العلل في النحو

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]

العلل في النحو

المؤلف:

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]


المحقق: مها مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٢
ISBN: 1-57547-843-9
الصفحات: ٤١٦

أعينا ، ولو كان في الكلام لجاز أن تقول : أنفسا مكان نفسا يعني أن النفس والعين في المسألتين جميعا يراد بهما الجمع فاكتفى بالواحد فيه لدلالة الكلام عليه على الإرادة وإن شئت جمعت مثل هذا على الأصل ، وإنما جاز الجمع ها هنا ولم يجز فيما بعد العشرين أن تميز بلفظ الجمع أن عشرين قد حصل فيها مقدار العدد والفعل يجوز أن يكون للواحد والجمع ، فذكر ذلك بلفظ الجمع ليدل بذلك أن الفعل لجماعة ولا يجوز إدخال الألف واللام في النفس والعين لأنهما منصوبان على التمييز وقد بينا فيما تقدم أن التمييز لا يكون إلا نكرة وأما قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف : ١٨ / ٢٥] ، فذكر أبو إسحاق الزجّاج أن سنين نصب على البدل من الثلاث مئة (١) قال ولو نصبت السنين على التمييز لكانوا قد لبثوا تسع مئة سنة وأكثر من ذلك والدليل على

__________________

يشرح ما جاء في الكتاب ودليلنا على ذلك قوله : " قال ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد ... ، قال ومثل هذا في الكلام قوله تعالى ..." وهو يقصد ذلك سيبويه ذلك أن كلامه بعد القول هو لسيبويه الذي يقول : " ... ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد يراد به الجميع :

كلوا في بعض بطنكم تعفوا

فإن زمانكم زمن في خبيص

ومثل ذلك في الكلام قوله سبحانه وتعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً ...) وقررنا به عينا وإن شئت قلت أعينا وأنفسا ..." انظر الكتاب ١ / ١٠٨ (بولاق).

(١) قال القيسي في مشكل إعراب القرآن :

" وقال الزجاج : (سنين) في موضع نصب عطف بيان على ثلاث". ٢ / ٤٠

وجاء في تفسير القرطبي أن الجمهور قرأها بتنوين مئة ونصب سنين ... ، وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مئة إلى سنين ، وترك التنوين ، كأنهم جعلوا سنين بمنزلة سنة إذ المعنى بهما واحد ... وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة : التقدير : ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمئة ... ١٠ / ٣٨٧.

وقال الزجاج : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) جائز أن يكون (سنين) نصبا ، وجائز أن تكون جرا ، فأما النصب فعلى معنى فلبثوا في كهفهم سنين ثلاثمئة ، ويكون على تقدير آخر (سنين) معطوفا على ثلاث عطف البيان والتوكيد ، وجائز أن تكون (سنين) من نعت المئة ، وهو راجع في المعنى إلى ثلاث ... ويجوز ـ وهو الأجود عندي ـ أنه إخبار عن الله أخبرهم بطول لبثهم". معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

وانظر أيضا : كشف المشكلات وإيضاح المعضلات ٢ / ٧٥٣.

٣٤١

صحة ما قالوا أنك لو قلت : عندي عشرون رجالا ، احتمل أن يكون كل واحد من العشرين رجالا فتكون المجموع ستين أو أكثر والدليل على صحة ما قال قول الشاعر :

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين (١)

لأصبح القوم أو بادا فلم يجدوا

عند التفرق في الهيجا جمالين

فأجرى جمالين مجرى درهمين ، أراد جمالا لهذه الفرقة ولا يجوز أن يكون سنين نعتا لثلاث مئة لأنه اسم جامد فيقبح النعت به ، وقد أجاز الفراء نصب سنين على التمييز (٢) واحتج بقول الشاعر (٣) :

فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

فقال سودا فجمع وهذا لا يشبه ، لأن الشاعر قد ذكر المميز وهو حلوبة ثم

__________________

(١) الشاهد من البسيط وهو منسوب في بعض المصادر إلى عمرو بن عدّاء الكلبي كما في الخزانة ٧ / ٥٧٩ ـ ٧ / ٥٨١ ، وهو في شرح المفصل ٤ / ١٥٣ ، وفي الارتشاف ١ / ٢٥٢ ، وفي الهمع ١ / ١٣٩.

والمعنى كما في الخزانة : أن معاوية بن أبي سفيان استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صدقات كلب فاعتدى عليهم ، فقال عمرو بن عداء الكلبي هذا الشعر ، وسعى في الموضعين من سعى الرجل على الصدقة أي الزكاة يسعى سعيا في أخذها من أربابها ، وعقالا وعقالين منصوبان على الظرف أراد مدة عقال ومدة عقالين ، والعقال صدقة عام ... ، والسبد بفتحتين الشعر والوبر ... إذا قيل : ما له سبد ولا لبد ، فمعناه ما له ذو سبد وهي الإبل والمعز ولا ذو لبد وهي الغنم ، ثم كثر ذلك حتى صار مثلا مضروبا للفقر ... أي : تولى هذا الرجل علينا سنة في أخذ الزكاة منا فلم يترك لنا شيئا لظلمه إيانا فلو تولى سنتين علينا على أي حال كنا نكون ... والوبد بالتحريك : شدة العيش وسوء الحال ... والهيجاء : الحرب ... وثنى الجمال لأنه جعلها صنفين :صنفا لترحلهم يحملون عليها أثقالهم ، وصنفا لحربهم يركبونه.

(٢) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٨.

(٣) البيت من البحر الكامل وهو لعنترة العبسي في ديوانه ١٩٣ ، وجمهرة أشعار العرب ٩٥ وفي معاني القرآن للفراء ١ / ١٣٠ ـ ٢ / ١٣٨ ، وفي الحيوان ٣ / ٤٢٥ ، وفي شرح المعلقات السبع للزوزني ٢٦٧ ، وفي شرح المفصل ٦ / ٢٤ ـ ٣ / ٥٥ ، وفي شرح شذور الذهب ٣٢٥ ، وفي الخزانة ٧ / ٣٩٠.

٣٤٢

أتى بالسود بعدها فيجوز أن تكون السود للأربعين والاثنين على لفظها ويجوز أن يجعلها نعتا للحلوبة على المعنى ولم يذكر في الآية قبل السنين التمييز فلهذا / افترقا والله أعلم.

باب الجمع

قال أبو الحسن : اعلم أن الجمع المكسر يستأنف البناء كاستئناف البناء للواحد ، فلما كان الواحد يقع مختلفا فكذلك جمع التكسير يقع مختلفا كاختلاف الواحد.

واعلم أن الاسم قد يجمع على ضروب فيكون أحد الضروب أكثر فيه من غيره فيصير هذا الكثير هو الباب ، ويصير ما عداه لقلته كالشاذ في الباب ، وربما حمل جمع اسم على جمع اسم لاشتراكهما في معنى ونحن نبيّنه إن شاء الله.

واعلم أن أبنية أدنى العدد أربعة وهي : أفعل نحو : أكلب ، وأفعال نحو أجمال ، وأفعلة نحو أرغفة ، وفعلة نحو صبية وغلمة ، وأما ما كان على فعل بأدنى العدد فيه : أفعل نحو : أكلب ، والكثير على فعال وفعول : نحو : كلاب ، وفلوس ، وقد يجتمعان في اسم واحد كقولهم : كلم ، وكلام ، وكلوم ، يعني الجراحات وإنما خصّ هذا البناء لأن شرط الجمع أن يكون اللفظ أكثر من الواحد ، فلما كان فعل أخف الأبنية وكثر لفظ جمعها خففوا جمع فعل لكثرته في كلامهم وأما (١) فعال ، وفعول فإنما استويا في الحكم لتقارب ما بينهما في اختلاف الحركات وترتيب الحروف لأن حروف اللين فيها في موضع واحد فلهذا اشتركا. وما سوى فعل مما هو مكسور الأول أو مضموم أو متحرك الفاء والعين فيجيء جمعه لأدنى العدد على أفعال وقلته فكثروا لفظ جمعه وذلك قولهم : عدد وأعداد ، وفعل

__________________

(١) في الأصل : وما.

٣٤٣

وأفعال ، وجمل وأجمال ، وعضد وأعضاد ، وكتف وأكتاف ، وطنب وأطناب (١) ، وإبل وآبال ، وعنب وأعناب ، إلا ما كان على (فعل) نحو صرد (٢) ، وجعل ، فله قياس آخر وذلك أن هذا البناء قد صار له اختصاص في منع الصرف ، وليس لغيره من الأبنية الثلاثية هذا الحكم ، فجعلوا جمعه على ما يخصه واكتفوا بجمع واحد لقلته في كلامهم فقالوا :

صرد وصردان ، ونغر ونغران (٣) ، وجعل وجعلان (٤) ، وإنما خصوه بهذا البناء لأنه جعل كالمخفف من جعال نحو غراب ، وهذا الباب أيضا يجيء على فعلان فلمضارعته هذا الباب خص بهذا البناء ، فأما جمع الأبنية بأكثر العدد فيجيء مختلفا ، ويكتفون بالقليل عن جمع الكثير ، وببناء جمع الكثير عن بناء جمع القليل ، وإنما ساغ ذلك لأن الجمع لا غاية له ينتهي إليها إلا ويمكن إضافته ، فلما كان معنى الجمع لا ينتهي إلى غاية جاز أن ينوى باللفظ الواحد القليل والكثير ، فلهذا ساغ ما ذكرناه ، وأما (٥) قولهم : زند وأزناد (٦) لأدنى العدد ، وكان القياس أزند فوجه ذلك أنه لما كان الزند عودا وتكسير العود في أدنى العدد : أعواد ، حمل زند عليه لاشتراكهما في المعنى واتفاق سكون أوساطهما ، وكذلك فقع وفقعة لما كان الفقع ضربا من الكمأة والفطر مثله يجوز في الفطر أن يكسر على فعلة كما كسر الفقع على فقعة تشبيها بذلك إذ كان معناهما واحدا وعدد حروفهما وسواكنها ومتحركاتهما واحدا / وكذلك قعب (٧) يجوز في جمعه : قعبة ، لما كان

__________________

(١) الطّنب : بضمتين : حبل طويل يشد به سرادق البيت ، أو الوتد. ج : أطناب وطنبة. القاموس (طنب).

(٢) الصرد : بضم الصاد وبفتح الراء : طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير وجمعه صردان. القاموس (صرد).

(٣) النّغر : كصرد : البلبل وفراخ العصافير ، وضرب من الحمّر ، أو ذكورها. ج. نغران ... القاموس (نغر).

(٤) الجعل : كصرد : الرجل الأسود الدميم ، أو اللجوج ، والرقيب ، ودويبة ، ج : جعلان بالكسر. القاموس (جعل).

(٥) في الأصل : ما.

(٦) في الأصل : أزندا.

(٧) القعب : القدح ، وجمعه : أقعب ، وقعاب وقعبه. القاموس (قعب).

٣٤٤

الفقع والفطر متقعبا وجمعا على فعلّة جمع القعب على فعلّة تشبيها بذلك لاشتراكهما في التقعب والوزن وعدة الحروف ، وأما زمن وأزمن فكان القياس أن يقال : أزمان ، لأنه شبه بالدهر [و](١) كان معناهما واحدا (٢) فجمع على أفعل كما جمع الدهر على أدهر ، وأما قولهم ربع (٣) وأرباع فشبهوه بجمل لأن الربع وإن كان على غير وزن جمل فهو في المعنى جمل وإن كان صغيرا فجمع على جمعه إذ كان ولده.

وجميع ما يأتي من الجمع مختلفا خارجا عن بابه فهو محمول على مثل ما ذكرنا إلا أنا لم نذكر منه إلا القدر الذي ذكرنا لك على استقصاء ذلك في كتاب سيبويه.

قال وما كان منه على أربعة أحرف مذكرا فجمعه على مثال (مفاعل) زائدة كانت حروفه أو أصلية فهذا مثاله ، وإن اختلفت أبنيته وذلك نحو : جعفر وجعافر ، قال أبو الحسن إنما جمع الرباعي على ما ذكرناه لأنه أثقل من الثلاثي فألزم طريقة واحدة جعلت زيادته أخف الزوائد وهي الألف لثقله في نفسه وإنما مثّله بمفاعل لأنه أراد الحروف دون وزنه على ما فيه من الزوائد والأصول ، وذلك أنه فصل ذلك فجعل جعافر فعالل ، ومساجد ، مفاعل ، وجداول فعاول ، وأكابر وأصاغر أفاعل ، فوزن الكلمة على حقيقتها.

واعلم أن ما كان على خمسة أحرف ورابعه حرف لين زائد فإنه يجيء على (فعاليل) كقولهم : جرموز وجراميز (٤) ، وقنديل وقناديل ، وإنما أتى على بنائه ، ولم

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : واحد.

(٣) ربع : بضمتين الفصيل ينتج في الربيع ، وهو أول النتاج ... ، فإذا نتج في آخر النتاج فهبع. القاموس (ربع).

(٤) الجرموز : بالضم : حوض مرتفع الأعضاد ، أو حوض صغير ، والبيت الصغير ، والذكر من أولاد الذئب ، والرّكيّة. القاموس (جرمز).

٣٤٥

يحذف منه لأن ما كان على خمسة أحرف أصول فلا بد من حذف الآخر منه في الجمع كقولك : سفرجل وسفارج ، وفرزدق وفرازد ، وإنما حذف آخره لطوله وكان الآخر أولى لأنه المثقل للكلمة فلهذا كان أولى بالحذف ، فلما حذف حرف عوض ياء قبل آخره فقيل : سفاريح ، وفرازيد ، وإنما كانت الياء أولى بالزيادة لأن ما بعد ألف الجمع مكسور فصارت زيادة الياء كإشباع الكسرة ومع ذلك فإن الياء أمكن حروف المد لأن الياء من وسط اللسان فلما جاز أن تزاد هذه الياء قبل آخر الجمع على طريق العوض كان بقاؤها إذ كانت ثابتة في الواحد أولى وإن كان الاسم على خمسة أحرف وفيه زائدتان متساويتان كنت مخيرا في حذف أيهما شئت كقولك : حبنطى وهو ملحق بسفرجل بزيادة النون والألف في آخره : وحباط وحبانيط ، إذا عوضت وإذا حذفت النون قلت : حباط ، وحباطى ، في النصب ، فإن فيه زائدة واحدة حذفتها كقولك : في جحنفل (١) : جحافل ، وجحافيل ، إذا عوضت لأن الزيادة أضعف من الأصلي ، فإن كانت فيه زائدتان كلاهما لمعنى واحد وأحدهما أقرب إلى الطرف حذفت القريبة من الطرف كقولك في مغتسل : مغاسل ومن منطلق مطالق ، لأن التاء والنون أقرب إلى الطرف ، وأما قلنسوة ففيها زائدتان النون والواو وليستا للإفادة (٢) / ولا لمعنى بل كثرت الكلمة بها فأنت مخير في حذف أيهما شئت فإن حذفت الواو قلت : قلانس ، وقلانيس إذا عوضت وإن حذفت النون قلت : قلاس ، وقلاسيّ ، إذا عوضت وإنما شددت الياء إذا عوضت لاجتماع ياء العوض مع الياء المنقلبة من واو قلنسوة فاعلمه.

واعلم أن ما كان على فعل وثانيه ياء أو واو فأدنى العدد فيه (أفعال) نحو : حوض وأحواض ، وثوب وأثواب ، فإن أردت الكثير منه جاء على (فعال)

__________________

(١) الحجنفل : الغليظ الشّفة. القاموس (جحفل).

(٢) في الأصل كلمة مطموسة. وقد أثبت المناسب.

٣٤٦

كقولهم : ثوب وثياب ، وحوض وحياض ، وتقول : بيت وأبيات ، وشيخ وأشياخ ، فإن أردت الكثير بنيته على (فعول) نحو : بيوت ، وقيود ، وشيوخ ، وإنما خص هذا الباب بأفعال وإن كان ثانيه ساكنا كراهة لأفعل : إذ لو جمع على أفعل لانضمت الواو والياء وذلك مستثقل ، وقد جمعوا بعض الصحيح مما هو على فعل على أفعال نحو : فرخ وأفراخ ، فلما جاء في الصحيح هذا كان في المعتل أولى.

واعلم أن ما كان على فعلة وكان اسما فإن جمعه بالألف والتاء وتحريك الحرف الأوسط منه للفصل بين الاسم والنعت وذلك قولك : جفنة ، (١) وصحفة (٢) ، وتمرة تقول في جمعها: جفنات ، صحفات ، وتمرات قال حسان (٣) :

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

قال أبو الحسن : اعلم أنه إنما وجب تحريك الأوسط إذا كان اسم ليفصل بين الاسم والنعت فتقول في صحفة : صحفات ، فتحرك الأوسط وتقول في عبلة (٤) عبلات ، فلا تحرك الأوسط وإنما خصوا الاسم [بالتحريك وتركوا أوسط](٥) النعت على حاله لأن الصفة أثقل من الاسم إذ كانت تتضمن الموصوف فلما كانت أثقل والاسم أخف وجب تحريك الأخف وإن كان الأول مضموما والثاني ساكنا فلك فيه ثلاثة أوجه :

__________________

(١) الجفنة : الرجل الكريم ، والبئر الصغيرة ، والقصعة ، ج : جفان وجفنات. القاموس (جفن).

(٢) الصّحفة : أعظم القصاع : الجفنة ، ثم الصّحفة ، ثم المئكلة ، ثم الصّحيفة. القاموس (صحف).

(٣) البيت من الطويل وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ١ / ٣٥ ، (ط دار صادر) ، وفي الكتاب ٣ / ٥٧٨ ، وفي الكامل ٢ / ٧٢٤ ، وفي المقتضب ٢ / ١٨٨ ، وفي شرح أبيات سيبويه للنحاس ٣٢٧ ، وفي الخصائص ٢ / ٢٠٦ ، وفي أسرار العربية ٣٥٦ ، وفي شرح المفصل ٥ / ١٠ ، وفي الخزانة ٨ / ١٠٦. وحسان هو : حسان بن ثابت الأنصاري شاعر جاهلي إسلامي ، كان شاعر الرسول عليه الصلاة والسّلام ، مات في خلافة معاوية. الشعر والشعراء ١٠٤.

(٤) في الأصل : علبة. والعبل : الضخم من كل شيء ، وهي : بهاء ، ج : عبال كجبال ... القاموس (عبل).

(٥) كتبت في الأصل على الهامش.

٣٤٧

أجودها : ضم الثاني كقولك : ظلمة وظلمات.

ويجوز أن تقلب الضمة فتحة استثقالا لتوالي الضمتين ولأن الغرض بتحرك الثاني هو الفصل بين النعت والاسم وإذا حرك بالفتح فقد وجب الفصل بين فعلة إذا كان اسما وبين فعله إذا كان نعتا وناب الفتح ها هنا عن الضم المستثقل وإنما اخترنا الضم ليكون تابعا لحركة الأول ، ويجوز الإسكان على الأصل ؛ لأن هذا الفصل ليس بواجب في كل اسم ، وإذا كان ذلك كذلك جاز ألا يحرك وأما المكسور الأول فحكمه كحكم المضموم الأول في جواز كسر الثاني وفتحه وإسكانه كقولك في كسرة : كسرات وكسرات ، وكسرات ، بإسكان الثاني على ما فسرناه.

وأما جمع التكسير في المفتوح الأول فيجيء على (فعال) كقولهم : جفنة وجفان ، وصحفة وصحاف ، وأما ما كان مضموم الأول مسكن الثاني فيجمع على فعل جمع التكسير كقولهم ظلمة وظلم ، وغرفة وغرف ، وإنما جمع من فعل لأن ما كان من المخلوقات يجعل بين جمعه وواحده الهاء كقولك : برّة وبر ، فلما كان حكم المخلوقات أن يبقى لفظ الواحد في الجمع وتسقط الهاء جعلوا ما ليس مخلوقا محرك الأوسط ليكون بينه وبين المخلوقات فصل فتقع بالحركة زيادة على لفظ الجمع وكذلك حكم المكسور أوله يكسر على فعل نحو : كسرة وكسر (١) / وسدرة وسدر (٢) والعلّة واحدة.

__________________

(١) يعني ما قصدوا إليه من تفريق بين الأسماء والصفات عند الجمع ، انظر سيبويه ٢ / ١٨٨ وما بعدها (بولاق) وقد فصل ذلك العكبري مبينا ما قصدوا إليه من التفريق بين جمع الأسماء وجمع الصفات فقال : " وإنما حرّكت العين من فعلة إذا كانت اسما في الجمع نحو : جفنة وجفنات ، ولم تحرك في الصفة نحو : صعبات ، ليفرق بين الاسم والصفة ، وكان إبقاء الصفة على السكون أولى ، لأن الصفة أثقل من الاسم لاحتياجها إلى الموصوف وإلى الفاعل المضمر والمظهر ، ولكونها مشتقة من الفعل الذي هو ثقيل.

فإن كانت العين واوا أو ياء لم تحرّكا لئلا تنقلب ألفين". انظر اللباب ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وانظر ابن يعيش ٥ / ٣٠.

(٢) السّدر : شجر النبق ، الواحدة : بهاء ، ج : سدرات ، وسدرات ، وسدرات ، وسدر ، وسدر ... وسدرة المنتهى في السماء السابعة. القاموس (سدر).

٣٤٨

واعلم أن ما كان على (فعيل) من هذا اسما فأدنى العدد فيه (أفعلة) وذلك نحو : نصيب وأنصبة ، وخميس وأخمسة ، ويكون إذا أردت الكثير على (فعل وفعلان) نحو رغيف ورغفان ورغف ، وقضيب وقضبان وقضب ، وأرغفة لأدنى العدد.

قال أبو الحسن : وإنما كسر ما كان من (فعيل) أدنى العدد على (أفعله) وهو أزيد من فعل بحرف فجعلوا الهاء لازمة له لتكون بإزاء الحرف الزائد في فعيل وكسروا عينه ، لأن الكسر أخف من الضم ، فلما ألزم هذا المثال هاء التأنيث ثقل فكرهوا الضمة فيه فعدلوا إلى الكسر ؛ لأنه أخف من الضم ، وجعل في أكثر العدد على فعل فكأنه محذوف من فعول ، وإنما خفف ليكون التخفيف معادلا لثقل فعلان.

وأما (فعيل) الذي هو صفة للمذكر من يفعل فليس فيه حرف علّة ولا تضعيف فجمعه على (فعلاء) نحو جليس وجلساء ، وكريم وكرماء ، وكبير وكبراء ، وفعال نحو : كرام ، وكبار ، وإنما جمع على (فعال) لأنهم لم يعتدوا بالياء لأنها زائدة كأنهم توهموا إشباع الكسرة فيه فيجمع على فعال كما يجمع الثلاثي ، وأما جمعه على فعلاء فللفرق بينه وبين الاسم فجمعوا الاسم على أفعلاء كما يجمع الثلاثي كقولهم : خميس وأخمساء ، وإنما جعلوا فعلاء للصفة لكثرة ما تجيء الصفة على فعلاء نحو حمراء وصفراء ، فأسقطوا الهمزة من أوله ليشاكل ما ذكرناه.

باب النّسب

اعلم أن كل اسم تنسبه إلى أب أو بلد وما أشبه ذلك فإنك تلحقه الياء الثقيلة علامة للنسب وذلك قولك : هذا رجل بكريّ ، وهذا رجل عامريّ ، وهذا رجل مكيّ ، وكذلك جميع هذا الباب.

قال أبو الحسن : اعلم أن النسب معناه إضافة شيء إلى شيء ، وإنما تشدد ياؤه لأن النسبة تصير لازمة للمنسوب ، فصارت هذه الإضافة أشد مبالغة من سائر

٣٤٩

الإضافات فشددوا ياءها (١) ليدلوا على هذا المعنى ، فإذا كان الاسم سالما من حروف المد واللين زدت ياء النسبة في آخره طال الاسم أو قصر كقولك في النسب إلى بكر : بكري ، وإلى سفرجل : سفرجلي إذا كان المنسوب إليه اسمه سفرجل ، وإن كان في الاسم المنسوب إليه ياء خفيفة قبل آخره أعني بالخفيفة الساكنة الزائدة نحو : تميم ، وثقيف ، ، وفقيم وسليم وقريش ، وما أشبه ذلك فالأجود ألا تحذف من الأسماء شيئا إذا نسبت إليها كقولك : تميمي وفقيمي ، وقد حذفوا الياء من بعض ذلك قالوا في قريش : قرشي ، وفي ثقيف : ثقفي ، وفي هذيل : هذلي وهذيلي ، فمن أثبت الياء فعلى الأصل ، ومن حذف فلاستثقال الياء والكسرات ، وليس قبل الكسر إلا حرف واحد والحرف الواحد قليل فصار بمنزلة ما لا حكم له في الكلمة ، فإن كان قبل الكسرة حرفان لم يجب الفتح تقول في تغلب : تغلبي ، لأن أول الكلمة حرفان فقوي صدر الكلمة ويجوز الفتح ، فأما هذلي ، وثقفي فالأصل : هذيلي وثقيفي ، وإنما حذفوا الياء منهما استثقالا للكسرة مع الياء / فحذفت الياء فلما حذفت بقي الاسم على وزن نمر ، وما كان ثانيه مكسورا وهو على ثلاثة أحرف يفتح في النسبة كراهة الكسرات والياءات فيقال : نمري وكذلك قالوا أيضا : هذلي ففتحوا الذال ، وقد جاء على الأصل في الشعر قال الشاعر (٢) :

بكل قريشي عليه مهابة

سريع إلى داعي النّدى والتّكرّم

وقال آخر فجمع بين اللغتين (٣) :

__________________

(١) في الأصل : ياء هذا.

(٢) البيت من الطويل ولم يعرف قائله وهو في الكتاب ٣ / ٣٣٧ ، ورواية الكتاب : بكل قريشيّ إذا ما لقيته ، وفي شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ٢ / ٣٢٥ ، وفي الإنصاف ١ / ٣٥٠ ، وفي شرح المفصل ٦ / ١١.

(٣) البيت من الطويل ولم يعرف قائله أيضا وهو في الإنصاف ١ / ٣٥١ ، وفي شرح المفصل ٦ / ١٠.

٣٥٠

هذيلية تدعو (١) إذا هي فاخرت

أبا هذليا من غطارفة نجد

فإن كان الاسم على (فعيلة) أو (فعيلة) حذفت الهاء كقولك في النسب إلى حنيفة : حنفي ، وفي رجل من خذيمة : خذمي ، وقد جاء شيء على الأصل وليس بالمستحسن قالوا في رجل من أهل السليقة سليقي ، وفي الخزينة خزيني ، وفي سليمة سليمي ، وفي عميرة عميري ، والوجه ما ذكرت لك إلا أن يكون الاسم من المضاعف أو المعتل ، فإنك تثبت فيه الياء ولا يجوز حذفها ، وذلك قولك في رجل نسبته إلى شديدة شديدي ، وفي رجل من طويلة طويلي ، من أجل الواو لأنها إن سكنت لزمها القلب ، وإنما وجب حذف الهاء لأن هاء التأنيث تضارع ياء النسب ، والدليل على مضارعتها أنها تقع بين الاسم وبين جمعه فيكون حذفها فرقا بين الواحد والجمع كقولك : ثمرة وثمر ، وكذلك حال الياء المشددة نحو قولك : زنجي وزنج ، ورومي وروم ، وعربيّ وعرب ، فلما تضارعا من هذا الوجه الذي ذكرناه كره الجمع بين تأنيثين أو تثنيتين فلذلك حذفت هاء التأنيث لمجيء ياء النسبة وحذفت الياء لأن المؤنث أثقل من المذكر ، فلما جاز الحذف من المذكر مع خفته لزم الحذف في الأثقل ، ومن أثبت فعلى الأصل والله أعلم.

وأما ما كانت قبل آخره ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى فإن النسب إليه بحذف الياء المتحركة لاجتماع الياءات وذلك قولك في النسب إلى ميت : ميتي ، وإلى حمير : حميري ، وإلى أسيد : أسيدي ، وإنما وجب الحذف لأن عدد هذه الحروف أكثر من عدد حروف فعيل ويضمها مثلها في العدد وهم قد حذفوا الياء من (فعيل) والكسر مع ياء النسبة [فكيف إذا زاد ياء أخرى ، فإذا اجتمع هذا على الياءين في مثل : أسيد وحمير مع ياء النسبة](٢) كان أثقل فلذلك وجب

__________________

(١) في الأصل : تدعوا.

(٢) كتبت في الأصل على الهامش.

٣٥١

الحذف ، وإنما كانت المتحرك من الياءين بالحذف أولى ؛ لأنك لو حذفت الساكنة بقيت المتحركة وقبلها فتحة فكان يجب قلبها ألفا فيخرجون من علّة إلى علّة والخروج من علّة إلى علّة فيه كلفة ، فلذلك حذفوا المتحركة لتزول هذه الكلفة ، ومع ذلك فإن الياء الساكنة المدغمة لا مؤنة فيها على المتكلم ؛ لأنه يرفع لسانه بها في جملة الياء المتحركة فصار الاستثقال إنما وجب من أجل المتحركة [ف](١) كانت أولى بالحذف إذ كانت هي الموجبة للثقل.

فإن كان آخر الاسم ياء مشددة نحو : قصيّ وعديّ ، واجبة فإنك تحذف الياء الساكنة وتقلب المتحركة ألفا لفتحه ما قبلها ثم تقلبها واوا وتتبعها ياء النسبة فتقول : قصوي ، وأموي ، وعدوي ، وإن شئت تركته على الأصل تقول : قصيي ، وأميي (٢) ، وإنما كان الحذف أولى كراهة لاجتماع أربع ياءات مع الكسرة وهم قد فروا من ثلاث ياءات / وبينهما (٣) حاجز أعني (فعيلا) فكان ما هو أثقل منه تكثيرا أولى بالحذف (٤) ، وإنما حذفوا الياء الساكنة لأنهم قد علموا أن المتحركة تقلب ألفا ولا تثبت لأنها تلي ياء النسبة فيجب قلبها واوا ، فلما كان حذف الساكن يؤدي إلى قلب المتحركة واوا (٥) وخروجها عن شبه الياء وهم يفرون في

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) قال سيبويه : " زعم يونس أن ناسا من العرب يقولون : أميّيّ ، فلا يغيرون لمّا صار إعرابها كإعراب ما لا يعتل ، شبهوه به ...". ٣ / ٣٤٥ (هارون).

(٣) في الأصل : وبينهم.

(٤) بين ذلك العكبري فقال :

" فإن كان قبل الياء المشددة حرفان مثل : عديّ وقصيّ ، فمن العرب من يقره على حاله ، ويجمع بين أربع ياءات ، وهو مستثقل ، والأكثر الأقيس أن تحذف الياء الساكنة وهي ياء فعيل ، وتبدل من الكسرة فتحة ، فتقلب الياء المتحركة ألفا ثم واوا فتصير إلى : عدويّ فرارا من الثقل".

انظر اللباب في علل الإعراب ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١.

(٥) في الأصل : واو.

٣٥٢

هذا الباب من الياءات والكسر من أجل ياء النسبة احتملوا الخروج من علّة إلى علّة لما كان ذلك يؤديهم إلى التخلص مما يفرون منه ، فأما باب أسيد فلو حذفت الياء الساكنة انقلبت المتحركة ألفا والألف هي قريبة من الياء ألا ترى أن الإمالة تدخل على الألف فتقرب من الياء ، فلما كان القلب لا ينجيهم من باب أسيد مما يفرون منه حذفوا المتحركة ، وتقوى الساكنة لأنها قريبة من الألف فلذلك خالف في باب أموي ومن رأى الجمع بين الياءات فحجته أن الياء المشددة تجري بوجوه الإعراب ولا تستثقل عليها الحركات فصارت بمنزلة ياء قبلها حرف ساكن نحو : ظبي ، وميّ وما كان كذلك فلم يحذف منه شيء في النسبة فحملوا أمية وبابه على ما ذكرنا فلم يحذفوا منه شيئا ، وإنما أقروا الياء إذ كان قبلها ساكن ولم يستثقلوا دخول الضمة والكسرة عليها في حال الإعراب ، وإنما خالفت الياء المشددة الياء الساكنة ما قبلها لأن المشددة وإن دخلها الإعراب فهي أثقل من الخفيفة ، فإذا انضم إليها ياء النسبة زادت ثقلا فلذلك وجب تخفيفها.

وحكم الواو إذا كانت طرفا وسكن ما قبلها كحكم الياء إذا سكن ما قبلها ، وهي أولى بأن لا تستثقل هاهنا ؛ لأنهم قد يفرون من الياء (١) إلى الواو في باب النسبة ، فإذا كانت معهم في الكلمة فهي أولى بالثبات ، فإن كانت الياء في آخر الاسم وقبلها كسرة وكان الاسم معها على ثلاثة أحرف قلبتها ألفا ثم قلبتها واوا كقولهم في عمّ : عموي ، وفي ردّ : ردوي ، وإنما وجب ذلك لأنّا قد بينا أن ما كان على فعل بكسر العين من الصحيح ينقل إلى فعل فإذا وجب نقل عمر إلى الكسر انفتحت الميم والياء بعدها في موضع حركة فإذا كان كذلك انقلبت ألفا ثم انقلبت واوا لما سنذكره بعد إن شاء الله.

__________________

(١) في الأصل تكرار للجملة" وحكم الواو إذا كانت طرفا ..." ، وقد زاد في نهاية الجملة الأولى بعد قوله : " لأنهم قد يفرون من الياء" قوله : " وهي أثقل".

٣٥٣

فإن كان الاسم على أكثر من ثلاثة أحرف حذفت الياء في النسب كقولك [في النسبة](١) إلى قاض : قاضيّ وإلى ناحية : ناحيّ ، وإنما وجب حذفها لأن النسبة توجب كسر ما قبلها ولا يدخلها الكسر فيجب إذن إسكانها بدخول ياء النسب عليها ، فيلتقي ساكنان الياء المسكنة والياء المدغمة فتحذف لالتقاء الساكنين ، ومن قال في تغلب : تغلبي ، بفتح اللام استثقالا للكسرة مع الياء أجاز أيضا أن يفتح الضاد من قاض فإذا فتحها انقلبت ألفا أعني ياء قاض ثم انقلبت واوا فقال : قاضوي ، كما قالوا : عموي ، وإنما ساغت التغييرات في باب النسبة ، وكثر ذلك لأن المراد بياء / النسبة أن تعلم بأن المنسوب له به تعلق بالمنسوب إليه فلو فهم ذلك ببعض الكلمة جاز أن يقتصر عليه فلذلك ساغ التغيير فيه.

واعلم أن الأصل في النسب أن يقال : فلان من بني فلان أو من مدينة كذا ، ولكنهم اختصروا ذلك واجتزؤوا (٢) بالياء من هذا التطويل كما اجتزؤوا بياء التصغير من النعت حقيرا أو صغيرا.

واعلم أن ما كان آخره ألفا وهو على ثلاثة أحرف فإنه يجب قلب ألفه واوا من ياء كانت منقلبة أو من واو كقولك في قفا : قفويّ ، وفي رحا : رحويّ ، وإنما وجب قلب هذه الألفات إلى الواو لأن الألف تقرب من الياء والإمالة تدخلها فتصير إلى الياء فلو أقروا الألف على حالها لصار كاجتماع ثلاث ياءات وهم يجدون مندوحة تأويلا لخروجهم عن هذا الثقل وذلك أن الألف ساكنة والياء الأولى ساكنة والجمع بين ساكنين في كلامهم غير مستعمل إلا أن يكون الأول حرف مد والثاني مشدد فلما عوض بياء النسبة ما ذكرنا أجروا الألف مع ياء

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : اجتزوا.

٣٥٤

النسبة مجرى ساكنين ليس أحدهما حرف مد فوجب قلب (١) الألف إلى حرف يتحرك فيه ليزول الجمع بين ساكنين ، وكانت الواو غالبة على الياء في هذا الباب إذ كنا قد نقلب الياء في إيجاب قلب الألف إذا دخلت عليها ياء النسبة ، وهو أن النسبة أقوى في تغيير الاسم من التثنية إذ كانت قد ثبت لياء النسبة ما ذكرنا من إيجاب التغيير وقد بينا علّة ذلك ، والتثنية ليست بموجبة للتغيير إنما حقها أن تزاد علامتها على لفظ الواحد ، فإذا كانت الألف المقصورة تنقلب في التثنية واوا أو ياء كقولك في قفا : قفوان ، وفي رحى رحيان ، وجب أن تكون ياء النسبة بقلب الألف ، فإذا وجب قلبها كانت الواو أولى لما ذكرنا من العلّة الأولى من غلبة الواو على الياء في باب النسبة ، ولم يجب في التثنية إذ كانت التثنية توجب انتظام ما كان في الواحد فلذلك وجب رد الألف في التثنية إلى أصلها فإن كانت الألف رابعة وكانت أصلية فالوجه فيها أن تجري مجراها في الثلاثي وتقلب واوا كقولهم : ملهى : ملهوي ، وفي مغزى : مغزوي ، وأفعى : أفعوي لأنها لما كانت أصلا جرت مجرى الراء في جعفر ، فهذا القياس وكذلك حكم الألف إذا كانت للإلحاق بمنزلة الأصلي نحو : أرطى ، وعلقى ، تقول : أرطوي وعلقوي ، فإن كانت الألف للتأنيث فالوجه فيها الحذف كقولك : في حبلى حبليّ ، وفي بشرى بشريّ ، وفي دنى دنيّي ، وإنما كان حذفها الوجه من وجهين :

أحدهما : أنها من حيث كانت علامة التأنيث ضارعتها التأنيث فكما يجب حذفها أعني الهاء في النسب فكذلك أيضا يجب حذف ألف التأنيث.

والوجه الثاني : أن ألف التأنيث ساكنة وليست مما أصله الحركة كالألف الأصلية وألف الإلحاق فحذفوها لسكونها وسكون الياء الأولى من النسبة وإن كانت الألف قد يقع بعدها الساكن المدغم لما بينا أن الياء أقوى في تغيير ما

__________________

(١) في الأصل : قبل.

٣٥٥

يدخل عليه من علامة التثنية ، فلما كانت ألف التثنية لا يجوز أن يبقى معها ألف التأنيث على لفظها كذلك لا يبقى مع ياء النسبة / لأن في هذا نقضا للأصل الذي أقمنا الدليل عليه من قوة ياء النسبة على قدر ما يقلبه ألف التثنية.

واعلم أنه يجوز في النسب إلى ما آخره ألف التأنيث المقصورة إذا كان على أربعة أحرف وجهان :

أحدهما : أن تقول في حبلى : حبلاوي ، وفي دنيا : دنياوي.

والوجه الثاني : حبلوي ، ودنيوي ، وإنما جاز هذان الوجهان لأن ألف التأنيث وإن كانت علامة كهاء التانيث فهي ألزم للأسماء من هاء التأنيث ، وذلك أن الاسم بني من أول أحواله على ألف التانيث وهاء التانيث تقديرها أن تكون بمنزلة اسم ضم إلى اسم إذ كانت تدخل بعد استقرار لفظ المذكر كقولك : قائم ، وقائمة ، فصارت ألف التأنيث مشابهة للألف الأصلية أعني التي هي بدل من لام الفعل فجرت مجرى ألف الإلحاق إذ كانت ألف الإلحاق زائدة قد أجريت مجرى الأصل ولذلك جاز قلب ألف التأنيث واوا كما جاز قلب ألف الإلحاق واوا في النسبة تشبيها بألف التأنيث كما شبهت ألف التأنيث بها فتقول : أرطى وعلقى ، (١) فأما قولهم : حبلاوي ، فإنهم زادوا ألفا قبل ألف التأنيث لتصير ألف التأنيث عمدة فيجب تحريكها فإذا تحركت صارت ألف التأنيث الممدودة فيزول عنها حكم السكون فيجب ثباتها مع ياء النسبة وصار هذا الوجه أقوى من قلبها واوا من غير موجب لتحريكها فلهذا صار هذا الوجه أقوى من قولهم : حبلوي ،

__________________

(١) الأرطى : شجر له ثمر مرّ تأكله الإبل ، الواحدة : أرطاة ، ألفه للإلحاق لا للتأنيث ، فينون نكرة لا معرفة ، أو ألفه أصلية فينون دائما. القاموس (أرط).

العلقى : والعلقى : كسكرى : نبت يكون واحدا وجمعا ، قضبانه دقاق ، عسر رضّها ، يتخذ منه المكانس ، ويشرب طبيخه للاستسقاء. القاموس (علق).

٣٥٦

فإن كان المقصور على خمسة أحرف فصاعدا وجب حذف ألفه في النسبة زائدة كانت أو أصلية وذلك أن بعض العرب يحذف الألف التي (١) هي بدل من لام الفعل التي في الرباعي فتقول في ملهى ملهي ، وذلك أنهم شبهوها بألف التأنيث لاجتماعهما في صورة واحدة فإذا كان يسوغ الحذف في الرباعي لزم الحذف في الخماسي لطوله وذلك قولك في مرامى : مرامي ، وفي قبعثرى : قبعثري (٢) ، وفي حبارى : حباري (٣) ، وقد بيّنا أن الوجه الحذف وألف التأنيث في الرباعي والخماسي أولى بالحذف إذ كان الأصل أيضا قد حذف لما ذكرناه ، فإن كانت ألف التأنيث رابعة وقد توالى الحركات قبلها تنقل الكلمة حتى تجعلها بمنزلة الخماسي ، والدليل على ذلك أن زيادة الحركة قد تجري مجرى زيادة حرف. إن من يجيز صرف هند وترك صرفه لا يجيز صرف قدم في حال المعرفة ، بل يلزمه منع الصرف في امرأة سميت : بعقرب ، فلذلك وجب أن تجري ما توالت حركاته من الرباعي مجرى الخماسي وذلك قولك في النسب إلى جمزى جمزيّ ، وفي بشكى بشكيّ (٤) ، إذا سميت بهما ونسبت إليهما وهما ضربان من المشي.

واعلم أن الممدودة تنقسم أربعة أقسام أحدها أن تكون همزته أصلية كقولك : رجل قراء ، لأنه من قرأت ، والثاني أن تكون همزته منقلبة من ياء ملحقة نحو :

__________________

(١) في الأصل : الذي.

(٢) القبعثرى مقصورا : الجمل العظيم ، والفصيل المهزول ، ودابّة تكون في البحر ، والعظيم الشديد والألف ليست للتأنيث ولا للإلحاق بل قسم ثالث. ج : قباعث. القاموس (قبر).

(٣) الحبارى : سبق ذكرها ص ٣١٦.

(٤) الجمزى : جمز الإنسان والبعير وغيره يجمز جمزا وجمزى : وهو عدو دون الحضر وفوق العنق ، وبعير جمّاز ، وناقة جمّأزة ، وجمزى : سريع. القاموس (جمز).

البشكى : البشك سوء العمل ، والخياطة الرديئة ، أو العجلة ، والكذب ، وامرأة بشكى اليدين والعمل ، كجمزى : خفيفة سريعة وناقة بشكى. القاموس (بشك).

٣٥٧

علباء وحرباء (١) ، وهما ملحقان بسرداح (٢) بياء بعد الألف لأن الياء إذا وقعت طرفا وقبلها ألف كانت همزة فلذلك كانت الهمزة أولى منها وهي أيضا أولى من الهاء ، لأن الهاء خفية وتحتاج إلى بيان ، ولأن الهمزة أجلد منها ، وصارت أولى فإذا نسبته إلى ما همزته / للتأنيث قلبتها واوا عند أهل البصرة فتقول : حمراوي ، وخنفساوي ، وكذلك حكم جميع الباب وإنما جاز بقاء الهمزة التي هي بدل من هاء التأنيث مع ياء النسبة ولم تحذف كما حذفت الألف المقصورة لأنها خرجت في اللفظ من التأنيث إذ كانت الهمزة في نفسها ليست مما يؤنث بها فجرت مجرى حرف ليس للتأنيث فلذلك لم يحذف.

فإن قال قائل : فهلا حذفت كما يحذف الاسم المضموم إلى ما قبله؟

قيل له : قد بينا أن التأنيث بالألف مخالف لحكم التأنيث بالهاء إذ كان الاسم بني على ألف التأنيث فلهذا الوجه صار كبعض حروفه وخالفت حكم الاسم المضموم إلى ما قبله ، وإنما وجب قلبها واوا ليفصلوا بين الهمزة التي هي بدل من حرف التأنيث وبين الهمزة التي هي على خلاف ذلك إذ كانت هذه الهمزة تمنع الاسم الصرف وغيرها لا تأثير له ، وصورتهما واحدة سواء فصلوا بينهما بالقلب ليدلوا على اختلاف حكمهما ، وإنما كانت همزة التأنيث بالقلب أولى ؛ لأن حكم التأنيث فيها موجود وهو الموجب لثقل الاسم وكانت ياء النسبة توجب أيضا تثقيلا للاسم فوجب أن تقلب هذه الهمزة إلى حرف لا يدل على الثانية ليخف الاسم.

__________________

(١) علباء البعير : عصب عنقه ... ، ج : علوب. القاموس (علب).

وحرباء : بالكسر : مسمار الدّرع ، أو رأسه في حلقة الدّرع ، والظّهر (أو لحمه أو سنسنه) وذكر أمّ حبين ، أو دويّبة نحو العظاية تستقبل الشمس برأسها. القاموس (حرب).

(٢) السّرداح : بالكسر : الناقة الطويلة ، أو الكريمة ، أو العظيمة ، أو السمينة ، أو القوية الشديدة التامة ... ، ج : سرادح. القاموس (سرح).

٣٥٨

وأما ما سواها من الهمزات فلم يكن فيه ما يوجب هذا الحكم من الثقل فوجب إقراره على لفظه إذ كان حكمه وحكم سائر الحروف سواء في اجتماعه مع ياء النسبة ، وإنما كان قلب همزة التأنيث إلى الواو أولى من سائر الحروف لوجهين :

أحدهما : أن الواو تقع علامة لجمع المذكر ، والمذكر كالأصل للمؤنث وقد بيّنا أن الغرض أن تقلب هذه لتبعد عن حكم التأنيث فلما كانت الواو لما ذكرناه أشد مباينة للمؤنث من سائر الحروف كانت أولى بقلب الهمزة إليها.

والوجه الثاني : هي بدل من ألف التأنيث فكانت أولى.

واعلم أن جميع ما ذكرناه من الممدود سوى الممدود الذي ينصرف يجوز أن تقلب همزته واوا فنقول : قراوي ، وكساوي ، وعلباوي ، وبعضه أحسن من بعض فقلت : همزة علباء أحسن ، لأنها مشاركة لهمزة التأنيث في الزيادة فحملت عليها لأن الهمزة أثقل من الواو إذ كانت تقع (١) في الصدر فصار في قلبها إلى الواو فائدة (٢) ، وهو خفة اللفظ فلذلك جاز تشبيهها بهمزة التأنيث وإقرارها (٣) على لفظها لأن ذلك يفيد ثقلا فإذا ثبت للكلمة حكم بالخفة لعلّة أوجبت ذلك لم يجز نقله إلى ما هو أثقل منه ، ولذلك جاز حمل الهمزات التي هي لغير التأنيث على همزة التأنيث ، ولم تحمل همزة التأنيث عليها ، وأما همزة كساء فجاز قلبها واوا بالحمل على همزة علباء لأن الملحق بالأصل يجري مجرى الأصل ، فلما جاز قلب الهمزة الملحقة واوا جاز قلب همزة رداء ، وكساء واوا لأنهما يشابهان ألف علباء في انقلابهما من الياء إلى الهمزة ، وأما همزة قراء فقلبها بعيد وهو جائز ،

__________________

(١) في الأصل كلمة لم أتبينها.

(٢) في الأصل : وهو.

(٣) في الأصل : إقراره.

٣٥٩

ووجه جوازه الحمل على همزة كساء إذ كانت لام الفعل ، فإن كانت إحداهما منقلبة فقد تشابها / في كونهما أصلين فلذلك جاز القلب في همزة قراء والله أعلم.

واعلم أن ما كان آخره هاء التأنيث وقبلها ياء أو واو فالنسب إليه كالنسب إلى الممدود المصروف وذلك نحو : صلاية ، وشقاوة (١) تقول : صلايي وشقايي ، وإنما وجب ذلك لأن هاء التأنيث يقدر سقوطها لأجل ياء النسب فإذا قدرت ذلك صارت الياء والواو طرفا وقبلها ألف فيجب قلبها همزة كهمزة رداء فإذا لحقتها ياء النسبة بقيا على ما وجب لهما من الهمز ويجوز أن تقول : شقاوي وصلاوي ، كما جاز كساوي ، ورداوي.

فإن قال قائل : إذا كانت ياء النسب تحل محل هاء التأنيث فلم لم تبق الياء والواو على ما كان أمرهما عليه مع ياء النسبة؟ قيل : لا يجوز ذلك لأنه إذا وجب تقدير الاسم مذكرا لمجيء النسبة لم يجز أن تبقى الياء والواو على لفظهما ، وذلك أنّا لو قدرنا دخول هاء التانيث على هذا ولم يبن الاسم على التأنيث لهمزنا فقلنا : صلاءة وشقاءة فإذا كانت الهمزة لا تجب إذا قدرنا الاسم مذكرا مع هاء التأنيث وكان قلبها همزة مع ياء النسبة أولى لأنه لا يجب إلا تقدير الاسم مذكرا ثم إدخال النسبة عليه فاعرفه.

فإن كان آخر الاسم ياء وقبلها ألف فلك في النسبة إليه ثلاثة أوجه : وذلك نحو : رأي ، تقول في النسبة إليه : رأيي ، ورأوي ، ورأئي ، فمن أقر الياء مع النسبة فلأنها ياء يدخلها الإعراب فتجري مجرى الحروف الصحاح إلا أنه ليس في قوة رأوي لأن رأيي قبل يائه ألف ، والألف تشبه بالياء فيصير إقرارها مع ياء النسبة كأربع ياءات فلذلك فارقت ياء (رحى) ، وجاز أن تقلب واوا وهمزة فأما من

__________________

(١) الصّلاية : ويهمز : الجبهة ، واسم ، ومدقّ الطيب. ج : صليّ وصليّ. القاموس (صلي).

مشقاوة : المشقا : المشط. لغة في الهمز ... القاموس (شقو).

٣٦٠