العلل في النحو

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]

العلل في النحو

المؤلف:

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]


المحقق: مها مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٢
ISBN: 1-57547-843-9
الصفحات: ٤١٦

قلبها همزة فإنه شببها برداء إذ كانت همزة منقلبة من ياء ، ومن قلبها واوا (١) جعلها بمنزلة داروي ، كل ذلك (٢) فرارا من الياءات.

واعلم أن النسب إلى الأحياء على خلاف ما ذكرنا لأن هذا الباب مخالف للقياس ، إلا أنهم وإن خالفوا قياس اللفظ فقد عدلوا به إلى جهة صحيحة ، فمن ذلك قولهم في النسب إلى طيّ : طايي ، وحقه أن يأتي على طيي ، فتخفف إحدى الياءين كما قلنا في سيد : سيدي ، وإنما خالفوا القياس في طي لكثرة استعماله (٣) في كلامهم ، وهو أثقل من سيد لأن الياء المشددة بعدها همزة والهمزة مستثقل بعدها فقرروا (٤) حذف الياء الساكنة لتنقلب المتحركة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فيخف اللفظ عليهم إذ كان قد جاز لهم حذف الياء الواحدة في سيد ، وإنما قدرنا حذف الياء الساكنة من طي ليكون قلب الياء ألفا حجة من جهة اللفظ ليقل تقدير الشذوذ في هذه الكلمة ، إذ لو قدرنا حذف الياء المتحركة لم يجز قلب الياء الساكنة ألفا فيصير قلبها على تقدير الشذوذ لنا عنه مندوحة ، فلذلك وجب ما ذكرناه ومن ذلك قولهم [في النسبة](٥) إلى اليمن : يماني ، وإلى الشام : شامي ، والقياس : يمني ، وشأمي ، وإنما فعلوا ما ذكرناه لكثرة استعمالهم اليمن والشام في كلامهم فخففوا إحدى ياءي النسب وعوضوا ألفا إذ كان الحذف قد وقع في كلامهم والتعويض فيما / لم يكثر استعماله فكان النسب أولى ، فلذلك كان أكثر تغييرا للكلمة من غيره ، فلذلك قالوا : يمان وشآم ، فأما قولهم في النسب إلى تهامة : تهام ، فإن تقديره أن يكون ردوا الاسم إلى تهم وحذفوا الزيادة ، فصار على لفظ

__________________

(١) في الأصل : واو.

(٢) في الأصل : ذاك.

(٣) في الأصل : استعمالهم.

(٤) في الأصل : فقروا.

(٥) زيادة ليست في الأصل.

٣٦١

يمن فكان القياس على هذا الوجه أن يقولوا : تهمي ، ولكنهم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا منها الألف كما ذكرنا في يمان لكثرة الاستعمال واحتمال النسب للتغيير ، ومن ذلك النسب إلى البحرين بحراني وكان القياس يجري لأن ياء النسب يقع عليها الإعراب فلا يجوز بقاء ألف التثنية معها لئلا يجتمع في الاسم رفعان ونصب ، ومع ذلك فإن علامة التثنية والجمع زيادة على بناء الاسم كزيادة هاء التأنيث. فكما يجب إسقاط هاء التأنيث لمجيء ياء النسبة فكذلك يجب إسقاط علامة التثنية والجمع لاشتراكهما في الزيادة في أواخر الأسماء ، وإنما جاز بحراني لأنه قد صار اسما لموضع لا يجوز إسقاط الألف والنون منه فصارت الألف والنون معه كالألف والنون في عثمان (١) وجريا مجرى ما بني الاسم عليه وصار أيضا في ياء الألف والنون فصل بين النسب إلى هذا الموضع وبين النسب إلى البحر بعينه ومن ذلك قولهم في النسب إلى زبنية (٢) : زباني ، وكان القياس : زبني ، ولكنهم أبدلوا من الياء ألفا لتخفيف الكلمة من غير أن يحذفوا حرفا ، ويجوز أن يكونوا خصوا بهذا ليدلوا على أن الأصل فيه فعيلة وإن شئت جعلت الألف عوضا عن حذف الياء من فعيل كما جعلوها عوضا من إحدى ياءي النسب [في](٣) يمان ، وأما قولهم في النسب إلى الدهر : دهري ، فإنهم أرادوا الفصل بين من قد مرت عليه الدهور وبين من يقول بالدهر فضم الأول لضمة الدهور وبقوا لفظ من يقول بالدهر على فتحه ، ومن ذلك قولهم في النسب إلى البصرة : بصري بكسر الباء ، ووجه ذلك أن البصرة بكسر الباء اسم الحجارة الرخوة فيجوز أنهم

__________________

(١) في الأصل : عثمن.

(٢) الزّبنية : كهبرية : متمرد الجن والإنس ، والشديد ، والشّرطيّ ، ج. زبانية ، أو واحدها : زبنيّ ... والنسبة زبانيّ ، مخففة. القاموس (زبن).

(٣) زيادة ليست في الأصل ، وفي الأصل : و.

٣٦٢

كسروا الباء في بصري ليدلوا [على](١) أن البصرة سميت بهذا الاسم من أجل الحجارة التي يقال لها البصرة ، وجميع ما ذكرنا إذا سميت به رجلا نسبت إليه على القياس الذي يجب له من جهة اللفظ.

واعلم أنك إذا نسبت إلى رجلين وقع النسب إلى أحدهما ليفصل بينه وبين ما وقع اسما لواحد ، وذلك قولك في النسب إلى رجلين : رجلي ، وإلى مسلمين : مسلمي ، قال أبو الحسن : وإنما وجب أن تحذف علامة التثنية والجمع لأنهما ليسا بلازمين للاسم فصار بمنزلة هاء التأنيث وياء النسبة ، وقد بينا مضارعتهما لهاء التأنيث فحذفوا علامة التثنية والجمع لمجيء النسبة كما حذفوا هاء التأنيث لأن من شرط الإعراب أن يقع على ياء النسبة فلم تقو علامة التثنية والجمع فصار في الاسم رفعان ونصبان وجران ، وهذا لا يكون لأن عاملا واحدا لا يحدث في الاسم الواحد إعرابين ، فكانت ياء النسبة ألزم من علامة التثنية والجمع لأن المنسوب يصير مرفوعا بما نسب إليه من بلد أو غير ذلك ، فلذلك صار بقاء ياء النسبة أولى من بقاء علامة التثنية والجمع ، ومع ذلك فلو بقوا علامة التثنية / والجمع لالتبس المنسوب إلى التثنية والجمع بالمنسوب إلى الواحد على لفظ التثنية والجمع ، وكان الحذف من المثنى والمجموع أولى من اسمه ، ذلك لأن الألف والنون إذا صارت مع ما قبلها من الكلمة اسما لواحد لم يجز أن يفارقاه ، لأنه قد صار علما معهما فجريا مجرى أحد حروف الأصل ، فإذا كانت الألف والنون للتثنية لم يكونا لازمين فكان حذف ما لا يلزم أولى من حذف اللازم.

واعلم أنك إذا سميت رجلا برجلين أو مسلمين فالاختيار أيضا حذف علامة التثنية والجمع في النسبة ، ذلك أنّا قد بينا في باب ما لا ينصرف وما ينصرف (٢) أن

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) باب ما ينصرف وما لا ينصرف ٢٩٤.

٣٦٣

التسمية بالتثنية والجمع الأحسن فيهما حكاية حالهما قبل التسمية ، وإذا كان ذلك كذلك فقد جريا في حال التسمية مجراهما قبل التسمية اعني في الإعراب ، فلذلك كان حذفهما في التسمية مساويا لحذفهما قبل التسمية ، ومن جعل الإعراب في النون قال : جاءني رجلان ، ورأيت رجلان ، ومررت برجلان ، وكذلك من يقول : جاءني مسلمين ، ورأيت مسلمينا ، ومررت بمسلمين ، فإنه قد أجرى هاتين العلامتين مجرى ما هو من نفس الحرف ، وإذا نسبت إليها لم تحذف منها شيئا فتقول هذا رجلاني ، ومسلميني ، وكذلك حال يبرين ، وقنّسرين (١) ، وفلسطين ، من أعربها إعراب الجمع فجعلها في الرفع بالواو وفي الجر بالنصب بالياء حذف الياء والنون في النسبة إذا أجراها مجرى الجمع ، ومن جعل الإعراب في النون ولم يحذف من الأسماء فقال هذا قنسريني ، وفلسطيني ، وكذلك حكم جميع ما يجري هذا المجرى من الأسماء ، فأما النسب إلى المساجد فمسجدي لأنك رددت المساجد إلى الواحد ونسبت إليه لتفصل بين من اسمه مسجد وبين من يكثر القعود في المساجد (٢) وإنما كان بالرد إلى الواحد أولى من المسمى بالجمع لأن الذي يكثر القعود في المساجد ليس يجوز أن يجمع بينهما في حال واحدة وإنما نسب إلى أحدها ولفظه لفظ الجنس لما صارت النسبة تدل على ملازمته للمساجد إذ ليس واحد منها أولى به من الآخر ، وأما المسمى بالجمع فقد صار مجموع الكلمة وليس الغرض بالنسبة إثبات معنى من المسمى بل الغرض أن

__________________

(١) يبرين : بالفتح ثم السكون ، وكسر الراء ، وياء ثم نون ، وهو لغة في أبرين ، وهو رمل لا تدرك أطرافه عن يمين مطلع الشمس من حجر اليمامة ، وقيل : يبرين بأعلى بلاد بني سعد ، وقيل : يبرين من أصقاع البحرين. معجم البلدان ٥ / ٤٢٧.

قنّسرين : بكسر أوله ، وفتح ثانيه وتشديده ، وقد كسره قوم ، ... مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص ، وكان فتحها على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة ١٧ ه‍ ، وقد كان خرابها سنة ٣٥١ ه‍ أو ٣٥٥ ه‍ معجم البلدان ٤ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

(٢) مساجدي نسبة إلى من يكثر ملازمة المساجد.

٣٦٤

يكون هذا الجمع علما له ، ولو رد إلى الواحد لم يقع النسب إلى المقصود إليه فلذلك وجب بقاء الجمع في حال النسبة إذ كان اسما لشخص ، وكذلك حكم جميع كل جمع مكسر ومن ذلك قولهم للذي يكثر النظر في الفرائض : فرضي ، وذلك أن الواحد فريضة فوجب حذف الياء والهاء على ما ذكرناه في فعيلة ، وأما (١) قولهم : مدايني ، ومعافري ، وضبابي ، وكلابي ، فإنما نسب إلى لفظ الجمع لأنها أسماء لبلد أو شخص فالنسبة يجب أن يكون إلى لفظه ، وأما ما كان في أسماء الجموع لا واحد لها من لفظها نحو ، نفر ، وقوم ، ونسوة ، ورهط ، فالنسب يقع إلى لفظها سواء كانت لشخص أو واقعة على معناه ، وإنما وجب ذلك لأنها لو ردت إلى واحدها لم يكن من لفظ واحدها أن المراد من هذه الجموع دون غيرها ، فلذلك وجب بقاء لفظها في النسب اسما كان لشخص أو كان لجمع فاعرفه.

النسب إلى الاسم المضاف

قال أبو الحسن : الأجود / في هذا أن تقسم المضاف والمضاف إليه على ثلاثة أوجه:

أحدها : أن يكون الثاني معرفة مقصودا إليه ، والأول به معرفة ، فإذا كان كذلك فالنسب إلى الثاني لأن الأول اختص به يعني بالثاني وهو في نفسه معروف ، فتقول في ابن الزبير : زبيري.

والوجه الثاني : أن يكون المضاف والمضاف إليه كنية نحو : أبي الحسن ، وأبي عمرو ، فالأول مشترك لجميع المكنيين ، وإنما اختلفوا بالثاني فصار حكمه كحكم الزبير في اختصاص الأول به ، فالأجود في هذا أن ينسب إلى الثاني فنقول : حسني.

والوجه الثالث : غير معروف للأول ولكن الأول والثاني جعلا اسما واحدا

__________________

(١) في الأصل : وما.

٣٦٥

لشخص ليس أحدهما أولى به من الآخر فصار مجموعها بمنزلة اسم واحد مفرد. وإذا كان ذلك كذلك وجب حذف الثاني لأنه في موضع الزيادة للأول إذ كان قد قام مقام التنوين فيه وذلك نحو : عبد القيس ، وامرئ القيس ، فتقول : عبدي ، وامرئي ، وبعضهم يقول : مري ، وذلك أنه لما أضاف ألف الوصل ، رد الكلمة إلى أصلها وأصلها فعل بإسكان الراء ، ولكنهم حركوها في النسب لروم الحركة في بناء ألف الوصل وهذا مطرد على قياس مذهب سيبويه (١) لا أن تغيّر الحرف ، فإن لزمته الحركة لعلّة دخلته وكان أصله السكون ثم رد إلى أصله لم تسقط عن الحرف حركته وإنما فعل ذلك ليدل ببقاء الحركة فيه أنه قد كان مما تلزمه الحركة فلذلك قالوا : امري.

واعلم أن قياس الكنية أن تجري مجرى عبد القيس ؛ لأن الكنية مجموعها قد صار علما للشخص غير أن الكنية يجري الاسم الأول منها على طريقة واحدة فيقع فيها إشكال لو حذفت الثاني ، وأما المسمى فالأول يختلف ، وربما يتفق نحو : عبد القيس ، وعبد الدار ، والعرب لحرصها على البيان وزوال الإشكال يشتقون من الاسمين اسما فيقولون (٢) في النسب إلى عبد القيس : عبقسي ، وإلى عبد الدار ، عبدري ، وإلى عبد شمس : عبشمي ، وإنما فعلوا ذلك لتساوي حكم الاثنين في النسبة فلذلك جاز أن يشتقوا منها اسما واحدا فيجتمع لهم بهذا الفعل معرفة المنسوب إليه وخفة اللفظ وليس هذا مما يجب أن يجمعا (٣) اسما يقام عليه في كلامهم لاختلاط طريقه ألا ترى أنهم أثبتوا الدال في عبدري ولم يثبتوا في عبقسي وعبشمي فإذا كان الطريق مختلفا لم يكن طريق إلى القياس عليه لأن الغرض في القياس أن يتكلم على حد كلامهم فإذا لم تدر كيفية ذلك سقط

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ٣٧٦.

(٢) في الأصل : فيقول.

(٣) في الأصل : يجمعان.

٣٦٦

القياس عنا فيما يجري هذا المجرى ، وإنما وجب في المضاف والمضاف إليه حذف أحد الاسمين لأن الغرض في المنسوب أن يعلم تعلقها بالمنسوب إليه فإذا كان كذلك استطاعوا (١) إدخال ياء النسبة على لفظ المضاف إليه ، لأن جعل الاسمين اسما واحدا آكد في لزوم أحدهما الآخر من لزوم المضاف والمضاف إليه ؛ لأن المضاف قد ينفصل من المضاف إليه ويقع الإخبار عن المضاف دون المضاف إليه ؛ إذ كان المضاف إليه معنى في نفسه نحو : غلام زيد ، وما أشبه ذلك ، ويجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الشعر ولا يجوز ذلك في الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا. / والنسب يوجب حذف الثاني من الاسمين [اللذين](٢) جعلا اسما واحدا. فإذا كان الحذف واجبا في اللازم كان ما ليس بلازم أولى بالحذف ، وإنما وجب حذف الثاني من الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا لأنه مضارع لهاء التأنيث فكما وجب حذفها أعني هاء التأنيث في النسبة وجب حذف الاسم الثاني في النسبة.

واعلم أن العرب تشتق من الاسمين اللذين جعلا اسما واحدا في النسبة اسما فتقول في حضرموت حضرمي ، وإنما جاز ذلك لأنه إذا جاز في المضاف هذا الاشتقاق حرصا على البيان وليس لزوم المضاف للمضاف إليه كلزوم واحد الاسمين للآخر الذي جعل معه اسما واحدا ، فإذا جاز في المضاف هذا الوجه كان في هذا أجود ، وليس ذلك أيضا بقياس مطرد والعلّة فيه كالعلّة فيما ذكرنا في باب المضاف والمضاف إليه وذكر النسب إلى ما كان على حرفين.

واعلم أن الأصل في هذا الباب أن تعتبر الأسماء المنقوصة التي تقع على حرفين نحو : يد ، وغد ، ودم ، وما أشبهها فلما لم يرجع من الحرف إليه المنقوص في تثنية

__________________

(١) في الأصل : استطالوا.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

٣٦٧

ولا جمع سالم (١) فأنت مخير في النسب ؛ إن شئت رددت المحذوف وإن شئت لم ترد وإنما يعتبر برد المحذوف في التثنية والجمع ما يستعمل في الكلام ومن ما يجوز في الشعر تقول في دم : دموي ، وإن شئت : دميّ ، وكذلك تقول في يد : يدوي ، وإن شئت : يديّ ، وفي غد : غدوي ، لأن هذه الأسماء لا تستعمل في التثنية تقول : يدان ، ودمان ، وغدان ، وإنما ترد المحذوفات منها في الشعر.

قال الشاعر (٢) :

 ...

جرى الدميان بالخبر اليقين

وقال آخر (٣) :

يديان بالمعروف عند محلم

 ...

وقال آخر (٤) :

وما الناس إلا كالديار وأهلها

بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع

وإنما كانت النسبة دون رد المحذوف لما بيناه من كثرة تغيير المنسوب ، فلما

__________________

(١) في الجملة خلل ، والمؤلف يأخذ بالرأيين : إما رد المحذوف أو عدم رده.

(٢) من الوافر ، واختلف في نسبة الشاهد فمنهم من نسبه إلى المثقب العبدي وهو في ملحق ديوانه ٢٨٣ ، ومنهم من نسبه لمرداس بن عمرو أو لسحيم بن وثيل ، وهو في المقتضب ١ / ٢٣١ ، وفي أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٢٨ ـ ٣ / ١٢٧ ، وفي الإنصاف ١ / ٣٥٧ ، وفي شرح المفصل ٦ / ٥ ـ ٤ / ١٥١ ، وفي الخزانة ٧ / ٤٨٢.

وتمامه :

فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدميان بالخبر اليقين

(٣) الشاهد من الكامل وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٣١ ، وفي شرح المفصل ١ / ٥٦ ـ ٤ / ١٥١ ـ ٥ / ٨٣ ، وفي الخزانة ٧ / ٤٧٦.

والرواية فيه :

يديان بيضاوان عند محلم

قد تمنعانك أن تذلّ وتقهرا

(٤) الشاهد من الطويل وهو للبيد في ديوانه ٨٨ ، ولذي الرمة في ملحق ديوانه ١٨٨٧ فهو مختلف في نسبته ، وهو في الكتاب ٣ / ٣٥٨ ، وفي المقتضب ٣ / ١٥٣ ، وفي أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٢٩ ، وفي شرح المفصل ٦ / ٤ ، وفي الخزانة ٧ / ٤٧٩.

٣٦٨

كانت النسبة تقوى على تغيير الاسم وحذف ما لا يجوز حذفه في التثنية والجمع السالم كانت أيضا قوية على رد المحذوف كما قويت على حذف الموجود ليكون هذا إذا رد في النسبة عوضا مما يوجبه حذف ياء النسبة وكذلك صار ردّ ياء النسبة أقوى على ردّ المحذوف من التثنية والجمع السالم إذ كانت التثنية والجمع السالم إنما طريقهما نحو علامتهما ببناء الاسم من غير تغيير لصيغته.

وأما ما رد في التثنية والجمع السالم فلا بد من رده في النسبة ؛ لأن الأضعف إذا قوي على رد المحذوف كان الأقوى أولى برده فتقول في النسب إلى أخ : أخوي ، وإلى أب : أبوي ، وإلى سنة : سنوي ، لأنك تقول أخوان ، وأبوان ، وسنوات ، ومن جعل سنة من سانهت ، قال في النسب : سنهي ، لأنه إنما وجب ردها لقيامها مقام الواو لأنه وإن لم تقل سنهات فإنما ذلك لاكتفائهم بالسنوات عنه فلذلك وجب رد الهاء في النسبة على اللغة الأخرى فاعرفه.

واعلم أن الأصل في يد : يدي ، على وزن فعل بسكون العين ويكون بتحريك الدال في الشعر لما ذكرناه من مذهب سيبويه في أن الدال لما كف منها الحركة في حال النقص ثم ردّ إلى الاسم ما حذف حركت (١) الدال لتكون / حركتها دلالة على لزوم الحركة لها في حال النقص ، وجئت بالفتح لأن علامة التثنية توجب فتح ما قبلها فلما ظهرت الياء حركت الدال بالحركة التي كانت تستحقها ثم حذفت الياء في التثنية ، وإن شئت قلت : إنما خصت بالفتح لأن الفتح أخف الحركات والغرض بتحريك الدال الدلالة على أن لها حالا تلزمها فيه الحركة ونحن نصل بالفتح إلى هذه الدلالة فوجب استعماله بالفتح دون الضم والكسر إذ كانا أثقل من الفتح ، فأما غد فقد استعمل في الشعر على أصله وصار ذلك دليلا بينا على أصله فعل بسكون العين ، وأما دم فالأظهر فيه فتحة الميم في الشعر لأنه

__________________

(١) في الأصل : حركت.

٣٦٩

جائز أن يكون سمي بمصدر دمى ، يدمى ، دما ، فلهذا كان الأظهر فيه هذا الوجه وإن كان ليس بممتنع أن يجعل أصله على فعل بسكون العين وهو البناء المتفق الذي أقل ما تبنى الكلمة عليه والحركة زيادة ويجوز أن تكون الميم حركت في حال التثنية الذي ذكرنا في يد ، فإذا كان كذلك لم يمتنع هذا الوجه الثاني.

فإن قال قائل : فإذا كان الأصل في يد وغد ما ذكرتم من سكون حاليهما فلم حركا في النسبة؟

قيل له : لما ذكرنا من لزوم الحركة لهما فلما ردّ إليهما في النسبة المحذوف منهما حرك الثاني منهما بالفتح ، وأما يد فلما تحركت الدال انقلبت منها الياء المردودة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فلما صار آخرها ألفا جرت مجرى المقصور فلذلك وجب أن تقول : يدوي كما قلت : رحوي ، فأما غد فالقياس فيه أيضا وإن كانت الواو انقلبت الهاء على حد انقلاب الياء ثم صارت واوا بعد ذلك كما قيل في قفوي فاعرفه.

باب التضعيف

اعلم أن الأصل في الحرفين إذا التقيا من كلمة واحدة ، وكانت الكلمة على ثلاثة أحرف في الفعل أن تدغم نحو : ردّ ، وفرّ ، والأصل : ردد ، وفرر ، وإنما وجب الإدغام في الفعل لثقله إذ (١) كان متضمنا للفاعل ، فأما الأسماء الثلاثية فما كان منها على فعل أو فعل (٢) وجب الإدغام لثقل الكسرة في العين والضمة فيها وحمل على الفعل من أجل الثقل ، وأما ما كان منها على فعل مفتوح العين نحو : شرر ، وطلل ، وضرر ، لم يدغم لخفة الفتح وخفة الاسم أقروه على أصله إذ لم يشبه

__________________

(١) في الأصل : إذا.

(٢) انظر المقتضب باب إدغام المتلين ١ / ١٩٧.

٣٧٠

الفعل ، وأصل الإدغام إدخال الشيء في الشيء مأخوذ من قولهم : أدغمت فاس اللجام في فم الفرس ، وإنما حملهم على الإدغام طلب الخفة ؛ لأن الشيء إذا كان خفيفا بقي على أصله ، ولا بد من إسكان الحرف المدغم لأن الحركة حائلة بين الحرفين المدغم والمدغم فيه.

وإنما وجب الإدغام لئلا تعود إلى حرف نطقت به إلى مثله من وسطه ، وإذا أدغمت رفعت لسانك عن الحرف المدغم في الآخر رفعة واحدة (١) لا تكرير فيه ولا يجوز أن يكون بينهما متوسط فلذلك وجب إسكان الحرف المدغم ، فأما ما زاد على ثلاثة أحرف والتقى فيه حرفان من جنس واحد فالإدغام فيه واجب لأنه لما / كثرت حروفه طال وثقل ، فلما كان الإدغام في الثلاثي الذي ثانيه مكسور أو مضموم واجبا كان ما زاد على الثلاثي أولى بذلك ؛ لأنه أثقل منه ألا ترى أنه أثقل منه إلا أن تكون الكلمة ملحقة وذلك أنك لو بنيت من ضرب ، نحو جعفر ، لقلت : ضربب ، ولم يجز الإدغام ، وإنما لم يجز ذلك لأنك لو أدغمت لألقيت حركة الباء الأولى على الراء فتغيرت الباء والراء عن أصلهما ، وكان الإلحاق يزول والغرض في الإلحاق أن يكون الملحق مطابقا للفظ الملحق به في حركاته وسكونه فلذلك لم يجز الإدغام في هذا القبيل فأما قوله (٢) :

فغضّ الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

فلك في الضاد أربعة أوجه الضم والفتح والكسر من وجهين ، فأحد وجهي الكسر أن تحرك الضاد الآخرة لسكونها وسكون الطاء في الطرف فالكسر لا

__________________

(١) ذكر المبرد ذلك ، انظر المقتضب ١ / ١٩٧. وانظر باب إدغام المثلين في الفعل ١ / ١٩٨ ـ ٢٠٥.

(٢) الشاهد من الوافر وهو لجرير في ديوانه ٧٥ من قصيدة يهجو بها الراعي النميري ، وفي الكتاب ٣ / ٥٣٣ ، والكامل ١ / ٤٣٨ ، والمقتضب وجوزه على الأوجه الثلاثة الفتح والكسر والضم ، ودرة الغواص ٥٠ ، وفيه قال الحريري : " فقد جوّز كسر الضاد من (غضّ) لالتقاء الساكنين ، وفتحها لخفة الفتحة ، وضمها على إتباع الضمة قبلها وهو أضعفها" ، وشرح المفصل ٩ / ١٢٨ ، والارتشاف ١ / ١٦٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥٠ ، والهمع ٦ / ٢٨٨.

٣٧١

غير ، لأن الحرفين الساكنين إذا كانا من كلمتين لم يراعوا فيهما قبل الساكن ، وإنما تعتبر الحرف في نفسه وإن كان الكسر فيه مستثقلا عدل عنه وإن لم يكن مستثقلا كسر على أصل ما يجب في التقاء الساكنين ، وأما إذا كانت الحركة من أجل الساكن في الكلمة روعي ثقل الكلمة وجاء العدول عن الكسر لثقل الكلمة ، والفصل بين الحكم المتعلق بالكلمة وبينه إذا كان متعلقا بالكلمة الأخرى أن الكلمة الثانية لا تلزم الكلمة الأولى كلزوم الكلمة بعضها بعضا فصار ما يتعلق بالكلمة أثقل حكما مما يتعلق بغيرها إن شاء الله.

باب الألفات

اعلم أن ألفات الوصل إنما وجب أن يكون دخولها في الأصل على الأفعال دون الأسماء ؛ لأن الأفعال تتصرف ، وتقع فيها الزيادة والأسماء تبنى على بناء واحد ، وكان حق ألفها أن تكون كبعض حروف الاسم في الثبات فذلك كان حق ألف الوصل ألا تدخل على الأسماء ، وإنما دخلت على الأسماء لأنها مشبهة بالفعل إذ كانت متضمنة للإضافة كتضمن الفعل للفاعل ، ومع ذلك فقد حذف أواخرها كما تحذف أواخر الأفعال المعتلة في الأمر نحو : اغز ، ارم ، فسكنوا أوائل هذه الأسماء وأدخلوا ألف الوصل عليها عوضا من الحذف الذي وقع فيها.

فإن قال قائل : فامرؤ ، وامرأة ، لم يقع فيهما حذف فلأي شيء دخلتها ألف الوصل؟ فالجواب في ذلك أنهم يقولون : مرؤ إذا حذفوا الهمزة على هذه اللغة ، فهو إذن من الأسماء المحذوفة الآواخر ، فإذا كان ذلك كذلك ألحقوه ألف الوصل في حال تخفيف الهمزة عوضا من حذفها ، ولم يحذفوا لرجوع الهمزة ، إذ كان التخفيف فيها سابقا أبدا فلما لم يكن رجوعها يوجب ثباتها أبدا صار الاسم في معنى المنقوص ، فلذلك دخلته ألف الوصل ، وأما الأفعال المضارعة فتقديرها أن يقع معها ألف الوصل ، وذلك أن الأمر إنما يكون لما لم يقع منها وإذا كان

٣٧٢

كذلك وجب تقدير بنائه من المضارع [فتحذف](١) / حرف المضارعة فإن كان بعدها حرف ساكن وأردت الأمر من ذلك لم يكن بد من دخول ألف الوصل في قولك : اضرب ، والأصل : تضرب ، فلما حذفت التاء أفضي بالأمر إلى ساكن والابتداء بالساكن محال ؛ لأن المبتدأ مهيج ، فمحال أن يكون الحرف في حال إثارة المتكلم له ساكنا فوجب إدخال ألف الوصل عليه ليمكن الابتداء به ، ولما كان ما يلي حرف المضارعة في قولك : بع ، وقل ، والأصل فيه : يبيع ويقول فالقاف والباء متحركتان لم يحتج فيهما ألف وصل بعد حذف الياء.

وأما ما زاد على الرباعي من الأفعال نحو : انطلق ، واستخرج ، فالسين والنون دخلا للمعاني التي أريدت (٢) بالأفعال وثبتت هذه الحروف على السكون لأن الأصل في الحروف السكون فلما ثبتت على السكون احتاجت إلى ألف الوصل لما ذكرناه.

وأما همزة ألف القطع نحو قولك : أكرم ، يكرم ، فإنها قطعت وإن كانت داخلة على الساكن وخالفت همزة انطلق واستخرج لأن همزة أكرم وبابه دخلت لمعنى وهو أنها عدّت الفعل بعد أن لم يكن متعديا ، ألا ترى أنك تقول : كرم زيد ، ثم تقول : أكرمت زيدا ، فلما دخلت لمعنى وجب أن تثبت في جميع الأحوال كما تثبت الحرف الذي هو من نفس الكلمة ، وألف انطلق واستخرج لا تفيد معنى ، وإنما دخلت لما ذكرناه من التوصل إلى النطق بالساكن بعدها ، فلذلك افترقا فإذا أمرت من قولك : أكرم يكرم قلت : أكرم زيدا ، وهذه الهمزة التي كانت في الماضي محذوفة في المضارع وفي فعل الأمر وكان حقها أن تستعمل لأن شرط الفعل المضارع أن يحتويه لفظ الماضي مع زيادة حرف المضارعة ، فلما كان

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : أريد.

٣٧٣

قولك أكرم في أوله همزة ثم أدخلت عليه حرف المضارعة وجب أن تقول يؤكرم ، كما تقول : يدحرج ، إلا أنهم لو قالوا لزم المتكلم أنا أأكرم فيجمع بين همزتين زائدتين ، وقد وجدنا العرب تستثقل الجمع بين همزتين (١) ، والثانية منهما أصل فتحذفهما جميعا نحو قولك : خذ وكل ، وهما من : أخذ وأكل ، فلما حذفت الهمزة الأصلية كان حذف الزائد لازما وبقيت همزة المتكلم لأنها دخلت المعنى ثم أجروا ما في أوله حرف المضارعة مجرى الهمزة في الحذف لئلا يختلف طريق الفعل وإن اضطر الشاعر جاز أن يأتي به على الأصل كما قال الشاعر(٢):

 ...

لأنه أهل لأن يؤكرما (٣)

فقد بان بما ذكرناه أن الأصل في يكرم : يؤكرم ، وأما في الأمر من أكرم يكرم فإنه إذا أمر حذف التاء من تكرم فبقيت الكاف ساكنة ولا يجوز الابتداء بالساكن فوجب أن ترد الهمزة الذاهبة لأنها أولى من زيادة همزة ليست مرادة في الكلمة ، فلذلك وجب ردها دون ألف الوصل وقد ابتدت مفتوحة على أصلها فقالوا : أكرم زيدا ، وإنما خصت لام همزة التعريف بالفتح لأنها دخلت على حرف وأصل الحرف أن يبنى على الفتح فلما ألزمت اللام السكون / جعل ما كان يستحق اللام داخلا على الألف ، وأما ألف إبراهيم وإسماعيل فإنما حكمتم عليهما بأنهما أصل لأنه (٤) بعد الهمزة أربعة أحرف أصول ، والهمزة لا تلحق بناءات الأربعة زائدة ، فوجب أن تجعل من نفس الكلمة قياسا على كلام العرب ،

__________________

(١) انظر مسائل الخلاف للأنباري ، المسألة الأولى ٤ (ط ليدن).

(٢) الشاهد من الرجز وهو في المقتضب ٢ / ٩٨ ، والخصائص ١ / ١٤٤ ، والإنصاف ١ / ١١ ـ ١٢ ونسبه المحقق إلى أبي حيان الفقعسي ، وفي الارتشاف ١ / ١١٨ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٦ ، والهمع ٦ / ٢٥١.

(٣) في الأصل : يؤكرمها.

(٤) في الأصل : أصلان.

٣٧٤

وأما إسحاق (١) فبعد الهمزة ثلاثة أحرف ومن شرط الهمزة إذا وقعت بعدها (٢) ثلاثة أحرف أصول أن يحكم عليها بالزيادة لكثرة زيادتها في هذا الموضع نحو : حمراء وصفراء وما أشبه ذلك ، فلذلك فارقت ألف إسحاق ألف إبراهيم وإسماعيل (٣).

فإن قال قائل : فقد ذكر سيبويه تصغير إبراهيم فقال : بريه (٤) ، وكان القياس على ما أصلناه أبيره لأن الاسم إذا كان على خمسة أحرف أصول فإنما يقع الحذف في آخره إذا صغر كقولك : سفرجل فإذا صغرته قلت : سفيرج ، وقد ردّ أبو العباس قول سيبويه واحتج بما ذكرناه (٥)؟ فالجواب لسيبويه عن هذا أن هذه أسماء أعجمية لا يعرف اشتقاقها وغير ممتنع أن تكون الهمزة عند العجم زائدة ، فلما كان هذا محتملا ورأينا الهمزة تزاد كثيرا في الأوائل جاز حذفها من هذه [الأسماء](٦) الأعجمية لما ذكرنا من الاحتمال ولا يجب ذلك من كلام العرب

__________________

(١) لم يعتد بالألف كما لم يعتد بالألف والياء في إبراهيم وإسماعيل.

(٢) في الأصل : بعد.

(٣) جاء في سر الصناعة : " اعلم أن موضع زيادة الهمزة أن تقع في أول بنات الثلاثة ، فمتى رأيت ثلاثة أحرف أصولا وفي أولها همزة فاقض بزيادة الهمزة ... فإن حصلت معك أربعة أحرف أصول والهمزة في أولها فاقض أن الهمزة أصل ، واجعل اللفظة بها من بنات الخمسة وذلك نحو : إصطبل ، وإبريم ، وإبراهيم ، وإسماعيل" ١ / ١٠٧ زيادة الهمزة.

وانظر المنصف شرح التصريف ١ / ٩٩ ط ١ ، وانظر المبدع في التصريف ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٤) قال سيبويه : " وإن حقّرت إبراهيم وإسماعيل قلت : بريهيم وسميعيل ، تحذف الألف ، فإذا حذفتها صار ما بقي يجيء على مثال فعيعيل". الكتاب ٣ / ٤٤٦ (هارون).

وما ذكره الوراق هنا من تصغير إبراهيم على بريه هو مما حكاه سيبويه عن الخليل وعن العرب في تصغير ترخيم إبراهيم كما جاء في الكتاب باب الترخيم في التصغير ٢ / ١٣٤ ، وفي هامش الصفحة ١٢٠ من الجزء نفسه (طبعة بولاق) وذلك نقلا عن السيرافي في شرحه ، وانظر شرح اللّمع ٢ / ٤٦١. وقد عرض السيوطي في الهمع حجة كل من سيبويه والمبرد فيما ذهبا إليه ٢ / ١٩٢ (ط ١ ـ مطبعة السعادة).

(٥) ذكر الاسترباذي قول المبرد وأيده فكان القياس عنده في تصغير إبراهيم : أبيريه ، وإسماعيل : أسيعيع ، انظر شرح الشافية ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٦) زيادة ليست في الأصل.

٣٧٥

لأن الدلالة قد قامت على الحروف كلها أنها أصول في سفرجل من غير شبهة ، فلذلك لم يجز إلا حذف الأواخر وفارقت الأسماء (١) الأعجمية لجواز الشك في الأعجمية (٢) فيها إن شاء الله عزوجل.

باب حروف القسم التي يجر بها

اعلم أن الغرض في القسم تأكيد (٣) الخبر وذلك إذا قلت : والله لأقومن ، إنما زيدت النون توكيدا لخبرك بوقوع القيام ليزول الشك عن المخاطب ، وإنما جعل جواب القسم ينقسم قسمين نفيا وإثباتا ، لأن الإخبار على ضربين : أحدهما : إيجاب ، والآخر : نفي ، وهما اللذان يقع عليهما القسم ، فلذلك جعل جواب القسم على ضربين.

واعلم أن المقسم به لا يتعلق بالمقسم عليه إلا بتوسط حرف إيجاب أو حرف نفي ، وإنما لا يتعلق به إلا بما ذكرنا ، لأن قول القائل : " والله" معناه : أحلف بالله ، ولا يتعلق بالمقسم عليه إلا بتوسط حرف وهذا الكلام تام ، فلو جئت بعده بقولك : زيد في الدار ، فقولك : (زيد في الدار) كلام أيضا تام وكل كلام قائم بنفسه فليس يجوز أن يتعلق به من غير شيء يعلقه به إذ كان مستغنيا بنفسه ، فجعلوا أمارة تعلق أحدهما بالآخر توسط النفي والإيجاب ، وجعلوا النفي (ما) و (لا) والإيجاب (إن) و (اللام) وإنما احتيج لكل واحد من الإيجاب والنفي حرفان ليكون أحد الحرفين يختص بالاسم و (ما) (٤) تدخل على الاسم والفعل كقولك :

__________________

(١) في الأصل : أسماء.

(٢) غلّط الفارسي سيبويه في تصغيره إبراهيم على : بريهيم ، لقوله إن الزيادة لا تلحق بنات الأربعة من أولها ، لحكمه بأن الهمزة في إبراهيم زائدة لحذفه إياها في التصغير. انظر كتاب التعليقة على كتاب سيبويه ٤ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٣) في الأصل : تقديم.

(٤) في الأصل : اللام.

٣٧٦

والله ما قام زيد ، والله ما زيد منطلقا ، و (لا) تدخل على الفعل المضارع وتخلصه للاستقبال / وإنما أدخلوها على الماضي وهم يريدون الاستقبال كقولك : والله لا فعلت (١) أبدا و (لا) تدخل على الاسم وإنما احتيج إلى ما ذكرنا لأن الإيجاب والنفي قد يقعان (٢) بالأسماء والأفعال.

فإن قال قائل : فهلّا اكتفي ب (ما) وحدها (٣) إذ كانت تقع على الفعل والاسم أو (٤) ب (اللام) وحدها إذ كانت تقع على الاسم والفعل أيضا؟

قيل له : لأن (لا) جعلت لنفي الفعل المستقبل المحض و (ما) تنفي الفعل الماضي ، ويقع الفعل المستقبل فيصلح لزمانين للحال والاستقبال ، فلما لم تصلح (ما) لنفي الاستقبال احتاجوا إلى حرف يختص بذلك فجاؤوا ب (لا) ، فلما ثبت للنفي حرفان جاؤوا ايضا للإيجاب بحرفين ، أحدهما يخلص الاسم وهو أن يعادلوا بذلك حكم (لا) ولو قيل : إنهم فعلوا ذلك اتساعا لئلا يضيق عليهم كان وجها.

واعلم أن النون إنما ألزمت اللام لأن الفعل المضارع يصلح لزمانين فلو أسقطت النون وقلت : والله لا يقوم زيد ، لم يعلم أنك تقسم على الحال أو (٥) الاستقبال فجعلوا النون تخص الفعل المضارع بالاستقبال كما تخصه بالسين وسوف وإنما كانت النون أولى بذلك لأنها تدخل زائدة مؤكدة ولكل فعل غير واجب نحو الأمر والنهي والنفي والاستفهام وما أشبه ذلك كقولك : أضربن زيدا ، ولا تقتلنّ عمرا ، وهل تأتينّ خالدا ، أو ما تكرمنّ عمرا ، فلما كانت هذه

__________________

(١) في الأصل كلمة لم أتبينها وقد أثبت ما يناسب المعنى.

(٢) في الأصل : يقعا.

(٣) في الأصل : وجدنا.

(٤) في الأصل : و.

(٥) في الأصل : و.

٣٧٧

الأشياء غير واجبة وكان الفعل المضارع لم يقع على واجب خصوا النون بهذا الفعل ليدلوا به [على](١) أنه غير واقع في الحال فلذلك لم يجز حذفها.

وإنما حسن دخول اللام على الفعل الماضي إذا توسطت بينهما (قد) لأن (قد) تقرب الماضي من الحال إذ كانت للتوقع فصار الماضي لدخول (قد) عليه تقربه من الاسم لأجل الحال ، وتقربه من الفعل المضارع لأجل الزوائد في أوله ، وإنما لم يجز أن تحذف من أجوبة القسم سوى (لا) لأن اللام لو حذفت لوجب أن ينحذف معها النون إذ كانا جميعا قد اختصا بالحال لأجل القسم ، وإذا كانا زائدين معا وجب إذا استحق أحدهما الحذف أن تحذف الآخر إذا لم يعرف في اللفظ ما يمنع من ذلك ، فلما لم يجز حذف الحرفين من الفعل لأن ذلك يؤدي إلى إجحاف لم يجز حذف اللام.

فأما (أن) فلا يجوز حذفها لأنها عاملة وعملها ضعيف فلم يجز أن تحذف وتزاد ؛ لأن ذلك يؤدي إلى أنها تعمل وهي مضمرة وليس أصلها ، فلما كان الحذف ينقض أصلها لم يجز أن تحذف ، وحكم (ما) في أنه لا يجوز حذفها كحكم (أن) إذ كانت تعمل في المبتدأ والخبر فلم يبق ما يجوز حذفه سوى (لا) وإنما ساغ ذلك لأن حذفها لا يشكل إذ كانت قد استقر أن القسم لا بد له من حرف يصل بينه بين المقسم عليه ، فقد سقط أنه لا يجوز حذف حرف سوى (لا) إذ صار حذفها لا يشكل وساغ فيها ذلك لأنها غير عاملة ، ولأن حذفها لا يؤدي إلى حذف شيء آخر سواها ، والله أعلم.

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

٣٧٨

باب ما يكون من [أسماء الفاعلين](١) / ولم يجروه على الفعل

نحو قولهم : جاءني نابل ، أي ذو نبل ، ورامح أي ذو رمح ، وليس يريد بذلك رمح أو نبل فهو رامح ونابل ، وسواء قلت : امرأة رامح أو رجل رامح لأن التأنيث إنما يلحق أسماء الفاعلين لجريها على الفعل إذ كنا قد بينا أن أصل التأنيث للأفعال والأسماء يجب تأنيثها على مثل هذا ، وكذلك الحال في النسب لم يفصلوا بين المذكر والمؤنث وكأنهم اكتفوا بالمعنى إذ كان قولهم : رامح ، كقولهم (ذو رمح) وامرأة رامح بمنزلة ذات رمح ، فلما كان في الكلام تقديره ذو ذات استغنوا بهذا الفصل من أن يؤنثوا اسم الفاعل ، ومعنى قولهم (ذو رمح) وكذلك إذا قلت : امرأة حائض ، كأنك قلت : ذات حيض ، أو معها حيض ، فلما نويت بالحيض المصدر ذكّرت اسم الفاعل فإن أجريت هذه الأسماء على الفعل جاز أن تؤنثها فتقول : امرأة طالقة أي طلقت ومن ذلك قول الشاعر (٢) :

أيا جارتا بيني فإنك طالقة

كذاك أمور الناس غاد وطارقة

وأما قولهم : امرأة معطار (٣) ، وودود ، وولود ، وشكور ، ومحسار ، فإن هذه النعوت معدولة عن الفعل بمعنى المبالغة فلما لم تجر على لفظ الفعل وعدل عنه صارت بمنزلة اسم ليس بمشتق من الفعل ، كذلك جاز أن يقع على المذكر والمؤنث ، وكذلك ما كان من فعيل يراد به مفعول كقولهم : كف خضيب ، ولحية دهين ، المعنى مدهونة ، ومخضوبة ، وفعيل بابه أن يكون اسم الفاعل من فعل

__________________

(١) محيت من الأصل.

(٢) الشاهد من الطويل وهو منسوب إلى الأعشى في الإنصاف ٢ / ٧٦٠ ، وهو في ديوانه ١٢٢ من قصيدة قالها لامرأته الهزانية حيث طلقها من الشطر الأول. يا جارتي بيني فإنك طالقة.

(٣) جاء في القاموس : (... ورجل عطر ، وامرأة عطرة ومعطارة ومعطّرة ومتعطّرة ، وكلاهما معطير ومعطار وناقة معطار ... شديدة حسنة). القاموس (عطر).

٣٧٩

يفعل نحو : كرم يكرم فهو كريم ، وظرف يظرف فهو ظريف ، فلما جاء خضيب ودهين على لفظ اسم الفاعل والمراد به مفعول علمنا أنه معدول عن الفعل غير جار عليه فلم يجب تأنيثه ، وأما قولهم : رجل صرورة (١) للذي لم يحج ، ورجل علّامة ونسّابة ، فإنما (٢) ألحقوا بهذا الهاءات للمبالغة ، وجعلوا زيادة اللفظ دليلا على ما يقصدونه من المدح أو الذم ، فأما ما تعلق بالمدح فقد ذكرناه ، وأما الذم فقولهم : رجل فقّاقة وبقّاقة (٣) للذي يكثر الكلام في غير موضعه ، ورجل صخّابة (٤) للأحمق فصارت زيادة الهاء دليلا على ما ذكرناه من الزيادة والزيادة في المدح والزيادة في العقل والفضل.

تمّ الكتاب بحمد الله وحسن عونه ، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد خير النبيين وسيد المرسلين ، وكان الفراغ منه يوم الثلاثاء (٥) من شهر رمضان المبارك ، جعلنا الله في بركته ، سنة ثمان وتسع مئة ، كتبه العبد الفقير الراجي رحمة مولاه الغني بفضله عما سواه بلقاسم بن أحمد بن سليمان ، كتبه لنفسه ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل العلم والعاملين به بحق وجميع المسلمين آمين.

__________________

(١) جاء في القاموس : (... ورجل صرورة ، وصرارة ، وصارورة ، وصارور ، وصروري ، وصاروراء : لم يحج ، ج :صرارة ، وصرار ، أو لم يتزوج ، للواحد والجمع). القاموس (صرر).

(٢) في الأصل : وإنما.

(٣) رجل فقاق كسحاب وسحابة وفقفاق وفقفاقة : أحمق هذرة

بقّ على القوم بقا وبقّاقا : كثر كلامه ، ورجل لقّ بقّ ولقلاق بقباق : مكثار والرجل المكثار كالبقاقة والمبقّ.

القاموس (فقق ـ بقق).

(٤) الصّخب : محرّكة : شدة الصوت. صخب ، كفرح ، فهو صخّاب ، وصخب ، وصخوب ، وصخبان ... ، وهي صخبة ، وصخّابة ، وصخبّة ، كعتلّة ، وصخوب ... القاموس (صخب).

(٥) في الأصل : الثلاثة.

٣٨٠