلاّ بأسباب.

(٢) في المصدر : «فقال اليماني لا أدري» وكذا ما بعده.

(٣) وردت العبارة في «ش» والمصدر من هنا إلى آخر هذه الفقرة كما يلي : «صدقت في قولك : لا أدري ، فما زُحل عندكم في النجوم؟ فقال سعد (اليماني) : نجم نحس ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تقل هذا ، فإنّه نجم أمير المؤمنين ، وهو نجم الأوصياء ، وهو النجم الثاقب الذي قال الله تعالى في كتابه».

٢٢٠