العلل في النحو

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]

العلل في النحو

المؤلف:

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]


المحقق: مها مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٢
ISBN: 1-57547-843-9
الصفحات: ٤١٦

لا يستعمل في المجرور لأن ذلك لا يؤدي إلى التسوية في الصورة فلهذا رفض ، فأما المنصوب فإنه لا يستعمل في شيء من هذا لأنه يبدل فيه من التنوين ألف فتظهر حركة الإعراب في الوقف ويصير هذا المعنى عوضا مما تدخله الألف من التنوين ، وذلك إذا كان في المنصوب ألف ولام أو كان لا ينصرف.

فإن قال قائل : فلم وقع الجزم في الأفعال على ضربين مرة بحذف حرف ومرة بحذف حركة (١)؟ قيل له : أصل الجزم القطع ولا بد للمجزوم أن يحذف من آخره علامة الرفع ، وإذا كان الفعل معتلا سكن آخره علامة للرفع ، ولا بد أن يكون للجزم علامة وتأثير ، فلما لم يصادف في آخر الفعل إلا حرفا ساكنا حذفه ليكون بينه وبين المرفوع فصل ، وجاز حذف الحرف لضعفه إذا كان ساكنا ، فجرى مجرى الحركة في جواز الحذف عليه.

فإن قال قائل : فلم وجب حذف الواو من قولك : لم يقم دون حذف الميم؟ ولم وجب الحذف في الجملة؟

فالجواب في ذلك أنه ليس من كلام العرب الجمع بين ساكنين في الوصل لأن الجمع بينهما في الوصل محال ، ولكنه ليس بموجود فلم يكن بد من حذف أحد الساكنين أو تحريكه ليخرج إلى كلامهم.

وقد يمكن تعليل امتناع الجمع بين ساكنين بأن يقال : إن الحرف الساكن إذا تكلم به [ف](٢) إن المتكلم في حكم الواقف عليه والمبتدي بما بعده ، وقد بينا أن الابتداء بالساكن محال ، فكان الجمع بينهما يشبه الابتداء بالساكن فلهذا امتنعوا.

__________________

(١) قال سيبويه : " واعلم أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم ، لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع ، فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجميع. وذلك قولك : لم يرم ، ولم يغز ... وهو في الرفع ساكن الآخر ، تقول : هو يرمي ، ويغزو ..." الكتاب ١ / ٢٣ (هارون) وناقش ابن الأنباري هذه العلّة في أسرار العربية ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

٤١

وإنما وجب الحذف في الواو دون الميم لوجهين :

أحدهما : أن الميم لو حذفت وبقيت الواو لجاز أن يلقاها ساكن ، ولا بد من حذف الواو أو (١) تحريكها ، فلو حذفت أدى ذلك إلى الإجحاف بالفعل ، ولو حركتها لأدى إلى الاستثقال إذ كانت الحركات في حروف مستثقلة ، فوجب أن تحذف الواو وتبقى الميم التي لا يستثقل عليها الحركة ، ولا يجب حذفها.

والوجه الثاني : أن حروف المد أضعف من غيرها ، فلما وجب حذف أحد الحرفين وجب حذف الأضعف وهو الواو.

فإن قال قائل : فلم لم تحركوا أحدهما؟

قيل : لو حركنا الآخر وجب تحريكه بالفتح أو الضم إذ الكسر ممنوع من الفعل. وإن الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين الكسر ، ولو حركنا الآخر بالضم أو بالفتح لم تعلم علامة الجزم لأنه أدى اللفظ إلى لفظ النصب أو الرفع ، ولو حركنا الأول لأدى / إلى الاستثقال إذ الحركات في هذه الحروف مستثقلة.

فإن قال : أليس قد حركتم إذا لقيها ساكن من كلمة أخرى بالكسر لسكونها وسكون الواو؟

فالجواب في ذلك أنها لو حركت بالسكون من أجل الواو التي قبلها لصار الكسر لازما لها إذ كانت الواو لازمة ، فلما صار الكسر لازما والجر عارضا لا يدخل الفعل ، كان الكسر اللازم أولى بالمنع.

وأما الكسر لأجل الساكن من كلمة أخرى فجاز لأجل أن الكسر لا يلزم الحرف لأن الكلمة الثانية لا تلزم الفعل فلما كان الكسر عارضا استعملوه لأنه الأصل وليس مما يلزم ، وأما اللازم فتجنبوه فهذا الفصل بينهما.

__________________

(١) في الأصل : و، واستخدام الواو هنا غلط فكيف لنا أن نجمع بين الحذف والتحريك؟!

٤٢

ووجه آخر في أصل المسألة وهو أن تقول : إن أصل الساكنين إذا التقيا أن يحذف أحدهما إلا أن يكون الحذف يوجب لبسا أو إجحافا بالكلمة فحينئذ تحركه ، فأما إذا خلا من هذين الوجهين فالحذف أولى به ؛ لأنه إذا كان الجمع بينهما ممتنعا ، وليس في حذف أحدهما ضرر ، كان الحذف أولى من زيادة حركة مستغنى عنها.

فإن قال قائل : قد قلت إن الواو لا ترجع عند تحريك الميم إذا قلت : لم يقم القائم ، لأن حركة الميم عارضة ، فلم (١) رجعت في قولك : لم يقوما والتثنية عارضة؟

فالجواب في ذلك أن الجزم إنما هو داخل على الرفع ، وإذا كان كذلك فالتثنية إنما يجب أن تعتبر حالها في الرفع (٢) قبل الجزم ، فلما وجب أن تقول : هما يقومان فتظهر الواو لأنه لا شيء يوجب إسقاطها ، ودخل الجزم حذفت النون وبقي الفعل على صورته في حال الرفع.

وأما قولهم : لم يقم القائم ، فالواو قد وجب إسقاطها قبل مجيء ما يوجب تحرك الميم ، لأن ما يدخل على أول الكلمة أسبق مما يجيء بعد الفراغ منها ، وإذا كان كذلك صارت حركة الميم عارضة إذ دخلت على ما استقر له السكون والحذف ، وليس حكم التثنية كذلك لما ذكرناه.

__________________

(١) في الأصل : فلو. وهي لا تناسب صيغة السؤال.

(٢) قال سيبويه : " واعلم أن التثنية إذا لحقت الأفعال المضارعة علامة للفاعلين لحقتها ألف ونون ، ولم تكن الألف حرف الإعراب ... ولكنك إنما ألحقته هذا علامة للفاعلين ... ، فجعلوا إعرابه في الرفع ثبات النون" الكتاب ١ / ١٩ (هارون).

٤٣

باب التثنية والجمع

فإن قال قائل : لم اختلفت التثنية والجمع هذا الاختلاف (١)؟

فالجواب في ذلك أنه لضرورة أدت إليه ، وذلك أن الاسم المرفوع كان حقه أن يثنى بالواو ، لأن الضمير بالواو فيقال : جاءني الزيدون ، بفتح ما قبل الواو ، وفي الجمع الزيدون بضم ما قبل الواو ، وكان يجب في الجر أن يقال : مررت بالزيدين ، بفتح ما قبل الياء في التثنية وبكسره في الجمع ، فيقع الفصل بين تثنية المرفوع وجمعه وبين تثنية المجرور وجمعه باختلاف الحركات ، فإذا بنينا المنصوب على هذا القياس لزم أن تقول : رأيت الزيدان ، لأن الفتحة من الألف ، ولو فعلنا هذا وأردنا الجمع لزم أن ترجع الألف في الجمع كما رجعت الواو والياء في جمع المرفوع والمجرور ، ولو فعلنا هذا لم يقع فصل بين تثنية المنصوب وجمعه لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فلما كان هذا يؤدي إلى اللبس بين التثنية والجمع أسقطت علامة المنصوب ، ولم يكن بد من حمله إذا ثني أو جمع على المرفوع أو المجرور فكان حمله على المجرور أولى من أربع جهات : أحدها أنّ / المنصوب والمجرور قد يشتركان في المعنى كقولك : مررت بزيد ، معناه : جزت زيدا فلاشتراكهما في المعنى حمل النصب على الجر.

والجهة الثانية أنهما يشتركان في الكناية (٢) نحو قولك : مررت بك ورأيتك.

والجهة الثالثة : أن الجر ألزم للأسماء من الرفع ، لأن الرفع ينتقل إلى الفعل فكان حمل النصب على الإلزام أولى من حمله على المنتقل.

__________________

(١) تحدث الزجّاجي بالتفصيل عن هذه العلّة في باب القول في التثنية والجمع ، انظر الإيضاح ١٢١ ـ ١٢٩ ، وكذلك تحدث ابن الأنباري في أسرار العربية عن هذه العلّة ٤٧ ـ ٥٩ باب التثنية والجمع.

(٢) أي إن الضمير في حالتي النصب والجر واحد.

٤٤

والجهة الرابعة : أن الجر أخف من الرفع ، فلما أردنا حمل المنصوب وهو خفيف ، كان حمله على المخفوض أولى.

فإن قال قائل : فلم أدخلتم في تثنية المرفوع الألف ولم تبقوه على أصله؟

قيل له : لأنهم أرادوا أن يستعملوا الحروف الثلاثة في التثنية والجمع كما استعملوا حركاتها في الواحد ، فلما وجب إسقاط الألف من المنصوب لما ذكرناه ، لم يبق موضع يدخل عليه سوى المرفوع أو المجرور فأدخلوها في تثنية المرفوع لما ذكرناه.

فإن قال قائل : فهلّا أدخلوها في تثنية المجرور؟

قيل له : إدخالها في تثنية المرفوع أولى لأن الواو أثقل من الياء ، فلما كان لا بد من إسقاط الواو والياء وجب إسقاط الأثقل.

فإن قال قائل : لم وجب فتح واو التثنية وياء التثنية في الأصل؟

قيل له : لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، والتثنية قبل الجمع ، فقد استحقت التثنية الفتح في النصب لأصل الألف ، وحملت الياء والواو على الألف ، وضم ما قبل الواو في الجمع ، وكسر ما قبل الياء لوجهين :

أحدهما : أن الكسر من الياء ، والضم من الواو ، فكان أولى ما يجربه ما هو من جنسها.

والوجه الثاني : أن الفتح قد فات باستحقاق التثنية له ، فلم يبق إلا الضم ، وكذلك لو ضم ما قبل ياء الجمع انقلبت واوا فكان يختلط الجر بالرفع ، ولم يبق إلا الكسر.

٤٥

باب (١) [في إعراب التثنية والجمع]

واعلم أن الألف في التثنية ، والواو في الجمع ، والياء في الجمع من حروف الإعراب (٢) عند سيبويه (٣) ، بمنزلة الدال في زيد ، والإعراب فيها مقدر كما يقدر في أواخر المقصور نحو : عصا ، ورحى ، وإنما وجب أن تكون هذه الحروف حروف إعراب لأن معنى الكلمة إنما يكمل بها ، وصارت آخر حرف في الاسم ، وقد بيّنا أن حكم الإعراب إنما يكون زيادة على بناء الاسم ، فلهذا وجب أن تكون حروف الإعراب.

وإنما امتنع من الإعراب استثقالا للحركات (٤) فيها فحذف استخفافا وقدر في التثنية.

فإن قال قائل : فهلّا لزمت التثنية والجمع لفظا واحدا ولم تتغير هذا التغير ، كما أن المقصور لما قدر في آخره لزم وجها واحدا فلم يتغير؟

__________________

(١) هكذا في الأصل ، اكتفى بكلمة (باب) دون تبيين ، وقد وضعت العنوان المناسب.

(٢) قال سيبويه : " واعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان : الأولى منهما حرف المد واللين ، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون ، يكون في الرفع ألفا ، ولم يكن واوا ليفصل بين التثنية والجمع ... ويكون في الجر ياء مفتوحا ما قبلها ..."

وقال : " وإذا جمعت على حد التثنية لحقتها زائدتان : الأولى منهما حرف المد اللين. والثانية النون. وحال الأولى في السكون وترك التنوين وأنها حرف الإعراب ، حال الأولى في التثنية ..." الكتاب ١ / ١٧ ـ ١٨ (هارون).

وعقد الزجّاجي بابا لهذه العلّة هو : القول في الألف والياء والواو في التثنية والجمع أهي إعراب أم حروف إعراب؟ وعرض أقوال النحاة في ذلك وقسمهم ثلاثة مذاهب : الكوفيون ويجعلونها الإعراب نفسه وأيدهم في ذلك قطرب ، والمازني والمبرد والأخفش ويجعلونها دليل الإعراب ، والخليل وسيبويه وقد سبق رأيه وهو الصواب عند الزجاجي. انظر الإيضاح ١٣٠. والوراق في رأيه يذهب مذهب سيبويه كما سنرى وأثار ابن الأنباري أيضا هذا الخلاف في المسألة الثالثة من إنصافه ، الإنصاف ١ / ٣٣.

(٣) سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر ت ١٨٠.

انظر : طبقات الزبيدي ٦٦ ، الإنباه ٢ / ٣٤٦ ، البغية ٣٦٦ ، الكتاب ١ / ٣ (هارون).

(٤) في الأصل : للحراكات.

٤٦

فالجواب في ذلك أن التغيير إنما لزم في التثنية والجمع ولم يلزم في المقصور وإن استويا فيما ذكره السائل ؛ لأن المقصور يستدل على إعرابه بنظيره من الصحيح ، وبنعته فصار ما في النعت والنظير من علامة الإعراب يغني عن تغير آخر المقصور. ألا ترى أنك إذا قلت : هذه عصا معوجة ، بان الرفع في معوجة ، وكذلك لو صغت في مكانها اسما غير معتل لبان الإعراب فيه نحو : هذا جمل /.

وأما التثنية والجمع فلا نعت لهما إلا بتثنية أو جمع ولا نظير لهما إلا كذلك (١) ، فلو لزمت وجها واحدا لم يكن على إعرابها دليل فجعل تغيرها (٢) عوضا من عدم النظير.

فإن قال قائل : فلم دخلت النون في التثنية والجمع؟

قيل له : عوضا من الحركة والتنوين (٣).

فإن قال قائل : فلم وجب أن يعوض من الحركة والتنوين؟

قل له : لأن من شرط التثنية وهذا الجمع أن يكون له علامة مزيدة على لفظ الواحد فكان يجب أن تلحقه الحركة والتنوين فلما وجب أن يدخل التنوين والحركة التثنية والجمع وعوض ما يمتنع من دخولهما وجب أن يعوض منهما ؛ لئلا يخل بما يوجبه ترتيب اللفظ. وقد بينا أن الحركة إنما سقطت استثقالا ، وأما التنوين فوجب إسقاطه لأنه ساكن وهذه الحروف سواكن فلم يكن يخلو من أحد أمرين :

__________________

(١) قال ابن الأنباري : " فإن قيل : ففي كم حكما تتبع الصفة الموصوف؟ قيل : في عشرة أشياء ، في رفعه ونصبه وجره وإفراده وتثنيته ، وجمعه ، وتذكيره وتأنيثه ، وتعريفه ، وتنكيره ..." أسرار العربية ٢٩٤.

(٢) في الأصل : بغيرها.

(٣) قال سيبويه : " واعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان : الأولى ... وتكون الزيادة الثانية : نونا كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين" الكتاب ١ / ١٨ (هارون) وعرض ابن الأنباري هذه العلّة واختلاف النحاة فيها. انظر أسرار العربية ٥٤.

٤٧

إما إسقاط هذه الحروف لسكونها وسكون التنوين فتزول علامة التثنية والجمع والحركة فيؤول إلى الاستقبال.

أو تحرك التنوين فيصير نونا لازمة وتخرج عن حكم العلامة التي وضع لها ، فلم يبق غير حذفها فلهذا وجب إسقاط التنوين فلما دخلت النون عوضا لما ذكرناه دخلت ساكنة لأن الحرف إنما تحرك لزيادة الحركة عليه وهي غيره ، فإذا زدناه مجردا من الحركة بقي ساكنا وقبله علامة التثنية والجمع وهي ساكنة فالتقى ساكنان فحركت النون لالتقاء الساكنين.

فإن قال قائل : فلم كسرت في التثنية وفتحت في الجمع (١)؟ ففي ذلك وجوه : أحدها : أن التثنية قبل الجمع وحتى الساكن إذا حرك بالكسر فقد استحقت نون التثنية الكسر على الأصل ؛ لأنها سابقة للجمع ، وجازت نون الجمع وقد فات كسرها ففتحت لئلا يلتبس بنون التثنية ، فلم يبق لها من الحركات إلا الضم والفتح ، فالضم مستثقل فيسقط وبقي الفتح.

ووجه ثان وهو أن الجمع يقع قبل النون فيه واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة فكرهوا كسرة النون لئلا يثقل بتوالي الكسرات أو يخرجوا من ضم إلى كسر فسقط الكسر وهو بالإسقاط أولى ، فلم يبق إلا الفتح فجعل الكسر للأخف والفتح للأثقل ليعتدلا.

فإن قال قائل : فما الذي أحوج إلى الفصل بين نون التثنية ونون الجمع وصيغة التثنية مباينة لصيغة الجمع وإن سقطت النون فما الحاجة إلى الفصل؟

قيل : قد يشكل جمع المقصور في النصب والجر بتثنية الصحيح كقولك : رأيت المصطفين ، فيقع ما قبل ياء الجمع مفتوحا كما تقول في تثنية زيد : رأيت الزيدين ،

__________________

(١) انظر للتفصيل الإيضاح ١٢١ ، وأسرار العربية ٥٥ ـ ٥٦.

٤٨

ومررت بالزيدين ، فلو لم يكسروا نون التثنية ويفتحوا نون الجمع لالتبس جمع المقصور بتثنية الصحيح فلما وجب الفصل بين هذين أجروا كل تثنية وكل جمع على هذا لئلا تختلف طريقتهما.

فإن قال قائل : لم كانت النون بالزيادة أولى من سائر الحروف؟

قيل له : لم يمكن زيادة بعض حروف المد في التثنية والجمع استثقالا / لاجتماعهما ومع هذا فكان يجب إذا وقع حرف المد بعد ألف التثنية أن يهمز لأن كل حرف مد وقع طرفا قبله ألف زائدة فلا بد من همزه فكان ذلك يؤدي إلى تغيير الحرف عن أصله فوجب أن تزاد النون من بين سائر الحروف لما ذكرناه في الجمع من مذهب سيبويه وهو الصحيح عندنا.

وأما أبو الحسن الأخفش وأبو العباس المبرّد (١) ومن تابعهما فيقولون هذه الحروف دلائل على الإعراب وليست بإعراب ولا حروف إعراب (٢) وهذا قول فاسد ؛ لأنه يقال لقائله : خبرنا عن قولك إن هذه الحروف دلائل إعراب وليست بإعراب ولا حروف إعراب هل يدل على إعراب في الكلمة أو في غيرها؟

فإن قال قائل : تدل على إعراب في الكلمة ، (فلا بد له من أن يقدر الإعراب فيها ، إذ كانت هي أواخر الكلم فيرجع قوله إلى قول سيبويه وتسقط هذه العبارة ، أو يقول : تدل على إعراب في غير الكلمة) (٣). فيقال له : فإذا [كان](٤) الإعراب لا في الكلمة ، وما عدم إعرابه فهو مبني ، ومن مذهبه أن التثنية والجمع

__________________

(١) أبو العباس المبرّد هو : محمد بن يزيد بن عبد الأكبر شيخ نحاة البصرة وصاحب المقتضب والكامل ت ٢٨٥ ، انظر ترجمته في طبقات الزبيدي ١٠٨ ، الإنباه ٣ / ٢٤١ ، والبغية ١١٦ ، وكتاب المبرد حياته وآثاره.

(٢) أشرت إلى ذلك في صفحة سبقت ص ٤٦ ، وأيدهم في ذلك المازني كما جاء في الإيضاح ١٣٠ وجاء في الكافية : " وقال الأخفش والمازني والمبرّد أنها دلائل الإعراب لا حروف الإعراب" ١ / ٣٠.

(٣) ما بين قوسين استدركه الكاتب في الأصل على الهامش.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

٤٩

معربان فيناقض قوله ولو لم يعترف بإعراب التثنية والجمع لكان لقوله مساغ وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج (١) وأما الجرمي (٢) فجعل انقلاب هذه الحروف هو الإعراب (٣) وقوله أيضا مختل ؛ لأن أول أحوال الاسم الرفع فإذا هو في حال الرفع غير منقلب ، وإذا لم يكن منقلبا وجب أن يكون الاسم غير معرب فيؤدي إلى أن يكون بعض التثنية والجمع معربا وبعضه مبنيا قد روي عن غير هؤلاء (٤) أنهم جعلوا هذه الحروف هي الإعراب كالضمة والفتحة والكسرة وهذا القول هو أضعف الأقاويل ؛ لأن شرط الإعراب ألّا يخل سقوطه بمعنى الكلمة إذ كان زائدا على بنائها ونحن لو أسقطنا هذه الحروف التي تدخل على التثنية والجمع لزال معنى الكلمة فلهذا لم يجز أن يكون إعرابا.

واعلم أن المذكر والمؤنث يستويان في التثنية لأن طريقة التثنية واحدة (٥) إذا كان معناها لا يختلف ، وإذ كان الاثنان لا يكونان أكثر من اثنين فجعل لفظهما أيضا غير مختلف.

وأما الجمع وإن كان فرعا على الواحد كالتثنية فإنه غير محصور ، فلم يجب أن

__________________

(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج ت ٣١٦ ، انظر : الإنباه ١ / ١٥٩ ، والبغية ١٧٩ ولتبين مذهبه في التثنية والجمع انظر : المساعد على تسهيل الفوائد ١ / ٤٧ إذ لم يكتف ابن عقيل بتبيين مذهب الزجّاج وإنما بيّن مذاهب عدد كبير من النحاة كالجرمي وابن عصفور والأعلم والأخفش والمبرد وابن كيسان وابن ولّاد والكوفيين وقطرب بالإضافة للخليل وسيبويه.

وانظر أيضا : شرح الأشموني ١ / ٣٩.

(٢) هو صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمي البصري ، أخذ عن الأخفش ويونس (ت ٢٢٥ ه‍).

انظر الإنباه ٢ / ٨٠ ، والبغية ٢٦٨.

(٣) جاء في الكافية : " وقال الجرمي هي حروف الإعراب وانقلابها علامة الإعراب ..." ١ / ٣٠ وقد نسب ابن عقيل هذا المذهب لابن عصفور أيضا ، وقال : إن بعضهم نسبه لسيبويه.

انظر المساعد على تسهيل الفوائد ١ / ٤٧.

(٤) يعني الكوفيين كما جاء في كتاب الكافية في النحو ١ / ٣٠.

(٥) في الأصل : واحد ، ولا بد من ضمير التأنيث لأنه عائد على طريقة التثنية.

٥٠

يكون لفظه محصورا فلهذا جاء مختلفا وفارق التثنية وإن استويا في أنهما فرعان على الواحد.

وأما الواحد فلم يجب أن يلزم لفظا واحدا لأنه أصل مبتدأ به موضوع على أشخاص يفصل بينهما بحدود وخواص فلا بد أن تكون ألفاظه مختلفة والتثنية والجمع يراد بهما الشيئان (١) يضم بهما الشيء إلى مثله ، فلهذا كان يجب أن تكون ألفاظهما متفقة ولكن وجب الفصل بين التثنية والجمع لما ذكرنا. فإذا أردت جمع المؤنث جمع السلامة زدت في آخره ألفا وتاء.

وإنما وجب زيادة هذين الحرفين لما ذكرناه [من](٢) أن حروف المد أولى (٣) بالزيادة وكانت الألف أولى في هذه المواضع لأنها أخف حروف المد والمؤنث ثقيل والجمع أيضا ثقيل فوجب أن يدخل أخف الحروف فكانت الألف أحق بذلك لخفتها ولم يجز أن تزاد معها من حروف المد واللين لما ذكرناه من وجوه قلبه (٤) إلى غير جنسه ، ولم يجز الاقتصار على الألف وحدها لئلا يلتبس بالتثنية ، فطلبوا حرفا يكون بدلا من الواو التي هي حرف مد فجاؤوا (٥) بالتاء (٦) / ألا ترى أنها تبدل من الواو في تخمة وتجاه والأصل وخمة ووجاه.

وكان أيضا إدخال التاء أولى لأنها مع مقاربتها للواو توجب حذف التاء التي في الواحدة فنقول في مسلمة : مسلمات ، والأصل مسلمتات ، فأسقطوا التاء

__________________

(١) في الأصل : الشيئين.

(٢) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.

(٣) في الأصل : أولا.

(٤) في الأصل : قبله.

(٥) في الأصل : فجاءوا.

(٦) انظر الكتاب ١ / ١٨ (هارون) قال سيبويه : " ومن ثمّ جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة ، لأنهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون لأنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها".

٥١

الأولى اكتفاء بالثانية وكانت أولى بالإسقاط لأن الثانية تفيد معنى التأنيث ومعنى الجمع فلهذا كانت أولى بالإسقاط من الثانية وإنما أسقطوها لئلا يجتمع تأنيثان (١)

فإن قال قائل : ألست تقول في حبلى : حبليات والألف في حبلى للتأنيث فقد أثبتها في الجمع وجمعت بين تأنيثين فهلا فعلت ذلك في التاءين؟

فالجواب في ذلك من وجهين :

أحدهما : أن علامة التأنيث في حبلى الألف فإذا جمعت انقلبت الألف فزالت علامة التأنيث ، فعلى هذا الوجه لم يجمع بين تأنيثين.

والوجه الثاني : أن علامة التأنيث في حبلى مخالفة لعلامة التأنيث في الجمع ، ونحن في مسلمات لو أقررنا اللفظ على هذا لكنّا قد جمعنا بين تأنيثين صورتهما واحدة ، فلهذا حذفنا إحداهما ، فإذا أقررنا علامة التأنيث في حبلى مع علامة الجمع لم نكن قد جمعنا بين صورتي تأنيث فيجوز الجمع بينهما لاختلافهما وهذا الوجه أيضا ذكرناه لنبين أن بين ما يجتمع فيه صورتا تأنيث وبين ما تختلف فيه الصورتان فرقا ، والعلّة الأولى كافية.

فإن قال قائل : قد ادّعيت أن التاء علامة التأنيث ونحن نراها في الواحد هاء في الوقف؟ قيل له : أصله التاء وإنما وقف عليها بالهاء ليفصل بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل ، فإن قيل فما الدلالة على ذلك؟ قيل من وجوه :

أحدها : أنا نصل بالتاء كقولك : مسلمة يا هذا ، فأصل الكلام الدرج فوجب أن تكون التاء الأصل لثباتها ألا ترى أنك تقول : رأيت زيدا يا هذا ، فيثبت التنوين في الدرج وتبدل منه في الوقف ألفا ، وكذلك فعلت بالتاء أبدلت منها هاء في الوقف.

__________________

(١) للإيضاح انظر أسرار العربية ٦٠ ـ ٦١.

٥٢

ووجه ثان : وذلك أن بعض العرب يقف على التاء فيقول في مسلمة : مسلمت وفي صالحة : صالحت.

قال الراجز (١) :

الله نجاك بكفّي مسلمت

من بعد ما وبعد ما وبعدمت

صارت بنات النّفس عند الغلصمت

وكادت الحرّة أن تدعى أمت

فلما ثبتت التاء في الوصل والوقف ولم نجد أحدا يصلها بالهاء إلا في موضع لا يعتد به إذ كانت فيه علّة توجب ذلك ، علمنا بذلك أن التاء هي الأصل.

ووجه ثالث : وهو أنّا وجدنا التاء في الفعل قد أدخلت علامة للتأنيث ، ووجدنا الاسم يدخله الهاء والتاء للتأنيث في الوصل والوقف فوجب أن يحكم على التاء أنها الأصل في التأنيث إذ لم نجد الهاء للتأنيث.

فإن قال قائل : قد وجدنا الهاء تستعمل للتأنيث في قوله هذه أنثى؟

قيل له : ليست الهاء علامة للتأنيث وإنما هي بدل من يا لأنهم يقولون : هذي أمة الله ، فالهاء بدل من الياء التي في هذي ، فدل أن الهاء ليست علامة / للتأنيث.

فإن قيل : فما الدليل على أنها بدل من الياء؟

قيل له : الدليل على ذلك أنك تقول في تثنية هذه تان فلو كانت الهاء أصلا في نفسها لم يجز حذفها في التثنية ولوجب أن تقول : هان ، فلما وجدناهم قد أسقطوا الهاء في التثنية ورجعوا إلى أن قالوا تان ، كما قالوا في الذي : اللذان ، وفي ذا : ذان ، علمنا أن الياء هي الأصل.

__________________

(١) استشهد به ابن جني في الخصائص ١ / ٣٠٤ وورد البيت الثالث عنده :

وصارت نفوس القوم عند الغلصمت

 ...

وجاء : في ارتشاف الضرب ٣ / ٣٢٤ واستشهد به ابن يعيش في شرح المفصل وقال : هي لغة فاشية حكاها أبو الخطاب ٩ / ٨١ ، ٥ / ٨٩ ، أوضح المسالك ٣ / ٢٩١ ، وورد البيت أيضا في الهمع ٥ / ٣٤١ شاهدا على إبدال هاء من ألف ما و ٦ / ٢١٦.

٥٣

ووجه آخر وهو أن الكلمة لما استعمل فيها الهاء والتاء ووجدنا التاء أثقل من الهاء ولم نجد الهاء في غير هذا الموضع تحتمل أن تكون للتأنيث ، وجب أن تقدر الهاء بدلا من التاء وذلك جائز لأنه عدول من الأثقل (١) إلى الأخف ، فإذا كان ذلك محتملا وجب حمله على ما ذكرنا لئلا يخرج عما في كلامهم.

فإن قيل : فما الحاجة في الفصل بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل؟

قيل : لأن الفعل قد يسمى به فإن سمي بفعل فيه علامة تأنيث لزم أن يوقف عليه بالهاء كرجل سمي بقامت فيقال : جاءني قامة فيوقف بالهاء ، فصار من الفصل بينهما بيان ودلالة على الاسم والفعل. فإذا قال : فلم كان الاسم بالتغيير أولى من الفعل؟ قيل له : لأن التاء إنما تلحق من الأفعال الفعل الماضي ، والفعل الماضي مبني على الفتح فلزم طريقة واحدة ، والاسم يلحقه الإعراب فيتغير آخره فلما احتجنا إلى تغيير أحدهما غيرنا ما يلحقه التغيير وهو الاسم.

فإن قال قائل : فلم كانت هذه الهاء أولى بالبدل من سائر الحروف؟

قيل : لأن الهاء حرف خفي وهو من مخرج الألف (٢) ، فكرهوا أن يبدلوا التاء ألفا فيلتبس بالألف التي هي بدل من التنوين فكانت الهاء أولى لذلك.

واعلم أن التاء في جمع المؤنث حرف الإعراب فتضم في حال الرفع وتكسر في حال النصب والجر ، وقد بينا أن الكسر إنما دخلها في حال النصب حملا على المذكر وقد اشتركا في جمع السلامة فلما سوّي بين النصب والجر في الأسماء المذكورة سوّي أيضا بينهما في جمع المؤنث.

فإن قال قائل : قد قلتم إن الجمع السالم ما سلم فيه بناء الواحد وإن المكسر ما

__________________

(١) في الأصل : الإثقال.

(٢) للتفصيل انظر العين ١ / ٥٢ ، والتمهيد في علم التجويد ١١٣.

٥٤

تغير فيه بناء الواحد ، ثم قلتم في بنت وأخت في حال الجمع بنات وأخوات ففتحتم أولهما وكان مكسورا ومضموما وجعلتم هذا الجمع جمع السلامة؟

قيل : لأن الأصل في بنت وأخت : بنوة ، وأخوة ، ولكنهما غيّرا في الواحد. ووجه التغيير أنهم حذفوا من أخوة وبنوة الواو استثقالا ثم ألحقوا بنتا (١) بجذع ، وأختا بقفل ، وإنما دعاهم إلى هذا الإلحاق لتحصل التاء على لفظ الحروف الأصلية فيصير هذا الحكم لها كالعوض من حذف الواو.

فإن قال قائل : فما الدليل على [أنّ](٢) أصل بنت وأخت ما ادّعيته؟

قيل له : إن الدليل على ذلك أن المؤنث إذا كان على لفظ المذكر وجب أن تكون علامة التأنيث لاحقة لفظ المذكر كما تقول قائم وقائمة ، فلما كان لفظ بنت وأخت على طريق لفظ الأخ والابن وجب أن تكون علامة التأنيث لا حقة على لفظ المذكر فلما كان الأخ يقال في تثنيته : أخوان علمنا أن أصله أخو ، وأن حق التأنيث أن يدخل على هذا اللفظ فلهذا / وجب أن يكون أصل أخت أخوة. وأما بنت فكما أنّا نقول في المذكر بنون علمنا أن الأصل الفتح وأن بنتا كان حقها أن تجيء مفتوحة الباء (٣) على حد الفتح في بنين ، ولكنها غيرت لما ذكرناه من الإلحاق ، فإذا جمعت لم يكن بد من حذف التاء في الواحد لأنها لم تخرج بالكلمة عن حكم علامة التأنيث ، بل فيها حكم العلامة وإن كانت قد أجريت مجرى الحذف الأصلي وليست بتاء مجردة زيدت للإلحاق المجرد ، لأن ما زيد للإلحاق المجرد لم يتغير فلما كانت تاء بنت وأخت ليست خالصة للإلحاق ثم جمعوا الاسم بالألف والتاء لم يكن بد من حذف التاء (٤) في الواحد إذ فيها حكم التأنيث فلم يجز الجمع بين تأنيثين ، فلما وجب حذفها

__________________

(١) في الأصل : بناتا وقد أثبت المناسب.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) في الأصل : الياء وهي لا تناسب المراد.

(٤) في الأصل : الياء.

٥٥

بطل حكم الإلحاق فوجب أن ترد الكلمة إلى أصلها فلهذا وجب أن يكون الجمع فيها جمع سلامة وأن تغير الأول منه.

فإن قال قائل : فلم وجب في الجمع المكسر أن يجري بوجوه الإعراب؟

قيل له : لأن هذا الجمع استؤنف له البناء كما استؤنف للواحد فلما أشبه الواحد في هذا الحكم وجب أن يجري حكمه في الإعراب بحكم الواحد.

وأما ما يمتحنه بعض النحويين بتصغير الواحد فإن ثبتت التاء أجروا الاسم بجميع الإعراب فليس بشيء ؛ لأنك تقول هذه بيوتات العرب ، ومررت ببيوتات العرب ، ورأيت بيوتات العرب فتكسر التاء ، ولو صغرت لثبتت التاء (١) فعلمت أن هذه العلامة ليست بأصل وأن الموجب لكسر التاء في النصب جمع السلامة.

قال أبو الحسن (٢) : قد بيّنا أن من الأسماء ما أشبه الفعل فمنع التنوين والجر ومنها ما أشبه الحرف فاستحق البناء ومنها ما لم يعرض له علّة فجرى بوجوه الإعراب ونوّن.

فإن قال قائل : فلم كان ما أشبه الفعل يمنع من التنوين والجر؟

قيل له : لأن الفعل لا يدخله تنوين ولا جر فوجب أن يكون ما أشبهه حكمه كحكمه. وقد بينا لم امتنع الفعل من الجر. فأما التنوين فإنما امتنع من الفعل لأنه زيادة ، والفعل ثقيل فلم يحتمل الزيادة ومع هذا فالمعنى الذي من أجله دخل التنوين في الاسم ليس بموجود في الفعل فلم يجز أن يدخل الفعل التنوين. وإنما حمل النصب على الجر في تثنية الأسماء وجمعها لما بينهما من المشابهة ، [و](٣) حمل

__________________

(١) في الأصل : ولو صغرت التاء لثبتت التاء.

(٢) يعني الورّاق صاحب الكتاب ، وقد تكرر ذلك من الناسخ في مواضع كثيرة من الكتاب.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

٥٦

الجر فيما لا ينصرف على النصب ، وأما من أي وجه أشبه بعض الأسماء الأفعال حتى منع الصرف؟ فله باب يبيّن فيه إن شاء الله (١).

وإنما وجب فيما لا ينصرف الانصراف إذا دخلت الألف واللام ، أو أضيف لوجهين:

أحدهما : أن الألف واللام والإضافة تقوم مقام التنوين وقد بينا أن وجود التنوين يوجب للاسم الانصراف ، فما قام مقامه أيضا يوجب أن يوجب الانصراف فلهذا انصرف كل ما تدخله الألف واللام وأضيف.

والوجه الثاني : أن الذي منع الاسم من الانصراف شبهه بالفعل ، والفعل لا يدخله الألف واللام ولا يضاف ، وأصل الأسماء الصرف فلما دخلها / ما يخرجها من شبه الفعل ردت إلى أصلها من الانصراف.

فإن قال قائل : حروف الجر تمنع من الدخول على الفعل ومع هذا إذا دخلت على ما لا ينصرف بقي على حاله من الامتناع من الصرف فهلّا صرفته في هذه الحال إذ قد خرج من شبه الفعل كما خرج بدخول الألف واللام عليه والإضافة؟

قيل له : هذا يفسد من وجهين :

أحدهما (٢) : أن حروف الجر هي أحد عوامل الأسماء كالناصب والرافع ، فلو صرفنا الاسم بدخول حروف الجر عليه لوجب أيضا أن تصرفه بدخول النواصب والروافع عليه إذ كانت هذه العوامل لا يجوز دخولها على الفعل ، ولو فعل هذا لم يحصل فصل بين المنصرف وغيره فسقط الاعتراض بهذا السؤال.

__________________

(١) يبين ذلك الورّاق في باب ما ينصرف وما لا ينصرف.

(٢) في الأصل : أحدها.

٥٧

والوجه الثاني : أن حروف الجر تجري فيما بعدها مجرى الأسماء التي تخفض ما بعدها ، والأفعال قد تقع في مواضع الجر بإضافة ظروف الزمان إليها كقولك : هذا يوم يقوم زيد ، فصار وقوع الاسم بعد حرف الجر لا يخلص للاسم إذا كان مثل هذا الموضع قد تقع فيه الأفعال.

فأما الألف واللام والإضافة فلا يجوز بحال أن تدخل على الأفعال فلما صار هذا الموضع يخلص للاسم دون الفعل وجب أن ينصرف.

فإن قال قائل : فلم صار التنوين يعاقب الألف واللام والإضافة؟

قيل له : لأن التنوين إنما يدخل على الاسم ليعلم أنه منصرف وقد بينا أن جميع ما تدخله الألف واللام والإضافة ينصرف فلما كان جميع الأسماء إذا دخلها ما ذكرنا انصرف لم يحتج إلى فرق فسقط التنوين للاستغناء عنه.

واعلم أنك إذا قلت : جاءني قاض ، فالأصل أن تضم الياء في الرفع وتجرها في الجر ولكن (١) الضمة تستثقل في هذه الياء والكسرة فحذفنا فسكنت الياء فالتقى ساكنان الرفع والتنوين فتسقط الياء لالتقاء (٢) الساكنين ، وكانت أولى من التنوين لأن التنوين علامة والياء (٣) ليست بعلامة فكان تبقية العلامة أولى (٤) فإذا وقعت على الاسم فقلت : هذا قاض فالاختيار حذف الياء أيضا في الوقف.

فإن قيل : فهلّا زدت الياء قبل التنوين؟

قيل له : التنوين وإن سقط في الوقف فهو مراعى الحكم في الدرج وكرهوا رد الياء في الوقف لما يلزمهم من حذفها في الدرج فكان ذلك يؤدي إلى تعب

__________________

(١) في الأصل : لاكن.

(٢) في الأصل : للاتقاء.

(٣) في الأصل : التاء ، وقد كثر الخلط في النقاط بين قوله : الباء ، والتاء ، والياء.

(٤) انظر شرح الأشموني ٢ / ٥١٩ ـ ٥٢١ ، فقد فصّل الحديث في هذا الموضوع ، وبين مذاهب النحاة فيه.

٥٨

ألسنتهم وهم يقدرون على إزالة التعب بهذا التأويل. ومن أثبت الياء اعتل بالسؤال الذي ذكرناه ، فإذا جررت الاسم فقلت : مررت بقاض ، فحكمه حكم المرفوع والعلّة واحدة فإذا نصبت فقلت : رأيت قاضيا ، أثبت الياء لتحركها بالفتح فأبدلت من التنوين ألفا كما تعمل في سائر الأسماء المنصرفة.

فإذا أدخلت الألف واللام على هذه الأسماء فالاختيار إثبات الياء لأن التنوين قد سقطت مراعاته لأنه لا يجوز إثباته مع الألف واللام بحال. فلما سقط حكمه ردت الياء ، وبعض العرب يحذفها ، ووجه ذلك أنه قدر إدخال الألف واللام على الاسم في حال الوقف وقد حذف منه فبقي الحذف على حاله / كحكم الألف كقولك : هذا قاضي البلد ، وحذف الياء مع الألف واللام والإضافة ضعيف وإنما يحسن مثله في الشعر.

فإن قال قائل : فلم صارت الواو لا تقع في أواخر الأسماء إلا وقبلها ساكن ولم تجر مجرى الياء؟ قيل له : لأنه لا يخلو أن يقع قبلها ضمة أو كسرة أو فتحة فلم يجز أن تثبت وقبلها فتحة ؛ لأن (١) كل واو تحركت وقبلها فتحة يجب أن تقلب ألفا ، ولم يجز أن يقع قبلها كسرة لأن ذلك أيضا يوجب قلبها ياء ، ولم يجز أن تقع قبلها ضمة لأنهم أرادوا الفصل بين الاسم والفعل في هذا الحكم فقلبوا كل واو تقع طرفا وقبلها ضمة إلى الياء ليفصلوا بين الاسم والفعل نحو : يغزو ويدعو (٢).

والدليل على ذلك أنهم يقولون في جمع دلو : أدل ، فهكذا والأصل : أدلو ، كما يقال في جمع فلس : أفلس ، فبان بما ذكرناه أنهم يقلبون كل واو تقع طرفا في الاسم وقبلها ضمة إلى الياء لما ذكرنا ، ولا بد من كسر ما قبلها لتسلم لأنه لو

__________________

(١) في الأصل : لا ، وهو سياق لا يناسب النفي.

(٢) في الأصل : يغزوا ، يدعوا.

٥٩

بقي ما قبل الياء مضموما عادت واوا فبان أنهم قصدوا الفصل بين الاسم والفعل بهذا التغيير(١)

فإن قال قائل : فلم صار التغيير بالاسم أولى من الفعل؟

قيل له : إن الاسم يلحقه في آخره (٢) علامة الإضافة ، والنسبة ، ويدخله التصغير والجمع المكسر ، والترخيم مع الإعراب فصارت تغييرات تلحق الاسم دون الفعل فلما احتاجوا إلى تغيير أحدهما كان التغيير لما يلزمه التغيير في كثير من أحواله ألزم وأولى مما لا يلزمه التغيير.

قال أبو الحسن الأخفش : اعلم أن الأسماء المقصورة إنما ألزمت وجها واحدا لأن أواخرها لا تخلو من أحد أمرين : إما أن تكون منقلبة من واو أو ياء ، أو تكون للتأنيث غير منقلبة والذي أوجب قلبها ألفات ؛ تحركها وانفتاح ما قبلها فلو حركتها رجعت همزات فلما كان الإعراب لا يسلم منها كراهية إدخاله مع ما يوجب إسقاطه فيؤدي ذلك إلى التعب ، فلم يجز تحرك المقصور وقدر فيه الإعراب.

فأما ألف التأنيث فلو حركت لم تخل من أحد أمرين : إما أن تقلب إلى الياء أو إلى الواو أو إلى الهمزة فلم يجز قلبها همزة لأن ذلك يلتبس بما أصله الهمزة ، ولو قلبت واوا أو ياء لوجب أن يرجع إلى الألف لما ذكرنا من أن الواو والياء متى تحركتا وانفتح ما قبلها وجب أن تقلبا (٣) ألفا فلا يسلم الإعراب ، فلهذا وجب أن تقر على حالها ومع هذا فقلبها يبطل علامة التأنيث فكان بقاء العلامة أولى من إدخال الإعراب ، لأن الإعراب قد يسقط من جميع الأسماء في الوقف فكان أولى

__________________

(١) جاء ذلك مفصلا في كتب الصرف ، انظر : المبدع في التصريف ١٩٧ شذا العرف ١٥٥.

(٢) في الأصل : آخر.

(٣) في الأصل : تقلب ، وأثبت ما يناسب السياق.

٦٠