العلل في النحو

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]

العلل في النحو

المؤلف:

أبو الحسن محمد بن عبد الله [ الوراق ]


المحقق: مها مازن المبارك
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٢
ISBN: 1-57547-843-9
الصفحات: ٤١٦

١
٢

٣
٤

بين يدي الكتاب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على سيد المرسلين ، المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد ...

فقد بدأ تعليل الحكم النحوي منذ عصر الخليل وسيبويه ، ومن قبلهما ولكن كلامهم كان كلاما خافتا ، يظهر ويختفي ؛ لم يكونوا يعللون أحكامهم ، بل كانوا ينثرون العلل في ثنايا كتبهم على تفاوت بينهم ، كما هو الشأن عند نحاة القرن الرابع الذين امتاز منهم في هذا الباب الفارسي وابن جنّي ، ولم نعرف قبل كتاب (العلل) للوراق كتابا جامعا لعلل النحو مرتبا على موضوعاته ، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو يتصف بما يلي :

١ ـ أنه أكبر مصدر وصل إلينا يتناول العلة النحوية ، ولا يخفى علينا ما للعلة النحوية من أهمية في الدرس النحوي.

٢ ـ أنه يقوم على كتاب سيبويه تفصيلا وتعليلا ، وكأن سيبويه إمام للوراق من خلال كتابه.

٣ ـ أنه يشكل حلقة مغمورة في تاريخ التعليل النحوي ، ويلقي الضوء على مبلغ الرقي الفكري عامة والنحوي خاصة ، الذي بلغه العقل العربي في القرن الرابع الهجري.

٤ ـ أنه يكشف اعتماد النحويين الذين جاؤوا من بعده على أقواله واقتباسهم منه ، كابن الأنباري والعكبري وغيرهما.

٥ ـ أنه نص نفيس ينشر لأول مرة ، لنحوي لم تكن له الشهرة اللائقة به وبمؤلّفه.

ولم أجد لكتاب الوراق هذا إلا نسخة واحدة ، ومع ذلك لم أحجم عن العمل فيها دراسة وتحقيقا ، فهي نسخة يغلب عليها الوضوح وسهولة الأسلوب ، فالوراق ـ على كونه من نحاة القرن الرابع ـ سلس الأسلوب ، بعيد عن التعقيد ، سهل الفهم على قارئ عصرنا هذا. غير أن هذا لا ينفي وجود صعوبات اعترضتني في طريق تحقيقي ؛ وأهمها أن صاحب النص نحوي لم يكتب عنه أحد ، وقصّر في ترجمته أصحاب التراجم ، فلم يفصّلوا الحديث عن حياته ، مع أنه صاحب هذا الأثر الجليل في الحديث عن العلل.

فمن الجدير بالذكر أن الوراق كان معاصرا للزجاجي صاحب (الإيضاح في علل النحو).

٥

وكان اعتمادي ـ إضافة إلى كتاب الوراق نفسه ـ على كتب النحاة ، الذين تناولوا العلل النحوية ، أو بثوها في مؤلفاتهم ، وأبرزها كتاب سيبويه ، والمقتضب للمبرد ، وكتب الفارسي وابن جني والزجاجي ، ممن جاء قبل الوراق أو عاصره ، وكتب ابن الأنباري والعكبري ممن جاء بعده.

ولعلنا نستطيع القول ، إذا أردنا أن نقوم كتب العلل : إن كتاب (الإيضاح في علل النحو) للزجاجي كتاب موجز في العلل من الناحية النظرية ، أما العلل التطبيقية فقليلة جدا إذا ما قيست بما أورده في كتابه من علل لمعظم موضوعات النحو وأحكامه. وكتاب (اللباب في علل البناء والإعراب) للعكبري أكثر الكتب النحوية تعليلا لما يورد من أحكام نحوية ، حتى يظن بأنه كتاب في العلل. وأما كتاب (العلل في النحو) للوراق ، فهو في حقيقة أمره ـ كما رأيت ـ كتاب يعلل النحو الذي ضمه كتاب سيبويه ، فكأنه جعل تعليل الأحكام التي أطلقها سيبويه غاية له ، وهدفا يسعى إليه. وحسب كتاب الوراق اتصاله الشديد بكتاب سيبويه وتعليله لأحكامه ، وكأنه شرح من شروحه ، ولكنه مختص بميزة لم يشركه فيها شرح آخر وهي انصرافه إلى تعليل الأحكام التي أطلقها سيبويه. وبذلك تكون لهذا الكتاب منزلة بين كتب النحو ، وهي منزلة مزدوجة لأنه ذو قيمة في نفسه أولا ، وذو قيمة ثانية يستمدها من كتاب سيبويه الذي يتابع أحكامه ويعللها.

وفي الختام أقدم الشكر الخالص للأستاذ الدكتور عبد الحفيظ السطلي ، الذي أشرف على هذا العمل ، وأسهم في إخراج هذا الكتاب ، بما قدمه لي من عون ونصح وتوجيهات.

والشكر الجزيل لمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ـ بدبي ـ لما قدمه لي من تسهيلات في سبيل الحصول على نسخة مصورة للمخطوط.

وكذلك الشكر كل الشكر للوالد الدكتور مازن المبارك ، الذي كنت ألجأ إليه بين الحين والحين ، سائلة مستفسرة ، فكان المرجع والمآل فيما يعترضني من صعوبات.

وبعد ، فهذا ما وسعه الجهد والوقت ، فإن أكن قصرت أو سهوت فمني ، وإن أكن أصبت فبفضل ربي ، له الحمد في الأولى والآخرة.

مها مازن المبارك

دمشق في ٢٠ جمادى الآخرة ١٤٢١

ه‍ ١٩ / ٩ / ٢٠٠٠ م

٦

المقدمة

الورّاق حياته وثقافته

ـ تمهيد

ـ عصر الورّاق

ـ نسبه

ـ ثقافته

ـ شيوخه وتلامذته

ـ آثاره

ـ وفاته

٧
٨

ـ تمهيد :

لا بد قبل حديثنا عن أي كتاب من أن نعرّف بكاتبه ، ومن أن نعطي لمحة ولو يسيرة عن عصره وبيئته وثقافته وما إلى هنالك من أمور تعارف الدارسون عليها ، ونهجوا طريقها في بحوثهم ودراساتهم ؛ فكيف بنا إذا كنا أمام نحوي لم يلق من الشهرة حظا كافيا ، بل إن كل ما عرف عنه وما ترجم له لا يتجاوز الأسطر القليلة والمعلومات المتكررة عند المترجمين.

ومن هنا كان علينا أن نعتمد إضافة إلى ما وجد في كتب الأعلام كتابه" العلل" في بعض ما نذهب إليه في حديثنا عن ثقافته وشيوخه ، دون حياته أو نسبه ، فالكتاب خلو منهما ذلك أن الناسخ لم يذكر شيئا عنهما.

وإن ما نضيفه في حديثنا عن ثقافته وشيوخه لا يعدو كونه استنتاجا ، فهو قراءة لما وراء الأسطر ، ربما نصل من خلالها إلى ما لم يصل إليه المترجمون للورّاق.

لذلك سوف أدرس في هذا الفصل حياة الورّاق بحسب ما توافر لديّ من معلومات مجموعة إمّا مما كتب عنه أو مما استنتجته أثناء تحقيقي لكتابه كما ذكرت سابقا.

ولا بد قبل الحديث عن الورّاق من نظرة سريعة إلى عصره تلقي الضوء عليه من الناحية السياسية والفكرية.

ـ عصر الورّاق :

عاش الورّاق في القرن الرابع الهجري في بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، ولا يخفى علينا تاريخ بغداد في هذا القرن ؛ فمن الناحية الدينية اشتد ساعد الفرق

٩

المختلفة كالمعتزلة والقدرية والجبرية ، وهبّ أصحاب كل فرقة للدفاع عنها وتنافسوا في التأليف في ذلك.

أما سياسيا فقد كانت بغداد في طريقها إلى الضعف والانحلال. وذلك أن العباسيين اعتمدوا الفرس والأتراك ، كما ظهرت بعض الدويلات المنافسة كالسامانية والبويهية والحمدانية والغزنوية والسلجوقية (١).

وفكريا عاشت بغداد عصرا ذهبيا في الحركة العلمية ، تطورت فيها جميع العلوم من منطق وفلسفة ولغة وأدب وعلوم دينية ، يكفي أن نعرف من عاش في هذا القرن من الأدباء والحكماء وعلماء النحو ، ويكفي أن نذكر ما تركوه من آثار لنبيّن مدى ازدهار النشاط الفكري (٢)

وإن نظرة سريعة إلى أي من كتب التراجم تبيّن لنا هذا الكم الهائل من أعلام النحاة الذين عاشوا في القرن الرابع وبرز منهم : إبراهيم بن السّري الزجّاج (٣١١ ه‍) ، والزجّاجي (٣٣٧ ه‍) ، والسيرافي (٣٦٨ ه‍) ، والفارسي (٣٧٧ ه‍) ، والرمّاني (٣٨٤ ه‍) ، وابن جنّي (٣٩٢ ه‍).

وبالرغم من ذلك نجد إغفالا لذكر الورّاق في بعض كتب التراجم ، فهو لم يلق حظا من الشهرة ، بل إنّ كثيرا من النحاة لم ينقل عنه ، رغم تأليفه لأكبر كتاب وصل إلينا في العلل من ذلك العصر.

وما يواجهنا في بحث حياة الورّاق وترجمته هو موضوع الخلط بين الورّاقين ، فلقد شاعت شهرة عدد من الأشخاص بهذا الاسم ، وذلك لمن يتقن مهنة الوراقة ، بل ربما وجدنا صلة قرابة بين من أطلق عليهم هذا الاسم ، وهذا ما يزيد الأمر لبسا وإيهاما (كما في الورّاق صاحب الكتاب الذي بين أيدينا فهو أبو الحسن

__________________

(١) تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي : ٣ / ١.

(٢) تاريخ الإسلام : ٣ / ٣٣٢ ـ ٣٥٨.

١٠

محمد بن عبد الله المعروف بابن الورّاق ، وسبطه أبي الحسن محمد بن هبة الله المعروف أيضا بابن الورّاق).

ومن الذين سمّوا بالورّاقين (١) :

الورّاق العنزي عمرو بن المبارك ٢٠٠ ه‍.

الورّاق محمود بن حسن ٢٢٥ ه‍ ، والورّاق أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن موسى الكرماني ٣٢٩ ه‍ ، والورّاق أبو عبد الله محمد بن يوسف ٣٦٢ ه‍ ، وابن الورّاق أبو الحسن محمد بن هبة الله بن محمد ٣٩٨ ه‍ ، وابن الورّاق محمد بن عبد العزيز ٧٥٧ ه‍ ، والوراق محمد بن أحمد بن محمد ١٣١٧ ه‍.

وإذا انتقلنا إلى الورّاق محمد بن عبد الله صاحب كتاب (العلل في النحو) وهو من نريد أن نترجم له ، وجدناه لم يلق حظا وافيا من الشهرة ، ولم يذكره النحاة ، ولم يترجم له في بعض كتب التراجم مثل : شذرات الذهب ، تاريخ بغداد ، وغيرهما.

وقد اقتصر من ترجم له على معلومات قليلة ومتكررة ، فنحن لا نعثر على حديث مفصل عن نشأته وحياته وأسرته وثقافته ، بل توقف المترجمون عند ذكر اسمه وتصانيفه ، وقليل منهم ذكر بعضا من شيوخه. وهذا قصارى ما نجد في كتب الأعلام.

ـ نسبه (٢) :

هو محمد بن عبد الله بن العباس البغدادي أبو الحسن المعروف بابن الورّاق أو

__________________

(١) انظر الأعلام ٨ / ١١٣. حيث ذكر عددا ممن سمّوا بالورّاق.

(٢) ترجمة الورّاق في : الفهرست ١٧٢ ، نزهة الألباء ٣٣٧ ، الإنباه ٣ / ١٦٥ ، إشارة التعيين ٣١٧ ، الوافي بالوفيات ٣ / ٣٢٩ البلغة ٢٢٧ ، البغية ٥٣ ، الكشف ٢ / ١٢٩ (قديمة ط ١) ، ١١٦٠ (ط دار الفكر) ، إيضاح المكنون ٢ / ٥٨٨ ، الهدية ٢ / ٥٢ ، الأعلام ٦ / ٢٢٥ ، معجم المؤلفين ١٠ / ٢٢١.

١١

بالورّاق ، كان ختن أبي سعيد السيرافي على ابنته. ولم يذكر المترجمون تاريخا لولادته.

ـ ثقافته :

لم يفصّل من ترجم له الحديث عن ثقافته ، بل اكتفوا بإطلاق جمل عامة تدل على نبوغه في علم النحو وعلله ، وقد وصفه بذلك القدماء والمحدثون فمثلا قال عنه القفطي : " كان عالما بالنّحو وعلله" ثمّ بيّن مذهبه فقال : " وكان بغداديا ، وصنف في النحو كتبا حسانا" (١).

وقال عنه ابن الأنباري : " وكان جيد التعليل في النحو" (٢).

وقال عنه الفيروز آبادي في بلغته واليماني في إشارته : " كان إماما في العربية" (٣).

ومن المحدثين وصفه صاحب معجم المؤلفين ب : الفقيه ، والأصولي ، والنحوي.

وهذا يدلنا على معرفته لعلم الفقه والأصول إضافة إلى علم النحو ، حتى لقب بهذين اللقبين ووصف بهما.

وضعه ابن الأنباري والصفدي في طبقة أبي طالب العبدي ، وكان أبو طالب هذا نحويا ، لغويا ، قيما بالقياس ، وقد قرأ على السيرافي والرمّاني والفارسي كما جاء في النزهة (٤) ومن هنا نقول : يحتمل أن يكون الورّاق أيضا قد قرأ على هؤلاء ، ولا سيما السيرافي ، فقد كان الورّاق زوج ابنته كما علمنا.

__________________

(١) الإنباه ٣ / ١٦٥.

(٢) النزهة ٣٣٧.

(٣) إشارة التعيين ٣١٧ ـ البلغة ٢٢٧.

(٤) انظر نزهة الألباء ٣٣٦.

١٢

وإن ذكر السّيوطي شيوخا قرأ عليهم الورّاق القرآن بالروايات ليفيدنا معرفة الورّاق علم القراءات والأحرف العشرة وإتقانه ذلك حتى إنه أجيز وأجاز في ذلك ، وقد بدا هذا الأمر واضحا في كتابه ؛ فقد ذكر بعض الآيات واختلاف القراءات فيها (١) وكذلك قول السّيوطي" وروى عنه" سواء عند ذكر شيوخه أو تلامذته ليدلنا على أن الورّاق قد أخذ علم هؤلاء الشيوخ ورواه عنهم ، ثم أتى بعده من تلامذته من روى عنه هذا العلم.

وهذا ما تفيدنا به كتب التراجم عن ثقافته ، غير أن كتابه الذي بين أيدينا يشير إلى ثقافة واسعة شاملة في علم النحّو تجلّت من خلال مناقشاته وعرضه آراء النحاة منسوبة وغير منسوبة ، لقد ساير الورّاق عصره وأئمة عصره في علم النحو.

أما ثقافته في العلوم الأخرى فمن المؤكد أنه اطلع على علوم الفلسفة والكلام وأصول الفقه ، ولا سيما أنه قد ألّف في موضوع لا يمكن أن ننكر الصلة بينه وبين هذه العلوم وإن كان أثرها ضئيلا في أسلوبه ، وإنّ الناظر إلى مؤلفاته يجد أن أغلبها قد ألّف في النحو ، عدا كتاب منهاج الفكر ... فلا ندري في أي موضوع هو. مما يجعلنا نجزم أن ثقافته نحوية وأن شهرته نحويا ، وأنه ألّم بباقي العلوم كباقي علماء عصره ، لما لهذه العلوم من صلة بعلوم العربية ونحوها.

ـ شيوخه وتلامذته :

لا نجد ذكرا لشيوخه وتلامذته عند معظم من ترجم له. غير أن السيوطي في البغية ذكر له شيخا ، قرأ عليه القرآن بالروايات وروى عنه ، هو : أبو بكر محمد

__________________

(١) انظر ص ٣٣ ـ ١٢٤ ـ ٢٧٥ ـ ٢٧٦ من هذا الكتاب.

١٣

بن الحسن بن مقسم (١) وهو من قرأ عليه ابن جنّي أيضا (٢) ، ولعل هذا الخبر يفيدنا بكون الورّاق من القراء كما سبق أن ذكرت إلى جانب كونه من النحاة.

وإذا ما عرفنا أن هناك أيضا من تتلمذ على يديه في القراءة كأبي علي الأهوازي الذي قرأ عليه وروى عنه (٣) ، زدنا يقينا بما ذكر سابقا من كونه عالما بالقراءات متعلما ومعلما.

وهؤلاء الشيوخ ممن صرح المترجمون بهم ، إلا أنه يمكن أن نصل إلى شيوخ غير مباشرين للورّاق من خلال كتابه (العلل) فنقول : إنه لم يلتق سيبويه مثلا إلا أنه تتلمذ على كتبه ، فتكرار ذكره وذكر كتابه ومقارنة جميع الآراء برأيه ، وكذلك التأييد المستمر لما يذهب إليه يعد دليلا كافيا لذلك ، وقد علمنا أيضا أن للوراق شرحا لكتاب سيبويه يتكرر ذكره مرارا في كتابه.

كما أنه ذكر غير مرة الخليل ، والمبرد ، وابن السراج ، وأغلب الظن أنه اطّلع على كتبهم وأخذ منها ، وقد ذكر نحاة آخرين كالفراء والكسائي وغيرهم ، إلا أن هؤلاء كانوا كوفيين ، وقد ذكر آراءهم على سبيل المقارنة وإبراز الخلاف بين المذهبين لا على سبيل التتلمذ على أيديهم ، فالورّاق بصري المذهب كما سنرى في فصل قادم.

ـ آثاره :

ذكر الذين ترجموا له عددا من الآثار (٤) منها شروح ومنها مؤلفات.

__________________

(١) انظر ترجمته في تاريخ بغداد ٢ / ٢٠٦ ، وفي معرفة القراء الكبار ١ / ٣٠٦ وجاء فيه" ابن الحسن بن مقسم الإمام أبو بكر البغدادي ، المقرئ ، العطّار ... وكان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين ، وأعرفهم بالقراءات مشهورها وغريبها وشاذها ..." وانظر ترجمته أيضا في ميزان الاعتدال ٣ / ٥١٩ ، ولسان الميزان ٥ / ١٣٠ ـ ١٣١ والبغية ٣٦.

(٢) انظر سر الصناعة : ١ / ٩.

(٣) انظر ترجمة الأهوازي في معرفة القراء الكبار ١ / ٤٠٢ ، وميزان الاعتدال ١ / ٥١٢ ولسان الميزان ٢ / ٢٣٧ ـ ٢٤٠ ، والبغية ٥٣.

(٤) ذكرت هذه الآثار مجموعة في الهدية ٢ / ٥٢.

١٤

فمن شروحه : شرح مختصر الجرمي الأكبر وسمّاه : (الفصول في نكت الأصول) ، والشرح الأصغر وسمّاه (الهداية).

ومن مؤلفاته : كتاب (العلل في النّحو) وهو الذي بين أيدينا.

وكتاب (منهاج الفكر في الخيل) ، كما ذكر في معظم الكتب ، وهو في الكشف : (منهاج الفكر في الحيل).

وقد ذكر الورّاق غير مرة في كتابه العلل أن له شرحا لكتاب سيبويه.

أمّا شرحه الأكبر لمختصر الجرمي فقد قال الصفدي فيه : " قال ياقوت : بلغني أن كتاب الفصول أملاه عليه السيرافي فنسبه هو إلى نفسه ..." (١)

ـ وفاته :

قال هلال بن المحسّن في تاريخه : " في سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة مات أبو الحسن محمد بن عبد الله الورّاق النحوي" (٢)

وقيل : يوم الأحد رابع جمادى الأولى سنة (٣٨١ ه‍). وقد أجمع كل من ترجم له على وفاته في تلك السنة.

بعد حديثنا المفصل هذا عن الورّاق ثقافته وشيوخه ومؤلفاته لا بد لنا أن ننتقل إلى الحديث عن كتابه (العلل).

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٣ / ٣٢٩.

(٢) الإنباه ٣ / ١٦٥ (اقتصر المجلد الثامن من تاريخ هلال بن المحسّن (وهو المجلد الوحيد) على حوادث خمس سنوات من سنة ٣٨٩ إلى سنة ٣٩٣).

١٥

المخطوط ومنهج العمل

ـ وصف النسخة المخطوطة :

لم أجد من كتاب الورّاق سوى نسخة واحدة هي نسخة دار الكتب الوطنية بتونس (الصادقية) برقم (٩٣١٨) ، ومنها صورة في معهد المخطوطات العربية بالكويت برقم (٢٥٥٣) ، وقد حصلت على صورة من هذه النسخة التونسية من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي ، وهي محفوظة فيه برقم (٤٢١ ف) ، والنسخة كاملة تامة مما جعلني لا أحجم عن العمل فيها.

عدد الأوراق في هذه النسخة تسع وثمانون ورقة ، تبدأ النسخة من الصفحة اليسرى في الورقة الأولى وتنتهي في الصفحة اليمنى من الورقة الأخيرة وبذلك يكون عدد صفحاته إحدى وتسعين صفحة ، وفي كل صفحة خمسة وعشرون سطرا ، وفي السطر من أربع عشرة كلمة إلى ثماني عشرة كلمة ، بدأ الكتاب من الورقة الثانية بالحديث عن أقسام الكلام ، إذ إن الورقة الأولى كتبت عليها التملكات (انظر الصورتين في ص ٢١ و ٢٢).

والكتاب مكتوب بخط مغربي خال من الشكل ، طمس المداد ألفاظا قليلة في مواضع متفرقة ، وقد ميز الناسخ عنوانات الأبواب بكتابتها بخط ثخين كبير الحجم ، واتّبع في كتابته ما تعارف عليه النسّاخ من وضع إشارة عند السقط واستدراك ما سقط في الهامش مع تذييله بكلمة (صح) ، غير أنه كان يمزج الشواهد من شعر وآيات بكلام المؤلف في كثير من المواضع.

١٦

وأما الناسخ فهو كما جاء في آخر النسخة ، بلقاسم بن أحمد بن سليمان ، وقد نسخها سنة (٩٠٨ ه‍) وذكر ما يدل على تمامها بقوله : (تمّ الكتاب بحمد الله وحسن عونه والصلاة على سيدنا ومولانا محمد خير النبين وسيد المرسلين ، وكان الفراغ منه يوم الثلاثاء من شهر رمضان المبارك جعلنا الله في بركته سنة ثمان وتسع مئة ، كتبه العبد الفقير الراجي رحمة مولاه الغني بفضله عما سواه : بلقاسم ابن أحمد بن سليمان ، كتبه لنفسه غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ونسأل الله أن يجعلنا من أهل العلم والعاملين به نحن وجميع المسلمين آمين ...).

وفي الصفحة الأولى من النسخة المخطوطة كلام لم أتبين كل ألفاظه لكثرة ما فيه من شطب وتعديل (١) ولكن فيه أن النسخة وقف في جامع الزيتونة ، وأن مالكها هو الوزير الأكبر خير الدين ، وهو من قام بجعل النسخة وقفا في جامع الزيتونة وسأذكر هنا بعض الجمل التي استطعت أن أقرأها ، يقول بعد الثناء على صدر الوزارة ... (... دخل في نوبة الفقير إلى ربه ابن ... أمير الأمراء جناب الوزير الأكبر سيدي خير الدين حمد الله تعالى مساعيه ووفر في سبل الخيرات دواعيه أنه حين جمع هذا الكتاب المسمى (بالوراق في تعليل النحو) على من له أهلية الانتفاع به بشرط ألا يخرجه من مكتبة الجامع الأعظم جامع الزيتونه عمره الله تعالى بدوام ذكره شارطا في حبسه هذا أن يجري فيه ... على مقتضى الترتيب الممضى من الحضرة العلية الملكية أيدها الله تعالى في إدارة المكتبة المذكورة المؤرخ ... سنة (١٢٩٢ ه‍) ... بحيث يكون العمل بهذا التحبيس على منواله وأن لا يعدل به عن يمينه إلى شماله قاصدا بذلك دوام النفع للعباد وأن ينادى باسمه في المحسنين يوم التناد ويشهر.

__________________

(١) انظر صورة الأصل في أول الكتاب.

١٧

انتقل إلى نوبة الهمام الأفخم جناب سيدي خير الدين أمير الأمراء بالشراء الصحيح وكتب في شوال سنة (١٢٨٥ ه‍) وهو على أكمل حال ... ومثله لا يحوم الجدل حول ... في رجب سنة اثنتين وتسعين ومئتين وألف) (١).

هذا ولم أذكر الكثير من الكلمات التي وجدت بين السطور ، فاقتصرت على ما استطعت قراءته بحيث يكون جملا منتظمة.

وقد كتب الناسخ كثيرا من الألفاظ بطريقة الرسم التي كانت شائعة في عصره من مثل : عدم إثبات الهمزة نحو (اليا مسالة) أو كتابتها على غير قواعدنا نحو (فجاءوا) ، ومثل قلب الألف المقصورة إلى ألف ممدودة نحو (ترا) ، ومثل إضافة ألف في آخر بعض الكلمات نحو (يسموا يخلوا) ، وكتابة كلمة (لكنها) على هذا النحو (لاكنها) ، بل ربما خرج عن بعض قواعد النحو ، فنجد أخطاء في الشكل وعدم مراعاة العوامل الجازمة والناصبة كقوله مثلا (لم يحتاجون) و (خواصا) ... إلى غير ذلك من الأغلاط النحوية التي أشرت إليها في حاشية التحقيق ، كما أنه أسقط بعض حروف الجر من جمل يحتاج إليها السياق وذلك نحو قوله : " وإنما وجب زيادة هذين الحرفين لما ذكرناه [من] أن حروف المد أولى بالزيادة ..." (٢) وقوله : " كما جعلوها عوضا من إحدى ياءي النسب [في] يمان ..." (٣) ، ومن ذلك أيضا استخدامه الفعل (يدل) في بعض الأحيان دون أن يعديه بحرف الجر (على).

وقد كتب في رأس بعض الصفحات (عوفك يا كريم) أي عفوك يا كريم.

__________________

(١) صفحة التملكات في الورقة الأولى من المخطوط ، ولعله يعني بالوزير خير الدين : خير الدين باشا التونسي : وزير ومؤرخ من رجال الإصلاح الإسلامي ... تقلد مناصب عالية في تونس آخرها الوزارة ، ثم أبعد عنها فخرج إلى الأستانة وتقرب من السلطان عبد الحميد فولّاه الصدارة العظمى ، توفي سنة ١٣٠٨ ه‍. الأعلام ٢ / ٣٢٧.

(٢) صفحة ٥١.

(٣) صفحة ٣٦٢.

١٨

ـ منهج التحقيق :

لقد قمت بتحقيق النص محاولة تقديمه بالصورة التي وضعها عليه مؤلفه ، فلم أتدخل إلا فيما كان من رسم الناسخ وبينه وبين مؤلفه فرق بعيد في الزمن وفي العلم ، وأما ما كان من اقتراح يتصل بنقص أو زيادة أو تعديل فقد أشرت إليه في المتن وفصلته في الحواشي ، مراعية بذلك الأمانة والحذر في تقديم النص كما هو أصلا ، ولعل ذلك أشد صعوبة من بناء نص جديد.

والتزمت في عملي القواعد المتبعة والأمور المراعاة في تحقيق النصوص التراثية فقمت :

١ ـ بكتابة النص كما ورد في الأصل دون أي تغيير ؛ إلا ما جاء مخالفا لقواعدنا الإملائية أو مخالفا لقواعدنا النحوية في الشكل ، لأن هذا من عمل الناسخ ولا يعبر عن علم المؤلف. وقد أشرت إلى الأصل في الحاشية.

٢ ـ ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم ودللت على أماكنها في كتب التراجم ، واقتصرت على ترجمة العلم مرة واحدة لدى أول ورود له ، ورددت سائر المرات عليه.

٣ ـ خرّجت الآيات القرآنية والقراءات ، كما خرجت الأشعار وعزوتها إلى قائليها ما أمكنني ذلك ورددتها إلى دواوينهم وأماكن وجودها ، كما أتممت في الحاشية الأبيات التي وردت أنصافا.

٤ ـ شرحت ما يحتاج إلى شرح من ألفاظ النص شرحا لغويا ، وكذلك شرحت بعض الأبيات الشعرية الغامضة المعنى.

١٩

٥ ـ دللت على أماكن المسائل النحوية التي وردت في المخطوط في أمهات كتب النحو ولا سيما كتاب سيبويه.

٦ ـ أشرت إلى نهاية صفحة وبداية أخرى بخط مائل (/) مقرون بالحرف (أ) إن كانت الصفحة يمنى ، وبالحرف (ب) إن كانت يسرى.

٧ ـ حاولت تقويم بعض جمل النص لما وجدتها ناقصة غير تامة ، وذلك بأن وضعت الزيادة بين معقوفين [] وأشرت إلى ذلك في الحاشية.

٨ ـ وتقويما للنص ، وحرصا على الفائدة ، فقد أدخلت ما كان على هامش المخطوط في صلب الكتاب ، وذلك بأن وضعت الزيادة بين معقوفين [] أيضا ، وأشرت إلى ذلك في الحاشية ، فالذي يغلب على الظن أن معظمها سقط من الناسخ ثم استدركه ، وبعضها لتمام الفائدة.

٩ ـ لم أثقل الحواشي بالتعليقات لأنني آثرت أن يكون ذلك في موضعه من الدراسة لا من التحقيق.

١٠ ـ صنعت للنص فهارس لآيات القرآن الكريم وشواهد الشعر والأمثال واللغة والأعلام والأماكن.

٢٠